القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 13
كم تعجبُ الناسُ من صَيْدٍ ولا شَرَكٍ
كم تعجبُ الناسُ من صَيْدٍ ولا شَرَكٍ / يَصيدُ رئمٌ به قَلبي سِوى نَظَري
وَكَم يَقولونَ مَجنونٌ وما عَلِموا / أَنَّ الجُنونَ الَّذي بي من هَوى بِشرِ
لا عذّبَ اللَّهُ من أَجلي مُعَذِّبَةً / تُشَرّدُ النومَ عَن عَينَيَّ بِالسَّهَرِ
يبيتُ في ثَغْرها بردُ الشبابِ كَما / باتَ النَّدى مِن أَقاحي الروضِ في زَهَرِ
يا لَيتَني والأَماني رُبَّما بُلِغَتْ / نَقَعتُ حَرَّ غَليلي مِنهُ في الخَصَرِ
وَرُبَّ صُبْحٍ رَقَبْنَاهُ وقد طَلَعَتْ
وَرُبَّ صُبْحٍ رَقَبْنَاهُ وقد طَلَعَتْ / بَقِيّةُ البَدْر في أُولى بَشَائِرِهِ
كَأَنَّما أدهمُ الظلماءِ حينَ نَجا / مِن أشهَبِ الصُّبحِ ألْقَى نَعْلَ حافِرِهِ
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ / مواصلٍ كَرْبَ آصالي بأسْحَاري
كأنّ حَشْوَ جفوني عند سَوْرَتِهِ / جيشٌ منَ النَّملِ في جُنحِ الدُّجى ساري
كأنّه للقَذَى والدمعِ في وَحِلٍ / فَخَلْعُهُ أَرجُلاً مِنهُ بِإِضرارِ
كَأَنَّ أَوجاعَ قَلبي من مُطاعَنَةٍ / بِالشَّوكِ ما بَينَ أَشفاري وأَشفاري
كَأَنَّما لُجَّةٌ في العَينِ زاخِرةٌ / تَرمي سَواحِلَ جَفنَيها بِعُوّارِ
تُفَجِّرُ الماءَ مِنها كُلَّما وَضَعَتْ / لِهَجعَةٍ مِنهُما ناراً على نارِ
كم ليلةٍ بتُّ صفراً من كرايَ بها / ومن مَخيلةِ صُبْحٍ ذاتِ إسفارِ
إذ باتَ جفني رضيعَ ابني يقاسمُهُ / لُبانَ أسحَمَ يَغذوهُ بِمِقدارِ
في حَلْقَةٍ مِن ظَلامٍ لا تَرى طَرَفاً / يَبدو بها من سَنا صُبْحٍ لأَبصارِ
كَأَنَّما الشَّرقُ دِهْقَانٌ يَرى غَبناً / في دَفعِهِ مِنهُما الكافورَ بِالقارِ
كَأَنَّما الشَّمسُ قد رُدَّتْ إلى فَلَكٍ / على الخلائقِ ثَبْتٍ غيرِ دَوّارِ
كَأَنَّما اللَّيلُ ذو جَهلٍ فَلَيسَ يَرَى / في دِرهَمِ البَدْرِ مِنها أَخْذَ دينارِ
يشكو لجفنيَ جفني مثلَ عِلّتِهِ / كَالضَّيمِ يُقْسَمُ بينَ الجارِ والجارِ
فالحَمدُ للَّه مَجرى النورِ من غَسَقٍ / وجاعلِ اللَّيلِ في تَلطيفِ أَحجارِ
كَم أبعدَ النَّاسُ في أَمرٍ ظنونَهُمُ / فكان دائي قريبَ البُرْءِ بالباري
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ / يغوصُ فيه على درِّ النهى النّظَرُ
يكسو السطورَ ضياءً عند ظلمتها / كأنّ ينبوعَ نورٍ منهُ ينفجرُ
يَشِفُّ للعينِ عن خطِّ الكتاب كما / شفّ الهواءُ ولكن جِسمُهُ حَجَرُ
يُبدي الحُروفَ بجُرحٍ نَالَها عَرقٌ / فيهِ وقَرَّ عَلَيها جامداً نَهرُ
