المجموع : 3
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره / فسدرة المنتهى أدنى منابره
وامسح جبينك بالركن الذي انبلجت / أشعة الوحي شعراً من منائره
إلهة الشعر قامت عن ميامنه / وربة النثر قامت عن مياسره
والحور قصت شذوذاً من غدائرها / وأرسلتها بديلاً من ستائره
أتراب مريم تلهو في خمائله / ورهط جبريل يحبو في مقاصره
والملهمون بنو هومير ما تركوا / لما أهل لهم سجعاً لطائره
قال الملائك : من هذا ؟ فقيل لهم : / هذا هوى الشرق هذا ضوء ناظره
هذا الذي نظم الأرواح فانتظمت / عقداً من الحب سلك من خواطره
هذا الذي رفع الأهرام من أدب / وكان في تاجها أغلى جواهره
هذا الذي لمس الآلام فابتسمت / جروحها ثم ذابت في محاجره
كم في ثغور العذارى من بوارقه / وفي جفون اليتامى من مواطره
سل جنة الخلد كم ودت أزهارها / لو استحالت عبيراً في مجامره
وصادح الطير لو سالت حناجرها / مع الصباح نشيداً في مزاهره
والزهر لو كن أزراراً مفضضة / على الذيول الضوافي من مآزره
ما بلدة سعدت بالنهر يغمرها / بكل أزهر حالي العود ناضره
بالبلبل المتغني في ملاعبه / والسنبل المتثني في غدائره
بالحقل ترعى به القطعان هانئة / والنحل يرضع من ثديي أزاهره
يستقبل الفجر أهلوها بغرته / ويغرقون الليالي في سرائره
ناموا على سرر الأعراس وانتبهوا / على صباح بكي الطرف غائره
على مآتم من طير ومن شجر / خرساء كالقبر غرقى في دياجره
يا للرزية غال النهر غائله / وغار في لهوات من هواجره
فلا الصباح ضحوك في شواطئه / ولا المساء لعوب في جزائره
وأسلم الزهر أجياداً منضرة / للشوك جفت على دامي أظافره
والناس في غمرة عمياء لا وتر / لناشديه ، ولا نجم لسامره
ما الخطب بالنهر مجرى الروح في بلد / فرد رقيق حواشي الذكر دائره
كالخطب يدوي له كون بجملته / إذا أصاب الردى شعباً بشاعره
ما للملاعب في لبنان مقفرة / وللمناهل عطلاً من حرائره
وللمآذن في الفيحاء كاسفة / كخاشع السرو في داجي مقابره
وللأصائل والأسحار أثخنها / عات من الريح إرهاقاً بحافره
وللجداول أنات مجرحة / كأنها حمل في كف ناحره
وللندى في الثرى جهش ووسوسة / كأنها همسات في ضمائره
أودى القريض فللأحزان ما لبست / على سليل الدراري من عباقره
شوقي أتذكر إذ عاليه موعدنا / نمنا وما نام دهر عن مقادره
وأنت تحت يدي الآسي ورأفته / وبين كل ضعيف القلب خائره
ولابتسامتك الصفراء رجفتها / كالنجم خلف رقيق من ستائره
ونحن حولك عكاف على صنم / في الجاهلية ماضي البطش قاهره
سألتنيه رثاء خذه من كبدي / لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره
تغرب الحسن والإحسان فالتمسا / وجهاً من الأرض هشاشاً لزائره
لا يستوي المجد إلا في مفارقه / ولا يصفق إلا في ضفائره
ما غادرا بلداً إلا إلى بلد / والحر يلهب من خدي مسافره
حتى أطلا على مصر فراعهما / ما زخرَفَ النيلُ من إبداع ساحره
فألقيا بعصا الترحال واعتصما / بضفتيه وهاما في حواضره
فأطعم الجود من كفي قساوره / وأشرب الحسن من عيني جآذره
يا مصر ما انفتحت عين على حسن / إلا وأطلعتِ ألفاً من نظائره
ولا تفتقت الأفكار عن أدب / إلا وأنبَتِّ روضاً من بواكره
لبنان يا مصر مصر في مطامحه / كما علمت ومصر في مفاخره
هل كان قلبك إلا في جوانحه / أو كان دمعك إلا في محاجره
أو كان منبت مصر غير منبته / أو كان شاعر مصر غير شاعره
قيثارة النيل كم غنيت قافية / في مسمع الدهر مسراها وخاطره
لو عاد فرعون كانت من ذخائره / أو ختم الخلد كانت في خناصره
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها / إلا الأعاصير من جنّ ومن بشَر
من هابط كقضاء الله مكتسحٍ / أو صاعدِ كفَمِ البركان منفجرِ
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر / لو كان يرضى الهوى عُذرا لمُعتذر
كأنّ قلبَ المَنّى في أنامِله / إن نام وكَلَهُ بالوجد والسهَر
أدر كؤوسكَ أدركني بواحدَة / وهل يطيبُ بكاس غيرها سكري
غنّيت حبّك أبكار القصيد فمَن / غنّاك بعدي فقد غنّى على أثَري
تناولَت ألسنُ العشاق ما نفحَت / بكَ القصائدُ من زهرٍ ومن ثمَر
واستمتعوا فيك تغريداً ورفرفةً / أما رأيت ولوع الطيرِ بالشجَرِ
صُغتُ الأكاليل من نور ومن أرجٍ / للعيد للسّحرِ للأقداح للوَتَرِ
شعرٌ كعيدكَ في الأعياد مبتَكَرٌ / تدَفّقَت فيه أمواجٌ من الصُوَرِ
أعيادك البيضُ أحلامٌ مُجَنّحَةٌ / كأنما هيَ أطفالٌ على سرُرِ
بيضُ البشائر تندى من جوانحها / ريحانةُ السفح أو أغنيّة النهَرِ
النور والعطر رقرقان في أفقٍ / من المسابمٍ مدّ الظنِ والنظَرِ
تجاذباكَ هوى بوركتَ من فلكٍ / مقَسّم الوجه بين الشمس والقمَرِ