المجموع : 7
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً / خفَّ الرُّماةُ وظنّوا الأمرَ قد وجبا
كأنّهم والرِّعانُ الشُّمُ تقذفهم / سَيْلٌ تَدفَّقَ في شُؤبوبِه صَبَبا
يَخالهم من يراهم ساعةَ انطلقوا / سِهامَهم حين جاش البأسُ فالتهبا
رَدُّوا على ابن جُبيْرٍ رأيه ومضوا / إلا فريقاً رأَى ما لم يروا فأبى
أصابها خالدٌ منهم وعكرمةٌ / أُمنيّةً لم تُصِبْ من ذي هَوىً سببا
فاستنفرا الخيلَ والأبطالَ وانطلقا / في هَبْوَةٍ تزدهي الأرماحَ والقُضُبا
هم خلَّفوا رِممَ القتلى مُطرَّحةً / وغادروا الجندَ جُندَ اللّهِ والسَّلبا
طاروا إلى جبلٍ راسٍ على جبلٍ / ما اهتزَّ مذ قام من ضعفٍ ولا اضطربا
قال الرسولُ فأعطاهُ مقالَته / وما سِوَى نفسِهِ أعطى ولا وهَبا
تَوزّعوه فلو أبصرتَ مَصرعَهُ / أبصرتَ في اللّهِ منه مَنظراً عجبا
طَعنٌ وضَربٌ يعافُ البأسُ عندهما / سِلاحَ من طَعنَ الأبطالَ أو ضربا
سلُّوا حَشاهُ فظلّت من أسنّتهم / تَموجُ في الدم يجري حوله سَرِبا
تَتابعَ القتلُ يجتاحُ الأُلى معه / لولا المناقبُ لم يترك لهم عقبا
تلك الدِّماءُ التي سالت على أُحدٍ / لو أنبتَ الدمُ شيئاً أنبتت ذهبا
ظلمْتُها ما لشيءٍ مِثلُ رتبتِها / وإن تخطَّى المدَى أو جاوزَ الرُّتَبا
لم يبقَ سَهمٌ ولا رامٍ يُسدّده / تَغَيَّبَ الوابلُ الهطّالُ واحتجبا
وكرّتِ الخيلُ تردِي في فوارسها / بعد الفرار فأمسى الأمرُ قد حَزبا
المسلمون حَيارى كيف يأخذُهم / بأسُ العدوِّ أما رَدُّوه فانقلبا
حَلُّوا الصفوفَ وجالوا في مغانِمهم / ما ظنَّ عسكرهم شرّاً ولا حَسبا
تنكَّرت صُوَرُ الهيجاءِ واتّخذَتْ / من الأعاجيبِ أثواباً لها قُشُبا
خَرساءُ صمّاءُ تُعمِي عن مَعالِمها / عَينَ البصيرِ وتُعيي الحاذِقَ الدَّرِبا
مُغبرّةُ الجوِّ ما زال الخفاءُ بها / حتى تَقَنّعَ فيها الموتُ وانتقبا
ترى اللُّيوثَ وإن كانوا ذوي رَحِمٍ / لا يتَّقِي بعضُهم بعضاً إذا وثبا
يعدو على مُهجةِ الضرغامِ صَاحِبُهُ / ولا يُجاوِزُه إن ظُفرهُ نَشبا
هذا البلاءُ لقومٍ مال غَافلِهم / عن رأي سيّدِهم إذ يُحكِمُ الأُرَبا
قال اثبتوا فتولّوا ما عَصى أحدٌ / مِنهم ولكن قضاءٌ واقعٌ غَلبا
أمرٌ من اللّهِ مَرْجُوٌّ عَوَاقِبُه / يقضيه تبصرةً للقومِ أو أدبا
إنّ النبيَّ لَيُمضِي الأمرَ في وَضَحٍ / من حكمةِ اللّهِ يجلو نورهُ الرِيَبا
مُسدّدُ الرأي ما تهفو الظنونُ به / الخيرُ ما اختارَ والمكروهُ ما اجتنبا
للسلمِ والحربِ منه حازِمٌ يَقِظٌ / يُعيي الدُّهاةَ ويُردِي الجحفلَ اللَّجِبا
إنَّ الذي زيّنَ الدنيا بطلعتهِ / حَابَى العُروبةَ فيه واصطفى العربا
