المجموع : 4
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد / من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته / فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي / و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست / تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه / ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية / سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه / عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا / و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها / لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف / و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته / فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد / يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها / أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها / صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها / في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا / كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا / و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم / و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة / هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى / و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته / و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي / من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا / من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها / يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة / فلا تزار و لا يدري بها أحد
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم / و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها / ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى / بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت / بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني / و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم / و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها / و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى / و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا / عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت / جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي / لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم / لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم / كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها / ألا يرقّ لها فرسانها النجد
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه / كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته / ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها / عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته / و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه / و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته / حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة / و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف / و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده / عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته / كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة / كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق / من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها / و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
أبا الكوكب من شعر و من ولد / تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق / و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل / أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها / و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى / بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه / لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت / إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم / لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن / فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده / زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى / و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى / ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه / على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته / لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته / محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا / أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته / لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر / البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة / ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا / و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم / حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا / عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف / و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله / فرحت بالموجة الزهراء أبترد
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها / منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها / شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا / و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم / كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم / و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم / عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة / و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة / أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها / و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها / و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها / و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها / لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته / و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا / و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها / قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية / أستغفر الله لا كفر و لا فند
