المجموع : 6
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم / مشحونةً بضروب الفضل والأدَبِ
جاءت بأعذب ألفاظٍ منظمة / حتَّى لقد خلتها ضرباً من الضرب
زَهَتْ بأوصاف من تعنيه وابتهجت / كما زهت كأسها الصبهاءُ بالحَبب
عَلَّلْتمونا بكتْبٍ منكُم وَرَدتْ / وربَّما نَفَعَ التعليلُ بالكُتبِ
فيها من الشوق أضعافٌ مضاعفةٌ / تطوي جوانح مشتاقٍ على لهب
وربَّما عَرَضَتْ باللّطفِ واعترضت / دعابة هي بين الجدّ واللعب
قضيتُ من حُسْن ما أبْدَعْته عجباً / وأنتَ تقضي على الإحسان بالعجب
فنحن ممّا انتشينا من عذوبتها / ببنتِ فكرك نلهو لا ابنةِ العنب
فأطربتنا وهزَّتنا فصاحتها / فلا بَرِحَتْ مدى الأيام في طرب
أمَّا النقيبان أعلى الله قدرهما / في الخافقين ونالا أرفع الرتب
الطاهران النجيبان اللّذان هما / من خَير أمٍّ زكَتْ أعراقُها وأب
دامَ السَّعيد لديكم في سعادته / وسالم سالماً من حادث النوب
إنَّ الكويت حماها الله قد بلغت / باليوسْفين مكان السَّبْعة الشُّهب
تالله ما سمعت أذُني ولا بصرت / عَيْني بعزِّهما في سائرِ العرب
فيوسُف بن صَبيح طيب عنصره / أذكى من المسك إنْ يعبق وإنْ يطبِ
ويوسُف البَدر في سعدٍ وفي شرف / بدر الأماجد لم يغرب ولم يغب
فخر الأكارم والأمجاد قاطبة / وآفة الفضّة البيضاء والذهب
من كلِّ من بسطت في الجود راحته / صوب المكارم من أيديه في وَصب
لولا أمورٌ أعاقتنا عوائقها / جِئْنا إليكم ولو حَبْواً على الرّكب
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ / وزوِّج ابنَ سماءٍ بابنةِ العنب
واشرب على نغم الأوتار صافية / مذابة من لجين الكأس من ذهب
ولا تضع فرصةً جاد الزمان بها / ساعات أنسك بين المجد واللعب
أما ترى الروض قد حاكت مطارفه / أيدي الربيع وجادتها يد السحب
والورد قد ظهرت بالحسف شوكته / وخضب وجنتاه من دم كذب
وزان ما راق دمع الطل حين بدا / تبسّم الأقحوان الغض عن شنب
والراح منعشة الأرواح إن مزجت / صاغ المزاج لها تاجاً من الحبب
وإن بدت وظلام الليل معتكر / رمت شياطين هم المرء بالشهب
داو بها كلَّ ما تشكوه من وصب / ففي المدامة ما يشفي من الوصب
ودُر بحيث ترى الأقداح دائرة / فإنها لمدار الأنس كالقطب
يعود ما فات من عهد الشباب بها / يشبّ فيها معاطيها ولم يشب
يمجُّ منها فمّ الإبراق رائقة / تخالها إنها صيغت من اللهب
في جنة راق للأبصار رونقها / وأدمعُ المزن ما تنفك في صبب
والوُرق تملي من الأوراق ما خطبت / على منابر غصن الدوح من خطب
وما برحت لأيام مضت طرباً / داعي المسرة والأفراح يهتف بي
حتَّى إذا العيد وافانا بغُرَّتِه / أقَرَّ شوال عيني في أبي رجب
بالسيد العلويّ الهاشميّ لنا / فوز يؤمَّل من قَصْدٍ ومن أرب
أحيت مكارمه ما كنت أعْرِفُها / من الأوائل في الماضي من الحقب
الله ألهمه فهماً ومعرفة / وحسن خلقٍ وحلماً غير مكتسب
إنِّي أباهي به الأشراف أجمعها / بذلك النسب العالي الَّذي حسب
فداؤه كل ممقوت بشانئه / فلا إلى حسب يعزى ولا نسب
