المجموع : 8
إِنَّ الوُشاةَ وَإِن لَم أَحصِهِم عَدَدا
إِنَّ الوُشاةَ وَإِن لَم أَحصِهِم عَدَدا / تَعَلَّموا الكَيدَ مِن عَينَيكَ وَالفَنَدا
لا أَخلَفَ اللَهُ ظَنّي في نَواظِرِهِم / ماذا رَأَت بِيَ مِمّا يَبعَثُ الحَسَدا
هُم أَغضَبوكَ فَراحَ القَدُّ مُنثَنِياً / وَالجَفنُ مُنكَسِراً وَالخَدُّ مُتَّقِدا
وَصادَفوا أُذُناً صَغواءَ لَيِّنَةً / فَأَسمَعوها الَّذي لَم يُسمِعوا أَحَدا
لَولا اِحتِراسِيَ مِن عَينَيكَ قُلتُ أَلا / فَاِنظُر بِعَينَيكَ هَل أَبقَيتَ لي جَلَدا
اللَهُ في مُهجَةٍ أَيتَمتَ واحِدَها / ظُلماً وَما اِتَّخَذَت غَيرَ الهَوى وَلَدا
وَروحِ صَبٍّ أَطالَ الحُبُّ غُربَتَها / يَخافُ إِن رَجَعَت أَن تُنكِرَ الجَسَدا
دَعِ المَواعيدَ إِني مِتُّ مِن ظَمَإٍ / وَلِلمَواعيدِ ماءٌ لا يَبُلُّ صَدى
تَدعو وَمَن لِيَ أَن أَسعى بِلا كَبِدٍ / فَمَن مُعيرِيَ مِن هَذا الوَرى كَبِدا
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ / كُلُّ البِلادِ وِسادٌ حينَ تُتَّسَدُ
قَد غَيَّبَ الغَربُ شَمساً لا سَقامَ بِها / كانَت عَلى جَنَباتِ الشَرقِ تَتَّقِدُ
حَدا بِها الأَجَلُ المَحتومُ فَاِغتَرَبَت / إِنَّ النُفوسَ إِلى آجالِها تَفِدُ
كُلُّ اِغتِرابٍ مَتاعٌ في الحَياةِ سِوى / يَومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجَةَ الجَسَدُ
نَعى الغَمامَ إِلى الوادي وَساكِنِهِ / بَرقٌ تَمايَلَ مِنهُ السَهلُ وَالجَلَدُ
بَرقُ الفَجيعَةِ لَمّا ثارَ ثائِرُهُ / كادَت كَأَمسٍ لَهُ الأَحزابُ تَتَّحِدُ
قامَ الرِجالُ حَيارى مُنصِتينَ لَهُ / حَتّى إِذا هَدَّ مِن آمالِهِم قَعَدوا
عَلا الصَعيدَ نهارٌ كُلُّهُ شَجَنٌ / وَجَلَّلَ الريفَ لَيلٌ كُلُّهُ سُهُدُ
لَم يُبقِ لِلضاحِكينَ المَوتُ ما وَجَدوا / وَلَم يَرُدَّ عَلى الباكينَ ما فَقَدوا
وَراءَ رَيبِ اللَيالي أَو فُجاءَتِها / دَمعٌ لِكُلِّ شِماتٍ ضاحِكٍ رَصَدُ
باتَت عَلى الفُلكِ في التابوتِ جَوهَرَةٌ / تَكادُ بِاللَيلِ في ظِلِّ البِلى تَقِدُ
يُفاخِرُ النيلُ أَصدافَ الخَليجِ بِها / وَما يَدُبُّ إِلى البَحرَينِ أَو يَرِدُ
إِنَّ الجَواهِرَ أَسناها وَأَكرَمُها / ما يَقذِفُ المَهدُ لا ما يَقذِفُ الزَبَدُ
حَتّى إِذا بَلَغَ الفَلَكُ المَدى اِنحَدَرَت / كَأَنَّها في الأَكُفِّ الصارِمُ الفَرِدُ
تِلكَ البَقِيَّةُ مِن سَيفِ الحِمى كِسَرٌ / عَلى السَريرِ وَمِن رُمحِ الحِمى قَصِدُ
قَد ضَمَّها فَزَكا نَعشٌ يُطافُ بِهِ / مُقَدَّمٌ كَلِواءِ الحَقِّ مُنفَرِدُ
مَشَت عَلى جانِبَيهِ مِصرُ تَنشُدُهُ / كَما تَدَلَّهَتِ الثَكلى وَتَفتَقِدُ
وَقَد يَموتُ كَثيرٌ لا تُحِسُّهُمُ / كَأَنَّهُم مِن هَوانِ الخَطبِ ما وُجِدوا
ثُكلُ البِلادِ لَهُ عَقلٌ وَنَكبَتُها / هِيَ النَجابَةُ في الأَولادِ لا العَدَدُ
