المجموع : 13
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ / وعندها يَتقاضى الحزمُ ما يَجِدُ
وَما الرزيَّةُ إلّا أَنْ تُلِمَّ بنا / وَنَحنُ لاهونَ عنها غُفَّلٌ بُعُدُ
مثلُ السّوامِ رَعَى في أرض مَضْيَعةٍ / نامَ المُسِيمُ بِها وَاِستَيقظَ الأسدُ
تَمشي الضَّراءَ وهامٌ لا تُخَمِرُّها / محلّقٌ فوقهنّ العارِضُ البَرَدُ
وإنّما المرءُ في الأيّامِ مُحتَبَسٌ / على المنيّةِ تأتيهِ ومُقتَعَدُ
يَسعى وَلَم يسعَ إلّا نَحوَ حُفرتِهِ / يخالُ معتمداً أو كيف يعتمدُ
جاب البلادَ وعدّى عن مصارعِهِ / فَاِختطّ مَصرعَه مِنْ بينها بَلدُ
وَكَيف يَنجو حِبالاتِ الرّدى رجلٌ / مُستَجمعٌ للمنايا بعده بَدَدُ
وَقَد عَلِمنا بِأنّا مَعشرٌ أُكُلٌ / للموتِ نُوجَدُ أحياناً ونُفتَقَدُ
يَرتاحُ نحوَ غدٍ من غفلةٍ أبداً / مَنْ ليس يدرِي بما تجنِي عليهِ غَدُ
كَم ذا فَقَدنا كراماً لا إِيابَ لهمْ / حُطّوا منَ المَنزلِ الأعلى وَنفتَقِدُ
ذاقَتْ شِفاهُهُمُ طعمَ الرّدى مَقِراً / وَطالَما كانَ يَجري بينها الشَّهَدُ
وَكَم وَرَدْنا وَما تُغْنِي ورادَتنا / إنّا وردنا وأُعْفُوا مُرَّ ما وردوا
لم يُغنِ عنهمْ وقد همّ الحِمامُ بهمْ / ما جَمّعوا لدفاعِ البُؤْسِ وَاِحتَشدوا
وَلَيسَ يُجدِي وَإِنْ أَرْبى بكثرتِهِ / عَلى الفَتى مَدَداً إِذا اِنقَضتْ مُدَدُ
كَأنّهمْ بَعد ما اِمتدَّ الزّمانُ لَهمْ / لِما مَضوا في سبيلِ المَوتِ ما وُلِدوا
فَنَحنُ نَبكي عَلى آثارهمْ جَزَعاً / نَقولُ لا تبعُدوا عنّا وقد بَعُدوا
قُلْ لِلوَزير سواك المرءُ نوقظُهُ / وَسمعَ غيرِكَ يَغشى العَذْلُ والفَنَدُ
حَتّى مَتى أَنتَ فيما فات مُكتئِبٌ / جَنَى الحِمامُ فلا عَقْلٌ ولا قَوَدُ
دَعِ التتبّع للعُمرِ الّذي قطعتْ / عَنه الحياةَ المنايا وَاِنتَهى الأمدُ
ما دُمتَ تطمعُ فيه فَاِحزنَنَّ له / فإنْ يَئِسْتَ فلا حُزْنٌ ولا كَمَدُ
وَاِستبقِ دمعَك لا تذهبْ به سَرَفاً / فمسرفٌ فيه يُضحِي وهو مقتصدُ
وإنْ جَزِعتَ لأَنْ مدّت إليك يدٌ / فبالّذي عشتَ ما مُدّت إليك يَدُ
ومُنيةُ الوالدين الدّهرَ أجمعَهُ / أنْ يكرعا الموتَ حتّى يسلمَ الولَدُ
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها / وَلا وَسيلةَ إلّا السَّقْمُ والجُهُدُ
لَم تطعمِ الحبَّ فَاِرتابَتْ لطاعِمهِ / ولم تَجِدْ بِي فلم أوقنْ بما أجدُ
في القربِ والبعدِ هجرانٌ ومَقْلِيَةٌ / فليس ينفعنِي قربٌ ولا بُعُدُ
ما نامَ ذِكرُكِ في قلبِي فيوقظُهُ / برقٌ سرى موهِناً أو طائرٌ غَرِدُ
