القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 62
حَيّوا الهِلالَ وَحَيّوا أُمَّةَ النيلِ
حَيّوا الهِلالَ وَحَيّوا أُمَّةَ النيلِ / وَاِستَقبِلوا العيدَ عيدَ العَصرِ وَالجيلِ
يا أَيُّها العامُ يُزجي كُلَّ مُرتَقَبٍ / مِنَ الرَجاءِ وَيُدني كُلَّ مَأمولِ
بَشِّر بِأَصدَقِ أَنباءِ المُنى أُمَماً / أَنحى الزَمانُ عَلَيها بِالأَباطيلِ
طالَ الرجاءُ فَعافَت كُلَّ تَسلِيَةٍ / مِنَ الأُساةِ وَمَلَّت كُلَّ تَعليلِ
اكشِف لَنا مِن خَفايا الغَيبِ ما كَتَمَت / حُجبُ الحَوادِثِ مِن مُرخىً وَمَسدولِ
إِنّي أَرى الأَمرَ قَد لاحَت مَخايِلُهُ / في صادِقٍ مِن عُهودِ اللَهِ مَسؤولِ
يَمشي النَبِيُّ بِهِ وَالآلُ هاتِفَةٌ / وَالروحُ ما بَينَ تَكبيرٍ وَتَهليلِ
سارٍ مِنَ الوَحيِ مَن يُنكِر جَلالَتَهُ / يَكشِف لَهُ اللَهُ عَن رَوعاتِ جِبريلِ
مَن يَمنَعُ الأَمرَ يَقضي اللَهُ واقِعَهُ / وَيَدفَعُ الحَقَّ مِن وَحيٍ وَتَنزيلِ
يا داعِيَ اليَأسِ يَرجو أَن يُرَوِّعَنا / اِنظُر إِلى الآيِ هَل ريعَت بِتِبديلِ
ماذا يُريبُكَ إِذ تَبغي بِنا شَطَطاً / مِن مَوعِدٍ في ذِمامِ اللَهِ مَكفولِ
يا أَيُّها العامُ أَطلِق مِن مَواقِفِنا / في مِصرَ كُلَّ أَسيرِ الساحِ مَكبولِ
وَاِسأَل مَنابِرَها العُليا أَما رَجَفَت / لَمّا هَوى الدَهرُ بِالغُرِّ البَهاليلِ
كانوا المَصاقِعَ يَهدي كُلَّ مُعتَسِفٍ / ما يَنطِقونَ وَيَشفي كُلَّ مَخبولِ
إِذا اِستَهَلّوا بِها اِرتَجَّت جَوانِبُها / وَاِرتَجَّتِ الأَرضُ ذاتُ العَرضِ وَالطولِ
لا يَعرِفُ الناسُ هَل جاءوا بِبَيِّنَةٍ / مِن رائِعِ القَولِ أَم جاءوا بِإِنجيلِ
الأَنبِياءُ وَرُسلُ اللَهِ نَعرِفُهُم / أَوفى الهُداةِ وَأَولاهُم بِتَفضيلِ
أوتوا اليَقينَ فَلَم تُخذَل لَهُم هِمَمٌ / لَم تُبقِ في الأَرضِ جَيشاً غَيرَ مَخذولِ
تَساقَطَت لَهُمُ التيجانُ مِن رَهَبٍ / عَنِ المَعاقِدِ مِن واهٍ وَمَحلولِ
مَراتِبُ الفَضلِ لَم تُقدَر لِذي خَوَرٍ / وَلَم تُتَح لِضَعيفِ البَأسِ إِجفيلِ
وَالحَقُّ لَولا الأُنوفُ الشُمُّ تَرفَعُهُ / عَلاهُ كُلُّ وَضيعِ النَفسِ مَرذولِ
لَولا العَزائِمُ لَم تَظفَر بِمَنقَبَةٍ / يَدٌ وَلَم تَغتَبِط نَفسٌ بِتَبجيلِ
إِنَّ السُيوفَ لَيَمضي كُلُّ ذي شُطَبٍ / في الرَوعِ مِنها وَيَنبو كُلُّ مَفلولِ
سَنَّ النَبِيُّ لَنا أَيّامَ هِجرَتِهِ / مِن صادِقِ العَزمِ شَرعاً غَيرَ مَجهولِ
مَضى عَلى الحَقِّ لَم تَعصِف بِهِمَّتِهِ / ريحُ الضَلالِ وَلَم يَحفِل بِتَهويلِ
غيظَت قُرَيشٌ فَهاجَت كُلَّ مُنصَلِتٍ / ذي ساعِدٍ يَقطَعُ الهِندِيَّ مَفتولِ
يَبغونَ بِالقَتلِ مِقداماً يَصولُ عَلى / دينٍ لَهُم في حِمى الأَصنامِ مَقتولِ
لا يَرهَبُ الناسَ إِن قَلّوا وَإِن كَثُروا / في مطلَبٍ جَلَلٍ لِلَهِ أَو سولِ
رامَ المَدينَةَ جَمَّ العَزمِ يَبعَثُهُ / قَضاءُ أَمرٍ لِرَبِّ الناسِ مَفعولِ
فَاِستَعصَمَ الغارُ وَاِستَعلَت جَوانِبُهُ / بِعِصمَةِ اللَيثِ وَالأَشبالِ وَالغيلِ
لَمّا رَأى غَمرَةَ الصَدّيقِ كَشَّفَها / بِمُشرِقٍ مِن بَيانِ اللَهِ مَصقولِ
