المجموع : 3
حلفتُ بالخمرِ والنساءِ
حلفتُ بالخمرِ والنساءِ / ومجلسِ الشعرِ والغناءِ
ورحلةِ الصيفِ في أوربا / وسحر أيامِها الوضاءِ
رفعتُ فيها لواءَ مصرٍ / ورأس مصرٍ إلى السماءِ
لم أنسكم قطُّ أصدقائي / ولم يحُلْ عنكمُ إخائي
أُحبكمُ فوق كلِّ حبٍّ / وهانَ في حبكم فنائي
فما تظنّون في وفيٍّ / أربى هواهُ على الوفاءِ
إذا احتواهُ الصعيدُ ليلاً / وهيمنتْ نَسمة المساءِ
وتاهتِ الأقصر اختيالاً / بالغيدِ في موسم الشتاءِ
صَدفتُ عنها إلى وجوهٍ / عرفتُ فيهنَّ أصدقائي
أنتم وهل لي سوى خيالٍ / يجمعكم بي على التنائي
فانتظروني ولا تظنوا الظْ / ظنون واستمطروا ثنائي
هذي سماؤكِ أنغامٌ وأضواءُ
هذي سماؤكِ أنغامٌ وأضواءُ / غنّاكِ داودُ أم حياكِ سيناءُ
أم النبيُّون قد أزجتْ سفائنَهم / موعودةٌ من ليالي النيل قمراءُ
أم طالعتكِ من السِّحر القديم رؤىً / يشدو بهنَّ الثرى والريحُ والماءُ
أم جاء طيبةَ من أربابها نباًٌ / أم أنّ كهّانها بالوحي قد جاؤوا
أم سار عمرو بنور الفتح فائتلقتْ / به زبرجدةٌ في الشطِّ خضراءُ
ماجت خمائلَ بالبشرى وأوديةً / فهن فاكهةٌ تَندى وصهباءُ
يا مصرُ ذلكَ يوم الملتقى وعلى / صَباحه قَدِم الرُّسْلُ الأجلَّاءُ
أسرتْ إليك بهم روحٌ وعاطفةٌ / وكم إليك بسرِّ الروحِ إسراءُ
دعا فلبّوهُ صوت من عروبتهم / كما يلبّي هتافَ الأمّ أبناءُ
لا بل أهاب بهم يومٌ صنائعهُ / من أمرها الناسُ أمواتٌ وأحياءُ
إن لم تَصُنْ فيه أيديهم تُراثَهمو / فقد تَبدَّدَ والأيامُ أنواءُ
طاحتْ بناصيةِ الضعفى وسخَّرها / كما يشاء الأشدّاءُ الألبّاءُ
أحرارُ دهر همو المستيقظون لها / ومن غفوا فهمو الموتى الأرقَّاءُ
بَني العروبةِ دارَ الدهرُ واختلفت / عليكمو غِيَرٌ شتَّى وأرزاءُ
مضى بضائقتيها الأمسُ وانفسحتْ / أمام أعينكم للمجد أجواءُ
اليوم شيدوا كما شادت أبوّتكم / شرقاً دعائمه كالطود شمَّاءُ
دستوره وَحدةٌ مُثلى وشرعتهُ / بالحق ناطقةٌ بالحبِّ سَمْحاءُ
لكم بحاضركم من دهركم نُهَزٌ / فيها لغابركم بعثٌ وإحياءُ
شُدُّوا على العروة الوثقى سواعدكم / لا يَصدَعنَّكمو بالخلف مشَّاءُ
لم تنأَ بغدادُ عن مصر ولا بَعُدَتْ / لبنانُ والمسجدُ الأقصى وشهباءُ
أيُّ التخوم تناءَتْ بين أربعها / لها من الروح تقريبٌ وإدناءُ
أرضٌ عليها جرى تاريخنا وجرى / دمٌ به كَتَبَ التاريخَ آباءُ
مباركٌ غرسُهُ منه بأندلس / والقادسيّة واليرْمُوكِ أجناءُ
