المجموع : 9
طولُ المقامِ بدارِ الحرثِ برَّحَ بي
طولُ المقامِ بدارِ الحرثِ برَّحَ بي / فالحزمُ رجعايَ عن قصدي وعن طلبي
أفنيتُ عمري بلا علمٍ علمتُ ولا / خيرٍ عملتُ ولا مالٍ ولا أدبِ
إنَّ الضياعَ ضياعٌ للزمانِ وَمَنْ / يلِ المناصبَ لا ينفكَ ذا نَصَبِ
والعجزُ أوجبَ لي سلبَ الخمول ولو / شلْتُ الحمول مع الركبانِ لم أجبِ
رضيتُ راحةَ روحي فاحتُقِرْتُ ولو / تعبتُ نلتُ رخيمَ العيش في التعبِ
ومذْ صحبْتُ سوى جنسي ضنيتُ به / والشَّمعُ لولا جوارُ النارِ لم يذبِ
أَمِرْيَةٌ بعدَ تجريبي فلستُ وإنْ / رامتْ مطامعٌ تجري بي بمنقلبِ
أمْ هلْ أشكُّ وقدْ جربتهم زمناً / وعفْتُ أكرمَهم رمياً فلا وأبي
كمْ ذا أصاحبُ ذا جهلٍ أُساءُ بهِ / ترى السلامةَ منهُ خيرُ مكتسَبِ
ممَّنْ أراهُ صديقاً في اليسارِ وَلَوْ / مالَ الزمانُ تولى مسعدَ النوَبِ
فسمعُهُ عنْ مقالِ الصدقِ في صممٍ / وقلبُهُ عن فعالِ الجدِّ في لعبِ
إنْ أبكِ يضحكْ وإنْ أعقلْ يجنَّ وإنْ / أقرَّ يعبثْ وإنْ أحضرْ لهُ يغبِ
وليس يكشفُ عني ما أكابدُهُ / وما أقاسيهِ مِنْ هَمٍّ ومنْ وصبِ
إلا إمامُ الهدى قاضي القضاة وَمَنْ / أحيا العلومَ وأعلى رتبةَ الأدبِ
شيخُ الأنامِ وحيدُ العصرِ جامعُ أش / تاتِ الفنونِ بلا مَيْن ولا كذبِ
لو لم تكمِّلْ به العليا مراتبَها / ما قيلَ عنهُ كمالُ الدينِ ذو الرتبِ
ابن الأفاضلِ والغرِّ الأماثلِ وال / شهبِ الكواملِ ردءُ الناسِ في الشَغَبِ
زينُ المدارسِ جلابُ النفائسِ غ / لاَّبُ المنافس معطي القاصدِ الجدبِ
محيي الثغور ندىً مجني الكفور ردىً / مولي الشكورِ هدىً كفَّاهُ كالسُّحُبِ
يا كاملَ الفضلِ جمَّ البذلِ وافرَه / جوداً مديدَ القوافي غيرَ مقتضبِ
إني أحبُّ مقامي في حماكَ وَمَنْ / يكنْ ببابِكَ يا ذا الفضلِ لم يَخِبِ
فليتني مثلُ بعضِ الخاملينَ ولا / تكونُ توليةُ الأحكامِ مِنْ سببي
فالحكمُ مَتْعَبَةٌ للقلبِ مَغْضَبَةٌ / للربِّ مَجْلَبَةٌ للذنبِ فاجتنبِ
وإن تكنْ رتبتي في البرِّ عاليةٌ / فالكونُ عندَكَ لي أعلى من الرتَبِ
فانظرْ إليَّ وجُدْ عطفاً عليَّ عسى / رزقٌ يعين على سكنايَ في حلبِ
والبرُّ أوسعُ رزقاً غيرَ أنِّيَ في / قلبي منَ العلمِ والتحصيلِ والطلبِ
وفي المدارسِ لي حقٌّ فما بُنِيَتْ / إلا لمثليَ في حجرِ العلومِ رُبي
أهلُ الإفادةِ والفتوى أنا ومعي / خطُّ الشيوخِ بهذا فامتحنْ كتبي
وإنَّ في عمرٍ عدلاً ومعرفةً / فكيفَ يُصْرَفُ عن هذا بلا سببِ
قالوا فلمْ تطلبِ العزلَ الذي هربَتْ / منهُ القضاةُ قديماً غايةَ الهربِ
