المجموع : 5
أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ
أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ / وَما دِعامَتُهُ بِالحَقِّ شَمّاءُ
يا جيرَةَ المَنشِ حَلّاكُم أُبُوَّتُكُم / ما لَم يُطَوِّق بِهِ الأَبناءُ آباءُ
مُلكٌ يُطاوِلُ هذي الشَمسَ عِزَّتُهُ / في الغَربِ باذِخَةٌ في الشَرقِ قَعساءُ
تَأوي الحَقيقَةُ مِنهُ وَالحُقوقُ إِلى / رُكنٍ بَناهُ مِنَ الأَخلاقِ بَنّاءُ
أَعلاهُ بِالنَظَرِ العالي وَنَطَّقَهُ / بِحائِطِ الرَأيِ أَشياخٌ أَجِلّاءُ
وَحاطَهُ بِالقَنا فِتيانُ مَملَكَةٍ / في السِلمِ زَهرُ رُبىً في الرَوعِ أَرزاءُ
يُستَصرَخونَ وَيُرجى فَضلُ نَجدَتِهِم / كَأَنَّهُم عَرَبٌ في الدَهرِ عَرباءُ
وَدَولَةٌ لا يَراها الظَنُّ مِن سِعَةٍ / وَلا وَراءَ مَداها فيهِ عَلياءُ
عَصماءُ لا سَبَبُ الرَحمَنِ مُطَّرَحٌ / فيها وَلا رَحِمُ الإِنسانِ قَطعاءُ
تِلكَ الجَزائِرُ كانَت تَحتَهُم رُكناً / وَراءَهُنَّ لِباغي الصَيدِ عَنقاءُ
وَكانَ وُدُّهُمُ الصافي وَنُصرَتُهُم / لِلمُسلِمينَ وَراعيهِم كَما شاؤوا
دُستورُهُم عَجَبُ الدُنيا وَشاعِرُهُم / يَدٌ عَلى خَلقِهِ لِلَّهِ بَيضاءُ
ما أَنجَبَت مِثلَ شيكِسبيرَ حاضِرَةٌ / وَلا نَمَت مِن كَريمِ الطَيرِ غَنّاءُ
نالَت بِهِ وَحدَهُ إِنكِلتِرا شَرَفاً / ما لَم تَنَل بِالنُجومِ الكُثرِ جَوزاءُ
لَم تُكشَفِ النَفسُ لَولاهُ وَلا بُلِيَت / لَها سَرائِرُ لا تُحصى وَأَهواءُ
شِعرٌ مِنَ النَسَقِ الأَعلى يُؤَيِّدُهُ / مِن جانِبِ اللَهِ إِلهامٌ وَإيحاءُ
مِن كُلِّ بَيتٍ كَآيِ اللَهِ تَسكُنُهُ / حَقيقَةٌ مِن خَيالِ الشِعرِ غَرّاءُ
وَكُلِّ مَعنىً كَعيسى في مَحاسِنِهِ / جاءَت بِهِ مِن بَناتِ الشِعرِ عَذراءُ
أَو قِصَّةٍ كَكِتابِ الدَهرِ جامِعَةٍ / كِلاهُما فيهِ إِضحاكٌ وَإِبكاءُ
مَهما تُمَثَّل تُرَ الدُنيا مُمَثَّلَةً / أَو تُتلَ فَهيَ مِنَ الإِنجيلِ أَجزاءُ
يا صاحِبَ العُصُرِ الخالي أَلا خَبَرٌ / عَن عالَمِ المَوتِ يَرويهِ الأَلِبّاءُ
أَمّا الحَياةُ فَأَمرٌ قَد وَصَفتَ لَنا / فَهَل لِما بَعدُ تَمثيلٌ وَإِدناءُ
بِمَن أَماتَكَ قُل لي كَيفَ جُمجُمَةٌ / غَبراءُ في ظُلُماتِ الأَرضِ جَوفاءُ
كانَت سَماءَ بَيانٍ غَيرَ مُقلِعَةٍ / شُؤبوبُها عَسَلٌ صافٍ وَصَهباءُ
فَأَصبَحَت كَأَصيصٍ غَيرَ مُفتَقَدٍ / جَفَتهُ رَيحانَةٌ لِلشِعرِ فَيحاءُ
وَكَيفَ باتَ لِسانٌ لَم يَدَع غَرَضاً / وَلَم تَفُتهُ مِنَ الباغينَ عَوراءُ
عَفا فَأَمسى زُنابى عَقرَبٍ بَلِيَت / وَسُمُّها في عُروقِ الظُلمِ مَشّاءُ
وَما الَّذي صَنَعَت أَيدي البِلى بِيَدٍ / لَها إِلى الغَيبِ بِالأَقلامِ إيماءُ