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ / جَرى القضاءُ على ما كان من سَبِبِ
أظَلَّكُمْ خالدٌ لا شيءَ يَبعثُه / إلا الجهادُ يراه أعظمَ القُرَبِ
لمَّا دعاكم إلى الإسلامِ حينَ دَعا / قُلتم صَبأْنَا فلم يَأثَمْ ولم يَحُبِ
إن كانَ للمرءِ من أعمامِهِ نَسَبٌ / فالدِّينُ عِندَ ذويهِ أقربُ النَّسَبِ
بَنُو سُلَيمٍ وإن خِفْتُم فليس بهم / وبابنِ عوفٍ سِوَى الأوهامِ والرِّيبِ
فيا لها غَمرةً ما اسودَّ جانبُها / حتى تَجلّتْ سِراعاً عن دَمٍ سَرِبِ
سِيءَ النبيُّ بها فالنفسُ آسِفةٌ / والقلبُ ممّا أصابَ القومَ في تَعَبِ
المُسلِمونَ دَمٌ للهِ أو عَصَبٌ / ما مِثلُه من دمٍ جارٍ ولا عَصَبِ
هُمْ في الحوادِثِ إن قَلُّوا وإن كَثروا / بَأسٌ جَميعٌ ورأيٌ غيرُ مُنْشَعِبِ
كلٌّ حرامٌ على كلٍّ فإنْ فِئَةٌ / بَغَتْ على فِئةٍ فاللّهُ في الطَّلَبِ
أَثارها خالِدٌ شَعْواءَ عاصِفَةً / ما كان فيها لدينِ اللَّهِ من أَرَبِ
رَمَى بها وغَواشِي الظنِّ تأخذُه / من كلِّ صَوْبٍ فلم يَرْشُدْ ولم يُصِبِ
إليكَ أبراُ ربِّي من جنايتِهِ / وأنتَ فيما عناني منه أعلمُ بي
قُمْ يا عليُّ فوافِ القومَ مُعتذراً / وَانْشُرْ عليهم جناحَ العاطِفِ الحَدِبِ
وَخُذْ من المالِ ما يَقْضِي الدِّياتِ وما / يُرضِي النُّفوسَ ويشفيها من الغَضَبِ
حَقٌّ علينا دَمُ القتلى ونحن على / عَهْدٍ وثيقٍ وحَبْلٍ غير مُنْقَضِبِ
القومُ أُخوتُنا في اللهِ يَجمعُنا / دِينُ الإخاءِ على الأيامِ والحقَبِ
رَدَّ الإمامُ نُفوسَ القومِ فَائْتَلَفتْ / وَاسْتَحْكَمَ الوُدُّ وَانْحلَّت عُرَى الشَّغَبِ
بالجاهليةِ ممّا هِيضَ جانبُها / ما ليس يَنفذُ من همٍّ ومن وَصَبِ
سَلْها وقد رجعتْ حَسْرَى مُذمَّمةً / هل زادها اللَّهُ إلا سُوءَ مُنْقَلَبِ
مَن يَمنَعُ اللَيثَ أَن يَعتَزَّ أَو يَثِبا
مَن يَمنَعُ اللَيثَ أَن يَعتَزَّ أَو يَثِبا / ما قيمَةُ السَيفِ إِن جَرَّدتَهُ فَنَبا
مَن يُمسِكُ العَرشَ إِن هَزَّت دَعائِمَهُ / هوجُ العَظائِمِ وَالأَهوالِ فَاِنقَلَبا
مَن يَحفَظُ التاجَ إِن أَلوى بِهِ قَدَرٌ / يَرمي بِهِ صُعُداً في الجَوِّ أَو صَبَبا
مَن يَحرُسُ المُلكَ إِن هَمَّت بِحَوزَتِهِ / سَوالِبُ المَلِكِ الجَبّارِ ما سَلَبا
يا آلَ عُثمانَ مِن تُركٍ وَمِن عَرَبٍ / وَأَيُّ شَعبٍ يُساوي التُركَ وَالعَرَبا
سوسوا الخِلافَةَ بِالشورى وَلا تَدَعوا / لِفِتنَةٍ في نَواحي المُلكِ مُضطَرِبا
وَالمُلكُ إِن رَفَعَ الدُستورُ حائِطَهُ / فَغايَةُ العَجزِ أَلّا يَبلُغَ الشُهُبا
