المجموع : 85
رضيتُ بالدّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً
رضيتُ بالدّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً / ولو وجدتُ لَما أُرضيتُ بالدُّونِ
كَم ذا أُعالجُ إمّا كاشحاً حَنِقاً / أَوْ أُبتَلى بصديقٍ غيرِ مأمونِ
ما زلتُ بُقياً على الأحوالِ تجمعنا / أُطيعه وهو طولَ الدّهرِ يعصيني
بُعداً وسُحقاً لقومٍ لا حِفاظَ لهمْ / كنزتُ عندهمُ وُدّاً فملّوني
ما زلتُ فيهم وَصولاً مَن يقاطعني / ورائشاً عندهمْ من كان يَبريني
منُّوا عليَّ بأن لم يسلبوا نَسَبِي / سَقْياً ورَعْياً لفضلٍ غير ممنونِ
مِن كلِّ أَخرَقَ مأسورٍ بشهوتِهِ / مُخَدَّعٍ برخاءِ العيشِ مفتونِ
ظنّوا وليس لهمْ فضلٌ يقدّمهم / إنّ التقدّمَ في أَيدي السَّلاطينِ
هيهاتَ ما الفضل إلّا ما حبَتك به / أَمُّ الفضائلِ من عقلٍ ومن دينِ
ما كان مُبتاعُهم إلّا أَخا نَدَمٍ / وَليسَ بائعهم إلّا بمغبونِ
جَنَوْا سَقامي وكم فيهم وعندهُم / طَبٌّ بدائي ولكنْ لا يُداويني
يقولُ قومٌ وما لي فيهمُ دُوَلٌ / أجفوهُ بَذْلاً له فيهمْ ويجفوني
كم بين فَقْرٍ وإثراءٍ فقلت لهمْ / ما بين عزِّ الفتى في النّاسِ والهُونِ
عش مفرداً غيرَ مقرونٍ فلا جَذَلٌ / إلّا بأنِّيَ فردٌ غيرُ مقرونِ
لو كنتُ أعلمُ أنّ البعدَ يؤمنني / بعدتُ لكنّ بُعدي لا يُنجّيني
مَن مُخرِجِي من بلادي فهْيَ موبئةٌ / وكلّ داءٍ بها في الخلقِ يُعديني
وقد عَمَرْتُ زماناً في مرابعها / أعدو المحاذرَ فيها وهْيَ تعدوني
وَقَد صَحبتُ الّذي بالغيِّ يَأمُرُني / وبالّذي يُدنِسُ الأعراضَ يُغرِيني
إنّي لأعجبُ منه وهو ذو عَجَبٍ / يبيعني قبل أن يلقي ويَشريني
يَقِيهِ نحرِيَ مِن رامٍ فريستَه / يوم الوغى هو عُمْرَ الدَّهرِ يرميني
وَكلّما أَخرجتْ كفّي القَذاةَ له / من جَفْنِهِ بات يُشجيني ويُقذيني
وكم أُلَبِّيهِ في ضَرّاءَ يركبُها / ولم يكن يومَ سَرّاءٍ يُلَبّيني
مَن لِي بِحُرٍّ من الإخوانِ ذي أَنَفٍ / أكفيه أثقالَه طَوْراً ويكفيني
لا يَلتَقي بِيَ إلّا عند نائبةٍ / يُعين فيها ومكروهٍ يُعنّيني
فهو المُؤاتِي ولكنْ في مُذَمَّمَةٍ / يُثنِي عَليَّ ونَرْدي لا يُؤاتِيني
خذْ كيف شئتَ فما الدّنيا بخالدةٍ / ولا البقاءُ على خلقٍ بمضمونِ
خُلِقتَ من طينةٍ لمّا خُلِقتَ فلِمْ / تَربأ بنفسكَ أنْ تُهدى إلى الطّينِ
إلى التّراب يصير النّاسُ كلُّهمُ / مِن مُفْهَقٍ بالغِنى كفّاً ومِسكينِ
مُبَدَّلين بتُربٍ عن ملابسهم / وبالخشونةِ عن خَفْضٍ وعن لينِ
قُلْ للَّذي رَقَمَتْ أموالَهُ يدُه / يُغنِي مُوَيلكَ مُفني مال قارونِ