فَثابَتِ النَفسُ وَاِرتَدَّ اليَقينُ بِها / وَاِنجابَ ما كانَ مِن ظَنٍّ وَتخييلِ
وَاِستَرسَلَت بِرَسولِ اللَهِ هِمَّتُهُ / تَرمي الصِعابَ وَتَلوي بِالعَراقيلِ
يُزجي الضَلالُ سَراياهُ فَيَضرِبُهُ / بِصارِمٍ في يَمينِ اللَهِ مَسلولِ
حَتّى عَلا الحَقُّ في الآفاقِ وَاِطَّرَدَت / بيضُ الشَرائِعِ تَهدي كُلَّ ضِلّيلِ
وَاِستَجمَعَ الخَيرُ يَمشي بَعدَ مَصرَعِهِ / عَلى دَمٍ مِن دُعاةِ الشَرِّ مَطلولِ
مَدّوا مِنَ الغَيِّ حَبلاً رَدَّهُ بِيَدٍ / غالَت قُواهُ فَأَمسى غَيرَ مَوصولِ
رَمى المُلوكَ فَلَم تَترُك نَوافِذُهُ / مِنهُم لَدى الكَرِّ شِلواً غَيرَ مَأكولِ
يَهُدُّ عَرشاً بِعَرشٍ طارَ قَيصَرُهُ / عَنهُ وَيَقذِفُ إِكليلاً بِإِكليلِ
النَفسُ تَغلُبُ إِن صَحَّت عَزيمَتُها / فَتكَ الجُيوشِ وَتَدميرَ الأَساطيلِ
وَلَن يَنالَ مَصونَ المَجدِ طالِبُهُ / إِلّا بِغالٍ مِنَ الأَعلاقِ مَبذولِ
ما أَبعَدَ النُجحَ عَمَّن لا مَضاءَ لَهُ / وَأَضيَعَ الأَمرَ بَينَ القالِ وَالقيلِ
الناسُ شَعبانِ شَعبٌ كُلُّهُ عَمَلٌ / يَبغي الحَياةَ وَشَعبٌ كَالتَماثيلِ
يا حِجَّةً وَقَفَت مِصرٌ تُوَدِّعُها / خُذي مَكانَكِ خَلفَ الدَهرِ أَو زولى
كَم فادِحٍ فيكِ لَولا ما يُؤَيِّدُنا / مِن قُوَّةِ اللَهِ أَضحى غَيرَ مَحمولِ
ما تُبصِرُ العَينُ مِن شَيءٍ يَلوحُ لَها / إِلّا رَأَت عِندَهُ تِمثالَ عِزريلِ
إِذا المَنايا اِرتَمَت حَيرى أَهاب بِها / تَهدارُ حادٍ عَلى الآجالِ مَدلولِ
ما أَطلَقَ الحَتفَ إِلّا اِنسابَ في أَجَلٍ / مُصَفَّدٍ في يَدِ الأَقدارِ مَغلولِ
نَفسٌ تَطيرُ وَأُخرى لا قَرارَ لَها / إلّا عَلى عِدَّةٍ تُرجى وَتَأميلِ
يَدعو اللَهيفُ لِحَقٍّ لا مُجيرَ لَهُ / نائي الحُماةِ إِلى الدَيّانِ مَوكولِ
لا يُبصِرُ الرُشدَ في أَمرٍ يُدَبِّرُهُ / وَلا يَفيءُ إِلى رَأيٍ وَمَعقولِ
عادٍ مِنَ الخَطبِ لَم تَسكُن رَوائِعُهُ / عَن ذاهِلٍ مِن بَني مِصرٍ وَمَشغولِ
لَم نَنسَ مِصرَ وَلَم يَخدَع عَزائِمَنا / ما حَدَّثونا عَنِ العَنقاءِ وَالغولِ
سِرنا عَلى النَهجِ نَبغي خُطَّةً رَشَداً / تَمحو الظُنونَ وَتَنفي كُلَّ تَأويلِ
لا مَطلَبُ المَجدِ بِدعاً في الشُعوبِ وَلا / ذو الحَقِّ في سَعيِهِ يَوماً بِمَعذولِ
مَن عَلَّمَ القَومَ أَنَّ الحَقَّ يَدفَعُهُ / زورُ الأَقاويلِ أَو سوءُ الأَفاعيلِ
قالوا أَقاطيعُ يَغشى الذُلُّ جانِبَها / فَاِهتاجَتِ الأُسدُ تَحمي عِزَّةَ النيلِ
وَأَقبَلَت مِصرُ يَمشي أَهلُها زُمراً / مِن حاشِدينَ وَمِن شَتّى أَبابيلِ
تُهدي الرَياحينَ مِن غَضٍّ وَمِن خَضِلٍ / مُضمَّخٍ بِدُموعِ الغيدِ مَطلولِ
لَم تَبقَ في خِدرِها بَيضاءُ ناعِمَةٌ / مِنَ العذارى وَلا العوذِ المَطافيلِ
تَلَهَّبَ البَأسُ إِذ خَفَّت عَقائِلُها / بَينَ الأَساوِرِ مِنها وَالخَلاخيلِ
يُنشِدنَ مِن رائِعاتِ الآيِ مُطرِبَةً / يَزِدنَها حُسنَ تَرديدٍ وَتَرتيلِ
يَهتِفنَ مِصرُ وَمِصرٌ كُلُّ مُنجِبَةٍ / وَمُنجِبٍ مِن بَنيها غَيرِ مَفضولِ
مَن كانَ يَحذَرُ تَنكيلَ الخُطوبِ بِهِ / لا يَبرَحِ الدَهرَ مَفجوعاً بِتَنكيلِ
قالوا السَلامُ فَهَزَّ الكَونَ صارِخُهُم / عَن مُنهَلٍ بِدَمِ الأَبطالِ مَعلولِ
