سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي
سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي / وما عليهنَّ من دَمعي ومن كمدي
ضيَّعنَ قَدري وأيامي ومَعرِفتي / في غربةٍ فَلذَت أحزانُها كَبدي
يخدَعنَ نفسي بآمال مُزَخرفةٍ / حتى أرى الحظَّ في أبوابهِ الجددِ
تلكَ الأمانيُّ أزهارٌ بلا ثمرٍ / قد عاجَلَتها الغيومُ السودُ بالبرَد
الدّهرُ لما طلبتُ المجدَ عاكَسني / فقالَ عني عدوّي غير مُجتهد
والحظُّ لما طلبتُ المالَ أرجعني / صفرَ اليدينِ إذا فَتّشتُ لم أجد
لمثلِ هذا بكى الأحرارُ وانفلقَت / قلوبُهم تحتَ ضربِ الهمّ والنَّكد
يا شامتينَ بنفسٍ لم تنل أرباً / حذارِ منها فهذي نومةُ الأسد
لي من مطامِعها بحرٌ يهدِّدُكم / بالرّيح والغيمِ والأمواجِ والزّبد
إني لأحملُها في الصَّدرِ صاعقةً / حتى إذا انفجرت طارت من الجسد
بالأمسِ قد كان لي قلبٌ يذوبُ جوىً / حتى يُلبّيه جفنٌ بالدموعِ ندي
في اليأسِ قلبي وجفني اليومَ قد يَبسا / فلستُ أبكي ولا أحنو على أحد
رفقاً بقلبٍ وجفنٍ قد أذَبتَهُما / هي الجواهرُ فاحفَظها إِلى أمد
لا تَبذلِ الدّمعَ إن الدمع في نظري / خلاصة النفس لم تنقص ولم تزد
إذا رأى الناس دمعاً صادقاً ضحكوا / وإن رأوا ضَحِكاً ماتوا من الحسد
فكن لخيركَ منهم ضاحكاً ولهم / وإن تشَهَّيتَ ذَرفَ الدّمعِ فانفرد
يا هازئاً بدموعي لا تغنِّ إذا / رأيَتَني باكياً بل عزّ وافتقد
للموتِ والحزنِ حقُّ الاحترامِ فلا / تجرح بصوتِكَ قلبَ التاعسِ الكمد
إني لتقتُلني الذكرى إذا خطرت / في ليلةِ العيدِ أو في ليلة الأحد
أرى المدينة سكرى في غِوايتِها / ولاَ صديقٌ يؤاسيني ببَسطِ يد
ما أكذب الناس في التقوى وأخبثهم / فهم مراؤون كالذؤبان والعُبُد
العيدُ بالسكر والفحشاء يُطمعهم / فحوّلِ الوجهَ عن سادومَ وابتعد
ودع لهم دينهم ألعوبة فإذا / حاسَنتَهم قابلوا الإحسانَ بالحرد
مِثلَ القرودِ تراهم في معابدِهم / فاسخَر بجمعٍ لدى الأوثانِ مُحتَشِد
وفي الحوانيتِ تجديفٌ وعربدةٌ / بعد الصلاة فحاذر هزَّةَ الوتد
إذا رأوا جائعاً داسوهُ وانصرفوا / وللبغايا عاطاياهم بلا عَدَد
فهم كلابٌ بهم من حرصهم كَلَبٌ / ولن يكونوا على حقٍّ ولا رشد
أما الشعوبُ فقد خالطتُ أكثرها / فكم تجولتُ في حيٍّ وفي بلد
الشَّرعُ في عرفها حبرٌ على ورقِ / والحقُّ للمالِ والأعوانِ والسند
لا ترفقنَّ بإنسانيّةٍ فَسدَت / لا خيرَ من فاسدٍ فيها ومنفسد
كم من شهيدٍ لها منا وتضحيةٍ / والرافقونَ بها قَتلى بلا قود
ليت الشعورَ الذي في القَلبِ فارقني / إلى الذين يرون الهمَّ في المعد
فيُبصرونَ شقاءَ العيشِ من كثبٍ / ويَصحبونَ خَيالاً غيرَ مبتعد
لقد سئمتُ جهاداً لا انتصارَ بهِ / وما أتى الدّهرُ أهلَ الفَضلِ بالمَدد
إني على الصّدقِ مذمومٌ ومتَّهَمٌ / والشرُّ يُحمَدُ حَيثُ الخيرُ لم يُفِد
رأيتُ من يطلبُ الإصلاحَ مضطهداً / فزعزعَ الشكُّ إيماني ومُعتقدي
إنّ السماء على المسكينِ ضيقةٌ / رحيبةٌ لِذَوي الأموالِ والعدد
إذا نظرتَ إليها خِلتَها انقلَبَت / إِلى نحاسٍ على النِّيرانِ متَّقد
إن كانَ ثم إلهٌ نحنُ صورتُه / فليرفقنَّ بأهلِ البؤس والجلدِ
للطيرِ حَبٌّ وأوكارٌ وأفرخةٌ / أليسَ للمرءِ ما للطائر الغرد
في ذمّةِ الحبّ أعلاقٌ مقدّسةٌ / وقّت فؤادي وقوّتني على الشدد
أرنو إليها فأسلو كلّما خَطَرت / ذكرى تلوحُ كنورِ الصّبح في خلدي
ما حالُ نسرٍ وَهى منهُ الجناحُ يَرى / كلَّ العصافيرِ ورّاداً ولم يَرد
ليتَ السفائنَ لم تبلغ شواطئنا / أو ليتَها أرجَعت صباً على جهد
يا أمّ والموجُ هدّارٌ يؤرقني / والريحُ زفّارةٌ خفّاقةُ البرد
وليلةُ الشوقِ تسري مثلَ أرملةٍ / محلولةِ الشّعرِ منواحٍ إِلى الأبد
ماذا تقولينَ أو ماذا أقولُ إذا / عادَ البنونَ إِلى المأوى ولم أعُد
لهفي على ولدٍ يَقضي الحياةَ بلا / أمٍّ ولهفي على أمٍّ بلا ولد