المجموع : 18
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها / كَما تَبَسَّمَ في أَفنانِه الزَهَرُ
لَقَد كلفت بها سَمراء فاتنة / في جيدها تلع في عينها حَوَرُ
قَدٌّ كَما شاءَت الأهواء معتدلٌ / ما شانه زارياً طولٌ وَلا قِصَرُ
إذا مَشَت تَتَثنّى عند مشيتها / كَما تَمايل غُصنٌ ناعم غضر
لَيلى لأَنتِ منَى نفسي وَحاجتها / وأنتَ وحدك يا لَيلى لها الوطر
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ / وانت ناعِمة خضراء ناضرةٌ
لا تأمني الدهر فالايام غادِرةٌ /
يا سرحة الماء ان جاء الخَريف غَداً / فإنما هذه الأَوراق تنتثرُ
ليلاي بانَت وَما للبين من سببِ / فساء من بعد ذاكَ البين منقلبي
قد كانَ لي أَن أَجِد السير في الطَلَب /
اذا اِجتَمَعتُ وَلَيلى عند رجعتها / فَقَد تعاتبني لَيلى وأَعتَذِرُ
قابَلتُ لَيلى فَلَم تمدد إِليَّ يدا / يا وَيلَتا إِنَّ أَتعابي ذهبن سُدى
لا كنتُ من شاعرٍ لَمّا أَهين شدا /
أَزور لَيلى إليها الوجد يدفعني / وإن حظيَ من لَيلى هُوَ النظرُ
يا راصِد الخنس الجواري
يا راصِد الخنس الجواري / ما جدَّ في تلكم الدراري
هَل أَخذ الجذب في قواها / يقاوم الدفع باقتدار
يأمرها الجذب أن تَدانى / والدفع يأبى غير النفار
لا تثقن بالضياء منها / فإنما نورها ابنُ نارِ
إِن لم يبن للحَياة فيها / وجه فَيا وحشة الديار
أَذهب صَبري اطراد دَهري / وَربما أَوجب اِنتحاري
أَورَثَني السأم من حَياتي / تعاقب اللَيل وَالنَهار
قد جعل الأرض لي قراراً / وبئست الأرض من قرار
مللت في وحدة الدّيارِ
مللت في وحدة الدّيارِ / تعاقب اللَّيل وَالنَّهارِ
إلى مضيق الوجود جاءَت / من عدم واسع عواري
ماذا أَرجيه من بَقائي / وَقَد بَدا الشيب في عذاري
تجرُّني إن أَضاءَ شيبي / خيوطه البيض للبوار
توارَت الشَمس عنك لَيلاً / فاِغتنم النور في الدراري
سأَبلغ القصد عَن قَريب / إِن دامَ ركضي بلا عثار
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة / من الشموس كثاراً لَيسَ تنحصر
تخالها ثابِتات وَهيَ مسرعة / كأنها الخيل في بيداء تحتضر
وَكل شمس لها جرم بنسبته / يَجري الأثير إِلَيها فَهي تَستَعر
وَهْوَ الَّذي يوسع الأجسام قاطبة / دفعاً عَلَيها بِه الأجسامُ تَنهَمِر
فَيحسب الناس أَن الشمس جاذبة / لَها كَما هُوَ بَينَ الناسِ مُشتَهِر
وَهَكَذا الأرض حول الشمس دائرة / كَما يَدورُ حَوالي أَرضنا القَمر
وللأثير يد في الكون قاهرة / تَدَحرَجَت بِعصاها هذِه الأكر
الجرم يأخذ منه بعض حاجته / وَلِلَّذي زادَ عن حاجاتِه يَذَر
وَعند ذلك يَجري في جواهره / كَالماءَ قَد صادَفتَه جارِياً حُفر
رداً لما اختل فيه من موازنة / إن التَوازُن في القوات مُعتَبر
وَالجوهر الفرد في الأجسام لَيسَ سوى / كهيربات بِها يَقوى وَيَقتَدِر
وَالبعض منه كَما في الراد يوم يَرى / يَنحل من نَفسه فيها وَيَنتَثر
والأرض لَم تختزن ناراً بباطنها / إلا لأن القوى عَنهُن تندحِر
وَما تزال بقاع الأرض نامية / بِما عَلَيها من الأجسامِ يَنحَدِر
حَتّى تَكون مَع الأزمان واحدة / من الشموس فَمِنها النور يَنتَشِر
وَهَكَذا شمسنا صارَت لحالتها / شَمساً تصاعد مِنها النار وَالشرر