وَاِستَرسَلَت تَرفَعُ النَجوى وَتَنفُثُها / أَيدي اليَتامى وَأَفواهُ المَراميلِ
وَبَشَّرونا بِما سَنَّ الرَئيسُ لَنا / مِن شِرعَةٍ ذاتِ تِبيانٍ وَتَفصيلِ
وَغالَطوا الدَهرَ فيما حَدَّثوهُ بِهِ / حَتّى اِنقَضى بَينَ تَفويضٍ وَتَوكيلِ
لا يَصعُبُ الأَمرُ يوهي الشَعبُ جانِبَهُ / بِمَنكِبَيهِ وَيَرميهِ بِتَذليلِ
اليَومَ يَعطِفُ أَحرارُ الشُعوبِ عَلى / وَعدٍ لِمِصرَ بَعيدِ العَهدِ مَمطولِ
لَو قيلَ يَومَ يَقومُ الناسُ مَوعِدُنا / قالوا مَساريعُ راعونا بِتَعجيلِ
اللَهُ يَمنَعُ ما شاءَت عِنايَتُهُ / أَلّا يُباحَ وَيَأبى كُلَّ مَدخولِ
اِنظُر إِلى البَيتِ هَل ضاعَت مَحارِمُهُ / لَمّا أَغارَ عَلَيهِ صاحِبُ الفيلِ
رَماهُ بِالطَيرِ مِلءَ الجَوِّ مُسرِعَةً / تَهوي إِلَيهِ وَتَرميهِ بِسِجّيلِ
إِنّا لَعَمرُ الأُلى ظَنّوا الظُنونَ بِنا / لا بِالضِعافِ وَلا القَومِ التَنابيلِ
نَسمو إِلى الشَرَفِ الأَعلى وَيَرفَعُنا / مَجدٌ لَنا لَم نَزِدهُ غَيرَ تَأثيلِ
راسٍ عَلى الدَهرِ إِن جاشَت زَلازِلُهُ / تَطوي الجِبالَ وَتَرميها بِتَحويلِ
نَصونُ مِصرَ وَنَحميها بِما عَلِمَت / مِنَ الدُروعِ الغَوالي وَالسَرابيلِ
تِلكَ القُلوبُ الَّتي تَرعى وَدائِعَها / مِن كُلِّ صَبٍّ بِها حَرّانَ مَتبولِ
يَرتَدُّ أَمضى الظُبى عَنها وَإِن عَبَثَت / بِها الهُمومُ فَأَمسَت كَالغَرابيلِ
لَم يَبرَحِ الوَجدُ يَطغى في جَوانِبِها / حَتّى رَماها بِداءٍ ذي عَقابيلِ
يا مصرُ عامُكِ عامُ الخَيرِ فَاِرتَقِبي / فيهِ المُنى وَثِقي مِنهُ بِتَنويلِ
اللَهُ خَوَّلَكِ النُعمى الَّتي عَظُمَت / هَل يَسلُبُ اللَهُ نُعمى بَعدَ تَخويلِ
ما أَخلَفَ اللَهُ مِن وَعدٍ وَلا كَذَبَت / آمالُ شَعبٍ بِلُطفِ اللَهِ مَشمولِ
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم / أَلّا تَكونوا لِأَهلِ الظُلمِ أَعوانا
يا قَومُ إِلّا تُطيعوا اللَهَ أَمطَرَكُم / رِجزاً وَجَلَّلَكُم خِزياً وَخُسرانا
يا قَومِ لا تَنصُروا مَن لَيسَ يَنصُرُهُ / وَلا تَكونوا لِمَن عاداهُ إِخوانا
يَلقى العِدى طاعَةً مِنكُم وَمَسكَنَةً / إِذا اِستَبَدّوا وَيَلقى اللَهُ عِصيانا
إِنّي أَخافُ عَلَيكُم حادِثاً جَلَلاً / لا تَملِكونَ لَهُ رَدّاً إِذا حانا
أَرى لَكُم في بَريدِ الدَهرِ مَألَكَةً / يَموجُ فيها الدَمُ المَسفوحُ عُنوانا
ما عُذرُ قَومٍ تَمادوا في عَمايَتِهِم / لَم يَألُهُم رَبُّهُم نُصحاً وَتِبيانا
لا يَأمُرونَ بِغَيرِ الظُلمِ أَنفُسَهُم / وَاللَهُ يَأمُرُهُم عَدلاً وَإِحسانا
أَتصِدفونَ عَنِ الآياتِ ساطِعَةً / تَجلو العَمى وَتُضيءُ القَلبَ إيمانا
مِلتُم عَنِ النورِ يَمحو كُلَّ داجِيَةٍ / وَاِنصاعَ رائِدُكُم في الأَرضِ حَيرانا
لَمّا ذَهَبتُم سَواماً لا رُعاةَ لَها / سالَت عَلَيكُم فِجاجُ الأَرضِ ذُؤبانا
تَنازَعَتكُم أَكُّفُ الطامِعينَ بِها / فَأَصبَحَ الجَمعُ أَسراباً وَقُطعانا
هَل تَملِكونَ مِنَ الدُنيا لَكُم وَطَناً / أَم تَعرِفونَ بِها عِزّاً وَسُلطانا
اليَومَ يَبكي عَلى الإِسلامِ شاعِرُهُ / وَيَملَأُ الدَهرَ إِعوالاً وَإرنانا
