يا حاديَ الظعنِ إِن جُزتَ المواقيتا
يا حاديَ الظعنِ إِن جُزتَ المواقيتا / فحيّ مَن بِمنىً والخَيفِ حُيِّيتا
وَسَل بجمعٍ أَجمعُ الشَملِ مؤتَلِفٌ / أَم غالَه الدَهرُ تفريقاً وتَشتيتا
واِلثِم ثَرى ذَلِكَ الوادي وَحُطَّ بِهِ / عَن الرِحال تَنل يا سَعدُ ما شيتا
عَهدي به وَثَراهُ بالشذا عَبِقٌ / كالمِسكِ فتَّتهُ الداريُّ تَفتيتا
والدرُّ ما زالَ من حَصبائِهِ خجِلاً / كأَنَّ حصباءَه كانَت يواقيتا
يؤمُّه الوَفدُ من عُربٍ ومن عَجمٍ / وَيسبرونَ له البيدَ السَباريتا
يَطوونَ عَرضَ الفَيافي طولَ ليلهمُ / لا يَهتَدون بغيرِ النجم خرِّيتا
من كُلّش مُنخرقِ السِربال تحسَبُه / إذا تسربلَ بالظَلماءِ عِفريتا
لا يَطعَم الماءَ إلّا بلَّ غلَّتِه / ولا يَذوق سِوى سَدِّ الطَوى قوتا
يَفري جُيوبَ الفَلا في كُلِّ هاجِرَةٍ / يُماثِلُ الضَبُّ في رَمضائِها الحوتا
تَرى الحَصى جَمَراتٍ من تَلهُّبِها / كأَنَّما أوقِدَت في القَفر كبريتا
أَجابَ دَعوةَ داعٍ لا مَرَدَّ لَها / قَضى على الناس حَجَّ البَيت تَوقيتا
يَرجو النَجاةَ بِيَومٍ قد أَهابَ به / في مَوقِفٍ يَدَع المنطيقَ سِكِّيتا
فَسارَ وَالعَزمُ يَطويه وَينشرُهُ / يُنازِلُ البينَ تَصبيحاً وتَبييتا
حَتىّ أَناخَ عل أُمِّ القُرى سَحَراً / وَقَد نَضا الصُبحُ للظَلماءِ إِصليتا
فَقامَ يَقرَعُ بابَ العَفوِ مُبتَهِلاً / لَم يَخشَ غَيرَ عِتابِ اللَه تَبكيتا
وَطافَ بالبَيتِ سَبعاً واِنثَنى عَجِلاً / إِلى الصَفا حاذِراً لِلوَقتِ تَفويتا
وَراحَ مُلتَمِساً نيلَ المُنى بِمِنىً / وَلَم يَخَف حينَ حَلَّ الخَيفَ تَعنيتا
وَقامَ في عَرفاتٍ عارِفاً ودَعا / ربّاً عوارِفُهُ عمَّتهُ تَربيتا
وَعادَ منها مُفيضاً وَهو مُزدَلِفٌ / يَرجو من اللَهِ تَمكيناً وتَثبيتا
وَباتَ للجَمَراتِ الرُقش مُلتَقِطاً / كأَنَّه لاقِطٌ دُرّاً وَياقوتا
وَحين أَصبَحَ يَومَ النَحرِ قامَ ضُحىً / يوفي مناسِكَه رَمياً وتَسبيتا
وقرَّب الهَديَ تَهديهِ شَرائعُهُ / إِلى الهُدى ذاكِراً لِلَّه تَسميتا
وَملّأتهُ لَيالي الخَيفِ بَهجَتها / فحجَّ للدين والدُنيا مواقيتا
حَتّى إِذا كانَ يَومُ النَفر نفَّرَهُ / وَجدٌ ينكِّتُ في الأَحشاءِ تَنكيتا
ثُمَّ اِغتَدى قاضياً من حجِّه تَفَثاً / يَرجو لتزكيةِ الأَعمالِ تَزكيتا
وودَّع البيتَ يَرجو العَودَ ثانيَةً / وليتَه عنه طولَ الدَهرِ ما ليتا
