ما ضرّ طيفَكِ لو والى زياراتي
ما ضرّ طيفَكِ لو والى زياراتي / ما بَينَ تِلكَ المَحاني والثّنِيّاتِ
والرّكبُ عنّا مشاغيلٌ بأَبيَنهمْ / مِنَ الدّؤوب وإرقالِ المطيّاتِ
صَرْعى كأنّ زجاجاتٍ أُدِرْنَ لهمْ / فهمْ لعينيك أحياءٌ كأمواتِ
إنْ حرّم الصّبحُ وصلاً كان يُجذلُنا / فَهْوَ الحلالُ بتهويمِ العشيّاتِ
وَكَم أَتاني وجُنحُ اللَّيلِ حُلّتُهُ / مَن لَم يَكُن في حسابي أنَّه ياتي
وَزارَ في غيرِ ميقاتٍ وكم لُوِيَتْ / عنّا زيارتُهُ في كلِّ ميقاتِ
وَقَد رَأَيتمْ وَقد سار المطيُّ بكمْ / كَيفَ اِصطِباري على تلك المصيباتِ
وَكَم ثنيتُ لِحاظي عَن هوادِجكمْ / وَفي الهَوادِجِ أَوطاري وحاجاتي
وقلت لا وجدَ في قلبي لِلائِمِهِ / وَالقلبُ تحرقُهُ نارُ الصّباباتِ
قلْ للّذين حَدَوْا في يوم رِحلَتِهم / خُوصاً خمائِصَ أمثالَ الحنيّاتِ
مذكّراتٍ فلا سَقْبٌ لهنّ ولا / كَرِعْنَ يوماً بنشوانِ الوليداتِ
لَهُنّ والرّحلُ يَعْلَولِي مناسِجَها / إلى السَّباسِبِ شوقاً كلَّ حنّاتِ
وكمْ ولَجْنَ شديداتٍ صَبَرْنَ بها / حَتّى نَجونَ كِراماً بالحُشاشاتِ
فَإِنْ بُعِثْنَ إِلى نيلِ المُنى رُسُلاً / كفَلْنَ منك بتقريبِ البعيداتِ
مَنْ فيكُمُ مُبلغٌ عنّي الوزيرَ إذا / بَلَغْتموه سلامي والتحيّاتِ
وَمن سعود الورى ثمّ البلاد بهِ / لم يَظلموا إذ دعوه ذا السّعاداتِ
قولوا لَيتني كنتُ الرّسولَ وما / أدّى إليك سوى لفظِي رسالاتي
للّه دَرُّكَ في مُستغْلَقٍ حَرِجٍ / أسعفتَ فيه بفرحاتٍ وفُرجاتِ
وفاحمٍ مُدْلَهمٍّ لا ضياءَ بهِ / نزعتَ عنه لنا أثواب ظُلماتِ
وفي يديك رسولٌ منك تُرسلهُ / متى أردتَ إلى كلِّ المنيّاتِ
مثلَ الرِّشاءِ يُرى منه لمبصرِهِ / تغضّنُ الرُّقمِ يقطعن التّنوفاتِ
حَلفتُ بالبُدْنِ يرعين الوَجيف ولا / عَهدٌ لهنَّ بِرَيٍّ من غماماتِ
يُردنَ بيتاً به الأملاكُ ساكنةٌ / بنيّة فَضَلَتْ كلَّ البِنيّاتِ
وَالطائِفين حوالَيْهِ وقد سَدَكوا / بِه تُقاءً بمسحاتٍ ولثماتِ
وما أراقوه في وادي مِنى زُمَراً / عند الجِمارِ من الكُومِ المسنّاتِ
وأذرُعٍ كسيوفِ الهندِ ضاحيةٍ / يَقذفن في كلِّ يومٍ بالحُصيّاتِ
وَالبائتينَ بجَمْعٍ بعد أن وقفوا / على المعرَّفِ لكنْ أيَّ وَقْفاتِ
وَجاوَزوه خِفافاً بَعد أَن ذَبحوا / حتّى أَتوه بِأجرامٍ ثقيلاتِ
مَحا النضارةَ من صَفْحاتِ أوجههمْ / ذاكَ الّذي كَان محواً للجريراتِ
لأنتَ مِن دونِ هَذا الخلقِ كلِّهِمُ / أَحقّ فينا وَأَولى بالموالاةِ
قُدنِي إِلَيكَ فما يَقتادني بشرٌ / إلّا فتىً كان مأوىً للفضيلاتِ
وَاِشددْ يَديك بما ناولتَ من مِقَتِي / ومن غرامي ومن ثاوِي مودّاتي
