أَهلاً بِبَدرِ دُجىً يَسعى بِشَمسِ ضُحىً
أَهلاً بِبَدرِ دُجىً يَسعى بِشَمسِ ضُحىً / بِنَورِهِ صِبغَةَ اللَيلِ البَهيمِ مَحا
حَيّا بِها وَالدُجى مُرخٍ غَدائِرَهُ / فَخِلتُ أَنَّ جَبينَ الصُبحِ قَد وَضَحا
راحاً إِذا مَلَأَ الساقي بِها قَدَحاً / ظَنَنتَ جُذوَةَ نارٍ في الدُجى قَدَحا
لَم يُبقِ طولُ المَدى إِلّا حُشاشَتَها / عَنَّت لَنا فَتَراءَت بَينَنا شَبَحا
يَسعى بِها ثَمِلُ الأَعطافِ يُرجِعُها / سَكرَى بِأَلفاظِهِ إِن جَدَّ أَو مَزَحا
يَجلو لَنا وَجهُهُ في اللَيلِ مُغتَبِقاً / بِها فَيُحسَبُ بِالآلاءِ مُصطَبِحَا
نادَمتُهُ وَجَناحُ النِسرِ مُنقَبِضٌ / عَنِ المَطارِ وَجِنحُ اللَيلِ قَد جَنَحا
حَتّى اِنثَنى وَالكَرى يَهوي بِجانِبِهِ / إِلى الوِسادِ فَإِن طارَحتَهُ اِنطَرَحا
وَظَلَّ مِن فَرطِ جِرمِ الكَأسِ مُنقَبِضاً / عَنِ المَطارِ وَجِنحُ اللَيلِ قَد جَنَحا
يَضُمُّهُ وَالكَرى يُرخي أَنامِلَهُ / فَكُلَّما أَوثَقتَهُ كَفُّهُ سَرَحا
حَتّى رَأَيتُ مِياهَ اللَيلِ غائِرَةً / في غَربِها وَغَديرَ الصُبحِ قَد طَفَحا
وَلِلشُعاعِ عَلى ذَيلِ الظَلامِ دَمٌ / كَأَنَّ طِفلَ الدُجى في حِجرِهِ ذُبِحا
وَقامَ يَهتِفُ مِن فَوقِ الجِدارِ بِنا / مُتَوَّجَ الرَأسِ بِالظَلماءِ مُتَّشِحا
كَأَنَّهُ شامَتٌ بِاللَيلِ عَن خَنَقٍ / فَكُلَّما صَدَعَ الصُبحُ الدُجى صَدَحا
نَبَّهتُهُ وَالكَرى يَثني مَعاطِفَهُ / وَنَشوَةُ الراحِ تَلوي جيدَهُ مَرَحا
فَهَبَّ لي وَحُمَيّا النَومِ تَصرَعُهُ / وَالشُكرُ يُطبِقُ مِن جَفنَيهِ ما فَتَحا
جَشَّمتُهُ وَهوَ يَثني جيدَهُ مَلَلاً / كَأساً إِذا بَسَمَت في وَجهِهِ كَلَحا
يُلقي سَناها عَلى تَقطيبِ حاجِبِهِ / أَشِعَّةً فَيُرينا قَوسَهُ قُزَحا
فَظَلَّ يَنزو وَريحَ الراحِ مُمتَعِضاً / وَيَستَشيطُ إِذا عاطَيتَهُ قَدَحا
حَتّى إِذا حَلَّتِ الكَأسُ النَشاطَ لَهُ / أَتبَعتُهُ بِثَلاثٍ تَبعَثُ الفَرَحا
وَنِلتُ مِن فَضلِها ما كانَ أَسأَرَهُ / بِقَعرِها مِن رُضابٍ نَشرُهُ نَفَحا
ريقاً لَوِ اِستاقَهُ الصاحي لَمالَ بِهِ / سُكراً وَلَو رَشَفَ السَكرانُ مِنهُ صَحا
فَقالَ لي وَغَوادي الدَمَعِ تَسبُقُني / مِنَ السُرورِ وَقَد يَبكي إِذا طَفَحا
قَد كُنتَ تَشكو فَسادَ العَيشِ مُعتَدِياً / أَنّي وَقَد طابَ بِاللَذّاتِ وَاِنفَسَحا
فَقُلتُ قَد كانَ صَرفُ الدَهرِ أَفسَدَهُ / لَكِنَّهُ بِالمَليكِ الصالِحِ اِنصَلَحا
