المجموع : 5
هل عند ريح الصَّبا من رامةٍ خبرُ
هل عند ريح الصَّبا من رامةٍ خبرُ / أم طاب أن صاب روضاتِ اللّوى المطرُ
علامةٌ لك من أمّ الوليد أتت / تعلو الرياحُ بها والمزن تنحدرُ
كأنّ ما هبَّ عِطريّاً مَجاسدُها / منفوضةً وكأنّ البارقَ الأُشُرُ
هوىً ترامت به الأيّام تُبعدُهُ / وقرَّبتْه لك الآياتُ والذِّكَرُ
ونازلٌ باللوى يسليك صورتَهُ / تيهُ الطريق وينسيك اسمَهُ الحذَرُ
سرى إلى الشرق مشتاقاً وما فُقِدتْ / عينٌ له بلوى خبتٍ ولا أَثرُ
يُجشِّمُ البدرَ أن يشقَى برؤيته / ويلبَسُ الليلَ زوَّاراً فيعتكرُ
ما استوطن البيدَ لولا أنه رشأٌ / وما امتطى الليلَ لولا أنه قمرُ
يا مِنّةً للكرى لولا حلاوتُها / ما ذُمَّ وهو وفاءٌ في الهوى السهرُ
مدَّ الظلامُ بها قبلَ الصباح يداً / بيضاءَ بانَ بها من أمسه السحَرُ
في الضاربين على البَلقْاءِ باديةً / يَسبِي لها الحرَّ من أبنائه الحَضَرُ
تُصبِي الأحاديثُ عنها وهي نازحةٌ / والسمعُ يعلَق ما لا يعلَق البصرُ
سمراءُ غارتْ عليها وهي تُشبهها / في القدّ واللون تحميها القنا السُّمُرُ
تَلينُ خَلْقاً ويجفو خُلْقُها فكأنْ / في جسمِها الماءِ أُلْقِي قلبُها الحَجرُ
سعديّة تدّعِي أن الوفاءَ لها / من صُلب حاجبَ حبلٌ ليس ينبتر
فما لها وفؤادي في خِفارتها / والشوقُ يرعاه ظلماً ليس ينتصرُ
ما أنكرتْ أمُّ خير وهي معرضة / أغيرَ أنْ لوّنتْ من لِمّتي الغِيَرُ
وَفَى الصِّبَا للهوَى إذ كان حالفه / لا يُحلَقُ الحبُّ حتى يُحلَقَ الشَّعَرُ
أرى المنى بعدُ تُملي لي سوالفَها / وفي المشيب الذي استقبلتُ مزدجَرُ
أشتاق حاجاتِيَ الأولَى وتجذبني / إلى اتباع النُّهى حاجاتِيَ الأُخَرُ
ما أشرفَ الحلمَ لولا ثِقلُ محمِلِهِ / وأجملَ الصمتَ لولا قولهم حَصَرُ
وما أعزَّ الفتى في ظلِّ عفّتِهِ / لو شُووِرَ الحزمُ أو لو صحَّت الفِكَرُ
ما لكَ في الحرصِ إلا فضلُ ذلَّتِهِ / والرزقُ يفعل فيه ما اشتهى القدَرُ
خُلْقانِ في هذه الدنيا مُعاسرةٌ / ما طولِبتْ وبها إن تورِكت يُسُرُ
قنعتُ منها بما بلَّ الصدَى كِبَراً / من همّتي ظنَّ قومٌ أنه صِغَرُ
أسوِّفُ العيشَ حسنَ الظنِّ أجبرُهُ / على فسادٍ وجَبْرُ الظنِّ منكسرُ
مرقِّعاً بالمنَى أرجو غداً فغداً / تأتي الحظوظُ وحظّي بعدُ منتَظرُ
رضىً بنفسِيَ أو ودِّ امرىءٍ ثِقةٍ / أغنَى به وغنيُّ المالِ مفتقِرُ
وإن مدحتُ ففخرٌ لا أعابُ به / ولا يكذِّبُ إخباري به الخُبُرُ
إذا غلوتُ بقولٍ فيه لم ترني / إلى المروءة فيما قلتُ أعتذرُ
حدِّثْ بفضلِ بني عبدِ الرحيم وما / طابوا على قِدَمِ الدنيا وما كثُروا
واستشهد الصُّحُفَ الأولى بما نقلت / عنهم وما قصَّت الآثارُ والسِّيَرُ
المكتفين إذا غابوا بشُهرتهم / عن الشهادة والكافين ما حضَروا
أبناء ذِروة هذا الملكِ قد فَرَعوا / سَنامَه يطلبون النجمَ ما انحدروا
تملَّكوا قَرَبَ الدنيا وشِرعتَها / لا يَردُ الناسُ إلا كلَّ ما صدَروا