أَينَ الّذي رَفع الإيوانَ تحسبُه / إذا بدا لك طَوْداً لاح في بِينِ
وأين عالٍ على غُمدانَ مُحتقراً / من كِبْرِياءٍ به غُرَّ العَثانينِ
وأين مَن حلّ في خَفّانَ مُحتكِماً / على الملوكِ مُحَيّاً بالرّياحينِ
كأنّهمْ ساكني غُبْر القبورِ لهمْ / لم يسكنوا بيننا غُبْرَ البساتينِ
بادوا فلا أثَرٌ منهمْ ولا خبرٌ / إلّا أَساطيرُ تقريظٍ وتأبينِ
يا ليتَ شعرِيَ أيُّ الأرض تَنبتُ لِي / وأيُّ تُربٍ من البَوْغاءِ يَعْلوني
وأيُّ وقتٍ من الأوقاتِ أكرهُهُ / أُجيبُ فيه حِمامي إذْ يناديني
إنْ كنتُ لم أعْيَ من خَطْبٍ رُميتُ به / فإنّ خَطْبَ صُروفِ الدّهرِ يُعييني
رُمِ النَّجاءَ عن الفحشاءِ والهونِ
رُمِ النَّجاءَ عن الفحشاءِ والهونِ / وَلا تَعُجْ بصديقٍ غير مأمونِ
ولا تُقِمْ بين أقوامٍ خلائقُهُم / خُشْنٌ وإنْ كنت في خَفْضٍ وفي لِينِ
ماذا العناءُ وظلُّ العودِ يُقنعني / وذا الشّقاءُ وبعضُ القوتِ يكفيني
والمالُ تُصبِحُ صِفراً كفُّ جامعِهِ / ولو أَنافَ على أموالِ قارونِ
وليس ينفعني والدّاءُ يعنُفُ بي / إذا وجدتُ طبيباً لا يداويني
مَن لِي بمن إنْ هَفَتْ رِجلاهُ في زَلَقٍ / حُميتُهُ أو هفَتْ رِجْلايَ يحميني
يرمي العِدا أبداً عنّي وليس يُرى / ولو رماني جميع النّاس يرميني
أَشكو إلى اللَّهِ قَوماً عشتُ بينهُمُ / يرضون من كلّ ما يبغون بالدُّونِ
لا رَوْنَقٌ لهمُ يرضاهُ لِي بصري / ولا لهمْ عَبَقٌ يرضاه عِرْنِيني
من كلّ أخْرَقَ بالشّنعاءِ مُضطَبِعٍ / وبالّذي دنّسَ الأعراضَ مَزْنونِ
أَعدوه لا جائزاً منه بناحيةٍ / والشّرُّ كالعُرِّ في الأقوامِ يُعديني
لولا التّنوخيُّ لم آنسْ إلى أحدٍ / ولا أجَبْتُ وداداً من يناديني
وَلا رَأتنِيَ عينٌ لاِمرئٍ أبداً / إلّا عَرِيّاً خَلِيّاً غيرَ مقرونِ
ليلي بزَورَتِهِ في مُشْرِقٍ يَقَقٍ / والصّبحُ أَسعدُ صبحٍ حين يأتيني
كأنّه مبهجٌ أضحى يبشّرني / ومطربٌ أبداً أمسى يغنّيني
لَو يَستَطيع حَماني كلَّ بائقَةٍ / وباعد السّودَ في رأسي عن الجُونِ
يُطيعني وهو ممّن لا اِمتنانَ لهُ / كأنّه طولَ هذا الدّهر يَعصيني
كم ليلةٍ بتُّ منه في بُلَهْنِيَةٍ / أُعطيهِ ما يَبتغي منّي ويُعطيني
كأنّنا باِخضرارٍ من تذكّرنا / نُمسِي ونُصبحُ في خُضرِ البساتينِ
ونابَ مِنّا حديثٌ بات يُطربنا / عن أنْ أُسَقِّيهُ كأساً ويسقيني
متى سقاني فروّاني مواصلةً / فما أُبالي بمن في الخَلْقِ يجفوني
وإنْ جرى لِيَ مدحٌ في مقالتِه / فقل لمن شاء في الأقوام يهجوني
لَم تَحلُ إلّا بهِ الدّنيا ولا مَرَقتْ / منهُ الخَلائقُ عن بُحْبُوحَةِ الدِّينِ
