المجموع : 3
أَما تَرى الأَيكَ قَد غَنَّت صوادحُهُ
أَما تَرى الأَيكَ قَد غَنَّت صوادحُهُ / وَالرَوضَ نَمَّت بريّاه نَوافحُهُ
فاِنهض إلى وَردَةٍ حُفَّت بنرجسةٍ / حَبابُها زَهَرٌ طابَت روائحُهُ
حَمراءَ يسطعُ في الظَلماءِ ساطعها / كأَنَّها شَرَرٌ أَوراهُ قادحُهُ
إِذا اِحتَساها أخو سِرّ بجُنحِ دُجىً / يَكادُ يظهرُ ما تُخفي جوانحُهُ
مِن كَفِّ أَغيدَ ما لِلبَدر طلعتُه / ولا لِشَمسِ الضُحى منه مَلامحُهُ
مورَّدُ الخَدِّ لَدنُ القدِّ ذو هَيفٍ / خَفيفُ روحٍ ثَقيلُ الرِدفِ راجحُهُ
بَدرٌ ولكنَّما قَلبي مطالعُه / ظَبيٌ ولكنَّ أَحشائي مسارحُهُ
لَم تبدُ رقَّةُ كشحَيه لناظرِه / إلّا ورقَّ له بالرَغم كاشحُهُ
إذا تَجَلَّت بِشَمسِ الراح راحتهُ / ودَّت نُجومُ الدَياجي لو تُصافحُهُ
يفترُّ ثَغرُ حَبابِ الكأسِ في يَدِه / كأَنَّها حين يَجلوها تُمازِحُهُ
ما اِهتزَّ من طَرَبٍ إلّا شَدا طَرَباً / من الحُليِّ على عِطفيه صادِحُهُ
قاسوه بالبَدرِ في ظَلماء طُرَّته / وَالفَرقُ يَظهَرُ مِثلَ الصبح واضحهُ
ما كانَ أَغنى النَدامى عَن مُدامَتهِ / لَو أَنَّه سامحٌ بالثَغر مانِحُهُ
لا يَمنع الصبَّ وَعداً حين يسأَلُه / لكنَّه ربَّما عزَّت منائحُهُ
قد كانَ يُقنعُه طَيفٌ يُلِمُّ بِهِ / لو أَنَّه بالكرى لَيلاً يسامحُهُ
كَم رامَ يكتمُ ما يَلقاهُ من كَمَدٍ / في حبِّه غير أَنَّ الدَمعَ فاضِحُهُ
يا ناصحَ الصَبِّ فيه لا تقل سَفهاً / تاللَه ما برَّ فيما قالَ ناصحُهُ
ما زِلتُ أُحسِنُ شِعري في مَحاسِنهِ / وواصفُ الحُسن لا تَكبو قَرائحهُ
لا يَحسُنُ الشِعرُ إِلّا من تغزُّله / فيه وَفي المُصطَفى الهادي مدائحهُ
هُوَ الحَبيبُ الَّذي راقَت خلائقُه / ورَبُّه بعظيم الخُلق مادحُهُ
إِن ضَلَّ مَن أَمَّ لَيلاً سوحَ حضرته / هداه من نَشره الذاكي فوائحُهُ
هُوَ الكَريمُ الَّذي ما زالَ نائلُه / تَتلو غواديَه فينا روائحُهُ
محمَّدٌ خَيرُ محمودٍ وأَحمَدُ من / وافَت بأسعدِ إِقبالٍ سوانحُهُ
أَتى بِفُرقانِ حقٍّ في نبوَّتِه / ضاهَت خواتِمَهُ الحُسنى فواتحهُ
من اِقتفاهُ أَغاثَتهُ صحائفُه / وَمَن أَباهُ أَبادَته صفايحُهُ
وَلَيسَ بابُ هُدىً تُرجى النَجاةُ بِهِ / يوم القيامة إِلّا وهو فاتحُهُ
الموسعُ الجود إِن ضاقَت مذاهبُهُ / وَالفاتحُ الخير إِن أَعيَت مفاتحُهُ
ما زالَ مجتهداً في نُصح أمَّتهِ / حتّى هَدَتهم إلى الحُسنى نصائحُهُ
بصدقِه شهدَت أَنوارُ غرَّته / وَالحَقُّ أَبلجُ لا تَخفى لوائحُهُ
لَم يبرحِ العَدلُ بالعدوان ملتبساً / حتّى أَتى وهو بالفُرقان شارحُهُ
فأَصبحَ الحَقُّ قد دَرَّت غَزائرُهُ / وأَنتجَت بالهُدى فينا لواقحُهُ