هَذا الَّذي أَنا مبديه لكم نظري / وإنَّما كل إِنسان لهُ نَظر
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ / وَلَيسَ منها عَلى ذي حيطةٍ خطرُ
إني لأعجب فيما منه أعجب أن / لا يسلم الرأس فيه السمع وَالبصر
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ / فأَيَّ عيش من الأيام ينتظرُ
قَد كنت أَرغب في الأسفار منتقلاً / إلى بلاد نأت إذ كنت أَقتدر
يا حبذا تلعة كانَت تطلُّ عَلى / أرضٍ تجاور فيها الماء وَالشجر
وَاليَوم عَن سفري في الأرض يوقفني / خلوّ ذاتِ يدي وَالضعف وَالخور
قد كنت في كل يوم راكِباً سفراً / وَاليَوم قد حانَ عَن دنياي لي السفر
بَغداد لَيسَت كَما قد كنت تعرفها
بَغداد لَيسَت كَما قد كنت تعرفها / فيما اِنقضى عهده من سابق العصرِ
لَم يغضب الشعب من خسفٍ يسام به / كأَنَّما الشعب قوم لَيسَ من مضر
وَالحر كالعبد قد ماتَت حماسته / وَالصادق القول مثل الكاذب الأشر
عرِّج بِبَغداد تعرف مثل معرفتي / فَما عيان امرئٍ للشيء كالخبر
قد أَحرَجوني بما جاؤوه من سفه / فأَخرجونيَ من أَرضي عَلى كبري
العَيش للحر في بَغداد معتكر / وَلَيسَ في غير بغداد بمعتكر
في لَيل بغداد من فقد الأمان به / لا يَستَطيع امرؤ يَمشي بلا خفر
وَكم هنالك نذلاً في صحيفته / يسبني بلسان بارز قذر
إن قد وزرت بإعلاني مساوئهم / فَلَيسَ يسلم إنسان من الوزر
لا تتركنَّ الشرور تَنمو
لا تتركنَّ الشرور تَنمو / فأَول النار من شرارِ
إنَّ لجهل النفوس شراً / حذار من جهلها حذار
الناس لا يكبرون منهم / إلا الَّذي كان ذا يسار
فأَنتَ بالمال ذو نفوذ / وَأَنتَ بالمال ذو اِقتدار
إن كنت تَرجو في البر مالاً / فجب له واسع البراري
أَو كنت في البحر تَرتَجيه / فاركب له غارب البحار
لا يضجر الحر حين يَسعى / إلا من الذل وَالصغار
ثوبوا إلى العلم إن العلم مكرمة
ثوبوا إلى العلم إن العلم مكرمة / وَفي تلقيه لا يأخذكم الضجرُ
لَو أَصلح البشر الأنسال مهتدياً / بالعلم يوما لرقَّى نوعَه البشر
أَقوم في روضتي صباحاً
أَقوم في روضتي صباحاً / مستمعاً نغمة الهزار
وأبصر الشمس حين تبدو / أشعة الشمس كالنُضار
فأنظم الشعر غير صعب / كأَنما الشعر من شعاري
شعر قد اخترته لِنَفسي / والناس منه على الخيار
كأنه الحق حين يتلى / وما على الحق من غبار
علمني أن أجيد فيه / طول تعاطيه واختباري
والشعر إن لم يصف ذويه / فهو كثوب لهم معار
يممت بيروت بعد الشام في سفري
يممت بيروت بعد الشام في سفري / أجلو بأوجه أمجادٍ بها بصري
شاهدت من أَهلها الأجواد عارفة / ما شاهدت مثلها عيناي في عمُري
قد عاملوني بما توحي سريرتهم / إني بما عاملوني جد مفتخر
وكرَّموني وما لي ما أقابلهم / سوى ثناء على تكريمهم عطِر
آباء بيروت للأبناء قد غرسوا / فذاقَ أبناءٌ بيروت من الثمَر
رأَيت أبناءها قوماً أولي هممٍ / ما في عزائمهم شيء من الخور
يا أَهل بيروت لا أَنسى حفاوتكم / إذ جئت أدلف في بيروت من كبري
يعيش شعب إذا ما كانَ مرتقياً / في ذمة العلم بعد الصارم الذكر
حيّ الرئيس به حفت غطارفة / كما تحف نجوم الليل بالقمر
حيّ النجوم وحيّ الليل يطلعها / ما زينة الليل غير الأنجم الزهر