كَحَلت عينِيَ إذ كَلَّتْ بِجَوهَره / أَما يُحَدّ بِكُحْلِ الجَوهَرِ البَصرُ
كَأنَّه ذِهنُ ذي حذق يَفُكُّ به / من المُعَمّى عويصاً فكّهُ عَسِرُ
نِعمَ المُعينُ لِشَيخٍ كَلَّ ناظرُهُ / وَصَغَّرَ الخطَّ في ألحاظه الكِبَرُ
يرى به صُوَرَ الأسْطار قد عَظُمَتْ / كعُنْصُلِ الماءِ فيه يَعظُمُ الوبَرُ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ / لولا وصالُ ذواتِ الدلّ والخفَرِ
السافراتُ شموساً كلَّما انتَقَبَتْ / تبرّجَتْ مُشْبِهاتُ الأنجُمِ الزُّهُرِ
مِن كُلِّ حَوراءَ لم تُخذَلْ لَواحِظُها / في الفتكِ مُذ نَصَرَتْها فَتكَةُ النظرِ
أَوْ كُلّ لَمياءَ لو جادَتْ بِريقِ فمٍ / نَقَعتُ حَرّ غليلي منه في الخَصَرِ
محسودةُ الحسن لا تنفكّ في شَغَفٍ / منها بصبحٍ صقيل الليل في الشَّعَرِ
لا تأمننّ الردى من سيف مُقلَتِها / فإنّه عَرَضٌ في جَوهَرِ الحَوَرِ
إِنِّي امرؤ لا أرى خَلْعَ العذارَ على / مَن لا يقُومُ عَلَيهِ في الهوى عُذُري
فما فُتِنتُ بردفٍ غَيرِ مُرْتَدَفٍ / ولا جُنِنْتُ بِخَصرٍ غَيرِ مُخْتَصَرِ
وَشَرْبةٍ من دم العنقودِ لو عُدِمتْ / لم تُلْفِ عيشاً له صفوٌ بلا كدَرِ
إِذا أُديرَ سَناها في الدّجى غَمَسَتْ / دُهْمَ الحنادس في التحجيل والغَررِ
تَزداد ضِعْفاً قُواها كلَّما بَلَغَتْ / بها الليالي حدودَ الضَّعف والكِبَرِ
لا يَسمَعُ الأَنفُ من نَجْوَى تَأَرُّجِها / إِلّا دعاويَ بين الطيبِ والزَّهرِ
إِذا النديمُ حَساها خِلتَ جريَتها / نجماً تَصَوّبَ حتّى غارَ في قَمَرِ
تُصافِحُ الراحَ من كاساتها شُعَلٌ / ترمي مخافة لمسِ الماء بالشَّرَرِ
تعلو كراسيَّ أيدينا عرائِسُهَا / تُجْلى عَلَيهِنَّ بَينَ النايِ والوتَرِ
حَتَّى تَمَزَّقَ سترُ الليلِ عن فَلَقٍ / تَقَلُّصَ العَرْمَضِ الطامي على النَّهَرِ
والصُّبحُ يرفعُ كفّاً منه لاقطةً / ما للدَّراري على الآفاق من دُرَرِ
عَيشٌ خَلَعتُ على عُمري تَنَعُّمَه / ليتَ اللياليَ لم تخلعه عن عُمري
وَلّى وما كنتُ أدري ما حقيقتُه / كأنّما كان ظلَّ الطائر الحَذِرِ
باللَّه يا سَمُراتِ الحيِّ هل هَجَعَتْ / في ظِلِّ أَغصانِكَ الغِزْلانُ عَن سَهَري
وَهَل يُراجِعُ وَكراً فيك مُغْتَرِبٌ / عَزّتْ جناحَيهِ أشراكٌ منَ القَدَرِ
فَفيكَ قَلبي ولَو أَسطيعُ من وَلَهٍ / طارتْ إليك بجسمي لَمحَةُ البَصَرِ
قُولي لِمَنزِلَةِ الشَّوقِ الَّتي نَقَلَتْ / عَنها اللَّيالي إلى دار النَّوى أثَري
نِلْتُ المُنَى بابنِ عبّادٍ فَقَيّدَني / عَنِ البدورِ الَّتي لي فيك بالبِدَرِ