وَأَصلحَ الدينَ والدُنيا بملَّتهِ / وأَقبلت في الوَرى تَترى مصالحُهُ
قَد فازَ منه مواليهِ بمُنيتِهِ / وطوَّحت بمُعاديه طوائحُهُ
ما مَسَّ مُجدِبَ وادٍ نعلُ أَخمصِه / إِلّا وسالَت بما تَهوى أَباطحُهُ
لَو فاخَرَ البَحرَ جَدوى راحَتيه غدا / قَفراً وغاضَت على غيظٍ طوافحُهُ
ولَو أمِدَّ غَمامٌ يَومَ نائله / من فيض كفَّيه ما كفَّت سوافحُهُ
وَكَم لَه من جَميلٍ دُرُّ مُجمَلِهِ / زانَت ترائبَ أَقوالي وشائحُهُ
لا يَبلغ الواصفُ المُطري مناقبهُ / وَكَيفَ يَبلغُ أَقصى البحر سابحُهُ
يا سيَّدَ الخَلقِ ما لِلعَبد غيركَ من / يَرجوهُ غوثاً إِذا ضاقَت منادِحُهُ
فأَنتَ أَنتَ المرجّى إِن عرَت نُوَبٌ / وَبَلبَلَ البالَ من دَهرٍ فوادحُهُ
فاِسمع لدَعوةِ مُضطرٍّ به ضَرَرٌ / يَدعوكَ وهو بَعيدُ الإِلفِ نازِحُهُ
قد غادرَته النوى رهنَ الخُطوب ولَم / يزل يُماسيه منها ما يُصابِحُهُ
أَضحى غَريباً بأَرض الهِند لَيسَ له / سوى تفكُّره خِلٌّ يطارحُهُ
لَعَلَّ رُحماكَ من بَلواهُ تُنقذُه / وَيُصبح البينُ قد بانَت بوارحُهُ
فاِشفَع فدَيتُكَ في عَبدٍ تكاءَدَهُ / من الحوادِثِ ما أَعياهُ جامِحُهُ
يَرجو شفاعَتَكَ العُظمى إذا شَهِدت / بما جَناه على عَمدٍ جوارحُهُ
وَسل إِلهكَ يَعفو عَن جَرائمِهِ / قبلَ السؤالَ فَلا تَبدو قبائحُهُ
أَنتَ الشَهيدُ عَلَينا وَالشَفيعُ لنا / فمن شفعتَ له تُستر فضائحُهُ
وَلي مطالِبُ شَتّى أَنتَ مُنجحُها / فَضلاً إِذا أَعيت الراجي مناجِحُهُ
عَلَيكَ من صَلواتِ اللَه أَشرَفها / ومن تحيَّاته ما طابَ فائحُهُ
والآلِ والصَحب ما غَنَّت مطوَّقَةٌ / ولاحَ من بارق الجَرعاء لائحُهُ
وافى إليكَ بكأسِ الرّاحِ يَرتاحُ
وافى إليكَ بكأسِ الرّاحِ يَرتاحُ / كأَنَّه في ظَلام اللَّيل مصباحُ
ساقٍ لعشَّاقِه من جُنح طُرَّته / وضوءِ غرَّته لَيلٌ وإِصباحُ
لَم تَدرِ حين يُدير الراحَ مُبتَسِماً / من ثغره العَذب أَم من كأَسِه الراحُ
أَمسى النَدامى نَشاوى من لَواحِظه / كأَنَّ أَحداقَه للخَمر أَقداحُ
إِن راحَ يَرتاحُ من ماءِ الشَباب فَلي / قَلبٌ عليه بنارِ الوَجدِ يَلتاحُ
أَما تَرى عاشِقيه من هُيامِهمُ / غدوا عليه بوجدٍ مثل ما راحوا
طَووا على سِرِّ شكواهُ ضمائرَهم / وَلَو أَباحَ لهم شَكواهُ ما باحوا
أَمّا الصَبوحُ فقد لاحَت لوائحُهُ / رقَّ الظَلامُ وَجَيبُ الأفق مُنصاحُ
وَفاحَ عَرفُ الصبا عند الصَباح شذاً / كأَنَّهُ بأَريج المِسكِ نضَّاحُ
وَصاحَ بالقوم شادٍ هاجَه طَرَبٌ / وَبُلبل في فروع الدَوح صيّاحُ
فاِمسَح من النَوم جَفناً زانَه كحَلٌ / وحمّل الكفَّ كأَساً زانَه راحُ
وأَحي بالراح أَشباحاً معطَّلةً / فإنَّما هي للأَشباح أَرواحُ
