مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي
مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي / كي أستريح بموتي من تباريحي
مَهزولةَ الجسم من فقر ومن نَكَد / مصفَرّة الوجه من همّ وتتريح
باتت بغير عشاءٍ وهي طاوية / وأصبح وهي غَرثَى دون تصبيح
ضَنْكُ المعيشة أضوى جسمها فبدت / شروى خيال بطرق العين ملموح
وأذبلَتْها هموم النفس ناصبةً / فصَوَّحت وجنتيها أيَ تصويح
وَيْلُمِّها عيشةً نكداءَ يابسةً / لم تُبق من جسمها غير الألاويح
في طرفها نظر وانٍ تُرَده / لَمْحَ المريض إذا ما جاد بالروح
تَلَفّعت بدَريس منن تخرُّقه / تخال طُرَّتَه بعضَ التقازيح
فكم ترى العين خرقاً غير مرتقع / في جانبيه وفتقاً غير مَنصوح
تمشي انخزالاً بعبء الفقر مُثقَلَةً / كظالع في الطريق الوَعْر مَكسوح
خارت قواها فمارت في تخزّلها / يكاد يُسقِطها هبّ من الريح
لما دَنوت إليها كي أسائلها / والقلب في خَطَران كالأراجيح
تأوّهت آهة حمراء داميةً / تشفّ عن كبِد بالهمَ مَجروح
وأجهشت ثم أرخت من محاجرها / عِنان دمع على الخدَّين منضوح
وأعرضت وهي لم تنبِس سوى نظر / يُغني الألِبّاءَ عن نطق وتصريح
فرُحت من عجبي منها ومن جزَعي / أبكي لها بين ترجيع وتسبيح
من ليس يُبْكيه من أبناء جِلدته / فكاؤهم فهو من جنس التماسيح
ولا يقوم بعبء المجد مُضطَلِعاً / من لا يقوم إلى إِنهاض مَفدوح
وما السعادة في الدنيا بحاصلة / إلا بإسعاد أطلاح مَرازيح
إن المروءة شيءٌ لا تنَاوشُهُ / إلا سواعد أجواد مساميح
أرى كنوز المعالي مالأقْفُلِها / غير السماح لعمري من مفاتيح
والعيش غَيْهَب آمال وليس لنا / سوى التعاون فيه من مصابيح
قامت قيامة أهل الغرب فانبعثت / هزاهزٌ بينهم عمّت بني نوح
واستفحلت فتنة عمياء جائحة / تَمخّضت عن دم في الأرض مسفوح
وقامت الحرب بالَلأْواء شاملةً / كل البسيطة حتى الأبحرِ الفِيح
والأرض قد أصبحت من مكر ساكنها / محَمَّرةَ اللُوح أو مغبرًّةَ السُوح
ضاقت على الناس وانسدّت مسالكها / فعاد كل طريق غير مفتوح
والحرب أغنت أناساً غنيةً عَجَباً / وآخرين رمتهم بالمجاليح
ومعشراً أسكنَتْهم في الذُرا غُرَفاً / ومعشراً بطن ملحود ومضروح
أما التي أوجَعت قلبي بمنظرها / وأوْهنَتْه بتبضيع وتقريح
فغادة عضّت الحرب الضروس بها / عضاً بنابٍ حديدٍ غير مرضوح
أمست تكابد من فقر ألَمّ بها / آلام عيش بشيع الطعم مذروح
ترنو إلى الناس بالشكوى فتحسبها / ظمآن يشكو لآلٍ حُرقة اللُوح