المجموع : 9
كُل العَوالم مَهما سر أَو ساءَ
كُل العَوالم مَهما سر أَو ساءَ / فَلَيسَ إِلاك يَقضى كُلَّ ما شاءَ
نَرى الحَوادث بُرهاناً عَليك فَما / تَنفكُّ تشكر من جَدواك آلاءَ
شَيَّأتَ ما شئته من منشأ عدمٍ / جعلته لشموس الحَق أَفياء
لِذاك أَصبحت الأَكوان شاهِدَةً / بالحق للخلق في المَعنى أَدلّاء
أَخفيت جَوهر كَونٍ ذاتُه عَرضٌ / إلا على كُنهِ كُنهٍ عَزَّ إخَفاء
فَمَن هديتَ اِهتَدى أَو لا فَلا عَجَبٌ / أن لَيسَ يَدري بسر الذات أَسماء
قَد يَهتدي بِنُجوم اللَيل ذُو بَصَرٍ / وَقَد يَضل ضياء الشَمس عَمياء
تُدني وَتُقصي بِأَقدارٍ مقدّرة / كَتبتها أَنتَ إِبداعاً وَإِنشاء
جَعلتَني بَشَراً لا النفس طائِعتي / وَلَستُ أَعصي لَها في الغَي أَهواء
جِسمي وَرُوحي غَيري مَن أَنا فَأَنا / أَبغي سِوى العَجز إطراباً وَإِطراء
يا مالكَ الرُوح يُشقيها وَيُسعدها / وَحافظ الجسم إفناء وَإبقاء
أَوجَدت مِن عَدمٍ رُوحي وَكُنت لَها / أَوقاتَ لَم أَدر فيها الطين وَالماء
مَتَّعتني في صَفاء القُدس مُنفَرِداً / مطهَّراً لَم أَخَف رجساً وَبأساء
يا طيب ذا العَهد أذ روحٌ مجردة / لَم تَحتبس بِحَواسٍ صرنَ أَعداء
إِذ جانبُ القُربِ بِالإِيناس يُطربنا / لَم نَدر آدم إِذ يستجلي حَواء
كانَت مَواطنَ صَفو لا يكدرها / هَمُّ السوى وَيَروق الكل أَجزاء
كُن لي إلهى كَما قَد كُنت لي قِدَماً / وَأَهدني سبلاً للرُشد فَيحاء
خَرَجت مِنها وَلا ذَنبٌ أَحاذره / وَها أَعود لَها حُمِّلت أَسواء
فاقبل عَلى مُقبلٍ بِالذلِّ معترفٍ / بِالعَجز ملتمسٍ بِالبُؤس نعماء
وَاغفر ذنوباً إِذا لَم تُغتَفَر فَضحت / فَسوّدت مِن جَمال الستر بَيضاء
وَارحم فَتىً طالَما لذَّ الهيامُ لَهُ / فَذلَّ عَن بابك العالي وَقَد جاء
لا تجعلنّي إلهي عِندَما اِكتسبت / نَفسي فَقَد كسبت كَفّاي ما ساء
وَكُن لعقبى عُبَيد أَنت كُنت لَهُ / مِن قَبل أَن تَجعَل الأَشياء أَشياء
وَاجعل شفاعة خَير الخَلق ناصرَه / لديك إن أَعوز العز الأَذلاء
وَصلِّ رَبي عَلَيهِ كلما ابتسمت / ثُغور زَهرٍ فَهاج النوحُ وَرقاء
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ / أَفنى الحَياة وَأَضناني وَما فَتِئا
وَالنَفس إِن جبنت بالغي همّتُها / عَن كَبح زلتها شَيطانها جرأ
عَمّا تَساءل ياذا اللَوم عَن نَبأٍ / وَلَست أَذكر بلقيساً وَلا سَبأَ
فَهَل أَتاكَ بِأَني عَنك في شغلٍ / بِمَن دَنا فَأَصابَ القَلب ثُمَّ نَأى
فَاعذر إِذا حَنَ قَلبي أَو بكى بصري / فَذا هَوى ودَّه الصافي وَذاك رَأى
وَدَع مَلام فَتى كانَت محبته / جبلَّةً وَهوَ في مَهد الهَوى نَشأ
