المجموع : 8
سِلْكانِ لِلدَّمعِ مَحْلولٌ وَمَعْقُودُ
سِلْكانِ لِلدَّمعِ مَحْلولٌ وَمَعْقُودُ / عَلَى التي لَحْدُها في القَلْبِ مَلْحُودُ
ما سَوَّدَ الحزْنُ مُبْيَضَّ السُّرورِ بِها / إِلا وَأَيَّامُ عُمْري بَعْدَها سُودُ
عَنَّتْ يَدُ الدَّمْعِ في خَدِّي عِنانَ دَمٍ / كأنَّهُ مِنْ أَديمِ القَلْبِ مَقْدُودُ
ما اسْتَعْبَرَ الغَيْثُ إِلا عِنْدَ عَبْرَتِهِ / فَخَدُّ وَجْهِ الثَّرى لِلْغَيْثِ مَخْدُودُ
مَنْ لي بِرَحْمَةِ قَلْبٍ ليسَ يَرْحَمُني / كأَنَّ نُقْصانَ وَجْدي فيهِ تَزْييدُ
تولد النار فيهِ ماء سَلْوَتِهِ / فَاعْجَبْ لنارٍ لها في الماءِ تَوْليدُ
كَمْ بِتُّ أَرْجُمُ أَعضائِي بِجَمْرِ غَضاً / وَالفَجْرُ في صَفَدِ الظَّلْماءِ مَصْفُودُ
نامَتْ عيونُ عُداتي إِذ زَفَرْتُ وَلي / من مَغْمَدِ الدَّمْعِ في عَيْنَيَّ تجريدُ
لَولا عَلائقُ بَيْنٍ مِنْكِ تَعْلَقُ بي / لَقُلْتُ إِنَّ اقتِرابي مِنْكِ تَبعيدُ
وَلَيْتَ بَعْدَكِ تسويد البَياضِ فَلي / بالدَّمْعِ في صُحُفِ الأَحْزانِ تَسْويدُ
فَلا صَفا كَدَرُ الدُّنْيا لِمُصْفِيَةٍ / ما جاهَدَتْ فيكِ أنْفاسي المَجاهيدُ
إِنْ أَزْمَعَتْ عنكِ صَبْراً أُبْدِلَتْ بِجَوىً / مَعْدومُهُ بِكِ طُولَ الدَّهْرِ مَوْجودُ
لازالَ خدِّي تَريباً فوقَ تُرْبَتِها / ما دارَ في خَلَدِ الأَيَّامِ تَخْليدُ
جَبُنْتُ مِنْ عَسْكَرَيْ دَمْعي فشجَّعَني / قلبٌ له في انْحِدارِ الدَّمْعِ تَصْعِيدُ
متى يُبالي ثَرىً أَنْ لا يَرى مطراً / فَمُسْبَلُ الدَّمع مِنِّي وهو مَوْرُودُ
هَا قَدْ تَأَمَّلْتُ بالعُتْبى الَّتي سَلَفَتْ / أَنْ لا يُعاوِدَني من بَعْدِها عِيدُ
ودَّعْتُها وَبِنَحْري مِنْ مَدَامِعِها / نَحْرٌ وفي جيدِها مِنْ مَدْمَعِي جِيدُ
فبرَّدَتْ حرَّ أَنفاسي عَلى بَرَدٍ / كأنَّهُ مِنْ صَديدِ النَّفسِ مَصْدُودُ
وَاسْتُدْعِيَتْ فأَجابَتْ بعد ما ظَهَرَتْ / في وَجْنَةِ الفَجرِ قبلَ الصُّبحِ تَوريدُ
وصُوِّرت في مِراةِ الأُفق صورتُها / فلي إليها برُسلِ اللحظِ تَرديدُ
جَاهَدْتُ بِالصَّبْرِ في إِثْرِ العَزاءِ فَمَا / رَجَعْتُ إِلا وَصَبْرِي عَنْكِ مَفْقُودُ
قالَتْ وَقَدْ فَتَكَتْ فينا لَواحِظُها
قالَتْ وَقَدْ فَتَكَتْ فينا لَواحِظُها / كَمْ ذَا أَمَا لِقَتيلِ الحُبِّ مِنْ قَوَدِ
وأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤاً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ / وَرْداً وَعَضَّت عَلَى العُنَّابِ بِالْبَرَدِ