إِنَّ الَّذي كانَ مِن عَدلٍ وَمِن شَطَطٍ / أَمسى تَوارى وَراءَ الدَهرِ وَاِحتَجَبا
لا تَذكُروا ما مَضى مِن أَمرِكُم وَدَعوا / ما جَرَّ بِالأَمسِ حُكمُ الفَردِ أَو جَلَبا
لا تَكتُموا الحَقَّ وَاِرضوا عَن خَليفَتِكُم / وَاِقضوا لَهُ مِن حُقوقِ البِرِّ ما وَجَبا
لَولا مَواضيهِ وَالأَهوالُ مُحدِقَةٌ / بِالمُلكِ أَصبَحَ في أَيدي العِدى سَلَبا
تَأَلَّبوا يَحسَبونَ اللَيثَ قَد وَهَنَت / مِنهُ القُوى فَرَأَوها قُوَّةً عَجَبا
لا يَملِكونَ لَها رَدّاً إِذا اِنبَعَثَت / وَلا يُطيقونَ إِلّا المَوتَ وَالهَرَبا
صونوا الهِلالَ وَزيدوا مَجدَهُ عَلَماً / لا مَجدَ مِن بَعدِهِ إِن ضاعَ أَو ذَهَبا
أَعَزَّهُ الفاتِحُ الغازي وَأَورَثَهُ / بَأساً يَرُدُّ عَلى أَعقابِها النُوَبا
أَبو الخَلائِفِ ذو النورَينِ مورِثُنا / مُلكَ الهِلالِ وَهَذا المَجدَ وَالحَسَبا
نَومُ القَواضِبِ في أَغمادِها سَفَهٌ / وَإِنَّما يُحذَرُ الرِئبالُ إِن وَثَبا
يا تاجَ عُثمانَ إِنَّ اليَومَ مَوعِدُنا / فَجَدِّدِ العَهدَ وَالقَ الحُبَّ وَالرَغَبا
لَو ضاعَ عَهدُكَ أَو حامَ الرَجاءُ بِنا / عَلى سِواكَ لَقينا الحَينَ وَالعَطَبا
لَكِن أَلَذُّ عُهودِ القَومِ أَحدَثُها / وَأَصدَقُ الحُبِّ حُبٌّ يَصدَعُ الرِيَبا
طالَ المَدى وَتَمَشَّت بَينَنا تُهَمٌ / لَولا الهَوى لَم تَدَع قُربى وَلا نَسَبا
اليَومَ نَنسَخُ ما قالَ الوُشاةُ لَنا / وَنَترُكُ الظَنَّ إِن صِدقاً وَإِن كَذِبا
مَنِ البَواسِلُ هَزَّ الأَرضَ ما صَنَعوا / وَغادَرَ الفَلَكَ الدَوّارَ مُرتَعِبا
تَأَلَّبوا كَأُسودِ الغابِ وَاِنطَلَقوا / تَدمى القَواضِبُ في أَيمانِهِم غَضِبا
هَبّوا سِراعاً وَشَبّوها مُؤَجَّجَةً / يَزيدُها بِأسُهُم في يَلدَزٍ لَهَبا
هُم أَحكَموا الرَأيَ وَالتَدبيرَ وَاِتَّخَذوا / لِكُلِّ ما اِعتَزَموا مِن مَطلَبٍ سَبَبا
صانوا الدِماءَ فَلَولا اللَهُ لَاِنبَجَسَت / تَعلو اليَفاعَ وَتَروي القاعَ وَالكُثُبا
حَيِّ الغَطارِفَةَ الأَبرارَ مُحتَفِلاً / وَرَدِّدِ الحَمدَ مُختاراً وَمُنتَخَبا
وَناجِ واضِحَةَ اللَّبَّاتِ حاسِرَةً / عَن مُشرِقاتٍ تَرُدُّ البَدرَ مُنتَقِبا
الناهِضاتِ إِلى الأَبطالِ هاتِفَةً / وَالطائِفاتِ عَلى آثارِهِم عُصَبا
مُحَجَّباتٌ دَعاها المَجدُ فَاِبتَدَرَت / وَلِلجَلالِ حِجابٌ فَوقَها ضُرِبا
بَناتُ قَومِيَ ما يَغفَلنَ مَفخَرَةً / وَلا يَدَعنَ سَبيلَ الحَمدِ مُجتَنِبا
المُنجِباتُ حُماةَ المُلكِ يَندُبُهُم / لِلنّائِباتِ فَيَلقى النَصرَ مُنتَدِبا
