المجموع : 5
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ / واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا
وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ / وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ
لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم / لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر
إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها / سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر
تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ / فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر
مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ / تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا
وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ / شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر
إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ / أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر
أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها / ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر
ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها / يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر
مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها / فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر
ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا / وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر
طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه / على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر
وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً / لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر
وأنتَ يا بن " سليمانَ" الذي لَهِجتْ / بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر
الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ / حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر
والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها / لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر
هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته / أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر
أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ / ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر
وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً / أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر
دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه / تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر
فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه / يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر
وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به / والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر
وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم / على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر
وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به / ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر
أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت / لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر
أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ / أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر
ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ / يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر
والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ / فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر
أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ / وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر
وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها / لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر
لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم / فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا
هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ / شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر
وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً / من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر
إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً / وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر
إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها / يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر
تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم / أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر
تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها / ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر
فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا / عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا
للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم / ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر
ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ / مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر
وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ / يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر
فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ / فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر
ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها / فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا
تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً / مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا
أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ / أم كانَ عن " حِكمةٍ " أو صحبِهَ خَبَر
واللهِ لاقتِيدَ "زيدٌ " باسم " زائدةٍ" / ولأصطلى " عامرٌ " والمبتغى " عُمَر"
ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم / ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر
ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ / ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر
أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ / من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر
تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً / أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها / إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به / ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ / للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها / بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني / حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني / صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ / بكل مرتجف الأطيافِ مسحور
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه / عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي / ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير
كأنني والمروجُ الخضرُ تنفَحُني / بالموحيات " ابنُ عمرانٍ " على الطور
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه / لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير
وتستبيك بحشدٍ من روائعها / موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت / طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه / على القراطيس نقصٌ في التعابير
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً / عن حسنها بأغاريد العصافير
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً / عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على / خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ / صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها / عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها / وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً / ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً / نقَّ الضفادع في لحن الشحارير
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره / بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه / كان الضمينَ بإنياس الدياجير
واستضحك الشط من لئلاء طلعته / كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت / ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ / تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه / تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ / بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الأباة وقد سيموا مناقصةً / في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ / أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ / في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت / فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها / بعدَ " الحُسينِ " ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها / أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم / ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ / سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ / من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت / هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت / وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ / بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها / فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى / مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها / وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه / قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها / بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه / يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً / لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ / تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها / خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه / تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت / سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً / عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت / ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً / فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا / لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ / فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما / مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار
طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ
طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ / وفاض فالأرضُ والأشجارُ تنغمِرُ
