المجموع : 4
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي / أَبَت شِفاءَكِ حَتّى بِالمَواعيدِ
سِحريَّةُ الفَمِ لَو مَسَّت بِقُبلَتِها / فَمَ العَيِيِّ لَحَلَّت كُلَّ مَعقودِ
تَكادُ مِن رِقَّةٍ تُغري مُقبِّلَها / أَن يَحتَسيها رَحيقاً غَيرَ مَورُودِ
قَد صاغَها اللَهُ لَمّا أَشرَكَت أُمَمٌ / بِهِ فقالَ اِشهَدوا بُرهانَ تَوحيدي
قُل لِلبَخيلَةِ جُودي لا لَقِيتِ جَوىً / إِن كانَ يَشفَعُ لي قَولي لَها جُودي
وَساعَةٍ تَحتَ أَفياءِ الهَوى سَلَفَت / يا ساعَةً تَحتَ أَفياءِ الهَوى عُودي
ما ضَرَّ لَو أَنَّها في قُبلَةٍ سَنَحت / مَنَّت بِوَعدٍ وَإِن ضَنَّت بِمَوعودِ
هَل حاذَرَت حَرَّ شَوقي حينَ أَلثمها / أَن تُذبِلَ الوَردَ أَنفاسٌ بِتَصعيدِ
رُحماكِ لِليائِسِ المَمطولِ يُقنِعُه / مِن الوُجودِ خَيالٌ غَيرُ مَوجودِ
ظَمآنُ لا رَشَفاتُ الماءِ صافِيَةً / تُروي صَداهُ وَلا بِنتُ العَناقيدِ
شِفاؤُهُ قُبلَةٌ لَو أَنّ مُحتَضَراً / داوى بِها المَوتَ رَدَّت غَيرَ مَردُودِ
فَكَم أمَثِّلُ ثَغرَ الزَهرِ مِن شَبَهٍ / بِثَغرِك العَذبِ في حُسنٍ وَتَوريدِ
عَينٌ مِن الخُلدِ مَن يَنهل بِكَوثَرِها / وِردَ الحَياةِ يَفُز مِنه بِتَخليدِ
صَوتٌ مِن القَلبِ أُمليهِ عَلى فَمِها / وَعَهدُ حُبٍّ عَلى الأَيامِ مَمدودِ
وَلِلقُلوبِ لُغاتٌ لَيسَ يُدركُها / سِوى فُؤادٍ بِنارِ الوَجد مَعمودِ
حَديثُ شَوقٍ بِلا حَرفٍ وَلا كَلِمٍ / تُفضي بِهِ شَفَتي لِلخَدِّ وَالجيدِ
مَعنىً مِن الحُبِّ يَسمُو أَن أُؤَدِّيَه / بِكُلِّ لَفظٍ مِن الأَلفاظِ مَحدودِ
اللَفظُ يَثقُل بِالتَرديدِ مَوقعه / وَتِلكَ تَحلو مَعانيها بِتَرديد
دَعِ الرَسائِلَ فيما لا تُحيطُ بِهِ / تِلكَ اللُغاتُ وَدَع صَوغَ الأَناشيد
فَلِلشِفاهِ عَلى أَمثالِها لُغَةٌ / أَحلى عَلى السَمع مِن مِزمار داود
أَدَّت عَن القَلبِ ما يَعيا اللِسانُ بِهِ / كَمَنطِق الطَيرِ غِرِّيد لِغرِّيد
كَم قُبلَةٍ لا أَرى الدُنيا لَها ثَمَناً / فَلا تَبِع غَيرَ مَعدودٍ بِمَعدودِ
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ / وَجُزتَ في السَبق ما أَمَّلتَ فَاتَّئِدِ
يا ناثِرَ الزَهرِ غَضّاً في صَحائِفه / أَرِيجُهُ لَم يَدَع في الشَرق مِن بَلَدِ
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ الأَشعارَ حاسِدَةً / فَكانَ تَقطيعُها مِن شِدَّةِ الحَسَدِ
