المجموع : 85
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ / حتّى اِستجبتُ على كُرهٍ إلى الغزلِ
للَّه قلبُ عميدٍ خرّ منجدلاً / لمّا رأته لحاظُ الأعينِ النُّجُلِ
ما كانَ هَذا الهوى لي في الحساب ولا / هذي الصّبابةُ لولا الحسنُ من عملِي
جاء الهوى عَرَضاً لم أجْنِهِ بيدي / كأنّه ليس منّي وهْو من قِبَلي
ناشدتُكم أن تقرّوا من قلوبكم / فبين حنبيَّ قلبٌ ما تَحَيَّزَ لِي
كم قد نصحتُ لعذّالي وقلتُ لهمْ / عذلتُمُ اليومَ مشغولاً عن العَذَلِ
يعصيكُمُ قلبُهُ الغاوي ومن خَجَلٍ / يُطيعكمْ لفظُهُ قولاً بلا عَمَلِ
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي / يلقاك بالسّيّءِ المكروهِ من عملي
وَاِجعلْ مسيري إلى لُقياك يوم ترى / حشرَ الأنامِ على نهجٍ من السُّبُلِ
في واضحٍ جَدَدٍ تأبى العثارَ به / رِجْلي فلا هَفْوَتي فيه ولا زللي
وأعطني الأمنَ في يومٍ تكون به / قلوبُ خلقك ملقاةً على الوَجَلِ
كم ذا أُؤمّل عفواً لستُ أكسبُهُ / ويلٌ لجلدِيَ يوم النّارِ من أملي
وأُسْتَغَرُّ بما أمّلتُ تخدعني / لَيُّ الحوادثِ إذْ أرْخَتْ من الطِّوَلِ
كانّني وزنادُ الخوف تلذعني / بما أخاف وأرجو غير محتفلِ
قولٌ جميلٌ وأفعالٌ مقبَّحةٌ / يا بُعدَ ذا القول في الدّنيا من العملِ
يا بُؤسَ للدّهرِ غُرّ العالِمون به / والجاهلون معاً في الأعصر الأُوَلِ
مَضوْا جميعاً فلا عينٌ ولا أثرٌ / حانوا وحالوا وهذا الدّهرُ لم يَحُلِ
كأنّهمْ بعدما استمْطَوْا جنائزهمْ / لم يمتطلوا صَهَواتِ الخيلِ والإبلِ
قالوا فرغتَ من الأشغال قلت لهمْ / لو لم أَكن باِنتظار الموتِ في شُغُلِ
إنّي لأعلمُ علماً لا يخالجه / شكٌّ فأطمع للدّنيا ويطمع لي
بأنّه لا مَحيصٌ عن مدى سفري / وَلا دواءٌ لما أشكوه من عللي
وإنّني سوف ألقى ما يُطيح به / كيدي وتذهب عنه ضُلَّلاً حِيَلي
وكيف يطبق جَفناً بالكرى رجلٌ / وراءه للرّدى حادٍ من الأجلِ
أم كَيف يصبح جذلاناً وليس له / علمُ الإلهِ بعُقْبى ذلك الجَذَلِ
يا راقداً ونداءُ اللَّه يوقظه / ألّا تزوّدتَ فينا زادَ مرتحلِ
ما لي أراك على ربِّ الورى بَطِراً / وأنتَ في النّاس ملآنٌ من الفَشَلِ
وكم تجود بجمّاتِ الثّوابِ غداً / وأنتَ توصف فينا اليومَ بالبُخُلِ
للَّه مَن لا تراه غِبَّ حادثةٍ / مجرَّحاً بشفارِ اللّومِ والعَذَلِ
يرنو إلى الدّهر من أجفان صادقةٍ / بدا لها منه ما يخفى على المُقَلِ
فالعزُّ في هجرة الدّنيا وما ضمنتْ / والذّلُّ في طلب الأموال والدُّوَلِ
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال / طوراً بأمنٍ وأطواراً بأوجالِ
أبغي النّجاءَ وما أنجو وإنْ غفلتْ / عنّى المنون كما لم ينجُ أمثالي
شواردٌ من مصيباتٍ ثبتن لنا / يصبن ما شئن من نفسٍ ومن مالِ
متى ينلْن الفتى قالوا دنى أجلٌ / يا هلْ أرى في اللّيالي غيرَ آجالِ
بذلٌ يؤوب إلى منعٍ وعافيةٌ / تجرّ داءً ونُكسٌ بعد إبلالِ
وما سُررتُ بأيّامِ الكمال فما / يعرو الفتى النّقصُ إلّا عند إكمالِ
يا ليت شعرِيَ والأهواءُ مولعةٌ / برجم مستترٍ في الغيب دخّالِ
بأيّ نوعٍ من المكروه تخرجني / هذي النّوائب عن أهلي وعن مالِي
وأيُّ عَلْقَمَةٍ في كفّ حادثةٍ / أُجنى لها كي أُسقّاها وتُجنى لِي
ما للنّوائبِ يُعفِين الثُّمامَ كما / يَعنُفنَ بالنّبعِ أوْ يقذفن بالضّالِ
وما لهنّ وما يبغين من أَرَبٍ / يفنينَ نفسي وَقد أبقين أسمالِي
نلقى المخاوفَ في الدّنيا ونأمنُها / ونطلب العزَّ في الدّنيا بإِذلالِ
وتُستَذَمُّ لنا في كلّ شارقةٍ / وما لها مُبغضٌ منّا ولا قالي
لِذاذةٌ لم تُنَل إلّا بمؤلمةٍ / وصحّةٌ لم تدمْ إِلّا بإعلالِ
فَما أَمنتُ بها إلّا على حَذَرٍ / ولا فرغتُ بها إلّا بأشغالِ
ومُسمِعٍ جاء من أَرْجان يُسمعني / قولاً يكثّر من همّي وبَلْبالي
أهدى على زعمه بَرْدَ اليقين به / فشبّ بين ضلوعي جمرةَ الصّالي
نعى إليَّ قِوامَ الدّين حادثةٌ / أحال ما جاء منها كلَّ أحوالي
فلو أطَقتُ فنفسي لا تَضِنُّ به / شققتُ قلبي ولم أعرضْ لسِرْبالي
وَلم تنلْ عَقْرَ نفسي في المصاب يدي / فبتّ أعقِرُ أطلابي وآمالي
أَقول والرّبعُ مغبرٌّ جوانبُهُ / مَنْ بدّل المنزل المأهولَ بالخالي
مَنْ أخرج اللّيثَ مِن ذاك العرين ومَن / حطّ المحلِّقَ في العلياءِ مِن عالِ
مَنْ زعزع الجبلَ العاديّ منبته / ومَن طوى ذلك الجوّال في جالِ
مَنْ حلّ عُقْلَ المنايا فيه ثمّ رمى / قوائمَ السّابقِ الجاري بعُقّالِ
مَنْ ساجل الغيثَ هطّالاً بأَذْنِبَةٍ / مَنْ كايَلَ البحر مكيالاً بمكيالِ
مَنْ طاول الشُّمَّ حتّى طالهنّ ذراً / مَن وازن الصُّمَّ مثقالاً بمثقالِ
سائل بملكِ الورى لِمْ زلّ أخمَصُهُ / وهو الّذي كان ثبتاً غيرَ زوّالِ
وكيف أعجزه هولٌ ألمَّ به / وهو المدفّعُ أهوالاً بأهوالِ
وكيف أصحر بالبيداء منفرداً / مُخدَّمٌ بين أكنانٍ وأظلالِ
وكيف حطّ مُلِظٌّ في بُلَهْنِيَةٍ / من ناعم العيش داراً غيرَ مِحْلالِ
وكيف لم يُعطني من ثِقْلهِ طَرَفاً / قَرْمٌ تحمّل عنّي كلَّ أثقالي
وكيف ضلّ بأيدي الحادثات فتىً / مُعطي النّجاةِ وهادي كلّ ضلّالِ
مَنْ للسَّرير الّذي تعنو الجباهُ له / مقسومةً بين تعظيمٍ وإجلالِ
مَنْ للرّواقِ إذا حفّ الوفودُ به / سامين نحو شَرودِ النطقِ قوّالِ
مَن للعُفَاةِ إذا اِبتلّوا بنائِلِهِ / صباح يومٍ شديد الهضم للمالِ
مَن للسّوابق يَعرَوْرى مناسجَها / وتنثني بالدّمِ القاني بأَجْلالِ
نزائعٌ كالنّعامِ الكُدْرِ نفّرها / صَراصِرٌ من حديد الظُّفرِ نشّالِ
أو كالسّراحين تَفْرِي كلَّ مقفرةٍ / غَرْثى من الزّاد تَنْسالاً بتَعْسالِ
