القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 6
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ / أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِدُ
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها / رأْيٌ بتعليلِ مَجْراها ومُعْتَقَدُ
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ / ماذا يُخَبِّي لهم في دَفَّتَيْهِ غَدُ
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ / ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَدُ
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَة ٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَتْ / ولا العجوزُ على الكَفَّيْنِ تَعْتَمِدُ
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً / أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحدُ
حُيِّيتِ (أمَّ فُرَاتٍ) إنَّ والدةًً / بمثلِ ما انجبتْ تُكْنى بما تَلِدُ
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِهَا / بُدَّاً وإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللَّحدُ
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسدُ
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً / رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْتَرِدُ
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُني / وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِدُ
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني / ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَرِدُ
كما تَفجَّر عيناً ثرةًً حَجَرُ / قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُ
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا
مُدي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يَدُ / لا بُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نَتَّحِدُ
كُنَّا كشِقَّيْنِ وافى واحِدا ً قَدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرهِ صَدَدُ
ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحي غياهِبَهُ / عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِدُ
وردَّدَتْ قَفْرَة ٌ في القلب ِ قاحِلة ٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْدَاً فلا يَجِدُ
ولفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبهَهُ / بِجَعْدِ شَعْرِكِ حولَ الوجهِ يَنْعَقِدُ
ألقيتُ رأسيَ في طَّياتِهِ فَزِعَاً / نَظِير صُنْعيَ إذ آسى وأُفْتَأدُ
أيّامَ إنْ ضاقَ صدري أستريحُ إلى / صَدْرٍ هو الدهرُ ما وفّى وما يَعِدُ
لا يُوحِشُ اللهُ رَبْعَاً تَنْزِلينَ بهِ / أظُنُّ قبرَكِ رَوْضَاً نورُهُ يَقِدُ
وأنَّ رَوْحَكِ رُوحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوحُهُ نَكَدُ
كُنَّا كنَبْتَةِ رَيْحَانٍ تَخَطَّمَها / صِرٌّ فأوراقُها مَنْزُوعَة ٌ بَدَدُ
غَطَّى جناحاكِ أطفالي فكُنْتِ لَهُمْ / ثَغْرَاً إذا استيقظوا عَيْنَاً إذا رَقَدوا
شَتَّى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهل يكونُ وفاءً أنّني كَمِدُ
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ مَحلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسَدُ
ولم تَكُنْ ضرَّةً غَيْرَى لجارتِها / تُلوى لخيرٍ يُواتيها وتُضْطَهَدُ
ولا تَذِلُّ لِخَطْبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ منها المالُ والوَلَدُ
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبْطَأَتْ بُرُدُ
ضاقتْ مرابِعُ لُبنان بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُدُ
تلكَ التي رَقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنّا وكانتْ عِيشَةٌ رَغَدُ
سوداءُ تَنْفُخُ عن ذكرى تُحَرِّقُني / حتَّى كأنّي على رَيْعَانِهَا حَرِدُ
واللهِ لم يَحْلُ لي مَغْدَىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعِيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَدُ
أين المَفَرُّ وما فيها يُطَارِدُني / والذكرياتُ طَرِيَّاً عُودُها جُدُدُ
أألظلالُ التي كانَتْ تُفَيِّئُنَا / أمِ الهِضَابُ أمِ الماءُ الذي نَرِدُ
أمْ أنتِ ماثِلَة ٌ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومِنْ ثَمَّ مُرْتَاحٌ ومُتَّسَدُ
سُرْعَانَ ما حالَتِ الرؤيا وما اختلفتْ / رُؤَىً ولا طالَ- إلا ساعة ً- أَمَدُ
مَرَرْتُ بالحَوْر ِ والأعراسُ تملأهُ / وعُدْتُ وهو كمَثْوَى الجانِّ ِ يَرْتَعِدُ
مُنَىً - وأتْعِسْ بها- أن لا يكونَ على / توديعِهَا وهي في تابوتِها رَصَدُ
لعلنِي قَارِئٌ في حُرِّ صَفْحَتِهَا / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِدُ
وسَامِعٌ لَفْظَةً منها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّهَا - ومعاذَ اللهِ - تَنْتَقِدُ
ولاقِطٌ نَظْرَةً عَجْلَى يكونُ بها / لي في الحَيَاةِ وما أَلْقَى بِهَا سَنَدُ
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ / مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ
نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ / بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد
واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ / مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود
قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ / فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد
ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ / الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد
واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها / أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود
ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ / في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد
أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى / فإنما هو تبذيرٌ وتبديد
أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ / لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود
وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ / به ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود
لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على / واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود
زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها / واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد
أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ / سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود
بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ / مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود
تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ / لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود
يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ / إليكِ عنيّ فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد
صُنْعُ الطبيعةِ بالأشجارِ وارفةً / لَهُ وبالنَّهَرِ الرّقراقِ تحديد
خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ / ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود
طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ / واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد
تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا / في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد
تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً / لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد
حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ / تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد
استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها / زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد
فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ / وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد
ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها / أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد
هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على / شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد
كأنَّها وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها / مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود
بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ / على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد
للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها / يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد
لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ / جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود
في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على / " وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد
تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ / يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد
الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ / كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود
خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ / تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود
أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ / في الروح منهُ ولا في السَبْكِ تعقيد
نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه / لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد
الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ / والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد
لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى / أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود
جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ / فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود
وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها / مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد
وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها / ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد
ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ / أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود
أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ / فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد
فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ / من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود
ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ / رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود
إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها / مسحورةٌ كلّها همٌّ وتسهيد
إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما / واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود
وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ / ولا صدودٌ ولا بُخْلٌ ولا جود
يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه / فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود
خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ / ولطفُ معناه من معناكَ توليد
اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني / كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود
وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ / كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود
لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني / إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ / يا بنتَ " بيروتَ " يا أنشودةَ البَلدِ
يا غيمةَ الشَعرِ مُلتاثاً على قَمر / يا بَسمةَ الثغر مفترَّاً عن النَضَد
يا رَوعةَ البحرِ في العينينِ صافيةً / يا نشوةَ الجبَلِ الملتّفِ في العضُد
يا قَطرةً من نِطاف الفجر ساقطها / من " أرز " لبنانَ خفَّاقُ الظلالِ ندى
يا نَبتة الله في عَليا مَظاهرِه / آمنتُ بالله لم لم يُولَد ولم يَلِد
يا تلعةَ الجيدِ نصَّته فما وقَعَت / عَينٌ على مِثله يَزدانُ بالجَيَد
يُطِلُّ منها بوجهٍ أيِّ مُحْتَملٍ / ويَستريحُ بصدرٍ أيِّ مقتعَد
يا جَوهرَ اللُطفِ يا معنىً يضيقُ به / لَفظ فيقذِفُهُ الشِدقانِ كالزَبَد
أعِيذُ وجهَكِ أن أشْقى بِرقَّتِه / وفَيْضَ حُسنِك إن يَعيا برِيِّ صدى
ولا يليقُ بأجفانٍ أنشِّرُها / على جمالكِ أن تُطوى على السُهد
يَدٌ مَسحتُ بها عَيني لأغمِضَها / على الهوى ويدي الأخرى على كَبِدي
وَرَدتُ عن ظمأٍ ماءً غَصِصتُ به / فليتَ أنَّيَ لم أظَمأْ ولم أرِد
قالَ الرِفاقُ ونارُ الحُبِّ آكلةٌ / مِن وَجنْنتَّي أهذا وجهُ مُبَترِد
لمْ أدرِ أذكُرُ " بيروتاً " بأيِّكما / أأنتِ . أم لَوعتي ياليلةَ الأحد
عَجّ الرصيفُ بأسرابِ المها وهَفا / قلبي بزفرةِ قَنَّصٍ ولم يسِد
فمِن مُوافيةٍ وعداً وراقبةٍ / وعداً وأين التي وَّفت ولم تَعِد؟
فُويقَ صدرِكِ من رفق الشبابِ به / أشهى وأعنفُ ما يُعطى لمنتهد
كنزانِ مِن مُتَع الدُنيا يُقِلُّهُما / جمُّ الندى سَرِفٌ في زيِّ مُقتَصِد
قالوا تَشاغَلَ عن أهلٍ وعن ولَدٍ / فقال نهداك : لم يَشغَلهْ من أحد
سوى رَضيِعي لبانٍ توأمٍ حُبِسا / رهنَ الغِلالة إشفاقاً مِن الحَسَد
راجَعتُ نَفسي بما أبقى الشبابُ لها / وما تخلَّف من أسئاره بِيدي
فما أمرَّ وأقسى ما خرجتُ به / لولا بَقيةُ قلبٍ فيَّ مُتَّقِد
أمسى مَضى بلُبانات الهوى . وأتى / يَومي يُمهِّد بادي بَدءةٍ لِغَدي
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ / ولاحَ شَيْبٌ فما يُريدُ ؟
يُريد أنْ يُنقِصَ الليالي / مِنّيَ ظُلماً بما يَزيد
يا أبيضَ الريشِ طرْنَ منه / غِدفانُ رِيش الجَناحِ سُود
يا هُولةً تَفزَعُ المرايا / مِنه ويستصرخُ الوليد!