إِنْسِيَّةٌ لَوْ رَأَتْها الشَّمْسُ ما طَلَعَتْ / مِنْ بَعْدِ رُؤْيَتِها يَوْماً عَلى أَحَدِ
كَأنَّما بَيْنَ غاباتِ الجُفُونِ لَها / أُسْدُ الحِمامِ مُقيماتٍ عَلى الرَّصَدِ
يا مُوْقِدَ النَّارِ في قلبي وفي كَبِدي
يا مُوْقِدَ النَّارِ في قلبي وفي كَبِدي / أَوقَدْتَ ما لَيْسَ يُطْفا آخِرَ الأَبَدِ
أَوقَدْتَ نارَ الهَوى بِالشَّوقِ فَاشْتَعَلَتْ / مِنَ الجَوانِحِ لم تَخْمُدْ ولَم تَكَدِ
عَادَ وكَمْ قالَ لا أَعودُ
عَادَ وكَمْ قالَ لا أَعودُ / كأَنَّما وَعْدُهُ وَعِيدُ
أَحسنُ ما نحنُ في وصالٍ / يَعْرِضُ ما بيننا الصُّدُودُ
وكَمْ تَجَلَّدْتُ لا لِأَنِّي / عَلى عذابِ الهَوى جَليدُ
لكِنَّني طالِبٌ رِضاهُ / وهكذا تفعلُ العَبيدُ
يا غائِباً لم يَغِبْ هَواهُ
يا غائِباً لم يَغِبْ هَواهُ / عنْ قلبِ صَبٍّ به عَميدِ
قد صارَ يومُ الفِراقِ عندي / أَظلمَ منْ ظُلمَةِ الصُّدودِ
وكلُّ أُنْسٍ تَغيبُ عنهُ / فإِنَّهُ وحشةُ الجُحودِ
لَوْ فَجَعَ البَيْنُ قلبَ صَبٍّ / ذابَ ولوْ كانَ مِنْ حَديدِ
لَوْ مَرَّ لي نَفَسٌ بالنَّارِ أَحْرَقَها
لَوْ مَرَّ لي نَفَسٌ بالنَّارِ أَحْرَقَها / بِحَرِّهِ ولو أَنَّ النَّارَ مِنْ بَعَدِ
وَلَوْ هَوِيتُ حِمامي فيهِ فارقني / من قبلِ فُرقتِهِ روحي من الجَسَدِ
وما أُطيقُ لما أَلقاهُ مِنْ كَمَدٍ / أَقُولُ واكَبِدي مِنْ شِدَّةِ الكَمَدِ
ودَّعتُها وَلَهيبُ الشَّوقِ في كبدي
ودَّعتُها وَلَهيبُ الشَّوقِ في كبدي / والبينُ يُبْعِدُ بينَ الروحِ والجَسَدِ
وَدَاعَ صَبَّيْنِ لم يُمكِنْ وَدَاعُهُما / إِلا بِأَلْحاظِ عَيْنٍ أَوْ بَنانِ يَدِ
وحاذَرَتْ أَعْيُنَ الواشِينَ فانصرفَتْ / تَعَضُّ مِن غيظِها العنَّابَ بِالبَرَدِ
وكانَ أَوَّلُ عهدِ العينِ يَوْمَ نَأَتْ / بِالدَّمْعِ آخِرَ عَهْدِ القَلْبِ بِالْجَلَدِ
نَالَتْ عَلى يَدِها مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي
نَالَتْ عَلى يَدِها مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي / نَقْشاً عَلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَدِي
كأَنَّهُ طُرْقُ نَمْلٍ في أَنامِلِها / أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْها السُّحْبُ بِالْبَرَدِ
كأَنَّها خَشِيَتْ مِنْ نَبْلِ مُقْلَتِها / فَأَلْبَسَتْ زَنْدَها دِرْعاً مِنَ الزَّرَدِ
مَدَّتْ مَوَاشِطَها في كَفِّها شَرَكاً / تَصِيدُ قَلْبِي بِهِ مِنْ داخِلِ الجَسَدِ