صبٌّ صبا للهوى إِذ كانَ جَوهرُه / مجرداً لَم يَحلّ الكَم وَالحمأَ
أَوقاتَ لا الفلكُ الدوّارُ يَحصرُنا / وَلا الحِجابُ عَلى أَرواحنا طرأ
يا حَبَّذا النشأة الأُولى وَنضرتها / أَيامَ كُنا عَلى أنس الخَفا ملأ
ني لأذكرها يَوماً فيَحزُنُني / قَيدُ المَظاهر أَو تذكار ما اختبأ
كانَت مَواطن قدسٍ لا يدنسها / غيٌّ وَصيقلُ لَوحِ الرُوحِ ما صَدأ
آهاً لها إِذ تَبدّلْنا بِها وَطناً / داراً عليلُ هَواها قلّ ما برأ
أَصبَحت فيها سجينَ الجسم مرتهناً / بِما الحَواس بِهِ تقضيه لي خطأ
يا ويلتا مِن وُجودٍ كلُّه كدرٌ / مَن سار فيهِ عَلى غَرب الظُبى وطئا
كَأَنني فيهِ إِذ أَمّلتُ راحتَه / أَعمى يحاول في دوّ الفَضا رَشأ
لَكن يؤمّن خَوفي أَنني بحمى / خَيرِ البَرية قَد أَصبَحتُ ملتجئا
فَهوَ الذي جاءَ بِالحَق المبين لَنا / وَجدد العَهد وَالمِيثاق وَالنَبأ
وَكَم أَقام مهيضاً في اليقين وَكم / أَنار مصباح قلب طالما طُفئا
وَكَم جسومٍ تلافى مِن تَلاف ضنىً / أَرواحها إِذ هداها روعها هدأ
وَكَم قُلوبٍ وَقاها في تقلبها / وَكَم عَظائمِ أَمرٍ إذ دَرى دَرأ
أَتى بِآيات مَولاه الكَريمِ فيا / وَيلَ الألى اتخذوا آياته هزؤا
وَهوَ الَّذي تَرتجي الدُنيا شفاعته / إِذ يحشر اللَه يَوم الحشر ما ذَرأ
لَو أَبصرت حسنَ مَعناه زليخا نُهىً / لَم تَتَّخذ في هَوى الصديق متّكأ
وَإِن قَلباً خلا عما سِواه غَدا / مَعززاً ببَها الإِيمان ممتلأ
تَرى الحَقيقة تَبدو في صحيفته / مَسطورة إِنَّما هَيهات مَن قَرأ
فَاقصد بِهِ العروة الوثقى إِذا انفصمت / عرى الأَنام وَفاجئ إِن عَناً فجأ
عَلَيهِ أَزكى صَلاة اللَه دائِمَة / ما تمّ دورٌ مِن الدُنيا وَما اِبتَدأ
أَساجِلُ الوُرقَ إنشاداً وَإنشاءَ
أَساجِلُ الوُرقَ إنشاداً وَإنشاءَ / وَأسألُ الحُبَّ عودَ القُرب إِن شاءَ
وَأسأل الناسَ طِبّاً للهوى دلها / وَإِنّ داء الهَوى أَعيا الأَطباء
إِني لأعجبُ من نَفسي تغرّ وَقَد / جَرّبتُ في الناس أَحباباً وَأَعداء
فَانصب أَمانيك أَشراكاً تصيد بها / إِن أَسعدت من فضاء القَصد عَنقاء
جفنٌ يُحذّرُ ما أَغرت لَواحظُهُ / بِالسَلب يوجبُ تحذيراً وَإغراء
أَهلاً نَسيمَ الصَّبا لَو جئتَ بِالنَبَأِ
أَهلاً نَسيمَ الصَّبا لَو جئتَ بِالنَبَأِ / عَن أَرض مصر وَلا أَرجوك عَن سَبأِ
فَلَيسَ بلقيسُ مَن أَهوى وَلَست سُلَي / ماناً وَلَستَ بطيرٍ سامعٍ وَرَأي
لَكنها عادةُ العُشّاقِ من قِدمٍ / وَتابع السَلفُ المبرورُ لم يُسِئ
عَواقبُ الأَمر محذورٌ شدائدُها
عَواقبُ الأَمر محذورٌ شدائدُها / ما لم يَكُن بسديد الرَأي مبدوءا