ضَجَّ الكِتابُ وَضَجَّ البَيتُ مِن أَسَفٍ / وَباتَ فيكم رَسولُ اللَهِ غَضبانا
يا أُمَّةَ النيلِ هُبّي اليَومَ وَاِنطَلِقي / أَما تَرَينَ حِمى الإِسلامِ قَد هانا
رِدي الحَياةَ وَعُبّي في مَشارِعِها / إِنّي أَرى النيلَ ذا الأَنهارِ ظَمآنا
خُذي نَصيبَكِ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ / وَوَدِّعي مِن حَياةِ الذُلِّ ما كانا
اللَهُ أَكبَرُ إِنَّ الناسَ قَد دَلَفوا / فَاِستَرسِلي إِثرَهُم شيباً وَشُبّانا
كُلٌّ يَجِدُّ وَراءَ الحَقِّ يَطلُبُهُ / مِن غاصِبٍ سامَهُ خَسفاً وَإِهوانا
عَصرٌ جَديدٌ وَدُنيا لا نُساءُ بِها / وَلا نَذوقُ الَّذي ذُقنا بِدُنيانا
يا أَيُّها القَومُ ماذا في حَقائِبِكُم
يا أَيُّها القَومُ ماذا في حَقائِبِكُم / إِنّي أَرى الشَعبَ قَد أَودى بِهِ القَلَقُ
جِئتُم إِلَينا فَباتَت مِصرُ راجِفَةً / مِمّا حَمَلتُم وَكانَ النيلُ يَحتَرِقُ
أَيَعلَمُ القَومُ أَنّا لا حُلومَ لَنا / أَم يَجهَلُ الوَفدُ أَنّا لَيسَ نَتَّفِقُ
لَقَد أَقاموا طَويلاً بَينَ أَظهُرِنا / فَما وَثِقنا بِهِ يَوماً وَلا وَثِقوا
شَدّوا العِصابَ وَرَدّوا رَأيَ ساسَتِهِم / إِنَّ السِياسَةَ مِنها الجَهلُ وَالخَرَقُ
لا يَعبَثِ اليَومَ بِاِستِقلالِكُم أَحَدٌ / وَلا يَغُرَّكُمُ التَضليلُ وَالمَلَقُ
ضُمّوا القُوى حَولَهُ لا تَذهَبوا شِيَعاً / فَما لَكُم بَعدَهُ في العَيشِ مُرتَفَقُ
أَما تَمُضُّكُمُ الأَحكامُ جائِرَةً / وَلا تَعَضُّكُمُ الأَغلالُ وَالرَبَقُ
ماذا جَنى الوَفدُ إِلّا ما يُقالُ لَكُم / اللَهُ أَكبَرُ جَدَّ الأَمرُ فَاِستَبِقوا
الدَهرُ يَنظُرُ وَالأَجيالُ شاهِدَةٌ / وَالحُكمُ لِلَهِ لا خَوفٌ وَلا فَرَقُ
لا تَظلِموا مِصرَ إِنَّ البِرَّ آيَتُهُ / أَلّا يُرَوِّعُها ظُلمٌ وَلا رَهَقُ
هَل عَقَّ مَنبِتَهُ أَو خانَ أُمَّتَهُ / إِلّا اِمرُؤٌ مالَهُ دينٌ وَلا خُلُقُ
اِستَعبَدَ المالُ قَوماً لَو يُقالُ لَهُم / خوضوا إِلَيهِ عَذابَ اللَهِ لَاِنطَلَقوا
هُمُ الأَئِمَّةُ مِن زُهدٍ وَمَن وَرَعٍ / لَو كانَ يَنخَدِعُ العَرّافَةُ اللَبِقُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَن يَقضي القَضاءُ لَنا / يَوماً فَتَختَلِفُ الأَهواءُ وَالطُرُقُ
طالَ اللَجاجُ وَأَمسى الناسُ قَد تَبِعوا / سُبلَ الخِلافِ فَمُنشَقٌّ وَمُفتَرِقُ
لا يَدَّعِ القَومُ أَنّا أُمَّةٌ هَمَلٌ / فَلا وَرَبِّكَ ما بَرّوا وَلا صَدَقوا
سَيَتبَعُ الجِدَّ مَن لا يَستَفيدُ لَهُ / وَيَعرِفُ الحَقَّ مَن يَهذي وَيَختَلِقُ
صَبراً عَلى قَومِنا حَتّى يَثوبَ لَهُم / مِن عازِبِ الحِلمِ ما أَلوى بِهِ النَزَقُ
هِيَ الدَراري فَأَينَ المَطمَحُ العالي
هِيَ الدَراري فَأَينَ المَطمَحُ العالي / أَينَ البُراقُ وَعَزمٌ غَيرُ مِكسالِ
مالي أَرى هِمماً تُمسي مُصَرَّعَةً / كَأَنَّ أَنضاءَها شُدَّت بِأَغلالِ
يَغتالُها العَجزُ إِلّا حينَ يَبعَثُها / يَومٌ مِنَ الشَرِّ يُغري كُلَّ مُغتالِ
كَأَنَّ آثارَها في كُلِّ صالِحَةٍ / تَدميرُ صاعِقَةٍ أَو خَسفُ زِلزالِ
وَالناسُ شَتّى فَمِن بانٍ لِأُمَّتِهِ / وَهادِمٍ ما بَنَت في عَصرِها الخالي