مُكَلَّلُ الهامِ بِالتَصريحِ لَيسَ لَهُ / عودٌ مِنَ الهامِ يَحويهِ وَلا نَضَدُ
وَصاحِبُ الفَضلِ في الأَعناقِ لَيسَ لَهُ / مِنَ الصَنائِعِ أَو أَعناقِهِم سَنَدُ
خَلا مِنَ المِدفَعِ الجَبّارِ مَركَبُهُ / وَحَلَّ فيهِ الهُدى وَالرِفقُ وَالرَشَدُ
إِنَّ المَدافِعَ لَم يُخلَق لِصُحبَتِها / جُندُ السَلامِ وَلا قُوّادُهُ المُجُدُ
يا بانِيَ الصَرحَ لَم يَشغَلهُ مُمتَدِحٌ / عَنِ البِناءِ وَلَم يَصرِفهُ مُنتَقِدُ
أَصَمَّ عَن غَضَبٍ مِن حَولِهِ وَرِضىً / في ثَورَةٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِدُ
تَصريحُكَ الخُطوَةُ الكُبرى وَمَرحَلَةٌ / يَدنو عَلى مِثلِها أَو يَبعُدُ الأَمَدُ
الحَقُّ وَالقُوَّةُ اِرتَدّا إِلى حَكَمٍ / مِنَ الفَياصِلِ ما في دينِهِ أَوَدُ
لَولا سِفارَتُكَ المَهدِيَّةُ اِختَصَما / وَمَلَّ طولَ النِضالِ الذِئبُ وَالنَقَدُ
ما زِلتَ تَطرُقُ بابَ الصُلحِ بَينَهُما / حَتّى تَفَتَّحَتِ الأَبوابُ وَالسُدَدُ
وَجَدتَها فُرصَةً تُلقى الحِبالُ لَها / إِنَّ السِياسَةَ فيها الصَيدُ وَالطَرَدُ
طَلَبتَها عِندَ هوجِ الحادِثاتِ كَما / يَمشي إِلى الصَيدِ تَحتَ العاصِفِ الأَسَدُ
لَمّا وَجَدتَ مُعِدّاتِ البِناءِ بَنَت / يَداكَ لِلقَومِ ما ذَمّوا وَما حَمَدوا
بَنَيتَ صَرحَكَ مِن جُهدِ البِلادِ كَما / تُبنى مِنَ الصَخرِ الآساسُ وَالعُمُدُ
فيهِ ضَحايا مِنَ الأَبناءِ قَيِّمَةٌ / وَفيهِ سَعيٌ مِنَ الآباءِ مُطَّرِدُ
وَفي أَواسيهِ أَقلامٌ مُجاهِدَةٌ / عَلى أَسِنَّتِها الإِحسانُ وَالسَدَدُ
وَفيهِ أَلوِيَةٌ عَزَّ الجِهادُ بِهِم / لَولا المَنِيَّةِ ما مالوا وَلا رَقَدوا
رَمَيتَ في وَتَدِ الذُلِّ القَديمِ بِهِ / حَتّى تَزعزَعَ مِن أَسبابِهِ الوَتَدُ
طَوى حِمايَتَهُ المُحتَلُّ وَاِنبَسَطَت / حِمايَةُ اللَهِ فَاِستَذرى بِها البَلَدُ
نَم غَيرَ باكٍ عَلى ماشِدتَ مِن كَرَمٍ / ما شيدَ لِلحَقِّ فَهوَ السَرمَدُ الأَبَدُ
يا ثَروَةَ الوَطَنِ الغالي كَفى عِظَةً / لِلناسِ أَنَّكَ كَنزٌ في الثَرى بَدَدُ
لَم يُطغِكَ الحُكمُ في شَتّى مَظاهِرِهِ / وَلا اِستَخَفَّكَ لينُ العَيشِ وَالرَغَدُ
تَغدو عَلى اللَهِ وَالتاريخِ في ثِقَةٍ / تَرجو فَتُقدِمُ أَو تَخشى فَتَتَّئِدُ
نَشَأتَ في جَبهَةِ الدُنيا وَفي فَمِها / يَدورُ حَيثُ تَدورُ المَجدُ وَالحَسَدُ
لِكُلِّ يَومٍ غَدٌ يَمضي بِرَوعَتِهِ / وَما لِيَومِكَ يا خَيرَ اللِداتِ غَدُ
رَمَتكَ في قَنَواتِ القَلبِ فَاِنصَدَعَت / مَنِيَّةٌ ما لَها قَلبٌ وَلا كَبِدُ
لَمّا أَناخَت عَلى تامورِكَ اِنفَجَرَت / أَزكى مِنَ الوَردِ أَو مِن مائِهِ الوُرُدُ
ما كُلُّ قَلبٍ غَدا أَو راحَ في دَمِهِ / فيهِ الصَديقُ وَفيهِ الأَهلُ وَالوَلَدُ
