أقوى المُحَصَّبُ من هادٍ ومن هِيدِ
أقوى المُحَصَّبُ من هادٍ ومن هِيدِ / وودّعونَا لِطيّاتٍ عَباديدِ
ما أنسَ لا أنسَ إجفالَ الحجيجِ بنا / والرّاقصاتِ من المَهْريّةِ القُود
ذا موقِفُ الصَّبّ من مرمى الجمار ومن / مَشاخبِ البُدْنِ قَفْراً غير معهود
ومَوقِفُ الفَتَياتِ الناسكاتِ ضحىً / يَعْثُرْنَ في حِبَراتِ الفِتيةِ الصِّيدِ
يُحْرِمنَ في الرَّيطِ من مثنىً وواحدةٍ / وليسَ يَحْرِمْنَ إلاّ في الموَاعيدِ
ذواتُ نَبْلٍ ضِعافٍ وهي قاتلِةٌ / وقد يُصِيبُ كَمِيّاً سَهمُ رِعديد
قد كنتُ قَنّاصَها أيّامَ أذعَرُهَا / غِيدَ السّوالفِ في أياميَ الغِيدِ
إذْ لا تَبيتُ ظِباءُ الوحشِ نافرةً / ولا تُراعُ مَهاةُ الرملِ بالسِّيد
لا مثلَ وَجدي برَيعانِ الشبابِ وقَدْ / رأيتُ أُمْلودَ غُصْني غيرَ أُملود
والشيبُ يضرِبُ في فَودَيّ بارقَهُ / والدّهْر يَقدَحُ في شمْلي بتَبديدِ
ورابَني لَوْنُ رأسي إنّه اختلفتْ / فيه الغمائمُ من بِيضٍ ومن سود
إن تبكِ أعينُنا للحادثات فقدْ / كَحلننا بعد تغميضٍ بتسهيد
وليسَ تَرضى اللّيالي في تصرّفِها / إلاّ إذا مَزجَتْ صاباً بقِنديد
لأعْرُقَنّ زماناً راب حادِثُهُ / إذا استَمَرّ فَألقَى بالمَقَاليد
في اللّهِ تصْديقُ ما في النفس من أمَلٍ / وفي المُعِزّ مُعِزِّ البأس والجُود
الواهِبِ البَدَراتِ النُجلِ ضاحِيَةً / أمثالِ أسنِمَةِ البُزْلِ الجَلاعِيدِ
مُؤيَّدِ العزْمِ في الجُلّى إذا طرَقَتْ / منَدَّدِ السمْع في النّادي إذا نودي
لكلّ صوْتٍ مَجالٌ في مَسامعِهِ / غيرِ العَنيفَينِ من لَوْمٍ وتَفنيدِ
وعندَ ذي التاجِ بِيضُ المكرُماتِ وما / عندي له غيرُ تمجيدٍ وتحميد
أتْبَعْتُهُ فِكَري حتى إذا بَلَغتْ / غاياتِها بين تصْويبٍ وتصعيد
رأيتُ موضِعَ بُرهانٍ يبينُ وما / رأيتُ موضعَ تكييفٍ وتحديد
وكان مُنقِذَ نفسي من عَمايتِها / فقلتُ فيهِ بعلْمٍ لا بتقليدِ
فمن ضميرٍ بصدْقِ القوْلِ مشتملٍ / ومن لِسانٍ بِحُرّ المدحِ غِرِّيد
ما أجزَلَ اللّهُ ذُخري قبل رؤيتِهِ / ولا انتَفَعْتُ بإيمانٍ وتوحيد
للّهِ منْ سَبَبٍ باللّهِ مُتّصِلٍ / وظِلِّ عدلٍ على الآفاقِ ممدود
هادي رَشادٍ وبُرْهانٍ ومَوعظَةٍ / وبيِّناتٍ وتوفيقٍ وتسْديد
ضيِاءُ مظُلمةِ الأيّامِ داجِيَةٍ / وغيْثُ مُمْحِلَةِ الأكنافِ جارود
ترى أعاديه في أيّام دَولتِهِ / ما لا يرى حاسدٌ في وجهِ محسود
قد حاكمتْهُ ملوكُ الرّوم في لَجِبٍ / وكانَ للّهِ حكمٌ غيرُ مردود
إذْ لا ترَى هِبْرزِيّاً غيرَ منعفرٍ / منهم ولا جاثلِيقاً غيرَ مصفود
قَضَيْتَ نحبَ العوالي من بطارقهمْ / وللدّماسِقِ يَوْمٌ جِدُّ مشهود
ذَمّوا قَناكَ وقد ثارَتْ أسِنّتُها / فما تركْنَ وَريداً غيرَ مَورود
طَعْنٌ يُكوِّرُ هذا في فريصة ذا / كأنّ في كلّ شِلْوٍ بطنَ ملحود
حوَيتَ أسلابَهم من كلّ ذي شُطَبٍ / ماضٍ ومُطَّرِدِ الكعبَينِ أُملود
وكلِّ درعٍ دِلاصِ المَتن سابغةٍ / تُطوَى على كل ضافي النسْج مَسرود
لم يعلموا أنّ ذاكَ العزمَ مُنصَلِتٌ / وأنّ تِلكَ المنَايا بالمَراصِيد
حتّى أتَوْكَ على الأقتابِ من بُهَمٍ / خُزْرِ العيونِ ومن شُوسٍ مذاويد
وفوْقَ كلّ قُتودٍ بَزُّ مُستَلَبٍ / وفوق كل قناةٍ رأسُ صنديد
توّجتَ منها القنا تيجان ملحمةٍ / من كل محْلولِ سِلكِ النظمِ معقود