وَيحَ الكِنانَةِ جَدَّ الهادِمونَ بِها / فَما تَرى العَينُ فيها غَيرَ أَطلالِ
داءُ المَمالِكِ أَن تُقضى زَعامَتُها / لِمَعشَرٍ مِن صِغارِ الناسِ جُهّالِ
هُمُ النَذيرُ فَإِن أَدرَكتَ دَولَتَهُم / أَدرَكتَ أَنكَرَ ما يُؤذيكَ مِن حالِ
جاءَ الرُواةُ بِدَجّالٍ وَما عَلِموا / أَنّا نَرى كُلَّ يَومٍ أَلفَ دَجّالِ
بُشرى التَماثيلِ إِنَّ القَومَ ما اِجتَمَعوا / إِلّا عَلى صَنَمٍ أَو حَولَ تِمثالِ
دينٌ خَبالٌ وَدُنيا غَيرُ صالِحَةٍ / وَأُمَّةٌ شُغِلَت بِالقيلِ وَالقالِ
تُلقي إِلى زُعَماءِ السوءِ مِقوَدَها / وَتَصدُقُ الوُدَّ مِنهُم كُلَّ خَتّالِ
كَأَنَّ أَيدِيَهُم فيها إِذا اِنطَلَقَت / أَيدي شَياطينَ أَو أَنيابُ أَغوالِ
نِعمَ الزَعيمُ مَضى في غَيرِ مَندَمَةٍ / يَبتاعُ كُلَّ خَسيسٍ بِالدَمِ الغالي
خانَ الضَحايا فَهَزَّ الإِنسَ صارِخُها / وَاِستَجفَلَ الجِنَّ مِنها طولُ إِعوالِ
لَم يَجعَلِ اللَهُ في أَشلائِها أَرَباً / لِكُلِّ حُرٍّ أَبِيِّ النَفسِ مِفضالِ
يا سوءَ ما شَرِبَ الأَقوامُ مِن دَمِها / وَبِئسَ ما طَعِموا مِن عَظمِها البالي
نادِ القبورَ وبَشِّرْ كلَّ مقبورِ
نادِ القبورَ وبَشِّرْ كلَّ مقبورِ / حُمَّ النُّشورُ وحانت نَفخةُ الصُّورِ
قُلْ للمشارقِ كرَّ الدَّهرُ كرَّتَهُ / وهبَّ للثأرِ فيه كلُّ مَوْتورِ
ضُمِّي الجِراحَ وقُومي غيرَ هائبةٍ / فلن يروعَكِ ذو ضِغْنٍ بمحذورِ
إن تَنهضي اليومَ يَفزعْ كلُّ مُرْتَبئٍ / ويَنتفِضْ كلُّ ذي نابٍ وأُظفورِ
هي الحياةُ فَخُوضي النَّقعَ واقتحِمي / أهوالَ كلِّ مَرُوعِ السّاحِ مذعورِ
جُنَّتْ نواحيهِ مما أحدثتْ أُمَمٌ / تَنثالُ من جازرٍ يطغى ومجزورِ
مِنَ الأناسيِّ إلا أنّها مَرَدتْ / فالجنُّ تَنظرُ من ساهٍ ومسحورِ
القُوّةُ الحكمُ لا عدلٌ بِمُتَّبَعٍ / في الحاكِمينَ ولا ظُلمٌ بمحظورِ
شريعة السّيفِ يُمضيها جَبابرةٌ / من كلِّ مُستهزِئٍ بالله مغرورِ
أَمَا ترى الدَّمَ يجرِي في مَخَالبِهم / على الشرائعِ يمحو كُلَّ مَسْطورِ
ضَجَّ الحريبُ فقالوا هَزَّهُ طربٌ / وهَاجَهُ العهدُ مِن عِلمٍ ومن نُورِ
وَيْحَ العقولِ رُمينا من غَباوتها / بدولةٍ من بقايا الوهمِ والزُّورِ
النَّعشُ يغدو عليه كلُّ مُغْتبِطٍ / والقبرُ يمرحُ فيهِ كلُّ مسرورِ
هي الحضارةُ تجلو كُلَّ مُلْتَبِسٍ / من الأُمورِ وتُبدِي كلَّ مستورِ
الحقُّ من تُرَّهَاتِ الصائحين بهِ / والعدلُ فيما ترى آمالُ مقهورِ
والعذرُ للفاتكِ العادِي فإنْ جَزِعَتْ / نَفْسُ المُروَّعِ أَمَسْى غَيرَ معذورِ
والنَّفْيُ والقتلُ والتعذيبُ مَرْحَمَةٌ / مأثورةٌ وصَنيعٌ غَيرُ مكفورِ
لا أمّةٌ ذاتُ تاريخٍ ولا وَطَنٌ / كلٌّ هَباءٌ وشيءٌ غيرُ مذكورِ
والجهلُ أنفعُ ما تَرْقَى الشُّعوبُ بهِ / والذُّلُّ أسمى الأمانِي للجماهيرِ
وليس للمرءِ من مالٍ ولا وَلَدٍ / إلا على خَطَرٍ أو رَهْنَ تدميرِ
لا يملكُ النّفسَ إلا أن يُؤخِرَها / مَنْ أمرُه الأَمْرُ في أخذٍ وتَأْخيرِ
تلك الحياةُ فَقُلْ للآمرين بها / قَوْلَ الرَّسولِ رُوَيْداً بالقوارير
قالوا الحمايةُ عن أعناقِكم وُضِعَتْ / فليس مَطويُّها يوماً بِمنْشورِ