بُشرى المَشارِقِ إِنَّ البَعثَ مُدرِكُها / وَبارَكَ اللَهُ في النُعمى الَّتي وَهَبا
يا دَولَةً مِنَ بَقايا الظُلمِ طافَ بِها
يا دَولَةً مِنَ بَقايا الظُلمِ طافَ بِها / عادي الفناءِ فَأَمسى نَجمُها غَرَبا
زولي فَما كُنتِ إِلّا غَمرَةً كُشِفَت / عَنِ النُفوسِ وَإِلّا مَأتَماً حُجُبا
زولي إِلى مُغرِقٍ في البُعدِ مُنقَطِعٍ / لا يَستَطيعُ لَهُ مُستَعتبٌ طلبا
عِنايَةُ اللَهِ لا تُبقي عَلى دُوَلٍ / يَلقى الخَلائِقُ مِنها الوَيلَ وَالحَرَبا
تَرى الشُعوبَ عَبيداً لا ذمامَ لَها / وَتَحسَبُ الحَقَّ في الدُنيا لِمَن غَلَبا
لا بُدَّ لِلشَعبِ وَالأَحداثُ تَأخُذُهُ / مِن غَضبَةٍ تُفزِعُ الأَفلاكَ وَالشُهُبا
ما أَيَّدَ المُلكَ وَاِستَبقى نَضارَتَهُ / كَالرِفقِ وَالعَدلِ ماداما وَما اِصطَحَبا
ما أَضيعَ التاجَ يَرمي الشَعبَ صاحِبُهُ / بِالمُحفظاتِ وَيُؤذيهِ بِما كَسَبا
يَبني المَعاقِلَ مُغتَرّاً بِمَنعَتِها / وَيَحشُدُ القُذَّفَ الفَوهاءَ وَالقَضبا
وَيَجلِبُ الصافِناتِ الجُردِ يُطرِبُهُ / صَهيلُها وَيُعدُّ الجَحفَلَ اللَجِبا
حَتّى إِذا اِنتَفَضَت بِالشَعبِ سَورَتُهُ / أَذَلَّهُ ما اِحتَوى مِنها وَما جَلَبا
أَهْيَ الشُعوبُ تَسوسُ الأَرضَ أَم نَعَمٌ / يَسوسُها النَحرُ لا يَرجو لَها عَقِبا
اليَومَ يَنعمُ بِالأَوطانِ مُغتَرِبٌ / ما هَزَّهُ الشَوقُ إِلّا أَنَّ وَاِنتَحَبا
يُفَرِّقُ النَفسَ في شَتّى مُفَرَّقَةٍ / مِنَ البِقاعِ وَيَطوي العَيشَ مُرتَقبا
وَرُبَّ ناشِئَةٍ في الحَيِّ باكِيَةٍ / أَخاً تَرامَت بِهِ أَيدي النَوى وَأَبا
مَهلاً فَما ثَمَّ لِلباكينَ مِن شَجَنٍ / زالَ الشَقاءُ وَأَمسى الضُرُّ قَد ذَهَبا
يا مُنهِضَ المُلكِ إِذ ريعَت لِكَبوَتِهِ / نُفوسُنا وَمُجيرَ الشَعبِ إِذ نُكِبا
أَدرَكتَ مِن مَجدِهِ ما كانَ مُستَلَباً / وَصُنتَ مِن عِزِّهِ ما كانَ مُنتَهَبا
إِنَّ الجَماهيرَ في الآفاقِ هاتِفَةٌ / تُثني عَلَيكَ وَتَرجو عِندَكَ القُربا
جَزاكَ رَبُّكَ خَيراً إِنَّها ليدٌ / مَن ظَنَّ أَن سَوفَ يجزيها فَقد كَذَبا
كَم دونَ مَيَّةَ مِن عَينٍ أُحاذِرُها
كَم دونَ مَيَّةَ مِن عَينٍ أُحاذِرُها / مَخوفَةٍ وَلِسانٍ رائِعٍ ذَرِبِ
أَمّا الخَيالُ فَما يَنفَكُّ يَطرُقُني / بَعدَ الهُجوعِ وَما يَنفَكُّ في طَلَبي
قُل لِلعَواذِلِ في ماوِيَةَ اِتَّئِبوا / فَلَستُ في حُبِّها يَوماً بِمُتَّئِبِ
أَمسى الوَفاءُ لَها في قَومِها خُلُقاً / يَنأى بِها عَن مَقالِ الزورِ وَالكَذِبِ
فَما تَغُرُّ أَخاها إِذ تُحَدِّثُهُ / وَلا تُقارِفُ يَوماً مَوطِنَ الرِيَبِ