أَنا الّذي لا أَحول الدّهرَ عن كَلَفِي / بِمن كلفتُ ولا أسلو صباباتي
لا تخشَ منّي على طول المدى زللاً / فكلُّ شيءٍ تراه غير زلّاتي
سِيّانِ عندي ولا منٌّ عليه بهِ / مَغْنى الأذى ومقرّاتُ اللّذاذاتِ
أَشكو إلى اللَّه أَشواقي إِليك وما / في القلبِ مِن حرّ لوعاتٍ ورَوْعاتِ
وَإِنّني عاطِلٌ مِن حَلي قُربِكَ أو / صِفْرُ اليدين خليٌّ من زياراتي
ولو رأيتُك دون النّاسِ كلِّهِمُ / قَضيتُ مِن هَذهِ الدّنيا لُباناتي
لا تَحسَبوا أَنّني لَم أَلقَهُ أبداً / فَإِنّنا نَتَلاقى بالمودّاتِ
وَكَمْ تَلاقٍ لِقَومٍ مِنْ قلوبهمُ / كَما أَرادوا على بُعدِ المَسافاتِ
وَالقربُ قربُ خبيئاتِ الصّدور وما / تحوي الضمائرُ لا قربُ المحلّاتِ
إِنّي الصديقُ لمن كنتَ الصديقَ له / ومن تُعادِي له منّي معاداتي
وأنتَ من معشرٍ تُروى فضائلُهمْ / سادوا على أنّهمْ أبناءُ ساداتِ
البالِغين مِنَ العَلْياءِ ما اِقتَرحوا / وَالقائِمينَ بصَعْباتِ المُلمّاتِ
وَيَشهَدونَ الوغى من فَرْطِ نَجْدَتهمْ / والرّعبُ فاشٍ بألْبابٍ خليّاتِ
كأنّ أيدِيَهُمْ في النّاس ما خُلقتْ / إِلّا لِبَذل الأيادِي والعَطِيّاتِ
مُقَدَّمين عَلى كلِّ الأنامِ عُلاً / مُحَكّمين على كلِّ القضيّاتِ
فإِنْ تَقِسْهُمْ تَجِدْهُمْ منزلاً وبناً / طالوا النّجومَ التّي فوق السّماواتِ
قد فُقْتَهُمْ بمزيّاتٍ خُصِصْتَ بها / هذا على أنّهمْ فاقوا البريّاتِ
ولم تزلْ مُنجباً فيمن نَسَلْتَ كما / أخَذتها لك من أيدِي النجيباتِ
وكنتَ فضلاً وديناً يُستضاءُ بهِ / خلطتَ للمجدِ أبياتاً بأبياتِ
إنّ الرَّئيس الّذي راسَ الأنام بما / حواه من فضلهِ قبل الرّياساتِ
فَإِن تَجمّل قومٌ في وزارتهمْ / فَاِجَّمَّلتْ فيك أدراعُ الوزاراتِ
جاءتكَ عفواً ولم تبعثْ لها سبباً / ولا بسطتَ إليها قبضَ راحاتِ
وقد أتانِيَ فيما زارني خبرٌ / فَطالَ منهُ قُصارى كلِّ ساعاتي
سَقاني المُرَّ مِن كَأسيهِ وَاِستَلبتْ / يُمناهُ من بَصَرِي لذّاتِ هَجْعاتي
إِنِ اِضطَجعتُ فمِنْ شوكِ القنا فُرُشِي / وإنْ مشيتُ فواطٍ فوقَ جَمْرَاتِ
قالوا اِشتَكى مَنْ يوَدُّ النَّاسُ أنَّهُم / كانوا الفداءَ له دون الشّكاياتِ
وَلَم أَزَلْ مُشفقاً حتّى علمتُ بما / أَنالَهُ اللَّهُ مِن ظِلِّ السّلاماتِ
وَبشّروا بالعوافي بعد أن مُطِلَتْ / بُشري ولكنّها لا كالبشاراتِ
وَالحمدُ للَّه قَد نلتَ المَرادَ وما ال / سَعيدُ إلّا الّذي نالَ الإراداتِ
فَعِشْ كما شئتَ من عزٍّ يطيف بهِ / للَّهِ جَيشٌ كثيفٌ من كفاياتِ
وَلا بُليتَ بِمَكروهٍ ولا قَصُرَتْ / منك الأناملُ عن نيلِ المُحبّاتِ
فلم تكنْ مُعْنِتاً من ذا الورى بشراً / فَكيفَ تُبلى منَ الدنيا بِإِعْناتِ