المجموع : 16
بدا الهَوى لفؤادي بعد تجريدي
بدا الهَوى لفؤادي بعد تجريدي / فقلت عاد الصِبا يا صَبوتي عودي
وَراقني منظرٌ للدهر بعد نَوىً / وَشاقَني بَعدَ نُسكي الأُنسُ للغيد
وَمال بي نحو هاتيك الدُمَى طَربٌ / وراحَ بي راحُ شوقي رَوحَ عربيد
وَزارَني بعد طولِ اليأس ذو هيفٍ / يَسعى عَلى رَغم ذي عذلٍ وَتفنيد
فلستُ أَدري أَردَّ القَلبَ آخِذُهُ / أَم عادَ عصرٌ تناهَى غير مردود
بانَت سعادُ فرغدُ العَيش منكودُ
بانَت سعادُ فرغدُ العَيش منكودُ / وَودَّعتْ فجليدُ القَلب مَكمودُ
بانَت كَأَنّ غَزالاً بتّ أَرقبُه / فَفاتني وَمرجّي الصَعب مجهود
هَيفاءُ ما مثلها غصنٌ يُميِّلُه / ريحُ الصبا مائدُ الأطرافِ أملود
غَرّاءُ للبدر فيها حيرةٌ وَهَوىً / كَأَنهُ إِذ سَرى في اللَيل مَسهود
كَم سالمتني عَلى رَغم الزَمان وَكَم / غَنِمتُ وَصلاً وَجادَت غادةٌ رُود
وَالخصرُ وَالصَدرُ مضمومٌ وَملتزمٌ / وَالبندُ وَالنهدُ محلولٌ وَمعقود
وَالشعر وَالقدّ مَرسولٌ وَمنعطفٌ / وَالخدّ وَالثغر ملثومٌ وَمورود
تِلكَ اللَيالي الَّتي ما كُنتُ أَحسبُها / تَروعنا وَاللَيالي بعضُها جود
كانَت مع الأنسِ بيضاً من نضارتِها / غرّاً تَقولُ لَنا غِيظَ العِدا سودوا
فَربّ كَأسِ مدامٍ بتّ أَشربُها / يَروقُني الراحُ وَالعَوّادُ وَالعود
راحٌ رَحيقٌ سلافٌ قَرقَفٌ عَتُقَت / يَفوتنا الوَصفُ منها وَهوَ مقصود
تلوحُ منها إِذا قامَت تشعشعها / نورٌ وَنار وَإحراقٌ وَتبريد
وَالرَوضُ مبتسمٌ وَالنَهرُ منعطفٌ / وَالزَهرُ مبتهجٌ وَالظلُّ مَمدود
وَالطَيرُ قَد هاجه في الرَوض مجلسُنا / روحٌ وَراحٌ وَأَفراحٌ وَتَغريد
وَالغُصنُ ميَّلَه طيبُ الهَوى فَهوى / فَحنّ شوقاً وَبعضُ القَول تفنيد
آهاً لتلك الليالي كَيفَ ما بقيت / أَم كَيفَ قَد عدمت وَالقَلبُ مَوجود
كانت تَسرّ وَأَوقات الشَباب كَما / كانت تَغرُّ وَكَم في الناس محسود
نعَم نعمتُ بها لكنّ غصتَها / أَنستك ما مرّ وَالمغصوبُ مردود
أَقول من بعد ما بنّا وَقَد حكمت / أَيدي النَوى وَالهَوى قربٌ وَتبعيد
تُرى اللَيالي بِها مِن أَوبةٍ كَرَما / حَتّى يُهنَّى مُعنَّى القَلبِ مَكبود
أَو لا فَغاية قَولي بَعدما رحلوا / بانَت سعادُ فَرغد العَيش مَنكود
طَيف الأَحبة دانانا وَقَد بَعدوا
طَيف الأَحبة دانانا وَقَد بَعدوا / أَهلاً بِمَن زارَنا وَالناسُ قَد رَقدوا
وَافى عَلى حين لا يرجى تَواصلُه / وَلا استبان لَهُ وادٍ وَلا بلد
وَافى وَبَدرُ الدجى يَسعى لخدمته / وَيفضح الغُصنَ منهُ التيهُ وَالمَيَد
فَبت أَشكو لَهُ وَجدي لمرسله / وَبات يَشكو إِلى الأَفكار ما يجد
طَيف الخَيال تظنّ الدَهر يجمعنا / يَوماً فَقَد طالَ فيما بَيننا الأَمد
أَشكو إِلَيك بُروح أَنتَ مالكها / لا يَستقرّ بِها من بعده جسد
