المجموع : 8
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا / فهيّج الحزنَ لا السّرُورا
أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي / وفي النّوى أكرَهُ النضيرا
فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ / أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا
أزهارُ أرضيَ كان شَذاها / يَملأ قَلبي الفتى حُبورا
ولونُها كانَ لون نَفسي / أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا
والحزنُ والهمُّ أذبلاها / وكم أرَتها النّوى سُرورا
فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً / ولا ابتساماً لا ثُغورا
فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى / وذو العَمى يحسدُ البَصيرا
لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي / كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا
فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي / يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا
تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني / يُغري دُموعي بأن تغُورا
الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً / والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا
الحكمةُ اليومَ أدّبتني / فَصرتُ من ضربها كَبيرا
وسِرتُ في عالمِ البَلايا / وغُربَتي أقطعُ الشّهورا
حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي / إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا
فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً / مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا
وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ / وما اجتِنائي لهُ يَسيرا
فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا / لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا
ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ / تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا
يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ
يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ / تعهّديني بطيبِ الذّكر والأثرِ
زوّدتِ عيني وقَلبي ما سأنظمُه / شعراً وشعري هو الرّيا من الزّهَر
إليكِ أُهدي رياحيني التي نضَرَت / وأنت ريحانةٌ للسمعِ والبصَر
هذي الرياحينُ من روحي مقدَّمةٌ / إِلى التي روحُها من نفحةِ السَحَر
من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ
من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ / أليسَ لي بعدَهُ ظلٌّ ولا ثمرُ
لئن يكن ماؤه قد جفَّ أنضَرَهُ / دَمعي فوَجداً على الأغصان ينهمر
ولّى الشتاءُ وريحُ الغربِ راكدةٌ / هذا الربيعُ وهذا العشبُ والزهَر
ما كنتُ أبسمُ للدنيا وبهجَتِها / لولا محيّاً عليهِ يطلع القمر
فأطلعيهِ على كربي ليؤنِسَني / فالغيمُ تحتَ ضياءِ البدرِ ينتشر
وعلِّليني بآمالٍ مزخرفةٍ / وصافِحيني ليبقى في يَدي أثر
إن السرورَ قليلٌ فاغنَمي فرصاً / يلذُّ فيها الهوى والكأسُ والوتر
كثيرةٌ هي أحزانُ القلوبِ أما / رأيتِ كيفَ كؤوسُ الشّربِ تنكسر
اليومُ لي فتعالي نَقتسِم فرَحاً / فالدَّهرُ يا ميُّ لا يُبقي ولا يَذَر
الطيرُ يشدو إذا لاحَ الصباحُ لهُ / والزّهرُ ينمو إذا ما جاده المطر
فامشي على الزَّهرِ ما دامَ الربيعُ لنا / حيث النسيمُ عليلٌ طاهرٌ عَطِر
وارضي بما لجميعِ الناسِ فيه رِضاً / ولا تكوني مَلاكاً إننا بشر
العينُ تدمعُ من حزنٍ ومن ضحكٍ / دَعي الهمومَ فماذا ينفعُ الكدر
إني ذكرتكِ تحتَ الزّهرِ ساطعةً / كأنها عقدُكِ الدريِّ ينتثر
فكاد حبُّكِ يُبكيني وأرّقني / شوقي إليكِ فلذَّ الدمعُ والسهر
فهل تذكَّرتِ يا حسناءُ ليلَتَنا / حيثُ الصّبابةُ سحرٌ رقيُهُ السَحر
إلى الثريّا رَفعتِ الكفَّ قائلةً / اذكر فما العيشُ إلا الحبُّ والذكر
إذاً تعالي إلى اللذّاتِ ذاكرةً / ما مرَّ منها ففي الذكرى لنا عِبر
الكونُ أنتِ فكوني لي أعُد ملكاً / يقولُ بين يديّ الأرضُ تنحصِر
هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا
هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا / لما هَتَكتِ من الأسرارِ أستارا