أماثل من ذرى بيروت قد لمعوا / في جو ليل من الأحداث معتكر
إني بحملي إلى بيروت في سفري / شعراً كمستبضع تمراً إلى هجر
ما الشعر إلا شعور المرء يعرضه / على الأنام بلفظ غير ذي عكر
جم لعمري الألى للشعر قد قرضوا / وَلَيسَ من برزوا فيه سوى نفر
لَقَد تَعاطاه ناس لا ابتكار لهم / والكل قد ضربوا منه على وتر
الشعر فن إلى ذي العلم مفتقر / وَلَيسَ للشعر ذو علم بمفتقر
إن رمت تفقه معنى الشعر مكتنهاً / فاسأل عن الشعر أَهل العلم والنظر
والشعر إن لم يفد معنى يخلده / فإنما هو معدود من الهذر
ولا يجيد سوى من كان مبتكراً / وَلَيسَ كل أخي شعر بمبتكر
أَينَ الَّذي يتقصى ما يشاهده / وينظم الشعر فيه نظم مقتدر
الشعر بحر خضم لا قرار له / ما كل من غاص فيه جاء بالدرر
لا يكبر الشعر مالم تُبق روعتُه / في نفس سامعه شيئاً من الأثر
وهذه صورة للشعر أعرضها / على الَّذين يرون الشعر ذا صور
حللت في روضة كانَ الكنار بها / مغرداً فوق غصن ناعم نضر
وَكانَ يلبس أَرياشاً مزوقةً / كأَنَّه زهرة صفراء في الشجر
وَقَد رآني أدنو منه مسترقاً / ففضَّل الصمتَ فعل الخائف الحذر
نزا يطير نفوراً فوق أيكته / فقلت ريثك لا ترهب ولا تطر
الزم مكانك لا تحذر مقاربتي / فَلَيسَ مني عليك اليوم من خطر
غرد فانت إذا غردت منفجراً / فجَّرت منِّيَ دمعاً غير منفجر
أنت المثير بأنغام ترجِّعها / للشجو في الناس والأطيار والزهر
لأنت شاعر هذا الروض أجمعه / وأنت تنطق إما قلت بالغرر
إني كما أنت للأطيار قاطبة / لشاعر قد أغني الشعر للبشر
لا بد للقلب من عطف على كلمي / إلا إذا كانَ مقدوداً من الحجر
لَيسَ الَّذي سنه من فرحة ضحكت / كمن بكى من صروف الدهر والغير
الكون للمرء يستقريه مدرسة / والكون للمرء مملوء من العبر
وَلَيسَ يُيئس أَرواحاً مفكرة / شيء كحقٍّ مضاع أَو دم هدر
لَقَد تجادل ناس حول منزلتي / من خاذل مكثر ذمي ومنتصر
كانَت حياتيَ في بغداد تسعد من / لبانة كنت أَقضيها ومن وطر
وتلك أَيامي الأولى الَّتي اختلفت / مما أُقاسيه عن أَيامي الأخر
من بعد شربيَ كأس العيش صافية / قد صرت أَشربها طيناً مع الكدر
لَقَد كفرت بنعمى كنت أَملكها / وقد يغص الفتى بالبارد الخصر
لا خير في الماء يأتيني بلا تعب / وإن كفاني عناء الورد والصدر
في البحر مد وجزر يعبثان به / والمد والجزر مفعولان للقمر
إن الحياة لحرب لا انقضاء لها / وليس إلا لأهل الصبر من ظفر
لا تهربن من النار الَّتي اضطرمت / وإن رمتك فنالَت منك بالشرر
لا يكبر الناس في عصر نعيش به / من لم يجادل ولم ينفع ولم يضر
الحازمون رأوا في السعي مسعدة / فَلَم يكونوا من الأعمال في ضجر
والجاهلون قعود في مجالسهم / فلا اعتماد لهم إلا على القدر
لَيسَ الحَقيقة في الأشكال والصور
لَيسَ الحَقيقة في الأشكال والصور / بل في الهيولى الَّذي يخفى عن البصر
عوِّل عَلى ما يراه العقل مفتكراً / ولا تعول على المشهود والخبر
قد جاء يا أم وقت فوتي
قد جاء يا أم وقت فوتي / ولم يجئ آه بعد صبري
إن جاءَ يا أمُّ بعد موتي / فالتمسي أن يزور قبري
إن جاء يا أم بعد دفني / فخبِّريه أني انتظرته
وخبريه يا أم أني / لساعة الموت قد ذكرته
قولي له عند ما يعودُ / سلمي قضت وهي في انتظارك
