هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه
هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه / واِخضَع هنالكَ تعظيماً لحُرمتِهِ
وإن وصلتَ إلى حيٍّ بأيمنهِ / بعد البُلوغِ فبالِغْ في تحيّتِهِ
وحُلَّ بالحِلّ واِكحَل بالثّرى بصَراً / وقبّل الأرضَ واِسجُدْ نحو قِبلَتِهِ
واِطمَع بما فوقَ إكليلِ النّجومِ ولا / ترجو الوصولَ إلى ما في أكلّتِهِ
واحذَرْ أُسودَ الشّرى إن كُنتَ مقتنِصاً / فإنّ حُمرَ ظُباها دون ظَبيتِه
للّهِ حيٌّ إذا أوتادُه ضُرِبَتْ / يودُّها الصّبُّ لو كانت بمُهجتِهِ
بجِزعِه كم قضتْ من مهجةٍ جزَعاً / وكم هوَتْ كبِدٌ حرّى بحرَّتِهِ
لم يُمكِنِ المرءَ حِفظاً للفؤادِ به / يوماً ولو كان مَقبوضاً بعَشْرَتِهِ
ما شِئتَ فيه اِقترِح إلّا الأمانَ على / قَرحى القلوبِ وإلّا وصلَ نِسوَتِهِ
ربُّ الحسامِ وذاتُ الجَفنِ فيه سوىً / كلٌّ غدا الحتفُ مقروناً بضربتِهِ
لن تُخفيَ الحُجبُ أنوارَ الجمالِ به / فربّةُ السّجْفِ فيه كاِبنِ مُزنتِهِ
قد أنشأ الغُنجَ شيطانُ الغرامِ به / فقامَ يدعو إلى شيطانِ فِتنتهِ
والحُسنُ فيه لسلطان الهوى أخذتْ / يَداهُ في كلّ قلبٍ عقْدَ بَيعتِهِ
أقمارُه لحديدِ الهِندِ حاملةٌ / تحمي شُموسَ العَذارَى في أهلّتهِ
اللّهَ يا أهلَ هذا الحيّ في دنفٍ / يُجيبُ رجعَ أغانيكُم برنّتِهِ
ضيفٌ ألمّ كإلمامِ الخيالِ بكُم / إليكُمُ حملَتْهُ ريحُ زفرَتِهِ
صبٌّ غريقُ الهوى في لُجِّ مدمَعِه / فأينَ نوحُ رضاكُم من سفينتِهِ
اللّهَ في نفس مصدورٍ بكم خرجَتْ / أمشاجُها كلَفاً فيكم بنفثتِهِ
فحبَّكم لتُحبّوهُ فهام وما / يدري محبّتَهُ تصحيف محنتهِ
صُنتم صِغارَ اللآلي من مباسِمكُم / عنه وغِرتُم على ياقوتِ عَبرتِهِ
فكم أسيرِ رُقادٍ عنه رِقَّكُمُ / فادى جُفونَكمُ المرضى بصحّتهِ
يا حاكِمي الجور فينا من معاطِفِكم / تعلّموا العدلَ واِنحوا نحو سُنّتهِ
قلبي لدى بعضِكم رهنٌ وبعضُكُمُ / هذا دمي صارَ مطلولاً بوجنَتِهِ
وذا اِبنُ عينيَّ خالٌ في مورّدِه / وذاك نومِيَ مسروقٌ بمُقلتِهِ
أفدي بكم كلَّ مخصورٍ ذُؤابتُه / تتلو لنا ذِكرَ فِرعونٍ وفِرقتِهِ
كأنّما الخِضرَ فيما نال شارَكه / ففي المراشِفِ منه طعمُ جُرعَتِهِ
أُعيذُ نفسي بكم من سحرِ أعيُنكُم / فإنّ أصلَ بلائي من بليّتِهِ
في كلِّ نوعٍ مُرادٍ من محاسِنكُم / نوعٌ من الموتِ يأتينا بصورتِهِ
يكادُ قلبي إذا مرّ النّسيمُ بكُم / عليهِ في النارِ يَحمى من حميّتهِ
يا حبّذا غُرُّ أيّامٍ بنا سلَفَتْ / على منىً ولَيالينا بحمرَتِهِ
أوقاتُ أُنسٍ كسَتْ وجهَ الزّمانِ سنىً / كأنّما هُنّ أقمارٌ بظُلمتِهِ
كم نشّقتنا رَياحينَ الوِصالِ به / يدُ الرِّضا وسقَتْنا كأسَ بهجَتِهِ
كأنّ لُطفَ صَباها في أصائِلِها / لُطفُ الوزيرِ حُسينٍ في رعيّتهِ
فُزْنا بها وأمِنّا كلَّ حادثةٍ / كأنّما نحنُ في أيّامِ دولتِهِ
مضَتْ وللآنَ عِندي ليس يفضُلُها / شيءٌ من الدّهر إلّا يومُ نُصرتِهِ
يومٌ به أعيُنُ الأعداءِ باكيةٌ / والسّيفُ يبسِمُ مخضوباً بعزّتِهِ
والحتفُ يترعُ كاساتِ النّجيعِ به / والرُمْحُ يهتزّ نَشواناً بخَمرِتهِ
والذّنبُ أصبحَ مَسروراً ومُبتَهِجاً / واللّيثُ يندُبُ مفجوعاً بإخوَتِهِ
لقد رَماها بموّارٍ ذوابلُهُ / مثل الصِّلالِ تسقّتْ سُمَّ عزمَتِهِ
جيشٌ إذا سار يكسو الجوَّ عِثْيَرُه / فتَعثُرُ الشّمسُ في أذيال هَبوَتِهِ