مَن للقنا طالَ حتّى قالَ مُبصرهُ / ما هُزّ هذا القنا إلّا بِأَطوالِ
مَن للصّوارِمِ تَعْرى مِن مَغامِدها / وتكتسي أغمُداً في هامِ أبطالِ
مَن لِلمكيدة حكّتْه لتبلُوَه / تحكُّكَ القُلُصِ الجَرْبى بأجذالِ
مَن للكتائبِ خُرساً غيرَ ناطقةٍ / يُجلجل الطّعنُ فيها أيّ جَلجالِ
فيهنّ كلُّ هضيم الكَشْح مُعْتَرِقٍ / مُشَذَّبٍ كسَحوقِ النّخلِ طُوّالِ
إذا مشى في فضولِ الدّرع تحسبه / مقلّباً نَخْوةً أعطافَ رِئْبالِ
ذو ناظرٍ توقد الأَضغانَ لحظتُهُ / كصلّ رملةِ وادٍ بين أصلالِ
قد كنتَ توعدني العِدَّ الغزيرَ نَدىً / فالآن أقنعُ بعد العِدِّ بالآلِ
وما قنعتُ وبي في غيره طمعٌ / واليأسُ أرْوَحُ ولّاجٍ على البالِ
وكنتَ لِي وَزَراً في كلّ مُعضلةٍ / أُمسي أُشمّر فيها فضلَ أذيالي
وكنتَ أدنى وقد ناديتُ منتصراً / إليَّ في الخطب من نفسي ومن آلي
يا طالِبَيَّ خذا منّي اِقتراحَكما / ما مانعٌ دون ما أخشى ولا والِ
وَاِستعجلا في يديّ اليومَ ثأركما / بذلتُ ما لم أكن فيه ببذّالِ
قد ذَعْذَع الموتُ نُصّاري وحاميتي / وضعضع الموتُ أطوادى وأجبالي
ونالني بالأذى مَن كان يرمُقني / قُبَيل هذا الرّدى بالمربأ العالي
أصبحتُ فيك أُزيرُ الشّكّ معرفتي / عمداً وأصرف ذاك الخُبْرَ عن بالي
وأسأل الرّكبَ عندي مثل علمهمُ / أرجو تَعِلَّةَ إلباسي وإشكالِي
قبرٌ على الكوفة الغرّاء نتبعه / في كلّ يومٍ بإرنانٍ وإعوالِ
كأنّما مِسْكةٌ في تربةٍ فُتِقَتْ / من طيب عَرْفِكِ أو ناجود جِرْيالِ
لم يدفنوك به لكنّهمْ هَرَقوا / وما دَرَوْا سَجْلَ إحسانٍ وإجمالِ
وإنّني آنفٌ سَقيَ السّحاب له / فتربةٌ أنتَ فيها غيرُ مِمْحالِ
جادتكَ مِن صَلواتِ اللَّه أوعيةٌ / غزيرةٌ ذاتُ إسجامٍ وإسبالِ
مُلِثَّةُ الوَدْقِ تسري اللّيلَ أجمعَهُ / فإنْ غدَت وصلتْ صبحاً بآصالِ
لا مسّ منك البِلى ما مسّ من بشرٍ / فإنْ بَلِيتَ فما معروفك البالي
وناب عنك جميلٌ كنتَ تَعمله / حيث النّجاءُ لمن ينجو بأعمالِ
فالذّكرُ عندي مقيمٌ إنْ نُسِيتَ وإِنْ / سُلِيتَ يوماً فغيري قلبُه السّالي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي / تسومني هجْرَ مَنْ في هجره أجلي
دعْ عنك عَذْلي فإنّ العذل منك وما / هذي الصّبابةُ من عندي ولا قِبَلي
وفي الهوادج مَن لو شاء علّلني / يوم الرّحيل وقد سرنا على عجلِ
بوقفةٍ لم يُردني يوم ذاك بها / وهي الشّفاءُ لما أشكوه من عِلَلي
فلو مررنا على وادي العُذَيْب درى / مَن عالج الشّوقَ أنّي عنك في شُغُلِ
كم ثَمَّ من مُهجةٍ تقضِي بلا قَوَدٍ / ومن دمٍ طُلَّ من وجدٍ على طَلَلِ
ومن فؤادٍ إذا سِيقت ركائبُهمْ / طَوعَ النّوى من شَرافٍ سيقَ في الإبلِ
تسوقه النُّجْلُ إذْ بانتْ ويوقظُهُ / على الهوى لَمَعانُ المَبْسَمِ الرَّتِلِ
ومعشرٍ بمنىً أضحتْ شفارُهمُ / يَلِغْنَ في ثغَراتِ الأيْنُقِ البُزُلِ
وبالمحصَّب ينتابُ الجمارَ به / عصائبٌ جئن من سهلٍ ومن جبَلِ
والبائتين بِجَمْعٍ والرّكائبُ قد / مَلّتْ هنالك من شدٍّ ومن رَحَلِ
ونازلي عرفاتٍ شاخصين إلى / ذُؤابةِ الشّمسِ أن تدنو إلى الطَّفَلِ
لقد تبوّأ فخرُ الملك منزلةً / علياءَ شطّتْ على الأَيدي فلم تُنَلِ
ملساءَ يحسبها الأقوامُ في مَلَكٍ / وإنّما هي بالتّحصيلِ في رَجُلِ
يا موحشي ببعادي منه في وطني / ومن بلادي ومن أهلي ومن خُللِي
وتاركي بعد أنْ كانتْ زيارتُه / حَلْياً بجيدِيَ مملوءاً من العَطَلِ
إنّي جليدٌ على الأهوالِ قاطبةً / ولستُ في فرقتي إيّاك بالبطلِ
أنتَ الّذي نلتُ منه وهو مُخْتَفِرٌ / فَوقَ الّذي كان يسمو نحوه أملي
من ناظماتِ سموطِ الفخرِ باقيةً / يحول صبغ اللّيالي ويه لم تَحُلِ
ومن مقالٍ إذا فاه الرُّواةُ به / كأنّه في قديم الدّهر لم يُقَلِ
كم لي بحضرتك الغرّاءِ من قدمٍ / ووقفةٍ لم أخفْ فيها من الزَّلَلِ
أروح أسحب فيها ذيلَ مفتخرٍ / وساحبُ الفخر ينسى ساحبَ الحُلَلِ
ماذا بقربك من عزٍّ ومفخرةٍ / وما بكفّك من غُنمٍ ومن نَفَلِ
وما بساحتك الغرّاء من شَرَفٍ / وتُربِ مجلسك المعمور من قبَلِ
وأيُّ ذي خنْزُواناتٍ يُدِلُّ بها / بعُقْرِ دارك لم يُعْدَدْ من الخَوَلِ
إنّ العراقَ إلى نجواك طامحةٌ / طماحةَ الهِيمِ نحو العارض الهَطِلِ
وإنّ مَن بات خوفٌ منك يَعقِلُهُ / قد همّ أو كاد أنْ ينجو من العُقَلِ
فلامَحوا الغَدرَ لمّا أن بعُدتَ ومذْ / رِيعوا بقربك أغضوا عنه بالمُقَلِ
قد قلتُ للقوم غرّتهمْ بشاشَتُه / وربّما شَرِق المُشتارُ بالعَسَلِ
لا تُحْرِجوه إلى شعواءَ قاطعةٍ / فتخرجوا فيه من أمْنٍ إلى وَجَلِ
فالصّلحُ ممّن درى الضُرَّ المحيطَ به / ولا دفاعَ له صلحٌ على دَخَلِ
عُوتِبتُمُ فأبيتم نصحَ ذي شفقٍ / وبالظُّبا يُعتبُ الآبي أو الأَسَلِ
أرخى لكمْ فحسبتُم لا زمامَ لكم / وليس يفْرِق فَوْتاً مُمِسكُ الطِّوَلِ
وقد وأَلتُمْ مراراً في نِكايتِهِ / وربّما عثر الجاني فلم يُؤَلِ
فاِسلَم لنا فخرَ هذا الملك واِبقَ على / مرّ الزّمان بظلٍّ غير منتقلِ
وقد مضى عنك شهرُ الصّومِ منسلخاً / يُثني عليك بخير القول والعملِ
فاِسعَدْ بذا العيد واِقبلْ ما حباك به / من المسرّةِ فيما شئت والجَذَلِ
مُبَرَّءاً من لِمامِ السّوءِ أجمعهِ / مملَّكاً أنفسَ الأعمارِ والمُهَلِ
ومن عجائب أمري أنّني أبداً
ومن عجائب أمري أنّني أبداً / أريدُ من صحّتي ما ليس يبقى لِي
هل صحّةٌ من سقامٍ لا دواءَ له / وكيف أبقى ولمّا يبقَ أمثالي
وما أُريد سوى عينِ المحال فلا / سبيلَ يوماً إلى تبليغ آمالي
واللَّه لا كان لِي مالٌ أضِنّ به