هو السعيد الَّذي يشقى العدو به / من ذا يعاديه في الدنيا ولم يخب
لما دعاه وليّ الأمر منتدباً / أجابه وأراه خير منتدب
دعاه مستنصراً في عسكر لجب / وقد ينوب مناب العسكر اللجب
فسار مستصحب التوفيق يومئذٍ / فسار أكرمَ مصحوبٍ ومصطحب
وصار تدبيره يغني عساكره / عن الكتائب بالأقلام والكتب
كم كربة نفّست للجيش همته / فحقّه أنّ يسمى كاشف الكرب
دعا إلى طاعة السلطان فاجتمعت / له القبائل من بعد ومن قرب
لقد أجابته وانقادت لطاعته / ولو دعاها سوى علياه لم تجب
أراعهم ما أراهم من مكارمه / وجاء من بره المعروف بالعجب
تلك المزايا لأجدادٍ له سلفت / فأعقب الله ما للمجد من عقب
من سادة شرّف الله الوجود بهم / قد أوْرِثوها علاءً من أبٍ فأب
فلم تجد من لسان غير منطلق / ولا فؤاداً إليهم غير منجذب
فلا تقسهم بقوم دونهم شرفاً / يوماً وكيف يقاس الرأس بالذنب
لقد كفى العسكر المنصور نائبة / تجثو لها نوب الدنيا على الركب
وقوّمت كل معوَجٍّ صوارمه / وسكنت منذ وافى كلّ مضطرب
وأسعد الله مولانا الفريق به / فكان ثابت سعد غير منقلب
وكان أعظم أسباب الفتوح له / فيا له سبب ناهيك من سبب
أما وربك لولاه لما خمدت / نار لها غير فعل النار بالحطب
دهياء تفغر فاهاً لا سبيل إلى / ترك ابتلاع سراة القوم بالنوب
المطمعين بنيل المجد أنفسهم / لا يسأمون من الإقدام في الطلب
وكان خيراً لهم لو أنهم رجعوا / عن غيّهم بعد ذاك الجهد والنصب
بَغوا لما نزغ الشيطان بينهم / والبغي يسلم أهليه إلى العطب
حتَّى إذا دبّروا للحرب أمرهم / وهم عن الرأي والتدبير في حجب
فأقبلت برجال لا عداد لها / وحيّر الترك ما لاقت من العرب
لله درك ماذا أنتَ فاعله / بذلت نفسك فوق المال والنشب
والحرب قائمة والنار موْقدة / يقول منها جَبانُ القوم واحَربي
يساقط الموت من أبطالها جثثاً / كما يساقط جذع النخل بالرطب
برزت فيهم بروز السيف منصلتاً / من غمده وأخذت القوم بالرعب
كففت أيديهم عن ما تمد له / فما استفادوا سوى الخذلان في الغلب
وشتت الله ممن قد طغى وبغى / جمع الخوارج بين القتل والهرب
ودمّر الله في أقدامهم فئة / فكان أعدى إلى أخرى من الجرب
تعبتم فأرحتم بعدها أمماً / كم راحة يجتنيها المرء من تعب
وعم فضلك ذاك القطر أجمعه / يا حسن ما أصبحت في مربع خصب
رأس الأكابر والأشراف من مضر / صدر الرئاسة فخر السادة النجب
ليهنك النصر والفتح المبين وما / بلغت من جانب السلطان من أرب
لئن حباك بنيشان تُسرُّ به / بطالع لقران السعد لم يغب
هذا المشير أعزّ الله دولته / أبانَ فضلك إعلاناً لكلّ غبي
وخذ إليك بقيت الدهر قافية / تلوح منك عليها بهجة الأدب
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا / إلاَّ وأَشْرقَ بدرٌ كانَ مُحتجبا
لا ينزع الله مجداً كانَ مُعطيَه / آل النبيّ ولا فضلاً ولا أدبا
الكاشفون ظلام الخطب ما برحوا / بيض الوجوه وإنْ صالوا فبيض ظبا
من كلّ أَبلَجَ يزهو بهجةً وسناً / تخاله بضياء الصُّبح منتقبا