لا تستخفُّهمُ الأحداثُ إن طرقت / عن الحُلومِ ولا يُطغيهم البطَرُ
إذا بلوتَ تُقاهم أو بصائرَهم / في نعمةٍ شَكَروا أو نكبةٍ صبَروا
تكلَّموا وأَرمَّ الناطقون لهم / لا يؤمَرون ولا يُعصَوْن إن أَمَروا
يُدعَون في السنواتِ الشُّهبِ جامدةً / فيفعلون بها ما يفعلُ المطرُ
غاض الفُراتُ وضنَّ المزنُ وانبعثتْ / في المزنِ تُعصَرُ أيديهم فتنعصِرُ
لو ركَّبوا في أعاليهم أناملَهم / يومَ الوغَى خُضِّرتْ أطرافُها الحُمُرُ
إن كنتَ فيمن طواه البينُ ممترياً / منهم فعندك من منشورهم خَبَرُ
هذا الحسينُ حياةٌ خُلِّدتْ لهمُ / ليسوا بأوّل موتَى بابنهم نُشروا
صَلَّى فزادت على السُّبَّاق حَلبتُه / محلَّقُ العُرفِ جارٍ خطوُهُ حُضُرُ
كالسهم أَحرزَ ذكراً يومَ تُرسله / لم يُعطِهِ أبواه القوسُ والوتَرُ
عُصارة فَضلتْ في الطِّيب طينتَها / والخمرُ أطيبُ شيء منه يُعتَصرُ
لا يعدَم الصاحبَ ابنُ الليل قوَّسهُ / طولُ السُّرَى وتَنقَّى عظمَه السَّفرُ
فوَّزَ في البيدِ لا ظلٌّ يَفيء له / ظُهْراً ولا يتّقيه من ندىً سَحَرُ
تَرمِي به غرضَ الأخطارِ حاجتُهُ / يحلو له المِلحُ أو يصفو له الكَدَرُ
يحسُّ أو يتراءى كلَّ مُخلِفَةٍ / لا سمعَ يَصدُقُه فيها ولا نظرُ
يَرى سماوتَه في الماءِ يُنكرُها / من طول ما اختلفتْ في عينه الصُّوَرُ
حتى إذا ملَّت الأقدارُ شِقوتَه / وحان من سعيه أن يُدرَك الظفرُ
آنَسَ من جوده ناراً مبشرةً / ببَرْدِ عيشته من حيثُ تستعرُ
فجاء يقتافُها حتى أصاب قِرىً / يأخذُ منه اشتطاطَ النفسِ أو يذَرُ
بينا تكونُ البدورُ الطائفاتُ به / ولائداً وتُذكَّى للقِرَى البِدَرُ
فلا خلا منه ربعُ الفضلِ يَعمُرُه / بالمال يُقسَمُ والأقوالِ تُدَّخَرُ
وبَيْضة الملكِ يحميها فما كَرَبت / مذ قام يَشعَبُها بالرأي تنفطِرُ
تيمَّنوا باسمه حتى لقد وثِقوا / لو سار في غير جيشٍ أنهم نُصِروا
طلقُ النقيبةِ لم يعقِل سعايته / عن مطلبٍ رجبٌ يُخشَى ولا صَفَرُ
غَرَّرَ في العزِّ حتى نال غايتَهُ / وجانبُ العزِّ مركوبٌ له الغَرَرُ
لو عِيبَ ما عابه شيءٌ يُزَنُّ به / من النقيصةِ إلا أنه بشرُ
حلا له الحمدُ حتى ما لَه ثمنٌ / يغلو عليه وحتى مالُهُ هَدَرُ
لو وَهَبَ المرءُ يوماً نفسَهُ سَرَفاً / لم يَهبِ النفسَ إلا وهو مختصِرُ
عَجمتُ أيّامَ دهري صعبةً بكُمُ / فسالمتْني وفي أيّامها خَوَرُ
وكان لي عندَ حظّي قبلَ ودِّكمُ / ثأرٌ فقمتُ بكم كالسيف أثَّئِرُ
فلتأتينَّكُمُ عنِّي وبي أبداً / غرائبٌ وهي في أوطانِها فِقَرُ
تسري مراكبَ للأحساب تَعرِضُها / على العيون شِيَاتٌ كلُّها غُرَرُ
إذا تحلَّتْ فمعناها قلائدُها ال / نُضار أو لفظُها أقراطُها الدُّرَرُ
ممّا ولَدتُ وإن خالفتُ منصِبَها / كِسرَى أبي وأبوها نِسبةً مُضَرُ
تسرُّكم وتسوء الحاسدين لكم / ونفعُ قومٍ لقومٍ غيرِهم ضَرَرُ
في كلِّ يومٍ جديدِ العهد مبتكرٍ / تسوقُها لكم الرَّوْحاتُ والبُكَرُ