خالَفتُ في حُبِّها قَومي الأُلى عَلِمَت / واحَيرَتي اليَومَ بَينَ التُركِ وَالعَرَبِ
قالوا هُبِلتَ أَتَبغي بَينَهُم نَسَباً / هَيهاتَ ما لَكَ في الأَعرابِ مِن نَسَبِ
فَقُلتُ وَالشِعرُ تُنميني رَوائِعُهُ / لَولا الأَعاريبُ قَد عُرّيتُ مِن أَدَبي
إِذَن لَما اِنبَعَثَت عَنّي مُغَلغَلَةٌ / مِنَ القَوافي تَهُزُّ الأَرضَ بِاللَجَبِ
مِنَ المُسَوَّمَةِ اللاتي رَمَيتُ بِها / صَيدَ المُلوكِ فَلَم تُخطِئ وَلَم تَخِبِ
يا اِبنَ الخَلائِفِ أَبقوا كُلَّ مَنقَبَةٍ / شَمّاءَ باذِخَةً غابوا وَلَم تَغِبِ
لَقُمتَ فينا بِأَمرِ اللَهِ مُرتَقِباً / تَرُدُّ عَنّا العِدى مِن كُلِّ مُرتَقِبِ
وَرُبَّ ذي عِلَّةٍ داوَيتَ عِلَّتَهُ / بِالمَشرَفِيِّ فَلَم تَظلِم وَلَم تَحُبِ
إِنَّ الخَليفَةَ لَو صَكَّت عَزائِمُهُ / نَوائِبَ الدَهرِ ذي الحِدثانِ لَم تَنُبِ
بُشرى الحَجيجِ إِذا سارَ البُخارُ بِهِ / غَداً فَأَنساهُ سَيرَ الأَينُقِ النُجُبِ
تَشكو الوَنى وَالوَجى إِن كُلِّفَت خَبَباً / وَمَن لِواهِنَةِ الأَعضادِ بِالخَبَبِ
هَذي الخِلافَةُ طابَت نَفسُها وَغَدَت / فَرحى وَلَولاكَ لَم تَفرَح وَلَم تَطِبِ
يا مَعشَرَ الإِنسِ جِئتُم كُلَّ رائِعَةٍ
يا مَعشَرَ الإِنسِ جِئتُم كُلَّ رائِعَةٍ / بِمَعشَرِ الجِنِّ مِن أَهوالِها عَجَبُ
أَلا تَخافونَ رَبّاً لا يَخافُ لَكُم / بَأساً إِذا اِنطَلَقَت أَقدارُهُ تَثِبُ
لا تَزعُموا هَذِهِ الهَيجاءَ مُعجِزَةً / أَلا لَهُ البَأسُ وَالهَيجاءُ وَالغَلَبُ
السَيفُ وَالنارُ وَالأَجنادُ قُوَّتُهُ / وَالنَصرُ وَالفَتحُ ما يُؤتي وَما يَهَبُ
ما زالَتِ الحَربُ تَمحو كُلَّ مَفسَدَةٍ / حَتّى قَضَت مِن حُقوقِ اللَهِ ما يَجِبُ
قامَت تُثَبِّتُ أَمراً ظَلَّ مُضطَرِباً / لا يَثبُتُ الأَمرُ وَالأَقطارُ تَضطَرِبُ
إِنَّ المَظالِمَ وَالأَطماعَ ضامِنَةٌ / أَلّا تَزالُ شُعوبُ الأَرضِ تَصطَخِبُ
بورِكتَ عَهداً يَذُلُّ الغاصبونَ بِهِ / وَيَستَعِزُّ الأُلى سادوا فَما غَصَبوا
لا يَحمِلُ الظُلمُ يَوماً عَرشَ مَملَكَةٍ / وَإِن تَطاوَلَ إِلّا سَوفَ يَنقَلِبُ
يا غادِياً بِبَريدِ الشامِ يَنتَحِبُ
يا غادِياً بِبَريدِ الشامِ يَنتَحِبُ / ماذا دَهاكَ وَماذا أَنتَ مُحتَقِبُ
ما لِلحَقائِبِ وَلهى لا قَرارَ لَها / ماذا تَمُجُّ بِها الأَنباءُ وَالكُتُبُ
إِنّي أَرى الدَمَ يجري من جَوانِبِها / فالأرضُ حولك مخضلٌّ ومختضبُ
أنصت لتسمعَ ما ضمَّت جَوانِحُها / إِنّي لَأَسمَعُ فيها الحُزنَ يَصطَخِبُ
أَفرِغ غَليلَ الأَسى ناراً عَلى كَبِدي / وَخَلِّ قَلبي لِأُخرى فيهِ تَلتَهِبُ