حَطّتْ إليه حُداةُ العيسِ أرْحُلَنا / فَالعَزم صِفْرٌ بِمَثواهُ مِنَ السَّفَرِ
كانَ ابتِدائي إِلَيه عاطِلاً فغدا / منه بِحَلْيِ الأماني حاليَ الخَبَرِ
مُمَلَّكٌ قَصْرُ أعْمارِ العُداةِ به / وَقْعُ السُّيوفِ على الهاماتِ والقَصَرِ
عَدْلُ السياسةِ لا يَرْضى له سِيَراً / إلا بما أنْزَلَ الرّحمنُ في السُّوَرِ
يُسْدي بِيُمْناهُ من معروفه مِنَناً / تَكسو الصَّنائعَ صنعانِيَّةَ الحِبَرِ
لو أَضحَتِ الأرضُ يوماً كفَّ سائِلَهُ / لَم تَفتَقِرْ بَعدَ جَدواه إِلى مَطَرِ
يَأوي إِلى عِزَّةٍ قَعْساءَ مُرْغِمَةً / أَنْفَ الزَّمانِ على ما فيه من أشَرِ
لا يُفْلتُ الجريُ من أيدي عزائمه / أو يجعلَ الهامَ أجفانَ الظبا البُتُرِ
جارٍ له شأوُ آباءٍ غطارِفَةٍ / أُسْدٍ على الخَيلِ أقمارٍ على السُّررِ
لا تَسْتَلِينُ المَنايا عَجْمَ عودِهِمُ / والنَّبعُ لَيسَ بِمَنسوبٍ إلى الخَوَرِ
يُقَطّبُ الموتُ خوفاً من لقائِهِمُ / ويضحكُ الثغرُ منهمْ عن سَنَا ثُغَرِ
يا مُرْويَ الرُّمح والأرماحُ ظامئةٌ / من الأسود الضَّواري بالدَّمِ الهَدَرِ
لولا تَعشّقُكَ الهيجاءَ ما ركبَتْ / بك العزيمةُ فيها صَهْوَةَ الخطَرِ
إِذا التَظَتْ شُعَلُ الأَرماحِ وَانغَمَسَت / مِنَ الدُّروعِ عَلى الأَرواحِ في غدرِ
وفي اصطِبارِكِ فيها والرَّدى جَزِعٌ / ما دلّ أنّك عنها غيرُ مُصْطَبرِ
ومأزقٍ مَزّقَتْ بيضُ السُّيوفِ به / ما لا يُرَقّعُه الآسونَ بالإبَرِ
من جَحْفَلٍ ضَمِنَ الفتحُ المبينُ له / ذُلَّ الأعادي بعزِّ النَّصرِ والظّفَرِ
تَحدو عَذابَكَ فيه للوَغَى عَذَبٌ / تَهفو كَأَيدي الثكالى طِشْنَ من حررِ
جاءَتْ صُدُورُ العوالي فيه حاقِدَةً / يَفتَرُّ منها دخانُ النقعِ عَن شَرَرِ
فَكَمْ قُلوبٍ لها جاشَتْ مراجِلُها / لَمّا تَساقَطَ جَمْرُ الطَّعنِ في النُّقَرِ
كَأَنَّما كُلُّ أَرضٍ من نَجيعِهِمُ / رَخوُ الأَسِنَّةِ منها ميِّتُ الشعرِ
وخائضٍ في عُبابِ الموتِ مُنصلتٍ / مُقارِعِ الأُسد بين البيضِ والسمرِ
خَلَقْتَ بالضربِ منه في القذالِ فماً / أنْطَقْتَ فيه لِسانَ الصَّارِم الذكرِ
يا معلياً بعلاهُ كلّ مُنْخَفِضٍ / ومُغنِياً بِنَداهُ كُلَّ مُفتَقِرِ
هَل كانَ جُودُكَ في الأَموالِ مُقتَفِياً / آثارَ بأسِكَ في أُسدِ الوَغى الهُصُرِ
نادَى نَدَاكَ بَني الآمالِ فَازدَحَموا / بِالوَاخِداتِ على الرّوْحاتِ والبُكَرِ
كَما دَعا الرّوْضُ إذ فاحَتْ نَواسِمُهُ / رُوّادَهُ بِنَسيمِ النّوْرِ في السَّحَرِ