لها بأحسابها طُولٌ وما قطَعتْ / سَيْراً وفيها عن استحقاقكم قِصَرُ
وقد سمعتم سواها قابلين له / فكيف يحلو لجاني النحلةِ الصَّبِرُ
وإن تشابهتِ الألفاظُ واتفقتْ / فرُمَّة الحبل شكلاً حَيَّةٌ ذكَرُ
يا ليلةً ما رأتها أعينُ الغِيَرِ
يا ليلةً ما رأتها أعينُ الغِيَرِ / لم ينجُ لي قبلَها صفوٌ من الكَدَرِ
كأنها ساهمتني في السرور بما / أولت فطالت وعمرُ الليل في القِصَرِ
يئست من صبحها حتى التفتُّ إلى / وجهِ العِشاء أعزِّيه عن السَّحَرِ
كم يوم سُخطٍ صفا لي منه ليلُ رضىً / حتى وهبتُ ذُنوبَ الشمسِ للقمرِ
لو كنتَ تبلو غداة السفح أخباري
لو كنتَ تبلو غداة السفح أخباري / علمتَ أن ليس ما عَيَّرتَ بالعارِ
شوقٌ إلى الوطن المحبوبِ جاذبَ أض / لاعي ودمعٌ جرى من فُرقة الجارِ
ووقفةٌ لم أكن فها بأوّل من / بان الخليطُ فداوى الوجدَ بالدارِ
ولمتَ في البرق زفْراتي فلو علمتْ / عيناكَ من أين ذاك البارقُ الساري
طارتْ شَرارتُه من جوّ كاظمةٍ / تحت الدجى بلُباناتي وأوطاري
من كلِّ مبتسمٍ عن مثل وَمضتهِ / وذائبٍ ريقُه في مزنه الجاري
وخافقٍ بفؤادي في حياً هَطِلٍ / خفوقَ شَعشاعِه من غير إضرارِ
وطائشٍ من لحاظٍ يومَ ذي سَلمٍ / ملكنَ وِردي ولم يملكن إصداري
رميتُ أحسَبُ أنّي في بني جُشَمٍ / فَرُدَّ سهمي ورامى مهجتي قاري
هل بالديار على لومي ومعذرتي / عَدْوَى تقامُ على وجدي وتَذكاري
أم أنت تعذُلُ فيما لا تزيد به / إلّا مداواةَ حَرّ النار بالنارِ
تنكَّرتْ أن رأت شيبي وقد حسبت / أيَّام عمري فصدت أمُّ عمّارِ
أما تريني ذَوى غصني وناحلَني / ظلِّي وراب الهوى صبري وإقصاري
وقُوربت خُطُواتي من هُنا وهُنا / فبُدِّلتْ أذرعٌ منها بأشبارِ
مطرَّداً تَجتفيني العينُ راكدةً / عند الملوك رياحي بعدَ إعصارِ
فما خضعتُ ولكن خانني زمني / ولا ذللتُ ولكن غاب أنصاري
وقد أكون وما تُقضَى بُلَهنِيَةٌ / إلّا بمتعة آصالي وأسحاري
موسَّعاً لي رواقُ الأنسِ قالصةً / عنّي ذلاذلُ أبوابٍ وأستارِ
مع الوسائد أو فوق المضاجع إن / مُلَّتْ مجالسُ أُلّافٍ وسُمَّارِ
أشرِي الموداتِ والأموالَ مقترحاً / منها الصفايا بأخلاقي وأشعاري
أيامَ لي من بني عبد الرحيم حمَى / راعينَ حقَّ العلا دانينَ حُضَّارِ
مرفرِفين على حقّي بحفظهِمُ / رامين نحوي بأسماعٍ وأبصارِ
فاليومَ تنبِذني الأبوابُ مطَّرَحاً / نبذَ المُعَرَّةِ تحتَ الزِّفتِ والقارِ
يُمَلُّ مدحي ولا يُصغَى لمعتبتي / ولا يراقَبُ تخويفي وإنذاري
يُنقِّصُ الفضلُ مِيزاتي ويُصغرني / ما كان فيه إذا أُنصفتُ إكباري
هذا وهم بعدُ يرعوْني وإن شحَطوا / ويلحظوني على بُعدٍ من الدارِ
عَلِقتُ باسمهِمُ فاستبقني ويفي / أني علقت بحبل غيرِ خوّارِ
بالأطهرين ثرىً والأطيبين ندىً / والأسمحين على عُسرٍ وإقتارِ
والناصرين لما قالوا بما فعلوا / والفاتلين على شَزْرٍ وإمرارِ
لا يعدَمُ الجارُ فيهم عِزَّ أُسرتِهِ / ولا يكون قراهم خجلةَ الجارِ
