القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حسن الطّويراني الكل
المجموع : 16
بدا الهَوى لفؤادي بعد تجريدي
بدا الهَوى لفؤادي بعد تجريدي / فقلت عاد الصِبا يا صَبوتي عودي
وَراقني منظرٌ للدهر بعد نَوىً / وَشاقَني بَعدَ نُسكي الأُنسُ للغيد
وَمال بي نحو هاتيك الدُمَى طَربٌ / وراحَ بي راحُ شوقي رَوحَ عربيد
وَزارَني بعد طولِ اليأس ذو هيفٍ / يَسعى عَلى رَغم ذي عذلٍ وَتفنيد
فلستُ أَدري أَردَّ القَلبَ آخِذُهُ / أَم عادَ عصرٌ تناهَى غير مردود
بانَت سعادُ فرغدُ العَيش منكودُ
بانَت سعادُ فرغدُ العَيش منكودُ / وَودَّعتْ فجليدُ القَلب مَكمودُ
بانَت كَأَنّ غَزالاً بتّ أَرقبُه / فَفاتني وَمرجّي الصَعب مجهود
هَيفاءُ ما مثلها غصنٌ يُميِّلُه / ريحُ الصبا مائدُ الأطرافِ أملود
غَرّاءُ للبدر فيها حيرةٌ وَهَوىً / كَأَنهُ إِذ سَرى في اللَيل مَسهود
كَم سالمتني عَلى رَغم الزَمان وَكَم / غَنِمتُ وَصلاً وَجادَت غادةٌ رُود
وَالخصرُ وَالصَدرُ مضمومٌ وَملتزمٌ / وَالبندُ وَالنهدُ محلولٌ وَمعقود
وَالشعر وَالقدّ مَرسولٌ وَمنعطفٌ / وَالخدّ وَالثغر ملثومٌ وَمورود
تِلكَ اللَيالي الَّتي ما كُنتُ أَحسبُها / تَروعنا وَاللَيالي بعضُها جود
كانَت مع الأنسِ بيضاً من نضارتِها / غرّاً تَقولُ لَنا غِيظَ العِدا سودوا
فَربّ كَأسِ مدامٍ بتّ أَشربُها / يَروقُني الراحُ وَالعَوّادُ وَالعود
راحٌ رَحيقٌ سلافٌ قَرقَفٌ عَتُقَت / يَفوتنا الوَصفُ منها وَهوَ مقصود
تلوحُ منها إِذا قامَت تشعشعها / نورٌ وَنار وَإحراقٌ وَتبريد
وَالرَوضُ مبتسمٌ وَالنَهرُ منعطفٌ / وَالزَهرُ مبتهجٌ وَالظلُّ مَمدود
وَالطَيرُ قَد هاجه في الرَوض مجلسُنا / روحٌ وَراحٌ وَأَفراحٌ وَتَغريد
وَالغُصنُ ميَّلَه طيبُ الهَوى فَهوى / فَحنّ شوقاً وَبعضُ القَول تفنيد
آهاً لتلك الليالي كَيفَ ما بقيت / أَم كَيفَ قَد عدمت وَالقَلبُ مَوجود
كانت تَسرّ وَأَوقات الشَباب كَما / كانت تَغرُّ وَكَم في الناس محسود
نعَم نعمتُ بها لكنّ غصتَها / أَنستك ما مرّ وَالمغصوبُ مردود
أَقول من بعد ما بنّا وَقَد حكمت / أَيدي النَوى وَالهَوى قربٌ وَتبعيد
تُرى اللَيالي بِها مِن أَوبةٍ كَرَما / حَتّى يُهنَّى مُعنَّى القَلبِ مَكبود
أَو لا فَغاية قَولي بَعدما رحلوا / بانَت سعادُ فَرغد العَيش مَنكود
طَيف الأَحبة دانانا وَقَد بَعدوا
طَيف الأَحبة دانانا وَقَد بَعدوا / أَهلاً بِمَن زارَنا وَالناسُ قَد رَقدوا
وَافى عَلى حين لا يرجى تَواصلُه / وَلا استبان لَهُ وادٍ وَلا بلد
وَافى وَبَدرُ الدجى يَسعى لخدمته / وَيفضح الغُصنَ منهُ التيهُ وَالمَيَد
فَبت أَشكو لَهُ وَجدي لمرسله / وَبات يَشكو إِلى الأَفكار ما يجد
طَيف الخَيال تظنّ الدَهر يجمعنا / يَوماً فَقَد طالَ فيما بَيننا الأَمد