يُهدي لَكَ البحرُ مما فيه مُعْظَمَهُ / والبحرُ لا شكَّ فيهِ مَعدَنُ الدّرَرِ
إِنّا لَنخجل في الإِنشادِ بينَ يَدي / رَبِّ القوافي الَّتي حُلّينَ بالفقرِ
مَن ملَّك اللَّهُ حُسنَ القول مِقولَهُ / فلو رآه ابنُ حُجْرٍ عادَ كالحجَرِ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ / إذ أوْحَشَتْهُ مَعالِيهِ منَ النُّظَرا
مُؤيَّدٌ بمضاءِ الرأيِ يَحْمَدُهُ / لا يُحمَدُ السيفُ إلا ماضياً ذكرا
يُمْضي الأمورَ بآراءٍ مُسَدَّدَةٍ / كَأَنَّهُنَّ سِهامٌ تقصد الثُّغَرا
مِنَ العوارِفِ آلافٌ مُجَدِّدَةٌ / للنَّاسِ في كلِّ عامٍ معْلَماً دَثَرا
لو كانَ يُنْظَمُ حُبّاً في مَدائِحِه / حَبُّ القلوبِ نَظمناها له فِقَرا
رَدّتْ زمانَ الجهل هِمّتُهُ / وَغَيّرَتْ فيه من عاداتها الغِيَرا
يا مَن أَياديهِ في الأَنعامِ لَا عُقِلَتْ / أطْلَقْنَ بالمدح فيه ألْسُنَ الشُّعَرا
دُمْ في جلالةِ قدرٍ بالعُلى قُرِنَتْ / وَحَالَفَ السّعْدُ فيما تأمُلُ القَدَرا
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ / ويا تألُّفَ نظم الشمل مَنْ نَثَرَك
ويا شؤوني وشأني كُلّهُ حَزَنٌ / فُضّي يَواقِيتَ دَمعي واحبِسي دُرَرك
ما خِلتُ قَلبي وَتَبريحي يُقَلِّبُهُ / إلا جناحَ قطاةٍ في اعتقال شَرَك
لا صبرَ عنكِ وكيف الصبر عنكِ وقد / طواكِ عن عينيَ الموجُ الذي نَشَرك
هلّا وروضةُ ذاك الحسنِ ناضرةٌ / لا تلحظُ العينُ فيها ذابلاً زَهَرك
أماتكِ البحرُ ذو التيَّار من حَسَدٍ / لمّا دَرَى الدرُّ منه حاسداً ثَغرك
وَقَعتُ في الدَّمعِ إِذ أُغْرِقتِ في لُجَجٍ / قَد كادَ يَغمِرُني مِنهُ الَّذي غَمَرَك
أَيَّ الثَّلاثَةِ أَبكي فَقْدَهُ بِدَمٍ / عميمَ خُلقِكِ أم مَعناكِ أم صِغَرَكْ
من أين يَقْبَحُ أن أفنى عليكِ أسى / والحسنُ في كُلِّ فَنُّ يَقتَفي أثَرَكْ
كُنتِ الشَّبيبةَ إذْ وَلَّتْ ولا عِوَضٌ / منها ولو رَبحَ الدُّنيا الَّذي خَسِرَك
ما كنتُ عنكِ مطيلاً بالهوى سَفَري / وقد أطَلْتِ لِحَيْني في البلى سَفَرك
هل واصلي منكِ إلا طيفُ ميّتَةً / تُهْدي لعينيَ من ذاك السكونِ حَرَك
أُعانقُ القبر شوقاً وهو مشتَمِلٌ / عليكِ لو كنتُ فيه عالماً خَبَرَك
وددتُ يا نورَ عيني لو وَقَى بَصَري / جَنادِلاً وتُراباً لاصِقا بشَرَك
أقولُ للبحر إذ أغشيتُهُ نظري / ما كَدّرَ العيشَ إلا شُرْبُها كَدَرك
هلا كففتَ أُجاجاً منك عن أُشَرٍ / من ثَغْرِ لمياءَ لولا ضعفها أسرك
هلا نظرتَ إلى تفتير مُقْلَتِها / إني لأعجبُ منه كيف ما سَحَرَك
