ما بعد رامة للمشتاق من إرب
ما بعد رامة للمشتاق من إرب / فاحبس بها فإليها منتهى طلبي
وقف بها وقفة تشفي الفؤاد بها / مما يعانيه من داء ومن وصبِ
واحلل عرى دمعك المقصود في دمق / قد أقفرت بعد بين الخرّد العرُبِ
يا دار لا زال درّ الغيث منهمراً / في عرصيتك بفيض غير منقضب
وإن جفتك غوادي المزن هامية / سقاك دمع جفون جدّ منسكب
حلّاك إذ حلّ في مغناك منه حلىً / يروقُ منظرُها بالزهر والعُشُبِ
حلّلتها بعد شمل كاف مقترباً / في ربعها ببعاد غير مقترب
وشملنا في اجتماعٍ والزمان لنا / مساعف ومحلّ الدار في صقب
ولم ترعنا من التفريق حادثة / ولا تعدّى إلينا قادح النوبِ
وودّ لمياء لا شيء يدنّسهُ / كذاك وذّي لها عار من الريب
وليلة بتّ أجني من مراشفها / رضاب ثغر حكى ضربا من الضرَبِ
إذ غادرت حندس الظلماء وهو ضحى / من نور وجه بريك الشمس لم تغبِ
عاطيتُها خمرة حمراء صدافية / تخال في كاسها جمرا من اللهب
كأنّ في اليد منها بعدما مزجت / يا قوتة رصّعت من لؤلؤ الحبَبِ
لم يخلق الدهر إلّا وهيَ كائنة / في دنّها قبل خلق الكرم والعنبِ
حتى بدا الصبحُ يحكى في تبلّجهِ / وجه المليك عماد الدين ذي الرتب
ملك له بأسُ من لا يرتجى أبداً / وجود من كفّه توفي على السحُبِ
نعمى أبى الفتح من أغنت فواضلهُ / ذوي المقاصد من فاء ومقترب
ملك إذا ما البحار السبع قست بها / جدوى أياديه عادت منه كالقلبِ
إذا تناسب هذا الناس وافتخروا / كانت مناقبه أعلى منَ النسب
تجيي عطاياه ميتَ المكرمات كما / تنسي سجاياهُ ما قد خطّ في الكتبِ
فارقب رضاه وكن منه على ثقةٍ / وخف سطاه إذاً في ساعة الغضَبِ
لم يعتقل سمهريا يوم معركةٍ / إلّا وقام مقام الجحفل اللجب
نابت مهابتهُ عن سيفهِ وقفت / نفوسُ أعدائهِ من شدّةِ الرعُبِ
فاسأل أعاديه عن افعاله فلكم / كساهم الذلّ بعد الويل والحرَبِ
لم ينج منهم سوى من كان عصمتهُ / من خيفة القتل ما أعياه من هربِ
ملك الورى دعوةً منّي على مضضٍ / من الزمان الذي أخنى بلا سببِ
أودى تلادي وولى بعده تبعا / حتا طريفي وما جمعت من نشَبِ
وكان قد غفلت عني حوادثهُ / في بغلة كنت أقضي فوقها أربي
حتى ألمّ بها منه الردى فغدا / قلبي قتيل الأسى والهمّ والنصَبِ
ولم أجد سبباً يخني الزمان به / على ذوي الفضل إلا حرفة الأدب
فألبت عداي بأخرى مثلها فلقد / قصّرت عن كلّ ما أهوى من التعب
أولا فأدهم تغري الليل غرّتهُ / نهدُ القصيري شديد العظم والعصب
سامي التليل عريض المتن مرتفع / عالي النواهق وافي الرسغ والذنب
صافي الأديم كأن البرق غرّتهُ / رحب اللبان أسمّ الأنف والقصبِ
كاس من الليل بالظلماء ملتحف / لكنما زانهُ التحجيل بالجبَبِ
هقل إذا ما تولى مدبرا فإذا / أتى فظبي كناس ريع من كثَبِ
يكاد يسبق لحظ العين كيف جرى / فما يدانيه مرّ الريح في الخبَبش
ولو يباريه زاد الركب عن عرضٍ / في حلبةٍ لكبا منه على الركبِ
فذاك بغية مثلي من نداكَ وأن / وأعود من جودكم بالمنظر العجب
ملك البرايا لقد أملت صفاتك لي / ما ليس يحصر في شعر ولا خطب
تراك تشفع لي عند الوزير عسى / يخطّ وزري وعيب قد حوت عيبي
أفروتي هي والمقيار ألبيتها / في الصيف أم كفن ينضمّ في الترب
تحلّم البرد في جسمي فغادرهُ / لقا بغير لقاء السمر والقضب
إذا أتى القرّ لم اسطع مدافعةً / عني بسمر الموالي لا ولا اليلَبِ
وصال غيري نقد حاضر أبداً / والوصل لي موعد من غير مكتسبِ
كذاك حظّي من الأيام أعرفهُ / قد فاتني العمر والآمال تلعب بي
حاشا جنابك إني أستطلّ به / والحال ما حال من فقري ومن سقبي
ما لي سواكم فلا الحدباء أدخلها / يوما ولا حلبي قد درّ من حلَبِ
من لي إذا لم تكن لي يا أجل فنى / فاق البرية من عجم ومن عرب
لا تستمع في أقوالاً مزخرفةً / من غير ذي حسب كلا ولا نسب
ولا تصدّق عدوا ما يفوه به / عنّي ويشبهُ ما قال من كذب
وفي البريّةِ قوم عمّ جهلهمُ / حقّا فيا عوابه درّا بمخشلب
يبغون أن يبلغوا شأوي ومن لهمُ / به وكم بين صمّ الصخر زالذهب
سعر إلا دراكه من غير منقبةٍ / كلا ولا رتبةٍ في الدين والأدب
فقصّروا فرموني بالقبيح ولم / أكن الأرضاه في جدّ ولا لعب
ما زلتُ بالعلم طول الدهر في صعد / ولم يزالوا بفرط الجهل في صبَبِ
باللّه أقسم إني لا أزال لكم / موالياً مددَ الأيام والحقَبش
لما رأيت أنّي الجود قد غَرقت / فيه الأماني بمال جد منتهب
كنت الحقيق به من كل زي أمل / علما وفضلا وما أسلفت من قربِ
دم هذكا بغم تولى ومنقبة / تبنى فتسموا على الأفلاك والشهبِ
فالرزقُ والأجل المحتوم قد كفلت / كفاك إعطاءها بالمال والقضب
لم يلحتق شأوكم كسرى ولا تبعت / أخلاق تبّع أو مسعى أبي كربِ