قد أنفَقوا في سبيل الله ما ملكوا / واستَسْهلوا في طِلاب العزّ ما صَعبا
هم الجبال اشمخرَّتْ رفعةً وعُلًى / هم الجبال وأَمَّا غيرهم فربا
أبناء جدٍّ فما تدنو نفوسهُم / من الدنيَّة لا جدًّا ولا لعبا
عارون من كلّ ما يزري ملابسه / يكسوهم الحُسن أبراداً لهم قُشُبا
ومُنْيَةً قد حثَثْناها فتحسبها / نجائباً لا وجًى تشكو ولا لغبا
إلى عليٍّ عليِّ القدر مرجعها / نقيبُ أَشرافٍ غرّ السَّادة النُّجبا
الواهب المال جمًّا غير مكترثٍ / والمستقلّ مع الإِكثار ما وهبا
يريك وفر العطايا من مكارمه / يوم النوال وإنْ عاديتَه العطبا
قد شرَّف الله فرعاً للنبيّ سما / إلى السَّماء إلى أنْ طاولَ الشُّهبا
لِمْ لَمْ يُشرَّف على الدُّنيا بأجمعها / من كانَ أشرف هذي الكائنات إبا
هذا هو المُجد مجدٌ غير مكتسب / وإنَّما هو ميراثٌ أباً فأبا
من راح يحكيهم بين الورى نشباً / فليس يحكيهم بين الورى نسبا
أنتُم رؤوس بني الدُّنيا وسادتها / إنْ عُدَّ رأسُ سواكم لاغتدى ذنبا
لكم خوارق عادات متى ظهرت / على العوالم كادتْ تخرق الحجبا
رقَّتْ شمائِلُكَ اللاّتي ترقُّ لنا / حتَّى كأَنَّك مخلوق نسيم صبا
وفيك والدَّهر يخشى من حوادثه / ويرتجى رهباً إذ ذاك أو رغبا
صلابةٌ قطّ ما لانتْ لحادثةٍ / وقد تلين خطوب الدَّهر ما صلبا
وعزمةٍ مثل ورْي الزّند لو لمست / مَوْجاً من اليمّ أضحى موجه لهبا
تجنَّب البخل بالطَّبع الكريم كما / تجنَّب الهجر والفحشاء واجتنبا
فنال ما نالَ آباءٌ له سلفت / ندبٌ إلى الشَّرف الأَعلى قد انتدبا
إنْ كانَ آباؤه بالجود قد ذهَبوا / فقد أعاد بهذا الجود ما ذهَبا
فانظر لأيديه إنْ جادتْ أنامله / بالصيّب الهامل الهامي ترى عجبا
أينَ الكواكبُ من تلك المناقب إذ / تزهو كما زَهَتْ بالقطر زهر رُبا
تلك المزايا كنظم العقد لو تُلِيَتْ / على الرَّواسي لهزَّت عطفها طَرَبا
يرضى العلاء متى يرضى على أحدٍ / ويغضب الدَّهر أحياناً إذا غضبا
قد بلَّغت نعم العافين أنعمه / فلم تدعْ لهُمُ في غيره إرَبا
يقول نائلُه الوافي لوافده / قد فازَ جالب آمالي بما جلبا
أكرِمْ بسيّد قومٍ لا يزال له / مكارمٌ تركت ما حاز منتهبا
نَوْءُ السَّحائب منهلٌّ على يده / فلا فقدنا به الأَنواء والسُّحبا
الكاسب الحمد في جود وبذل ندًى / يرى لكل امرئٍ في الدَّهر ما كسبا
نهزُّ غصناً رطيباً كلّ آونةٍ / يساقط الذَّهب الإِبريز لا الرّطبا
فما وجدتُ إلى أيَّامه سبباً / إلاَّ وجدتُ إلى نيل الغنى سببا
وحبَّذا القرم في أيَّام دولته / حَلَبْتُ ضرع مرام قطُّ ما حلبا
بمثله كانت الأَيَّام توعدنا / فحانَ ميعاد ذاك الوعد واقتربا
حتَّى أجابته إذ نادى مآربه / بمنصب لو دعاه غيره لأبى
موفَّق للمعالي ما ابتغى طلباً / إلاَّ وأدرك بالتَّوفيق ما طلبا
سبَّاق غايات قومٍ لا لحاق له / وكم جرى إثره من سابقٌ فكبى
مذْ كنتَ أَنْتَ نقيباً سيِّداً سنداً / أوْضَحتَ آثار تلك السَّادة النُّقبا
أَضْحكتَ بعد بكاء المجد طلعته / وقد تبسَّم مجدٌ بعد ما انتحب