أُحِبُّ منكِ وإنْ ماطَلْتِ عن أرَبي / وعداً وكم أخلف الميعاد من يَعدُ
ما أطعمَ الحبَّ يأساً ثمّ مَطْمَعَةً / لَو كانَ لي بالّذي يجني عليَّ يَدُ
لا مَوقف الحبِّ أَنساهُ وَنَحنُ عَلى / رَصْفٍ من البينِ يخبو ثمَ يَتَّقِدُ
حَيثُ اِستَندتُ إِلى صبرِي فأَسْلَمنِي / والشّوقُ يأخذُ مِنِّي كلّ ما يجدُ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ / وَليسَ إلّا الهَوى والهمُّ والكَمَدُ
يَسوؤُهُ أنّه همِّي ويُغضِبُهُ / أنِّي شكوتُ إليه بعضَ ما أجدُ
يا صاحبي لا تَلُمْني في هوىً هجمتْ / به عليَّ الَّتي ما ردّها أحَدُ
وافى ولم تَسعَ لي رِجْلٌ لألحقَهُ / حِرصاً عليهِ ولم تُمدَد إليهِ يَدُ
فإنْ يكن لكَ صبرٌ فيه أو جَلَدٌ / فليس لِي في الهوى صبرٌ ولا جَلَدُ
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها / لا تنفُرِي فبياضُ الشَيب معهودُ
عمرُ الشّبابِ قصيرٌ لا بقاءَ له / والعمرُ في الشّيبِ يا أسماءُ ممدودُ
قالتْ طُرِدتَ عن اللذّاتِ قاطبةً / فقلتُ إنّي عن الفحشاءِ مطرودُ
ما صَدّني شيبُ رأسي عن تُقىً وعُلاً / لكنّنِي عن قذى الأخلاقِ مصدودُ
لولا بياضُ الضّحى ما نِيلَ مُفتَقَدٌ / ولم يَبِنْ مطلبٌ يبقى ومَقصودُ
ما عادل الصُّبحَ ليلٌ لا ضياءَ بهِ / وَلا اِستَوتْ في اللّيالي البيضُ والسُّودُ
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً / صبراً عليها ولا خلَّتْ لنا جَلَدا
جاءَتْ ولا همّ في قلبِي ولا كَمَدٌ / فَلَم تَدعْ فيه إلّا الهمَّ والكَمَدا
يا سَعدَنا لَم يجد فيك الزّمانُ وقد / بلاك موضعَ إخشاعٍ وقد وجدا
اِنظُر إِلى الدّهرِ لمّا أنْ ألمَّ بنا / من أيِّ بابٍ إلى مكروهنا قصدا
جبَّ السَّنام الذي كنّا نصولُ به / فما أفادَ بأنْ أبقى شوىً ويدَا
أنكى بأفرسِ مَنْ ناجيتُه قدرٌ / جارٍ وأفرسِ مَن حاذرتُ منه رَدى
والموتُ إنْ لم يزرْ يوماً ففِي غدِهِ / والمرءُ إنْ لم يرُحْ سعياً إليه غدا
لَو يَستَطيعُ الّذي يهوى البقاءَ له / فداءَه بالّتِي في جنبِه لفدى
وَلَو أَطافَ الّذي قِيدتْ مشافِرُهُ / إلى ورودِ حياضِ الموتِ ما وردا
وما أرى الصّبرَ لِي رأياً فأسألَهُ / والقصدُ يُغْرِي به مَن كان مقتصدا
ولستُ أرضى له قولاً وفي كَبدِي / جمرُ المصيبةِ ما أغضى ولا خَمَدا
فإنْ أفَقْتُ فعندي كلّ قافيةٍ / تَتْرى وقد ضَمِنَ الإنجازَ من وعدا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا / مدّوا إلى كلِّ نجمٍ في السّماءِ يدا