مَعنىً مِن الرُوحِ توحيهِ قَريحتُه / يُزهى بِلَفظٍ قَويِّ النَسجِ مُطَّرِدِ
بِالأَمسِ قَلَّدتَ صَبري مِنهُ لُؤلُؤَةً / كانَت حَياةً لَهُ تَبقى عَلى الأَبَدِ
رَوائِع السحر فيها مَحفِلٌ حَشِدٌ / وَقَفتَ تُرسلُها في مَحفِلٍ حَشِدِ
وَاليَومَ تُهدِي إِلى شَوقي بِجَنَّتِهِ / لَحناً لأَطيارِها في صَوتِها الغَرِدِ
وَشَّيتَ أَشعارَهُ بِالنَثر تُبدِعُهُ / كَما تُوَشّى زُهُورُ الرَوضِ بِالبَرَدِ
جَلَوتَه صُورةً أَغنَت بِدِقَّتِها / عَن التَماثيلِ شادُوها عَلى عَمَدِ
تاللَهِ لَو أَنَّهُ أَهدى قَرِيحَتَه / إِلَيكَ في الشُكرِ ما وَفّى جَميلَ يَدِ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ / فَقُلتُ هَل لِرِثاءِ الفَضلِ مِيعادُ
لا الأَربَعُونَ وَلا الخَمسونَ مَوعِدُه / في كُلِّ عَصر عَلَيهِ الحُزنُ يَزدادُ
مَن أَنفَق العُمرَ في الإِصلاحِ نَظلِمُه / إِن كانَ يُحصى عَلَيهِ الحُزن تَعدادُ
كُلُّ اللَيالي قُلوبٌ في المُصابِ بِه / وَالدَهرُ في الرُزءِ أَجفانٌ وَأَكبادُ
تَمرُّ ذِكراهُ في الأَيّام باكِيَةً / فَكُلُّ يَومٍ لَهُ بِالحُزنِ تَردادُ
فَلا تَحدُّوا مَدى تَأبينِه وَصِلُوا / ذِكراهُ لا تَدَعوا النِسيانَ يَعتادُ
حَياتُهُ لِحَياةِ الجِيلِ وَاصِلَةٌ / ذِكرى النَوابغِ بَعدَ المَوتِ مِيلادُ
ما خَصَّ رُزؤُكَ يا جِبريلُ مِصرَ وَلا / لُبنانَ بَل فُجِعَت في مَجدِها الضادُ
وَلا المُروءةُ وَالمَعروفُ وَحدَهُما / غاضا بَل الخُلق المَوموقُ وَالعادُ
وَلَم يَرُع خَطبُكَ الأَحبابَ وَحدَهُمُ / بَل ريعَ بِالخَطبِ أَحبابٌ وَحُسّادُ
حُسّادُ مَجدِكَ لا أَضدادَ أَعرِفُهُم / فَلَيسَ لِلجُهدِ وَالإِخلاصِ أَضدادُ
أَوحيتَ جبريلُ لِلأَقلامِ نَهضَتَها / مَن يَجحَدِ الجُهدَ فَالأَعمالُ أَشهادُ
تجري عَلى اسمِكَ بِالأَهرامِ مُطلَقَةً / لَها بِذكرِكَ إِصدارٌ وَإيرادُ
تَفَنَّنت مَلَكات الكاتِبينَ بِها / فَساسَةٌ وَذَوُو فَنٍّ وَنُقّادُ
وَمُصلِحُونَ رَأَوا مِن دُونِ غايَتِهم / هَولَ الجِهادِ فَما كَلُّوا وَما حادوا
وَمُنبِئُونَ سَمَوا بِالصِّدقِ ما نَقَصوا / عَمّا رَوَوا وَرَأوا شَيئاً وَلا زادوا
لَم يُعيِهم نَبَأٌ حَتّى كَأَنَّهُمُ / جِنٌّ لَهُم بِنَواحي الأَرضِ أَرصادُ
وَالشِّعرُ في أَيكِها الفَينانِ مُنطَلِقٌ / لَهُ بِأَفنانِها لَحنٌ وَإِنشادُ
لِلخُلقِ وَالعَقلِ نُورٌ في صَحائِفها / فَما يَحُومُ بِها غِلٌّ وَأَحقادُ
مِصريَّةٌ لِبَني مِصرٍ يُسَدِّدُها / إِلى السَدادِ حَكيمُ الرَأي مُرتادُ