مَلِكٌ إِذا ظَلَّ فِكرِيَ في مَدائِحِهِ / أَمسَت تُعَلِّمُنا أَوصافُهُ المِدَحا
فَضلٌ يَكادُ يُعيدُ الحُرسَ ناطَقَةً / تَتلو الثَناءَ وَلَفظٌ يُخرِسُ الفُصَحا
وَطَلعَةٌ كَجَبينِ الشَمسِ لَو لَمَعَت / يَوماً لِمُغتَبِقٍ بِالراحِ لَاِصطَبَحا
وُجودُها كَهِلالِ الفِطرِ مُلتَمَحاً / وَجودُها كَاِنهِلالِ القَطرِ مُنفَسِحا
يُخفي مَكارِمَهُ وَالجودُ يُظهِرُها / وَكَيفَ يَخفى أَريجُ المِسكِ إِذ نَفَحا
يَكادُ يَعقُمُ فِكري إِذ أُفارِقُهُ / عَنِ المَديحِ وَإِن وافَيتُهُ لَقِحا
فَما أَرَتنا اللَيالِيَ دونَهُ مِحَناً / إِلّا سَخا فَأَرَتنا كَفُّهُ مِنَحا
ثَبتُ الجَنانِ مَريرُ الرَأيِ صائِبُهُ / إِذا تَقاعَسَ صَرفُ الدَهرِ أَو جَمَحا
لا يَستَشيرُ سِوى نَفسٍ مُؤَيَّدَةٍ / مَن أَخطَأَ الرَأيَ لا يَستَذنِبُ النُصَحا
وَلا يُقَلِّدُ إِلّا ما تَقَلَّدَهُ / مِن حَدِّ عَضبٍ إِذا شاوَرتَهُ نَصَحا
وَلا يُذيلُ عَليهِ غَيرَ سابِغَةٍ / كَأَنَّما البَرقُ مِن ضَحضاحِها لُمِحا
مَسرودَةٍ مِثلِ جِلدِ الصِلِّ لَو نُصِبَت / قامَت وَلو صُبَّ فيها الماءُ ما نَضَحا
غَصَّت عُيونُ الرَدى وَالسَوءُ عَن مَلِكٍ / طَرفُ الزَمانِ إِلى عَليائِهِ طَمَحا
ما ضَرَّ مَن ظَلَّ في أَفناءِ مَنزِلِهِ / إِن أَغلَقَ الدَهرُ بابَ الرِزقِ أَو فَتَحا
يَوَدُّ باغي النَدى لَو نالَ بُلغَتَهُ / حَتّى إِذا حَلَّ في أَفنائِهِ اِقتَرَحا
لَمّا رَأى المالَ لا تَلوي عَلَيهِ يَدي / أَولانِيَ الوُدَّ إِذ أَولَيتُهُ المِدَحا
يا أَيُّها المَلِكُ المَحسودُ آمِلُهُ / وَالمُجتَدى جودُ عافيهِ لِما مُنِحا
لَوِ اِدَّعَت جودَكَ الأَفواهُ لَاِتُّهِمَت / وَلَو تَعاطاهُ لُجُّ البَحرِ لَاِفتَضَحا
حُزتَ العُلى فَدَعاكَ الناسُ سَيِّدَهُمُ / وَالكَأسُ لَولا الحُمَيّا سُمِّيَت قَدَحا
في وَصفِنا لَكَ بِالإِنعامِ سَوءُ ثَناً / وَالغَيثُ يُنقِصُهُ إِن قيلَ قَد سَمَحا
يا باذِلاً مِن كُنوزِ المالِ ما ذَخَروا / وَقابِضاً مِن صُيودِ الشُكرِ ما سَنَحا
وَمُلبِسي النَعَمَ اللاتي يُباعِدُني / عَنها الحَياءُ فَلا أَنفَكُّ مُنتَزِحا
لَئِن خَصَصتُكَ في عيدٍ بِتَهنِئَةٍ / فَما أَجَدتُ وَلا عُذري بِهِ وَضَحا
العيدُ نَذكُرُهُ في العامِ واحِدَةً / وَجودُ كَفِّكَ عيدٌ قَطَّ ما بَرِحا
لَكِن أُهِنّي بِكَ الدينَ الحَنيفَ فَقَد / أَتَيتَ لِلدينِ مَخلوقاً كَما اِقتَرَحا
فَاِسلَم فَما ضَرَّني ما دامَ جودُكَ لي / سِواكَ إِن مَنَعَ الإِحسانَ أَو مَنَحا