مُحَسَّدين وهذا الفضل مَرقَبةٌ / تَجرّ قِدْماً على طُلّاعِها الحَسدا
لمّا رأينا سجاياً منهمُ سُمعتْ / كأنّنا ما رأينا منهمُ أحدا
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ / إلى الّذي كان مألوفاً ومعهودا
كم ذا أرى كلَّ مذمومٍ ولست أرى / بين الورى أبدَ الأيّامِ محمودا
قالتْ أراك بهمٍّ لا تفارقُهُ / فقلت همِّي لأنّي ظَلْتُ مَجهودا
إنْ شئتَ عزّاً بلا ذُلٍّ يُطيف بهِ / فَاِقطَعْ منَ الحرصِ حبلاً كان ممدودا
خذْ كيفَ شئتَ عن الأقطار قاطبةً / وَاِطلُبْ من الرّزق مطلوباً وموجودا
فلستَ تأخذُ إلّا ما سبقتَ بهِ / ولا تبدّل بالمجدودِ مجدودا
مضى الثّقاتُ فلا عينٌ ولا أثرٌ / وأُورِدوا من حياضِ الموتِ مورودا
وأصبحوا كهشيمٍ بات في جَلَدٍ / بِعاصِفاتٍ منَ النّكباءِ مكدودا
فما أبالِي وقد فارقتهمْ غَبَناً / شُحّاً منَ الدَهرِ في نفعٍ ولا جودا
وَلا أضمُّ يداً منِّي بغيرهمُ / ولا أودُّ من الأقوامِ مودودا
ولا أخاف على مَن كان بعدهُم / نَحساً وسعداً ولا بيضاً ولا سودا
ما خامر الرّزقُ قلبي قبل فَجْأتِهِ
ما خامر الرّزقُ قلبي قبل فَجْأتِهِ / ولا بسطتُ له في النائباتِ يدي
كم قد ترادفَ لم أحفِلْ زيادَتَهُ / ولو تجاوزني ما فتَّ في عَضُدِي
إن أسْخَطِ الأمرَ أُدركْ عنه مُضطَرَباً / وإِنْ أُرِدْ بَدَلاً من مذهبٍ أجِدِ
هَل هاجَ شَوقَك صوتُ الطائرِ الغَرِدِ
هَل هاجَ شَوقَك صوتُ الطائرِ الغَرِدِ / في الرّبعِ والرّبعُ عُريانٌ بلا أحدِ
غنّاك ما قلبُه شوقاً بُمكتئبٍ / وليس دمعٌ له حُزناً بمطّردِ
وربّما هاجَ أحزانَ الفؤادِ وما / يَدْرِي خليٌّ من الأشجانِ والكَمَدِ
أمّا الذين رَمَتْ عسفانَ عِيرُهُمُ / بكلِّ موَّارةٍ عَيرانةٍ أُجُدِ
ففي الفؤادِ على آثارهمْ جَزَعٌ / لا يستفيق وهمٌّ غيرُ مُفتقَدِ
حنّوا إليك وقد شطّ المزارُ بهمْ / كَأنّهمْ لم يَصدّوا عنك من صَدَدِ
قَد قلتُ لمّا لِقينا الظّعنَ سائرةً / ماذا يُفيد لِقَيناهُنَّ من غَيَدِ
مِن كلِّ موسومةٍ بالحسن بَهْكَنَةٍ / كَأنّما سُرِقتْ من جنّةِ الخُلدِ
مَن عاذِري في الغَواني غِبَّ مُنتشرٍ / من المشيبِ كنُوّار الضّحى بَدَدِ
وافى ولم يبغِ مِنّي أن أهيبَ به / وحلَّ مِنّيَ كرهاً حيث لم أُردِ
وَلَو جَنَتهُ يَدِي ما كنتُ طائعَها / لَكِنْ جَناهُ على فَوْدَيَّ غيرُ يدِي
دَعْ عنكَ كلَّ لئيمِ الطّبعِ مُبتذَلٍ / أذلَّ في عَرَصاتِ الدار من وَتدِ
إِنْ هَمَّ بِالخَيرِ عاقَتهُ عَوائقهُ / وإنْ مضى في طريق الحمدِ لم يَعُدِ
وَلا تُؤاخِ منَ الأقوامِ مُنطَوياً / على الضّغينةِ مملوءاً من الحسدِ