وراعت الطائرَ الظمآنَ هيبتُه / فمرَّ وهو جبانٌ فوقَه حذِر
كأنما هو في آذيِّه جَبَلٌ / على الضفاف مُطلٌّ وهي تنحدر
رَبُّ المزارعِ والملاّحِ راعَهما / بالحول منه عظيمُ البطش مقتدِر
باتت على ضَفَّتيه الليلَ تحرُسُه / غُلبُ الرجال لما يأتيه تنتظر
راحو أُسارى مطأطين الرؤوسَ له / وراح طوعَ يديه النفعُ والضرر
مَشَى على رِسْلِه لا الخوفُ يَردَعُه / ولا عن الفِعلة النكراءِ يعتذِر
ومر يَهزَأ من أيد تقاومه / تسعَى لتحكيم أسداد وتبتدِر
فكلُّ ما بلغَ الانسانُ من عَنَتٍ / قُوى الطبيعةِ تأتيه فيندحِر
وما " الفرات ُ " بمسطاعٍ فمختَضَدٍ / ولا بمستعبَد بالعُنفِ يُقتَسر
كم من معاركَ شنَّ الفنُ غارتَها / على " الفرات " ولكنْ كانَ ينتصر
نَموذَجٌ " للأنانيينَ " ليس له / ولا عليه أفازَ الناسُ أم خسِروا
في حينَ باتَ جميعُ الناس يُرهبُهم / في كل ثانيةٍ عن سَيره خَبَر
ملءُ القلوب خشوعٌ من مهابتِه / وملءُ أعينهم من خوفِه سَهر
وراح شُغْل النوادي عن فظاظته / يُجرى الحديثَ وفيه ينقضي السهر
ورُوِّعَ السمعُ حتى بات من ذَهَل / يود سَمعُ الفتى لو أنه بَصَر
واستُبطِئت عن نَثَا أخباره بُرُدٌ / واستُنهِضَ البرقُ يُستقصي به الخَبَر
هو " الفرات " وكم في أمره عَجَبٌ / في حالتيهِ وكم في آيِه عِبَر
بينا هو البحرُ لا تُسطاع غضبتُه / إذا استشاطَ فلا يُبقي ولا يَذرَ
إذا به واهنُ المَجرى يعارِضُه / عودٌ ويمنعه عن سيره حَجَر
طَمَى فردَّ شبابَ الأرض قاحلةً / به وعادت إلى رَيعانها الغُدُر
وأشرفت بقعةٌ أُخرى ألَّم بها / على الممات فأمسَت وهي تُحتَضر
وودَّعَ الزارعون الزرعَ وانصرفوا / للماء ما زَرَعوا منه وما بَذَروا
من كان بالامس يعلو وجهَهُ فرحٌ / بما يُرجِّيه غطَّ وجهَه كَدَر
وقطَّبت بعد تهليل أسرَّتُه / وبان فوق خُطاه الضعفُ والخَوَر
صُبَّت عليها بلاياه ونقمتُه / أنا " القصورُ " فلا خوفٌ ولا حذَر
طافت عليه حنايا الكوخ واقتُلِعَتْ / مضارِبُ البيت منه فهي تنتثر
غط الهديرُ فغضَّت منه ثاغيةٌ / ورددت ثغيّها من خلفِها أُخر
واستحكمت ضجةٌ من كل ناحية / جاءت إليها بموتٍ عاجلٍ نُذُر
ورُبَّ طالبةٍ بالماء راضَعَها / ورب عاريةٍ بالماء تأتزر
وصفحةٍ من بديع الشعر منظرهُ / طامي العُباب مُطِلاً فوقَه القَمَر
وقد بدت خضرةُ الأشجار لامعةً / مغمورةً بسناه فهي تزدهِر
ومن على ضَفَّتيه انصاعَ منغمرا / في الماء نصفٌ فوقَه الشَجر
باتت على خَطَرٍ ناسٌ بثورته / وراح يؤنُسنا في المنظر الخَطَر
وهكذا الناسُ يُغريهم تخيُّلُهم / حتى يَجيئوا الى البَلْوى فيختبروا
كما أتى الحربَ فنانٌ ليرسُمَها / في حينَ آخرُ يُصلى جسمَه الشرَر
روحٌ جرت لم يُردْ نَفعا بها بدنٌ / وعسجدٌ سال إلا أنه هَدَر
هذا المشيِّدُ للعُمران ريِّقَه / في الرافدين به العُمرانُ يندثر
كان العراقُ سواداً من مزارعه / على بنيهِ يفيءُ الظلُ والثَمَر
تَفيض خيرا على الأقطار غلَّتُه / موفورةً لسنين الجوع تُدَّخر
ووزّع الماءَ عدلاً في مسايله / فكلُّ ناحيةٍ يجري بها نَهَر
باسم " الفرات " وتنظيمٍ له خُلقتْ / دوائرٌ لم يَبِنْ من سعيها أثَر
أغفَت طويلاً ولما هاجَ هائجُه / جاءته بعد فواتِ الوقتِ تبتدِر
وهاهو الماءُ موتٌ في زيادته / وفي النقيصةِ مسروقٌ فمُحتَكَر
سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري
سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري / واليومَ أنطِقُ حُرّاً غيرَ مهذارِ
سلَّطتُ عقلي على مَيلي وعاطفتي / صَبْراً كما سَلَّطُوا ماءً على نار
ثُرْ يا شُعورُ على ضَيْمٍ تُكابدُهُ / أوْلا فلستَ على شيءٍ بِثَوَّار
وقَّعْتُ أُنشودتي والحزنُ يملُؤها / مَهابَةً ونياطُ القلبِ أوتاري
في ذمَّةِ الشِّعْرِ ما ألقى وأعظَمُهُ / أنّي أُغنّي لِأصْنامٍ وأحجار
الشعبُ شعبي وإنْ لم يرضَ منتبذٌ / والدارُ رغمَ " دخيلٍ " عابَني داري
لَوْ في يدي لحَبَسْتُ الغيثَ عن وطَنٍ / مُسْتَسْلِمٍ وقَطعتُ السلسلَ الجاري
ما عابَني غير أنّي لا أمُدُّ يداً / إلى دنيءٍ وأنّي غيرُ خوّار
العُذْرُ يا وطناً أغليتُ قِيمَتَهُ / عَنْ أنْ يُرى سِلعةً للبائعِ الشَّاري
الكُلُّ لاهونَ عن شكوى وموجدَةٍ / بما لَهُمْ مِن لُباناتٍ وأوطار
وكيفَ يُسْمَعُ صوتُ الحقِّ في بلدٍ / للإفكِ والزُّورِ فيه ألفُ مِزمار
يا أيُها السائحُ المُجتازُ أوديةً / مشى الربيعُ عليها مشىَ جبَّار
مَرَّ النسيمُ على أكنافها فَذكَتْ / كأنما جُرَّ فيها ذَيْلُ مِعطار
مَحِّصْ بِعينَيْ نزيهٍ غير ذي غَرَضٍ / حالَ العراقِ وخلِّدهُ بأسفار
إن القصورَ التي شاهَدْتَ قائمةٌ / على أساسٍ من الإجحافِ مُنهار
خَلِّ الخُوانَ وإنْ راقَتْ مَطاعمُهُ / وبتْ بليلةٍ ذاكَ الجائعِ العاري
وانظُر إلى الكوخِ قد بِيعتْ دعائمُهُ / وحَوَّلُوها لأقراطٍ وأسوار
واخشَ الدخيلَ فلا تَمدُدْ إليه يَداً / فانَّه ايُّ نَفّاع وضَرّار
صرف الدراهمِ باعوا واشتَرَوا وطني / فكلُّ عشرةِ أميال بدينار
وطغمةٍ من دُعاةِ السُوء ساقطةٍ / ليسَتْ بِشَوكٍ إذا عُدَّتْ ولا غار
تروي وتَظْمأُ لا تَلوي على نَصَفٍ / ولم تُوَكَّلْ بايرادٍ وإصدار
في كُلِّ يومٍ بأشكالٍ وأنمطِةٍ / وكُلِّ آنٍ بهيئاتٍ وأطوار
مأجورةٍ لم تَقُمْ يوماً ولا قعَدَتْ / إلاَّ على هَتْكِ أعراضٍ وأستار
عَوَتْ فجاوَبَها أمثالُها هَمَجٌ / مِنْ كلِّ مستصرَخٍ لِلغَيِّ نَعَّار
يُحصونَ تاريخَ أقوامٍ وعندهمُ / صحائفٌ مُلِئَتْ بالخزيِ والعار
لَجّوا على أنْ يزيدوا كلَّ ثائرةٍ / تسعيرةً وأصروُّا كلَّ إصرار
أينَ المساميحُ بالأرواحِ إنْ عَصَفَتْ / هوجاءُ تُنْذِرُ أوطاناً باعصار
يا للرَّجال لأوطانٍ مُوَزَّعةٍ / في كفِّ مُهانِ النفسِ دَعَّار
شَلَّتْ يدٌ عبِثتْ في أُختِها وكَبَتْ / رِجلٌ إلى نفسِها تسعى باضرار
ماذا السُكونُ الا تَهتاجُ نخوتَكُمْ / انَّ العُروبةَ قد خُفَّتْ بأخطار