ولا يردّون في صدر الحقوق إذا / توجَّهتْ بتساويفٍ وأعذارِ
يأوي الطريدُ إليهم غيرَ مهتضَمٍ / ويرحل الضيفُ عنهم غيرَ مختارِ
سريتُ منهم بشُهبٍ في دُجَى أملي / تضيءُ لي واهتدى ليلي بأقمارِ
صحبتهم والصِّبا رَيعانُ في ورقي / فما نَبَوا بِيَ حتّى حان إصفاري
مقرَّباً يُسحِبوني ذيلَ أنعمِهم / حتى ترى الناسَ يقتافون آثاري
حتى لوَ اَني أدعي باسم بعضِهمُ / لم ينبُ جهري عن الداعي وإسراري
حَمَوا شبولاً حِمى سَرحي وعشتُ إلى / أن ذبَّ عنِّيَ منهم ضيغمٌ ضاري
قضيت في شرف الدين الذي ضمِنتْ / لِيَ المنى ووقَى زجري وأطياري
وحَرَّمتْ يدُه لحمي على زمني / وكنتُ منه لأنيابٍ وأظفارِ
أغرُّ قامت بقولي فيه معجزتي / في الفضل وانكشفت بالصدق أخباري
وسار باسمِيَ ما أرسلتُه مثلاً / في الأرض من كلّ بيتٍ فيه سيّارِ
مبارَكٌ تطردُ اللأواءَ رؤيتُهُ / طردَ الظلام بزنَد البُلجَةِ الواري
وزيرُ مُلْكٍ خَلتْ في عدل سيرته / صحيفةُ المُلكِ من إثمٍ وأوزارِ
يزيِّن الحقَّ في عينيه منبِتُهُ / على نوازعِ عرقٍ فيه نَعّارِ
شبَّت به الدولةُ الشمطاءُ وارتجعت / زمانَها بين إعراس وإعذارِ
وأقلع الدهرُ عمّا كان يثلِمُهُ / من عرشها بعد تصميم وإصرار
طوراً هشيماً تَلظَّى ثم يرفُلُ من / تدبيرهِ بين جنّاتٍ وأنهارِ
يذُبُّ عنها وقد ريعت جوانبُها / برأيه المكتسِي أو سيفهِ العاري
تهفُو مراراً به غَمطاً لنعمتهِ / ثم تعودُ بحلوِ الصفح غفّار
فكم تموتُ ويُحييها برجعته / وكم تَعُقُّ أباها الخالقَ الباري
شِيمةُ لؤمٍ لها تُنسى إذا قُرِنتْ / منه بشيمةِ حرٍّ وابن أحرارِ
من طينةِ المُلك ملموماً على كرمٍ / لم تُنتحَتْ صخرةٌ منه بمنقارِ
يهتزُّ فخراً بِعرضٍ لا يُلِمّ به / وَصْمُ القَنا وأديمٍ غيرِ عُوّارِ
بين وزيرٍ تغُصُّ الصدرَ جلستُهُ / يختال أو مَلِكٍ في الفرس جبّارِ
تقسَّموا الأرضَ يفتضُّون عُذرتَها / بعدلهم بين عُمّال وعُمّارِ
ورثتَهم سودَداً وازددت بينهُمُ / زيادةَ السيف بين الماءِ والنارِ
إن تخلُ من وجهك الزوراء مكرَهةً / فإنّ صدَّك عنها صدُّ مختارِ
أو يُنضَ بعدَك عنها حسنُها فلها / بقربِ غيركِ أثوابٌ من العارِ
أمّا الديارُ فقفرٌ والقطينُ بها / يودُّ من قلقٍ لو أنه سارِي
قد خضخض السَّجلُ جالَيْها فما يجد ال / ساقي سوى حمأةٍ ما بين أحجارِ
وطار بالرزق عنها أجدلٌ علِقتْ / منه المنى بحديدِ الظُّفر عَقَّارِ
قامت بأذنابها أقدامُهم وهوت / رؤوسُها في هوى مستهدمٍ هاري
فالأرضُ مردودةٌ بالفَلس لو عُرِضَتْ / والمُلكُ يغلو لمبتاع بدينارِ
وصاحبُ الأرض مملوكٌ يصرِّفُهُ / مجعجِعٌ بين نَهّاءٍ وأمَّارِ
حِلسُ العرينةِ خافٍ تحت لِبدتِهِ / ويكسَبُ الليثُ معْ سعيٍ وإصحارِ
مدبِّرٌ لعبت أيدٍ بدولته / مشلولةٌ بين إقبالٍ وإدبارِ
يدعوك معترفاً بالحقّ فيك وما اس / تدناك مثلُ اعترافٍ بعدَ إنكارِ
يا جارَهُ أمسِ قد لانت عريكتُهُ / فاعطف له وارعَ فيه حُرمةَ الجارِ