نَشواً منَ الغيِّ ما لم يَدرِهِ أبداً / ولا يمرّ بما يدري من الرُّشدِ
يا فَخرَ ملكِ بنِي العبّاس كلّهمُ / من والدٍ قد مضى منهمْ ومن وَلَدِ
وَمَن يَجود على ما في نَوافلِهِ / بالفخر والعزّ قبل الجود بالصَّفَدِ
للَّهِ درُّك تمرِي شَدَّ ناجيةٍ / هوجاءَ مرشوشةِ القُطرين بالنَّجَدِ
كَأنَّها وَكريم النّجْوِ يَحفِزها / إلى بلوغِ المدى سِيدٌ على جَدَدِ
وَفي يَديك لَعوبُ المتنِ مُبتَدرٌ / إلى تقنّصِ نفس الفارس النَّجِدِ
مثلُ الرّشاءِ ولكنْ لا قليبَ له / يَومَ الكريهةِ إلّا مُنحَنَى الكَبِدِ
ماذا يريبُ العِدى لا دَرّ دَرُّهمُ / مِن نازِحٍ عَن مَقامِ العَذْلِ والفَنَدِ
ما زالَ والظّمءُ يَستدعِي مكارِعَهُ / إِنْ فاتهُ العدُّ لم يوردْ على ثَمَدِ
كَم ذا لكفّكِ مِن آثارِ مكرُمةٍ / في غُنمِ مفتقرٍ أو فكِّ مُضطَهَدِ
قلائدٌ مثلُ أطواقِ الحمامِ لنا / تبيدُ أُخرى اللّيالِي وهْيَ لم تَبِدِ
وَحاطَها وهيَ بالبيداءِ مُصحِرَةٌ / لأخذِ مستَلَبٍ أو لَقْمِ مُزدَرَدِ
مِن بعدِ ما غابَ عَنها كلُّ منتصرٍ / فمنْ جنى فبِلا عقْلٍ ولا قَوَدِ
وَجُبتَ أَعداءَها عَنها فَلو طلبتْ / لها عدوّاً طِوالَ الدّهرِ لم تَجِدِ
حَتّى اِستَقرّتْ وقد كانتْ مُقَلْقَلةً / تُساق من بلدٍ ناءٍ إلى بلدِ
لَولا مَكانُك كانَتْ يَومَ بَطشَتها / بِلا ذراعٍ ولا كفٍّ ولا عَضُدِ
مَنْ كان غيركَ والرُّعيانُ قد هجموا / يَضُمُّ أرجاءَ تلك الثلَّةِ الشُّرُدِ
ومَنْ يدُلّ وقد ضلّتْ حلومُهُمُ / عن السَّدادِ إلى شيءٍ من السَّدَدِ
فالآن أصبح ما قد كان مُنتَهَكاً / ذُؤابةَ النّيقِ أو عرّيسةِ الأسدِ
لا فاتَنا لكَ دَهرٌ لا تزال بهِ / وَلا اِنتَهيتَ منَ الدّنيا إِلى أمَدِ
وَضَلَّ عنّا الّذي نَخشى ولا نَضُبتْ / هذي الغضارةُ عن أيّامنا الجُدُدِ
وَعادَك العيدُ أَعواماً متى حُصرتْ / بِالعدِّ كانتْ بلا حَصرٍ ولا عددِ
في ظِلِّ مَملكةٍ تبلى الصُّخورُ على / طولِ المدى وهْيَ لا تبلى على الأمَدِ
هَل أَنتَ لصبّ القلبِ معمودِ
هَل أَنتَ لصبّ القلبِ معمودِ / دَوِي الفؤادِ بغير الخُرّدِ الخُودِ
ما شفّه هجرُ أحبابٍ وَإِنْ هَجَروا / من غير جُرمٍ ولا خُلفِ المواعيدِ
وفي الجفون قذاةٌ غيرُ زائلةٍ / وفي الضّلوع غرامٌ غيرُ مفقودِ
يا عاذلِي ليس وجدٌ بتُّ أكتُمه / بين الحَشى وَجدَ تعنيفٍ وتفنيدِ
شِربِي دموعِي على الخدّين سائلةً / إِن كانَ شربك مِن ماء العناقيدِ
ونمْ فإنّ جفوناً لِي مُسهّدةٌ / عُمْر اللّيالِي ولكنْ أيُّ تسهيدِ