هَذي لِمِصرَ تُؤَدّي الحَقَّ ناحِيَةً / وَتِلكَ لِلشامِ تَقضي مِنهُ ما يَجِبُ
هَمّانَ في كُلِّ جَنبٍ مِنهُما ضَرَمٌ / عالٍ وَفي كُلِّ عَينٍ واكِفٌ سَرِبُ
عاثَت يَدُ الشَرِّ بِالقُطرَينِ وَاِنطَلَقَت / في الأُمَّتَينِ عَوادي الدهرِ وَالنُوَبُ
تَغشاهُما زُمَراً تَحتَثُّها زُمَرٌ / تَرمي بِها عُصَبٌ تَقتادُها عُصَبُ
ضاقَ الفَضاءُ فَما يَمشي بِهِ نَفَسٌ / إِلّا يَكادُ عَلى الأَعقابِ يَنقَلِبُ
كَأَنَّ لِلمَرءَ مِن أَعضائِهِ رَصَداً / يَكادُ يَنقَضُّ مِن عَينَيهِ أَو يَثِبُ
ما يَرهَبُ المَرءُ أَو يَرجو وَقَد نُكِبَت / مِنّا النُفوسُ بِعَيشٍ كُلُّهُ رَهَبُ
أَعدى عَلى الشَرِّ يَومٌ مِنهُ مُحتَضَرٌ / لا خَيرَ فيهِ وَيَومٌ بَعدُ مُرتَقَبُ
يا أُمَّةً في رُبوعِ الشامِ يوحِشُها / عَيشٌ جَديبٌ وَرَبعٌ لِلمُنى خَرِبُ
طاحَت بِآمالِها الخُضرِ اللِدانِ يَدٌ / خُضرُ الحَدائِقِ في إِعصارِها حَطَبُ
عَسراءُ سَوداءُ يَجري مِن أَنامِلِها / حَتفُ الشُعوبِ وَيَهمي الوَيلُ وَالحَرَبُ
لا تَلمِسُ الأَرضَ إِلّا اِسوَدَّ جانِبُها / بَعدَ الضِياءِ وَجَفَّ الماءُ وَالعُشُبُ
ماذا لَقيتِ مِنَ القَومِ الأُلى كَفَرَت / مِمالِكُ الشَرقِ ما مَنّوا وَما وَهَبوا
ظَنّوا الحَضارَةَ لا تَعدو مَنازِلَهُم / وَلا تُجاوِزَهُم أَيّانَ تَنتسِبُ
وَأَنَّنا أُمَمٌ فَوضى مُضَلَّلَةٌ / تَظَلُّ في غَمَراتِ الجَهلِ تَضطَرِبُ
ضَجَّ الزَمانُ اِرتِياعاً مِن جَرائِرِها / وَذاقَتِ المُرَّ مِن أَخلاقِها الحِقَبُ
رَموا بِعَهدِكِ في هَوجاءَ عاصِفَةٍ / ما تُستَطاعُ وَلا يُرجى لَها طَلَبُ
طارَت فَما عَلِقَت مِنها بِأَجنِحَةٍ / نُكبُ الرِياحِ وَلا هَمَّت بِها السُحُبُ
ضاعَ الحِمى وَاِستَباحَ الضَيمُ جانِبُكُم / أَينَ الحُماةُ وَأَينَ العَطفُ وَالحَدَبُ
أَينَ المَواعيدُ تَستَهوي رَوائِعُها / مِنكُم نُفوساً أَبِيّاتٍ وَتَختَلِبُ
لا تَعجَبوا إِن رَأَيتُم مَوعِداً كَذِباً / إِنَّ السِياسَةَ مِن أَسمائِها الكَذِبُ
ماذا تُرَجّونَ مِن أَمنٍ وَمِن دَعَةٍ / المالُ يُسلَبُ وَالأَرواحُ تُنتَهَبُ
يا أُمَّةَ البَأسِ أَينَ البَأسُ يَمنَعُكُم / يا أُمَّةَ المَجدِ أَينَ المَجدُ وَالحَسَبُ
لا تَقبَلوا الضَيمَ وَاِحموا مِن مَحارِمِكُم / إِنَّ المَحارِمَ مِمّا تَمنَعُ العَرَبُ
إِنّي أَرى أُمَمَ الغَبراءِ يَشغَلُها / جِدُّ الأُمورِ فَلا لَهوٌ وَلا لَعِبُ
إِمّا الحَياةُ يَصونُ العِزُّ جانِبَها / عَنِ الهَوانِ وَإِمّا الحَتفُ وَالعَطَبُ
