هذي الحَياةُ كَمُستَشفى تَنامُ بِهِ
هذي الحَياةُ كَمُستَشفى تَنامُ بِهِ / مَرضى الوُجودِ وَلا تَشفى مِن الداءِ
كَأَنَّما الداءُ مَخفِيٌّ بِأَنفُسِها / سِرٌّ عَصى كَشفُهُ عِلمَ الأَطِبّاءِ
سَأَلتُ نَفسِيَ يَوماً وَهِيَ باكِيَةٌ / كَأَنَّها ضَجِرَت ما بَينَ أَعضائي
يا نَفسٌ إِن كُنتِ في لُبنانَ يائِسَةً / هذي دِمَشقُ تَناغينا بِإِصفاءِ
الماءُ في بَرَدى عَذبٌ مرقرقه / كَأَنَّهُ لُؤلُؤٌ في عَينِ حَوراءِ
وَالطَقسُ مُعتَدِلٌ فيها وَصافِيَةٌ / سَماؤُها وَهيَ بَينَ الزَهرِ وَالماءِ
فَلَم تُجِبني وَظَلَّت وَهيَ صامِتَةٌ / تَرمي عُيوني بِأَنظارٍ وَإِصغاءِ
كَأَنَّ في نَفسِها سِرّاً تُحاوِلُ أَن / تُخفيهِ وَالعَينُ تُجليهِ بِإِفشاءِ
فَقُلتُ هذي فُروقٌ إِن سَكنتِ بِها / سَكَنتِ يا نَفسُ أَرضاً لِلأَشدّاءِ
فُروقُ يحرسُها البوسفورُ مَنظَره / يَفيقُ في كلِّ صَدرٍ مجدَ آباءِ
إِذا تَأَمَّل قرنُ التبر شاطِئَه / تَأَمَّل المَجد في أَحضانِ عَلياءِ
وَالشَمسُ تَسكُب في الأَمواهِ مُهجتَها / بَسّامةً عَن حلىً في ثَغرِ عَذراءٍ
وَهذِهِ مِصرُ وَالأَهرامُ ترمَقُها / بِعَينِ فِرعَونَ عَن أَلحاظِ حَسناءِ
كَأَنَّها وَهديرُ النيلِ يُطرِبُها / عُشّاقةُ الفَنِّ بَينَ الشِعرِ وَالنائي
فَلَم تُجِبنِيَ هَل خَرساءُ نَفسِيَ أَم / جيئَت بجنِّيَّةٍ شَمطاءَ خَرساءِ
فَقُلتُ يا نَفسُ إِن تَهوي السُكونَ فَما / في الكَونِ حَزازاتٍ وَشحناءِ
فَلنَسكُنِ القطبَ حيثُ النَجمُ ساطِعَةٌ / تُصبي النُفوسَ بِأَنوارٍ وَأَضواءِ
هُناكَ لا حقدَ تَرتاعُ النُفوسُ لَهُ / وَلا لهاثٌ من القَومِ الأَرِقّاءِ
إِذا ذاكَ نادَت بِصَدري النَفسُ قائِلَةً / أَيّا سَكنتَ تجد حكماً لِإِرضائي
بِشَرطِ أَن تَنثَني مِن عالَمٍ كَثرت / فيهِ الحَزازاتُ مِن ظُلمٍ وَبَغضاءِ