وقد قضيتُ بذاك العذل مَأْرَبَةً / لو كان سمعِيَ عنه غيرَ مسدودِ
تلومنِي لم تُصبْك اليومَ قاذفتِي / ولم يعدْك كما يعتادنِي عيدي
فالظّلمُ عَذْلُ خليِّ القلبِ ذا شَجَنٍ / وهُجنَةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ
كم ليلةٍ بتُّ فيها غيرَ مرتفق / والهمُّ ما بين محلولٍ ومعقودِ
ما إن أحِنُّ إليها وهْيَ ماضيةٌ / ولا أقول لها مستدعياً عودِي
جاءتْ فكانت كعُوّارٍ على بصرٍ / وزايلتْ كزيال المائد المودِي
فإنْ يودّ أناسٌ صبحَ ليلهمُ / فإنّ صبحِيَ صبحٌ غيرُ مودودِ
عشيَّةٌ هجمتْ منها مصائبُها / على قلوبٍ عن البَلوى محاييدِ
يا يوم عاشورَ كم طأْطأْتَ من بصرٍ / بعد السموّ وكم أذللتَ من جِيدِ
يا يومَ عاشورَ كم أطردتَ لي أملاً / قد كان قبلك عندي غيرَ مطرودِ
أنتَ المُرنِّقُ عيشي بعد صفوتِهِ / ومولجُ البيضِ من شيبي على السُّودِ
جُزْ بالطّفوفِ فكم فيهنّ من جبلٍ / خرّ القضاءُ به بين الجلاميدِ
وكم جريحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ / إمّا النُّسُورُ وإمَّا أضبُعُ البيدِ
وكم سليبِ رماحٍ غير مستترٍ / وكم صريعِ حمامٍ غيرِ ملحودِ
كأنَّ أَوجههم بيضاً ملألئةً / كواكبٌ في عِراصِ القفرةِ السُّودِ
لم يطعموا الموتَ إلّا بَعد أنْ حطموا / بالضّربِ والطعنِ أعناقَ الصَّناديدِ
ولم يدعْ فيهمُ خوفُ الجزاءِ غداً / دماً لتُربٍ ولا لحماً إلى سِيدِ
من كلِّ أبلجَ كالدِّينار تشهده / وسْطَ النَدِيّ بفضلٍ غيرِ مجحودِ
يغشى الهياجَ بكفٍّ غيرِ منقبضِ / عن الضّرابِ وقلبٍ غير مَزؤُودِ
لم يعرفوا غيرَ بثِّ العُرْفِ بينهمُ / عفواً ولا طُبعوا إِلّا على الجودِ
يا آلَ أحمدَ كم تُلوى حقوقُكمُ / لَيَّ الغرائبِ عن نبت القراديدِ
وكم أراكمْ بأجواز الفلا جُزُراً / مبدّدين ولكنْ أيَّ تبديدٍ
لَو كانَ يُنصفكم مَن ليسَ ينصفكمْ / ألقى إِليكمْ مطيعاً بالمقاليدِ
حُسدتمُ الفضلَ لم يُحرزه غيركُمُ / والناس ما بين محرومٍ ومحسودِ
جاؤوا إليكمْ وقد أعطوا عهودهمُ / في فيلقٍ كَزُهاءِ الليلِ ممدودِ
مُستَمرِحينَ بِأيديهمْ وَأَرجلهمْ / كَما يَشاؤونَ رَكضَ الضُّمَّرِ القودِ
تَهوِي بهمْ كلُّ جرداءٍ مُطهّمةٍ / هوِيَّ سَجْلٍ من الأوذامِ مجدودِ
مُستشعرين لأطرافِ الرّماح ومِنْ / حدِّ الظّبا أدْرُعاً من نسجِ داودِ
كأنَّ أَصواتَ ضربِ الهامِ بينهمُ / أصوات دوحٍ بأيدي الرّيح مبرودِ
حَمائمُ الأيكِ تَبكيهمْ على فَنَنٍ / مُرنّحٍ بنسيم الرّيح أُملودِ