خوالدُ النفح لم يذهبْ بنَضرَتها / حرٌّ وقرٌّ وإصباحٌ وإمساءُ
إيهٍ بني الشرق فالأبصارُ شاخصةٌ / لما تُعدُّونَ والآذان إصغاءُ
يستطلعُ الشرقُ ما يجري به غدُه / يا شرقُ إنَّ غداً هدمٌ وإنشاءُ
بصيحة السِّلم لا يأخذْكَ إغراءُ / فللمطامع إغراءٌ وإغواءُ
تفتَّحتْ صُحفُ الأيام وانبعثتْ / أقلامُها وصَغَتْ كتبٌ وأنباءُ
وطأطأتْ أممٌ مقهورةٌ ورنا / أنصارُ حقٍّ على الجلَّى أودَّاءُ
مسّتهمو الحربُ مسّ المرمَضين بها / فما تشكو ولا شكّوا ولا راؤوا
في عالم الغد ماذا قد أُعدَّ لهم / وما ترَى أُممٌ في الحرب غلباءُ
خَطَّت مواثيق للإنسان واشترعتْ / بناءَ دنيا لها الإحسانُ بنّاءُ
إني أخاف عليها أن تضيعَها / يدٌ مُبرَّأة للسلم بيضاءُ
في ساعةٍ من خُمار النصر سامرُها / لما جرى من عهود الأمس نسَّاءُ
فقُدْ شراعكَ لا تُسلِم أزمَّته / لغير كفّكَ إنَّ الريحَ هوجاءُ
يا شرقُ مجدُكَ إنْ لم تُرس صخرتهُ / يداكَ أنت فقد أخلتهُ أهواءُ
يا شرقُ حقُّكَ إنْ لم تحمِ حوزتَهُ / صدورُ قومك لم تُنقذهُ آراءُ
والكونُ ملحمةٌ كبرى جوانبها / دمٌ ونارٌ وإعصارٌ وظلماءُ
أكان عندكَ هذا الموتُ يصنعه / بكفّهِ آدمُ العاصي وحواءُ
من ذات أجنحة يخشى مسابحها / غولٌ ونسرٌ وتِنِّينٌ وعنقاءُ
شأتْ خطاها بساطَ الريح وانطلقت / والأرضُ من هولها سوداءُ حمراءُ
تعلو وتنقضُّ وشكَ اللَّمْحِ صاعقةً / يكاد منها يُصيب النجمَ إغماءُ
وزاحفاتٍ من الفولاذ قد هُصِرَتْ / من ثقلهنّ لصدر الأرض أحناءُ
إنْ صَعَّدتْ فالجبالُ الشمُّ هاويةٌ / أو عربدت فالصخورُ الصمُّ أشلاءُ
لم يَخلُ من شرها ماءٌ ويابسةٌ / أو تنجُ من غدرها غابٌ وصحراءُ
يا شرقُ يومُك لا تُخطئ سوانحه / فليس تُغفَرُ بعد اليوم أخطاءُ
في عهد فاروق طاب الملتقى وعلى / جنَّاتِهِ لقِيَ القربى الأحبَّاءُ
حَمَى العروبةَ أعراقاً ومدَّ لها / خِصباً لها فيه إنباتٌ وإزكاءُ
وباكرتها سماءٌ من مآثره / فيها لكلِّ صنيعٍ منه لألاءُ
عباقرُ الشَّرق هم آباؤه وهمو / ملوكُهُ الصِّيد والشمُّ الأعزاءُ
يا عصبة الوحدة الكبرى وعصمتَها / هذي طوالعكم جلواءُ غراءُ
ودِدْتُ لو شِدْتُ بالأسماء شاديةً / بها ربوعٌ حبيباتٌ وأرجاءُ
وما أُسمِّي فتىً شتَّى مناقبُهُ / إنَّ المناقب للفتيان أسماءُ
المصطفى وحواريُّوهُ إنْ ذُكِرُوا / فالشرقُ مَنبهةٌ والغربُ أصداءُ
وكلكم عن حمى أوطانه بطلٌ / مستقتلٌ قرشيُّ الرُّوح فدَّاءُ