يا وَجْهَ جوهرةَ المحجوبَ عن بَصَري / من ذا يقيكَ كسوفاً قد علا قَمَرَك
يا جِسمَها كَيفَ أَخلو من جوى حَزَني / وأَنتَ خالٍ مِنَ الرّوح الَّذي عَمَرك
ليلي أطالَكَ بالأحزانِ مُعْقَبَةً / عليّ مَنْ كانَ بالأفراح قد قَصَرَك
ما أغْفَلَ النائمَ المرموسَ في جدثٍ / عمّا يُلاقي من التَّبريح مَنْ سَهِرك
يا دُولةَ الوصلِ إن ولّيتِ عن بصري / فالقلبُ يقرأ في صُحْفِ الأسى سمَرك
لَئِن وجدتُكِ عَنّي غيرَ نابيَةٍ / فإنّ نفسيَ منها ربُّها فطرك
إِن كانَ أَسلَمكِ المضطَرُّ عن قَدَرٍ / فلم يخنْكِ على حالٍ ولا غَدَرَك
هل كان إلا غريقاً رافعاً يَدَهُ / نهاهُ عن شُرْبِ كاسٍ مَن بِها أَمَرَك
أَما عَدَاكِ حِمامٌ عَن زيارتِهِ / فكيفَ أطْمَعَ فيك النفسَ وانتظَرَك
إِن كانَ للدَّمع في أرجاءِ وَجنَتِهِ / تبرّجٌ فهو يبكي بالأسى خَفَرك
وما نَجوتُ بِنَفسي عَنكِ راغِبَةً / وإنّما مَدّ عُمْري قاصرٌ عُمُرَك
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ / ولا اختفَى قَمَرٌ حتى بدا قَمَرُ
قد ماتَ يحيَى فماتَ الناسُ كُلّهُمُ / حتى إذا ما عليٌّ جاءهم نُشِروا
إنْ يُبْعَثُوا بسُرورٍ مِنْ تملُّكهِ / فَمنْ مَنيّة يحيَى بالأسَى قُبِروا
أَوفى عليٌّ فَسِنُّ المَلكِ ضاحِكَةٌ / وعينُهُ من أبيه دَمْعُها هَمِرُ
يا يَومَ وَلَّى عنِ الدُّنيا بِهِ طُمِسَتْ / بِظُلمَةِ الرزءِ مِن أَنواركَ الغُررَ
ومادَتِ الأَرضُ من فُقدانِها جَبلاً / ينابِعُ الجودِ من سفحَيهِ تَنفَجِرُ
لَم تُغْنِ عَنهُ غِياضٌ مِن قَناً وظُبىً / حمرُ الحماليق فيها أُسْدُها الهُصُرُ
يَرَونَ زُرْقَ ذِئابٍ ما ثَعالِبها / إلَّا عَوامِلُ في أيمانها سُمُرُ
ويَترُكونَ إِذا جَيشَا الوَغى انتَظَما / سَلخاً كَساه حديداً حَيّةٌ ذَكرُ
وديعةُ السّيلِ في البطحاءِ غَادرها / تقري الرِّماحِ بها الآصالُ والبكرُ
لَم يُغْنِيَا عَنهُ لا عِزٌّ يُدِلُّ بِهِ / مَن كانَ بِالكِبرِ في عِرنِينِهِ أَشَرُ
ولا مهابَةُ محجوبٍ تَبَرَّجَها / كَأنّهُ عِندَ أبصارِ الورى خَفَرُ
شُقَّت جُيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ / في الخافقَينِ عليه الأنجمُ الزُّهرُ
إِذِ السَّماءُ بِصَوتِ الرَّعدِ صَرْختُها / يكادُ منها فؤادُ الأرضِ يَنفَطِرُ
والجَوُّ مُتَّقِدُ الأحشاءِ مُكتَئِبٌ / كَأَنَّما البرقُ فيها لِلأَسى سُعُرُ
وقَلَّ لابنِ تَميمٍ حُزْنُ مَأتَمِها / فَكلّ حُزنٍ عظيمٍ فيه مُحتَقَرُ
قامَ الدّليلُ ويَحيَى لا حياةَ لهُ / إِنَّ المنِيَّةَ لا تُبقي ولا تَذرُ