وانهض لها نهضةَ الشاري ببطشته ال / كبرى وحاشا لك التمثيل بالشاري
قد أعقم الرأيُ فاستدرك بقيَّتَها / منكَ برأيٍ وَلودِ البطن مِذكارِ
فلم تزل وارياً في كلِّ مشكلةٍ / بقَدحِها جارياً في كلّ مِضمارِ
واملِلْ بجودك أهواءً موزَّعَةً / حتى تفيءَ لإذعانٍ وإقرارِ
واسعَ لمنتظرٍ آياتِ عَودِك لم / يغنم سوى الصبر من غَمٍّ وإنظارِ
لا يشتكيك وإن طال الجفاءُ به / إلّا إليك بإخفاءٍ وإظهارِ
لم يبقَ إلّا الذَّما منه وأحْسَبهُ / لليوم أو لغدٍ ميتاً بلا ثارِ
لولا عوائد من نعماك تنشُلني / وإن أتت في قبيلِ الطارق الطاري
تزورني والنوى بيني وبينكُمُ / أهلاً بها من حفيٍّ بي وزَوَّارِ
فجدّدوها مراعاةً فبي ظمأٌ / لو كان في البحر لم يُخْلَقْ بتيّارِ
لُمُّوا كسوري فما في الأرض منقبةٌ / أعلى بصاحبها من جبر أكساري
اليَدُ منكم فلا تُلقوا أشاجِعَها / لفاصمٍ من يدِ العلياء بشّارِ
وإن أَغِبْ عنكُمُ فالشعر يَذْكُرُني / وحسبُكم بالقوافي ربّ إذكارِ
فاستجلِها يا عميد الدولتين فقد / وافى بها الشوقُ من عُونٍ وأبكارِ
عرائساً أنت مولَى الناس خاطبُها / وبعلُها وأبوها عفوُ أفكاري
وانظر إليها وما قد أُعطيَتْ شرفَاً / مردَّداً بين أحماءٍ وأصهارِ
والمهرجان وعيد الفطر قد وَلِيَا / زفافَها بين صَوَّاغٍ وعطَّارِ
يومان للفُرس أو للعُرب بينهما / حظُّ السعادة مقسومٌ بمقدارِ
هذا بتاج أبيه عاصبٌ وعلى / هذا اختيالُ فتىً بالسيفِ خطَّارِ
تصاحَبا صحبةَ الخِلَّين واتفقا / سَلْماً ولم يذكرا أضغانَ ذي قارِ
فالبسْهما بين عيشٍ ناعمٍ وتُقىً / وبين صومٍ تزكِّيه وإفطارِ
ما طاف بالبيت ماحِي زَلّةٍ وسعى / شُعْثٌ أمامَ الصفا أنضاءُ أسفارِ
تنصَّبوا لهجير الشمس وافترشوا / ليلَ السُّرَى بين أقتابٍ وأكوارِ
نصُّوا الركابَ بمصرٍ واحدٍ وهُمُ / شتَّى أباديدُ آفاقٍ وأمصارِ
حتى أهلُّوا فلبَّوا حاسرين إلى ال / دَاعي مباذلَ أشعارٍ وأبشارِ
وما جرى الدمُ في الوادي وقد نحروا / وسُربِلَ البيتُ من حُجْبٍ وأستارِ
مخلَّد الملك تفضِي كلُّ شارقةٍ / إلى وفاقٍ لما تهوَى وإيثارِ
هل في الشموسِ التي تُحدَى بها العِيرُ
هل في الشموسِ التي تُحدَى بها العِيرُ / قلب إلى غير هذا الدينِ مفطورُ
أم عند تلك العيونِ المتبِلات لنا / دمٌ على أسهم الرامين محظورُ
زمُّوا المطايا فدمعٌ مطلَقٌ أمِنَ ال / عدوَى ودمعٌ وراءَ الخوف محصورُ
فكم نهيتُ بأُولَى الزجر سائقَهم / حتى تشابَه مهتوكٌ ومستورُ
وفي الخدور مواعيدٌ مسوّفةٌ / لم يُقضَ منهنّ منذورٌ ومنظورُ
وماطلات ديونَ الحبّ تلزمها / لَيَّاً وهنّ مليَّاتٌ مياسيرُ
لا تُقتضى بفتىً يقتلن عاقلةٌ / ولا يقوم وراءَ الثأر موتورُ
يَجحدْنَ ما سفكَتْ أجفانُهن دماً / وقد أقرّ به خدٌّ وأُظفورُ
يا سائق البكرات استبقِ فضلتَها / على الوريد فظهرُ العفر معقورُ
حبساً ولو ساعةً تروَى بها مقلٌ / هِيمٌ وأنت عليها الدهرَ مشكورُ