فقلتُ نحنُ قضاةَ البرِّ مهملةُ / أقدارُنا فَهْيَ كالأوقاصِ في النصبِ
مَنْ كان منَّا جريَّاً أكرموه وول / وه المناصبَ بالخطْباتِ والخطبِ
ومتقي اللهِ منَّا مهملٌ حرجٌ / مروَّعُ القلبِ محمولٌ على الكربِ
لا يعرفونَ لهُ قدراً وعفتُهُ / يخشَونَ إعداءها للناسِ كالجربِ
إنْ دامَ هذا وحاشاهُ يدومُ بنا / فارقْتُ زيي إلى ما ليسَ يجملُ بي
وقلتُ يا فقهُ فقتُ المثْلَ فيكَ فلِمْ / خصصتني بمكانٍ ما ارتضاهُ غبي
وكيفَ يا نحوُ نحوَ الخفضِ تعطفني / وَقَدْ نصبْتَ قسيَ الجزمِ في نصَبي
ترى بقولي زيدٌ ضاربٌ مثلاً / عمراً أردتَ تجازيني على كذبي
ويا أُصولُ إلى كم ذا أصولُ ومِنْ / غيرِ الدعاوى ومني الصدقُ في طلبي
ويا بديعَ المعاني والبيان خذي / غيري فقدْ أخذَتْني حرفةُ الأدبِ
يا سيدي يا كمال الدينِ خذْ بيدي / من القضاءِ فما لي فيهِ مِنْ أربِ
البرُّ يصلحُ للشيخِ الكبيرِ ومن / رمى سهاماً إلى العليا فلم يُصبِ
أما الذي عُرفَتْ بالفهمِ فطرتُهُ / فإنَّهُ في مقامِ البرِّ لم يطبِ
لا زلتَ عوناً لأهلِ العلمِ تكنفهم / ما لاحَ برقٌ وناحَ الورقُ في القضبِ
ما كانَ أقربَ وقتاً كانَ بينهما
ما كانَ أقربَ وقتاً كانَ بينهما / كأنه الوقتُ بينَ الوِرْدِ والغَرَبِ
وقاضياً ماضياً في الشر مجتنياً
وقاضياً ماضياً في الشر مجتنياً / للخير من سيئاتِ الدهرِ محسوبا
يرى إباحةَ أعراضٍ محرَّمةٍ / متى نرى شكلَهُ المكروهَ مندوبا
وافى الكتابُ الذي تعنو لهُ الكتبُ
وافى الكتابُ الذي تعنو لهُ الكتبُ / من الشهابِ الذي تسمو بهِ الشهبُ
مِنْ عندِ أسجع مَنْ يُسمى وأسمح مَنْ / أعطى وأبلغ مَنْ أَمْلُوا وَمَنْ كتبوا
فلو فرشتُ سروراً وجنتيَّ له / لم أقضِ مِنْ حقِّهِ بعضَ الذي يجبُ
ألفاظُهُ الغرُّ فاروقيةٌ دررٌ / يُنفى بها السمُّ أو يُشفى بها الكَلَبُ
فوائقٌ من قوافٍ حيثما ذُكرت / يطربْ بها الحيُّ أو يحيا بها الطربُ
يا باعثَ الثلجِ والسحبِ التي عُهدت / مِنْ ثغرِهِ وندى كفيْهِ يُجتلَبُ
بيضُ الثلوجِ اكتستْ من وصفِكُمْ ذهباً / كأنها فضةٌ قَدْ مسَّها ذهبُ
مِنْ سعدِ جلِّقَ أن النائباتِ بها / بيضٌ وفي غيرها ما ابيضَّتِ النُّوَبُ
لا ما لحمرةِ سيلٍ في طرابُلُسٍ / هذا البياضُ وهذا المنظرُ العجبُ
لو ادعى أنهُ يحكيهِ قلتُ لهُ / لقدْ حكيتَ ولكنْ فاتَكَ الشنبُ
زرقُ الأعادي وبيضُ السحبِ واجدةٌ / على دمشق فلا كانوا ولا السحبُ
ناهيكَ مِنْ دِيَمٍ في طَيِّها زَغَبٌ / وزمجراتِ رعودٍ ضمَّها رَهَبُ
