القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 5
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ / واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا
وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ / وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ
لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم / لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر
إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها / سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر
تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ / فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر
مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ / تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا
وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ / شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر
إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ / أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر
أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها / ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر
ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها / يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر
مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها / فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر
ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا / وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر
طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه / على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر
وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً / لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر
وأنتَ يا بن " سليمانَ" الذي لَهِجتْ / بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر
الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ / حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر
والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها / لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر
هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته / أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر
أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ / ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر
وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً / أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر
دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه / تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر
فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه / يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر
وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به / والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر
وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم / على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر
وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به / ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر
أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت / لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر
أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ / أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر
ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ / يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر
والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ / فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر
أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ / وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر
وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها / لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر
لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم / فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا
هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ / شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر
وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً / من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر
إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً / وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر
إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها / يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر
تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم / أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر
تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها / ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر
فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا / عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا
للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم / ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر
ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ / مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر
وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ / يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر
فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ / فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر
ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها / فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا
تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً / مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا
أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ / أم كانَ عن " حِكمةٍ " أو صحبِهَ خَبَر
واللهِ لاقتِيدَ "زيدٌ " باسم " زائدةٍ" / ولأصطلى " عامرٌ " والمبتغى " عُمَر"
ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم / ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر
ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ / ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر
أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ / من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر
تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً / أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها / إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به / ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ / للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها / بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني / حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني / صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ / بكل مرتجف الأطيافِ مسحور
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه / عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي / ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير
كأنني والمروجُ الخضرُ تنفَحُني / بالموحيات " ابنُ عمرانٍ " على الطور
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه / لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير
وتستبيك بحشدٍ من روائعها / موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت / طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه / على القراطيس نقصٌ في التعابير
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً / عن حسنها بأغاريد العصافير
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً / عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على / خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ / صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها / عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها / وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً / ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً / نقَّ الضفادع في لحن الشحارير
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره / بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه / كان الضمينَ بإنياس الدياجير
واستضحك الشط من لئلاء طلعته / كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت / ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ / تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه / تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ / بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الأباة وقد سيموا مناقصةً / في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ / أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ / في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت / فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها / بعدَ " الحُسينِ " ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها / أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم / ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ / سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ / من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت / هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت / وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ / بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها / فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى / مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها / وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه / قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها / بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه / يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً / لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ / تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها / خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه / تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت / سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً / عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت / ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً / فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا / لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ / فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما / مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار
طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ
طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ / وفاض فالأرضُ والأشجارُ تنغمِرُ
وراعت الطائرَ الظمآنَ هيبتُه / فمرَّ وهو جبانٌ فوقَه حذِر