أحيَيْتَ ما ماتَ من فضلٍ ومن أدبٍ / فلتفتخر في معاني مدحك الأدبا
يا آل بيت رسول الله إنَّ لكم / عليَّ فضلاً حباني الجاه والنشبا
وأيدياً أوْجَبتْ شكري لأنعمها / فاليوم أقضي لكم بالمدح ما وجبا
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً / لا علَّةً تشتكي فيه ولا وَصَبا
والحمد لله شكراناً لنعمته / أقْضي به من حقوق الشكر ما وجبا
فاليوم ألبَسَك الرحمن عافيةً / تبقى ورَدَّ عليك الله ما سلبا
من بعد ما مرض برحٍ أصبتَ به / وكنتَ لاقيتَ مما تشتكي نصبا
وكم شربتَ دواءً كنتَ تكرَهُهُ / فكان عافيةً فيه لمن شربا
وقد ظهرتَ ظهورَ الصُّبح منبلجاً / فطالما كنتَ قبل اليوم محتجبا
تَفديك روحي وأمِّي في الورى وأبي / فإنَّما أنت خيرُ المنجيين أبا
لي فيك مولاي عن بدر الدجى عِوَضٌ / إن لاح بدر الدجى عني وإن غربا
يا بَدْرَ تِمٍّ بأٌفق المجد مطلعه / من قال إنَّك بَدْرُ التِمِّ ما كذبا
إن رُمْتُ منك مراماً نلت غايته / وإن طلبتُ منىً أدرَكْتُها طلبا
وإن هَزَزْتُك للجدوى هززتُ فتًى / أجني به الفضَّةَ البيضاء والذهبا
يا أكرمَ النَّاس في فضلٍ وفي كرمٍ / ومن رآك رأى من فضلك العجبا
لم يَدَّخِرْ في النَّدى مالاً ولا نشباً / إنَّ المكارم لا تُبقي له نشبا
هب لي رضاك وأتْحِفْني به كرماً / فأنت أكرمُ من أعطى ومن وهبا
ما زلتُ إن لم أجِدْ لي للغنى سبباً / وجدتَ لي أَنْتَ في نيل الغنى شببا
يَرِقُّ فيك ثنائي بالقريض كما / تنفَّسَتْ في رياض الحُزن ريحُ صَبا
والشعر يرتاح أن يُثنى عليك به / وإن دعاه سواكم للثناء أبى
فخراً أبا مصطفى في العيش صفوته / فقد تكدَّرَ عيشي فيك واضطربا
لما انقلبتَ كما نبغي بعافية / بنعمةِ الله قد أصْبَحَت منقلبا
وقلتُ يوم سروري يا مؤرِّخَه / يومٌ به البؤسُ عن سلمان قد ذهبا
قَبرٌ به سيِّدٌ شريفٌ
قَبرٌ به سيِّدٌ شريفٌ / تُكْشَفُ في مثلِهِ الكرُوبُ
دهى عُلاه خطبُ المنايا / وللمنايا بنا خطوبُ
فلا طبيبٌ ولا حبيبٌ / ولا بعيدٌ ولا قريبُ
يَرُدُّ ما قَد قضاه ربٌّ / وهو على عَبده رقيبُ
وآهاً له من فراق / فغائب القوم لا يؤوبُ
تبكي عليه أشراف قومٍ / لها بكاءٌ به نحيبُ
يومٌ به قد قيل أَرِّخ / مَضى إلى ربّه النقيبُ
أبو الثناء شهابُ الدِّين ما بَلَغَتْ
أبو الثناء شهابُ الدِّين ما بَلَغَتْ / عقائلُ المالِ إلاَّ من مواهِبه
قضى على المال بالإِنفاق نائله / فقلتُ يا فوزَ راجيه وطالبه
وكلَّما رُحْتُ أستسقي سحائبه / سُقيتُ عذباً نميراً من سحائبه
مستعذب الجود يجني الشّهد سائله / كما يَسوغ ويُستحلى لشاربه
سيف الشَّريعة ماضي الحدّ منصلت / فهل ظفِرْتَ بأمضى من مضاربه
وهل سَمِعتَ بفضلٍ عُدَّ في زمنٍ / ولم يكن آخذاً منه بغاربه
يا دَرَّ دَرُّ زمانٍ من غرائبه / إنْ كانَ أغربَ شيءٍ في غرائبه
قد عزَّ جانبه العالي وبزَّ عُلًى / فالعِزُّ أجمعُ والعليا بجانبه
ولاح للفَلَكِ الأَعلى مناقبه / فَعَدَّها وهي أبهى من كواكبه
يا من يُحَدِّثُ عن العلم يسنده / حدِّثْ عن البحر وارْوِ من عجائبه