قَدْ ثُجَّتِ الماءُ ثجاً فَهْوَ منسكب / و رُجَّتِ الأرضُ رجاً فَهْيَ تَضطربُ
الفرقُ بين دمشقَ والجنانِ لنا / أَنْ لا لُغوبَ بجنات ولا نَصَبُ
يا برقُ قلْ لي ويا سطرَ السحابِ ترى / السيف أصدقُ أنباءً أمِ الكتبُ
فالسحبُ والبرقُ يتلوها كغاشيةٍ / منَ الدخانِ على آثارها لهبُ
أو كالعشارِ التي غنَّتْ رواعدُها / مثلَ الحداةِ التي أصواتُها ذهبُ
مولايَ إنَّا لفرطِ الحبِّ فيكَ إذا / أمرّ عَناكَ كأنَّا فيكَ نصطحبُ
فكلُّ ما في دمشقَ حلَّ مِنْ جللٍ / فشطرُ ذلكَ قاستْ أختَها حلبُ
إنَّ المصائبَ بالأقدارِ كائنةٌ / لكنْ على حسبِ الأقدارِ تُحتسبُ
عجبتُ مني ومنْ غيري تشوقنا / إلى ازديادِ حياةٍ كلُّها تعبُ
وإنْ دُهمنا بسيلٍ أو بنوعِ أذى / كالثلجِ والنارِ حِرْنا ما هو السببُ
أقسمتُ باللهِ لولا حلْمُ خالِقِنا / لكانَ مِنْ عشْرِ ما نأتي بهِ العطَبُ
ودهرُنا أيُّ دهرٍ في تقلُّبِهِ / قَدْ هانَ فيهِ التقى والعلمُ والأدبُ
لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمسِ عَنْ زحلٍ / فإنْ علانيَ مَنْ دوني فلا عجبُ
وإنْ يكنْ كسدَ الورديُّ في حلبٍ / فالمندلُ الرطبُ في أوطانِهِ حَطَبُ
ما شبْتُ وحدِي عذارُ الماءِ شابَ إلى / أنْ صارَ ثلجاً كذا الأحوالُ تنقلبُ
يا واصفَ السيلِ وصفاً هالَ سامعَهُ / فالقلبُ والخوفُ مِنْ أوصافِهِ يجبُ
كم شادَ منكمْ قوى الدنيا أخٌ فأخٌ / وسادَ فيكم إلى العليا أبٌ فَأبُ
فيعبرونَ مدى الكتَّابِ إنْ كتبوا / وينشرون فتى الخطَّابِ أنْ خطبوا
إنْ سوبقوا سَبَقوا أو حَدَّثوا صدقوا / أو سُولموا رفقوا أو حوربوا غلبوا
كتابةُ السرِّ بل سرُّ الكتابةِ مٍنْ / فنونكمْ وعلومٌ راضَها الطلَبُ
لكمْ يراعٌ بفضلِ اللهِ ما افتخرتْ / إلا أقرَّ لها الخطِّيُّ والقضُبُ
في الذوقِ تحلو وفي الأسماعِ تعذب إذْ / في السبْقِ تملُحُ حسناً هكذا القصبُ
مظلومةُ القدِّ في تشبيهها غصناً / مظلومةُ الريقِ إذ قلنا هي الضَرَبُ
إن قالَ صفني وصِفْ رفيقي
إن قالَ صفني وصِفْ رفيقي / قلتُ لهُ تاركَ التحابي
أنت حسابٌ بلا عطاءٍ / وَهْوَ عطاءٌ بلا حسابِ
سناكَ يا بنَ الكرامِ الكاتبينَ سبا
سناكَ يا بنَ الكرامِ الكاتبينَ سبا / عظمْتَ قدراً وأرضيْتَ العلى نسبا
قرأتُ أبياتَكَ السحرَ الحلالَ فما / أدري أنفحةُ مسكٍ أمْ نسيمُ صَبا
قصيدةٌ شِينَ صادُ لام بهجتها / يا عينَ مَنْ ألفَ الحسنى إذا كتبا
يائيةُ النظمِ لو أني أنقِّطُها / بنقطةِ القلبِ ما أدَّيْتُ ما وجبا
قدْ صيَّرتْ أدمعَ المملوكِ جاريةً / شوقاً إلى إلى صَدْرِ مصر بحرُه عَذُبا