أَشكو إِلَيك بُروح أَنتَ مالكها / لا يَستقرّ بِها من بعده جسد
وفي الفؤاد شجونٌ أَنتَ عالمها / وَغاية القَول لا صَبرٌ وَلا جلد
وَرب وَعد من الآمال أَرقبُه / وَطالما اغترّ بالآمال من وعدوا
وَكَيفَ أَدفع دَهراً بالبِعاد قَضى / وَلَيسَ يَدفعه غيّ وَلا رشد
وَإِنما حسنُ ظَني بِالزَمان يَرى / تَصفو المَوارد أَو يَوماً يقال رِدوا
أَو يَشتفي القَلب مما قَد أَضرّ بِهِ / أَو يَشقى من حسدونا بِالَّذي حسدوا
وَيُقبِلُ الدَهرُ بِالأَفراح مبتسماً / فَتغفو أَجفان قَوم طالما سهدوا
طَيفٌ أَلمّ وَآلُ الحيّ قَد رَقدوا
طَيفٌ أَلمّ وَآلُ الحيّ قَد رَقدوا / أَهلاً بركبٍ دُموعَ العَين قَد وَردوا
قالوا أَطابَ النَوى من بعدِنا وَصفَت / مَناهلُ العَيش قُلتُ استوطِنوا ورِدوا
أَستودعُ اللَه آلَ الحَيّ ما علموا / بِأَنّ حاليَ هذي غَير ما عهدوا
خلفتُ فيهم فؤاداً ضاعَ بَينهمُ / وَالرُوحُ باعدتُها من بعدما بعدوا
وَما ارتضيتُ بَديلاً أَصطفى أَبَداً / اللَه يَعلم من أَهوى وَما أَجِد
تَمضي اللَيالي وَبي فكرٌ أَردّده / لا يَستقلُّ بِهِ أَهلٌ وَلا بَلَد
طَيف أَلمّ بِبَيت الفكر في خَلَدي
طَيف أَلمّ بِبَيت الفكر في خَلَدي / فَقلت لَبيك يا رُوحي فَلَم أَجدِ
سُبحانَ جامعنا في فرقةٍ وَنَوى / وَالقَومُ في غَفلة من لَوعة الكبد
فَخلت أَنيَ في تلك البِلاد بلى / أَو أَنّ طَيف الَّذي أَهواه في بَلَدي
ثُمَّ التفتُّ فَما وافى وَلا قربت / أَوطانُنا وَكِلانا لِلنَوى بيد
بِاللَه يا مَن أَراع القَلبَ زائرُه / هَل ذَلِكَ العَهد لَم يَنقُص وَلم يَزد
وَهَل كؤوسُ الحُميّا في أَكفِّكم / تَروق ناظرها أَو ترو قَلب صَدي
لا عادَ هَذا النَوى عادَ اللقا وَعَسى / أَن يَجمع اللَه بين الرُوح وَالجَسد
الدَهر دورانِ مجهولٌ وَمعهودُ
الدَهر دورانِ مجهولٌ وَمعهودُ / وَالناس صنفانِ مرحومٌ وَمحسودُ
وفي الأُمور كما شاهدتَها غَيرٌ / وَفي الرِجال عَلى العلّات مودود
وَللزمان انقلابٌ في تصرّفِه / كما تُشاهدُ وَالتَحويلُ مشهود
وَللسرور وَللأحزان من قِدَمٍ / حكمٌ تَناوبُهُ الأَيامُ معدود
وَالصَفوُ فيها مع الأَكدار ملعبةٌ / لكلها أَجل في الناس محدود
وَربما قَد أَخاف المرءَ مَأمنُه / وَربما ملّ عذبٌ وَهوَ مورود
قَد نلتَ يا دَهر ما تبغيه من كمدي
قَد نلتَ يا دَهر ما تبغيه من كمدي / أَصبتَ رُوحي فَما أَبكي عَلى جسدي
فَاصدم بما شئت من هولٍ وَمن كربٍ / تزلزل الطود أَو تعدو عَلى الأَسد
فَلَيسَ لي من دُموع أَشتكي غرقاً / وَلَيسَ لي كَبدٌ أَشكو جَوى كَبد
يا غربة فعلت بالقلت وَالجَسدِ
يا غربة فعلت بالقلت وَالجَسدِ / فَعلَ اضطرامِ جَحيمِ النارِ بالبردِ
كَأَنني بجناح النسرِ معترقٌ / بِأَيّ حال أَردتُ الفَوز لَم أَجد
أَو كَالسفينة ضلّ السائرون بها / وَالبَحرُ يَلعبُ بِالأَمواج وَالزَبد