وَكُل ما لم يَكُن إحسان فكرته / قَرينَه قل أَن لا يَلتقي السوءا
وَمَن لأبصاره في الكنه تبصرةٌ / رَأَت بصائره في الغَيب مخبوءا
وَمَن أَتاح لهول من تهاونه / يَوماً غَدا بعظيم الأَمر مفجوءا
وَإِن مَن لَم يَطأ رَأس الكِرام عُلاً / أَضحى بِأَقدام هين القَوم موطوءا
وَمَن خلا قَلبه عن فكر عاقبة / ردّته آمالُه باليأس مملوءا
فاسمع مقال حكيم كَم رَأى وَدرى / محرّراً في كتاب الدَهر مَقروءا
وَلا تَضع قَدماً إِلا اتخذت لَها / لرجعة ما طريقا ثمّ منبوءا
فلا تنم عن عُيون أَنتَ مسهدها / وَلا تضمنّ صَدراً منكَ موجوءا
إني وحقك ألهاني ودلّهني
إني وحقك ألهاني ودلّهني / حسنٌ يطابق منه المسمعَ المرأى
لعله بالوفا في الحب يمنحني / حسنَ الختام كما قد أحسن البِدءا
كان الزمان نصيحاً في تقلُّبه
كان الزمان نصيحاً في تقلُّبه / وعن بعيد المدى كم جاءنا بِنبا
لكن سليمانُ لم يشعر بهدهدِه / حتى على جسدٍ واعتز ملك سبا
يا دَهر كَم لك في الحَشا من داءِ
يا دَهر كَم لك في الحَشا من داءِ / صيّرتني غرضاً لسهم عناءِ
أَو ما كَفى ما بالفؤاد من الجَوى / والعَين من طُولِ احتمال بكائي
يا وَيح مثلي من يَبيتُ وقلبُهُ / مترددٌ من خيفةٍ ورجاءِ
يجري عَلى صنو الرياح ولو دَرى / خفقانَ قلبي أَو نفادَ عزائي
يجري على متن الرياح عواصفاً / هوجاً وَلا يَرضى بسيرِ رُخاءِ
يا أَيها الوابور عجلاً بنا / نحوَ الديار وتلكمُ الأَحياءِ
وازدد بنيران الفؤاد تَضرُّماً / وانهَل من الأَجفان فيضَ الماء
ولك الجَميل فأنت خيرُ وَسيلةٍ / لتواصلِ الأَحبابِ والحلفاءِ
حدِّث هُديتَ عن الأحبةِ والحِمى / إني رأَيتُك عادمَ الإغفاءِ
تسري ولا وَطناً تؤم ولا فناً / تهوى لذاتِ معزّةٍ حسناءِ
فلأنت أَثبتُ عاشقٍ حملَ الهَوى / مع أَنه في قبضة الأَهواءِ
مَن جفنه يبكي لفرقة أَهيفٍ / أَو قلبه يكوى لشوقٍ ناءِ
لا ريب هذا شأن من ذاق النوى / بعد التمتّع من زَمان لقائي
يطوي البلاد مشارقاً ومغارباً / ويظلُّ يدافع داهمَ الظلماء
فكأنه صبٌّ جفاه حبيبُه / فلذاك هام للوعةٍ وشقاء
أَو لَيث غاب فرّقوه شبله / فلثاره يَهوي عَلى فيفاء
أَم ذا رَسولٌ للخواطر بَينَنا / فتراه يستبق الخواطرَ نائي
فلذاك صاغوا من حديد قلبَه / كيما سيقوى لاحتمال فضاء
يا قاتل اللَه الزَمان فإنه / أَبدى بذلك أَعجبَ الأشياء
حتى الجَماد بطبعه أَلِفَ الهَوى / فهوى ولم يَصبر عَلى البَلواءِ
إن الضعيفين إن جمّعت بينَهما
إن الضعيفين إن جمّعت بينَهما / قاما بأمر له تعيا الأشداءُ
مثل اللطيفين إن أَلفت بينهما / كانت نتيجةَ ما أَلّفته الماءُ