القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 18
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها / كَما تَبَسَّمَ في أَفنانِه الزَهَرُ
لَقَد كلفت بها سَمراء فاتنة / في جيدها تلع في عينها حَوَرُ
قَدٌّ كَما شاءَت الأهواء معتدلٌ / ما شانه زارياً طولٌ وَلا قِصَرُ
إذا مَشَت تَتَثنّى عند مشيتها / كَما تَمايل غُصنٌ ناعم غضر
لَيلى لأَنتِ منَى نفسي وَحاجتها / وأنتَ وحدك يا لَيلى لها الوطر
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ / وانت ناعِمة خضراء ناضرةٌ
لا تأمني الدهر فالايام غادِرةٌ /
يا سرحة الماء ان جاء الخَريف غَداً / فإنما هذه الأَوراق تنتثرُ
ليلاي بانَت وَما للبين من سببِ / فساء من بعد ذاكَ البين منقلبي
قد كانَ لي أَن أَجِد السير في الطَلَب /
اذا اِجتَمَعتُ وَلَيلى عند رجعتها / فَقَد تعاتبني لَيلى وأَعتَذِرُ
قابَلتُ لَيلى فَلَم تمدد إِليَّ يدا / يا وَيلَتا إِنَّ أَتعابي ذهبن سُدى
لا كنتُ من شاعرٍ لَمّا أَهين شدا /
أَزور لَيلى إليها الوجد يدفعني / وإن حظيَ من لَيلى هُوَ النظرُ
يا راصِد الخنس الجواري
يا راصِد الخنس الجواري / ما جدَّ في تلكم الدراري
هَل أَخذ الجذب في قواها / يقاوم الدفع باقتدار
يأمرها الجذب أن تَدانى / والدفع يأبى غير النفار
لا تثقن بالضياء منها / فإنما نورها ابنُ نارِ
إِن لم يبن للحَياة فيها / وجه فَيا وحشة الديار
أَذهب صَبري اطراد دَهري / وَربما أَوجب اِنتحاري
أَورَثَني السأم من حَياتي / تعاقب اللَيل وَالنَهار
قد جعل الأرض لي قراراً / وبئست الأرض من قرار
مللت في وحدة الدّيارِ
مللت في وحدة الدّيارِ / تعاقب اللَّيل وَالنَّهارِ
إلى مضيق الوجود جاءَت / من عدم واسع عواري
ماذا أَرجيه من بَقائي / وَقَد بَدا الشيب في عذاري
تجرُّني إن أَضاءَ شيبي / خيوطه البيض للبوار
توارَت الشَمس عنك لَيلاً / فاِغتنم النور في الدراري
سأَبلغ القصد عَن قَريب / إِن دامَ ركضي بلا عثار
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة / من الشموس كثاراً لَيسَ تنحصر
تخالها ثابِتات وَهيَ مسرعة / كأنها الخيل في بيداء تحتضر
وَكل شمس لها جرم بنسبته / يَجري الأثير إِلَيها فَهي تَستَعر
وَهْوَ الَّذي يوسع الأجسام قاطبة / دفعاً عَلَيها بِه الأجسامُ تَنهَمِر
فَيحسب الناس أَن الشمس جاذبة / لَها كَما هُوَ بَينَ الناسِ مُشتَهِر
وَهَكَذا الأرض حول الشمس دائرة / كَما يَدورُ حَوالي أَرضنا القَمر
وللأثير يد في الكون قاهرة / تَدَحرَجَت بِعصاها هذِه الأكر
الجرم يأخذ منه بعض حاجته / وَلِلَّذي زادَ عن حاجاتِه يَذَر
وَعند ذلك يَجري في جواهره / كَالماءَ قَد صادَفتَه جارِياً حُفر
رداً لما اختل فيه من موازنة / إن التَوازُن في القوات مُعتَبر
وَالجوهر الفرد في الأجسام لَيسَ سوى / كهيربات بِها يَقوى وَيَقتَدِر
وَالبعض منه كَما في الراد يوم يَرى / يَنحل من نَفسه فيها وَيَنتَثر
والأرض لَم تختزن ناراً بباطنها / إلا لأن القوى عَنهُن تندحِر
وَما تزال بقاع الأرض نامية / بِما عَلَيها من الأجسامِ يَنحَدِر
حَتّى تَكون مَع الأزمان واحدة / من الشموس فَمِنها النور يَنتَشِر
