المجموع : 6
لو كنت كالمتنبي في جراءته
لو كنت كالمتنبي في جراءته / وفي التحدي لحساد وأعداء
لطرت فوق بساط الريح منصلتا / سيفا يمزق ما آذاك من داء
قد سار وصف له في سعره مثلا / للفن والفن عندي فوق إنشائي
يا منسي الناس آلاما لعلتهم / عوفيت واسلم كعيسى في سويدائي
أعدّ ساعات قرب موشك ثملا / كراهب بين تسبيح وإصغاء
إني على الحب قد نشئت لا عوض / عنه لروحي أو سر لإحيائي
وما الجمال سوى ند لروعته / أو توأم بين أطياف وأضواء
أهلا بعودك للأحياء تسعدهم / وتنشر النور فيهم بعد ظلماء
الحب والحسن في كفيك قد رفعا / للمهتدين فيما يجزيك إطرائي
وددت أهدي طويل العمر من أدبي
وددت أهدي طويل العمر من أدبي / في عيده نفح أضواء وأنداء
أبقى على الدهر من أموال دولته / ولن يبز بإشعاع وأشذاء
ولن تسامى بشعر عبقريته / كأنما فوق معنى الوحي إيحائي
أصغت إلى شدوه الآرباب ساهمة / والأنبياء وأعلام الألباء
فلم أجد غير صدق النصح يشفعني / واشرف النصح لا يجزى بإصغاء
لكنني لا أزال الحر معتمدا / على وفائي وإخلاصي وآرائي
أزجي لكم من ضميري في تجاربه / عبر القرون تعالت فوق أهواء
معالم الحق لم تخذل مسائلها / وخبرة لم تزل ذخري وإثرائي
كما نصحت لكم من قبل في شغفي / بخيركم فكبا صوتي وأصدائي
كأنما كان تبصيري لكم سفها / وحكمة الحر سم للأرقاء
في عيد ميلادك الميمون أي هدى / يرجى سوى طرد هذا الموغل الداء
وكيف يطرد إذ يحمي زبانية / هذا الأذى لشجى مؤتى وأحياء
قد أصبح الملك فذا في دعارته / ورمزه بين إجرام وفحشاء
من كل أرعن في عرنينه خرف / وكل لص وسكير وزناء
فاقوا الجراد وباء حينما أتفقوا / على الخراب لأموال وأرجاء
حتى بيثرب ضج القبر من جزع / لأمّة بعد نور رهن ظلماء
حتى بمكة صار البيت في دنس / من قومكم بين أبناء وأحباء
مبددي المال تبديدا لسمعتهم / وقاتلي الشعب في بؤس وأنواء
دون المعارف قد لائت مفارقهم / أعراض طيش وزهري وأقذاء
حتى غدوا هكذا أعداء أنفسهم / وقومهم فوق أدواء وأعداء
يا ويحهم جعلوا الإسلام سخرية / وظلمة بعد أمجاد ولألاء
وهيؤوا ثورة كبرى ستلحقهم / وملككم إن بقيتم رهن إغضاء
من يسحق الحق يحييه ويشعله / والحق أفصح نطقا وسط ضوضاء
وناشدو الحق يوما ظافرون به / مشوا على النار أم ساروا على الماء
الله في الحب ألحان واضواء
الله في الحب ألحان واضواء / والله في السلم أزهار وأنداء
حييت يا سلم هذا يوم سيّده / فلتخجل الحرب ولتعتزّ ورقاء
وليفرح العالم المنكوب عن سفه / فقد تعالت على الضوضاء أشذاء
إني أشم عطورا لا أكيفها / لكن يكيفها للنفس إيحاء
فأين مبعثها الروحي يشملني / فليس تدركه عين وإصغاء
لعل في الجامع المبرور تذكرة / فها هو الجامع المبرور وضاء
من وضع أمجد عن بر بملّته / وكذاك يصطحب الأكفاء أكفاء
بلاد إقبال لا فاتتك فلسفة / تعلي السلام ولا نالتك ضراء
إن السلام هو الإسلام من قدم / كما رآه الألباء الأجلّاء
وليس أليق رمزا في رسالته / من جامع حوله الإيمان أضواء
في جادة أسهمت في عرسها أمم / وبوركت فإذا الظلماء لألاء
ما بال مصر تناست ثم مغرسها / وفي ثرى مصر للجنات أفياء
كأنما ما مشى نور المسيح بها / ونوره في جميع الأرض مشاء
كأنما مريم العذراء ما سكنت / بأرضها وكأن الأرض جرداء
وأين ما وهب الأردن من شجر / وفي بساتينه الأدواح غنّاء
واين قدسي أرضيه التي سطعت / أمالها اليوم في الإسراء إسراء
يا ليتني المتنبي الآن صولته / تهز من أذنه للحقف صماء
حتى أعلم قومي في توجسهم / أن العروبة كالإسلام زهراء
أن التسامح اسنى ما يشاد به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / فكل ما رف أنغام وأصداء
وإن تكن قد تناهت في مشاعرنا / من العواطف أطهار وعذراء
فهللي يا بروجا طالما هتفت / كما هتفت وناجاها الأرقاء
وحررينا من الأحزان قاهرة / كما تحرر من أسداده الماء
قال الصديق وديع في سوانحه