وَقَوْسُ حَاجِبِها مِنْ كلِّ نَاحِيَةٍ / وَنَبْلُ مُقْلَتِها تَرْمِي بِهِ كَبِدِي
وَعَقْرَبُ الصُّدْغِ قَدْ بَانَتْ زُبانَتُهُ / وَنَاعِسُ الطَّرْفِ يَقْظانٌ عَلى رَصَدي
إِنْ كانَ في جُلَّنارِ الخَدِّ مِنْ عَجَبٍ / فَالصَّدْرُ يَطْرَحُ رُمَّاناً لِمَنْ يَرِدِ
وَخَصْرُها ناحِلٌ مِثْلِي عَلى كَفَلٍ / مُرَجْرَجٍ قَدْ حَكى الأَحْزَان في الخَلَدِ
إِنْسِيَّةٌ لَوْ بَدَتْ لِلْشَّمْسِ ما طَلَعَتْ / مِنْ بَعْدِ رُؤْيَتِها يَوْماً عَلى أَحَدِ
سَأَلْتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ أَنْتَ تَعْرِفُنا / مَنْ رَامَ مِنَّا وِصالاً مَاتَ بِالكَمَدِ
وَكَمْ قَتِيلٍ لَنَا في الحُبِّ مَاتَ جَوىً / مِنَ الغَرامِ وَلَمْ يُبْدِئْ وَلَمْ يُعِدِ
فَقُلْتُ أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمنَ مِنْ زَلَلٍ / إِنَّ المُحِبَّ قَلِيلُ الصَّبْرِ وَالجَلَدِ
قَالَتْ وَقَدْ فَتَكَتْ فِينا لَوَاحِظُها / مَا إِنْ أَرى لِقَتِيلِ الحُبِّ مِنْ قَوَدِ
قَدْ خَلَّفَتْنِي طَريحاً وَهْيَ قَائِلَةٌ / تَأَمَّلوا كَيْفَ فِعْلُ الظَّبْيِ بِالأَسَدِ
قَالَتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زَارَني وَمَضى / بِاللَهِ صِفْهُ وَلا تَنْقُصْ وَلا تَزِدِ
فَقَالَ أَبْصَرْتُهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأ / وَقُلْتِ قِفْ عَنْ وُرُودِ المَاءِ لَمْ يَرِدِ
قَالَتْ صَدَقْتَ الوَفَا في الحُبِّ عَادَتُهُ / يَا بَرْدَ ذاكَ الَّذي قَالَتْ عَلَى كَبِدِي
وَاسْتَرْجَعَتْ سَأَلَتْ عَنِّي فَقِيلَ لَهَا / مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ دَقَّتْ يَداً بِيَدِ
وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤأً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ / وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ
وَأَنْشَدَتْ بِلِسَانِ الحَالِ قَائِلةً / مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلا مَطْلٍ وَلا جَلَدِ
وَاللَهِ مَا حَزِنَتْ أُخْتٌ لِفَقْدِ أَخٍ / حُزْني عَلَيْهِ وَلا أُمٌّ عَلَى وَلَدِ
فَأَسْرَعَتْ وَأَتَتْ تَجْرِي عَلَى عَجَلٍ / فَعِنْدَ رُؤْيَتِها لَمْ أَسْتَطِعْ جَلَدِي
وَجَرَّعَتْنِي بِرِيقٍ مِنْ مَرَاشِفِها / فَعَادَتِ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَدِي
هُمْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي / حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