أمسى دفيناً ولم تُدْفَنْ مفاخرُهُ / كالمِسْكِ يُطوى ونشْرٌ مِنهُ يَنتَشرُ
قد كنتُ أحسبُ أن أُعطَى مُنايَ به / وأن يطولَ على عمري لهُ عمرُ
وها أنا اليومَ أرثيهِ وكنتُ لهُ / أُنَقّحُ المدحَ والدنيا لها غِيَرُ
يا وَيْحَ طارِقِ لَيلٍ يَستَقِلُّ بِهِ / سامي التليلِ براهُ الأيْنُ والضُّمُرُ
في سرجه من طُيورِ الخيلِ مُبتْدِرٌ / وما جناحاهُ إلّا العُنقُ والخَصِرُ
يطوي الضَّميرَ على سِرٍّ يُكِنُّ به / بُشْرَى ونَعْيٍ حَيارَى منهما البَشَرُ
لَولا حَديثُ عَلِيٍّ قلتُ من أسَفٍ / بِفيكَ يا مَن نَعى يَحيَى لَنا العَفَرُ
إِن هُدَّ طَوْدٌ فذا طَوْدٌ يُعَادِلُهُ / ظِلٌّ تُؤَمَّنُ في أفيائِهِ الجدُرُ
أَو غيضَ بَحرٌ فَذا بَحرٌ بِمَوضِعِهِ / لِوارِديهِ نَميرٌ ماؤُهُ خَصِرُ
يا واحِداً جُمِعَتْ فيهِ الكرامُ ومَنْ / بِسَيفه مِلَّةٌ التَّوحيدِ تَنتَصِرُ
أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإِيجافُ عادتُهُ / والصُّبحُ مُحتَجِبٌ واللَّيلُ مُعتَكِرُ
لَمّا سَرَيتَ بِجَيشٍ كُنتَ جُملَتَهُ / وما رَفيقاكَ إلّا النَّصرُ والظَّفَرُ
طوى له اللَّه سَهباً بِتَّ قاطِعَهُ / كأنّما بُعْدُهُ بالقُرْبِ يُخْتَصِرُ
وَقَصَّرَ السَّعدُ لَيلاً فالتَقى عَجلاً / مِنهُ العِشاءُ على كَفَّيكَ والسَّحَرُ
وفي ضُلوعِكَ قَلبٌ حَشوُهُ هِمَمٌ / وبَينَ عَينَيكَ عَزمٌ نَوْمُهُ سَهَرُ
حَتّى كَسَوْتَ حياةً جِسْمَ مَملكةٍ / بِرَدّ روحٍ إليهِ منكَ يَنْتَظرُ
هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ في ملكٍ / لِمَوْتهِ كانَ منكَ العيش يذَّخِرُ
جَلَستَ في الدستِ بالتَّوفيقِ وابتَهَجَتْ / بِكَ المَنابِرُ وَالتِّيجانُ والسُّرُرُ
أَضحَتْ عُلاكَ على التَّمكينِ ثابِتَةً / فَطيبُ ذِكرِكَ في الدُّنيا له سَفَرُ
تناوَلَ القَوْسَ باريها فأسْهُمُهُ / نَوافِذٌ في العدى أَغراضُها الثُّغَرُ
وقامَ بالأمرِ سهْمٌ منكَ مُعْتَزِمٌ / يجري منَ اللَّه في إِسعادِهِ القَدَرُ
وأصبَحَتْ هِمَمُ الآمالِ سانِيةً / عَنِ العَطايا الَّتي عُنوانُها البِدَرُ
وَأَنتَ سَمحٌ بِطَبعٍ غَيرِ مُنتَقِلٍ / سِيّانِ في المحلِ مِنكَ الجَوْدُ وَالمَطَرُ
واسلَمْ لِعِزِّ بني الإِسلامِ ما سَجَعَتْ / سَوامِرُ الطَّيرِ وانآدت بِها السَّمُرُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ / يُحْكَى فيُصْغي إليْه الشُّهْبُ والبشَرُ
كأنّه وهو من مَتْنِ الصّبا مَثَلٌ / من كلّ قُطْرٍ منَ الدنْيا له خَبَرُ