فَلَستَ تَدري أَمن خَوفِ المصيبةِ أَم / مِن غَيظها لمضل السَير في رَعد
من أَنتَ في الناس يا مَن لا نَظيرَ لَهُ
من أَنتَ في الناس يا مَن لا نَظيرَ لَهُ / وَظلّ يَهزؤ بَين الغَيّ وَالرشدِ
رُوحٌ تمرّ بِأَشباحٍ مفرّقةٍ / مقرّها بَين منحلٍّ وَمنعقد
فَالرُوح رائحةٌ وَالجسمُ منعدمٌ / وَأَنتَ مَن أَنتَ بَين الرُوح وَالجَسَد
يا والداً يَبتغي خَيراً لِمَن وَلدا
يا والداً يَبتغي خَيراً لِمَن وَلدا / هَذّبْه يَومَك حَتّى تَرتجيهِ غَدا
هذبه وَالنَفس للآداب قابلةٌ / فَإِنَّها فرصٌ يَحظى بِها السُعَدا
ما أَحسن العلمَ وَالإقبالَ في رجلٍ / إِذا هما بِمعالي خُلقه اتحدا
لا تَرأفنّ بِهِ في كسب محمدة / فَما لَنا نَبتغي من نعمة وجدا
وَالطفلُ كَالتبرِ وَالآباءُ صاغتُهُ / فَاصنع تبع وَادّخر خَيراً وَإِن كَسدا
فَإِن تصوّره كَلباً كانَ ذاكَ وَلم / يَصعبْ عليك إِذ صَوّرته أَسدا
لا خَير في لذة الدُنيا وَنضرتها
لا خَير في لذة الدُنيا وَنضرتها / لِعاقلٍ فاته الأَزواجُ وَالوَلدُ
وَلَيسَ في الزَوج وَالأَولاد منفعةٌ / إِذا تخلف عَنهُ الحَزمُ وَالرشدُ
فَالأنسُ بَينهم لا شك إِن صلحوا / وَإِن همُ فسدوا فَالكُلُّ قَد فسدوا
النفسُ معدومةٌ في زيِّ موجودهْ
النفسُ معدومةٌ في زيِّ موجودهْ / أمانة الله فينا وهيَ مردودهْ
وَقَد تبدّت هيولاها وصورتُها / نظماً تحل يد الأَقدار معقودَه
فما تَوارثَ أُولاها أَواخرُها / إلا ليعقب جمعُ الكَون تبديدَه
وَلا الشَباب سِوى غُصنٍ غضارتُهُ / مقدورة حَيث يجتثُّ القَضا عوده
وَما الحَياة سِوى حال يَمرُّ عَلى / بعض التراب وَيقضى الحق تجريده
ولم تَزل حسرة الدُنيا تنقّلها / بين القُلوب يدٌ للدهر معهوده
فكل نضرةِ عيشٍ نظرةٌ عَرَضَت / ثم استحالت فذم المرء محموده
وَكُل صَفوٍ سيتلو خيرَه كدرٌ / وَكل لين سيقضى الخطبُ تشديده
وَكُل نَفس عَلى ما سرّها أَملٌ / بِاليأس يَوماً من الأَيام موعوده
ميلاد من حل دُنيانا نهايتُه / بدءُ الرحيل عَلى نكباءَ مجهوده
فلا يغرنك إمهال الحياة فكم / أَغرتك مكدوحة تفنى وَمكدوده
وإنما اللبث آجالٌ مقدرةٌ / محدودةٌ بينها الأنفاس معدوده
وَالعُمر صاد يرجّي من مصاحبة / مناهلاً لبقاه غير موروده
فكم حرصنا عَلى مشهودِ زاهرةٍ / ولو بدا الغيب لم نغرر بمزهوده
لم يُبق موتٌ على حيٍّ وَلا تركت / نفسٌ نفيسَ حياةٍ غير مفؤوده
وَلم يرعه نوىً من صفوةٍ وَهَوىً / وَلم يُدِم وصلةً في الناس محسوده
دَهر ترى الحُزن فيهِ ما بدا فرحٌ / وَلا سَقا الأُنس إلا أبكى عربيده
أَما تَرى اليَوم ذاتَ الستر قَد جُلِيت / تعتز في مَوكبٍ أَبكى النَوى صيده
فأعين السحب بالعبرات باكيةٌ / وَمهجةُ الشمس بالأَحزان موقوده
استودع اللَه نعشاً ما سعت نسمٌ / لديهِ إلا وَفي الحسرات منشوده
بلقيسُ في عرشها تَزهى وَمن عجب / أن روع الدَهر في ذا اليَوم داوده