في كُلِّ أُنمُلَةٍ مِنها إِذا اِنبَجَسَت / بَرقٌ وَرَعدٌ وَأَرواحٌ وَأَنواءُ
أَمسَت مِنَ الدودِ مِثلَ الدودِ في جَدَثٍ / قُفّازُها فيهِ حَصباءٌ وَبَوغاءُ
وَأَينَ تَحتَ الثَرى قَلبٌ جَوانِبُهُ / كَأَنَّهُنَّ لِوادي الحَقِّ أَرجاءُ
تُصغي إِلى دَقِّهِ أُذنُ البَيانِ كَما / إِلى النَواقيسِ لِلرُهبانِ إِصغاءُ
لَئِن تَمَشّى البِلى تَحتَ التُرابِ بِهِ / لا يُؤكَلُ اللَيثُ إِلّا وَهوَ أَشلاءُ
وَالناسُ صِنفانِ مَوتى في حَياتِهُمُ / وَآخَرونَ بِبَطنِ الأَرضِ أَحياءُ
تَأبى المَواهِبُ فَالأَحياءُ بَينَهُمُ / لا يَستَوونَ وَلا الأَمواتُ أَكفاءُ
يا واصِفَ الدَمِ يَجري هَهُنا وَهُنا / قُمِ اُنظُرِ الدَمَ فَهوَ اليَومَ دَأماءُ
لاموكَ في جَعلِكَ الإِنسانَ ذِئبَ دَمٍ / وَاليَومَ تَبدو لَهُم مِن ذاكَ أَشياءُ
وَقيلَ أَكثَرَ ذِكرَ القَتلِ ثُمَّ أَتَوا / ما لَم تَسَعهُ خَيالاتٌ وَأَنباءُ
كانوا الذِئابَ وَكانَ الجَهلُ داءَهُمو / وَاليَومَ عِلمُهُمُ الراقي هُوَ الداءُ
لُؤمُ الحَياةِ مَشى في الناسِ قاطِبَةً / كَما مَشى آدَمٌ فيهِم وَحَوّاءُ
قُم أَيِّدِ الحَقَّ في الدُنيا أَلَيسَ لَهُ / كَتيبَةٌ مِنكَ تَحتَ الأَرضِ خَرساءُ
وَأَينَ صَوتٌ تَميدُ الراسِياتُ لَهُ / كَما تَمايَدَ يَومَ النارِ سَيناءُ
وَأَينَ ماضِيَةٌ في الظُلمِ قاضِيَةٌ / وَأَينَ نافِذَةٌ في البَغيِ نَجلاءُ
أَيَترُكُ الأَرضَ جانوها وَلَيسَ بِها / صَحيفَةٌ مِنكَ في الجانِينَ سَوداءُ
تَأوي إِلَيها الأَيامى فَهيَ تَعزِيَةٌ / وَيَستَريحُ اليَتامى فَهيَ تَأساءُ
سُوَيجعَ النيلِ رِفقاً بِالسُوَيداءِ
سُوَيجعَ النيلِ رِفقاً بِالسُوَيداءِ / فَما تُطيقُ أَنينَ المُفرَدِ النائي
لِلَّهِ وادٍ كَما يَهوى الهَوى عَجَبٌ / تَرَكتَ كُلَّ خَلِيٍّ فيهِ ذا داءِ
وَأَنتَ في الأَسرِ تَشكو ما تُكابِدُهُ / لِصَخرَةٍ مِن بَني الأَعجامِ صَمّاءُ
اللَهُ في فَنَنٍ تَلهو الزَمانَ بِهِ / فَإِنَّما هُوَ مَشدودٌ بِأَحشائي
وَفي جَوانِحِكَ اللاتي سَمَحتَ بِها / فَلَو تَرَفَّقتَ لَم تَسمَح بِأَعضائي
ماذا تُريدُ بِذي الأَنّاتِ في سَهَري / هَذي جُفوني تَسقي عَهدَ إِغفائي
حَسبُ المَضاجِعِ مِنّي ما تُعالِجُ مِن / جَنبي وَمِن كَبِدٍ في الجَنبِ حَرّاءِ
أُمسي وَأُصبِحُ مِن نَجواك في كَلَفٍ / حَتّى لَيَعشَقُ نُطقي فيكِ إِصغائي
اللَيلُ يُنهِضُني مِن حَيثُ يُقعِدُني / وَالنَجمُ يَملَأُ لي وَالفِكرُ صَهبائي
آتي الكَواكِبَ لَم أَنقُل لَها قَدَماً / لا يَنقَضي سَهَري فيها وَإِسرائي
وَأَلحَظُ الأَرضَ أَطوي ما يَكونُ إِلى / ما كانَ مِن آدَمٍ فيها وَحَوّاءِ
مُؤَيَّداً بِكَ في حِلّي وَمُرتَحَلي / وَما هُما غَيرُ إِصباحي وَإِمسائي