واللَّه لا كان لِي مالٌ أضِنّ به / ولا رددتُ بغير النُّجْحِ سُؤّالي
ولا اِدَّخرتُ سوى جودٍ ومكرُمةٍ / ذَخائراً لم أبتْ فيها بأوجالِ
المالُ مالي إِذا يوماً سمحتُ به / وما تركتُ ورائي ليس من مالي
وفي غدٍ أنا مرموسٌ بمقفرةٍ / ملْساءَ عاطلةٍ من جانبِ الخالِ
خالٍ وإنْ كنتُ ذا أهلٍ وذا نَشَبٍ / عارٍ وإن كان بالبَوْغاء سِربالي
أمَا ترى الدّهرَ مسلولاً صوارمُه
أمَا ترى الدّهرَ مسلولاً صوارمُه / تفري وتقطع منّا كلَّ موصولِ
معلَّلاً كلّما يدوِي ويُسقِمُه / وربّما ضرّ ذا سُقمٍ بتعليلِ
أمّلْتُ فيه أموراً ما ظفرتُ بها / وعاد يسحب ذيلَ المنعِ تأميلي
فعدِّ مثواك عن شيء منيتَ به / فلا اِنتِفاعٌ لمشغولٍ بمشغولِ
ما صِيدَ قلبُك إلّا باِبنةِ الكِلَلِ
ما صِيدَ قلبُك إلّا باِبنةِ الكِلَلِ / وكم نجا النَّبلَ مَن لم ينجُ من مُقَلِ
دعتْ هوايَ إليها فاِستَجاب لها / غنيّةٌ عن سوادِ الكُحلِ بالكَحَلِ
بيضاءُ تفضح صبحَ اللّيلِ إنْ نشرتْ / ذُؤابةً في فروع الفاحمِ الرَّجِلِ
وَلَو رأتْ وجهَها شمسُ النّهارِ وقدْ / ألْقَتْ معارجها غابتْ من الخَجلِ
وَلَم يَطُر بِيَ لولا حبُّها غَزَلٌ / فساقني حسنُها كرهاً إلى الغَزَلِ
فلو رآها عذولٌ تاب معتذراً / من أنْ يعود إلى شيءٍ من العَذَلِ
مرّتْ بنا وفؤادي لِي فما برحتْ / حتّى كأنّ فؤادي قطُّ لم يكُ لِي
وزارني طيفُها وَهْناً فأَوْهمني / زيارةً كنتُ أرجوها فلم أَنَلِ
هي الزّيارةُ معسولاً تطعُّمُها / وليسَ فيها لنا شيءٌ من العَسَلِ
لو كان طيفُك أوْلانا زيارَته / على الحقيقةِ ما ولَّى على عَجَلِ
عَطِيّةُ النومِ مَنعٌ لا اِنتِفاعَ بها / للعاشقين وجودُ الطّيف كالبُخُلِ
فَكيفَ جِئتِ إلينا غيرَ سائرةٍ / على جوادٍ ولا حِدْجٍ على جملِ
وَكيفَ لَم توقِظي صحبي وقد هجعوا / برنّةِ الحَليِ أوْ مِن فَغْمَةِ الحُلَلِ
قد قلتُ للرّكب حثّوا كلَّ سَلْهَبَةٍ / جَرْداءَ أو جَسْرَةٍ من أينُقٍ بُزُلِ
في مَهْمَهٍ لا ترى فيه لناجيةٍ / في ظهرها الكُورُ غيرَ الشدِّ والرَّحَلِ
حُطّوا بعَقْوَةِ ركنِ الدّين واِبتَهِجوا / بالمَنهلِ العَذْبِ أو في المنبَتِ الخَضِلِ
حيثُ الملوك ملوكُ الأرض خاشعةٌ / لمالك الأرضِ والأعناقِ والدُّوَلِ
وجانبٌ تُنهبُ الأموالُ فيه فما / يرضى لمن أمّل الأموالَ بالأملِ
ومطرحٌ ليس فيه للملامِ يدٌ / ولا معابٌ لتفصيلٍ ولا جُمَلِ
ما فيهِ إلّا صريحٌ أو علانيةٌ / بالاِتّفاقِ ولا صلحٌ على دَخَلِ
كم موقفٍ ثمَّ فيه ليس محتكمٌ / غيرَ الصّوارمِ والخطّيّةِ الذّبلِ
حيث النّجاءُ مَروقٌ كفُّ طالبه / ومَوْقِدُ الحربِ يرمي القومَ بالشُّعَلِ
شهدتَه بجَنانٍ ما ألَمَّ به / ذعرٌ ولا مسّه مسٌّ من الوَجَلِ
ثَبْت المقامة في دحضٍ مزالقُه / لو زالتِ الصُّمُّ يوماً عنه لم يزُلِ
وأنتَ في ظهر ملطومٍ بغرّته / كأنّه شِدّةً قَدْ قُدَّ مِن جَبَلِ
لا يعرف الطَيشَ في سِلْمٍ وممتلئاً / في ساعة الرَّوع ممّا شئتَ من خَبَلِ
مُحَكَّمٌ فيه أنّى شاء فارسه / للرّيث إنْ رامه طوراً وللعَجَلِ
فقل لمن شكّ جهلاً في شجاعته / وإنّه قانصٌ نفسَ الفتى البَطَلِ
من أين تحكم إِلّا في يديه ظُباً / يوم الكريهة في الأجسام والقُلَلِ
أَوْ مَن سواه تروّى فتقَ طعنتِه / نحرَ المدجّجِ طمآناً من الأَسَلِ
مَن عالج الملك لولاه وقد طرأتْ / على ضواحيه صعباتٌ من العِلَلِ
مَن راشَهُ بعد أنْ حُصَّتْ قَوادِمُهُ / مَن صانه وهو في أظفارِ مبتذلِ
مَن ذبّ عنه ببيصٍ ما عَرفن وقد / سُلِلْن في نصره عَوْداً إلى الخِلَلِ
مَن ردّ عنه نيوباً للخطوب وقد / هَفَوْن بالرّأي أو برّحْن بالحِيَلِ
مَن كفّ أيدِيَ أقوامٍ به عبثوا / وردّهنّ بما يكرهن من شَلَلِ
لا تحسبنّي كأقوامٍ خبرتَهمُ / قيدوا بأرشيةِ النَّعماءِ والنَّفَلِ
بلا قرارٍ على دارٍ يحلّ بها / ولا مقامٍ على شيءٍ من السُّبُلِ
فإنّني لك صافٍ غيرُ ذي كَدَرٍ / وواردٌ منك عِدّاً غيرَ ذي وَشَلِ
وإنْ تبدّل قومٌ عنك واِنتَقلوا / فليس لِي منك عُمْرَ الدّهرِ من بَدَلِ
وإنْ يحولوا ويَضحَوا غيرَ مَن عهدوا / فإنّني لم يَزُلْ ودّي ولم يَحُلِ
وإنْ يُمَلّوا وما مُلَّ الجميلُ بهمْ / فإنّني مُعتَقٌ من رِبْقَةِ المَلَلِ
خوّلتنِي منك إكراماً يُخَيَّل لِي / أنّ الأنامَ لما خوّلتني خَوَلي
وما جذلتُ لشيء في الزّمان وقدْ / أَسحبتني باِجتبائي حُلَّةَ الجَذَلِ
فإنْ وردتُ زلالاً غبَّ معطشةٍ / ففي ولائك عَلِّي اليومَ أو نَهَلِي
ومذْ وصلتُك دون النّاس كلّهم / فقد قطعتُ على خُبْرٍ بهمْ وُصُلِي
ومذْ جعلتُ لظهري منك مستَنَداً / غَنِيتُ عن أَكَمِ القِيعانِ بالجبلِ
فَاِسعَدْ بذا العيد وليمضِ الصّيامُ فقد / أثنى عليك بخير القولِ والعملِ
يمضي بلا هفوةٍ في عرضه مرقتْ / ولا عثارٍ ولا شيءٍ من الزَّلَلِ
وعشْ مُوَقّىً خطوبَ الدّهرِ محتمياً / عمادُ عزّك عن ثلمٍ وعن مَيَلِ
وثوبُ فخرك لا يُطوى على شَعَثٍ / وشمسُ ملكك لا تُدني إلى طَفَلِ
رأيتكْم في أمورٍ غير مسفرةٍ
رأيتكْم في أمورٍ غير مسفرةٍ / ما يَنقَضي شُغُلٌ إلّا إلى شُغِلِ
فإِنْ تكنْ تلكمُ الأشغالُ قاطعةً / عَن غَيركمْ فَشفاها اللَّه من عللِ
وإنْ يكن ذاكَ تعويقاً لشرّكمُ / فينا فيا حبّذا الأشغالُ من عُقَلِ
لا خير فيمن تناساه الرّجاءُ فما / تسري إليه بنيّاتٌ من الأملِ
ولم يَبِتْ أحدٌ منه وإن بعدتْ / عنه محلّته إلّا على وَجَلِ
لا تقطعنّ رجاءَ العيش بالعِللِ
لا تقطعنّ رجاءَ العيش بالعِللِ / فالعمرُ أقصر أوقاتاً من الشُّغُلِ
وما السّرورُ على خَلْقٍ بمتّئدٍ / وما النّعيم على الدّنيا بمتّصلِ