فالعيس طائعةٌ والأرض واسعةٌ / وإنما هو تقديمٌ وتأخيرُ
تغلَّسوا من زرودٍ وجهَ يومهمُ / وحطَّهم لظلالِ البانِ تهجيرُ
وجاذبوا الجِزع من وادي الأراك وقد / تعصَّبتْ بالغروب الأحمرِ القُورُ
وضمنوا الليل سلعا أن رأوه وقد / غنّت على قُنَّتَىْ سَلعَ العصافيرُ
وكيف لا يستطيب العُشبَ رائدُهم / وكلُّ وادٍ لهم بالدمع ممطورُ
واستكثفوا البقلَ من نعمان فاقتحموا / لسّاً وخضماً فمهلوسٌ ومهصورُ
ومن ورائهمُ عقدُ اليمين سُدىً / مضيَّعٌ وذمامُ الجار مخفورُ
أطبقتُ جفني على ضوء الصباح لهم / حفظاً فما لنهارٍ فيهما نورُ
وعاصت اليأسَ نفسي أن تُعاب به / وكلُّ سالٍ بأمر الناس معذورُ
وقد عددت على سكري بفُرقتهم / شهورَ عامٍ وقلبي بعدُ مخمورُ
كذاك حظُّ فؤادي من أحبَّتِه / مذ جرَّبَ الحبَّ مبخوس ومنزورُ
فما يحافِظ إلا وهو مطَّرَحٌ / ولا يواصِلُ إلا وهو مهجورُ
حتى لقد خفت أن تنبو على يده / بالشرقِ من أسَدٍ بيضٌ مشاهيرُ
مَن مرسلٌ تسَعُ الأرسانَ همّتُهُ / جُرحُ الفلاةِ به والليل مسبورُ
لا يرهب الجانبَ المرهوبَ محتشماً / لعلمهِ أنّ طُرْقَ المجد تغريرُ
يُنضِي الجيادَ إلى إدراك حاجتهِ / والعيسَ حتى يضجَّ السرجُ والكورُ
يذارع الأفُقَ الشرقيَّ قبلتَه / في القِسطِ ما ضمّ خوزستانُ فالكورُ
بلِّغ حُملت على الأخطار محتكماً / على السرى وأعانتك المقادير
حيَّا بمَيسانَ ربعُ المال بينهُمُ / عافٍ خرابٌ وربع العزِّ معمورُ
فثَمَّ ما شئتَ فخرُ الناسِ كلِّهمُ / بلا مثيلٍ وثَمّ المجدُ والخِيرُ
وأوجهٌ مقمراتٌ للقِرى وإلى / معرّج الصبح فُرسانٌ مَغاويرُ
واخصصْ غَطارفَ من دُودانَ يقدمها / ضارٍ تبادره الأُسْدُ المساعيرُ
فقل لهم ما قضى عنّي نصيحتَهم / وأكثرُ النصحِ تخويفٌ وتحذيرُ
تخاذلوا لوليّ الأمر واعتزلوا ال / صدورَ فالمَلِكُ المنصورُ منصورُ
توضَّحوا في دياجيكم بطاعتهِ / فهي الصباحُ ولقياه التباشيرُ
وتابعوا الحقَّ تسليماً لإمرته / فتابعُ الحقّ مَنهيٌّ ومأمورُ
ساد العشيرةَ مرزوقٌ سيادَتَها / في الدَّرِّ منتخَلٌ للملك مخبورُ
مرَدَّدٌ من مَطا عدنانَ في كرم ال / أصلابِ كنزٌ لهذا الأمر مذخورُ
ينميه من أسدٍ عِرقٌ يُوَشجهُ / إلى عفيفٍ وعرقُ المجد مبتورُ
وعن دُبيْس بعُرف المجدِ مولدهُ / إلى الحسين وأمرُ المجد مقدورُ
لا تخصِموا اللّهَ في تمهيدِ إمرتِهِ / عليكمُ إنَّ خصمَ اللّه مقهورُ
كفاكم الناسَ فامشوا تحت رايته / وكلُّ بيتٍ بكم في الناس مكثورُ
ولا تعرّوا قُدامَى مجدِكم حسداً / لابن الحسين بما تجني المآخيرُ
أو فادّعُوا مثلَ أيّام له بهرتْ / والحقُّ أبلجُ والبهتانُ مدحورُ
لمن جِفانٌ مع النكباء مُتأَقَةٌ / ليلُ الضيوف بها جذلانُ محبورُ
وراسياتٌ تدلُّ المعتمين إذا / ضجّت زماجرُ منها أو قراقيرُ
يردّها متأقاتٍ كلّما انتقصت / مُرحَّلٌ من صفاياه ومنحورُ
يعاجلُ الآكلين الجازرونَ بها / فِلْذاً وفِلذاً فمشويٌّ ومقدورُ