كأنّها في الذُرَى سُحقٌ مُكَمَّمَةٌ / من كلّ مخضودِ أعلى الطّلعِ منضود
سودُ الغدائرِ في بِيضِ الأسِنّةِ في / حُمْرِ الأنابيبِ من رَدْعٍ وتجسيد
أشهَدتَهم كلَّ فَضْفاض القميص ضحىً / في سْرجِ كلّ طِمِرّ العدوِ قَيدودِ
كأنّ أرماحَهم تَتْلو إذا هُزِجَتْ / زَبورَ داودَ في محْرابِ داود
لو كان للرّومِ علْمٌ بالذي لقِيَتْ / ما هُنّئَتْ أُمُّ بِطريقٍ بمولود
لم يَبقَ في أرْضِ قُسطَنطينَ مُشرِكةٌ / إلاّ وقد خَصّها ثُكْلٌ بمفقود
أرضٌ أقمتَ رَنيناً في مَآتِمِها / يُغْني الحمائمَ عن سَجعٍ وتغريد
كأنّما بادَرَتْ منها ملوكُهُمُ / مصارعَ القَتل أو جاؤوا لموعود
ما كلّ بارقَةٍ في الجوّ صاعقَةٌ / تُخْشَى ولا كلّ عِفريتٍ بمِرّيد
ألقى الدُّمُسْتُقُ بالصّلبان حينَ رأى / ما أنزَلَ اللّهُ من نَصْرٍ وتأييد
فقُلْ له حال من دونِ الخليجِ قَناً / سُمْرٌ وأذرُعُ أبطالٍ مَناجيد
أهلُ الجِلادِ إذا بانَتْ أكفُّهُمُ / يَجْمَعْنَ بينَ العَوالي واللّغاديد
فرْسانُ طَعْنٍ تُؤامٍ في الفرائصِ لا / يُنمي وضَرْبٍ دراكٍ في القماحيد
ذا أهرَتٌ كشُدوقِ الأُسد قد رجفتْ / زأراً وهذا غَموسٌ كالأخاديد
أعيا عليه أيرجو أم يخافُ وقد / رآكَ تُنْجِزُ مِنْ وعدٍ وتوعيدِ
وقائعٌ كَظَمَتْهُ فانْثنى خَرِساً / كأنّما كَعَمَتْ فاه بجُلمود
حَمَيْتَهُ البَرَّ والبَحرَ الفضاءَ معاً / فما يَمُرّ ببابٍ غيرِ مَسدود
يرى ثُغورَكَ كالعَينِ التي سَلِمَتْ / بين المَرَوراتِ منها والقَراديد
يا رُبّ فارعةِ الأجبالِ راسِيَةٍ / منها وشاهقةِ الأكنافِ صَيخود
دَنا ليمنَعَ رُكْنَيْها بغاربِهِ / فباتَ يَدعَمُ مهدوداً بمهدود
قد كانتِ الرّومُ محذوراً كتائبُها / تُدْني البلادَ على شَحْطٍ وتبْعيد
ملْكٌ تأخّرَ عهدُ الرّومِ من قِدَمٍ / عنه كأن لم يكن دهراً بمعهود
حُلّ الذي أحكموه في العزائم منْ / عَقْدٍ وما جرّبوه في المكائيد
وشاغَبوا اليَمَّ ألفَيْ حِجّةٍ كَمَلاً / وهم فوارسُ قاريّاتِهِ السُّود
فاليوْمَ قد طُمِستْ فيه مسالكُهم / من كلّ لاحبِ نَهْجِ الفُلْكِ مقصود
لو كنتَ سائلَهُم في اليَمّ ما عَرَفُوا / سُفْعَ السّفائن من عُفْرِ الملاحيد
هَيهاتَ راعَهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ / مَلْكُ الملوكِ وصِنديدُ الصّناديد
مَن ليس يمسَحُ عن عِرنينِ مُضْطهَدٍ / ولا يَبيتُ على أحناءِ مَفؤود
ذو هيبةٍ تُتّقَى من غيرِ بائقةٍ / وحِكمةٍ تُجْتَنى من غيرِ تعقيد
من مَعشرٍ تَسَعُ الدنيا نفوسهُمُ / والناسُ ما بينَ تضييقٍ وتنكيد
لو أصْحرُوا في فضاءٍ من صُدورهِمُ / سَدّوا عليكَ فُروجَ البِيدِ بالبِيد
أولئك الناسُ إن عُدّوا بأجمعِهِمْ / ومَن سواهم فَلَغْوٌ غيرُ معدود
والفرقُ بين الوَرَى جمْعاً وبينَهُمُ / كالفرْقِ ما بينَ مَعدومٍ وموجود
إن كانَ للجودِ بابٌ مُرْتَجٌ غُلُقٌ / فأنت تدني إليه كلّ إقليد
كأنّ حلمك أرسى الأرض أو عقدت / بهِ نَواصي ذُرَى أعْلامِها القُودِ
لكَ المَواهبُ أُولاها وآخرُها / عَطاءُ رَبٍّ عَطاءٌ غيرُ مجدودِ
فأنتَ سَيّرْتَ ما في الجُودِ من مثَلٍ / باقٍ ومن أثَرٍ في النّاسِ محمودِ
لو خَلّدَ الدّهرُ ذا عزّ لعِزّتِهِ / كنتَ الأحَقَّ بتَعميرٍ وتَخليدِ
تَبلى الكرامُ وآثارُ الكرامِ وما / تَزدادُ في كلّ عَصرٍ غيرَ تجديدِ