وَهَكَذا شمسنا صارَت لحالتها / شَمساً تصاعد مِنها النار وَالشرر
هَذا الَّذي أَنا مبديه لكم نظري / وإنَّما كل إِنسان لهُ نَظر
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ / وَلَيسَ منها عَلى ذي حيطةٍ خطرُ
إني لأعجب فيما منه أعجب أن / لا يسلم الرأس فيه السمع وَالبصر
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ / فأَيَّ عيش من الأيام ينتظرُ
قَد كنت أَرغب في الأسفار منتقلاً / إلى بلاد نأت إذ كنت أَقتدر
يا حبذا تلعة كانَت تطلُّ عَلى / أرضٍ تجاور فيها الماء وَالشجر
وَاليَوم عَن سفري في الأرض يوقفني / خلوّ ذاتِ يدي وَالضعف وَالخور
قد كنت في كل يوم راكِباً سفراً / وَاليَوم قد حانَ عَن دنياي لي السفر
بَغداد لَيسَت كَما قد كنت تعرفها
بَغداد لَيسَت كَما قد كنت تعرفها / فيما اِنقضى عهده من سابق العصرِ
لَم يغضب الشعب من خسفٍ يسام به / كأَنَّما الشعب قوم لَيسَ من مضر
وَالحر كالعبد قد ماتَت حماسته / وَالصادق القول مثل الكاذب الأشر
عرِّج بِبَغداد تعرف مثل معرفتي / فَما عيان امرئٍ للشيء كالخبر
قد أَحرَجوني بما جاؤوه من سفه / فأَخرجونيَ من أَرضي عَلى كبري
العَيش للحر في بَغداد معتكر / وَلَيسَ في غير بغداد بمعتكر
في لَيل بغداد من فقد الأمان به / لا يَستَطيع امرؤ يَمشي بلا خفر
وَكم هنالك نذلاً في صحيفته / يسبني بلسان بارز قذر
إن قد وزرت بإعلاني مساوئهم / فَلَيسَ يسلم إنسان من الوزر
لا تتركنَّ الشرور تَنمو
لا تتركنَّ الشرور تَنمو / فأَول النار من شرارِ
إنَّ لجهل النفوس شراً / حذار من جهلها حذار
الناس لا يكبرون منهم / إلا الَّذي كان ذا يسار
فأَنتَ بالمال ذو نفوذ / وَأَنتَ بالمال ذو اِقتدار
إن كنت تَرجو في البر مالاً / فجب له واسع البراري
أَو كنت في البحر تَرتَجيه / فاركب له غارب البحار
لا يضجر الحر حين يَسعى / إلا من الذل وَالصغار
ثوبوا إلى العلم إن العلم مكرمة
ثوبوا إلى العلم إن العلم مكرمة / وَفي تلقيه لا يأخذكم الضجرُ
لَو أَصلح البشر الأنسال مهتدياً / بالعلم يوما لرقَّى نوعَه البشر
أَقوم في روضتي صباحاً
أَقوم في روضتي صباحاً / مستمعاً نغمة الهزار
وأبصر الشمس حين تبدو / أشعة الشمس كالنُضار
فأنظم الشعر غير صعب / كأَنما الشعر من شعاري
شعر قد اخترته لِنَفسي / والناس منه على الخيار
كأنه الحق حين يتلى / وما على الحق من غبار
علمني أن أجيد فيه / طول تعاطيه واختباري
والشعر إن لم يصف ذويه / فهو كثوب لهم معار
يممت بيروت بعد الشام في سفري
يممت بيروت بعد الشام في سفري / أجلو بأوجه أمجادٍ بها بصري
شاهدت من أَهلها الأجواد عارفة / ما شاهدت مثلها عيناي في عمُري
قد عاملوني بما توحي سريرتهم / إني بما عاملوني جد مفتخر
وكرَّموني وما لي ما أقابلهم / سوى ثناء على تكريمهم عطِر
آباء بيروت للأبناء قد غرسوا / فذاقَ أبناءٌ بيروت من الثمَر
رأَيت أبناءها قوماً أولي هممٍ / ما في عزائمهم شيء من الخور
يا أَهل بيروت لا أَنسى حفاوتكم / إذ جئت أدلف في بيروت من كبري
يعيش شعب إذا ما كانَ مرتقياً / في ذمة العلم بعد الصارم الذكر
حيّ الرئيس به حفت غطارفة / كما تحف نجوم الليل بالقمر
حيّ النجوم وحيّ الليل يطلعها / ما زينة الليل غير الأنجم الزهر