ومن جنا النحلِ بيضاء يلملمها / ماءٌ من الأصفر السوسي معصورُ
على القِرى ويطيب المشبعون بها / في الجدب والزادُ ممنونٌ وممرورُ
وصافنات تَضاغَى في مَراسنها / كأنهنّ على الصمِّ اليعافيرُ
عتائقٌ أذعنتْ مثل الكلاب له / ويومُ طِخفةَ مجهولٌ ومغرورُ
للموت يوم يخوضُ النقعَ جائزُهُ / والغوثِ يوم تعاطاه المضاميرُ
يحملن نحو الأعادي كلَّ ذي حنقٍ / لم يرقب الموتَ إلا وهو مصدورُ
يستنشق الرَّدعَ من ثِنيَيْ مُفاضتهِ / كأنّه بالدم المطلولِ معطورُ
فوارس إن أحسّوا فترةً وجدوا / أبا الفوارس حيث اليوم مسجورُ
أو لم يُقيموا شهابَ الدولتين على / أسيافهم لم يكن للضرب تأثيرُ
ومن فتىً كلُّ قوم وسمُ شهرتهِ / على أسرَّةِ وجه الدهرِ مسطورُ
كليلة السُّوسِ أو ليل البِذانِ وما / حَمَى بواسطَ تُنبيك الأخابيرُ
وموقف مُعلمٍ أيَامَ منعكُمُ / تُنسَى خطوبُ الليالي وهو مذكورُ
ومن سواه إذا ما الجودُ هدّده / بالفقر فهو بذكر الفقر مسرورُ
لم ينبِذ المالَ منفوضاً حقائبه / حتى استوى عنده عسر وميسورُ
إذا أضبَّتْ على شيء أناملُه / حفظاً فأضيعُ عانيه الدنانيرُ
تَسري البدورُ مطاياها البدورُ إلى / عفاته ثم تتلوها المعاذيرُ
شرى المحامد منه بالتلائِد فال / أموال منهوكة والعرض موفورُ
إذا حوى اليومَ غُنماً لم يدع لغدٍ / حظّاً وعند غدٍ شأنٌ وتغييرُ
ذِلِّي له ثم عِزِّي يا بني أسد / فالغضُّ للحقِّ تعظيمٌ وتوقيرُ
الناس دونكِ طرّاً وهو فوقك وال / آثارُ تَنصرُ قولي والأساطيرُ
لكم مسامعُ عدنانٍ وأعينُها / والناسُ صُمٌّ إلى إحسانكم عورُ
وأنتم الشامة البيضاء في مضرٍ / والمنبِتُ الضخمُ منها والجماهيرُ
وهل تكابر في أيام عزّكُمُ / قبيلةٌ وهِيَ الغرُّ المشاهيرُ
فيومَ حجرٍ وحجرٌ كل ممتنع / في ملكه النجمُ مقبوضٌ ومحجورُ
جرَّ الكتائبَ من غسَّانَ يقدمها / عنه مدلٌّ على الأقدار مغرورُ
عنا له الدهرُ أحياناً وأقدره / على الممالك تأجيلٌ وتعميرُ
فساقها نحوكم يبغي إتاوتَكم / وأنتُمُ جانبٌ في العزّ محذورُ
يحلفُ لا آبَ إلا بعد قسركُمُ / يا لكَ حَلْفاً لوَ اَنّ الشيخَ مبرورُ
لكنه لم يكن في دين غيركُمُ / لها سوى السيفِ تحليلٌ وتكفيرُ
وجندل ولغت فيه رماحُكُمُ / وذيلُه مثلُ ظهرِ الأرض مجرورُ
شفى ربيعةُ منه غِلَّ مضطهَدٍ / لم يركب السيفَ إلا وهو مغمورُ
والنارُ أضرمها ابن النار نحوكُمُ / بالدارعين لها وقدٌ وتسعيرُ
فردّه بغيُه شِلواً وجاحِمُها / بماء فوديْه مطفيٌّ ومكفورُ
وسل بفارعةٍ أبناءَ صَعصَعةٍ / يخبرْك بالحقِّ مصفودٌ ومقبورُ
لم يقبلوا نصحَ أنفِ الكلبِ فانقلبوا / بيومِ شرٍّ ثناياه الأعاصيرُ
وبالنِّسارِ وأيّامِ الجِفارِ لكمْ / مواقفٌ صونُها في الأرض منشورُ
شكا سيوفكم عليا تميم بها / إلى بني عامرٍ والسيفُ مأمورُ
ومرّ حاجبُ يرجو نصرَ سابقةٍ / لها على النصر ترديدٌ وتكريرُ
وبالمعلَّى غنمتم طيِّباً فغدا / يومٌ له غضَبٌ فيهم وتدميرُ
