هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ
هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ / وقوفَ صَبٍّ رماهُ الشوقُ بالكَمَدِ
هذي المعاهد دارُ الأُنس قَدْ وَلِعت / نفسي بِهَا ووَهَى فِي حبها جَلَدي
هذي المعاهد قَدْ هام الفؤادُ بِهَا / وشوقُها لَفَحتْ نيرانُه كبِدي
هذي المعاهد هذي بُغْيتي وبها / أُنسي وغاية آمالي ومُعتَمدي
هذي المعاهد آثارُ الملوكِ بِهَا / فاسجدْ لَهَا واخلعِ النَّعلين لا تَجِد
فكم مسارحُ غزلانٍ لَهَا رتَعَت / وكم بِهَا كَانَتْ الأيامُ فِي رَغَد
وكم سَفَحْنَ عيونُ البيضِ من عَلَق / فرقَ العواتقِ والأعناق والبُنْد
وكم سبَحن جيادُ الخيل فِي رَهَجٍ / يومَ الجِلاد وأفنى السيفُ من عَدد
وكم رقَصن الخِفاف اليَعْمَلات بِهَا / وكم نَصَبن خيامَ المجد بالعُمُد
وكم هززنَ قُدود السُّمرِ يوم وغىً / يَمْرُقن بَيْنَ ضلوعِ البُهْم والسُّدُد
تِلْكَ المآثرُ تُنبِي عن مَفاخِرها / وأنها مَا بِهَا وُفِّقتَ من أَوَدِ
فقُم وانظر الآثارَ إن لَهَا / شأناً لقد يترك الأوهامَ فِي بَدَدِ
وإنها جنةٌ تَحْيَى الرُّفات بِهَا / مَا فات عنها سوى الوِلدان والخُلُد
كَأَنَّ يوسفَ حينَ القبضِ أَطْلَقه / عِزريلُ من قبضة فِي بِيضها الخُرُد
كَأَنَّما من وجوه البيض قَدْ طَلعت / شمسُ الضُّحى والدُّجى من فَرْعها الجَعِد
كَأَنَّ أبطالها أُسْد الشَّرَى زَأَرت / فِي الرَّوْعِ بَيْنَ قِلالِ الغَيل والوُهُد
كَأَنَّ حُمرَ المنايا فِي سيوفهمِ / يَفْرِقن بَيْنَ الطلا والهام والجسد
كَأَنَّهم حية رَقْطاء إن حَضروا / وإن خَلَوا فهمُ يَسْطون كالأُسد
لهم مساكنْ تخشى الجِنُّ وَطْأَتها / هم يألفون بِهَا فِي الحِضْن والمُهُدِ
لهم جبال كمثل الشُّحْب شامخةٌ / مَطْروزةٌ بنبات الشِّيحِ والمسَد
لهم جَداولُ تجري من مَنابعِها / كَأَنَّها البحرُ لا تنفكُّ من مَدد
لهم بِهَا من نباتِ الأرضَ مأْكَلةٌ / وقتَ الخريفِ لهم أَشْهَى من البَرد
لهم بِهَا مطرٌ يمتد والمهُ / تسعين يوماً يُروِّي الأرضَ بالشُّهُد
يَا نِعْمَ من بلدٍ لو كنت أسكنُها / بلغتُ منها بِهَا أُمنيَّتي بيدي
لكنما سوءُ حظي سوف أَقعدني / والحظُّ إن أقعد الإنسانَ لَمْ يَسُد
محجوبةٌ مذ رأَتْها حقَّ رؤيتِها / عينُ الخليفةِ مَدَّ الكف بالعَضُد
شوقاً لَهَا واجتهاداً فِي تَمدُّنِها / فلا تزال ولا تنفكُّ فِي صَدد
حَتَّى تكونَ عروسَ الأرضِ قاطبةً / فالملك يَزْدان بالتمهيد والعُدَد
والأرض لا بدَّ أن تأتي لَهَا حِقَبٌ / تردُّ ما كَانَ أيام الصِّبا يَجِدِ
تموت حيناً ويأتي الآخرون كما / كَانَ الأُولى كنظيرِ الأُم والوَلَد
كم من ملوكٍ ببطن الأرض قَدْ هَجَدوا / كانوا عَلَيْهَا ملوكَ الدهرِ والأَبد
نمشي عَلَيْهِم فلا يَذْرون بِعْثَتَهم / لجنةِ الخُلد أم للنارِ ذي الوَقَد
نُمسي ونُصبح والأطوارُ تنقلنا / من نُطفةٍ من دم الأَصلابِ والغُدَدِ
لحكمةٍ نُودَعُ الأرحامَ إن لَنَا / فِيهَا التطور نُغْذَى من دم الكبد
فلا نزال بأطوارِ التقلب فِي / أرحام ضِيقٍ فلا نُبدي وَلَمْ نُعِد