وفي الفؤاد شجونٌ أَنتَ عالمها / وَغاية القَول لا صَبرٌ وَلا جلد
وَرب وَعد من الآمال أَرقبُه / وَطالما اغترّ بالآمال من وعدوا
وَكَيفَ أَدفع دَهراً بالبِعاد قَضى / وَلَيسَ يَدفعه غيّ وَلا رشد
وَإِنما حسنُ ظَني بِالزَمان يَرى / تَصفو المَوارد أَو يَوماً يقال رِدوا
أَو يَشتفي القَلب مما قَد أَضرّ بِهِ / أَو يَشقى من حسدونا بِالَّذي حسدوا
وَيُقبِلُ الدَهرُ بِالأَفراح مبتسماً / فَتغفو أَجفان قَوم طالما سهدوا
طَيفٌ أَلمّ وَآلُ الحيّ قَد رَقدوا
طَيفٌ أَلمّ وَآلُ الحيّ قَد رَقدوا / أَهلاً بركبٍ دُموعَ العَين قَد وَردوا
قالوا أَطابَ النَوى من بعدِنا وَصفَت / مَناهلُ العَيش قُلتُ استوطِنوا ورِدوا
أَستودعُ اللَه آلَ الحَيّ ما علموا / بِأَنّ حاليَ هذي غَير ما عهدوا
خلفتُ فيهم فؤاداً ضاعَ بَينهمُ / وَالرُوحُ باعدتُها من بعدما بعدوا
وَما ارتضيتُ بَديلاً أَصطفى أَبَداً / اللَه يَعلم من أَهوى وَما أَجِد
تَمضي اللَيالي وَبي فكرٌ أَردّده / لا يَستقلُّ بِهِ أَهلٌ وَلا بَلَد
طَيف أَلمّ بِبَيت الفكر في خَلَدي
طَيف أَلمّ بِبَيت الفكر في خَلَدي / فَقلت لَبيك يا رُوحي فَلَم أَجدِ
سُبحانَ جامعنا في فرقةٍ وَنَوى / وَالقَومُ في غَفلة من لَوعة الكبد
فَخلت أَنيَ في تلك البِلاد بلى / أَو أَنّ طَيف الَّذي أَهواه في بَلَدي
ثُمَّ التفتُّ فَما وافى وَلا قربت / أَوطانُنا وَكِلانا لِلنَوى بيد
بِاللَه يا مَن أَراع القَلبَ زائرُه / هَل ذَلِكَ العَهد لَم يَنقُص وَلم يَزد
وَهَل كؤوسُ الحُميّا في أَكفِّكم / تَروق ناظرها أَو ترو قَلب صَدي
لا عادَ هَذا النَوى عادَ اللقا وَعَسى / أَن يَجمع اللَه بين الرُوح وَالجَسد
الدَهر دورانِ مجهولٌ وَمعهودُ
الدَهر دورانِ مجهولٌ وَمعهودُ / وَالناس صنفانِ مرحومٌ وَمحسودُ
وفي الأُمور كما شاهدتَها غَيرٌ / وَفي الرِجال عَلى العلّات مودود
وَللزمان انقلابٌ في تصرّفِه / كما تُشاهدُ وَالتَحويلُ مشهود
وَللسرور وَللأحزان من قِدَمٍ / حكمٌ تَناوبُهُ الأَيامُ معدود
وَالصَفوُ فيها مع الأَكدار ملعبةٌ / لكلها أَجل في الناس محدود
وَربما قَد أَخاف المرءَ مَأمنُه / وَربما ملّ عذبٌ وَهوَ مورود
قَد نلتَ يا دَهر ما تبغيه من كمدي
قَد نلتَ يا دَهر ما تبغيه من كمدي / أَصبتَ رُوحي فَما أَبكي عَلى جسدي
فَاصدم بما شئت من هولٍ وَمن كربٍ / تزلزل الطود أَو تعدو عَلى الأَسد
فَلَيسَ لي من دُموع أَشتكي غرقاً / وَلَيسَ لي كَبدٌ أَشكو جَوى كَبد
يا غربة فعلت بالقلت وَالجَسدِ
يا غربة فعلت بالقلت وَالجَسدِ / فَعلَ اضطرامِ جَحيمِ النارِ بالبردِ
كَأَنني بجناح النسرِ معترقٌ / بِأَيّ حال أَردتُ الفَوز لَم أَجد
أَو كَالسفينة ضلّ السائرون بها / وَالبَحرُ يَلعبُ بِالأَمواج وَالزَبد
فَلَستَ تَدري أَمن خَوفِ المصيبةِ أَم / مِن غَيظها لمضل السَير في رَعد