ما اسْتُحْسنَ الدَّهرُ حَتَّى زانه حَسَنُ / وأشرقت في الورى أيامُهُ الغررُ
شهمٌ له حينَ يَرمي في مناضلةٍ / سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغرُ
لو خُصَّ عَصْرُ شبابٍ مِنْ سعادته / بلحظةٍ لم يَنَلْهُ الشيبُ والكبرُ
مُلْكٌ جديدُ المعالي في حمى ملك / ماضٍ كما طُبِعَ الصمصامة الذكرُ
لَقَد نَهَضتَ بِعِبءِ الملكِ مُضطلعاً / به ظهيراكَ فيه السّعْدُ والقدرُ
فإن نُصِرْتَ على طاغٍ ظفرتَ به / فما حليفاك إلا النصر والظفرُ
وإن خَفَضْتَ عُداةَ اللّه أو خُذلوا / فأنْتَ باللّهِ تستعلي وتنتصرُ
أصبحتَ أكبرَ تُعْطي كلّ مرتبةٍ / حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغرُ
يُخْشَى حُسَامُكَ مغموداً فكيف إذا / ما سُلّ للضرب وانهدّتْ به القَصَرُ
وليس يعجبُ من بأس مخايله / من مقلتيكَ عليها يشهد النظرُ
والشبلُ فيه طباعُ الليثِ كامنةٌ / وإنّما ينتضيها النّاب والظفرُ
إنّ البِلادَ إذا ما الخوْفُ أمْرَضَها / ففي أمانك من أمراضها نُشرُ
وما سفاقسُ إلا بَلْدَةٌ بعثَتْ / إليك عنها لسانَ الصدق تعتذرُ
وأهلها أهلُ طَوْعٍ لا ذنوبَ لهم / إنِّي لأُقسم ما خانوا وما غَدروا
وإنّما دافعوا عن حتف أنفسهم / إذ خَذّمَتْهُمْ به الهنديّةُ البترُ
ضرورةٌ كان منهم ما به قُرفوا / وبالضرورةَ عنهم نَكّبَ الضررُ
وَقَد جَرى في الَّذي جاؤوا به قَدَرٌ / ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَرُ
وما على النَّاسِ في إِحسانِ مملكةٍ / إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَرُ
كُلٌّ لِعَلياكَ قد كانَت حَمِيَّتُهُ / مؤكِّداً كلّ ما يأتي وما يَذرُ
وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهمُ / فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفَرُ
بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤَرَّقة / أمْوَاهُهُنّ مِنَ النيرانِ تَنفجرُ
وَرَحمَةُ اللَّه تَترى منهُمُ أَبداً / عَلَيهِ ما كَرّتِ الآصالُ والبُكَرُ
حَتَّى إِذا قيلَ قد حازَ العُلى حَسَنٌ / مَدّوا إلى أحمَدَ الألحاظَ وانتظروا
وقَبّلوا من مذاكي خيله فَرحاً / حوافراً قد علا أرساغَها العفرُ
مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ / فكم بها من كسيرٍ لَيسَ يَنجَبِرُ
شوقاً إليهم ومحضاً من وفائهمُ / لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدرُ
أَبوكَ مَدَّتْ عليهم كفُّ رأفتِهِ / منها جناحاً مديداً ظلّه خَصِرُ