قضى الزّمانُ بان يبتزّ نِحلَتَه / ما يُبرِم الصّبحُ تُعريه يدُ الطَّفَلِ
أقول إذا لامني في الحبّ جاهله / لو كنتَ لاقيتَ ما ألقاه لم تَقُلِ
خفّضْ عليك فإِنّي غيرُ منعطفٍ / على ملامٍ ولا مُصغٍ إلى عَذَلِ
إذا نزعت هوىً في ثوب غِرّتِه / فإنّ سرَّ الصِّبا في خمرةِ الغَزَلِ
وشافعُ الحبّ لا تنفكّ طاعتُه / أدنى إلى النّفس من همٍّ إِلى جَذَلِ
لا تأنسنّ بلين الصّعبِ في كَلَفٍ / فاللّيثُ يصبو ويعلو منكِبَ البَطَلِ
ولا يغرّنْك حلمٌ في مواطنه / فالدّهر يُغضِي ويقضِي أعضل العُقَلِ
وكيف يُدني منَ التّشمير في حَدَثٍ / مَن داؤه في ظهور الخيلِ والإبلِ
أدنى شعارَيْه درعٌ في تفضّلِه / وكفُّه منبتُ العَسّالةِ الذُّبُلِ
يرضى النِّجادَ بديلاً من تمائمه / وأحمرَ النَّقْعِ من مُحمرّةِ الحُلَلِ
وَلا وسادَ له إلّا جوارحُه / ولا يمُهِّد إلّا جَلْدَةَ السُّبُلِ
ما يَعجِمُ الخطبُ لِي عوداً على خَوَرٍ / ولا يكشّفُ منّي القلبُ عن وَهَلِ
وَلا اِمتطيتُ صنيعاً ذُمَّ راكبه / ولا أدار لساني القولَ في خَطَلِ
هيهاتَ أَرهب مِن هَذا الورى أَحداً / وقد رأيت شمولَ العجز والفَشَلِ
إِنَّ الرّجالَ وإنْ راعتْك كثرتُهمْ / إذا خبرتَهمُ لم تُلفِ من رجلِ
مَن لم تكن غايةَ العلياء بغيتُه / فلن أُلابِسَهُ إلّا على دَخَلِ
للَّه يومٌ أتاني وهو مبتسمٌ / لقيتُ فيه نفوسَ القومِ بالأجلِ
على حصانٍ حصينٌ مَنْ تَجلَّله / كأنّه قَد تعلّى ذروةَ الجبَلِ
رَحْبِ الجبين قصيرِ الظّهر من سَعَةٍ / كأنّ راكبه منه على الكَفَلِ
لمّا طلعتُ بصدق العزمِ مشتملاً / رأى الكماة بوجهي مالئ المُقَلِ
وغُرّةُ الشّمسِ بالقَسْطالِ في كِلَلٍ / وبالبصائر خدُّ الأرضِ في خَجَلِ
قل للنّوائب إمّا كنتَ مخبرَها / بيني وبينك قرعُ البيضِ والأَسَلِ
في فتيةٍ عشقوا الحربَ العَوانَ فما / يزورُ عشقَهمُ شيءٌ سوى المَلَلِ
لا يَرهبونَ المَنايا أنْ تلمّ بهمْ / ولا يخافون يوماً جرعةَ الثُكُلِ
إليكِ عنِّيَ أخلاقَ اللّئامِ فما / يُجيد سمعي إلى نجواكِ من مَيَلِ
مَن شاءَ أَن يتحامَى الهُونُ حوزتَه / يكنْ بوفدِ الأماني غيرَ محتفلِ
لا يقنُصُ الدّهرُ قلبي في حبائله / ولا يَميل اِعتِزامي في صِبا أملِ
لا زلتِ يا أعينَ الحسَّاد مُطرَفةً / دوني ويا قلبَهمْ لا زلتَ في خَزَلِ
من يحسدِ المجدَ غَصّانٌ بحسرتِهِ / وعاشقُ المجد لا يُلفى على مَلَلِ
لا تنظرنّ اِمرءاً من غير حاسده / فليس يُدرك صدقاً ناظرُ الحُوَلِ
ما للقلوب غداةَ السّبتِ مزعجةً
ما للقلوب غداةَ السّبتِ مزعجةً / وللدّموع غداةَ السّبت تنسجمُ
وللرّجالِ يحلّون الحُبا وَلَهاً / من أنّهمْ علموا في ذاك ما علموا
تجري دموعُ عيونٍ ودّ صاحبُها / لو أنّهنّ على حرّ المصابِ دمُ
كَأنّنا اليّوم من همٍّ تَقسَّمنا / نَهْبٌ بأيدي ولاة السّوءِ مُقتَسَمُ
نثني الأكفَّ حياءً عن ملاطمنا / وفي الحشا زفراتُ الحزنِ تلتطمُ
ونكتم النّاسَ وَجْداً في جوانحنا / وكيف نكتم شيئاً ليس ينكتمُ
يا موتُ كم لكريمٍ فيك من تِرَةٍ / أعيا بها الرّمحُ والصُّمصامةُ الخَذِمُ
وكم وَلَجتَ وما شاورتَ صاحبَه / قصْراً على بابه الحرّاسُ والخدمُ
وكم عظيمِ أُناسٍ قد سطوتَ به / لم يُغنِ عنه فتيلاً ذلك العِظَمُ
وما نجا منك لا صُغْرٌ ولا كِبَرٌ / ولا شبابٌ ولا شيبٌ ولا هرمُ
هيهات مُكِّن من أرواحنا حَنِقٌ / فظٌّ وحُكِّمَ في أجسامنا قَرِمُ
أَين الّذين على هذي الثّرى وطأوا / وحُكِّموا في لذيذ العيش فاِحتكموا
ومُلِّكوا الأرضَ من سهلٍ ومن جبلٍ / وخُوِّلوا نعماً ما مثلها نِعَمُ
حتّى إذا بلغ الميقاتُ غايَتَه / لَم يسلموا ولشيءٍ طالما سلموا
لم يبق منهمْ على ضنّ القلوب بهمْ / إلّا رسومُ قبورٍ حشوُها رِمَمُ
مسنّدين إلى زَوْراءَ موحشة / ظلماءَ لا إِرَمٌ فيها ولا عَلَمُ
كأنّما طبّقتْ أجفانَهمْ سِنَةٌ / أو شَفّهمْ لبِلى أجسادهمْ سَقَمُ
يُغضون من غير فكرٍ يرتأون له / ويأْزِمون على الأَيدي وما نَدِموا
فلا يغرّنْك في المَوْتى وجودُهمُ / فإنّ ذاك وجودٌ كلُّه عدمُ
قُل للوَزيرِ وإن جلّتْ مصيبتُه / هيهات فاتَكَ ما يجري به القلمُ
إنّ الّتي أنت ملآنٌ بِلَوعتها / مضتْ كما مضتِ الأحياءُ والأُمَمُ
مُلِّيتَ دَهراً بها من غير مَحْسَبَةٍ / وغيرُ مَن رَجَعَ الموهوبَ مُتّهَمُ
وَحزنُك اليوم عُقبى ما سُررتَ به / حيناً وعقبى الّذي تلتذّه الألمُ
وما خُصِصتَ بمكروهٍ تجلّلنا / ونحن قبلك بالبَأْساءِ نَسْتَهِمُ
فَاِصبِرْ فَصبرُك موصولٌ بموهبةٍ / تَبقى وكلُّ الّذي أعطيتَ مُنصرمُ
وَكُنْ كَمَن أنت مشغوفٌ بسيرتهِ / ممّن أصابهمُ المكروه فاِحتزموا
لا يَألَمون بشيءٍ مِن مَصائبهمْ / حتّى إذا أُولِمُوا في دينهمْ أَلِموا
وَقَد مَضى ما اِقتَضاه الرّزءُ من جزعٍ / فَأينَ ما يَقتضيه العلم والكرمُ
أرِقْتُ للبرق بالعلياء يضطرمُ
أرِقْتُ للبرق بالعلياء يضطرمُ / وحبّذا ومضُهُ لو أنّه أَمَمُ
أمسى يشُنُّ على الآفاقِ صِبغتَه / كأنّما الجوّ منه عَنْدَمٌ ودمُ
يَنزو خلال الدّجى واللّيلُ مُعتكرٌ / نَزْوَ الشّرارةِ من أرجائها الغممُ
ولامعٌ قابعٌ طَوراً إِخالُ به / اللّيلُ يضحك والآفاق تبتسمُ
قَد شاقني وبلادي منه نازحةٌ / إلى وجوهٍ بهنّ الحسنُ يعتصمُ
قومٌ يَضِنّون بالجَدوى فإن بذلوا / من غير عمدٍ لشيءٍ في الهوى ندموا
ويأمرونا بصبرٍ عن لقائِهمُ / وكيف نصبرُ والألبْابُ عندهُمُ
وعيّرتني مشيبَ الرَأس خُرْعُبَةٌ / وربّ شيبٍ بدا لم يجنه الهرمُ
لا تَتَشكَّي كُلوماً لم تُصِبْكِ فما / يَشكو أذى الشّيب إلّا العُذرُ واللِّمَمُ