من أَنتَ في الناس يا مَن لا نَظيرَ لَهُ
من أَنتَ في الناس يا مَن لا نَظيرَ لَهُ / وَظلّ يَهزؤ بَين الغَيّ وَالرشدِ
رُوحٌ تمرّ بِأَشباحٍ مفرّقةٍ / مقرّها بَين منحلٍّ وَمنعقد
فَالرُوح رائحةٌ وَالجسمُ منعدمٌ / وَأَنتَ مَن أَنتَ بَين الرُوح وَالجَسَد
يا والداً يَبتغي خَيراً لِمَن وَلدا
يا والداً يَبتغي خَيراً لِمَن وَلدا / هَذّبْه يَومَك حَتّى تَرتجيهِ غَدا
هذبه وَالنَفس للآداب قابلةٌ / فَإِنَّها فرصٌ يَحظى بِها السُعَدا
ما أَحسن العلمَ وَالإقبالَ في رجلٍ / إِذا هما بِمعالي خُلقه اتحدا
لا تَرأفنّ بِهِ في كسب محمدة / فَما لَنا نَبتغي من نعمة وجدا
وَالطفلُ كَالتبرِ وَالآباءُ صاغتُهُ / فَاصنع تبع وَادّخر خَيراً وَإِن كَسدا
فَإِن تصوّره كَلباً كانَ ذاكَ وَلم / يَصعبْ عليك إِذ صَوّرته أَسدا
لا خَير في لذة الدُنيا وَنضرتها
لا خَير في لذة الدُنيا وَنضرتها / لِعاقلٍ فاته الأَزواجُ وَالوَلدُ
وَلَيسَ في الزَوج وَالأَولاد منفعةٌ / إِذا تخلف عَنهُ الحَزمُ وَالرشدُ
فَالأنسُ بَينهم لا شك إِن صلحوا / وَإِن همُ فسدوا فَالكُلُّ قَد فسدوا
النفسُ معدومةٌ في زيِّ موجودهْ
النفسُ معدومةٌ في زيِّ موجودهْ / أمانة الله فينا وهيَ مردودهْ
وَقَد تبدّت هيولاها وصورتُها / نظماً تحل يد الأَقدار معقودَه
فما تَوارثَ أُولاها أَواخرُها / إلا ليعقب جمعُ الكَون تبديدَه
وَلا الشَباب سِوى غُصنٍ غضارتُهُ / مقدورة حَيث يجتثُّ القَضا عوده
وَما الحَياة سِوى حال يَمرُّ عَلى / بعض التراب وَيقضى الحق تجريده
ولم تَزل حسرة الدُنيا تنقّلها / بين القُلوب يدٌ للدهر معهوده
فكل نضرةِ عيشٍ نظرةٌ عَرَضَت / ثم استحالت فذم المرء محموده
وَكُل صَفوٍ سيتلو خيرَه كدرٌ / وَكل لين سيقضى الخطبُ تشديده
وَكُل نَفس عَلى ما سرّها أَملٌ / بِاليأس يَوماً من الأَيام موعوده
ميلاد من حل دُنيانا نهايتُه / بدءُ الرحيل عَلى نكباءَ مجهوده
فلا يغرنك إمهال الحياة فكم / أَغرتك مكدوحة تفنى وَمكدوده
وإنما اللبث آجالٌ مقدرةٌ / محدودةٌ بينها الأنفاس معدوده
وَالعُمر صاد يرجّي من مصاحبة / مناهلاً لبقاه غير موروده
فكم حرصنا عَلى مشهودِ زاهرةٍ / ولو بدا الغيب لم نغرر بمزهوده
لم يُبق موتٌ على حيٍّ وَلا تركت / نفسٌ نفيسَ حياةٍ غير مفؤوده
وَلم يرعه نوىً من صفوةٍ وَهَوىً / وَلم يُدِم وصلةً في الناس محسوده
دَهر ترى الحُزن فيهِ ما بدا فرحٌ / وَلا سَقا الأُنس إلا أبكى عربيده
أَما تَرى اليَوم ذاتَ الستر قَد جُلِيت / تعتز في مَوكبٍ أَبكى النَوى صيده
فأعين السحب بالعبرات باكيةٌ / وَمهجةُ الشمس بالأَحزان موقوده
استودع اللَه نعشاً ما سعت نسمٌ / لديهِ إلا وَفي الحسرات منشوده
بلقيسُ في عرشها تَزهى وَمن عجب / أن روع الدَهر في ذا اليَوم داوده