يا وردةً أزهرت مَيلاءَ ناضرةً / تشتاقُ طَلّاً وهبّاتٍ وأنوارا
هذا القوامُ كغصنٍ رفَّ مُنتثراً / والحسنُ أصبَحَ في خدَّيكِ آثارا
لكنّ عينكِ لم تفقد حلاوتها / والقلبُ تحتَ رَمادٍ لم يزل نارا
لهيبُهُ لاحَ فيها فالتَظَت كبدي / لا بِدع إن أشكُ إحراقاً وإحرارا
أذبَلتِ حسنَك بالإهمال غافلةً / فبتُّ أُكسِبُهُ باللّمسِ إنضارا
حرارتي أرجَعَت ماضي حرارتِه / حتى أرَيتُكِ في أيلولَ أيارا
الحبُّ ماويةٌ للقلبِ تُنضِرهُ / فالقلبُ كالغصنِ إيراقاً وإزهارا
إني أُحبُّ من الأزهارِ أجمَلها / لأجلِ وجهٍ يُريني الحسنَ أطوارا
أحبب بحمرتِه مِن بعد صفرتِهِ / إذا التقينا فخفتِ الأهلَ والجارا
أو الرقيبَ الذي يمشي على مهلٍ / كي لا يُنفّرَ في التَّنقير أطيارا
سميةَ الجَوهرِ الأغلى التي انفردت / فقتِ النساءَ وهذا فاقَ أحجارا
تباركَ اللهُ في وجهٍ هُديتُ بهِ / كان الرضيَّ وقلبي كان مِهيارا
الخدُّ مزهرةٌ والثغرُ معطرةٌ / هل كان جدُّك عطّاراً وزَهّارا
لما تنفَّستِ عطّرتِ الصَّبا أُصُلاً / ولم تكوني بغيرِ الثّغرِ معطارا
جودي بما فيهِ من درٍّ ومن عَسلٍ / للجوهريِّ الذي وافاكِ مشتارا
سعَّرت بالنّبلِ قلباً غيرَ مدَّرعٍ / ولم أكن لأظنَّ الطَّرفَ أسوارا
أوتيتِ نصراً وهذا الحبُّ معركةٌ / لكِ الهناءُ فقد أخضعتِ جبّارا
هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ
هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ / فنوَّرَ الزَّهرُ فيهِ وهو ممطورُ
لكنَّهُ جنَّةٌ لا يُجتَنى زهرٌ / مِنها لأنَّ سياجَ الشَّعرِ مضفور
إن جئتُ أجنيه أو أسقيه روَّعني / سيفٌ من العينِ فيهِ النارُ والنور
ما زلتُ في حبِّها أرتدُّ مندحراً / وكيفَ أظفرُ والسفّاحُ منصور
في غصنِ قامتِها ما شئتُ من ثمرٍ / فليتَ قلبي على الأثمارِ عصفور
عيناكِ بلّلتا خَدَّيكِ فارتسمت / لي وردةٌ أزهرت والطلُّ منثور
فأمطري الوردَ في خدَّيكِ حاجَتَهُ / من مزنِ عينيكِ فالإحسانُ مشكور
يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ
يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ / وأسبلي فوقنا ستراً من الشَّجر
لسنا نهمُّ بما تأباهُ عفَّتُنا / لكنّنا نختشي ريباً من النظر
حبيبةَ القلبِ ما أحلاكِ ساهرةً / والأرضُ قد نوّرتها طلعةُ القمر
لا بل مُحيّاكِ إذ لولاهُ لا قمرٌ / يَحلو وما التَذَّتِ الأجفانُ بالسهر
لا تَجزَعي فحياةُ المرءِ ماضيةٌ / إمّا على فرحٍ في الحبِّ أو كدر
ضَعي على عُنُقي رأساً بهِ اجتَمَعَت / كلُّ المحاسنِ من نورٍ ومن زهر
هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا
هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا / من جنَّةِ الخلدِ أطياباً وأنوارا
فأشبَهت روضةً غناءَ قابلني / فيها الأحبةُ أزهاراً وأطيارا
أرى السعادةَ للزوجينِ باسمةً / مع الربيعِ وقد زاداهُ إنضارا
والآنَ أسمعُ من قلبيهما نغماً / به الهوى صيّرَ الأعراقَ أوتار
تفتَّحَ الزهرُ من عشبٍ ومن شجرٍ / مثلَ القلوبِ لعرسٍ زانَ أوطارا
وجنةُ الحبِّ قد لاحت مزخرفةً / ليقطفا اليومَ أزهاراً وأثمارا
يا حبّذا عرسُ محبوبينِ شاقَهما / ما شاق في الحبِّ أخياراً وأطهارا
كأنه ذلك العرسُ الذي سكبت / يدُ المخلِّصِ فيهِ الخمرَ مِدرارا
على ابن لبنانَ بنتُ الشامِ قد عَطَفت / فالشامُ تصبُو إلى لبنانَ مِعطارا
وفي اتحادِهما حبّاً ومصلحةً / رمزٌ لأُمنيِّةٍ تهتاجُ أحرارا
فللعروسينِ منّي خيرُ تهنئةٍ / ضمَّنتُها لهما حبّاً وإيثارا
فلا يزالا برَغدٍ من زواجهما / حيثُ الملائكُ تحمي منهُ أخدارا
واللهُ يُسبغُ طولَ العمرِ نعمتَهُ / عليهما ويزيدُ البيتَ إعمارا
والحبُّ آفاقهُ بالنَّجمِ ساطعةٌ / ورَوضُه يُنبتُ الريحانَ والغارا
تبسَّمَت لهما الدنيا فبتُّ أرى / في رَونقِ العرسِ من آذارَ أيارا
والحاضرونَ جميعاً قائلونَ معي / الله باركَ أهلَ الدارِ والدارا
لولا الكتابةُ كان العِلمُ مُندثرا
لولا الكتابةُ كان العِلمُ مُندثرا / فالخطُّ يَنظُمُ في الأوراقِ ما انتَثرا
وصورةُ النَّفسِ ما قد سالَ من قلمٍ / فالعاثرُ الجِدِّ من في طِرسِهِ عَثرا
فكُن مُقِلّاً مُجيداً في صِناعتهِ / ما يُعجِبُ الناسَ يبقى قلَّ أو كثُرا
الكفُّ تُعطي خلوداً وهي فانيةٌ / لا يحفظُ الدَّهرُ إلا الذِّكرَ والأثرا