شيبٌ كما شُنّ في جُنحِ الدّجى قَبَسٌ / أَو اِنجَلَتْ عن تباشير الضّحى ظُلَمُ
ما كنتُ قبل مشيبٍ بات يظلمني / لظالمٍ أبَدَ الأيّامِ أنْظَلِمُ
يا صاحبيَّ على نَعْمانَ دونكما / قلباً تَذَكُّرُ نَعْمانٍ له سَقَمُ
كم فيه من قاتلٍ عمداً ولا قَوَدٌ / وظالمٍ لمحبّيهِ ولا حَكَمُ
وماطِلٍ ما اِقتضيناهُ مَواعدَنا / إلّا وفي سمعه عن قولنا صَمَمُ
وسلِّما فَهناك الحبُّ مجتمعٌ / على شعابٍ بهنّ الضّالُ والسَّلَمُ
يَلحَى العذولُ وما اِستنصحتُه سَفَهاً / وكلُّ من يبتديك النُّصْحَ مُتَّهَمُ
وما على مثله لولا تكلُّفُهُ / من الأَحِبَّةِ لَمُّوا الحَبْلَ أمْ صَرَموا
يا مَنزل الغيثِ مرخىً من ذَلاذِلِهِ / يحثّه صَخَبُ التّغريدِ مهتزمُ
كأنّما سُحْبُهُ سُحْماً مهدَّلَةً / زالتْ بها الصُّمُّ أو شُلَّتْ بها النَّعَمُ
سقى المنازلَ من أرْجانَ ما اِحتَملتْ / رَفهاً فلا حاجةٌ تبقى ولا سَأَمُ
مواطنٌ أُبّهاتُ الملك ثاويةٌ / فيهنّ والسُّؤددُ الفّضفاضُ والكرمُ
المَوْرِدُ العَذْبُ مبذولاً لواردِهِ / والمالُ يُظلمُ بالجَدْوى ويُهتَضَمُ
وجانبٌ لا يُخاف الدّهرُ فيه ولا / يهابُ من نَفَجاتٍ عنده العَدَمُ
للنّازلين محلُّ القاطنين به / والأقربون لأضيافِ القِرى خَدَمُ
وواهبٌ سالبٌ ما شاء من عَرَضٍ / ومنعمٌ محسنٌ طوراً ومنتقمُ
يُلقي على كُثُبِ النُّعْمى شَراشِرَهُ / فالحمدُ مجتمِعٌ والمالُ مُقتَسَمُ
أمّا قناتُك يا مَلكَ الملوك فما / زالتْ تردّ نُيوبَ القومِ إذْ عَجَموا
صُمّاً يُرجَّعُ عنها الغامزون لها / وفي أناملهمْ من غمزها ألَمُ
وقد بَلَوْك ونارُ الحربِ موقَدَةٌ / واليومُ ملتهبُ القُطرين محتدمُ
يومٌ كأنّ أُسودَ الغاب ضاريةٌ / فرسانُهُ وقنا فرسانِهِ الأَجَمُ
في ظهرِ مَعروقةِ اللَّحيَينِ ثائرةٍ / كأنّما مسّها من طيشها لَمَمُ
مَعقولةٌ باِزدِحامِ الخيل تُعثِرها / ولا عِثارَ بها الأحشاءُ والقِمَمُ
وفِتْيَةٌ كقِداحِ النّبعِ تَحمِلُهمْ / على خِطارِ الرّدى الأخطارُ والشِّيَمُ
بَينَ القَنا والظُّبا مسلولةً نشأوا / وَفي ظهورِ الجِيادِ القُرَّحِ اِحتَلموا
من كلّ مُلتَبِسٍ بالطّعنِ منغمسٍ / يَعْتمُّ بالدمِ طَوراً ثمّ يلتثمُ
تراهُمُ كيفما لاقوا أعادِيَهمْ / لا يَغنَمون سوى الأرواح إنْ غنموا
محجّبين عن الفحشاء قاطبةً / كأنّهمْ بسوى المعروف ما علموا
إِنْ ظاهَروا البدرَ في ثوبِ الدّجى ظهروا / أو ظالموا اللّيثَ في عِرِّيسهِ ظَلموا
كم أوْهنوا من جراثيمٍ وما وهنوا / وأَرغموا من عرانينٍ وما رُغِموا
وأرهقوا من عظيمٍ خُنْزُوانَتَه / يئِطُّ في القِدِّ أو تهفو به الرَّخَمُ
تقيّلوا منك أخلاقاً تثبّتُهمْ / في مأزقٍ هزّه الشّجعانُ فاِنهَزموا
وَأَقدموا بَعدَ أَنْ ضاق المَكَرُّ بهمْ / لمّا رأوك على الأهوالِ تَقتحمُ
مَن مُبلغٌ مالكَ الأطرافِ مَأْلُكَةً / فَإنّما العِيُّ في الأقوالِ مُحتَشَمُ
بعدتُمُ فحسبتمْ بُعْدَكمْ حَرَماً / والأمنُ دون النّوى منكم هو الحَرَمُ
وكلُّ ناءٍ وإنْ شطّ الِبعادُ به / تناله من بهاءِ الدّولةِ الهِممُ
كالشّمس في الفلك الدّوّار قاصيةٌ / ويصطلي حرَّها الأقوامُ والأُمَمُ
وإنّما غرّكْم بالجهلِ أنَّكم / سرقتمُ ما ظننتمْ أنّه لكمُ
تغنّموا سِلْمَه واِخشَوْا صريمَته / فالسِّلْمُ من مثلِهِ يا قومُ مُغتَنَمُ
وَاِستَمسكوا بذمامٍ من عقوبتِهِ / فَليسَ تَنفع إلّا عنده الذّممُ
بني بُوَيْهٍ أتمّ اللَّهُ نِعمَتكمْ / ولا يزلْ منكُم في الملكِ محتكِمُ
وأنتَ يا ملك الأملاك عشْ أبداً / فما سلمتَ لنا فالخلقُ قد سلموا
وَاِنعمْ نعمتَ بذا النَّيْروزِ مُرتقباً / إلى المحلّ الّذي لم تَرْقَهُ قَدَمُ
مُبَلَّغاً كلّما تهوى وإنْ قَصُرَتْ / عنه الأمانِيُّ موصولاً لك النِّعمُ
من ذا عذيريَ من قومٍ أذاقَهم
من ذا عذيريَ من قومٍ أذاقَهم / ضغنُ العداوةِ حتّى ما لها عَلَمُ
مُكَتَّمٌ كلُّ ما بيني وبينهمُ / وَلَيسَ كلُّ الّذي نأباه ينكتمُ
وقد رضيتُ اِتقاءً أنْ أكاشِحها / أن يظلمونِيَ أحياناً فأنظلمُ
صارَمتُ بعدكَ أَشجاني فَلا تَلُمِ
صارَمتُ بعدكَ أَشجاني فَلا تَلُمِ / وَبِعتُ وعرَ الهَوى بِالمنهجِ الأممِ
لا تَحسَبنّي أَضفت الحبّ في كَبدي / إلّا وَللحزمِ منّي أَكبر الهممِ
ما غادَرَت شَرفَ العلياء في وَطري / بقيّةٌ للتصابي باِبنةِ الحلمِ
جَنيتَ منّي ثماراً لَستَ مُنبِتَها / تاللَّه ما أَينعت إلّا عَلى ديمِ
سقياً لمن لم يمشّ الرّأيُ مُهجتهُ / في فائتٍ بينَ طرقِ العذرِ والندمِ
إِذا اِمرؤٌ أَخلَفت أنواءُ خلّتهِ / سَقاك مِن ودّه بِالوابلِ العرمِ
يا ربّ نافِر ودٍّ بتُّ أُونِسهُ / وَأنتضي قَلبهُ من خلّةِ السّقمِ
ما زِلت أُغري بهِ حِلمي وَأمنحهُ / عَزمي وَأَقري هَواهُ الصفوَ من هممي
حتّى فككتُ ذِمامَ المَجدِ مِن عُنُقي / فيهِ وَبرّأَني مِن عهدةِ الكرمِ
ما لي وَللدّهرِ يُصديني لأنقَعَ مِن / حِياضهِ دونَ ما ينويهِ شربُ دَمي
شَرَقتُ منك بِكأسِ الضّيمِ إِن وقعت / نَجواك مِن أُذني إلّا عَلى صممِ
سَلني عن الزّمن المَعسولِ منهلهُ / فربَّ قولٍ جَلا عن ناظر الفهمِ
رَكبتُ منهُ جموحاً لا تكفكفهُ / عَن بعدِ غايَته مَذروبةُ اللُّجُمِ
وَسرّني بِمعانٍ لَم تَرِث بيَدي / فَما حَصلتُ بِها إلّا عَلى الوكمِ
قَد كانَ يَطغى عليَّ الدّهر من خلقٍ / فَاِنظُر إِليهِ وقَد أَرضعته شِيَمي
حَسبي منَ العيشِ ما لا تَستَكينُ لَه / نَفسي ولا أَتقاضاهُ على قَدمي
فَلو تَكون العَطايا وفقَ مُنيتها / جَرت ينابيعُ وفرِ الجاشعِ القرمِ
وَما أُبالي إِذا ما كنتُ مجتهداً / ألّا أَفوزَ بِما أَهوى من القسمِ