كَأَنَّها تتهادى في تنقّلها / شمسٌ تسير بها الأَملاك مكبوده
بنتُ الملوك ذوي العليا قرينةُ من / علياه باذخةُ المقدار مشهوده
فيا سقى اللَه صوبُ القطرِ راحلةً / بالصبر تاركةَ الأَجفان منضوده
يبكي الشَباب كما يبكي الحجاب كما / يَبكي العفاف وَيبدى اليوم تعديده
ترحلت كالأُلى من قبلها رحلوا / وَكُل مولودة لا بد ملحوده
أَسفت إِذ فارقت روح مطهرة / كنوزها بيد الإفناء مرصوده
بدت على عرش نعشٍ قد تعاوره / أَيدي الكماة إِلى الفردوس مقصوده
فيا أَخا الحكمة القصوى وَعارفها / هوّن فان سنين العيش محدوده
فاسلم وَدم لا أَراك اللَه بعد كذا / سوءاً وَأَهدى لها من نعمة جوده
فَالفَصلُ وَالوَصلُ أَوقاتٌ وَلا عَجب / أن يفقد المرء في الأَيام مودوده
وَهكذا الدَهر مرهوبٌ بوادرُه / وَالنَفس بِالحَق لا بالخلق مسعوده
أَدامك اللَه في عزٍّ وَعززها / بِالفَوز قَد كفل الرضوان تَأييده
فَإِنَّها أَصبحت في دار نعمته / بكل ما تشتهيه النفس ممدوده
عزت حياة وَفضل اللَه أَرخها / عزت بأنس جوار اللَه توحيده
من يحتفر بئرَ سوءٍ كان أول من
من يحتفر بئرَ سوءٍ كان أول من / يهوي به ويًردَّى قبل من قصدا
ومن بنى بيتَ إحسانٍ ومكرمةٍ / به ينعَّم قبل الوافدين غدا
دعوا فؤادي لما يلقاه من كمدِ
دعوا فؤادي لما يلقاه من كمدِ / والعين تبكي على الأطلال بالرصدِ
فَلَيسَ يرجع لي ما فاتَ من مَددِ / لأبكينَّ عليها آخرَ الأَبدِ
إذ طال حزني وَقَد غلّت عليه يدي /
تلك الليالي وإن طالت لقد قَصرت / فنظّمت بدموع العين ما نثرت
كأَنما العين بعد البين ما نَظَرَت / تلك الوجوه ولا نامَت ولا سهرَت
إلا خيالاً طَلبناه فلم نجدِ /
يا آل تلك الليالي والحمى قسمي / وبالهوى والصبا والود من قدم
إن الوجود بهذا البعد كالعدمِ / وَكَم بكيت بدمع صُنتُه وَدمِ
حتى انقضى بالنوى بعد الهَوى جلدي /
وخادعتني الليالي فانخدعتُ بها / وقرّبت لي بعيداً من مطالبِها
حتى افترقنا وجدّت في تقلّبها / وأظهرت غيرَ ظَني من عواقبها
وصرت أَرضى تجافينا بملك يدي /
رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي
رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي / وَقَد أَتى أمدٌ فيه عَلى لبدِ
هيفاء تستلب الألباب بالغَيَدِ / نالت على يدها ما لم تَنله يَدي
نَقشاً عَلى معصم أَوهت به جلدي /
في حسنها فتنة بين الأنام لها / ئم في هَواها لذذت وَلَها
أَومَت بكف لها بالوشمِ أَيُّ بها / كَأَنّهُ طرقُ نملٍ في أَناملها
أَو روضةٌ رصّعتها السحبُ بالبَردِ /
يا حبذا غادةٌ تسبي ببهجتِها / أَو ظيبةٌ تسلبُ الدُنيا بلفتتها
لما رمت إذ رنت قلبي بلحظتها / خافت على يدها من نَبلِ مقلتها
فألبست زندها درعاً من الزَرَدِ /
كأَنها البدرُ حلّت مهجتي فلكا / فكلُّ مَن رام أَن يحظى بها هلكا