كَأَنَّها تتهادى في تنقّلها / شمسٌ تسير بها الأَملاك مكبوده
بنتُ الملوك ذوي العليا قرينةُ من / علياه باذخةُ المقدار مشهوده
فيا سقى اللَه صوبُ القطرِ راحلةً / بالصبر تاركةَ الأَجفان منضوده
يبكي الشَباب كما يبكي الحجاب كما / يَبكي العفاف وَيبدى اليوم تعديده
ترحلت كالأُلى من قبلها رحلوا / وَكُل مولودة لا بد ملحوده
أَسفت إِذ فارقت روح مطهرة / كنوزها بيد الإفناء مرصوده
بدت على عرش نعشٍ قد تعاوره / أَيدي الكماة إِلى الفردوس مقصوده
فيا أَخا الحكمة القصوى وَعارفها / هوّن فان سنين العيش محدوده
فاسلم وَدم لا أَراك اللَه بعد كذا / سوءاً وَأَهدى لها من نعمة جوده
فَالفَصلُ وَالوَصلُ أَوقاتٌ وَلا عَجب / أن يفقد المرء في الأَيام مودوده
وَهكذا الدَهر مرهوبٌ بوادرُه / وَالنَفس بِالحَق لا بالخلق مسعوده
أَدامك اللَه في عزٍّ وَعززها / بِالفَوز قَد كفل الرضوان تَأييده
فَإِنَّها أَصبحت في دار نعمته / بكل ما تشتهيه النفس ممدوده
عزت حياة وَفضل اللَه أَرخها / عزت بأنس جوار اللَه توحيده
من يحتفر بئرَ سوءٍ كان أول من
من يحتفر بئرَ سوءٍ كان أول من / يهوي به ويًردَّى قبل من قصدا
ومن بنى بيتَ إحسانٍ ومكرمةٍ / به ينعَّم قبل الوافدين غدا
دعوا فؤادي لما يلقاه من كمدِ
دعوا فؤادي لما يلقاه من كمدِ / والعين تبكي على الأطلال بالرصدِ
فَلَيسَ يرجع لي ما فاتَ من مَددِ / لأبكينَّ عليها آخرَ الأَبدِ
إذ طال حزني وَقَد غلّت عليه يدي /
تلك الليالي وإن طالت لقد قَصرت / فنظّمت بدموع العين ما نثرت
كأَنما العين بعد البين ما نَظَرَت / تلك الوجوه ولا نامَت ولا سهرَت
إلا خيالاً طَلبناه فلم نجدِ /
يا آل تلك الليالي والحمى قسمي / وبالهوى والصبا والود من قدم
إن الوجود بهذا البعد كالعدمِ / وَكَم بكيت بدمع صُنتُه وَدمِ
حتى انقضى بالنوى بعد الهَوى جلدي /
وخادعتني الليالي فانخدعتُ بها / وقرّبت لي بعيداً من مطالبِها
حتى افترقنا وجدّت في تقلّبها / وأظهرت غيرَ ظَني من عواقبها
وصرت أَرضى تجافينا بملك يدي /
رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي
رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي / وَقَد أَتى أمدٌ فيه عَلى لبدِ
هيفاء تستلب الألباب بالغَيَدِ / نالت على يدها ما لم تَنله يَدي
نَقشاً عَلى معصم أَوهت به جلدي /
في حسنها فتنة بين الأنام لها / ئم في هَواها لذذت وَلَها
أَومَت بكف لها بالوشمِ أَيُّ بها / كَأَنّهُ طرقُ نملٍ في أَناملها
أَو روضةٌ رصّعتها السحبُ بالبَردِ /
يا حبذا غادةٌ تسبي ببهجتِها / أَو ظيبةٌ تسلبُ الدُنيا بلفتتها
لما رمت إذ رنت قلبي بلحظتها / خافت على يدها من نَبلِ مقلتها
فألبست زندها درعاً من الزَرَدِ /
كأَنها البدرُ حلّت مهجتي فلكا / فكلُّ مَن رام أَن يحظى بها هلكا