للَّه نَفسي تَقاضى إربةً عجباً / مِنها تبسّم ثغرُ الشيبِ في اللِّممِ
وربّما أَدركَ الإنسانُ ثَروتَهُ / ممّا يراهُ الورى أَدنى إلى العدمِ
وَما اِنتِفاعي ببردِ الماءِ أَشربهُ / وَبينَ جنبيّ قلبٌ لَيس بالشبِمِ
دَعني أقلقلُ أَحشاءَ البلادِ فَما / غَضارةُ العَيشِ إلّا مِن ذرا الألمِ
إِذا أَطارَت يَميني عُنقَ مُرهَفِها / فَلا ذِمامَ على الأجسادِ للقممِ
وَإِن عَلَت نَبعَتي أَكتافَ بادِرَتي / فَقُل لِصرفِ الرّدى إِن شئتَ فَاِقتحمِ
حَسبُ المَعالي بِأنّي نِلتُ غايَتها / وَأنّني زيرُها مِن سائرِ الأممِ
وَكيفَ لا تُلهِبُ الأفلاكَ هاجرتي / وَمِن زنادِ اِبن موسى يَعتلي ضرمي
فرعٌ قَفا إِثر أُولاه فَأَدرَكها / كَما قَفت طلعةُ الإِصباحِ للظلمِ
مَن كَالحُسين إِذا ما الخيلُ أَطربها / قَرعُ الفَوارسِ بِالهنديّةِ الخذمِ
وَذوّب الصّبر في أَحشاء حاملةٍ / وَهجٌ منَ المَوتِ أَو مسٌّ منَ السأمِ
يَمضي لأوّلِ عَزمٍ زارَ هاجِسَهُ / لا يَستَريحُ لإِحجامٍ إلى التُّهمِ
بِكلِّ نَصلٍ عَلى الآجالِ متّهمٍ / لَكِنّه في المَعالي غيرُ متَّهمِ
تَقَسُّمُ البيضِ في الهَيجاءِ عادتُهُ / فالدَّمُّ للتربِ وَالأشلاءُ للرخمِ
لا يَبتَغي ذِمّةً مِن غَيرِ نَجدتهِ / إنّ الشّجاعَةَ فيها أَوثقُ الذممِ
كَم مَوردٍ شَجَتِ الأَبطالَ جَرعتُهُ / أَشبعتَ سغبَ الظّبا فيه من البهمِ
وَموقفٍ تستزلُّ الرِّجلَ جمرتُهُ / أَرشدتَ عُميَ القنا فيه إلى اللقمِ
تَخوضُ بَحرَ الرّدى وَالمجدُ ساحِلهُ / بِوَجهِ مُغتفرٍ أَو فعلِ منتقمِ
إِذ لا حُشاشةَ إلّا في فَمٍ حنقٍ / وَلا يدٌ للرّدى إلّا عَلى كظمِ
لا يُحرزُ العزّ إلّا كلّ مُنصلتٍ / يَرمي الوغى بِجنانٍ غيرِ مُحتَشمِ
مُجذّبِ الفكرِ في العَلياءِ مقتَسِمٍ / لَن يَجمع المَجد إلّا كلّ مقتسمِ
يا مَن أمالَ لهُ الآمالَ سُؤددهُ / كَما تُميلُ الصّبا خرعوبةَ السلمِ
لا تَرضَ لي بِالهوَينا لَستُ صاحِبها / القلُّ لِلقلِّ وَالإعظامُ للعظمِ
هَل يُنسَبُ النّاسُ عَضباً لا تحكّمُهُ / في شاهِقاتِ الطّلى إلّا إِلى الهممِ
لهان خطبُ لِيوثِ الغابِ ما رَضِيَت / تأبّداً في بطونِ الغيلِ والأجمِ
يَأبى لَكَ اللَّه إلّا مثلَ عادَتهِ / في حاسِديك فَدم في شكرها تَدُمِ
قَد أَفرغوا الكيدَ لَو أَملى القضاءُ لهم / وَاِستَيقَظوا غيرَ أنّ الحينَ لم ينمِ
وَفّاهُمُ البَغيُ أَجرَ العاملينَ بِهِ / وَزارِعُ البغيِ يجني خوطَة النِّقمِ
ما روّعوا مِنكَ إلّا غَيرَ مُنتهرٍ / وَلا رَموا منكَ إلّا غَير مُنهدمِ
تَهنّ يَوماً سَقاك اللَّه مِن يدهِ / غَيثاً تروّض منهُ مَنبتُ النِّعمِ
وَاِعقر بِذا العيد آمال العُداةِ لَنا / فَإنّها بالرّدى أَولى منَ النعمِ
فَطالَما رَفَلت فينا عَساكِرهُ / وَأنتَ ترفلُ في مُستودعِ الحرمِ
بِالشّعرِ مَفخرُ مَن قلّت فَضائلهُ / وَمفخرُ الشعرِ أَن حلّيتُهُ كلمي
لَولاك لم أَجرِ طرفي في سَرارتهِ / وَلا أَدرتُ لَه للسامِعين فَمي
يا صاحِ ليس لسرٍّ منك كتمانُ
يا صاحِ ليس لسرٍّ منك كتمانُ / في الودِّ والودُّ لا يدُرى له شانُ
وللغرام وإنْ بِتْنا نكتّمُهُ / عن أعينِ النّاس آياتٌ وعنوانُ
وقد تبيّن ما بي الرّكْبُ حين بَدَتْ / لَنا من الشّعب أقمارٌ وأغصانُ
حلّوا القلوبَ وما كانتْ لهم وَطَناً / إنّ القلوب لِما تهواه أوطانُ
إنّ الّذين على وَدّانَ دارُهُمُ / فيهمْ ضنينٌ بما نهواه خَوّانُ
إذا سألناه مَنّانا وماطَلَنا / وراح وهْوَ بأنْ مَنّاك منّانُ
وإنْ شكوتُ إليه الحبّ أَعطِفُهُ / إِلى المَحبّةِ ولّى وهو غَضْبانُ
بَدْرٌ حُرِمنا المُنى منه ويُرزَقُها / وإنّما الحبُّ أرزاقٌ وحِرْمانُ
كأنّهمْ بَعد ما بانوا وحبُّهُمُ / مخيّمٌ في سواد القلبِ ما بانوا
هلْ أنتَ يا قلبُ صاحٍ عن لقائِهمُ / أمْ فيك يا قلبُ إنْ سُلّيِتَ سُلْوانُ
فالحبُّ عندهُمُ بُغضٌ ومَقليَةٌ / والصّدقُ بينهمُ زورٌ وبُهتانُ
يُقَادُ نَحْوَكمُ قلبي ويجذُبنِي / إليكُمُ مَعَ بُعدِ الدّارِ أشطانُ
وَما البليّةُ إلّا أنّني كَلِفٌ / بفارغٍ وفؤادي منه ملآنُ
نَبكي ومن قبلُ ما كنّا يُرَوِّعُنا / داعي الفراقِ ولا تجري لنا شانُ
كأنّ أعْيُنَنا تجري لبَيْنِهمُ / دَوْحٌ يُزِعْزِعُهُ في الطَّلِّ شَفّانُ
يا قاتَلَ اللَّهُ مَن بالرّملِ ودّعنا / فهنّ للقلبِ أشجاءٌ وأشجانُ
لمّا بسِمْنَ لنا أبدين عن شَنَبٍ / مُمَنَّعٍ ليس يُروى منه ظمآنُ
كالبَدر إذْ شَفّ عن أنوارِه سَدَفٌ / والدرّ أبرَزَهُ للعين أكنانُ
ماذا على زائري ليلاً على سِنَةٍ / لو زار صُبحاً وطرفُ العين يقظانُ
زيارةُ الطّيفِ ضَرْبٌ من قطيعتهِ / ووصلُ مَن لا تراه العينُ هِجرْانُ
وَليسَ يَنفعني والبعدُ أعلمُهُ / قربٌ أتاني به ظنٌّ وحسبانُ
يا راكبَ العِرْمِسِ الوجناءِ في غَلَسٍ / تَنْجابُ عن مَرِّها مَرْوٌ وصَوّانُ
قلْ للّذي حلَّ أَرجاناً فشرّفها / إنّ المُنى والغنى في الأرضِ أرْجانُ
حَيث الثرى خَضِلُ الأكناف تُرفَع في / يَفاعِهِ لِقرَى الأضياف نيرانُ
نارٌ يُهانُ ذكيُّ المندليّ بها / ويُوقَدُ العنبُر الهنديُّ والبانُ
للَّهِ دَرُّك من قاضٍ لنا عِدَةً / ألْوى بها من لئيمِ القومِ لَيّانُ
معجّلِ الخيلِ والهيجاءُ ضاحيةٌ / عن أن تُناط بها لُجْمٌ وأرسانُ
من كلِّ هوجاءَ كالسِّرحان عاديةٍ / كأنّما مسّها في الرَّوْعِ شيطانُ
واليومَ ترجفُ بالأبطالِ ساحتُهُ / كأنّه ثَمِلُ الأوصال نشْوانُ
أَنتَ الّذي إنْ رآه الخلقُ من أَمَمٍ / فللثّرى أُنُفٌ منهمْ وأذْقانُ
لغيرك الجهرُ منهمْ دون سِرِّهمُ / ويستوي فيك إِسرارٌ وإعلانُ