أماثل من ذرى بيروت قد لمعوا / في جو ليل من الأحداث معتكر
إني بحملي إلى بيروت في سفري / شعراً كمستبضع تمراً إلى هجر
ما الشعر إلا شعور المرء يعرضه / على الأنام بلفظ غير ذي عكر
جم لعمري الألى للشعر قد قرضوا / وَلَيسَ من برزوا فيه سوى نفر
لَقَد تَعاطاه ناس لا ابتكار لهم / والكل قد ضربوا منه على وتر
الشعر فن إلى ذي العلم مفتقر / وَلَيسَ للشعر ذو علم بمفتقر
إن رمت تفقه معنى الشعر مكتنهاً / فاسأل عن الشعر أَهل العلم والنظر
والشعر إن لم يفد معنى يخلده / فإنما هو معدود من الهذر
ولا يجيد سوى من كان مبتكراً / وَلَيسَ كل أخي شعر بمبتكر
أَينَ الَّذي يتقصى ما يشاهده / وينظم الشعر فيه نظم مقتدر
الشعر بحر خضم لا قرار له / ما كل من غاص فيه جاء بالدرر
لا يكبر الشعر مالم تُبق روعتُه / في نفس سامعه شيئاً من الأثر
وهذه صورة للشعر أعرضها / على الَّذين يرون الشعر ذا صور
حللت في روضة كانَ الكنار بها / مغرداً فوق غصن ناعم نضر
وَكانَ يلبس أَرياشاً مزوقةً / كأَنَّه زهرة صفراء في الشجر
وَقَد رآني أدنو منه مسترقاً / ففضَّل الصمتَ فعل الخائف الحذر
نزا يطير نفوراً فوق أيكته / فقلت ريثك لا ترهب ولا تطر
الزم مكانك لا تحذر مقاربتي / فَلَيسَ مني عليك اليوم من خطر
غرد فانت إذا غردت منفجراً / فجَّرت منِّيَ دمعاً غير منفجر
أنت المثير بأنغام ترجِّعها / للشجو في الناس والأطيار والزهر
لأنت شاعر هذا الروض أجمعه / وأنت تنطق إما قلت بالغرر
إني كما أنت للأطيار قاطبة / لشاعر قد أغني الشعر للبشر
لا بد للقلب من عطف على كلمي / إلا إذا كانَ مقدوداً من الحجر
لَيسَ الَّذي سنه من فرحة ضحكت / كمن بكى من صروف الدهر والغير
الكون للمرء يستقريه مدرسة / والكون للمرء مملوء من العبر
وَلَيسَ يُيئس أَرواحاً مفكرة / شيء كحقٍّ مضاع أَو دم هدر
لَقَد تجادل ناس حول منزلتي / من خاذل مكثر ذمي ومنتصر
كانَت حياتيَ في بغداد تسعد من / لبانة كنت أَقضيها ومن وطر
وتلك أَيامي الأولى الَّتي اختلفت / مما أُقاسيه عن أَيامي الأخر
من بعد شربيَ كأس العيش صافية / قد صرت أَشربها طيناً مع الكدر
لَقَد كفرت بنعمى كنت أَملكها / وقد يغص الفتى بالبارد الخصر
لا خير في الماء يأتيني بلا تعب / وإن كفاني عناء الورد والصدر
في البحر مد وجزر يعبثان به / والمد والجزر مفعولان للقمر
إن الحياة لحرب لا انقضاء لها / وليس إلا لأهل الصبر من ظفر
لا تهربن من النار الَّتي اضطرمت / وإن رمتك فنالَت منك بالشرر
لا يكبر الناس في عصر نعيش به / من لم يجادل ولم ينفع ولم يضر
الحازمون رأوا في السعي مسعدة / فَلَم يكونوا من الأعمال في ضجر
والجاهلون قعود في مجالسهم / فلا اعتماد لهم إلا على القدر
لَيسَ الحَقيقة في الأشكال والصور
لَيسَ الحَقيقة في الأشكال والصور / بل في الهيولى الَّذي يخفى عن البصر
عوِّل عَلى ما يراه العقل مفتكراً / ولا تعول على المشهود والخبر
قد جاء يا أم وقت فوتي
قد جاء يا أم وقت فوتي / ولم يجئ آه بعد صبري
إن جاءَ يا أمُّ بعد موتي / فالتمسي أن يزور قبري
إن جاء يا أم بعد دفني / فخبِّريه أني انتظرته
وخبريه يا أم أني / لساعة الموت قد ذكرته
قولي له عند ما يعودُ / سلمي قضت وهي في انتظارك