هذا هدى قد غوى قلبي ببهجته / فصارَ كالصبِّ أصباهُ الهوى فصبا
فهامَ في كلِّ وادٍ منه مجتنياً / ثمارَهُ ولقولِ العذْلِ مجتنبا
قالتْ أغاني معانيهِ لسامعِها / اخلعْ ثيابَكَ منها ممعناً هربا
جددتَ آدابَ قومٍ بعد ما درسَتْ / فليسَ أطيبُ نصفيها الذي ذهبا
هذا قريضٌ عنِ الأفلاكِ محتجبٌ / كأنهُ الروضُ أبدى منظراً عجبا
يا ملزمَ الشعرِ أمرَ الشرعِ دونَ ريا / أما تحاذرُ فيمنْ وازنوكَ ربا
فإنَّ وزناً بوزنٍ غيرَ أنَّ لما / نقولُ فضلاً عليهم سهلُهُ صَعُبا
إنْ كانَ يمكنهم أنْ ينظموا درراً / فليسَ يمكنهم أن ينظموا شهبا
لم تبقِ للناظمينَ الناثرينَ مدى / إلا سبقْتَ إليهِ تخرقُ الحُجُبا
فإنْ تجاوروا بمنظومٍ تدعْهُ سُدى / وإنْ تباروا بمنثورٍ تذرْهُ هَبَا
قدْ شَرَّفَ اللهُ مصراً أنتَ ساكنُهُ / وزادَ بكَ الكتابَ والكُتُبا
أنتَ المشارُ إليه بالضميرِ فلا / خُفِضْتَ يا علماً للعلمِ قَدْ نُصبا
لا بدَّ للمبتدا في الفضلِ مِنْ خبرٍ / يا حبذا مبتدا عنهُ الزمانُ نبا
فهل قضيةُ فضلٍ لا أبا حسنٍ / لها فلا عَتَبٌ إنْ نلثم العتبا
صفواً ولا كدراً دراً ولا صفراً / بحراً ولا خطراً شمساً ولا حجبا
أينكرُ الشعراءُ النورَ منكَ وهل / أتى نظيرُكَ يا مَنْ بالجمالِ سبا
أصبحتَ نادرةً في العلمِ بادرةً / تنسي سواكَ وتنشي العلمَ والأدبا
فهلْ أردتَ بما أبدَيت مِنْ حكمٍ / أنْ تعذب الغي أو أن تغوي العذبا
أمْ هلْ قصدْتَ بما أهديْتَ مِنْ كلمٍ / أَنْ تطربَ الحيَّ أو أنْ تحيي الطربا
يا مَنْ حكى الدرعَ صوناً والمجنَّ تقى / والسمهريَّ أخاً والمشرفيَّ أبا
لي منطقٌ غيرُ مبذولٍ وأنتَ بهِ / أولى على أنَّ لي من بذله أَرَبا
إذْ لمْ يزلْ يبلغُ المملوكَ ذكرُكُمُ / إياهُ جبراً وتأهيلاً ولا سببا
لكمْ يراعٌ بفضلِ اللهِ ماضيةٌ / إنْ آثَرَتْ رغباً أو آثرَتْ رَهَبَا
تحلو وتعذبُ في سمعٍ وتملُحُ في / سبقٍ فمنْ كلِّ وجهٍ سُمِّيَتْ قَصَبَا
مظلومةُ القدِّ في تشبيهها غصنا / مظلومةُ الريقِ في تشبيهها ضَرَبَا
رشفْتُ عندَ اللقا مِنْ حلوِ ريقَتِها
رشفْتُ عندَ اللقا مِنْ حلوِ ريقَتِها / قَطْرَ النباتِ فزالَ البؤسُ واللهبُ
وقالَ أبشرْ بطولِ الوصلِ في دعةٍ / فأوَّلُ الغيثِ قطرٌ ثمَّ ينسكبُ
زرتهُمُ صحبةً وودَّا
زرتهُمُ صحبةً وودَّا / ألفيتُهم مغلقينَ بابا
سعيي إلى بابهم جنونٌ / مني فأستأهلُ الحجابا
معرةُ الأذكياءِ تسبي
معرةُ الأذكياءِ تسبي / لبي ووادي الجنانِ حسبي
قالوا الزُّرَيْنيق قلتُ عيني / قالوا المغيبين قلتُ قلبي