ما أذعنوا لك حتّى كنتَ فذَّهمُ / وللفضائلِ إنكارٌ وإذْعانُ
قد جرّبوك خلالَ الأمرِ يَحْفِزُهُم / فما هَفَوْتَ وأرسى منك ثَهْلانُ
وعاينوا منك إِقداماً على خَطَرٍ / إنّ الملوك على الأهوال شجعانُ
كم نلتُ منك الرّضا عفواً بلا تعبٍ / وكم أتانِيَ من جَدْواك إحسانُ
كرّمتني فملكتَ الرِّقَّ من عُنُقي / إنّ الكراماتِ للأحرار أثمانُ
بنِي بُوَيْهٍ أَدام اللَّه مُلْكَكُمُ / ولا يزلْ فيكمُ عزٌّ وسلطانُ
ولا خلا وَطَنٌ منكمْ ولا عَطَنٌ / فإنّ أعطانكمْ للجودِ أَعطانُ
لَم يَأْلَفِ الملكُ إلّا في بيوتِكمُ / حَلَلْتُمُ دارَه والنّاسُ جِيرانُ
فللتّرائبِ منكمْ كلّما نَضَرَتْ / وللمفارقِ أطواقٌ وتيجانُ
إنْ جلَّ خَطْبٌ فأنتمْ منه لِي وَزَرٌ / أوْ آدَ صَعْبٌ فأنتمْ فيه أعوانُ
وإنْ لقيتُ العِدا يومَ الكفاحِ فلي / من دونهمْ أذْرُعٌ منكمْ وأيْمانُ
ومعشرٍ جحدوا نعماكَ عندهمُ / وَغَرّهْم منك للزّلّات غُفرانُ
أَغضيتَ عَنهمْ فما اِرتابوا وما فطِنوا / إِنّ التغاضِيَ إِمْلاءٌ وإِهوانُ
حتّى رأوْك مُغِذّاً في مُلَمْلَمَةٍ / كاللّيلِ في طيِّها خيلٌ وفرسانُ
فأجفلوا كشرارِ الزَّندِ تخطفهمْ / خَطْفَ الأجادِلِ أسيافٌ وخُرصانُ
فراكبٌ رأسَ جِذْعٍ ليس يبرحُهُ / وهاربٌ دونه أُكْمٌ وقيعانُ
أَضحَوا وقد لَزَّهْم منك العنيفُ بهمْ / كخِرْوَعٍ لَزَّهُ نَبْعٌ وشَرْيانُ
وقد درى كلُّ ذي لُبٍّ بأنّهمُ / عزّوا وعمّا قليلٍ بالرّدى هانوا
وطاح ما لَفّقُوهُ من أباطِلِهمْ / إِزاءَ حقّك إنّ الحقّ عُرْيانُ
والمِهْرَجانُ زمانٌ بالسّعودِ وبالن / نُجحِ القريب إليك الدّهرَ عجلانُ
مضى الهجيرُ به عنّا لطيّتِهِ / فالطَّلُّ مُستَبْرَدٌ والجوُّ رَيّانُ
فَاِنعَمْ به وخذِ اللّذّاتِ من يده / فإِنّما هو للّذّاتِ إبّانُ
ودمْ لنا لنعيمٍ ما لغايته / وقتٌ ولا لمزيدٍ منه نقصانُ
لا تطلبِ الرّزق في الدّنيا بمنقصةٍ
لا تطلبِ الرّزق في الدّنيا بمنقصةٍ / فالرّزقُ بالذُّلِّ خيرٌ منه حِرْمانُ
المالُ يمضي وتبقى بعده أبداً / على الفتى منه أوساخٌ وأدْرانُ
ما للفتى في الغِنى من ذِلّةٍ عِوَضٌ / وليس في المال للأعراضِ أثمانُ
يا آلَ خيرِ عبادِ اللَّه كلّهمُ
يا آلَ خيرِ عبادِ اللَّه كلّهمُ / ومَن لهمْ فوق أعناق الورى مِنَنُ
كم تُثْلَمون بأيدي النّاسِ كلّهِمُ / وكم تُعَرِّسُ فيكمْ دهرَها المِحَنُ
وكم يَذودُكُمُ عن حقّكمْ حَنَقاً / مُمَلّأُ الصَّدْرِ بالأحقادِ مُضطغِنُ
إنّ الّذين نَضَوْا عنكمْ تُراثَكمُ / لم يَغبنوكمْ ولكنْ دينَهمْ غَبَنوا
باعوا الجِنانَ بدارٍ لا بقاءَ لها / وَليسَ للَّه فيما باعه ثمنُ
أُحِبُّكمْ والّذي صلّى الجميعُ له / عند البناءِ الّذي تُهدى له البُدُنُ
وَأَرتَجيكمْ لما بعد المماتِ إذا / وارى عن النّاس جَمْعاً أعظمٌ جُبُنُ
وإنْ يَضِلَّ أُناسٌ عن سبيلهِمُ / فليس لِي غيرُ ما أنتمْ به سَنَنُ
وَما أُبالِي إذا ما كنتُمُ وَضَحاً / لناظِرَيَّ أضاء الخلقُ أم دَجَنوا
وَأَنتمُ يوم أرمِي ساعدي ويدي / وأنتُمُ يَوم يرميني العِدا الجُنَنُ
ماذا على الرِّيمِ لو حيّا فأحيانا
ماذا على الرِّيمِ لو حيّا فأحيانا / وقد مررنا على عُسفانَ رُكبانا
ولَيتَهُ إذْ تحامى أن يُنَوِّلنا / لَم يستردّ الّذي قد كان أعطانا
بل ليتَ ماطِلَنا بخلاً ومانِعنا / يَوماً تشبّه بِالمعطي فمنّانا
لا يَستَفيق بجازينا بلا تِرَةٍ / بِالوَصلِ هَجراً وبالإعطاءِ حرمانا
وَكيفَ يأبى مواعيداً تُعلِّلنا / مَن كان يوسعنا مَطْلاً وليّانا
عُجنا إليه صدورَ اليَعْمَلاتِ وقدْ / نضا الصّباحُ ثيابَ اللّيلِ عُريانا
وَالرّكبُ بين صريعٍ بالكرى ثَمِلٍ / ومائلِ الرّأسِ حتّى خِيل نَشْوانا
محلّقِينَ تهادَوْا في رحالِهمُ / من بطن مكّةَ أفراداً وأقرانا
حلّوا حَقائِبهم فيها مفرَّغَةً / وَاِستَحقبوا مِن عَطاءِ اللَّه غُفرانا
مِن بعدما طوّفوا بالبيتِ واِعتَمروا / وَاِستَلمُوا منه أحجاراً وأركانا
وردّدوا السّعيَ بين المرْوَتين تُقىً / حيناً عجالاً وفوق الرَّيثِ أحيانا
وعقّروا بمِنىً من بعد حَلقهِمُ / كُومَ المطيِّ مُسِنّاتٍ وثُنيانا
وَاِستَمطَروا بعِراصِ المَوقفينِ وَقَد / غامَتْ عَليهمْ سَماءُ اللَّه رضوانا
أَرضٌ تَراها طِوالَ الدّهرِ مُقفرةً / وَالحجُّ يُنبتُها شيباً وشبّانا
مُسَلَّبِينَ كأنّ البعثَ أعَجَلهمْ / فَاِستَصحبوا من بطونِ الأرضِ أكفانا
للَّهِ دَرُّ اللّيالي في مِنىً سَلَفَتْ / فكم جميلٍ بها الرّحمن أولانا
خِلنا منازِلَنا مِنها وقد نَزَعَتْ / كلَّ النُّزوع عن الأوطان أوطانا
وَالقاطِنين بها والشّعبُ مفترقٌ / فينا وَفيهم لَنا أهلاً وإخوانا
وَبِالمحصَّبِ ظَبْيٌ سلَّ مِعْصَمَهُ / يرمي الجِمارَ فَأَخطاها وأصمانا
أَهدتْ إِلَينا وَما تَدري ملاحتُهُ / للعين بَرْداً وللأحشاءِ نيرانا
وسائلٍ عن طريقِ الحجّ قلت له / لا يَقبلُ اللَّهُ إلّا الصَّعْبَ قُربانا
فهوَ الطّريقُ إِلى سُكْنى الجِنان فقلْ / فيما يُصيّرنا في الخُلدِ سُكّانا
لَمّا رَكِبناهُ أخرَجْنا على شَغَفٍ / من الصُّدور أهالينا ودُنيانا
ثمَّ اِستَوى فيه في أمنٍ وفي حَذَرٍ / عَدلاً منَ اللَّه أَدْنانا وأقصانا
فَكم لَقينا عظيماً مرَّ جانبنا / وكم مُنِينا بمكروهٍ تخطّانا
وكم رمانا الرّدى عن قوسِ مَعْطَبَةٍ / فَصدّه اللَّهُ أن يُصمي فَأَشوانا
وكم طلبنا مَراماً عزّ مطلبُهُ / لَمّا اِنثَنينا بيَأسٍ عنه واتانا
وَمشمخرّ الذُّرا تَهفو الوُعولُ به / تخاله من تمامِ الخَلْقِ بُنيانا
يستحسرُ الطّرف عن إدراك ذُروتِهِ / حتّى يكرَّ إلى راميهِ حيرانا