فاسْتَبشرِوُا اليومَ باسْتقلالِكُم وخُذوا / حقَّ البلادِ جميعاً غَيْرَ مَبْتُورِ
وغايةُ الجودِ بَيْنَ الناسِ أَنْ يَجِدوا / صَيْدَ النُّسورِ طعاماً للعصافيرِ
روايةٌ وخَيَالاتٌ مُنَمَّقَةٌ / تُصَاغُ مِن دار نُوّابٍ ودُستورِ
ماذا لنا وحياةُ النّيلِ في يدكم / والأَمرُ أَجْمعُ من نَقْضٍ وتقريرِ
دَعُوا المِزاحَ فَإنَّا أُمّةٌ صَدَقَتْ / لا تطلبوا الأمرَ أمسى غيرَ ميسورِ
إنَّ المشارِقَ هَبَّتْ بعد هَجعَتِها / تطوِي الجِواءَ وتلوِي بالأعاصيرِ
ترمي النُّسورَ فتهوِي عن مَعاقِلها / في السُّحبِ من جبلٍ عالٍ ومن سُورِ
أَوْفَتْ على الأُفُقِ المُسْوَدِّ فانْصدَعَتْ / سُودُ الغياهبِ عنه والدّياجيرِ
أَثارها الفاتحُ الغازي وأرْسَلَها / مِلْءَ الدُّنَى والمنايا والمقاديرِ
تَجيشُ في كلّ مُسْتَنٍّ ومُنْسربٍ / والبأسُ يُصْرخُ في آثارها سِيري
سِيري مُشَمِّرةً لا تبتغِي دَعَةً / فالسّيفُ خَلْفَكِ ذو جِدٍّ وتشميرِ
والحقُّ ليس بناجٍ في جلالتِه / إلا إذا لاَذَ بالبيضِ المآثيرِ
هيَ الدّواءُ لِداءِ البَغْيِ يَنْزَعُهُ / من النّفوسِ ويشفي كلَّ مصدورِ
إنّ السياسةَ لِلأقوامِ مَهْلكةٌ / فلا يَغُرَّنْكَ منها طولُ تَغْريرِ
إذا تَداوَى بها المغلوبُ طَاحَ بهِ / كَيدُ الأُساةِ وتضليلُ العقاقيرِ
تطوِي الممالكَ في الأكفانِ من ذهبٍ / جَمِّ التهاويلِ فتّانِ التّصاويرِ
ترى التّوابيتَ تُزْجَى في مخالِبها / بَينْ المَعَازفِ شتَّى والمزاميرِ
مواكبُ الشّرقِ لا قامت مَواكِبُهُ / إلا على كبَّةِ الشُّمِّ المغاويرِ
القائمينَ بحقّ السّيفِ ما ظَلَمُوا / يوماً ولا عَابَهُمْ خَصْمٌ بتقصيرِ
لا يَطعمُ الضرَّبَ إلا حين يَجْمَعُهُم / يَوْمٌ يُبَرِّحُ بالجُرْدِ المحاضيرِ
مِن كلّ مُنذلِقِ الغاراتِ يُوطِئُها / أعقابَ كُلِّ حَثيثِ الرّكضِ مدحورِ
تَسْتَرعِفُ الحربُ منه حَدَّ مُنصَلتٍ / طَبِّ المضاربِ بالأعناقِ مطرورِ
إذا الصفُّوف على راياتِه الْتَحَمَتْ / تكشَّفتْ عن عزيزِ البأسِ منصورِ
لا يتَّقي الرَّوعَ إن صَاحَ النذيرُ ولا / يُلقي إلى السّيفِ يوماً بالمعاذيرِ
يَرَى الخلافةَ عِرضاً والهلالَ دماً / ومَجْدَ عُثمانَ ديناً جِدَّ موفورِ
ولا يَعُدُّ حياةَ الشّعبِ مَسْكنةً / في مَحْصَدِ القَيْدِ أو في مُحْكمِ النِّيرِ
إنّ الذي خَلَقَ الإنسانَ حَرَّرَهُ / فَلَنْ يَدينَ بِرِقٍّ بعدَ تحريرِ
الدّينُ والعقلُ لا يُعطِي مَقادَتَهُ / سِواهما كلُّ منهيٍّ ومَأمُورِ
والنّفسُ لا تَحْمِلُ الإيمانَ إن حَمَلَتْ / حُبَّ التماثيلِ أو خَوْفَ النَّواطيرِ
الحكمُ للهِ والأقدارُ جاريةٌ / والموتُ آتٍ ويبقى كلُّ مأثورِ
ما أَجْدَرَ النّاسَ باسْتِعظَامِ أَنْفُسِهم / وأَجْمَلَ الصَّمْتَ بالقوم المهاذيرِ
هل حارب الله إلا كلُّ ذي سَفَهٍ / أو شاغَبَ الحقَّ إلا كلُّ مأجورِ
لا يَغْلِبِ الحقَّ يَرْدَى في كتائبهِ / جُنْدُ الدّراهمِ أو جيشُ الدّنانيرِ
إن الأُلى زَلْزَلُوا الدُّنيا بأنْقَرةٍ / واستجفلوا الناسَ من صاحٍ ومخمورِ
أَلقُوا على الشّرقِ آياتٍ مُبَيَّنَةً / بِيضَ الصّحائفِ من نُصْحٍ وتذكيرِ
لم يبعثوا الحربَ حتّى اجْتاحَ عاصِفُها / مَكْرَ الدُّهاةِ وتدبيرَ المناكيرِ