لم تخل في ساعة تجود / بالنفس فيها من ادّكارك
قد قاومت بعدك الرزايا / لم تألُ في دفعهن جهدا
وآخرا جاءت المنايا / فما استطاعت لهن ردا
يا أم إني إذا بكيت / فلا تلومي على بكائي
ألم ترى أنني حكيت / غصنَ نقاً جف في الهواء
يا أم أبكي على ضياعي / يا أم ابكي على شبابي
فإنما الليلة اضطجاعي / يكون يا أم في التراب
في جسدي والرجاء يكبو / تنازع الموت والحياة
بينهما لو علمتِ حرب / لابد أن يغلب الممات
آهٍ على العمر كيف ولَّى / آه على العيش إذ تبدَّلف
هلا تأنّى الحمام هلاً / حتى يؤوبَ الذي ترحل
في الصبح إذ زارني الطبيب / أحسستُ في الوجه منه يأسا
فبان لي أنني قريب / من سكني في التراب رمسا
يا ع أم يا أم قد يطول / مكثى بقبري ويستمرّ
هل صادق قول من يقول / إن الدجى فيه مكفهر
أودُّ لو كان ما أود / أني عنكم أطوى المسيرا
لكنما الموت مستبد / فلا يراعي قلباً كسيرا
إن رام عني الحبيب بعدا / لم ينأَ عن مقلتي خياله
إن لم يكن شخصه المفدى / فإنه دائماً مثاله
في يقظة كنت أو منامِ / أراه يا أُمُّ نصب عيني
كأنه واقف أمامي / كأنه آسف لحيني
ما باله ساكتاً ملياً / يَغض من طرفهِ خُشوعا
أظنه باكياً خفيا / فانه يمسح الدموعا
يا أم هاتي نبيلا ابني / منه أنل قبلة الوداع
يا أم هاتيه لي فمني / قَرُبت ساعة النزاع
أدنته منها الأمُّ الأسيفه / وهي لبادي الدموع تخفى
فقبلته سلمى النحيفة / ثم ارتمى رأسها لضعف
طفلٌ صغيرٌ في السن جداً / كصورة الحسن والجمال
بملك خدا يُظن وردا / وأعينا هنَّ للغزال
يريدُ في لفظهِ كلاماً / وهو على ذاك غيرُ قادر
يُهدى إلى أمهِ ابتساما / ويُمسك الشعر والضفائر
فأغمضت أمه قليلا / ثم أرعوت تنظر السماء
رافعة طرفها الكليلا / بصورة تجلب البكاء
قائلةً ربِّ لا تفارق / بين نبيل طفلي وبيني
أعتق حياتي حتى يراهق / يا رب والموت بعد ديني
دعت كذا دعوة وطاحت / في رقدة مالها انتباهُ
وأمها بالعويل صاحت / وبان صبري يُدنى خطاه
باغته في اللقاء بهتُ / إذ شاهد المنظر الكئيبا
فساد من في المكان صمت / تخاله مِصقعاً خطيبا
وصاح بعد السكوت حينا / من كبد كاللهيب حرّى
كنت لرود زهت قرينا / فاغتالها الموت آه غدراء
قد كان لي زهرة لطيفة / في رونق العمر والشباب
هبت عليهِا ريح عنيفه / فبدَّدتها على التراب
ماذا حياتي من بعدُ تنفع / كان الذي خفت أن يكونا
ما حيلتي آه كيف أصنع / إنا إلى اللَه راجعونا
آثرت حتفك بعد اليأس تنتحر
آثرت حتفك بعد اليأس تنتحر / في حين كان اليك الشعب يفتقر
ضحيت بالنفس والاقدار واجمة / من هول ما جئته والليل معتكر
ما كان يرنو الى ما كنت تنفذه / الا السماء والا الانجم الزهر
فهل سئمت حياة طال شقوتها / حتى قذفت عليها النار تختصر
وقر بعد قليل كل نابضة / الا دما عربياً كان ينفجر
وما انتحارك بدع في جرائته / فطالما يئس الاحرار فانتحروا
بقيت في الحزب مثل النجم مؤتلقا / لا كالذين اختفوا من بعدما ظهروا
وكنت هاديهم فيما به اختلفوا / تقيلهم كلما في سيرهم عثروا
وكنت للشعب رأساً في حكومته / والرأس فيه الحجى والسمع والبصر
ما من سلام لشعب ذي مسالمة / اذا تعدّوا عليه فهو يعتذر
الشعب اعياه ذود عن حقيقته / والشعب اعزل لا ناب ولا ظفر