حَدَّتْ لَهُم في قَوامِ الأَمرِ طاعتُهُ / حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صَدَروا
وألَّفَ اللَّهُ في الأوطانِ شَملهُمُ / فنُظّموا في المغاني بعدما نُثروا
وأَنت عَدْلٌ فسِرْ فيهم بسيرَتِهِ / فالعَدْلُ في المُلكِ عنه تُحْمد السيرُ
أنتمْ مُلوكُ بني الدُّنْيا الَّذين بهمْ / تَرْضَى المنابِرُ والتيجانُ والسررُ
أعاظمٌ من قديم الدَّهر مُلْكُهُمُ / تَرَى المَفاخِرَ تَسْتَخْذي إذا افتخروا
من كلّ مقتحمٍ في الحرب مُعْتَزِم / فمن فرائسه آسادُها الهُصُرُ
ذِمْرٌ له في ضمير الغِمْد ذو شطبٍ / كأنّه بارقٌ يسطو به قمرُ
شُمْسُ العداوَةِ حَتّى يُستقادَ لهم / وأعظمُ النّاسِ أحلاماً إذا قَدَروا
إِلَيكَ طَيِّبَ روض المدح نَفْحَتهُ / لمّا تَفتّحَ فيه بالنّدى زَهَرُ
يَجوبُ مِنهُ ذَكِيُّ المِسكِ كُلَّ فلاً / طيباً ويعبرُ منه العنبر الذفرُ
كأنّ زُهْرَ الدراري فيه قد نُظِمَتْ / كما تنظّمُ في أسلاكِها الدررُ
يا من تضاعفَ فيضُ الجود من يدِهِ / كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مُختَصَرُ
إنّي نَأيتُ وحظِّي حُطَّ منزلةً / كأنّما طول باعي عاقَهُ قِصَرُ
وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به / والمِسكُ يُطْوَى ونشرٌ منه ينتشرُ
وقَد بَعَثتُ رِثاءً في أَبيكَ ولي / حُزْنٌ عَلَيهِ فُؤادي مِنهُ يَنفَطِرُ
وما بدا ليَ جُودٍ أمَرْتَ به / عينٌ تفوز به عيني ولا أَثَرُ
وكفّكَ المزنُ تسْقي من دَنَا ونأى / وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطرُ
بَقيتَ للدينِ والدّنيا وأهلَهُما / وَمُدّ في رتب العليا لك العمرُ
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها / مُهَذّباً آخذاً بالحزْمِ يَستُرُها
فاطوِ السرائرَ في الجنبَينِ تحجنها / عنِ اللِّسانِ الَّذي للسَّمْعِ يَنشرها
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا / إلى السّماءِ فكلّ الخوْفِ في النّظرِ
فإنهُمْ يتّقونَ البَطْشَ مِنْ مَلِكٍ / مُنَفّذٍ أمْرَهُ كاللَّمحِ بالبصرِ
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به / كأنّ للسمعِ منه رؤيةَ البصرِ
فلم يزل في وجوهِ الحُسْنِ مُقتبِلاً / بالوصفِ في صُوَرٍ منها إلى صورِ
وكيف يَخْفى عليه ما كلِفْتُ به / إذا الدّلائلُ دَلّتْهُ على القمرِ
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً / قالتْ أصمّ دعوه يعذرْ
حديثُهَا سكرٌ شهيّ / وأطيبُ السكرِ المُكَرَّر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025