يا حاملاً شارةِ الرَّزايا / يا ساعيَ الموتِ يا بَريدَ !
يا ناغِزَ الجُرحِ لا يُداوي / إلاَّ بأنْ يُقطعَ الوريد
برغمِ أنفِ الصِّبا وأنفي / يَخضِبُ فَودي منكَ الصديد
وأنَّ رأسي يمشي عليهِ / تِيهاً عَدُوٌّ لهُ لَدود!
كمْ ليلةٍ خوفَ أنْ تُواتي / أُترِعَ كأسٌ ورنَّ عُود
وكمْ وكمْ والشَّباب يَدري / رُوَِّعَ ظبيٌ فَنُصَّ جيد
أعائدٌ للشَّبابِ عيدُ ؟ / أمْ راجعٌ عهدهُ السَّعيد؟
أيَّامَ شرخُ الصِّبا وريقٌ / وظِلّهُ سجسجٌ مَديد
ونحنُ مِثْلَ الجُمانِ زهواً / ينظِمُنا عِقدُهُ الفريد
أمْ لا تلاقٍ فلا خطوطٌ / تُدني بعيداً ولا حُدود؟!
مَنْ مُبلِغُ المُشتفينَ أنَّا / صِرنا لمِا يَطمحُ الحسودُ ؟
أنَّا استعَضْنا ثوباً بثوبٍ / وطالما استُبْدلَتْ بُرود
فراحَ ذاكَ العتيقُ غَضّاً / ولاحَ – رَثّاً – هذا الجديد
ألوى بنا عاطفٌ حبيبٌ / ومَلَّنا الواصِلُ الودود
قد كان يُشجي أهلَ التَّصابي / أنَّا على هامهِم ْ قُعود
لم ندرِ ما نَسْتزيدُ منهُ / لو قيلَ : هلْ عندَهُم مَزيد؟
نهارُنا مُترَفٌ بَليدُ / وليلُنا جامِحٌ عَنيد
فاليومَ إنْ تُعتصَرْ شِفاهٌ / أو تعتصَرْ – لَدْنَةً – قُدود
أو يطََّرِدْ قانِصٌ قَنيصاً / أو تُعْجبِ الأغيدِينَ غِيد
نقنعُ مِن لذَّةٍ ولهوٍ / أنَّا على عُرْسِهمْ شُهود
عُدنا وَقوداً ! وكُلُّ حيٍّ / للذَّة تُشتهى وَقود!
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ / أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها / رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ / ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم / ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ / ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِد
وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفاً / أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحد
حُييَّتِ " أُمَّ فُراتٍ " إنَّ والدة / بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِد
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها / بُدّاً وإنْ قامَ سدّاً بيننا اللَحد
بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسد
عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَناً / رَجعت مِنه لحرِّ الدمع أبترِد
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي / وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني / ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
كما تَفجَّرَ عَيناً ثرَّةً حجَرٌ / قاسٍ تفَجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَلد
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا
مُدّي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يدُ / لابُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نتَّحِد
كُنَّا كشِقَّينِ وافي واحداً قدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرِهِ صَدَد
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ / عن ْحالِ ضيفٍ عليهِ مُعجَلا يفد
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد
ولَفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبَههُ / بجَعْدِ شَعركِ حولَ الوجهِ يَنعْقد
ألقيتُ رأسيَ في طيَّاتِه فَزِعاً / نظير صُنْعِيَ إذ آسى وأُفتأد
أيّامَ إنْ ضاقَ صَدري أستريحُ إلى / صَدرٍ هو الدهرُ ما وفى وما يَعِد
لا يُوحشِ اللهُ رَبعاً تَنزِلينَ بهِ / أظُنُ قبرَكِ رَوضاً نورُه يَقِد
وأنَّ رَوْحكِ روحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوْحُهُ نَكَد
كُنَّا كنبَتةِ رَيحانٍ تخطَّمَها / صِرٌّ . فأوراقُها مَنزوعَةٌ بَددَ