حملت من بردى للأرز مرقصة / فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية / سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد / و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم / هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم / ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا / عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت / مراشف الحور من حصبائها حسدا
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا / إرث الفتوح و من مرّانها قصدا
ألملم الجمرات الخضر من كبدي / و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا
و أرشف الكأس من عطر و من غيد / فأسكر المترفين العطر و الغيدا
فديت سمراء و من لبنان ساقية / حنانها ما اختفى من غربتي و بدا
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره / نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا
حوريّة طاف جبريل بجنّته / يريد ندّا لريّاها فما وجدا
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا / إذا سهدت على جمر الغضا سهدا
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة / بخيلة فسقتني الشّهد و البردا
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا / نهدان من نغمات الله قد نهدا
أودعت عندهما بعض الشّباب فما / خانا وديعة أيّامي و لا جحدا
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته / ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة / و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها / بما أحبّ شبابا جامحا وددا
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته / فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني و أجفله / عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة / و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها / يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا
ألحانيين على قلبي و لوعته / يبدّدان من الأحزان ما احتشدا
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته / رأى من الحقد أقساه و ما حقدا
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه / على النوى حقد أحباب و حقد عدى
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني / و كنت أكبره لو عفّ منتقدا
عانيت جهد محبّ في الوفاء له / و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا / فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا
دعوا كرامتي العصماء نازلة / على الشموس تذيع الحسن و الرأدا
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت / إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها / رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت / يميني القمرين : الشّعر و الصيدا
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا / و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة / من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ / جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها / فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت / روما و غار الضّحى منها فما شهدا
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما / و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته / لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا
وجه الشام الذي رفّت بشاشته / من النّعيم لغير الله ما سجدا
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى / و ألف لون من البلوى و ألف ردى
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة / فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا
جهد العفاة من العمّال جزيته / و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته / ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه / حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا
الظامئ القلب من خير و مرحمة / فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا
لو استطاع محا أمجادنا بطرا / لم يبق لا بدرا و لا أحدا
دع الشام فجيش الله حارسها / من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا
عزّت على كلّ فرعون عرينتها / ما روّضت و يروض القانص الأسدا
إذا العدوّ تحدّاها بصولته / نهدت أرخص روحي كلّما نهدا
تقحّمت كبريائي بوم محنتها / ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني / عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم / و سخّروا لهواه المال و العددا
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل / و قد غدا للطغاة العون و المددا
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت / على يديك و نور مات بل وئدا
قد أنكر المشعل الهادي رسالته / فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها / على هواه و لا ثأرا و لا قودا
و من حمى ظلم فرعون لأمّته / فقد تفرعن طغيانا و معتقدا
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه / جنون طاغ فأضحى شمله بددا
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم / لصرح طغيانه الأركان و العمدا
لا أكذب الله من أموالكم صقلت / خناجر طعنت حريّتي و مدى
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته / جيش الشام عن الثارات ما رقدا
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته / غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه / خابت رياحك هذا الجمر ما همدا
ألحامل الغار أمجادا منضّرة / و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا
تبرّجت في السّماء الشمس حالية / لتشهد العدّة الشهباء و العددا
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا / شورى و قد داس حكم الفرد منفردا
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها / و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا / و لن يفارق حلف حلفه أبدا
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت / توزّع النّور و النعماء و الرشدا
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة / لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة / هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة / كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به / لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة / كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
كلاهما أملت السمحاء حرمته / على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة / و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته / و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا
أفدي الشام لنعماها و عزّتها / من أربعين أقاسي الهول و النّكدا
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى / و غاب تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد شلّ الموت سرحهم / ليت النّجوم و روحي للّدات فدى
الرّاقدون و جفني من طيوفهم / في سامر ضجّ في جفني فما رقدا
قبور أهلي و إخواني و غافية / من الطيوف و أسرار و رجع صدى
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى / لمحت مارد جنّ حوله رصدا
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها / و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا
ألحانيات على تلك القبور معي / و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة / منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا
هشّت إلىّ قبور أدمعي عبق / على الرّياحين في أفيائها و ندى
ضمّتني الشام بهد النأي حانية / كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا
ردّت إليّ شبابي في متارفه / و هيّأت للصيال الفارس النجدا
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي / كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد / أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب / و الواردون أحبّائي و لا أرد
علّلت بالصبر أحزاني فيا لأسى / بالجمر من نفحات الجمر يبترد
دعوت خدنيّ من دمع و من جلد / فأسعف الدمع لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل و الهيجاء دائرة / لا السيف ردّ الأذى عنّي و لا الزرد
أردّ رشق الظبى عن مهجتي بيد / و تمسح الدمع من نزف الجراح يد
أبا جميل سلام الله لا كتب / إليك تحمل أشواقي و لا برد
لقيت في الحق ما لاقى به نفر / من الهداة و ما عانوا و ما جهدوا
و العبقريّ غريب في مواطنه / يدور حيث يدور الحقد و الحسد
و حاملين رسالات مقدّسة / توحّدوا بالجهاد السمح و انفردوا
مشتّتين بعصف الرّيح و لا وطن / يلمّ أشتات بلواهم و لا بلد
معارك الحقّ من أجسادهم مزق / على ثراها و من مرّانهم قصد
و ربّ شاك فساد العصر يظلمه / لم يفسد العصر لكن أهله فسدوا
أذاكر لي على صيداء هانئة / من الزّمان عليها نعمة ودد
يمشي بك المجد في أفياء وارفة / من الأمانيّ لا تلوي بما تعد
فيها صباك عطور عبقريّة / و لي شباب طريف العمر متّئد
و نحن بين الدّروب الحاليات / يد تضمّها في ظلال البرتقال يد
و أستعيدك شعري حين تنشده / حتّى يقوّم في إنشاده الأود
حبّ أبوك تولاّه و دلّله / و راح يكرم الإرث الوالد الولد
يا مبدع السحر إلاّ أنّه كلم / و ساقي الرأي إلاّ أنّه شهد
يا ناقدا حبّه يملي فرائده / حتّى ليندى حنانا حين ينتقد
يا مانح النّور من تاهت دروبهم / و مانح الحبّ و الغفران من حقدوا
يفنى المزوّر من مجد و من خدعت / به الشعوب و تبقى أنت و الأبد
لن يعدم القبر لا ريّا و لا عبقا / فلي جفون نديّات و لي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمه / أزكى من الورد ما جادت به الورد
دماء قلبك إيمان و غالية / فليس ينكرها بدر و لا أحد
دماء قلبك ما من قطرة نزفت / إلاّ تمنّت سناها نجمة تقد
يا من نحبّ و لولا الحبّ لا لعس / و لا لمى عبق السقيا و لا غيد
سهرت في زحمة الجلّى و مزّقني / أنّي شهدتهم أغفوا و ما سهدوا
و في ضناي و في أحزاني ازدلفوا / يحرّضون عليّ الدّهر و اتحدوا
حتى بكت محنتي من ظلمهم و غدت / بالدّمع تنهش من قلبي و تزدرد
أمّاه دمعك تبكي من مواجعه / شمّ البواذخ و الأفلاك ترتعد
أمّاه لم يبق لي روح فأغدقه / على أساك و لا دمع و لا كبد
تطوف عينك في الزوار سائلة / عن الحبيب الذي ولّى و تفتقد
و طاف ثكلك في عدن فهل سألت / مساحب النّور أين النّور و الرّغد
ثكل الأمومة في التسعين حين بكى / عند الملائك في جنّانهم سجدوا
ثكل الأمومة عند الله حرمته / كحرمة الحقّ لا ستر و لا بعد
ثكل الأمومة عند الله فاتحة / من الكتاب و إيمان و معتقد
ثكل الأمومة حفّ الأنبياء به / يهدهدون من الآلام و احتشدوا
يدعو فتفتح أبوا ب السماء له / و يمسح الدمعتين الواحد الأحد
و أنت أمّ جميل أيّ نازلة / لم تبق رفدا لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهده / له لواء على الأحزان منعقد
لبنان أين ربيع كنت أيكته / يبكي الرّبيع إذا جافى و يفتقد
لا الشمّ كالعهد فيه لهفة / و قرى على النسور و لا الأمواج و الزبد
لا الأرز بعد نوانا مائس عطر / و لا الغصون عليها الطائر الغرد
جيرانك الأنجم الزهراء عاتبة / و كلّ نجم حزين ثاكل حرد
لبنان فيك قبور للسّيوف حمى / هان ففي كلّ قبر صارم فرد
تألّقوا في سماء المجد ما خمدت / رغم العواصف ذكراهم و ما خمدوا
حتّى إذا ضفرت غارا لمفرقهم / أنامل الخلد زان الخلد من خلدوا
أبا جميل .. و قربى بيننا اتّصلت / إلى الجنان .. فدان و هو مبتعد
عدنان عندك في النعمى و لي كبد / عليه بالجمر و الأحزان يتّقد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا / لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا
هشّوا إلى ابن أخيهم و هو بينهم / بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السنى نزلت / على قراها نجوم طلّع جدد
حمّلت عدنان أطياب الحنين فهل / أدّى أمانة ما أشكو و ما أجد
لم أرثه و هو روحي فارقت جسدي / و كيف يبكي و يرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبر أغليه و ألثمه / و حولي الساخران : الغيب و الأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم / هتفت : لا تبتعدوا عنّي و قد بعدوا
روح الشهيد كنور الله ما همدت / لبث قليلا الظلاّم قد همدوا
حرب على الكفر و الطغيان يضرمها / رأي على الحجّة الزّهراء يعتمد
رموك غدرا و لو صالوا مجابهة / لمزّق الصائدين الضيغم الحرد
سلاحك النّور و الإسلام وحدهما / و منهما العون عند الفتح و المدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة / عديدك الفاتح المنصور و العدد
حتّى إذا انهزمت شتّى فلولهم / و مرّغ الجبن زهو الحقّ و الصيد
أشرفت و الدم شمس راح يحجبها / بكفّه و يواري وجهها الرّمد
لا يخدعنّك زهو الظالمين و إن / تاهت على الفلك الأبراج و العمد
ثلاثة لهوان الدّهر قد خلقوا / ألظالمون و عير الحيّ و الوتد
تكبّر الحقّ أن تلقاه مضطهدا / ألظلم في عنفوان الظلم مضطهد
شمائل الصّيد من قومي معطّرة / بمترف الحق لا غالوا و لا جحدوا
سمحاء لم تدر تهريجا و لا عقدا / فكيف شوّهها التهريج و العقد
تنكرّوا لقديم المجد و هو ضحى / يؤذي العيون و لا يؤذي الضحى الرمد
خطوبهم لا خطوب الدّهر ضاربة / على العروبة إن حلّوا و إن عقدوا
ألهانئون بسلم لا حماة / له فداء من زحموا الجلّى و من نهدوا