كأنما هو في آذيِّه جَبَلٌ / على الضفاف مُطلٌّ وهي تنحدر
رَبُّ المزارعِ والملاّحِ راعَهما / بالحول منه عظيمُ البطش مقتدِر
باتت على ضَفَّتيه الليلَ تحرُسُه / غُلبُ الرجال لما يأتيه تنتظر
راحو أُسارى مطأطين الرؤوسَ له / وراح طوعَ يديه النفعُ والضرر
مَشَى على رِسْلِه لا الخوفُ يَردَعُه / ولا عن الفِعلة النكراءِ يعتذِر
ومر يَهزَأ من أيد تقاومه / تسعَى لتحكيم أسداد وتبتدِر
فكلُّ ما بلغَ الانسانُ من عَنَتٍ / قُوى الطبيعةِ تأتيه فيندحِر
وما " الفرات ُ " بمسطاعٍ فمختَضَدٍ / ولا بمستعبَد بالعُنفِ يُقتَسر
كم من معاركَ شنَّ الفنُ غارتَها / على " الفرات " ولكنْ كانَ ينتصر
نَموذَجٌ " للأنانيينَ " ليس له / ولا عليه أفازَ الناسُ أم خسِروا
في حينَ باتَ جميعُ الناس يُرهبُهم / في كل ثانيةٍ عن سَيره خَبَر
ملءُ القلوب خشوعٌ من مهابتِه / وملءُ أعينهم من خوفِه سَهر
وراح شُغْل النوادي عن فظاظته / يُجرى الحديثَ وفيه ينقضي السهر
ورُوِّعَ السمعُ حتى بات من ذَهَل / يود سَمعُ الفتى لو أنه بَصَر
واستُبطِئت عن نَثَا أخباره بُرُدٌ / واستُنهِضَ البرقُ يُستقصي به الخَبَر
هو " الفرات " وكم في أمره عَجَبٌ / في حالتيهِ وكم في آيِه عِبَر
بينا هو البحرُ لا تُسطاع غضبتُه / إذا استشاطَ فلا يُبقي ولا يَذرَ
إذا به واهنُ المَجرى يعارِضُه / عودٌ ويمنعه عن سيره حَجَر
طَمَى فردَّ شبابَ الأرض قاحلةً / به وعادت إلى رَيعانها الغُدُر
وأشرفت بقعةٌ أُخرى ألَّم بها / على الممات فأمسَت وهي تُحتَضر
وودَّعَ الزارعون الزرعَ وانصرفوا / للماء ما زَرَعوا منه وما بَذَروا
من كان بالامس يعلو وجهَهُ فرحٌ / بما يُرجِّيه غطَّ وجهَه كَدَر
وقطَّبت بعد تهليل أسرَّتُه / وبان فوق خُطاه الضعفُ والخَوَر
صُبَّت عليها بلاياه ونقمتُه / أنا " القصورُ " فلا خوفٌ ولا حذَر
طافت عليه حنايا الكوخ واقتُلِعَتْ / مضارِبُ البيت منه فهي تنتثر
غط الهديرُ فغضَّت منه ثاغيةٌ / ورددت ثغيّها من خلفِها أُخر
واستحكمت ضجةٌ من كل ناحية / جاءت إليها بموتٍ عاجلٍ نُذُر
ورُبَّ طالبةٍ بالماء راضَعَها / ورب عاريةٍ بالماء تأتزر
وصفحةٍ من بديع الشعر منظرهُ / طامي العُباب مُطِلاً فوقَه القَمَر
وقد بدت خضرةُ الأشجار لامعةً / مغمورةً بسناه فهي تزدهِر
ومن على ضَفَّتيه انصاعَ منغمرا / في الماء نصفٌ فوقَه الشَجر
باتت على خَطَرٍ ناسٌ بثورته / وراح يؤنُسنا في المنظر الخَطَر
وهكذا الناسُ يُغريهم تخيُّلُهم / حتى يَجيئوا الى البَلْوى فيختبروا
كما أتى الحربَ فنانٌ ليرسُمَها / في حينَ آخرُ يُصلى جسمَه الشرَر
روحٌ جرت لم يُردْ نَفعا بها بدنٌ / وعسجدٌ سال إلا أنه هَدَر
هذا المشيِّدُ للعُمران ريِّقَه / في الرافدين به العُمرانُ يندثر
كان العراقُ سواداً من مزارعه / على بنيهِ يفيءُ الظلُ والثَمَر
تَفيض خيرا على الأقطار غلَّتُه / موفورةً لسنين الجوع تُدَّخر
ووزّع الماءَ عدلاً في مسايله / فكلُّ ناحيةٍ يجري بها نَهَر
باسم " الفرات " وتنظيمٍ له خُلقتْ / دوائرٌ لم يَبِنْ من سعيها أثَر
أغفَت طويلاً ولما هاجَ هائجُه / جاءته بعد فواتِ الوقتِ تبتدِر
وهاهو الماءُ موتٌ في زيادته / وفي النقيصةِ مسروقٌ فمُحتَكَر
سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري
سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري / واليومَ أنطِقُ حُرّاً غيرَ مهذارِ
سلَّطتُ عقلي على مَيلي وعاطفتي / صَبْراً كما سَلَّطُوا ماءً على نار
ثُرْ يا شُعورُ على ضَيْمٍ تُكابدُهُ / أوْلا فلستَ على شيءٍ بِثَوَّار
وقَّعْتُ أُنشودتي والحزنُ يملُؤها / مَهابَةً ونياطُ القلبِ أوتاري
في ذمَّةِ الشِّعْرِ ما ألقى وأعظَمُهُ / أنّي أُغنّي لِأصْنامٍ وأحجار
الشعبُ شعبي وإنْ لم يرضَ منتبذٌ / والدارُ رغمَ " دخيلٍ " عابَني داري
لَوْ في يدي لحَبَسْتُ الغيثَ عن وطَنٍ / مُسْتَسْلِمٍ وقَطعتُ السلسلَ الجاري
ما عابَني غير أنّي لا أمُدُّ يداً / إلى دنيءٍ وأنّي غيرُ خوّار
العُذْرُ يا وطناً أغليتُ قِيمَتَهُ / عَنْ أنْ يُرى سِلعةً للبائعِ الشَّاري
الكُلُّ لاهونَ عن شكوى وموجدَةٍ / بما لَهُمْ مِن لُباناتٍ وأوطار
وكيفَ يُسْمَعُ صوتُ الحقِّ في بلدٍ / للإفكِ والزُّورِ فيه ألفُ مِزمار
يا أيُها السائحُ المُجتازُ أوديةً / مشى الربيعُ عليها مشىَ جبَّار
مَرَّ النسيمُ على أكنافها فَذكَتْ / كأنما جُرَّ فيها ذَيْلُ مِعطار
مَحِّصْ بِعينَيْ نزيهٍ غير ذي غَرَضٍ / حالَ العراقِ وخلِّدهُ بأسفار
إن القصورَ التي شاهَدْتَ قائمةٌ / على أساسٍ من الإجحافِ مُنهار
خَلِّ الخُوانَ وإنْ راقَتْ مَطاعمُهُ / وبتْ بليلةٍ ذاكَ الجائعِ العاري
وانظُر إلى الكوخِ قد بِيعتْ دعائمُهُ / وحَوَّلُوها لأقراطٍ وأسوار
واخشَ الدخيلَ فلا تَمدُدْ إليه يَداً / فانَّه ايُّ نَفّاع وضَرّار
صرف الدراهمِ باعوا واشتَرَوا وطني / فكلُّ عشرةِ أميال بدينار
وطغمةٍ من دُعاةِ السُوء ساقطةٍ / ليسَتْ بِشَوكٍ إذا عُدَّتْ ولا غار
تروي وتَظْمأُ لا تَلوي على نَصَفٍ / ولم تُوَكَّلْ بايرادٍ وإصدار
في كُلِّ يومٍ بأشكالٍ وأنمطِةٍ / وكُلِّ آنٍ بهيئاتٍ وأطوار
مأجورةٍ لم تَقُمْ يوماً ولا قعَدَتْ / إلاَّ على هَتْكِ أعراضٍ وأستار
عَوَتْ فجاوَبَها أمثالُها هَمَجٌ / مِنْ كلِّ مستصرَخٍ لِلغَيِّ نَعَّار
يُحصونَ تاريخَ أقوامٍ وعندهمُ / صحائفٌ مُلِئَتْ بالخزيِ والعار
لَجّوا على أنْ يزيدوا كلَّ ثائرةٍ / تسعيرةً وأصروُّا كلَّ إصرار
أينَ المساميحُ بالأرواحِ إنْ عَصَفَتْ / هوجاءُ تُنْذِرُ أوطاناً باعصار
يا للرَّجال لأوطانٍ مُوَزَّعةٍ / في كفِّ مُهانِ النفسِ دَعَّار
شَلَّتْ يدٌ عبِثتْ في أُختِها وكَبَتْ / رِجلٌ إلى نفسِها تسعى باضرار
ماذا السُكونُ الا تَهتاجُ نخوتَكُمْ / انَّ العُروبةَ قد خُفَّتْ بأخطار

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025