أَما تَرى العودَ قد رَنَّت مثالِثُه / له بألسِنة الأوتار إِفصاحُ
تَشدو بِهِ قينةٌ غَرّاءُ آنسةٌ / كأَنَّ مِضرَبَها للأُنس مفتاحُ
يَرتاحُ في حِجرها من صَوتها طَرَباً / كأَنَّه غُصُنٌ في الرَوض مرتاحُ
وَالصبح قد لاحَ تَجلو اللَيلَ طلعتهُ / كأَنَّما اللَيلُ وَعدٌ وهو إِنجاحُ
وَساحَ يَملأ آفاقَ السَماءِ سَنىً / وغصَّ للأَرض من أَضوائِهِ ساحُ
وَالرَوضُ قد نَفحت رَيّا نوافحهِ / وَهبَّ منها على الأَرواح أَرواحُ
قم فاِسقنيها على ورد الخُدودِ فقد / زها وَفاحَ بها وَردٌ وتُفّاحُ
لا يُلهينَّك حزنٌ بانَ عن فَرحٍ / فإنَّما الدَهرُ أَفراح وأَتراحُ
سَقياً لعصرٍ مَضى بالسَفح من إِضم / إِذِ الزَمانُ بما أَهواه سَمّاحُ
وإِذ دواعي الهوى للَّهوِ داعيةٌ / وَالقَلبُ في راحَةٍ وَالعَيشُ رَحراحُ
وَالنَفسُ من غير شُغل الحبِّ فارغَةٌ / والأنسُ تُملأ من راحاتِه الراحُ
أَيّامَ لا مَشربي مرٌّ مذاقته / كلّا وَلا وردُه المَعسولُ ضَحضاحُ
لا تعجبنَّ لجَفني إِذ بكاهُ دماً / فإنَّه من قَليب القَلبِ يَمتاحُ
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح / وَالصُبحُ قد كادَ للأَبصار يتَّضحُ
وَالبَدرُ يرفلُ في ظلمائِهِ مَرحاً / وضرَّةُ البَدر عِندي زانَها المرحُ
مهفهفٌ تَستَخِفُّ الراحُ راحتَهُ / وَيُثقلُ السُكرَ عِطفيه فيَرتَنِحُ
بدا يَطوفُ بها حَمراءَ ساطعةً / في جَبهَة اللَيل من لألائِها وضَحُ
فاِطرح زنادَك لا تستَورِه قَبَساً / لا يقدحِ الزندَ من في كفِّه القَدَحُ
وافى بها أُسرةً في المجد راسيةً / لا يستفزُّهم حُزنٌ ولا فرحُ
لهم من الراحِ في الأَفراح مُغتَبَقٌ / ومن دماء العِدى في البأس مُصطَبحُ
هُمُ سِمامُ العِدى إِن غارَةٌ عَرضت / وَهم غَمام النَدى والفَضل إِن سَمحوا
تُخفي وجوهُهمُ الأَقمارَ إِن سَفَروا / وَتُخجِلُ السحبَ أَيديهم إِذا مَنَحوا
مالوا إِلى فُرص اللَذّات من أُمَمٍ / ولم يَميلوا عن العَليا ولا جَنَحوا
وَباتَ يمنحُني من دَنِّه مِنحاً / كانَت أَمانيَّ نَفسي وَالهَوى مِنحُ
وَذاتِ حُسنٍ إذا مِيطت بَراقعُها / فالشَمسُ داهِشَةٌ وَالبَدرُ مُفتَضِحُ
عاتَبتُها بعدما مالَ الحَديثُ بها / عَتباً يمازجُه من دَلِّها مُلَحُ
فأَعرضت ثمّ لانَت بعد قَسوتِها / حتّى إِذا لَم يَكُن للوَصلِ مُطَّرَحُ
أَغضَت وأَرضَت بما أَهوى وعفَّتُنا / تأبى لنا مأثماً في الحُبِّ يُجتَرَحُ
فَلَم نَزل لابِسي ثَوب العَفاف إِلى / أَن كادَ يظهرُ في فرع الدُجى جَلحُ
قامَت وقُمتُ وفي أَثوابنا أَرَجٌ / من الوِصالِ وفي أَكبادِنا قُرحُ
ما أَصعَبَ الحبَّ من خَطبٍ وأَبرَحَه / بذي العَفاف وإِن أخفى الَّذي يَضحُ