من بعدِ مَا تمّ أحوالُ التطورِ فِي / كنِّ البطونِ طلبنا الدار ذي الكَمَد
تأتي إليها نَجوس البطنَ فِي تعبٍ / كما يجوس خلالَ الدار ذو رَمد
نُفضِي إِلَيْهَا بكُرهِ النفسِ تَدفعُنا / ريحٌ تهبُّ من الأَحشاءِ والوُرُد
إِلَى فسيح بظهرِ الأرض نَمْلؤه / وَقَدْ ملأنا الحَشَا بالغِلِّ والحَسَدِ
نُكابد العيشَ فِي همٍّ وَفِي حَزَن / كذاك قَدْ خُلق الإنسانُ فِي كبَد
فلا نزال نُعاني الدهرَ فِي كدرٍ / فهكذا الحالُ تطويراً إِلَى اللَّحَد
فهذه حالةُ الإنسان مَا فُطرتْ / أيامُه قَدْ يُعاني حالة النَّكَد
فنشأةُ السكونِ تطوير وتَوْطئة / كذاك من سَبَد قَدْ كَانَ أَوْ لَبَد
كَانَتْ ظفار عروساً بالملا مُلئت / يرتادُها خطباءُ الملك بالعدد
فطافَها طائفُ التغيير فارْتَجعتْ / محجوبةً لا تراها العينُ من بُعْد
تطوَّرت دُول طوراً بِهِ اتَّضَعتْ / حَتَّى إذا ارتفعت طالتْ وَلَمْ تَعُدِ
بنظرةٍ من مليكٍ لا نظيرَ لَهُ / يظَلُّ منه الدجى والصبحُ فِي سَهَد
تَبيت ترقُب عينَ النجم ساهرةً / من بأسِ همتِه والأفقُ فِي رَصَد
يُقدِّر الأمرَ فِي التدبير لو نظرتْ / فِيهِ المَشيمةُ لَمْ تنقصْ وَلَمْ تَزِد
يَظلُّ مفتضحاً مرُّ النسيمِ بِهِ / كَأَنَّ أخلاقَه نَسْماءٌ من بَرَدِ
يكاد من لُطفها تَنْدو مَباسِمُه / كَأَنَّما نُطْقه قَدْ شُجَّ من شُهُد
لم تصطحِبْ من وَقود النارِ رِفْقتُه / تَكفِي مَلامحُه عن شُعلة الوَقَد
لو كَانَ فِي مَلأ كالرمل تعرفُه / كالبدرِ بَيْنَ نجومِ الأفق فِي حَشَد
لو حلّ مَا فِي السما والأرضِ راحتَه / أَفناه فِي يومه والشمسُ لَمْ تَكَد
أَوْ لو رأى درهماً فِي كَفِّ خازِنه / مَا قَرَّ فِي كفه من يومه لغد
كَأَنَّما كفُّه قالتْ لساعِدِهِ / حكمتَ فاحكمْ بما قَدْ شئتَ فِي النَّقَدِ
هو الخِضَمُّ الْتَقِطْ من صَفْوِه دُرراً / وإن يُهَج فاحذرِ الأمواجَ لا تَرِد
فصَفْوهُ ونسيمُ الروض مبتكر / وكَدْره ذَلِكَ الْنّفّاثُ فِي العُقَد
بحرٌ مَواهِبُه غُرٌّ مَناقبُه / إِذَا سَجى أَوْ طَمى فالسُّمُّ فِي الزَّبَد
لا يأمنُ المكرَ مَكّارٌ بِهِ ومتى / رأى من البحر مَهْمَا جاء لَمْ يَجد
فَلْتَهنَ بالمَلكِ الميمونِ ظافرةً / ظفارُ فَخْرها تختال بالبُرُد
وَلَمْ تزل فِي حِماه الدهرَ آمنةً / من طالعِ النحسِ تَرْقَى طالعَ السَّعد
في كل آنٍ لَهَا فِي الطَّور مرتبةٌ / فلم تزل ترتقي طَوْراً مدى الأَبد
وَلْيهنأ القطر مَا عينُ السُّها سَهِدت / ونام شخصُ الدُّجى والأفقُ فِي رَصَدِ
وامتد باعُ الندى بالجسود متصلاً / بكف تيمورَ ربِّ الفضل والمَدد
ودام فِي فَلك الإقبال طالعُه / وحلَّ بدرُ العُلى فِي دارةِ الأَسد
وَلْيهنأ العيدُ مَا طالتْ يداك بِهِ / بنَحْرك البُدْنَ والتعظيمِ للأحد
وبَسْطِك الجودَ حَتَّى قال قائلُه / مادي السماحةُ والأخلاقُ من أَحد
واسلمْ ودُمْ مَا هَمَت عينُ السماءِ عَلَى / خَدِّ البسيطةِ حَتَّى سال بالكُدُر
أرَّختُ لما سألتُ الله محتسِباً / إياك أرجو وأنت الآن مُعتَمدي