صارَت حَذامِ لِصُحفِ الشَرقِ ما نَطَقَت / إِلّا وَمِن نُطقِها لِلصُحفِ إِمدادُ
تَبدو مَع الشَمسِ في كِلتَيهما أَمَلٌ / لِلشَرقِ نُورٌ وَإِحياءٌ وَإِسعادُ
أَبقَيت ذِكراكَ يا جِبريلُ ما بَقِيَت / تزري فَخاراً وَنَفعاً بِالَّذي شادُوا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا / وَلا الجُفونِ إِذ ما سَيلُها جَمَدا
وَلا أَرى الصَبرَ في مَنعاكَ مَحمَدةً / ذَمَّ الوَفاءُ عَلَيكَ الصَبرَ وَالجَلَدا
بَقِيَّةٌ مِن دُموعي كُنتُ أذخَرُها / حَتّى دَهاني ما يَستَنزِفُ الكَبِدا
يا جَفنُ لا تَدّخِر دَمعاً تُريقُ غَداً / وَيا حُشاشَةُ ذوبي قَد أَمِنتُ غَدا
حُزني وَحُزن صَدِيقي فيكَ مُختَلِفٌ / إِن صاح يا وَاحِدي نادَيتُ وا عَدَدا
فَجائِعُ الدَهرِ تُنسَى غَيرَ فاجِعَةٍ / بِمَن وَفى لَكَ فيما قالَ وَاِعتَقَدا
ما العَيشُ مِن بَعد مَن تَهوى سِوى غُصَصٍ / تشجى بِها النَفسُ حَتّى تَبلغَ الأَمَدا
وَيحَ الليالي أَما تَرثي لأربَعَةٍ / مِن البَناتِ فَقَدنَ الركنَ والسنَدا
شَقَقن فيهِ حِجابَ القَلبِ مِن جَزَعٍ / وَما مَدَدنَ إِلى شَقِّ الحِجابِ يَدا
فَإِن تَمَيَّزنَ في أَعمارِهنَّ فَلَم / يُميِّزِ الخَطبُ في حُزنٍ عَلَيهِ بَدا
وَإِنَّ غايَةَ ما يَملِكنَ في جَلَلٍ / دُموعُهنَّ إِذا لَم يَستَطِعنَ فِدا
دُنيا مِن الفَضلِ يَطوي التُربُ نَضرَتَها / ما غَيَّبُوا في الثَرى إِذ غَيَّبُوا جَسَدا
نُحِسُّ أَنَّ الثَرى مِن خَمرِها ثَمِلٌ / وَيوشِكُ الصَخرُ مِنها أَن يَسيل نَدا
حَوى الثَرى مِنهُ أَخلاقاً لَو انَّ بِها / خُلودَ حَيٍّ عَلى طُولِ المَدى خَلَدا
صَدِيقُهُ الصِدقُ مَهما يُؤذَ قائِلُه / لَو أَنَّه الجَمر له يَرهَبه مُتَّقِدا
وَالصِدقُ إِن يَجِن ذَنباً غَيرُ مُتهَمٍ / وَالمَينُ مُتَّهَمٌ بِالذَنبِ لَو عُبِدا
عافَ التِجارَةَ في سُوقِ الرِياءِ إِذا / كانَ الرِياءُ لما يَرجُوهُ مُعتَمَدا
لَولا الرِياءُ يَمُتُّ الجاهِلونَ بِهِ / ما سادَ في الناسِ ذُو جَهلٍ وَلا مَجدا
هَيهاتَ مِنّا لَدى قَيسُونَ مَجلِسُنا / مَضى الصَفاءُ وَحَلَّ الدَهرُ ما عَقَدا
عَهدٌ قَضَيناه مَن يَشهَد لَيالِيَهُ / كَأَنَّما شَهِدَ الدُنيا بِما شَهِدا
يَرى القَبائِلَ مِن قَحطانَ ماثِلَةً / وَإِن تَيَقَّنَ أَن العَهدَ قَد بَعُدا
مُخَضرَمُونَ وَإِسلاميَّةٌ جُمِعا / في واحِدٍ جامِعٍ في الفَضلِ ما شَرَدا