ما ان له نشب ما ان له غضب / ما ان له سند ما ان له وزر
لم يبق في نفسه الا حشاشتها / وفي حشاشتها استقلاله وطر
أضاء ثم تدلى يأفل القمر
أضاء ثم تدلى يأفل القمر / كما ارتمت من عل حسناء تنتحر
وخريذ كو شهاب لاح منبثقا / كدمعة من عيون الليل تنحدر
اما النجوم فكانت فيه خافقة / كأنهن قلوب راعها خطر
اذ نحن من دجلة في عدوة رحبت / وقد تصافح فيها الماء والشجر
طابت على رملها للصحب ليلتهم / وطاب فيها لهم في جوفها السمر
وبعد ذلك ران النوم يغلبهم / على العيون فما قالوا ولا نظروا
ناموا سوى عندليب فوق ايكته / يقول شعرا وإما قال يبتكر
كأنه كان فيما كان يرسله / من الاغاريد يشكو ثم يعتذر
يشكو الى الليل اشجانا تؤرقه / والليل يصغى اليه وهو معتكر
لقد شجتني شكواه برقتها / وكل صوت رقيق بي له اثر
افي النهار لسان الشوك آلمه / ام لم يصافحه لما زاره الزهر
ام هدمت عشه الغربان قادرة / عليه وهو ضعيف ليس يقتدر
ام غاب عنه فلما ثاب مفتقدا / الفاه قد قام فيه حية ذكر
نزا على البان غريداً فهزهزه / حتى تظنيت ان البان ينأطر
سمعت شهقته في فرع ايكته / فخيل لي انها الآمال تنفجر
وخيل لي انها نار مؤججة / ينبث منها الى اطرافها الشرر
وخيل لي انها باتت بارديتي / والصدر مني والاعصاب تستعر
صوت له شجوه كالسهم منطلق / وربه في ضمير الليل مستتر
وصحت اسمعه شعري واعلمه / اني كما هو شاد ماله وزر
شعر حكى العين معناه يفيض اسى / ولفظه دمع تلك العين ينهمر
انا شبيهان في البلوى بمجتمع / فيه كلانا لقاء الموت ينتظر
اجل كلانا اذا ما اللَه لم يقه / شلو على الارض ملقى او دم هدر
أين القصيد التي أبياتها خزف
أين القصيد التي أبياتها خزف / من القصيد التي أبياتها درر
اني وان كنت قد مارسته عمرا / ما قلت شيئا به اسمو وافتخر
يا شعر كنت سلاحا لي اذود به / عني الاذى وبه قد كنت انتصر
عليك مني سلام عرفه عبق / فانما عن قريب عنك لي سفر
لقد بلغت من السبعين غايتها / والقبر لي بعد هذا العمر ينتظر
الشعر قد كثرت فيه مقلدة / وقلّ من نظموه مثلما شعروا
الشعر اوشك ان يردى بما ضغطت / عليه غلظة ناس فهو محتضر
العقل مفتكر والقلب مرتجل / وما كمرتجل للشعر مفتكر
اجل اذا رمت في نهج الحياة هدى / فالعلم نور اليه العقل يفتقر
العقل بالعلم لا بالشعر منتفع / والقلب بالشعر لا بالعلم مزدهر
القلب للشعر تغذوه عواطفه / والرأس للعلم فيه السمع والبصر
وبلبل الروض اني كان منبره / فهو الخطيب فلا عيّ ولا حصر
وجدت في الروض بعد اللأى مرقده / فكان في بقعة قد حفها الزهر
اني ملم باخبار الحياة وما / عندي سوى الظن عما بعدها خبر
بت العلاقات بالدنيا ونعمتها / موتى قد احتضنت اجسادهم حفر
وطالما حارب الاحرار مرهفة / يراعها ثلة تعتو فما اندحروا
ان القبور لا ولى بالألى عجزوا / عن الدفاع بدار الضيم فانتحروا
تشدو الضغط في ارض العراق على / حرية الشعب حتى كاد ينفجر
لا يرجع الحق دمع العين منهمرا / فانه من جروح العجز معتصر
والشعب ان لم تحرره جراءته / فلا يحرره الاعوال والعبر
الشعب يشبه بركانا به حمم / فان تفجر لا يبقى ولا يذر
والشعب يطلب حقا منه مغتصبا / فليسعد السيف ان لم يسعد القدر
المعت للسيف في شعري وليس لنا / بل نحن كالشاء لا ناب ولا ظفر