وأَمَّ طيبةَ مَثوى الطَيِّبين وقد / ثَنى له الشَوقُ نَحو المُصطَفى ليتا
فَواصَلَ السَيرَ لا يَلوي على سَكَنٍ / أَزادَ حُبّاً له أَم زاد تَمقيتا
حتّى رأَى القبَّةَ الخَضراءَ حاكيةً / قَصراً من الفَلَك العُلويِّ مَنحوتا
فقبَّل الأَرضَ من أَعتابِ ساحَتِها / وَعفَّر الخدَّ تَعظيماً وتَشميتا
حيث النُبوَّةُ مَمدودٌ سُرادِقُها / وَالمَجدُ أَنبته الرَحمَنُ تَنبيتا
مَقامُ قُدسٍ يَحار الواصفونَ له / وَيَرجِعُ العقلُ عن عَلياه مَبهوتا
لَو فاخَرَته الطِباقُ السَبعُ لاِنتكسَت / وَعادَ كوكبُها الدُريُّ مَكبوتا
تَستَوقِفُ السَمعَ والأَبصارَ بهجَته / وَيَجمَعُ الفَضلَ مَشهوداً ومَنعوتا
يَقولُ زائرُهُ هاتِ الحَديثَ لنا / عن زَوره لا عَن الزوراء أَو هيتا
وصِف لنا نورَه لا نارَ عاديَةٍ / باتَت تُشبُّ على أَيدي مَصاليتا
مثوى أَجلِّ الوَرى قَدراً وأَرحَبِهم / صَدراً وأَرفعهم يَومَ الثَنا صيتا
نَبيُّ صِدقٍ هَدَت أَنوارُ غُرَّته / بَعد العَمى للهُدى من كانَ عِمِّيتا
وأَصبحت سُبُلُ الدين الحَنيفِ بِهِ / عَوامِراً بعدَ أَن كانَت أَماريتا
أَحيا به اللَه قَوماً قام سعدُهمُ / كَما أَماتَ به قَوماً طواغيتا
لَولاه ما خاطَبَ الرَحمنُ من بشرٍ / ولا أَبان لهم ديناً ولاهوتا
له يَدٌ لا نُرجّي غيرَ نائِلها / وَقاصدُ البحر لا يَرجو الهراميتا
فَلو حَوَت ما حوته السُحبُ مِن كَرَمٍ / لما سَمِعتَ بها للرعد تَصويتا
فَقُل لمن صَدَّه عنه غوايَتُه / لَو اِهتَدَيتَ إِلى سُبل الهُدى جيتا
ما رامَ حصرَ معانيه أَخو لسنٍ / إِلّا وأَصبح بادي العيّ صِمِّيتا
يا أَشرَفَ الرُسلِ والأَملاكِ قاطبةً / ومن به شَرَّف اللَهُ النواسيتا
سَمعاً لدعوة ناءٍ عنك مُكتئِبٍ / فَكَم أَغثتَ كئيباً حينَ نوديتا
يَرجوكَ في الدينِ والدُنيا لمقصدِهِ / حاشا لِراجيكَ من يأسٍ وحوشيتا
أَضحى أَسيراً بأَرضِ الهِند مُغتَرِباً / لَم يَرجُ مخلصَه إلّا إذا شيتا
فنَجِّني يا فدتكَ النَفسُ من بَلَدٍ / أَضحت لِقاحُ العُلى فيهِ مَقاليتا
وَقَد خَدَمتُك من شِعري بِقافيَةٍ / نَبَّتُّ فيها بديعَ القَولِ تَنبيتا
وزانَها الفِكرُ من سِحر البيان بما / أَعيا ببابلَ هاروتاً وماروتا
جلَّت بمدحِكَ عن مِثلٍ يُقاسُ بها / ومن يَقيسُ بنَشر المسكِ حِلتيتا
عَلَيكَ مِن صَلوات اللَه أَشرَفُها / وآلك الغُرِّ ما حُيّوا وحُيّيتا