المجموع : 3
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا / ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ
جفا الربيع ليالينا وغادرها / وأقفر الروض لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداء / أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلب أن يقر ولا / لمركب فزع في الشط إرساءُ
عندي سماء شتاء غير ممطرةٍ / سوداء في جنبات النفس جرداء
خرساء آونة هوجاء آونة / وليس تخدع ظني وهي خرساء
وكيف تخدعني البيداء غافية / وللسواقي على البيداء إغفاء
أأنت ناديتِ أم صوت يخيل لي / فلي إليك بإذن الوهم إصغاء
لبيك لو عند روحي ما تطير به / وكيف ينهض بالمجروح إعياء
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا / لهم به صخب عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنهم / كأنهم في رمال الشط أنضاء
هم الورى قبل إفساد الزمان لهم / وقبل أن تتحدى الحب بغضاء
ضاقت نفوسٌ بأحقاد ولو سلمت / فإنها كسماء البحر روحاء
تألقت شمس ذاك اليوم واضطرمت / كأنها شعلٌ في الأفق حمراء
طابت من الظل ظل القلب ناحية / لنا وقد صليت بالحر أنحاء
مالي بهم أنت لي الدنيا بأجمعها / وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنة / ومدة الحلم بالجفنين إغفاء
أرنو إليك وبي خوف يساورني / وأنثني ولطرفي عنك إغضاء
إذا نطقت فما بالقول منتفع / وإن سكت فإن الصمت إفشاء
وأيما لفظة فالريح ناقلة / والشط حاكٍ لها والأفق أصداء
يا ليل من علم الأطيار قصتنا / وكيف تدري الصبا أنا أحِباء
لما أفقنا رأينا الشمس مائلة / إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائب وانحلت غدائرها / شهباء في ساعة التوديع صفراء
مشى لها شفق دامٍ فخضبها / كأنه في ذيول الشعرِ حِناء
يا من تنفس حر الوجد في عنقي / كما تنفس في الأقداح صهباء
ومن تنفستُ حر الوجد في فمه / فما ارتويت وهذا الري إظماء
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد / ولن تواريك عن عينيّ ظلماء
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا / ولا لقلبِكَ عن ليلاكَ أنباءُ
جفا الربيع ليالينَا وغادرها / وأقفرَ الروضُ لا ظلٌّ ولا ماءُ
يا شافيَ الداءِ قد أودى بيَ الداءُ / أما لهذا الظما القتَّالِ إرواءُ
ولا لطائرِ قلبٍ أن يقَرَّ ولا / لموكبٍ فَزِعٍ في الشطِّ إرساءُ
عندي سماءُ شتاءٍ غيرُ ممطرةٍ / سوداءُ في جنَبَاتِ النفسِ جرداء
هوجاءُ آونةً خرساءُ آونةً / وليس تخدعُ ظنّي وَهيَ خرساء
فكم سجا الليلُ إِلا هامسٌ قَلِقٌ / كأنه نَفَسٌ في الليلِ مَشَّاءُ
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يُخَيَّلُ لي / فلي إِليك بأُذنِ الوهمِ إصغاءُ
لبيكِ لو عندَ روحي ما تطيرُ به / وكيفَ ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ
لِمَن قيامي وبعثي هذه صورٌ / لا تصطبي وتماثيلُ وأزياءُ