لما رأَت بحرَ دَمعي حيث شا سلكا / مدّت مواشطَها في كفِّها شَرَكا
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ /
من لي بسالبةٍ لبّي ونائيةٍ / باللحظ قاتلةٍ بالغمز راميةٍ
جلّت بآية تيهٍ غير خافيةٍ / وقوسُ حاجبها من كلِّ ناحيةٍ
ونَبل مقلتها ترمي به كبدي /
أَعانها ظالمٌ تُخشَى إعانتُهُ / وهو الهَوى تملأ الدُنيا مكانتُهُ
فعامل القدِّ قد قامَت رشاقتُهُ / وعقرب الصدغ قد باتت زبانتُهُ
وناعس الطرف يقظانٌ على الرصدِ /
تركيةُ التيه أَنأى من مَها العربِ / محجوبةُ الحسن بين الستر والحجبِ
ناديت في حبها يا حلبة الأدبِ / إن كان في جلنّار الخد من عجبِ
فالصدر يطرح رماناً لمن يَرِدِ /
وتلك تعتز عن شبهٍ وعن مثلِ / وتنجز الفتكَ بالتفتيرِ والكَحَلِ
فقدها عادلٌ يزري بذي الأسل / وخصرُها ناحلٌ مثني عَلى كَفَلِ
مرجرجٌ قد حكى الأحزانَ في الخَلَدِ /
كم من عيون عليها بالدما همعَتْ / وكم قُلوب تفانت بعدما طمعت
وتلك من صبها بالذل قد قنعت / إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعت
من بعد رؤيتها يوماً عَلى أحدِ /
لما التقينا وَقد رَقّ الزَمانُ لَنا / وعاد صَرفُ الليالي الغرِّ يجمعُنا
وزال ما كُنت أَخشى من جَفاً وَعَنى / ناشدتُها الوصل قالت أَنتَ تعرفنا
من رام منّا وصالاً مات بالكمدِ /
نحن اللواتي قضينا أَن نذيقَ هَوى / قلب المُحبِّ ولا نبدي لذاك دوا
فَكَم لدينا صريعٌ بالغرام ثَوى / وَكَم لنا عاشقٌ في الحَيّ مات جوى
مِنَ الغرام ولم يبدي ولم يُعِدِ /
وَكَم فتكنا بسيف الغنج والكحَلِ / وكم طعنا بقدٍّ صاحبَ الأسلِ
عُد عن هَوانا وحاذر غرةَ الأملِ / فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ من ذللِ
إن المحب قتيلُ الصبر والجلدِ /
وقمتُ أَشكو غَرامي وهي مائلةٌ / كالغصن غَنى وَعين النهر سائلةٌ
فاستعظمت من جوابي وهي سائلةٌ / وخلفتني طريحاً وهي قائلةٌ
ما تنظرون فعال الظبيِ بالأسدِ /
وبتُّ سهدي وشوقي قد غدا عوضا / عن الكرى وجفوني تهجر الغمضا
حتى إذا صيرتني للنوى غرضا / قالت لطيف خيال زارني ومضى
بالله صِفهُ ولم تَنقُص ولم تَزِدِ /
فجاءها عَن صميم القلب بالنبأِ / عن ذُلِّ حاليَ لا عَن ملك ذي سبأِ
وقصَّها يا له من سامع ورَئِي / فقال خلفته لو مات من ظمأِ
وقلت قف عن ورود الماء لم يَرِدِ /
تفنى الليالي ولا تفنى محبتُهُ / حراءُ مهجتُهُ عبراءُ مقلتُهُ
ذكراك أيامه فكراك ليلتُهُ / قالت صدقت الوفا في الحُب سيمتُهُ
يا برد ذاكَ الَّذي قالت عَلى كبدي /
وزدت سقماً وجسمي بالفراق وهى / لما تمادَت عَلى صدي وحاليَ ها
حتى رَثت لمصابي من تدللها / واسترجعت سألت عني فقيل لها
ما فيه من رمق دقت يداً بيدِ /
وروّعتها النوى حتى إذا فَرَقَت / من حال محزونها في لوعةٍ سُحقت
وأدركت أنها بالصبِّ ما رفقت / وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