إِلى جُهَينَةَ يُنمى في ذَوائِبِها / وَالفَرعُ في دَأبِهِ مِن حَيثُ ما وُلِدا
وَاِستَعجَم الشِعرُ في مِصرٍ فَقَوَّمهُ / وَردَّهُ عَرَبِيّاً لُحمَةً وَسدى
بِمُحكَماتٍ كَساها الحَضرُ رِقَّتَه / وَالبَدوُ لَفظاً قَويَّ النَسجِ مُطّرِدا
شعرٌ يَلذُّ عَلى الأَسماعِ موقِعهُ / كَأَنّ في كُلِّ بَيتٍ طائِراً غَرِدا
يُجيدُ ما شاءَ فيهِ غَيرَ مُفتَتِنٍ / وَإِن يُجِد غَيرُه لَم يَحمِلِ الحَسَدا
وَقُوَّةُ النَفسِ حِصنٌ مِن نقائِصِها / تَذودُ عَنها مِن الأَخلاقِ ما فَسَدا
كَم ذادَ عَن حَوزَةِ الفُصحى دُعاةَ هَوىً / تَكادُ فِتنَتُهم تُودي بِها بَدَدا
جيشٌ تَجمَّع يَبغي الهَدمَ مُعتَزِماً / فَإِن طَلَبتَ بِناء لَم تَجد أَحَدا
مِن كُلِّ أَلكَنَ مَعقُودِ اللِسانِ رَأى / أَن يَستُرَ الجَهلَ بِالإِزراءِ فَاِنتَقَدا
يَهيمُ بِالغَربِ لَم يَقرَأ لَهُ أَدَباً / وَيَجحَد العُربَ لا يَدري الَّذي جَحَدا
وَكُلُّ ما عِندَهُ كُتبٌ يُعَدِّدُها / لَم يَدرِ مِمّا حَوَت غَيّاً وَلا رشَدا
وَقِصَّةٌ لَم يَزِد عَن عِلمِ أَوَّلها / وَطارَ يَملأُ إِعجاباً بِها البَلَدا
مقلِّدون سَرَوا في لَيلِ جَهلِهُمُ / تَهوِي الفَيافي بِهم سَعياً لِغَير مَدى
وَمَن أَضاعَ تُراثاً مِن أُبوَّتِهِ / لَم يَستَفِد مِن سِواهُم قَدرَ ما فَقَدا
إِنَّ المُقَلِّد لا يَنفَكُّ مُنتَقِلاً / يَهوى ويُبغِضُ لا يُبقي هَوىً أَبَدا
يَصبُو لِلَيلى زَماناً ثُم يَهجُرُها / قِلىً وَيَصبُو إِلى أُخرى إِذا وَجَدا
حَظُّ الجَديد لَدَيهِ حَظُّ تالِدِه / مَن لا يَفي لِقَديمٍ ضَيَّعَ الجُدُدا
ما يَنفَعُ الناس يَبقى رَغمَ ما حَشَدوا / لِحَربِه وَاللَيالي تُذهِبُ الزَبَدا
ما أَعدَلَ الدَهرَ في هَذا وَأَظلَمَهُ / في حُكمِه أَمسِ أَفنى العدَّ وَالعَدَدا
مَضى الَّذي كانَ جَيشاً في عَزيمَتِه / كَالسَيلِ مُندَفِعاً وَالسَيفِ مُنجَرِدا
رَأى اِرتِداداً عَن الفُصحى وَسُخرِيةً / بِها فَشَمَّرَ كَالصدِّيقِ مُنفَرِدا
وَقامَ لَم يثنِهِ عَمّا يَهُمُّ بِه / في اللَهِ أَلا يَرى مِن قَومِهِ عَضُدا
وَشَدَّ شِدَّةَ جَبّارينَ صادِقَةً / فَمَزَّقَت مِن جُموعِ الزُورِ ما حَشَدا
وَأَوتَرَ القَوسَ يَرمى صَدر باطِلِهم / بِنافِذاتٍ أَصابَت لُبَّ مَن قَصَدا
وَحُجةٍ خَرِسَت مِنها شَقاشِقُهُ / لَولا العِنادُ لما تَأتى بِهِ سَجَدا
وَمَن حَمى لُغَةَ الأَسلافِ مِن عَبَثٍ / وَذادَ عَنها حَمى دِيناً وَمُعتَقَدا