لا أدْرَكتْ أُذُني ما ليس يُعجبني / فيه ولا مُقلتي ما ليس يُرْضيني
وَلا اِستُرِدَّ الّذي أُعطيتُ منه ولا / عادتْ غصونٌ كَستْني منه تعريني
يا طائرَ الأيْك غرّدْ لي على الفَنَنِ
يا طائرَ الأيْك غرّدْ لي على الفَنَنِ / وَداوِ ما بِيَ من همٍّ ومن حَزَنِ
وفي الفؤاد شجونٌ غيرُ زائلةٍ / إنْ كان قلبُك خِلْواً غيرَ ذي شَجَنِ
ما لي أراك بلا شَوْقٍ ولا كَلَفٍ / ولا حبيبٍ تُرَجِّيهِ ولا سَكَنِ
إنْ كنتَ تُنصَف ممّنْ أنتَ تعشقه / فإنّني عاشقٌ من ليس يُنصفني
وَما الشّقاوةُ إلّا فتنةٌ سكنتْ / قلباً وأفلح قلبٌ غيرُ مُفتَتنِ
وَفي الكثيب الّذي فارقتُهُ عجلاً / ما شاءتِ العينُ من حُسْنٍ ومن حَسَنِ
أُحبُّ فيه عَسوفاً ليس يرأفُ بِي / وقاسِيَ القلبِ فَظّاً ليس يرحمني
ما الوعدُ منه بمألوفٍ لعاشقِهِ / فإِنْ يَعِدْ فهْوَ بالإنجاز يَمطُلُني
يسيءُ بي مالكاً رِقِّي ولستُ أَرى / حظّاً لنفسِيَ منه أنْ يُحرّرني
نفسي الفداءُ لخوّانٍ كلفتُ به / أظلُّ أُونِسُهُ دهراً ويوحشني
وَهمّ نفسي خَلِيٌّ بات يشغلنِي / أو الصّحيحُ الّذي ما زال يُمرضني
وكم ليالٍ مضتْ لي في خُناصِرَةٍ / ينام فيها قريراً مَنْ يُؤَرِّقُني
ظَبْيٌ تجافى الجَوى عنه فروّحه / يُقيمني حُبُّهُ طوراً ويُقعدني
مُحيّرٌ وجهُهُ للشّمسِ إِن طلعتْ / ومُخجلٌ قَدُّه إنْ ماس للغُصُنِ
أُطيعهُ وهو يَعصيني وأُنصِفُهُ / كما يحاول من نفسي ويظلمني
ما للخيالِ الّذي قد كان يطرقنا / أَيّامَ وَصْلكُمُ قد عاد يطرُقُني
نَفَتْ يقينِيَ عن قلبي أباطِلُهُ / فما لعينِيَ حقٌّ لا ولا أُذُني
قُلْ لِلحُداة وقَد زَمّوا لِرحلَتِهمْ / يومَ الفراقِ خياشيماً من البُدُنِ
دقّتْ وما زالتِ الأشطانُ تجذبُها / إلى المَهامِهِ حتّى صِرْن كالشَّطَنِ
حملتُمُ اليومَ قلبي في هوادِجكمْ / فليس ينفعُني أنْ تحملوا بدني
ولستُ في وطنٍ فارقتموهُ وفي / رِحالكمْ حيثما يمَّمْتُمُ وطني
يا صاحبيَّ على ما الدّهرُ مُحدثُهُ / من مركبٍ لَيِّنٍ أَوْ مركبٍ خَشِنِ
قولاً لملكِ ملوك الأرض كلِّهمُ / والرّكن للدّين والماضي على السُّنَنِ
قد نِلتَ ما لم يَنل كسرى ولا بلغتْ / هِمّاتُ عمرٍو ولا سَيفِ بن ذي يَزنِ
ما إنْ يكون لأخلاقٍ خُصصتَ بها / كريمةٍ في الورى شِبْهٌ ولم يكنِ
تُغضي وما حاذر الأقوامُ كلُّهمُ / من الرّجالِ سوى إِغضاءِ ذي فِطَنِ
وَتتركُ القولَ لم تُحْمَد مواضعُهُ / وكم صَموتٍ وما يُدعى من اللَّكَنَ
يَفديك كلُّ جَمودِ الكفِّ عن كرمٍ / للعرضِ مُطّرِحٍ للمالِ مُحتَجِنِ