قال الصديق وديع في سوانحه / تقسو الحياة على الأخيار أرزاء
وراح يذكر من آثاره مثل / للمحسنين أسر الدهر أم ساء
من رنق الأدب العالي بنفحته / وحظه من عقوق الدهر ما شاء
لم يكفه الخطب في زوج وفي ولد / حتى أراه جحود الناس أنواء
فيم التفجع والدنيا فواجعها / لا تنتهي وتعيد الأمس أصداء
خل احتمالك ثأرا من نكايتها / واسخر بها حينما تشقي الألباء
جئنا إلى الكون في الذرات من قدم / ولم نفارقه أطيافا واضواء
وليس يعرف منا كنهه أحد / وإن تغلغل في ماضيه مشاء
وإن عرفنا عرفنا بعض أخيلة / كأنما البحر ما نلقاه أنداء
ليست نقاط حروف لا نكيفها / قصيدة راودتنا اليوم عصماء
ولا المآسي التي غاضت مدامعنا / من نارها ستزيد الكون أشلاء
ساوى النشوء دمارا في مسارحه / كما عرفت وساوى البؤس نعماء
وما شكوت التياعا بل مسايرة / للفن أجتاز أمواتا وأحياء
فسر معي يا أديبا عيشه حرق / في مهمه العمر مغمورين أهواء
نحيا لهيبا كأنا شبه ألهة / ونغتدي بانتهاء النار إيحاء
أخي سليمان هذي غربتي بلغت
أخي سليمان هذي غربتي بلغت / بي غربتين وزاد الموت إقصائي
قد كنت أشجي لنايي عنك في أسفي / يا ليتني دمت ذاك الآسف النائي
ما لي سبيل إلى لقيا فأنشدها / فعالم الغيب محفوف بظلماء
لا على ذكريات حية أبدا / من الطفولة لم يبرحن تلقائي
عشنا سويا أليفي نعمة وهوى / نحسو الشذى بين أزهار وأضواء
لم يبلغ الطير ما نلناه من مرح / ومن طلاقة أحلام وأهواء
ولا ابتسام شواطي النيل ما بلغت / عيننا من صفاء دون أقذاء
ولا خرير السواقي في تعثرها / تعثري ضاحكا في الطين والماء
ولا اختصام الورى والحرب صاخبة / مثل اختصام لنا من غير شحناء
ولا الأماني للدنيا بأجمعها / ساوت أمانينا أو بعض إحصائي
تلك السنون التي مرت على عجل / ذخيرة لم تفت لحظي وإصغائي
أحسها وأناجيها وأعرفها / كأنما هي من ذاتي وأعضائي
يا خادم المسرح العالي يسيرته / هذي رواياتك العصماء للرائي
قد خلدت في المرائي فهي نابضة / بين الورى والمرائي مثل أحياء
من عاصروك استقلواف ي مشاعرهم / عن عرضها فهي لن تنسى لنساء
ومن يجيئون حيث الضاد مكرمة / سيكرمونك إكرام الألباء
فنّ كفنّك لن يفنى وإن بعدت / به السنون كبعد للأحباء
لم ندر أيهما أولى بتكرمة / تأليفك الحر في نقد وإيصاء
أم عبقرية تمثيل خصصت به / حتى تعدد في ألوان إيحاء
يا مصلحا كل ما أهدى لنا مثل / للمصلحين ودستور الأطباء
تخذت بعد أبيك الشهم سيرته / شعارك الحي في تنوير دهماء
وفي التسامي بمن هانوا ومن قبعوا / في اللهو حتى غدوا أدنى الأذلاء
إنا افتقدناك في وقت أحق به / من كان مثلك يحمي كل علياء
من كان دون شبيه في مناقبه / حلو الفكاهة حتى للألداء
ويمزج الجد طي المزح تحسبه / يلهو وفيه أفانين لإغراء
نم في ضريحك نوم الأنس في سرر / من الضياء وفي ألوان أشذاء
واقبل دموعي رثائي فهو من مهج / شتى وإن كن أزهاري وأندائي
قالوا طيور تغالي في محبتها
قالوا طيور تغالي في محبتها / فقلت ما كن إلا بعض أبنائي
مرحن حولي كالأطفال في لعب / حتى تحاربن في فسقية الماء
وألبست ريشها الألوان أوسمة / كأنما تتحدى مجد أضواء
يبعثر الماء درّا في تنافسها / كأنّها كرنفال الفنّ للرّائي
ويغضب الماء حينا في تبجّحها / فيستثار كموج فوق أنواء
وكم تعالت لنا أصواتها هرجا / فأضحكتنا وشاقتنا بإيماء
كأنما صور التمثيل معرضها / ما بين وثب وترتيل وأزياء
وأشرب الشاي عن قرب أراقبها / منعّما وكأنّ الشايَ صهبائي
تركت ديوان شعر كنت أقرؤه / لما تسامت بألحان وأصداء
كم شاعر بينها في قوله عجب / للملهمين فما يكفيه إصغائي
لا تشخروا من ودادي حين أرمقها / وحين أعشقها من دون أسماء
لكل طير معان وهي كافية / لتستقل بأشعاري وأهوائي
أسكنتها في عيوني وهي شاردة / كالزهر تسكنه ذرات أنداء
وحومت حول سمعي حينما صمتت / كأنما الصمت مقرون بإفشاء
فهل أغالي إذا أخلصتها مقتي / وهل تغالي بتجديدي وإحيائي