جُبْناهُ لا نَهتدي إِلّا بِساريةٍ / مِن أَنْجمِ اللّيلِ مَسْراها كمسْرانا
نَنجو سِراعاً كأنَّ البُعدَ غلَّ لنا / أَو اِمتَطينا بِذاك الدَّوِّ ظُلْمانا
إِذا دَنا الفجرُ منّا قالَ قائِلنا / يا بُعدَ مَصبحنا من حيثُ مَمْسانا
وَالعِيسُ طاويةُ الأحشاء ضامرةٌ / لولا الرِّحالُ لخلناهنّ أشطانا
إذا أتتْ بلداً عن غِبِّ مَتْلَفَةٍ / رَمى بِها البلدُ المأتيُّ بلدانا
تهوي بشُعْثٍ شَرَوْا بالأجر أنفسهمْ / وقلّ ما أخذوا عنهنّ أثمانا
لمّا دُعُوا من نواحي مكّةَ اِبتدروا / ظهرَ الرّكائب إيماناً وإيقانا
يا أَرضَ نَجدٍ سقاك اللَّهُ مُنبعقاً / من الغمامِ غزيرَ الماءِ ملآنا
إذا تضاحك منه البرقُ مُلْتَمِعاً / في حافَتَيْهِ أَرَنَّ الرّعدُ إرْنانا
أرضٌ ترى وحشَها الآرامَ مُطْفِلَةً / وفي منابتها القَيْصُومَ والبانا
وإنْ تُجِلْ في ثراها طَرْفَ مُختبرٍ / لا تَلقَ إلّا حَديقاتٍ وغُدرانا
ذَكرتُ فيها أعاصيرَ الصّبا طَرَباً / وَاِستأنفتْ لِيَ في اللّذّاتِ رَيْعانا
أيّامَ لم تُمِلِ الأيّامُ من غُصُنِي / ولم يُطِرْ عن شَواتي الشّيبُ غُربانا
أيّامَ ترمي الغَواني إنْ خَطَرْتُ وإنْ / نطقتُ نحوِيَ أحداقاً وآذانا
أَيّامَ لم تُلْفِنِي إلّا على كَثَبٍ / من موعدٍ أتقاضاه إذا حانا
أيّامَ كان مَكاني للصِّبا وَطَناً / وكان عَصرِيَ للّذّاتِ إبّانا
أمّا اِبنُ حَمْدٍ فَقَد أوفى بذمّتِهِ / لَمّا اِصطَحَبنا ولكنْ خان مَن خانا
وَما تَغيّر لي وَالقومُ إنْ جَهَدوا / حالوا وإنْ كرمُوا في النّاس ألوانا
وَلا قُذيتُ بعوراءٍ لَهُ مَرَقَتْ / سرّاً ودافع عنها النّاسُ إعلانا
وَلا تَكرّر طَرْفي في خَلائقِهِ / إلّا اِنثَني غانماً حُسناً وإحسانا
أَظما فَيورِدُني مِن عذبِ منطقِهِ / راحاً ومن نفحاتٍ منه ريحانا
كَأنّني منهُ في خَضراءَ أوسعها / نَوْءُ السّماكين تَهْطالاً وتَهْتانا
كَم ذا تَطيشُ سِهامُ الموتِ مُخطئةً
كَم ذا تَطيشُ سِهامُ الموتِ مُخطئةً / نحري وتُصمي أَخلّائي وأخداني
ولو فطنْتُ وقد أردَى الزّمانُ فتىً / عَلِمتُ أنّ الّذي أصماه أصماني
وكيف تبقى حُشاشاتٌ تقلّبها / في كلّ يومٍ يدا غَرْثانَ ظمآنِ
أَم كيفَ نَأمل أَنْ يَبقى اِمرؤٌ أبداً / يفدي من الموتِ إنساناً بإِنسانِ
سودٌ وبيضٌ من الأيّامِ لونُهما / لا يستحيلُ وقد بدّلْنَ ألواني
هيهاتَ حُكِّمَ فينا أزْلَمٌ جَذَعٌ / يُفنِي الورى بين جُذعانٍ وقُرحانِ
فَلا حميمٌ لنا يُبقي الحِمامُ به / ولا جَديدٌ لنا يُبقي الجديدانِ
يُعطي العطيّةَ تتلوها رَزِيَّتُها / ويُطعِمُ الشّهْدَ ممزوجاً بخُطْبانِ
وربّما حُرِمَ الرِّزقَ الحريصُ وقد / أَنضى المطيَّ ووافى منزلَ الوانِي
يا حادِيَ العِيسِ عرّجْ بي على الدِّمَنِ
يا حادِيَ العِيسِ عرّجْ بي على الدِّمَنِ / فكم لنا عندهنّ اليوم من شَجَنِ
ماذا على النّفرِ الغادين لو سمحوا / بنظرةٍ من خلالِ السِّجْفِ لم تَبنِ
قالوا نراك بلا سُقْمٍ فقلتُ لهمْ / السُّقمُ في الجسمِ ليس السُّقْمُ في البدنِ
في القلبِ منكمْ حَزازاتٌ لو اِنكَشَفتْ / لِعاذِلي فيكمُ ما بات يَعذُلني
هل في الهوى من غريمٍ لا يماطلني / أوْ من خليلٍ عليه لا يُعنّفني
لا يعرف الدَّارَ إلّا قام يندبُها / ولا يسائلها إِلّا عن السَّكَنِ
ولي فُؤادٌ إِذا أصبحتَ تأمُرُه / بالصّبرِ أمسى بغير الصَّبْرِ يأمرني
ومسرفٌ كلَّما واصَلْتُ قاطعني / بَغْياً عليَّ وإِنْ واصلتُ باعدني
وإِنْ شكوتُ إِليه بعضَ قَسْوَتِهِ / لانَتْ صخورُ شروري وهو لم يَلِنِ
وقد جفانيَ حتّى أَنّ طارقَهُ / في ظُلمة اللّيل عمداً ليس يطرُقني
للَّهِ أيّامُ فخرِ الملك مَن عَلِقَتْ / به المكارمُ مجرى الرّوحِ للبدنِ
ومَن يَجود بما تحوي أنامِلُهُ / من النّفائس في سرٍّ وفي عَلَنِ
أَعطيتَ حتّى كأنّ الجودَ مُبتَدَعٌ / وإِنّ شيئاً من المعروفِ لم يكنِ
للَّهِ دَرُّك والأبطالُ هائبةٌ / واليومُ يعنُفُ بالطّاقاتِ والمُنَنِ
والسُّمرُ تفتُقُ طعناً كلَّ راعفةٍ / من النّجيع بمثل العارِضِ الهَتِنِ
في ظهر طاويةِ الأحشاءِ ضامرةٍ / كأنّها قِدْحُ نَبْعٍ جِيب بالسَّفَنِ
قُل للّذينَ أَرادوا نيلَ غايتِهِ / أين الحضيضُ من الأعلامِ والقُنَنِ
كَم ذا اِهتَديتم ولا هادٍ سواه على / ظلماءَ لو مرّ فيها الصّبحُ لم يَبِنِ
أُحبُّهُ وقليلٌ ذاك مُحتَقَرٌ / حبَّ الغريبِ القَصِيِّ الدّارِ للوطَنِ
وأَرْتضي مُلكَه لي بعدما عزفتْ / نفسي عن المَلِكِ الجبّار يملكني
وأَرتجيهِ لأيّامٍ أُطالعُها / غيباً بلا باطلٍ فيها ولا دَرَنِ
يَفديك كلُّ وساعِ الباعِ في طَبَعٍ / شَحْطٍ على مُرتجيه ضيّقِ العَطَنِ
ما زالَ وَالنّاسُ شتّى في خلائقهم / غَرْثانَ من كرمٍ ملآنَ من جُبُنِ
يريد نيلَ العُلا عفواً بلا تعبٍ / وكم دُوَيْنَ العُلا من مركبٍ خَشِنِ
لا يُدرك العزَّ إلّا كلُّ ذي أَنَفٍ / نابٍ عن العجزِ شَرّادٍ عن الوَهَنِ
يُلقِي الثَّراءَ على وجهِ الثَّرى أبداً / ويترك الغثَّ منبوذاً على السَّمِنِ
دان الزّمانُ لنا بعد الجِماحِ ولو / سواك راضَ شِماساً منه لم يَدِنِ
فَالآنَ نَجرِي إلى اللّذّاتِ نأخذها / بِلا عِذارٍ يُعنّينا ولا رَسَنِ
هُنِّيتَ بالعيدِ واِعتادتْ ربُوعَك مِن / سعودِهِ كلُّ وطْفاءٍ من المُزُنِ
وعشتَ من نَبَواتِ الدّهرِ قاطبةً / وإنْ دَهَيْن الورى في أوثقِ الجُنَنِ
وَلا تَغِب عَن نعيمٍ ظَلْتَ تألفُهُ / ولا تَخِبْ عن مُنىً فيه ولا تَهِنِ
هذا الثّناءُ فإنْ كانتْ مدائِحُهُ / يقصُرْن عنك فبُعْدُ الشَّأْوِ يعذُرني
ومَنْ يُطيقُ وإن أَوفَت بلاغتُهُ / يُثني بكلِّ الّذي أوتيتَ من حَسَنِ