القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 5
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي / ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ
صابتْ حشاك وأخْطَتْني نوافذُها / ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب
هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته / لغيره أو تعدى النبعَ للغَربِ
هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً / للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب
يا غائبا لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً / عن العلى معه غابت ولم تؤب
لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه / يا خير منقلبٍ في خير منقَلب
نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ / ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب
وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به / بين الرجال وبين الله من سبب
قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها / من التقى مسرحاً في مرتع خصِب
قالوا الزيارةُ فاتته فقلتُ لهم / ما فاته أن يزورَ اللهَ في رجب
كأن نعشَك والاجواءُ غائمةٌ / تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب
لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا / " سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب
كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم / كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب
كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه / وما درى أن فيه أعجبَ العجب
بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ / إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب
لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم / فان أعظم منها همةُ النُّوَب
لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً / يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب
أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به / على سواهن تِيهَ الخُرَّدِ العُرُب
فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ / فَقَدْنَهُ وثغورَ الفضل في شَنَبَ
صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ / قد كان في هذه الأيام في تعب
تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ / أجدى له من داء الويل والحرَب
والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ / به فأحسنُ منه صبرُ محتسب
وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ / قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب
ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً / فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ
شيئانِ يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا / نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب
ماذا يقول لسان الشعر في رجل / خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب
إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ / يحييك ذكراً وذكر المرء في العقب
اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه / " محمد " وبشانيه " أبالهب "
لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً / يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب
وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح / كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب
انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ / كأنه – وهو دامي القلب – في طرب
أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا / " كناية بهما عن اشراف النسب "
كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت / وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي
لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه / كذاك كان على العلات وهو صبي
ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد / سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي
تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة " / للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب
ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم / قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب
كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً / حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب
طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً / يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب
فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ / في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا / واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ / ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها / هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني / أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته / لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ هل وصَلَتْ / كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ / أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ / منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ولا مِقَةً / ولا اجتواءً ولا بُرءاً ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ / ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ / ممَّا تَشكَّكْتَ إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ وحتى اليومِ ما بَرِحتْ / صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ / رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ / تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً / بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً / إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً / وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ وكوزُ الماء يَرفدهُ / وذِهنُه ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها / شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها / وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ وأفجعُها / أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ / بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم / أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ / وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا / بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه / والدَّهرَ لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ / ولا الطيورَ ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده / وشجَّ منْ كان أيّاً كان مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ هل لازلتِ سادرةً / أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ / هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه / لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ / فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ / ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً / يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً / رَحْباً وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ / خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها / شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص / من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ / فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ / ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً / يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه / هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ / رثِّ المعالم هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها / في عُرسها غُرَرَ الأشعار لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته / وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم / بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه / من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ / في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً / وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً / سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً - / وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه / ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً / بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً / سََمْحاً وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ / بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً / لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم / حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ / وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه / فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا / للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا / لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ / جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ / وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ / ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ / أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ / بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على / أوهامهم صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا / ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً / ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت / أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم / مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ / وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً / هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً / وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ / مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً / حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً / لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه / غُنمٌ فسَفَّ وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ / فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ / ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً / مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ شواظُ الحقّ أرهفه / سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته / فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى وإنْ لم يشأ أطماحَ طاغيةٍ / وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ / مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به / ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ / به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ / والمُصلحينَ الهداةَ العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي / أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ / تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا / فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي / طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ
أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ / وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي
إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ / وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب
جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها / وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي
عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ / كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي
يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها / لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب
ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له / ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب
وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها / إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب
ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ / وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب
إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به / فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب
شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ / مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب
وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً / أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب!
تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها / موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب
كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ / هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب "
سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ / طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب
فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به / من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب
ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها / ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب
لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على / شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب
وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ / إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب
إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما / مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب
لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ / ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب
أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً / نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب
ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ / أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب
من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ / جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب
هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت / بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب
رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ / بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب
ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها / حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي
أرخَصْتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ / ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب
تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها / كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب
عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني / لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب
قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً / والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب
تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ / وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب
ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ / للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب
ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ / ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب
يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها / بعداً فانك عندي شرُّ موهوب
يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ / بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب
حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ / ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب
سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً / وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب
والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ / مِنْهُ الحواشي فشيءٌ غيرُ محبوب
ما أحوجَ الشاعرَ الشاكي لمُغضِبَةٍ
ما أحوجَ الشاعرَ الشاكي لمُغضِبَةٍ / وميزةُ الشاعرِ الحساسِ في الغضبِ
أمّا القوافي فأنغامٌ تُوَقِّعُها / يدُ الخُطُوبِ إذا ما هيَّجَتْ عصبي
أصِخْ لتلحينِ روحي وهي ناقمةٌ / فما يهزُّك لحنُ الروحِ إن تَطِب
شجتْك كربةُ أبياتٍ وجدتَ بها / على كآبتها تفريجةَ الكُرَب
ثقافةُ الشعبِ قل لي أين تَنشُدها / أفي الصحافةِ مزجاةً أم الكُتُب
هذي كما اندفعتْ عشواءُ خابطةٌ / وتلك فيما حوت " حمالةُ الحطب "
أما الشعورُ فإنّي ما ظَفِرْتُ به / في مجلسِ العلمِ أو في مَحْفِلِ الأدب
لا ثورةُ النفسِ في الأشعارِ ألْمَسُها / إلا القليلَ ولا التأثيرُ في الخطب
باكون ما حُرِّكَتْ في النفس عاطفةٌ / وضاحكون ولاشيءٌ من الطرب
مُسَخّرون بما توحي الوحاةُ لهم / كما تُهَزُّ دواليبٌ من الخشب
لو عالج المصلحون " الجوعَ " ما فَسَدَتْ / أوضاعُنا هذه الفوضى من السغب
شعبي وما أتوقّى من مصارَحَةٍ / عارٌ على يعربٍ كُلُّ على العرب
ألهاه ماضيه عن تشييدِ حاضره / وعن لبابِ المساعي قِشْرَةُ النَّسَب
عشنا على شرفِ الأجداد نَلصقُهُ / بنا كما عاش قُطَاعٌ على السَّلَب
قامت تُرَوّجُ آداباً عَفَتْ عُصَبٌ / ما أبعدَ الأدبَ العالي عن العُصب
هُزَّ القلوبَ بإحساسٍ تَفيضُ به / ثم ادعُ حتى صخوراً صمةً تُجب
شانت أديباً وحطَّتْ عالماً فَهماً / مشاحناتٌ على الألقابِ والرُّتَب
قالوا " أِدْ " لركيكٍ غيرِ مُنْسَجِمٍ / لو في يدي قلتُ عدّ القولَ وانسحب
حتى صديقٌ عن التقليدِ أرفَعُهُ / مصاخبٌ إذ سوادُ الناسِ في صَخَب
دومي قوافيّ طولَ الدّهْرِ خالدةً / إن صحَّ أنّكِ أوتادٌ من الذهب
أوْلا فبيني أدالَ اللهُ من أثرٍ / تنالُ منه يدُ الأعصارِ والحِقَب
حيِّ الوزيرَ وحيّ العلمَ والأدبا
حيِّ الوزيرَ وحيّ العلمَ والأدبا / وحيِّ من أنصف التأريخَ والكتبا
وحيِّها ضربةً للجهل قاضيةً / مجالسُ العلمِ قد عجّت لها طربا
وحيّه ساخطاً هاجت حميَّتُهُ / وحيِّهِ ناهضاً غَيرانَ ملتهبا
أُريد منه الذي لم يهوَهُ فنبا / وسِيمَ ما لم يُطقْ وجدانهُ فأبى
لولاك أعدى بُراءاً داءُ دعوتِهم / وربّ عضةِ كلبٍ أورثت كَلَبا
لم يحفظوا لأماني الشعب حرمَتَها / من أجل أن يبلُغوا من مطمعٍ أرَبا
يا صاحب الهمّةِ الشماء حسبُكَهُ / يوماً رَعَيْتَ به الأجدادَ والنسبا
أللهُ يجزيك والآباء مأثرةً / في اللهِ صُنتَ بها آباءَك النُجبا
ما زلت " حباً بما شيدت في رجب " / من فوق كل شهوري رافعاً رجبا
بصّرت بعدك من ياتي بواجبه / نحو البلاد كما أخجلتَ مَنْ ذهبا
لو كان للشعبِ رأي في مصائرِه / حقاً اقام لك التمثالَ والنُصُبا
هم حاولوها لأغراض مُذمَّمَةٍ / حتى إذا سُعِّرَتْ كانوا لها حطبا
جزاء ما قد أظلته البلادُ وما / أضفت عليهم به أثوابَها القُشُبا
عارٌ على صفحة التاريخ قيلتُه / ولطخةٌ في جبين المجدِ ما كتبا
حسب " الحسين " الذي لاقاه مغتربا / من الشآم وما لاقاه محتربا
هذا نتاجُ شعورٍ جاش جائِشُهُ / راعوا عواطف هذا الشعب ياغُرَبا
أما العراقُ فقد غصت " مطاعِمُهُ " / فاستطعموا بعده بيروتَ أوحلبا
ضاقت بما لَقيِتْ منهم مواطِنُهُمْ / لكنّما موطني من ذلةٍ رَحُبا
وقيعة بين شعب هادئ وجدوا / كفواً لها ساقطَ الأخلاق فانتدبا
ما كان يعلم لما أن أهاب به / شيطانُه أنْ يَجُرَّ الويلَ والحربا
حتى إذا صَوَّحَتْ آمالهُ ورأى / أن الأماني التي غرّته عُدْنَ هبا
عضَّ النواجذَ من غيظٍ فما نفعت / شيئاً وأهْوِنْ به من واجد غضبا
كسرتَ من شوكة الطاغوتِ ما عسرت / ورُضْت من خُلُقِ الجْبّارِ ما صُعبا
لا رحمة لغَويٍّ في الضلال هوى / ولا لعاً لِمُجِدٍّ في الشقاق كبا
مشى يظنُّك كالماضين ذا خَوَرٍ / حتى إذا ما رأى ما لم يرَ انسحبا
هيهاتَ في أيّ مرعى شائكٍ سفها / رعى ومن أيِّ كاسٍ عَلْقَمٍ شَرِبا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025