لم تخل في ساعة تجود / بالنفس فيها من ادّكارك
قد قاومت بعدك الرزايا / لم تألُ في دفعهن جهدا
وآخرا جاءت المنايا / فما استطاعت لهن ردا
يا أم إني إذا بكيت / فلا تلومي على بكائي
ألم ترى أنني حكيت / غصنَ نقاً جف في الهواء
يا أم أبكي على ضياعي / يا أم ابكي على شبابي
فإنما الليلة اضطجاعي / يكون يا أم في التراب
في جسدي والرجاء يكبو / تنازع الموت والحياة
بينهما لو علمتِ حرب / لابد أن يغلب الممات
آهٍ على العمر كيف ولَّى / آه على العيش إذ تبدَّلف
هلا تأنّى الحمام هلاً / حتى يؤوبَ الذي ترحل
في الصبح إذ زارني الطبيب / أحسستُ في الوجه منه يأسا
فبان لي أنني قريب / من سكني في التراب رمسا
يا ع أم يا أم قد يطول / مكثى بقبري ويستمرّ
هل صادق قول من يقول / إن الدجى فيه مكفهر
أودُّ لو كان ما أود / أني عنكم أطوى المسيرا
لكنما الموت مستبد / فلا يراعي قلباً كسيرا
إن رام عني الحبيب بعدا / لم ينأَ عن مقلتي خياله
إن لم يكن شخصه المفدى / فإنه دائماً مثاله
في يقظة كنت أو منامِ / أراه يا أُمُّ نصب عيني
كأنه واقف أمامي / كأنه آسف لحيني
ما باله ساكتاً ملياً / يَغض من طرفهِ خُشوعا
أظنه باكياً خفيا / فانه يمسح الدموعا
يا أم هاتي نبيلا ابني / منه أنل قبلة الوداع
يا أم هاتيه لي فمني / قَرُبت ساعة النزاع
أدنته منها الأمُّ الأسيفه / وهي لبادي الدموع تخفى
فقبلته سلمى النحيفة / ثم ارتمى رأسها لضعف
طفلٌ صغيرٌ في السن جداً / كصورة الحسن والجمال
بملك خدا يُظن وردا / وأعينا هنَّ للغزال
يريدُ في لفظهِ كلاماً / وهو على ذاك غيرُ قادر
يُهدى إلى أمهِ ابتساما / ويُمسك الشعر والضفائر
فأغمضت أمه قليلا / ثم أرعوت تنظر السماء
رافعة طرفها الكليلا / بصورة تجلب البكاء
قائلةً ربِّ لا تفارق / بين نبيل طفلي وبيني
أعتق حياتي حتى يراهق / يا رب والموت بعد ديني
دعت كذا دعوة وطاحت / في رقدة مالها انتباهُ
وأمها بالعويل صاحت / وبان صبري يُدنى خطاه
باغته في اللقاء بهتُ / إذ شاهد المنظر الكئيبا
فساد من في المكان صمت / تخاله مِصقعاً خطيبا
وصاح بعد السكوت حينا / من كبد كاللهيب حرّى
كنت لرود زهت قرينا / فاغتالها الموت آه غدراء
قد كان لي زهرة لطيفة / في رونق العمر والشباب
هبت عليهِا ريح عنيفه / فبدَّدتها على التراب
ماذا حياتي من بعدُ تنفع / كان الذي خفت أن يكونا
ما حيلتي آه كيف أصنع / إنا إلى اللَه راجعونا
آثرت حتفك بعد اليأس تنتحر
آثرت حتفك بعد اليأس تنتحر / في حين كان اليك الشعب يفتقر
ضحيت بالنفس والاقدار واجمة / من هول ما جئته والليل معتكر
ما كان يرنو الى ما كنت تنفذه / الا السماء والا الانجم الزهر
فهل سئمت حياة طال شقوتها / حتى قذفت عليها النار تختصر
وقر بعد قليل كل نابضة / الا دما عربياً كان ينفجر
وما انتحارك بدع في جرائته / فطالما يئس الاحرار فانتحروا
بقيت في الحزب مثل النجم مؤتلقا / لا كالذين اختفوا من بعدما ظهروا
وكنت هاديهم فيما به اختلفوا / تقيلهم كلما في سيرهم عثروا
وكنت للشعب رأساً في حكومته / والرأس فيه الحجى والسمع والبصر
ما من سلام لشعب ذي مسالمة / اذا تعدّوا عليه فهو يعتذر
الشعب اعياه ذود عن حقيقته / والشعب اعزل لا ناب ولا ظفر