باللّهِ إن جئتمو الوادي وناسمكم / ثرَاهُ فهو أزاهيرٌ وأنداءُ
وطاف بالذكريات الأمسُ واستبقتْ / بالدمع عينٌ وبالأشواقِ حوباءُ
فاقضوا حقوقَ إخاءٍ تستجير به / أُختٌ لكم في صراع الدهر عزلاءُ
طعامها من فُتات العيش مسغبةٌ / وريُّها منهُ إيلامٌ وإشقاءُ
أحَلَّها ذَهَبُ الشَّاري وحرَّمَها / عصرٌ به حُرِّرَ القومُ الأذلَّاَءُ
حَرْبانِ أثخنتاها أدمعاً ودماً / تنزو بها مهجةٌ كلْمى وأحشاءُ
هذي فلسطين أو هذي روايتُها / ماذا تقولون إنْ لم يُحسَمِ الداءُ
تطلَّعتْ لكمو ولهى أليس لها / على يديكم من العلَّاتِ إبراءُ
حملتمو العهدَ فيها عن أبوّتكم / إنَّ البنين لحمل العهد أكفاءُ
مسراكَ نورٌ وأنسامٌ وأنداءُ
مسراكَ نورٌ وأنسامٌ وأنداءُ / فاخفقْ شراعي وطِرْ يصدحْ لك الماءُ
يا أيها القلقُ الحيرانُ كم أملٍ / تشدو به موجةٌ في البحر عذراءُ
يحدوكَ بالنغم السكرانِ أرغنُها / في مَسْبحٍ ماؤه زهرٌ وصهباءُ
أما ترَى البحرَ يبدو في مفاتنهِ / لكل حُبٍّ جديدٍ فيه أجواءُ
وفجرهُ صائدٌ طارتْ بمهجتِهِ / حوريَّةٌ في فجاج اليمِّ شقراءُ
وليلهُ مرقصٌ تغشاهُ غانيةٌ / في مُطرَفٍ أسود وشَّاهُ لألاءُ
شتَّى مواكبَ من حورٍ وآلهةٍ / لها التفاتٌ إلى الماضي وإصغاءُ
تهزُّها بقديم الشوقِ أشرعةٌ / مرنَّحاتٌ تُغنِّيهن أنواءُ
يقودهنَّ على الأمواج في مَرحٍ / ملاَّح وادٍ له بالتِّيه إِغراءُ
ما بين عينيه سال البرقُ مبتسماً / واستضحكتْ قلبَهُ مُزنٌ وهوجاءُ
زوَتهُ عنها السنون السبعُ واختلفتْ / عليه من بعدها نُعْمَى وبأساءُ
مُغَرَّباً في ديارٍ من عشيرته / بها الأحبَّةُ حُسَّادٌ وأعداءُ
وقيلَ كفَّتْهُ عن دنيا شواردهِ / بيضاءُ من شَعَراتِ الرأس غرّاءُ
لا يا غرامي وهذا الفنُّ مِلءُ دمي / بالنَّار والصَّبواتِ الحمر مشَّاءُ
ما أَفلَتتْ من يدي غيداءُ عاصيةٌ / إلا وعادتْ إليها وهي سمحاءُ
وذاك شاطئنا المسحور تزحُمُهُ / من ذكرياتكَ أطيافٌ وأصداءُ
على الصخور الحواني من مَشارفهِ / ربَّاتُ وحيٍ وأشواقٌ وأهواءُ
أقمن منتظراتٍ ما شكونَ ضنىً / وقد تعاقبَ إِصباحٌ وإِمساءُ
حتى رأتني على بُعْدٍ مطوَّقةٌ / مجروحةُ الصوتِ ولهى اللحن سجواءُ
همَّتْ تُغنّي فكانت نبأةً وصدىً / صَحَتْ لوقعهما دوحٌ وأفياءُ
عرائسَ الشعر قد عاد الحبيبُ وفي / عينيه سهدٌ وتعذيبٌ وإِضناءُ
آب المغامرُ من دنيا متاعبه / أما لهُ راحةٌ منها وإِغفاءُ
دعِيهِ يحلُمْ بأن البحر في دعةٍ / والريحَ ناعمةٌ والأرضَ قمراءُ