القدس سيناء لحد هبّ منتفضا / به الكمأة و خيل الحقّ تطّرد
و رمل سيناء لحد هبّ منتفضا / بكلّ من سقطوا غدرا و ما لحدوا
يصيح ألف صدى في الرّمل منتظرا / أن يستثير الصحارى فارس نجد
أرى الأذلاّء و الهيجاء ساخرة / توعّدوا بالوغى لكنّهم وعدوا
ردّ الأباة على الطغيان غارته / و لم يسلّموا ظبى لكنّهم حقدوا
و كيف أرضى بقوم ألّهوا صنما / و كفّروه و ذمّوا بعد أن حمدوا
حتى إذا راع قصف الرّعد من سمعوا / و راع برق الدّجى أحلام من شهدوا
تكشّف النقع عن أشلاء طاغية / و راح يخطر في غاباته الأسد
أبا جميل أناجي فيك حالية / من الشمائل أغليها و أفتقد
تحوّلت أفقا غير الذي عرفوا / و أنجما في الدّجى غير التي رصدوا
فسلّم الفلك الأسمى على فلك / فيه الكواكب و الأسحار و الرأد
هذي السماء كتاب من شتيت رؤى / فكلّ نجم بها رأى و معتقد
لي عالم يغمر الدنيا و تغمره / و عالم عطر الأسرار منفرد
تخفّ روحي لحاقا في حتوفكم / و يحكم القدر العاتي فتتّئد
ألعيش بعدكم لغو فلا طرب / فيه و لا أمل هان و لا كمد
فيا شقاء فتى آماله رجعت / لأمسه و انطوى يوم و مات غد
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد / يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد
مرّي على كبدي حمراء دامية / يبقى الحنين إذا تسلم الكبد
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني / لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها / مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها / حسناء تبدو عليها نعمة ودد
بعض الخطوب ظلام لا صباح له / و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد
تفجّر الخير منه روضة أنفا / تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا
إذا هم جرعوا من مائها جرعا / توثّبت عزمات فيهم جدد
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم / حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا / نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا
فيم التنكّر للآلام قاسية / إذا تباعد في ميدانها الأمد
ألطالعون على الدنيا بنصرهم / لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم / حقد هو العدّة الشهباء و العدد
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا / يستلهمون من الآلام و احتشدوا
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها / فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا / بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم / لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا / حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا / و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم / و ما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة / تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها / حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيمانا و موجدة / فكلّما لاح منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطّرة / و في الرّمال بنان أفردت و يد
في كلّ منزلة قبر تلمّ به / هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد
مشتّتين فمن أجسادهم مزق / على الأديم و من مرّانهم قصد
مصارع بعطور الحقّ زاكية / كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا
حنا السراب عليها و هي ظاكئة / حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد
بموحش من رمال البيد منبسط / يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد
مسحت دمعي من ذكراهم بيد / و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة / للشاربين و هذا الشاعر الغرد
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم / لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه / و لا تحوّل عن نعمائها الحسد
و لا شفى الله جرحا في سريرته / نديان ينطف منه الخمر و الشهد
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به / حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا / من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا
صلى الاله على قبر يطوف به / كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به / و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا
ضاو من السقم ضجّت في شمائله / عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد
إذا أثير نضا عنه مواجعه / كما تفلّت من أشراكه الأسد
يروع في مقلتيه بارق عجب / و عالم عبقريّ السحر منفرد
يغالب البشر أسقاما نزلن به / يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد
داء ملح و نفس لا تذلّ له / حرب تكافأ فيها البأس و العدد
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها / فراح يلمح في نعمائها الكمد
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة / و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد
نعمت منك بساعات معطّرة / كأنّها الحلم دان و هو مبتعد
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت / لليائسين حميّا كأسها سعدوا
يا خدنة من قراع الدهر دامية / ألا يهدهد من آلامك الأبد
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها / ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة / يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها / حمى الشبولة إخوان له نجد ...
أمّا الشباب فما خانوا رسالته / عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة / شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد
حول الزعامة فتيان غطارفة / لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا
الساخرون من الأقزام يضحكهم / أن راح يلبس جلد الضيغم النقد
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا / و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا
سقتهم كفّ إبراهيم صافية / من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد
ففي الدّماء سعير من سلافتها / عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف / و في الشمائل إلاّ أنّه صيد
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها / حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت / تعيد سيرتها الأولى و تطّرد
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا / و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها / على الرّمال الهوى و الزور و الفند
مالي أرى الفرس الشقراء عارية / على المرابط لا تطغى فتنجرد
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا / و آن أن يستريح الفارس النجد