وَيلي عَلى الجيرَةِ الغالينَ يَأخُذُهُم / مِن طارِقِ البُؤسِ حَتّى العُريُ وَالسَغَبُ
أَزرى بِهِم مِن خُطوبِ الدَهرِ ما طَعِموا / وَغالَهُم مِن هُمومِ العَيشِ ما شَرِبوا
لَو أَنصَفوا البَأسَ لَم يَنزِل بِساحَتِهِم / ظُلمٌ وَلا شَفَّهُم هَمٌّ وَلا نَصَبُ
لا يَعجَبِ الفاتِحُ المُغتَرُّ إِن غَضِبوا / إِنَّ الضَراغِمَ مِن أَخلاقِها الغَضَبُ
كَأَنَّني لِلأَيامى الجازِعاتِ أَخٌ / وَلِليَتامى الأُلى مَلّوا الحَياةَ أَبُ
أَحنو وَأَعطِفُ لا مالٌ وَلا وَلَدٌ / لي بِالشَآمِ وَلا قُربى وَلا نَسَبُ
ماهاجَني شَجَنٌ بِالشامِ أَطلُبُهُ / وَإِنَّما هاجَني الإِسلامُ وَالأَدَبُ
إِنَّ الحَضارَةَ دينُ اللَهِ نَعرِفُها / في مُحكَمِ الذِكرِ لا ظُلمٌ وَلا شَغَبُ
الناسُ أَهلٌ وَإِخوانٌ سَواسِيَةٌ / في كُلِّ شَيءٍ فَلا رَأسٌ وَلا ذَنبُ
العَدلُ إِن حَكَموا وَالحَقُّ إِن طَلَبوا / وَالخَيرُ إِن عَمِلوا وَالبِرُّ إِن رَغِبوا
حَتّى لَو اِعوَجَّ في أَحكامِهِ عُمرٌ / هَبَّت تُقَوِّمُهُ الهِندِيَّةُ القُضُبُ
الحُكمُ لِلَهِ فَرداً لا شَريكَ لَهُ / أَلا لَهُ المُلكُ وَالسُلطانُ وَالغَلَبُ
أَقامَ لِلناسِ ديناً مِن جَلالَتِهِ / تَهوي التَماثيلُ عَن رُكنَيهِ وَالنُصُبُ
قُل لِلمُلوكِ أَفيقوا مِن وَساوِسِكُم / زالَت غَواشي العَمى وَاِنشَقَّتِ الحُجبُ
فَلا الشُعوبُ تُسامُ الخَسفَ مِن ضَعَةٍ / وَلا الحُقوقُ بِأَيدي العَسفِ تُغتَصَبُ
أَشعَلتُمُ الحَربَ مِلءَ الأَرضِ ظالِمَةً / فَوضى المَذاهِبِ حَمقى ما لَها سَبَبُ
إِذا تَدافَعَ فيها جَحفَلٌ لَجِبٌ / خاضَ الحُتوفَ إِلَيهِ جَحفَلٌ لَجِبُ
زَجّوا المَلايينَ في أَعماقِها أُمَماً / يوفونَ بِالنذرِ إِن عُدّوا وَإِن حُسِبوا
مِن كُلِّ أَهوَجَ قَذّافٍ بِأُمَّتهِ / في جَوفِ جَأواءِ يُذكيها وَيَجتَنِبُ
تَدَفَّقَ الدَمُ لَم يَمدُد إِلَيهِ يَداً / وَلَم يَرُعهُ رُعافٌ مِنهُ يَنسَكِبُ
أَقوَت خَزائِنُهُم فَاِستَحدَثوا وَرَقاً / يَهفو مَعَ الريحِ إِلّا أَنَّهُ نَشَبُ
زادوا بِهِ الحَربَ مِن جَهلٍ وَمِن نَزَقٍ / ما كَفَّ مِن مِثلِهِ وَاِستَنكَفَ الذَهَبُ
ظَلَّت تَهونُ عَلى الأَيّامِ قيمَتُهُ / حَتّى تَرَفَّعَ عَنهُ التُربُ وَالخَشَبُ
يَبتاعُ ذو الأَلفِ مِنهُ حينَ يَملِكُها / أَدنى وَأَهوَنَ ما يُشرَى وَيُجتَلَبُ
لَو فارَقَ الناسَ أَو طاحَ الزَوالُ بِهِ / إِذَن لَزالَ عَناءُ العَيشِ وَالتَعَبُ
يا أُمَّةَ الشامِ هَل بِالشامِ مُبتَهِجٌ / وَالنيلُ مِن أَجلِكُم حَرّانُ مُكتَئِبُ