وَلَم تُطاوِلكَ خَوفاً أَن يُناضِلَها / مِنكَ الدَهاءُ وَرَأيٌ مُنقِذٌ نَجِدُ
فَهَل رَثى المَوتُ لِلبِرِّ الذَبيحِ وَهَل / شَجاهُ ذاكَ الحَنانُ الساكِنُ الهَمِدُ
هَيهاتَ لَو وُجِدَت لِلمَوتِ عاطِفَةُ / لَم يَبكِ مِن آدَمٍ أَحبابَهُ أَحَدُ
مَشَت تَذودُ المَنايا عَن وَديعَتِها / مَدينَةُ النورِ فَاِرتَدَّت بِها رَمَدُ
لَو يُدفَعُ المَوتُ رَدَّت عَنكَ عادِيَهُ / لِلعِلمِ حَولَكَ عَينٌ لَم تَنَم وَيَدُ
أَبا عَزيزٍ سَلامُ اللَهِ لا رُسُلٌ / إِلَيكَ تَحمِلُ تَسليمي وَلا بُرَدُ
وَنَفحَةٌ مِن قَوافي الشِعرِ كُنتَ لَها / في مَجلِسِ الراحِ وَالرَيحانِ تَحتَشِدُ
أَرسَلتُها وَبَعَثتُ الدَمعَ يَكنُفُها / كَما تَحَدَّرَ حَولَ السَوسَنِ البَرَدُ
عَطَفتُ فيكَ إِلى الماضي وَراجَعَني / وُدٌّ مِنَ الصِغَرِ المَعسولِ مُنعَقِدُ
صافٍ عَلى الدَهرِ لَم تُقفِر خَلِيَّتُهُ / وَلا تَغَيَّرَ في أَبياتِها الشُهُدُ
حَتّى لَمَحتُكَ مَرموقَ الهِلالِ عَلى / حَداثَةٍ تَعِدُ الأَوطانَ ما تَعِدُ
وَالشِعرُ دَمعٌ وَوِجدانٌ وَعاطِفَةٌ / يا لَيتَ شِعرِيَ هَل قُلتُ الَّذي أَجِدُ
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي / نادَيتُ لَيلى فَقومي في الدُجى نادي
وَأَرسِلي الشَجوَ أَسجاعاً مُفَصَّلَةٌ / أَو رَدِّدي مِن وَراءِ الأَيكِ إِنشادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَنٍ / وَلا الصَبابَةَ فَالدَمعانِ مِن وادِ
تَذَكَّري هَل تَلاقَينا عَلى ظَمَإٍ / وَكَيفَ بَلَّ الصَدى ذو الغُلَّةِ الصادي
وَأَنتِ في مَجلِسِ الرَيحانِ لاهِيَةٌ / ما سِرتِ مِن سامِرٍ إِلا إِلى نادي
تَذَكَّري قُبلَةً في الشَعرِ حائِرَةً / أَضَلَّها فَمَشَت في فَرقِكِ الهادي
وَقُبلَةً فَوقَ خَدٍّ ناعِمٍ عَطِرٍ / أَبهى مِنَ الوَردِ في ظِلِّ النَدى الغادي
تَذَكَّري مَنظَرَ الوادي وَمَجلِسَنا / عَلى الغَديرِ كَعُصفورَينِ في الوادي
وَالغُصنُ يَحنو عَلَينا رِقَّةً وَجَوىً / وَالماءُ في قَدَمَينا رائِحٌ غادِ
تَذَكَّري نَغَماتٍ هَهُنا وَهُنا / مِن لَحنِ شادِيَةٍ في الدَوحِ أَو شادي
تَذَكَّري مَوعِداً جادَ الزَمانُ بِهِ / هَل طِرتُ شَوقاً وَهَل سابَقتُ ميعادي
فَنلتُ ما نلتُ مِن سُؤلٍ وَمِن أَمَلِ / وَرُحتُ لَم أَحصِ أَفراحي وَأَعيادي
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي / يا دهر ما أنت إلا جائر عادي
لم يكفك الرزء في ملكي وفي وطني / وفي شبابي وفي صفوي وأعيادي
فرحت تبعد أحبابي وتقذف بي / مع المخاوف من واد إلى واد
حتى مررت على الأيدي يدٍ فيدٍ / وطال في عالم الأهوال تردادي
فمن شقىّ إلى لص إلى نفق / إلا ظلام بروعى رائح غاد
إلى قفار إلى سهل إلى جبل / إلى غلام من الفجار مصطاد
أروح في أسر سلطان الهوى وأجى / ولا أبي لي ولا سلطانه فادي