ناءٍ عن الخير منحازٍ بناحيةٍ / عن المكارمِ صَبّارٍ عن الوَهَنِ
للّهِ دَرُّك في هولٍ نفضتَ به / عن الضّلوعِ مُرورَ الرُّعْبِ والجُبُنِ
والطَّعنُ يفتُقُ في كفَّيْك فاغرةً / كشِدْقِ أعْلَمَ أوْ لا فهي كالرُّدُنِ
وَأَنتَ في معشرٍ شُمٍّ أُنوفُهُمُ / لم يرتضوا في هضابِ المجدِ بالقُنَنِ
عارينَ إلّا مِن الحسناءِ قاطبةً / كاسِينَ إلّا منَ الشّنعاءِ والدَّرَنِ
ومشتري الحَمدِ لَمّا قلّصَت هِمَمٌ / عن غاية الحمد بالغالي من الثمَنِ
لهم ثِيابٌ نَقيّاتٌ بلا دَنَسٍ / مَرَّ اللّيالي وعيدانٌ بلا أُبَنِ
وإنْ دَعَوْتَ بهمْ في يومِ مَلْحَمَةٍ / جاؤوك شدّاً على الأكوارِ والحُصُنِ
بأَذرُعٍ لم تزلْ منهمْ معوَّدَةً / هزَّ الظُّبا البيضِ أو سُمرَ القنا اللّدِنِ
قُل للَّذي باتَ يَرمينِي وليس له / علمٌ بأنّك لِي أوْقى من الجُنَنِ
لا تَبغِ سَلبِي ولا تَمْدُدْ إلى سَلَبِي / منك اليدين ورُكْنُ الدّين يحرسني
قد كنت قبلك أهجو الدّهرَ مجتهداً / وقد رُزِقْتُك لا عَتْبٌ على الزَّمَنِ
فَأَنت أَحلى لقلبي من مُناهُ وفي / عيني عقيبَ السُّرى والأَيْنِ من وَسَني
قدني إليك فما أعطيت معتصباً / بِالتاجِ قبلك رقّي لا وَلا رَسني
وَاِعلمْ بِأنِّيَ في يُمناك مُدَّخراً / خيرٌ من المالِ في أبياتِ مُختَزِنِ
فإِن تجدني كما جرّبتَ ذا لَسَنٍ / فإِنَّ مدْحَك موقوفٌ على لَسَني
وما رضيتُ سواكمْ آمراً أبداً / وقد رضيتُك تنهاني وتأمرني
إذا مدحتُك لم أقرعْ بلائمةٍ / وبات يعذرني من بات يعذُلني
قصائدٌ رقّصَتْ بالسّامعين كما / ترقّص الخمرُ في أحشاء ذي أَرَنِ
فالغَوْرُ كالنَّجدِ في نشر الرُّواةِ لها / والحيُّ مِن مُضَرٍ كالحيِّ من يَمَنِ
لِي في اِمتداحك أَسبابٌ تُقدّمني / وتارةً ليَ أسبابٌ تؤخّرني
فطَوْلُ فضلك عن قومي يُجنّبني / وعِظْمُ حلمك عن هَفْوي يشجّعني
فَاِسعَد بِذا العيدِ والإفطار إنّهما / والنُّجحَ في كلّ ما تَبغيهِ في قَرَنِ
وقد مضى الصّومُ لم يكتبْ عليك به / ذنبٌ ولا ناله شيءٌ من الظِّنَنِ
يُثني عليك كما أثنى الرّياضُ وقد / جيدَتْ ضواحيه إصباحاً على المُزَنِ
ودُمْ لمجدٍ تعلّيهِ ومُمْتَحَنٍ / أخرجتَه كَرَماً من قبضةِ المِنَنِ
ما اِفتَرَّ فجرٌ وما لاحَتْ بشائرُهُ / وما تَرَنَّمَ قُمْرِيٌّ على غُصُنِ
لا تطمعِي في سُلُوِّ قلبٍ
لا تطمعِي في سُلُوِّ قلبٍ / ليس له عن هوىً سُلُوُّ
قلبُكِ خالٍ وبي اِنشغالٌ / وَما اِستوى الشغْلُ والخُلُوُّ
يا بِأَبي من هدا مناماً / وما لعينِي به هُدُوُّ
إنْ تَدْنُ يوماً إلى وِصالي / فحبّذا ذلك الدُّنُوُّ