وأنها في ظلال السِّلم نائمةٌ / وأنها جنَّةٌ للحبِّ غنَّاءُ
وقرِّبي كأسهُ واصغي لمزهره / يُسْمِعْكِ أَشجى نشيدٍ زفَّهُ الماءُ
وقيل لبنانُ سحرُ الشرق فاندفعتْ / سفينةٌ وهفتْ بالشوق دأماءُ
أَوحى له الشرقُ أنَّا من أحبَّتِهِ / وأننا في الهوى أهلٌ أودَّاءُ
فقرَّبتنا وشفَّتْ عن بشاشته / به قُرىً كربوع الخلد شجراءُ
في كل مُنْحدرٍ منها ومرتفع / مسحورةُ النَّبع ريَّا النَّبت جلواءُ
فَعُلِّقَتْ بمغانيه نواظرُنا / وقبَّلتْ نسمات الأرز حوباءُ
واستقبلتنا طيورٌ في مناقرها / شدوٌ وزيتونةٌ للشرقِ خضراءُ
تُرقِّصُ الموجَ إنْ مَسَّتْهُ أجنحُها / كقلبِ آدمَ إذ مَسَّتْهُ حواءُ
في ساحلٍ من خرافاتٍ وأخْيلةٍ / بهنَّ لبنانُ روَّاحٌ وغدَّاءُ
لاحتْ على سفحه بيروتُ فاتنةً / صبيَّةً وهي مثلُ الدهر شمطاءُ
توسَّدتْ صخرةَ الآباد والتفتتْ / ترعى سفائنُ من راحوا ومن جاؤُوا
أتلك بيروتُ أم من بابلٍ صُوَرٌ / معلقاتٌ لها بالسحر إِيحاءُ
شُغْلُ العباقرة الشادين من قِدَمٍ / مجددين لهمْ في المجد أسماءُ
وأومأتْ بالهوى عاليُّ فاعتنقتْ / من حولنا ثَمَّ أظلالٌ وأضواءُ
قامتْ تُنَسِّقُ من ماءٍ ومن شجرٍ / فكلُّ ناحيةٍ زهرٌ وأجناءُ
كأنما نُبِّئَتْ من عشتروت لقىً / فازَّينتْ فهي سيقانٌ وأثداءُ
تقول يا ربَّةَ الحسن انظري وصِفي / أفوقَ واديكِ مثلي اليوم حسناءُ
عاليُّ رِفقاً بأَبصارٍ مُدلَّهَةٍ / لَها إِلى الحُسنِ بالأَلبابِ إِفضاءُ
عاليُّ إنَّا نشاوى من هوىً وأسىً / إنَّا محبُّون يا عاليُّ أنضاءُ
وحانَ بَعدُ وداعٌ من فرادسها / وقد جَرَتْ بخُطى الشمس المُليْساءُ
فاغرورقتْ بدموعِ الوجدِ أعيننا / وأشفَقَتْ من وجيب القلب أحناءُ
وسار عنها شراعٌ حائرٌ قلِقٌ / له إلى الغَرْبِ بالأسفارِ إِيماءُ
يا بحرُ ما بكَ هل مَسَّتكَ عاصفةٌ / أم استخفَّكَ إِزبادٌ وإِرغاءُ
أشاقك الغربُ أم شفَّتكَ موجدةٌ / لما خَبَتْ من ربوعِ الشرق أسناءُ
هذي السماءُ صفاءٌ والدُّجى قمَرٌ / للحسن فيه وللعشَّاق ما شاؤوا
يا بحرُ ما بكَ ما بي مصرُ ما بَعُدَتْ / ولي إليها بهذا الشعر إِسراءُ
عَجِبْتُ والعصرُ حرّ كيف في يدها / هذا الحديدُ له حَزٌّ وإِدماءُ
أقسمتُ لا رجعتْ بي فيكَ جاريةٌ / إنْ لم تجىء عن جلاءِ القوم أنباءُ
وأن مصر بحريَّاتها ظفِرتْ / فأهلها اليوم أحرارٌ أعزَّاءُ
أقسمتُ إلَّا إذا نادتْ بِفتيتها / فهبَّ مستقتلٌ عنها وفدّاءُ