لما رأَت بحرَ دَمعي حيث شا سلكا / مدّت مواشطَها في كفِّها شَرَكا
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ /
من لي بسالبةٍ لبّي ونائيةٍ / باللحظ قاتلةٍ بالغمز راميةٍ
جلّت بآية تيهٍ غير خافيةٍ / وقوسُ حاجبها من كلِّ ناحيةٍ
ونَبل مقلتها ترمي به كبدي /
أَعانها ظالمٌ تُخشَى إعانتُهُ / وهو الهَوى تملأ الدُنيا مكانتُهُ
فعامل القدِّ قد قامَت رشاقتُهُ / وعقرب الصدغ قد باتت زبانتُهُ
وناعس الطرف يقظانٌ على الرصدِ /
تركيةُ التيه أَنأى من مَها العربِ / محجوبةُ الحسن بين الستر والحجبِ
ناديت في حبها يا حلبة الأدبِ / إن كان في جلنّار الخد من عجبِ
فالصدر يطرح رماناً لمن يَرِدِ /
وتلك تعتز عن شبهٍ وعن مثلِ / وتنجز الفتكَ بالتفتيرِ والكَحَلِ
فقدها عادلٌ يزري بذي الأسل / وخصرُها ناحلٌ مثني عَلى كَفَلِ
مرجرجٌ قد حكى الأحزانَ في الخَلَدِ /
كم من عيون عليها بالدما همعَتْ / وكم قُلوب تفانت بعدما طمعت
وتلك من صبها بالذل قد قنعت / إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعت
من بعد رؤيتها يوماً عَلى أحدِ /
لما التقينا وَقد رَقّ الزَمانُ لَنا / وعاد صَرفُ الليالي الغرِّ يجمعُنا
وزال ما كُنت أَخشى من جَفاً وَعَنى / ناشدتُها الوصل قالت أَنتَ تعرفنا
من رام منّا وصالاً مات بالكمدِ /
نحن اللواتي قضينا أَن نذيقَ هَوى / قلب المُحبِّ ولا نبدي لذاك دوا
فَكَم لدينا صريعٌ بالغرام ثَوى / وَكَم لنا عاشقٌ في الحَيّ مات جوى
مِنَ الغرام ولم يبدي ولم يُعِدِ /
وَكَم فتكنا بسيف الغنج والكحَلِ / وكم طعنا بقدٍّ صاحبَ الأسلِ
عُد عن هَوانا وحاذر غرةَ الأملِ / فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ من ذللِ
إن المحب قتيلُ الصبر والجلدِ /
وقمتُ أَشكو غَرامي وهي مائلةٌ / كالغصن غَنى وَعين النهر سائلةٌ
فاستعظمت من جوابي وهي سائلةٌ / وخلفتني طريحاً وهي قائلةٌ
ما تنظرون فعال الظبيِ بالأسدِ /
وبتُّ سهدي وشوقي قد غدا عوضا / عن الكرى وجفوني تهجر الغمضا
حتى إذا صيرتني للنوى غرضا / قالت لطيف خيال زارني ومضى
بالله صِفهُ ولم تَنقُص ولم تَزِدِ /
فجاءها عَن صميم القلب بالنبأِ / عن ذُلِّ حاليَ لا عَن ملك ذي سبأِ
وقصَّها يا له من سامع ورَئِي / فقال خلفته لو مات من ظمأِ
وقلت قف عن ورود الماء لم يَرِدِ /
تفنى الليالي ولا تفنى محبتُهُ / حراءُ مهجتُهُ عبراءُ مقلتُهُ
ذكراك أيامه فكراك ليلتُهُ / قالت صدقت الوفا في الحُب سيمتُهُ
يا برد ذاكَ الَّذي قالت عَلى كبدي /
وزدت سقماً وجسمي بالفراق وهى / لما تمادَت عَلى صدي وحاليَ ها
حتى رَثت لمصابي من تدللها / واسترجعت سألت عني فقيل لها
ما فيه من رمق دقت يداً بيدِ /
وروّعتها النوى حتى إذا فَرَقَت / من حال محزونها في لوعةٍ سُحقت
وأدركت أنها بالصبِّ ما رفقت / وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