الحربُ عِنْدَ بَني عُثمانَ مُعجزةٌ / تُعْيي العُقولَ وتُلغِي كلَّ تدبيرِ
لولا الذي ابتدعوا في الدّهر من سِيَرٍ / مَشْهورةِ الذّكرِ أضْحَى غيْر مَشهُورِ
في ذِمَّةِ التُّركِ دُنيا لا تَضيقُ بها / سُيوفُهم وزَمانٌ غيرُ مَعْسورِ
يأتي فيستلُّ من أكفانِها أُمماً / ضاقت بها سَعَةُ الأجداثِ والدُّورِ
تشكو المشارقُ دُنيا غيرَ صالحةٍ / مكروهةً وزماناً غيرَ مبرورِ
أظلَّها الفاتِحُ الغازي وشَارَفها / عَهْدٌ مِن الخيرِ مَيْمونُ التّباشيرِ
لا أَخلَفَتْكِ الأمانِي مِن مُوَلهّةٍ / يبكي لها النّاسُ من حُرٍّ ومقصورِ
صُفّوا المواكبَ وَامْشُوا حولَها مَرَحا
صُفّوا المواكبَ وَامْشُوا حولَها مَرَحا / عاد الزّعيمُ ونال الشّعبُ ما اقترحا
سُدّوا المسامِعَ إلا أن يُقالَ لكم / هُزّوا الكِنانةَ باستقلالها فرحا
ماذا عن النّاعبِ الباكي بأيكتهِ / إذا شدا الطّائرُ الغِرِّيدُ أو صَدَحا
يا سعدُ إنّ سبيلَ الحقِّ بَيِّنةٌ / للسّالكين وإنّ الأمرَ قد وضحا
أَدِّ الأمانةَ لا يَعبثْ بها أَحدٌ / وجِدَّ في الأمرِ لا يَخدَعْكَ مَن مزحا
ولا يغرّنْكَ قولُ الناسِ سيّدُنا / نرضَى من الأمرِ ما يرضَى وإن فدحا
حكمُ الحمايةِ مردودٌ وحُجَّتُها / أنأى وأبعدُ من سيشيلَ مُطَّرَحا
هو الجلاءُ فمن يَطْلُبْ به بدلاً / فما وَفىَ لبني مصرٍ ولا نصحا
يا سعدُ لا تَقْتحِمْها خُطَّةً حَرَجاً / فإنّ حولك للأحرارِ مُنتدَحا
إنّ المزايا التي لا يُستهانُ بها / كانت لقومِكَ سِرّاً باتَ مُفتضَحا
أسكرتَ في مصرَ شعباً ما هممتَ به / حتّى مشَى الذُّعرُ في أوصالِه فصحا
لولا الأُلى أخذوا الأقداحَ عن فمِه / ما انفكِّ مُغْتَبِقاً منها ومُصطَبِحا
إنا لعمرك نهدي كلَّ مُعتَسِفٍ / إلى السّبيلِ ونلويهِ إذا جَمحا
نمضِي على خُطّةٍ للحقِّ واضحةٍ / ما فاز شَعبٌ يُجافيها ولا نجحا
حِزبٌ من الشُّمِّ يهوي عن جوانبِه / مَن كدَّ يطمعُ أن ينهارَ أو كدحا
عالي المطالبِ حُرٌّ في مذاهبِه / ما مال يوماً عن المُثْلىَ ولا جنحا
يرمي المُغيرينَ مُجتاحاً ويَقذفُهم / بالرّائعاتِ من الغاراتِ مُكتسِحا
يا سعدُ إن مَنَع الأقوامُ أو منحوا / فإننا مَعشرٌ لا نعرفُ المِنَحا
لسنا إذا رَدَّ حقَّ النّيلِ غاصِبُه / نَظنُّه جادَ بعد الضَّنِّ أو سمحا
لنا البلادُ وما للغاصِبينَ بها / إلا المعاذيرُ تُزْجَى ظُلَّعاً طُلُحا
يظلُّ من شدّةِ الإعياءِ سائُقها / إذا مضى الرّكبُ في طيّاتهِ رَزِحا
إنّا إذا ابتدرَ الساعونَ منزلةً / لَنُدرِكُ الأمد الأَقْصَى وإن نزحا
نُزجِي مطايا الهُدى بِيضاً تخبُّ بنا / عَجلَى ونَبعثُها خَطّارةً سُرُحا
يا سعدُ حَسْبُكَ عِرفاناً وتجربةً / وحسبُنا ما جَنَى الماضي وما اجترحا
أَذعنتَ للقوم إذ قالوا مُفاوضةٌ / فما استقامَ لنا أمرٌ ولا صَلُحا
بابٌ من الشَّرِّ ما زالتْ يداكَ بهِ / حتّى تَصدَّعتِ الأقفالُ فَاْنفَتحا
لَنَمْنَعنَّ بأيدينا مَفاتِحَهُ / إن طافَ مُستَفْتِحٌ أو همَّ أو طمحا
سَلِ المساوِمَ في ميراثِ أُمَّتِه / هل فازَ حينَ أجازَ البيعَ أو رَبِحا
العقلُ خيرُ إمامٍ أنت تابعهُ / فَولِّ وجهَك أيَّ الخُطّتَينِ نحا
والدّهرُ يَجمعُ فيما خطَّ من صُحُفٍ / ما أثبتَ المرءُ من آثارِهِ ومحا