ومعرضُ أجوف المعنى وأسماءٌ / مذ آذنتنا بهذا البينِ أسماءُ
يا ليلُ كلُّ نهارٍ ميِّتٌ فإذا / ناديت قامَ كما للبعثِ إِحياءُ
وليس يبلى نهارٌ في هواكِ مضى / هيهاتَ ينسيه إصباحٌ وإمساءُ
طابَ اللقاء به لاثنينِ فانفرَدَا / فتىً به سقمٌ بادٍ وحسناءُ
جمالُهَا توبةُ الدنيا وعزتُهَا / كفارةٌ عن ذنوبِ الدهرِ بيضاءُ
وشعرُهَا الفحمُ انسابت جَدَاوِلُه / تكادُ تسطعُ حُسناً وَهي سوداءُ
نامت به خصلٌ واسترسلت خُصَلٌ / لهَا وللعاجِ خلفَ الليلِ إغراءُ
توهجت شمسُ ذاك اليومِ واضطرمت / كأنها شُعَلٌ في الأفقِ حمراءُ
تَفَرّقَ الناسُ حول الشطٍِّ واجتمعوا / لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
وآخرونَ كسالى في أماكنهم / كأنهم في رمالِ الشطِّ أنضاءُ
تحللوا من قيودِ العيشِ وانطلقوا / لا هُم أُسَارى ولا فيهم أرِقَّاءُ
تَنَزَّلَ الدهرُ يوماً عن مشيئته / وحكمِه فَلَهُم في الدهرِ ما شاءوا
هُمُ الورى قبلَ إِفسادِ الزمانِ لهم / وقبلَ أن تتحدَّى الحبَّ بغضاءُ
لَم يُخلقوا وبهم من نفسهم عِلَلٌ / لكن حضارةُ هذا العالمِ الداءُ
ضاقت نفوسٌ بأحقادٍ ولو سلمت / فإنها كسماءِ البحرِ روحاءُ
ما لي بهم أنتِ لي الدنيا بأجمعهَا / وما وعت ولقلبي منكِ إِغناءُ
لو كان لي أبدٌ ما زادَ عن سنَةٍ / ومدةُ الحلمِ بالجفنينِ إغفاءُ
أرنو إليكِ وبي خوفُ يساورني / وأَنثَني ولطرفي عنكِ إِغضاءُ
إذا نطقتُ فما بالقولِ منتفعُ / وإن سكتُّ فإنَّ الصمتَ إِفشاءُ
أحَبَّكِ القلبُ حباً ما هتكتُ له / سرّا ولا مستطاعٌ فيه إِخفاءُ
وأيما خطرةٌ فالريحُ ناقلةٌ / والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
يا ليل من عَلَّمَ الأطيارَ قصتَنَا / وكيفَ تدري الصَّبَا أَنَّا أَحباءُ
لمَّا أفقنَا رأينَا الشمسَ مائلةً / إِلى الوداعِ وما للبينِ إِرجاءُ
شابت ذوائبُ وانحلَّت غدائرُهَا / شهباءُ في ساعةِ التوديعِ صفراءُ
مَشَى لها شفقٌ دامٍ فخضَّبَها / كأنه في ذيولِ الشعرِ حِنَّاءُ
يا من تَنَفَّسَ حَرَّ الوجدِ في عُنُقي / كما تَنَفَّسُ في الأقداحِ صهباءُ
ومَن تنفستُ حرَّ الوجدِ في فمه / فما ارتويتُ وهذا الريُّ إِظماءُ
ما أنتَ عن خاطري بالبعد مبتعد / ولن توارِيكَ عن عينيَّ ظلماءُ
ذات مساء صفا المساء
ذات مساء صفا المساء / وليسَ في خاطري صفاء
يخيّمُ الليلُ في فؤادي / والبدرُ في قبة السماء
والسُحبُ لما انتشرنَ بيضاً / أثوابُ عرسٍ على الفضاء
يلبسها غيمةً فأخرى / يختارُ منها الذي يشاء
أو يخلُع الغيمَ ثم يبدو / طفلاً مصوغاً من الضياء
ما يبرحُ الكونُ في صباه / مجدَّدَ الحسنِ والرواء
ما يبرح الكونُ غيرَ أني / قد دبَّ في نفسي الفناء
فمن عَياءٍ إِلى كلالٍ / ومن كلالٍ إِلى عياء
كم احتمَلنا وكم صبرنَا / والعيشُ صبرٌ وكبرياء
وكم نسينَا وكم محَونَا / وكم غفرنَا لمن أساء
وما عتبنَا على حبيبٍ / لكن عتبنَا على القضاء