رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ / في الأَرضِ أَبكي مِنَ الشَقاء
فَرَقَّ وَاللَهُ ذو حَنانٍ / عَلى ذَوي الضُرِّ وَالعَناء
وَقالَ لَيسَ التُرابُ داراً / لِلشِعرِ فَاِرجَع إِلى السَماء
وَشادَ فَوقَ السِماكِ بَيتي / وَمَدَّ مُلكي عَلى الفَضاء
فَاِلتَفَّتِ الشُهبُ حَولَ عَرشي / وَسارَ في طاعَتي الضِياء
وَصِرتُ لا يَنطَوي صَباحٌ / إِلّا بِأَمري وَلا مَساء
وَلا تَسوقُ الغُيومَ ريحٌ / إِلّا وَلي فَوقَها لِواء
فَالأَمرُ بَينَ النُجومِ أَمري / لي الحُكمُ فيها وَلي القَضاء
لَكِنَّني لَم أَزَل حَزيناً / مُكتَئِبَ الروحِ في العَلاء
فَاِستَغرَبَ اللَهُ كَيفَ أَشقى / في عالَمِ الوَحيِ وَالسَناء
وَقالَ مازالَ آدَمِيّاً / يَصبو إِلى الغيدِ وَالطِلاء
وَمَسَّ روحي وَاِستَلَّ مِنها / شَوقي إِلى الخَمرِ وَالنِساء
وَظَنَّ أَنّي اِنتَهى بَلائي / فَلَم يَزِدني سِوى بَلاء
وَاِشتَدَّ نَوحي وَصارَ جَهراً / وَكانَ مِن قَبلُ في الخَفاء
وَصارَ دَمعي سُيولَ نارٍ / وَكانَ قَبلاً سُيولَ ماء
يا أَيُّها الشاعِرُ المُعَنّى / حَيَّرَني داؤُكَ العَياء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ طَيراً / فَقُلتُ كَلّا وَلا غَناء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ نَجماً / أَجَبتُ كَلّا وَلا بَهاء
هَل تَبتَغي المالَ قُلتُ كَلّا / ما كانَ مِن مَطلَبي الثَراء
وَلا قُصوراً وَلا رِياضاً / وَلا جُنوداً وَلا إِماء
وَلَيسَ ما بي يا رَبُّ داءٌ / وَلا اِحتِياجي إِلى دَواء
وَلا حَنيني إِلى القَناني / وَ لا اِشتِياقي إِلى الظِباء
وَلا أُريدُ الَّذي لِغَيري / ذا حِكمَةٍ كانَ أَم مَضاء
لَكِنَّ أُمنِيَّةً بِنَفسي / يَستُرُها الخَوفُ وَالحَياء
فَقالَ يا شاعِراً عَجيباً / قُل لي إِذَن ما الَّذي تَشاء
فَقُلتُ يا رَبِّ فَصلَ صَيفٍ / في أَرضِ لُبنانَ أَو شِتاء
فَإِنَّني هَهُنا غَريبٌ / وَلَيسَ في غُربَةٍ هَناء
فَاِستَضحَكَ اللَهُ مِن كَلامي / وَقالَ هَذا هُوَ الغَباء
لُبنانُ أَرضٌ كَكُلِّ أَرضٍ / وَناسُهُ وَالوَرى سَواء
وَفيهِ بُؤسي وَفيهِ نُعمى / وَأَردِياءٌ وَأَتقِياء
فَأَيُّ شَيءٍ تَشتاقُ فيهِ / فَقُلتُ ما سَرَّني وَساء
تَحِنُّ نَفسي إِلى السَواقي / إِلى الأَقاحي إِلى الشَذاء
إِلى الرَوابي تَعرى وَتَكسى / إِلى العَصافيرِ وَالغِناء
إِلى العَناقيدِ وَالدَوالي / وَالماءِ وَالنورِ وَالهَواء
فَأَشرَفَ اللَهُ مِن عُلاهُ / يَشهَدُ لُبنانَ في المَساء
فَقالَ ما أَنتَ ذو جُنونٍ / وَإِنَّما أَنتَ ذو وَفاء
فَإِنَّ لُبنانَ لَيسَ طَوداً / وَلا بِلاداً لَكِن سَماء