ما ان له نشب ما ان له غضب / ما ان له سند ما ان له وزر
لم يبق في نفسه الا حشاشتها / وفي حشاشتها استقلاله وطر
أضاء ثم تدلى يأفل القمر
أضاء ثم تدلى يأفل القمر / كما ارتمت من عل حسناء تنتحر
وخريذ كو شهاب لاح منبثقا / كدمعة من عيون الليل تنحدر
اما النجوم فكانت فيه خافقة / كأنهن قلوب راعها خطر
اذ نحن من دجلة في عدوة رحبت / وقد تصافح فيها الماء والشجر
طابت على رملها للصحب ليلتهم / وطاب فيها لهم في جوفها السمر
وبعد ذلك ران النوم يغلبهم / على العيون فما قالوا ولا نظروا
ناموا سوى عندليب فوق ايكته / يقول شعرا وإما قال يبتكر
كأنه كان فيما كان يرسله / من الاغاريد يشكو ثم يعتذر
يشكو الى الليل اشجانا تؤرقه / والليل يصغى اليه وهو معتكر
لقد شجتني شكواه برقتها / وكل صوت رقيق بي له اثر
افي النهار لسان الشوك آلمه / ام لم يصافحه لما زاره الزهر
ام هدمت عشه الغربان قادرة / عليه وهو ضعيف ليس يقتدر
ام غاب عنه فلما ثاب مفتقدا / الفاه قد قام فيه حية ذكر
نزا على البان غريداً فهزهزه / حتى تظنيت ان البان ينأطر
سمعت شهقته في فرع ايكته / فخيل لي انها الآمال تنفجر
وخيل لي انها نار مؤججة / ينبث منها الى اطرافها الشرر
وخيل لي انها باتت بارديتي / والصدر مني والاعصاب تستعر
صوت له شجوه كالسهم منطلق / وربه في ضمير الليل مستتر
وصحت اسمعه شعري واعلمه / اني كما هو شاد ماله وزر
شعر حكى العين معناه يفيض اسى / ولفظه دمع تلك العين ينهمر
انا شبيهان في البلوى بمجتمع / فيه كلانا لقاء الموت ينتظر
اجل كلانا اذا ما اللَه لم يقه / شلو على الارض ملقى او دم هدر
أين القصيد التي أبياتها خزف
أين القصيد التي أبياتها خزف / من القصيد التي أبياتها درر
اني وان كنت قد مارسته عمرا / ما قلت شيئا به اسمو وافتخر
يا شعر كنت سلاحا لي اذود به / عني الاذى وبه قد كنت انتصر
عليك مني سلام عرفه عبق / فانما عن قريب عنك لي سفر
لقد بلغت من السبعين غايتها / والقبر لي بعد هذا العمر ينتظر
الشعر قد كثرت فيه مقلدة / وقلّ من نظموه مثلما شعروا
الشعر اوشك ان يردى بما ضغطت / عليه غلظة ناس فهو محتضر
العقل مفتكر والقلب مرتجل / وما كمرتجل للشعر مفتكر
اجل اذا رمت في نهج الحياة هدى / فالعلم نور اليه العقل يفتقر
العقل بالعلم لا بالشعر منتفع / والقلب بالشعر لا بالعلم مزدهر
القلب للشعر تغذوه عواطفه / والرأس للعلم فيه السمع والبصر
وبلبل الروض اني كان منبره / فهو الخطيب فلا عيّ ولا حصر
وجدت في الروض بعد اللأى مرقده / فكان في بقعة قد حفها الزهر
اني ملم باخبار الحياة وما / عندي سوى الظن عما بعدها خبر
بت العلاقات بالدنيا ونعمتها / موتى قد احتضنت اجسادهم حفر
وطالما حارب الاحرار مرهفة / يراعها ثلة تعتو فما اندحروا
ان القبور لا ولى بالألى عجزوا / عن الدفاع بدار الضيم فانتحروا
تشدو الضغط في ارض العراق على / حرية الشعب حتى كاد ينفجر
لا يرجع الحق دمع العين منهمرا / فانه من جروح العجز معتصر
والشعب ان لم تحرره جراءته / فلا يحرره الاعوال والعبر
الشعب يشبه بركانا به حمم / فان تفجر لا يبقى ولا يذر
والشعب يطلب حقا منه مغتصبا / فليسعد السيف ان لم يسعد القدر