ورداً وعضّت عَلى العنّاب بالبَرَدِ /
وأصبحت بعد قتل الصب نادمةً / تقول من ليَ أن أبكيك نعم فتىً
فقال حالي رعاك الله قاتلةً / وأَنشدت بلسان الحال قائلةً
من غير مطلٍ ولا كرهٍ ولا مددِ /
لئن بخلت بوصلي فالجفين سخي / يبكي عليه بدمع فاض منتضخِ
وليس عهدي بحبي غير منتسخِ / واللَه ما حزنت أختٌ لفقد أخِ
حزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ /
فلو علمت بأني غاية الأملِ / لكان وصلي لديهُ السؤلُ من قبلي
وأقبلت تشتكي وجداً عَلى وجلِ / وأسرعت وأتت نحوي عَلى عجلِ
فعند رؤيتها لم أستطع جلدي /
حيّت وأحيت فؤادي من مراشفها / وروّحت روحَ مغرىً في لطائفها
فزينت تالد الأهوا بطارفها / وأغمرتني بفضلٍ من عواطفها
فعادت الروح بعد الموت للجسدِ /
وعاد عصر التجافي وصلةً وصفا / وعاد عصرُ التهاني باللقا وصفا
ما للعواذل حسبي ربنا وكفى / هم يحسدوني عَلى موتي فوا أسفا
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ /
لو أنَّ ملك الهَوى يا صاحبي بيدي
لو أنَّ ملك الهَوى يا صاحبي بيدي / ما بتُّ أَشكو غرامي وانقضى جلدي
على قوامٍ ووجناتٍ وثغرِ حلا / كالغصنِ والوردِ في الجَنّات والبَرَدِ
وسيفِ لحظٍ إذا ما سُلَّ يغمد في / صدرِ الكميِّ فما يلقاه بالزَرَدِ
ونظرة أَورثتني بعد لذّتها / سُقماً تردّد بين الروحِ والجسدِ
ولا تألفت الأضدادُ في شجني / الماءُ في أَعيني والنارُ في كبدي
ولا عدمت الكَرى والوجد أبعدني / كأنني قائم للدهر بالرَّصَد
جعلت نار فؤادي للقرى ضرماً / والدمعَ نهلاً إذا يعشو وإن يَرِدِ
أَبيت ليلي نديمي لاعدمتُهما / البدرُ في ناظري والطَيفُ في خلدي
واللَه يشهد أني ما سلوتُهُمُ / ولا شكوتُ الهَوى منهم إِلى أَحدِ
لا عاش صبٌّ تسلّى عن هَوىً بهوىً / ولا صَفا عيشُه إن ملَّ من كَمَدِ
ويرحم اللَهُ من لاقاه مُنْيَتُهُ / فمات صبراً ولم يبدي ولم يُعِدِ
فإن يمنّوا بوصلٍ قام يشكرُهم / وإن يضنّوا ثَوى بالصبر والجلد
وليس ذَلِكَ عارٌ في كُناس ظِبَى / ما دمتَ ذا عزة في غابة الأَسَد
وما يضرُّك تلقى الهَولَ دونهمُ / ومدّةُ العُمرِ لم تَنقُص ولم تَزِدِ
كطالب الماء قد حَفَّ العدوُّ به / يموتُ لهفاً وخوفَ المَوتِ لم يَرِدِ
فكم على حبها خاطرتُ من خطرٍ / وقلتُ دونكَ يا سهمَ الردى كبدي
ونلتُ لا أكفرُ الأيامَ ما وهبت / فكم لها عندنا من نعمةٍ ويَدِ
لكنها أَتبعت إحسانَها بأَذىً / حين استردته في كرهٍ وفي مدد
وأَفردتنيَ لا قلبٌ ولا جَلَدٌ / وأَفردَتْها بلا أَهلٍ ولا ولد
فلا أُؤمّل يوماً أن تأوب ولا / أَرجو السلوَّ وحاشا لستُ بالجلد
ولا تُؤمّلُ أن يبدي الزَمان لقاً / ما لم يَرُدَّ المعيدُ الروحَ للجسد
عارضت فيها يزيداً نعم ما نظمت / ويرحم اللَه قلباً جلَّ عن حسد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025