غَّطى جناحاكِ أطفالي فكُنتِ لهُمْ / ثغراً إذا استيقَظوا عِيناً اذا رقَدوا
شّتى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهلْ يكونُ وَفاءً أنني كمِد
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ محلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسد
ولم تكُنْ ضرةً غَيرَى لجِارَتِها / تُلوى لخِيرٍ يُواتيها وتُضْطَهد
ولا تَذِلُّ لخطبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ مِنها المالُ والولد
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد
ضاقَتْ مرابِعُ لُبنانٍ بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُد
تلكَ التي رقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنَّا وكانتْ عِيشةٌ رَغَد
سوداءُ تنفُخُ عن ذِكرى تُحرِّقُني / حتّى كأني على رَيعانِها حَرِد
واللهِ لم يحلُ لي مغدىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَد
أينَ المَفَرُّ وما فيها يُطاردُني / والذِكرياتُ طرُّيا عُودُها جُدُد
أألظلالُ التي كانتْ تُفَيِّئُنا / أمِ الِهضابُ أم الماء الذي نَرِد؟
أم أنتِ ماثِلةٌ ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومنْ ثَمَّ مُرتاحٌ ومُتَّسَد
سُرعانَ ما حالتِ الرؤيا وما اختلفَتْ / رُؤىً ولا طالَ – إلا ساعةٍ – أمَد
مررتُ بالحَورِ والأعراسُ تملؤهُ / وعُدتُ وهو كمثوى الجانِ يَرْتَعِد
مُنىً - وأتعِسْ بها – أنْ لا يكونَ على / توديعها وهيَ في تابُوتها رَصَد
لعلَّني قارئٌ في حُرِّ صَفْحَتِها / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِد؟
وسامِعٌ لفظةً مِنها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّها – ومعاذَ اللهِ – تَنْتَقِد
ولاقِطٌ نظرةً عَجلى يكونُ بها / ليْ في الحياةِ وما ألقى بِها سَند
مَواطرُ الغيثِ حَييِّ جانبَ الوادي
مَواطرُ الغيثِ حَييِّ جانبَ الوادي / وهدَّديهِ بابراقٍ وإرعادِ
مُديِّ به بُسُطَ الأعشاب زاهرةٍ / وطرِّزيها بازهارٍ وأوراد
وراوحيهِ رَذاذاً منكِ يبعثهُ / حَيّاً كما تبعثُ الموتى بميعاد
مالي وللهمِّ تَصليني لوافحُهُ / ألستِ يا نسمةَ الوادي بمِرصاد
مُرِّي بنفحتِكِ الرضيّا على كبدٍ / أقلُّ ما تشتكيهِ غُلةَ الصادي
فما لشيءٍ سوى أن تبعثَي نَفَساً / فاضَ الغمامُ وصابَ الرائحُ الغادي
وليست الريحُ يُهدي الله نفحتهَا / لنا بل الرُوحُ يُوحيها لأجساد
ردّ الربيع صنوفَ الحسن يقسمُها / شطرينِ ما بين أنشازٍ وأوهاد
يهدي به اللهُ إشفاءاً لذي سَقَمٍ / من النفوس وإشفاقاً بمُرتاد
هو الربيعُ وأبهى ما يُزهِّدني / عن الحضارة فيه نجعةُ البادي
أنا الحنيف وهذي الارضُ مُعشبة / سَجَّادتي ورقيقُ الشعر أورادي
ماكان لله أديانٌ مضاعفةٌ / لولا تعصبُ أحفادٍ لأجداد
أين الذين أماتَ الحبُّ أنفسَهم / حتى قَضوا فيه عُشّاقاً كزُهّاد
الضاربينَ خيام الحب طاهرة / والداعميها من التقوى بأوتاد
والمُطربين لشكوى الحبِّ مُعلَنةً / مستبدلين بها عن جَسِّ أعواد
مواظبين على الآدابِ ما انتقدوا / لحبِّهِمْ غيرَ أكفاءٍ وأنداد
لم يُبلَ قيسٌ وفرهادٌ كما بُليِتْ / ليلى بقيسٍ وشيرينٌ بفَرهاد
جيل من الناس عدواهم لاخوتِهم / من الخبائثِ عَدوى السُم في الزاد
يستظهرون لساني أن يجازفَهم / ويعلمُ الله أن الصدقَ معتادي
كلَّفتمُوني من الأقوال أصعبَها / نطقاً كما كُلِّفَ الأعجامُ بالضاد
اضرّ بي من سجاياكم توقُّعكم / ان لا تففُتَّ سجاياكم بأعضادي
ما ضّضرني غضَبث الدنيا باجمعها / أن كان يُرضي ضميري صدقُ إنشادي
حُسن اختباري لأشباهي ونيّتِهم / في الصنع حَسَّنَ في عينيَّ اضدادي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025