توحي إِلَيَّ الَّذي توحي وَتَسمَعُ لي / وَفي سَماعِكَ بَعدَ الوَحيِ إِغرائي
يا وَيحَ أَهلِيَ أَبلى بَينَ أَعيُنِهِم
يا وَيحَ أَهلِيَ أَبلى بَينَ أَعيُنِهِم / وَيَدرُجُ المَوتُ في جِسمي وَأَعضائي
وَيَنظُرونَ لِجَنبٍ لا هُدوءَ لَهُ / عَلى الفِراشِ وَلا يَدرونَ ما دائي
شأنك والدمع والبكاء
شأنك والدمع والبكاء / لا تدخر في الشؤون ماء
لا تذكر الصبر في مصاب / تجاوز الصبر والعزاء
لا خير في الصبر والتأسى / إذا هما عارضا الوفاء
أبكى الأخلاء في ديار / من أنسهم أصبحت خلاء
من حق إخوانك القدامى / إن تسقى العهد والإخاء
إن البكى فاسترح إليه / يصرف للراحة العناء
من خلق الحزن كان أحرى / أن يخلق الدمع والبكاء
تبارك الله من طبيب / قد خلق الداء والدواء
رب خليل بكيت أرجو / لحقه بالبكى قضاء
ولو يردّ القضاءَ دمع / لحولت أدمعي القضاء
ومثل عبد اللطيف يُبكى / ويتبع الذكر والثناء
فتى كلدن القنا اهتزازا / ومرهفات الظُبى مضاء
صوّره الله صالحات / وصاغ أجزاءه حياء
وزاده ما حبا أباه / متانة الدين والإباء
وأضلعا لا تقاس طهرا / بها الغوادي ولا نقاء
ما كان قسّا ولا زيادا / ولا بسحر البيان جاء
لكن إذا قام قال صدقا / وجانب الزور والرياء
سبحان من قاته غدوا / وكف عن قوته عشاء
ومن أتانا بالشمس صبحا / ومن تولى بها مساء
يالكِ دنيا لذّت نعيما / للقوم واستعذبت بلاء
إذا أنتهينا منها تساوى / ماسرّ من حالها وساء
الطفل يحبو إليك حبا / والشيخ يمشى لك انحناء
إليك عبداللطيف دمعا / ألَّفت منثوره رثاء
قوافيا كنت تشتهيها / واليوم تبدى لها جفاء
كم قمت من موقف لمصر / وكنت من دونها وقاء
ونبت عنها في مجلسيها / نيابة كانت الغناء
ألست من فتية شِهام / سنّوا المحاماة والرماء
فتاهم بالشباب ضحى / ما أعظم الذبح والفداء
ومات أبطالهم جياعا / في غير أوطانهم ظِماء
ولو أرادوا متاع دنيا / لأدركوا الحكم والثراء
قضية الحق منذ قامت / لم تأل أركانَها بناء
تحذو على مصطفى وتبنى / جيلا من الحق أقوياء
شرعتمو للشباب دينا / كدينهم بيِّنا سواء
لما أتيم به جعلتم / رأس تعاليمه الجلاء
جمعتم مصر ثم سرتم / فكنتم الجمع واللواء
وما عرفتم لغير مصر / وغير أحبابها ولاء
لم تمسحوا للعميد رأسا / ولا نفضتم له حذاء
وعابثٍ بالرفات يبنى / حوادث الأمس كيف شاء
يقول كنتم للترك حزبا / وعاهلِ الترك أولياء
ويشهد الله ما أتيتم / إلا هدى الرأى والدهاء
داريتمو في سبيل مصر / سيادة أصبحت هباء
سيروا إلى الله فهو أولى / بكم وأوفى لكم جزاء
لا غبن بالحق إن ذهبتم / فان للفكرة البقاء
أمسى وأصبح من نجواك في كلف
أمسى وأصبح من نجواك في كلف / حتى ليعشق نطقي فيك إصغائي
الليل يُنهضني من حيث يقعدني / والنجم يملأ لي والنور صهباني