ورداً وعضّت عَلى العنّاب بالبَرَدِ /
وأصبحت بعد قتل الصب نادمةً / تقول من ليَ أن أبكيك نعم فتىً
فقال حالي رعاك الله قاتلةً / وأَنشدت بلسان الحال قائلةً
من غير مطلٍ ولا كرهٍ ولا مددِ /
لئن بخلت بوصلي فالجفين سخي / يبكي عليه بدمع فاض منتضخِ
وليس عهدي بحبي غير منتسخِ / واللَه ما حزنت أختٌ لفقد أخِ
حزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ /
فلو علمت بأني غاية الأملِ / لكان وصلي لديهُ السؤلُ من قبلي
وأقبلت تشتكي وجداً عَلى وجلِ / وأسرعت وأتت نحوي عَلى عجلِ
فعند رؤيتها لم أستطع جلدي /
حيّت وأحيت فؤادي من مراشفها / وروّحت روحَ مغرىً في لطائفها
فزينت تالد الأهوا بطارفها / وأغمرتني بفضلٍ من عواطفها
فعادت الروح بعد الموت للجسدِ /
وعاد عصر التجافي وصلةً وصفا / وعاد عصرُ التهاني باللقا وصفا
ما للعواذل حسبي ربنا وكفى / هم يحسدوني عَلى موتي فوا أسفا
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ /
لو أنَّ ملك الهَوى يا صاحبي بيدي
لو أنَّ ملك الهَوى يا صاحبي بيدي / ما بتُّ أَشكو غرامي وانقضى جلدي
على قوامٍ ووجناتٍ وثغرِ حلا / كالغصنِ والوردِ في الجَنّات والبَرَدِ
وسيفِ لحظٍ إذا ما سُلَّ يغمد في / صدرِ الكميِّ فما يلقاه بالزَرَدِ
ونظرة أَورثتني بعد لذّتها / سُقماً تردّد بين الروحِ والجسدِ
ولا تألفت الأضدادُ في شجني / الماءُ في أَعيني والنارُ في كبدي
ولا عدمت الكَرى والوجد أبعدني / كأنني قائم للدهر بالرَّصَد
جعلت نار فؤادي للقرى ضرماً / والدمعَ نهلاً إذا يعشو وإن يَرِدِ
أَبيت ليلي نديمي لاعدمتُهما / البدرُ في ناظري والطَيفُ في خلدي
واللَه يشهد أني ما سلوتُهُمُ / ولا شكوتُ الهَوى منهم إِلى أَحدِ
لا عاش صبٌّ تسلّى عن هَوىً بهوىً / ولا صَفا عيشُه إن ملَّ من كَمَدِ
ويرحم اللَهُ من لاقاه مُنْيَتُهُ / فمات صبراً ولم يبدي ولم يُعِدِ
فإن يمنّوا بوصلٍ قام يشكرُهم / وإن يضنّوا ثَوى بالصبر والجلد
وليس ذَلِكَ عارٌ في كُناس ظِبَى / ما دمتَ ذا عزة في غابة الأَسَد
وما يضرُّك تلقى الهَولَ دونهمُ / ومدّةُ العُمرِ لم تَنقُص ولم تَزِدِ
كطالب الماء قد حَفَّ العدوُّ به / يموتُ لهفاً وخوفَ المَوتِ لم يَرِدِ
فكم على حبها خاطرتُ من خطرٍ / وقلتُ دونكَ يا سهمَ الردى كبدي
ونلتُ لا أكفرُ الأيامَ ما وهبت / فكم لها عندنا من نعمةٍ ويَدِ
لكنها أَتبعت إحسانَها بأَذىً / حين استردته في كرهٍ وفي مدد
وأَفردتنيَ لا قلبٌ ولا جَلَدٌ / وأَفردَتْها بلا أَهلٍ ولا ولد
فلا أُؤمّل يوماً أن تأوب ولا / أَرجو السلوَّ وحاشا لستُ بالجلد
ولا تُؤمّلُ أن يبدي الزَمان لقاً / ما لم يَرُدَّ المعيدُ الروحَ للجسد
عارضت فيها يزيداً نعم ما نظمت / ويرحم اللَه قلباً جلَّ عن حسد