شكوت لله من نسلي وكثرته
شكوت لله من نسلي وكثرته / وقلت في ذاك والتوحيد معتقدي
لا تنقضى سنة إلاّ ولى ولد / وأنت يا ربّ من ألفين لم تلد
ولو وهبتَ لعيسى منك ألف أخ / ما ضقت ذرعا ولا ضاقوا إلى الأبد
ولا ووجهك لم أكره تعدّدهم / فأغنهم ثم هبهم لي بلا عدد
قالوا الخليفة في فاس أحق بها
قالوا الخليفة في فاس أحق بها / من فرع عثمان فرع الفضل والجود
فقلت إن صدقت دعواكمو التمسوا / خليفة الله بين الناى والعود
سر الخلافة ما قد بات صاحبه / ما بين مرسى وشلهوب ومحمود
يا مرخيا لهوى النفس العنان أفق / واشفق على رمق باق به تودى
هلا نهاك اتفاق الدولتين غدا / عن اتفاق مع القينات والغيد
دهر مصائبه عندي بلا عدد
دهر مصائبه عندي بلا عدد / لم يجن أمثالها قبلي على أحد
عمٌّ يخون وأم لا وفاء لها / أمّ ولكن بلا قلب ولا كبد
جنت علىّ هموم العيش قاطبة / وقبلها ما جنت أمّ على ولد
لما مددت يدى بالشر منتقما / منها نهاني أبي عن أن أمدّ دي
رحماك رحماك يا ذاك الخيال ويا / أمّاه رفقا ويا عادي الهوى أتئد
أنا الشقىّ المعنّى المبتلَى أبدا / وقفت أمس ويومي للأسى وغدي
أمشي وراء خيال لا يفارقني / كأنه نكدي في العيش أو كمدي
وأهجر الوجد للثارات أطلبها / ومثل وجدي قلوب الناس لم تجد
هويت والنفس لا تسلو ضغائنها / فضعت بين الهوى والحقد بالرشد
إن ضقت يا دارنا الدنيا بنا أملا / في دارِنا الخلد آمال بلا عدد
صباىَ ودِّع شبابيَ سِر حِماميَ حِن / دنياىَ زولى خيالَ الشقوة ابتعد
بي مثل ما بك يا قمرية الوادى
بي مثل ما بك يا قمرية الوادى / ناديت ليلى فقومي في الدجى نادي
وأرسلي الشجو أسجاعا مفصلة / أو ردّدي من وراء الأيك إنشادي
تلفت الروض لما صحت هاتفة / كما تلفتت الركبان بالحادي
كم هاج مبكاك من مجروح أفئدة / تحت الظلامِ ومن مقروح أكباد
لا تكتمي الوجد فالجرحان من شجن / ولا الصبابةَ فالدمعان من واد
يا حلوة الوعد ما نسّاك ميعادي / عزُّ الهوى أم كلام الشامت العادي
كيف انخدعت بحسادي وما نقلوا / أنت التي خلقت عيناك حسادي
طرفي وطرفك كانا في الهوى سببا / عند اللقاء ولكن طرفك البادي
تذكرى هل تلاقينا على ظمأ / وكيل بَّل الصدى ذو الغُلة الصادي
وأنت في مجلس الريحان لاهية / ما سِرت من سامر إلا إلى نادي
تذكري منظر الوادي ومجلسنا / على الغدير كعصفورين في الوادي
والغصن يحلو علينا رقة وجوى / والماء في قدمينا رايح غاد
تذكري نغمات ههنا وهنا / من لحن شادية في الدوح أو شادي
تذكرى قبلة في الشعر حائرة / أضلها فمشت في فرقك الهادي
وقبلة فوق خد ناعم عطِر / أبهى من الورد في ظل الندى الغادي
تذكري قبلة من فيك أجعلها / من اللقاء إلى أمثاله زَادي
تذكري موعدا جاد الزمان به / هل طرتُ شوقا وهل سابقت ميعادي
فنلتُ ما نلت من سؤل ومن أمل / ورحت لم أحص أفراحي وأعيادي