صونوا البِلادَ وَكونوا مَعشَراً صُبُراً / لا يَخطِفونَ جَناحَ الذُلِّ إِن نُكِبوا
دَعوا لِفَيصَلَ ما تُملي مَشيئَتُهُ / لا فَيصَلَ اليَومَ إِلّا المُرهَفُ الذَرِبُ
أَمسى مُعَنّى الأَماني ما تُصانُ لَهُ / تِلكَ العُهودُ وَلا يُقضى لَهُ أَرَبُ
لَم يَلبِسِ التاجَ حَتّى راحَ يَخلَعُهُ / مُشَرَّداً في فِجاجِ الأَرضِ يَغتَرِبُ
كانَت أَمانِيَ أَو أَحلامَ ذي سِنَةٍ / طارَت فَلا أَمَمٌ مِنهُ وَلا كَثَبُ
إِن يُفزِعِ النيلَ وَالأُردُنَّ ما بِهِما / فَبِالفُراتِ وَشَطَّي دِجلَةَ العَجَبُ
وَيحَ العِراقِ وَقَومٍ بِالعِراقِ عَلا / ضَجيجُهُم وَتَمادى مِنهُمُ الصَخَبُ
طاشَ الرَجاءُ بِهِم فَالأَمرُ مُضطربٌ / فَوضى بِأَرجائِهِ وَالصَدعُ مُنشَعِبُ
بَغدادُ تَنظُرُ وَالأَحشاءُ خافِقَةٌ / وَالعَينُ دافِقَةٌ وَالقَلبُ مُرتَقِبُ
أَينَ الرَشيدُ وَأَيّامٌ لَهُ سَلَفَت / أَينَ الحُماةُ وَأَينَ الفِتيَةُ النُجُبُ
دارَ السَلامِ أَهَزَّتكِ الخُطوبُ أَسىً / لَمَّا فُجِعتِ بِهِم أَم هَزَّكِ الطَرَبُ
أَينَ الحَضارَةُ يَحميها وَيَرفَعُها / لِلبَأسِ وَالعَدلِ مِنهُم مَعقِلٌ أَشِبُ
جاءوا بِغَربِيَّةٍ ما لاحَ طالِعُها / في الشَرقِ حَتّى هَوَت عَن أُفقِهِ الشُهُبُ
وَحشِيَّةِ الدارِ وَالأَنسابِ ما بَرَحَت / خَلفَ الطَرائِدِ في الآفاقِ تَنسَرِبُ
كُلُّ الشُعوبِ لَها في أَرضِهِ قَنَصٌ / وَكُلُّ ما مَلَكَت أَيمانُهُم سَلَبُ
تَمشي الضَرّاءَ تُصادينا وَآوِنَةً / تَنقَضُّ ضاحِيَةً يَعدو بِها الكَلَبُ
هُبّوا بَني الشَرقِ لا نَومٌ وَلا لَعِبٌ / حَتّى تُعَدَّ القُوى أَو تُؤخَذَ الأُهَبُ
ماذا تَظُنّونَ إِلّا أَن يُحاطَ بِكُم / فَلا يَكونُ لَكُم مَنجىً وَلا هَرَبُ
كونوا بِهِ أُمَّةً في الدَهرِ واحِدَةً / لا يَنظُرُ الغَربُ يَوماً كَيفَ تَحتَرِبُ
الدينُ لِلَهِ لا الإِسلامُ يَصرِفُها / عَنِ الحَياةِ وَلا الأَوثانُ وَالصُلُبُ
ما لِلسِياسَةِ تُؤذينا وَتُبعِدُنا / عَمّا يَضُمُّ قُوانا حينَ نَقتَرِبُ
أغرَت بِنا الخُلفَ حَتّى اِجتَاحَ قُوَّتَنا / وَطاحَ بِالشَرقِ ما تَجني وَتَرتَكِبُ
تَقتادُ شَعباً إِلى شَعبٍ وَمَملَكَةً / في إِثرِ مَملَكَةٍ أُخرى وَتَجتَذِبُ
أَغارَةً جَدَّ رُوّادُ السَلامِ بِها / لَولا الفَريسَةُ ما جَدّوا وَلا دَأَبوا
تَكَشَّفَ الغَربُ وَاِنصاحَت مَآرِبُهُ / فَلا الشُكوكُ تُواريها وَلا الرَيبُ
لا عُذرَ لِلقَومِ إِن قُلتُ اِنفِروا فَأَبَوا / الحَزمُ مُستَنفِرٌ وَالرَأيُ مُنتَدَبُ
سيروا بَني الشَرقِ في ظِلِّ الإِخاءِ عَسى / أَن تُفلِحوا وَلَعَلَّ الصَدعَ يَرتَئِبُ