سيفعل الشعر ان جدت معارضة / ما ليس يفعله الصمصامة الذكر
وقد يجرده من شل ساعده / وقد يليح به من ليس يقتدر
والشعر ليس بمجد في كفاءته / ان اشغل القوم عنه اللهو والبطر
لقد عثرنا لدى التأويب من شلل / فينا وادلج اقوام فما عثروا
ولا صلاح لفرد او لاسرته / الا اذا ارتد عن عادته البشر
انا بعصر يعاب الصادقون به / وليس يحمد الا الكاذب الاشر
للصادقين عقاب في مواطنهم / كأنما الصدق ذنب
ما بال ليلتنا سوداء حالكة / فهل تقرر ان لا يطلع القمر
لاقى اسامة وهو الضيغم الضاري
لاقى اسامة وهو الضيغم الضاري / في الغاب صياد آساد وأنمار
فقال واليد تحوي بندقيتها / يلقى عليه سؤال العاتب الزاري
يا ليث قل لي لماذا انت ذو ولع / بقتل باقورة ترعى وبقار
فقال بالقتل يغريني السعار فسل / من كان يقتل لهواً بالدم الجاري
وقد احاول قتل النفس مثئراً / والقتل للهوى غير القتل للثار
وربما اضطرني للقتل معترض / وما على القاتل المضطر من عار
القتل فيه حياة لي سأشكر من / له حباني بانياب واظفار
اصوم يومي وحسبي ان يكون على / دم عبيط لظبي صدت افطاري
لانت اضعف مخلوق ويدهشني / مافي سلاحك من سحر واسرار
ان القضيب الذي تلهو يداك به / يكاد يخطف منه البرق ابصاري
وتعترى رجفة مني الفؤاد لدى / سماع صوت له كالرعد هدار
وهذه الارض من خوفي سأهجرها / فلست تسمع بعد اليوم اخباري
لانت اعدى عدو لي يطاردني / وانت اجدر من عادي باكباري
قد كنت احمى عريني ان يطوف به / وحش واني ذاك القسور الضاري
اذا زأرت فاني مثل راعدة / او انقضضت فاني شبه اعصار
وقد اهاجم جاموسا فاصرعه / بضربة من يميني ذات آثار
ما اكثر الوحش في الآجام واغلة / وما بها كل ذي ناب بمغوار
واليوم اني على ما فيّ من ثقة / بقوتي خائف من زندك الواري
الليل منك اذا ما جن يسترني / اما النهار فواش غير ستار
اني اقر باوزاري التي عظمت / لو كان يذهب اقراري باوزاري
ان كنت اقتل ذا شر يهاجمني / فقد قتلتم الوفا غير اشرار
بالسيف بالنار بالغازات خانقة / وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن اما اردنا البطش ننذركم / وتفتكون بنا من غير انذار
ندنو فنقتل بالانياب عن كثب / وتقتلون برغم البعد بالنار
كانت لنا الارض ملكا قبل خلقكم / من صلب قرد طريد آكل الفار
سل ان شككت رجال العلم يعترفوا / بما اقول وما ذو الجهل كالداري
بلى اضر اذا ما جعت مفترسا / لكنني لست في شبعي بضرار
لا اوثر القتل حباً في محاسنه / بل ان في حاجتي بعثا لا يثارى
خلقت ليثا هصورا وسط غابته / ولم اكن انا في خلقي بمختار
اني بكوني رئبالا لمفتخر / فلا تعيبن اخلاقي واطواري
وجدت في الغاب نفسي ضاريا اسدا / فهل يغير مني الهازئ الزاري
ولست تعلم ما نفسي ترى حسنا / فان رأسك يحوي غير افكاري
اما الحياة فليست مثلما زعموا / مقسومة بين اشرار وابرار
ادير عيني في الاحياء ارقبها / فلا الاقي امامي غير اشرار
ان القوي ليبقى والحياة وغى / في البر في البحر في الاجواء في الغار
ولا يعيش عزيزا غير مجترئ / ولا يموت ذليلا غير خوار
تود سجني لو تسطيع في قفص / ويمقت السجن حر شبل احرار

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025