المعت للسيف في شعري وليس لنا / بل نحن كالشاء لا ناب ولا ظفر
سيفعل الشعر ان جدت معارضة / ما ليس يفعله الصمصامة الذكر
وقد يجرده من شل ساعده / وقد يليح به من ليس يقتدر
والشعر ليس بمجد في كفاءته / ان اشغل القوم عنه اللهو والبطر
لقد عثرنا لدى التأويب من شلل / فينا وادلج اقوام فما عثروا
ولا صلاح لفرد او لاسرته / الا اذا ارتد عن عادته البشر
انا بعصر يعاب الصادقون به / وليس يحمد الا الكاذب الاشر
للصادقين عقاب في مواطنهم / كأنما الصدق ذنب
ما بال ليلتنا سوداء حالكة / فهل تقرر ان لا يطلع القمر
لاقى اسامة وهو الضيغم الضاري
لاقى اسامة وهو الضيغم الضاري / في الغاب صياد آساد وأنمار
فقال واليد تحوي بندقيتها / يلقى عليه سؤال العاتب الزاري
يا ليث قل لي لماذا انت ذو ولع / بقتل باقورة ترعى وبقار
فقال بالقتل يغريني السعار فسل / من كان يقتل لهواً بالدم الجاري
وقد احاول قتل النفس مثئراً / والقتل للهوى غير القتل للثار
وربما اضطرني للقتل معترض / وما على القاتل المضطر من عار
القتل فيه حياة لي سأشكر من / له حباني بانياب واظفار
اصوم يومي وحسبي ان يكون على / دم عبيط لظبي صدت افطاري
لانت اضعف مخلوق ويدهشني / مافي سلاحك من سحر واسرار
ان القضيب الذي تلهو يداك به / يكاد يخطف منه البرق ابصاري
وتعترى رجفة مني الفؤاد لدى / سماع صوت له كالرعد هدار
وهذه الارض من خوفي سأهجرها / فلست تسمع بعد اليوم اخباري
لانت اعدى عدو لي يطاردني / وانت اجدر من عادي باكباري
قد كنت احمى عريني ان يطوف به / وحش واني ذاك القسور الضاري
اذا زأرت فاني مثل راعدة / او انقضضت فاني شبه اعصار
وقد اهاجم جاموسا فاصرعه / بضربة من يميني ذات آثار
ما اكثر الوحش في الآجام واغلة / وما بها كل ذي ناب بمغوار
واليوم اني على ما فيّ من ثقة / بقوتي خائف من زندك الواري
الليل منك اذا ما جن يسترني / اما النهار فواش غير ستار
اني اقر باوزاري التي عظمت / لو كان يذهب اقراري باوزاري
ان كنت اقتل ذا شر يهاجمني / فقد قتلتم الوفا غير اشرار
بالسيف بالنار بالغازات خانقة / وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن اما اردنا البطش ننذركم / وتفتكون بنا من غير انذار
ندنو فنقتل بالانياب عن كثب / وتقتلون برغم البعد بالنار
كانت لنا الارض ملكا قبل خلقكم / من صلب قرد طريد آكل الفار
سل ان شككت رجال العلم يعترفوا / بما اقول وما ذو الجهل كالداري
بلى اضر اذا ما جعت مفترسا / لكنني لست في شبعي بضرار
لا اوثر القتل حباً في محاسنه / بل ان في حاجتي بعثا لا يثارى
خلقت ليثا هصورا وسط غابته / ولم اكن انا في خلقي بمختار
اني بكوني رئبالا لمفتخر / فلا تعيبن اخلاقي واطواري
وجدت في الغاب نفسي ضاريا اسدا / فهل يغير مني الهازئ الزاري
ولست تعلم ما نفسي ترى حسنا / فان رأسك يحوي غير افكاري
اما الحياة فليست مثلما زعموا / مقسومة بين اشرار وابرار
ادير عيني في الاحياء ارقبها / فلا الاقي امامي غير اشرار
ان القوي ليبقى والحياة وغى / في البر في البحر في الاجواء في الغار
ولا يعيش عزيزا غير مجترئ / ولا يموت ذليلا غير خوار
تود سجني لو تسطيع في قفص / ويمقت السجن حر شبل احرار