دُروعُه الحزمُ من تسديد سيّده / وبيضُ راياتِه آراءُ حِكمَتِهِ
إذا الجبالُ له في غارةٍ عرَضَتْ / إلى الرّحيلِ تنادَتْ عوفَ وطأتِهِ
ترى به كلَّ مِقدامٍ بكلِّ وغىً / يرى حُصولَ الأماني في منيّتِهِ
شهمٌ إذا ما غديرُ الدِّرعِ جلّلَهُ / منهُ توهّمتَ ثُعباناً بحِليتِهِ
وإنْ تأبّطْتَ سيفاً خِلتَهُ قدَراً / يجري وتجري المنايا تحت قُدرتِهِ
فأصبحَ الحيُّ منها حين صبّحَها / يذري الدُموعَ على الصّرعى بعرْصَتِهِ
قد توّجَ الضّربَ بالهاماتِ مَعقِلُهُ / وورّدَ الطّعْنُ منه خدَّ تُربتِهِ
لم يدْرِ يفرحُ في فتحِ الحُسينِ له / إذ حازَهُ أم يعزّى في أعزَّتِهِ
فتحٌ أتاهُ وكان الصومُ ملبسَهُ / فهزّ عِطفَيْهِ في ديباجِ خِلعَتِهِ
أشابَ فودَيْهِ بالأهوالِ أوّلُه / وعاد أوّلُ يومٍ من شَبيبتِهِ
فتحٌ تراه المعالي نورَ أعيُنها / ويكتسي المجدَ فيه يومُ زينتهِ
إذا الرّواةُ أتوا في ذِكره سطَعَتْ / مجامرُ النّدِّ من ألفاظِ قصّتِهِ
سلِ الهُفوفَ عن الأعرابِ كم ترَكوا / منَ الكُنوزِ وجنّاتٍ ببقعَتِهِ
وسائِلِ الجيشَ عنهُم كم بهِم نسفَتْ / عواصِفُ النّصرِ طوقاً عندَ سطوَتِهِ
ما هُمْ بأوّلِ قومٍ حيَّهُم فرَدوا / فأهلكوا برُجومٍ من أسنّتِهِ
يَضيقُ رحبُ الفضا في عينِ هاربِهم / خوفاً وأضيقُ منها دِرعُ حِيلتِهِ
يا خالديّونَ خُنتُم عهدَ سيّدِكم / هلّا وفَيتُم وخِفتُم بأسَ صَولَتِهِ
يحيا دُعاكُم لمولاكُم لتقتَبِسوا / من نورِه فاِصطَلَيْتُم نارَ جَذوتِهِ
من جيشهِ أحرقَتْكُم نارُ صاعقةٍ / فكيفَ لو تنجلي أنوارُ طلعتِهِ
عارَضتموهُ بسِحرٍ من تخيّلِكُم / فكان موسى ويَحيى مثلَ حيَّتِهِ
أضلّكُم عن هُداكُم سامريُّكُمُ / حتّى اِتّخذتُم إلَهاً عِجلَ ضِلّتِهِ
كُنتُم بفوزٍ وجَنّاتٍ فأخرَجَكُم / إبليسُ منها وحُزتُم خِزيَ لَعنتِهِ
بَرّاكَ ربُّك ما برّاكَ منهُ ولا / خُصِصْتَ في برَكاتٍ من عطيّتِهِ
كفرْتَ في ربِّكَ الثاني وخُنتَ به / يَكفيكَ ما فيكَ من حِرمانِ نِعمتِهِ
يا زينةَ المُلكِ بل يا تاجَ سُوددِه / وحِليةَ الفخرِ بل يا طَرْزَ حُلّتِهِ
إن كان من فتحِ عمّوريّةٍ بقِيَتْ / ذُرّيّةٌ من بَنيه أو عَشيرتِهِ
فإنّ فتحَك هذا فذُّ توأمِه / وإنّ نصرَك هذا صِنْوُ نَخلتِهِ
لو كان يدري له في القَبرِ مُعتَصِمٌ / لَقامَ حَيا وعادَتْ رُوحُ غيرَتِهِ
فليَهْنِكَ اللّهُ في النّصرِ العزيزِ وفي ال / فتحِ المُبين وفي إدراكِ رِفعَتِهِ
وليتَ والدَكَ المرحومَ يشهدُ ما / منكَ الحُضورُ رَواهُ حالَ غَيبتِهِ
مَنْ مُبلِغٌ عنكَ هذا الفتحَ مسمَعَهُ / لكَيْ تكونَ سَواءً في مسرّتهِ
سَمعاً فديتُك مَدحاً من حليفِ ولاً / عليهِ صِدقُ وِلاءٍ من عَقيدتِهِ
مدحاً على وجنتَيْهِ ورْدَتا خجَلي / منكُم وأوضحَ عُذري فوقَ غُرّتِهِ
بوجهِه من ظُنوني في مكارِمِكُم / آثارُ حُسْنٍ وبِشْر فوقَ بَشْرَتِهِ
أحرَقْتَ بالصّدِّ عودي فاِسْتطابَ شذاً / أمَا تُشمُّ مَديحي طيبَ نفحتِهِ
هذا الّذي كان في ظرفي نضحْتُ به / فاِرشُفْ طِلا كأسِه واِلذذ بشَهْدَتِهِ
واِغفِر فِدىً لك نفسي ذنبَ مُعتَرِفٍ / بفضلكِم مُستَقيلٍ من خطيئَتِهِ
كُنْ كيفَ شِئْتَ فما لي عنكَ مُصطَبَرٌ / واِرْفُقْ بمَنْ أنت مَلزومٌ بذِمّتِهِ
لا زِلتَ يا اِبنَ عليٍّ رُكنَ بيتِ عُلاً / تهوي الوُجوهُ سُجوداً نحوَ كعْبَتِهِ