والحارثُ بن أبي شمرٍ ينوحُ على اب / ن أخته منكُمُ والنوحُ تقصيرُ
تلك المكارمُ لا إبلٌ معزَّبةٌ / لها مع الحوْل تضعيفٌ وتثميرُ
ولا سروح يَغصّ الواديان بها / فيها مُزَكَّى إلي الساعي ومعشورُ
وما طوى الدهرُ من آثاركم فعفا / فإنه بالحُسَيْنِيِّينَ منشورُ
يا خير من رُحِّلتْ أو أُسرجتْ طلباً / لبابِهِ العيسُ والخيلُ المضاميرُ
وخيرَ من قامر العافون راحتَه / فراح فَرحانَ يزهو وهو مقمورُ
ومن يذمّ عطاياه ويلعنها / إلا الذي هو إسرافٌ وتبذيرُ
زجرتُ باسمك دهري أو تمهَّدَ لي / والدهر باسم الكريم الحرِّ مزجورُ
وقام سعدُك حتى قَوَّمتْ يدُه / قناةَ حظِّي ثقافاً وهو مأطورُ
سحرتُ جودَك فاستخرجت كامنَهُ / إن الكريم ببيتِ الشعرِ مسحورُ
وابتعتني بجزيل الرفدِ مرتخصاً / حتى ربحتُ وبعض البيع تخسيرُ
آمنت في الشعر توحيداً بمعجز آ / ياتي وفي الشعر إيمانٌ وتكفيرُ
ولم تكن كرجالٍ سمعُ عِرضهمُ / مُصغ لمدحي وسمعُ الجود موقورُ
لهم من العرب العرباء ما اقترحوا / إلا الندى فهو تعليلٌ وتعذيرُ
وسابقاتٌ أناخت في فِنائكُمُ / ثم انثنت وهي بالنعمى مواقيرُ
لكنّ محروبةً منهنّ واحدةً / سهوتَ عنها وبعضُ السهو مغفورُ
تقدَّمتْ وهي مذحول مؤخّرةٌ / وربما كان في التأخير توفيرُ
وهل يحِلُّ بلا مهرٍ وقد نُكِحتْ / بَضْعُ الكريمةِ والمنكوحُ ممهورُ
فاجمع لها ولهذي نصفَ حظِّهما / من الندى بات شفعاً وهو موتورُ
فالواهبُ العدلُ من كرَّت نوافلهُ / ودائمُ المدحِ ترديدٌ وتكريرُ
أُكسُ وحرمتِنا عندي جَمالَهما / فالجودُ بالمالِ ما لم تَكْسُ مبتورُ
واردد رسولي يغاظ الحاسدون به / ضخمَ العيابِ عليه البشرُ والنورُ
فما رمتك الأماني الواسعات به / إلا ومنها عيونٌ نحوه حُورُ
ولا سمحتُ لمَلْكٍ قطّ قبلَك باق / تضاءِ رفدٍ ولكن أنت منصورُ
وباقيات على الأحساب سائرة / تصول نحوك حتى يُنفَخَ الصورُ
للشِّعر من حولها مذ صرتَ قبلتَهُ / طرفٌ بغنجٍ وتهليلٌ وتكبيرُ
كأنها يومَ تسليم الكلام بها / حقٌّ وكلّ كلامٍ بعدها زورُ
يغدو بها الشادنُ الشادي بمدحكُمُ / كأنَّ أبياتَها كأسٌ وطنبورُ
ما ضرَّها وأبوها من فصاحتهِ / نزارُ أنَّ أبي في البيت سابورُ
فاسمع لها وتمتَّعْ ما اقترحتَ بها / تَبقَى ويفنَى من المال القناطيرُ
مقيمة بين نادي ربِّها ولها / بالعرض ما انطلقتْ جَدٌّ وتشميرُ
سكَتُّ حيناً ومن عذرٍ نطقتُ بها / إن السكوت على الأجواد تذكيرُ
أبكي عليها وما شطّ المزارُ بها
أبكي عليها وما شطّ المزارُ بها / ودمعةُ البين تُجري دمعةَ الحذرِ
وأقتضى وصلَها صدَّاً يناوبه / خوفاً من العين أو من فطنة الغِيَرِ
غار المحبونَ من أبصارِ غيرهِمُ / ضداً وغرتُ على لمياء من بصري
فكلّ ذي شجنٍ يشكو صبابتَه / يلقَى من الشوق ما ألقى من النظرِ
في الغاديات يردنَ الصَّيْدَ ناصبةً / لأنفس الصِّيدِ أشراكاً من الحورِ
تُهدى إلى حسنها في اليوم ليلتها / وجهاً تولَّد بين الشمس والقمرِ