أوْ تَحْنُ مِن بعدِ طولِ صَدٍّ / فربّما أكثب الحُنُوُّ
يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعةً
يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعةً / لم تَقْرِ همّاً ولا بُخلاً بواديها
أحسِرْ بها غَيْهَبَ الأحزانِ عن فِكَري / فكم ليالٍ بها زيّدتُ وارِيها
لَم أدرِ لمّا اِمتطتها كفّ حاملها / أَحلّتِ الكأسَ أم خَدَّي مُعاطِيها
وَعائبٍ لمشيبي وَهو لابِسُهُ / ولم يَعِبْ حُلّةً في النّاسِ كاسيها
لم يدر أنّ مشيبَ الرّأس من فكري / لَم يَسْرِ رَكْبُ مشيبٍ في نواحيها
أَليسَ ينقص يوماً في ذُراً لهمُ / ماءُ الشّباب غزيرٌ في عَزاليها
وما الفناءُ بموقوفٍ على حَدَثٍ / وَالنّابُ في الذَّوْدِ أغْنى من حواشيها
وعاذلٍ من صنيعٍ قد تدرّعه / وليسَ يَشفِي مِنَ الأمراضِ شاكيها
طويتُ كشحَيَّ عنه ثمّ قلتُ له / ما العيشُ إنْ جَنَحَتْ نفسِي لِلاحيها
دَعْني أنَلْ من زماني بعضَ لَذَّتِهِ / فقد وثِقْتُ بأنّ الدّهرَ يَفْرِيها
وكيف آنسُ بالدُّنيا ولستُ أرى / إلّا اِمرءاً قد تعرّى من عَواريها
كأنّها غُصّةٌ حلّتْ بِمَبْلَعِها / أوْ كالقَذاةِ أقامتْ في مآقِيها
نَصبوا إليها بآمالٍ مُخَيَّبَةٍ / كَأنّنا ما نرى عُقْبى أمانِيها
في وَحشةِ الدّار ممّنْ كان يسكنها / كُلُّ اِعتبارٍ لمن قد ظلّ يأويها
لا تكذِبنَّ فما قلبي لها وطنٌ / وقد رأيتُ طُلولاً من مَغانيها
كم قد ركبتُ إلى العلياءِ ظهرَ فَلاً / تضلّ فيه قَطاةٌ عن مَجاثيها
وَقفرةٍ تُنكرُ الأنْس الوحوش بها / ولا يُرجّي ورودَ الماءِ صاديها
إذا تراخَتْ رِكابي عن مَهامِهِها / رَكِبتُ فيها اِعتزاماً لا يُباليها
هانَت عليَّ مَخوفاتُ الخطوبِ فما / أَثْنِي يمينيَ عن قُصْوى مَراقيها
كَأنّما قَد نعَى الدّنيا مُخَلَّدُها / أَوْ في يديَّ أمانٌ من لياليها
وَمنْ تَكنْ نفسُهُ لم يَمْلَها جَزَعٌ / فزجرُ مُهْرِك في الهيجاءِ ماليها
وإنْ تكن لم تَذَرْ كُثْرَ الأنامِ لها / قُلّاً فَشِلوُ هَزيلِ الجَنْبِ كافيها
نَفسي تُنازِعُني حالاً يضيق لها / عَرضُ البلادِ فمن لي مِن تقاضيها
لقد دَعَتْ سامعاً لم تَكْدَ دعوتُهُ / وطالبتْ بعظيمٍ مَنْ يُؤاتيها
أَقلِل لَديَّ بِأَنباءِ الزّمانِ فما / أهابُ نفسي لأنّي لا أُرَجِّيها
لا تَجتَنِ العِزَّ إلّا من حدائِقِهِ / فكم رياضٍ عِراضٍ خاب جانيها
ما عزّ من ذلَّ في تطلابِ عِزَّتِهِ / مجاوِرُ النّارِ من قُرٍّ كصاليها
إنَّ المعالِيَ لا تُعطيك صَهْوَتَها / وما سَعَتْ لك رِجلٌ في مساعيها
لم تَنتَهِزْ ما دنا من فرعِ دَوْحتِها / فكيف تسمو إلى ما في أقاصيها