نوحِي فذاك هديرٌ منك مُحتَسَبٌ / على حسينٍ فتعديدٌ كتغريدِ
أُحبّكم والّذي طاف الحجيجُ به / بمُبْتَنىً بإزاءِ العرش مقصودِ
وزمزمٍ كلّما قسنا مواردَها / أوفى وأربى على كلِّ المواريدِ
والموقِفَيْنِ وما ضحَّوْا على عجلٍ / عند الجِمار من الكومِ المقاحيدِ
وكلّ نُسكٍ تلقّاه القبولُ فما / أَمسى وأَصبحَ إلّا غيرَ مردودِ
وأرتضِي أنّنِي قدْ متُّ قبلكُمُ / في موقفٍ بالرُّدينيّاتِ مشهودِ
جمِّ القتيل فهاماتُ الرّجالِ به / في القاع ما بين متروكٍ ومحصودِ
فقلْ لآلِ زيادٍ أيُّ معضلةٍ / رَكبتموها بِتخبيبٍ وَتخويدِ
كَيفَ اِستَلَبتم منَ الشّجعان أمرَهُمُ / والحربُ تغلِي بأوغادٍ عراديدِ
فرّقتُم الشّملَ ممّن لَفّ شَملَكُمُ / وأنتمُ بين تطريدٍ وتشريدِ
وَمَنْ أعزَّكمُ بعد الخمولِ ومَنْ / أدناكُمُ مِن أمانٍ بعد تبعيدِ
لولاهُمُ كنتمُ لحماً لمُزدَرِدٍ / أو خُلسةً لقصير الباع مَعْضُودِ
أو كالسّقاءِ يبيساً غيرَ ذي بللٍ / أو كالخباءِ سقيطاً غيرَ معمودِ
أعطاكمُ الدّهرُ ما لا بعد يرفعه / فسالبُ العودِ فيها مورِقُ العودِ
وَلا شَرِبتمْ بِصفوٍ لا ولا عَلِقَتْ / لكمْ بنانٌ بأزمانٍ أراغيدِ
وَلا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بكم نُوَبٌ / مقلقلاتٌ بتمهيدٍ وتوطيدِ
وحوّل الدّهر ريّاناً إلى ظَمَأٍ / منكمْ وبدّل محدوداً بمجدودِ
قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمهمْ / تَحقّقاً بمصابِ السّادةِ الصّيدِ
نوحوا عَليهِ فَهذا يومُ مصرعهِ / وعدّدوا إنّها أيّامُ تعديدِ
فلِي دموعٌ تُبارِي القَطر واكِفةٌ / جادتْ وإن لم أقلْ يا أَدمعِي جودِي
قَومٌ ولاؤهم حِصن وودّهُمُ
قَومٌ ولاؤهم حِصن وودّهُمُ / لمِنْ أعدَّ نجاةً أوثقُ العُدَدِ
قادَتْ حِرانِيَ يوم النَّفْرِ خُرعُبَةٌ
قادَتْ حِرانِيَ يوم النَّفْرِ خُرعُبَةٌ / وضلَّ عنِّي ما أُوتيتُ من جَلَدِ
قضتْ عليَّ ولم تعمدْ بنظرتها / وكم أصابَ صميماً غيرُ معتمدِ
كأنّما مهجتِي والبُزلُ مُرحلةٌ / مطيعةٌ للنّوى في ماضِغي أسدِ
فليتنِي ساعةً أشكو صبابتها / سرّاً إِلَيها ولا أشكو إلى أحدِ
تقول لِي إنّما الستّون مقطعةٌ
تقول لِي إنّما الستّون مقطعةٌ / بين الرّجال ووصلِ الخُرَّد الغِيدِ
وَما اِستوى يَفَنٌ ولّتْ نضارتُه / في الغانياتِ بغضٍّ ناضرِ العودِ
فقلتُ ما الشّيبُ إلّا لبسةٌ لُبستْ / ما أثّرتْ بِيَ في بخلٍ ولا جودِ
ولا وفاءٍ ولا غدرٍ ولا كَلَفٍ / ولا ملالٍ ولا إنجازِ موعودِ
إنّ الحِفاظَ وبيِضي فيه لامعةٌ / خيرٌ من الغدرِ لو جرّبتِ في سودِي