لِسانُ صدقٍ وراوٍ غيرُ مُتَّهمٍ / العدلُ إن ذمَّ والإِنصافُ إن مدحا
لا يُعجبنَّك عفوٌ نِلتَ عاجلَهُ / فما عفا الدّهرُ عن جانٍ ولا صفحا
كلُّ امرئٍ ذاهبٌ في شأنِه شَطَطاً / ويَنفَحُ اللهُ رُوحَ البرِّ مَن نفحا
هل يَسمعُ القومُ إن صاحَ النَّذيرُ بهم / زِنوا الرجالَ وشدّوا أَزْرَ من رَجحا
رُدّوا الأعنَّةَ إنّ الغَيَّ مَهلكةٌ / للجامحِينَ وإنّ الكَيْلَ قد طفحا
هل يَعرفُ القادةُ الأبطالُ إن سُئِلوا / إلا المحاريقَ أو سيشيلَ أو رفحا
لو أستطيعُ مسحتُ الهمَّ عن كَبِدي / ورحتُ أثأر للنفسِ التي مسحا
كِنانةَ اللهِ لا يَبلغْ أمانَتَه / سهمٌ يُفوّقُه الرامي وإن جرحا
لُوذي بإيمانكِ العالي إذا عَصفتْ / هُوجُ الخُطوبِ بعاديِّ الذَّرى فطحا
صُوني يقينَكِ في داجِي غياهِبها / إني أرى البارِقَ العُلوِيَّ قد لمحا
قل للأُلى جعلوا الدُّستورَ مهزلةً
قل للأُلى جعلوا الدُّستورَ مهزلةً / الدّهرُ يضحكُ من دُستورِكم عجبا
شرُّ الذُّنوبِ لديكم أن يُقالَ لكم / كُفُّوا الأذى ودعوا التَّضليلَ والكَذِبا
وأضعفُ الناسِ رأياً مَن يُهيب بكم / لا تتركوا النّيلَ في أيدي العِدَى سَلَبا
الرُّشدُ إن تَتمادَوْا في غَوايتكم / والحقُّ أن تجعلوا للباطلِ الغَلبا
أنحنُ أعداءُ مصرٍ فالبقاء لكم / إذا مضى عهدُنا في مِصرَ أو ذهبا
لا تطمعوا أن يُعزَّ اللهُ دَولتَكم / وإنْ تجاوزَ أدنى شأوِها الشُّهُبا
كنتم صعاليكَ شَعبٍ جاهلٍ رَفعتْ / أهواؤُه منكمُ الأقدارَ والرُّتَبا
تأهَّبوا إنّ أمرَ اللهِ مُنتظَرٌ / وليس ينفعكم أن تأخذوا الأُهَبا
حيِّ الكنانةَ واَنْظُرْ كيف تَدَّكِرُ
حيِّ الكنانةَ واَنْظُرْ كيف تَدَّكِرُ / وَاذْكُرْ لها الصُّنعَ بعد الصّنعِ يَبْتَدِرُ
خَفَّتْ تُظلِّلُها الأعلامُ خافقةً / يمشي الشّبابُ بها حَرَّانَ يَستعرُ
يمشي إلى المجدِ ما بَادتْ مَعالمُه / ولا عفا السَّنَنُ الوضّاحُ والأَثَرُ
مَن كان ذا وَلَعٍ بالمجدِ يَطلبُهُ / فالسُّبلُ واسعةٌ والنُّورُ مُنْتَشرُ
إنّا لَنَحِمي تُراثَ الأوّلين فما / تشكو العظامُ ولا تَستصرخُ الحُفَرُ
قُلْ للشّبابِ اذكروا مَن كانَ يذكركم / أجِنَّةً في ثنايا الغيبِ تَنتظِرُ
الباذلَ النّفسَ ما يَخْشَى فَيُمسكها / عِندَ الفداءِ ولا يأبَى فيعتذرُ
والصّادقَ البأسَ يحمِي الوادِيَيْن إذا / صَدَّ الحُماةُ ونَامَ الذّادةُ الغُيرُ
لا تنكروا ما شَهِدنا قبل مولدِكم / لقد دعاكم فلبَّت مِنكمُ الصُّوَرُ
لو لاَنَ للغاصبِ العادي لأَوْرثكم / ذُلَّ الحياةِ فلا عزٌّ ولا خَطرُ
مَن حارب اليأسَ حتّى ارتدَّ يدفعه / جندٌ من الأملِ المقدامِ مُنتَصِرُ
أقول للقوم إذ طاح اللَّجاجُ بهم
أقول للقوم إذ طاح اللَّجاجُ بهم / لا تطلبوا حكماً ميثاقُنا الحَكَم
أَتغضبون إذا لم يَرْضَ باطلَكم / قاضٍ من الحقِّ تَرضَى حكمه الأُمَمُ
ما الجِدُّ والهزلُ في ميثاقنا شَرَعٌ / ولا الوجودُ سواءٌ فيه والعدمُ
يا سعدُ ما راعني ما نِلْتَ من خطرٍ / وإنّما راعني أن يُعبَدَ الصَّنمُ
أفي الكِنانةِ والإسلامُ حائِطُها / للجاهليَّة من أعلامها حَرَمُ
ماذا تخافُ إذا لم تخشَ عاقبةً / لا أنتَ جانٍ ولا الدّيانُ مُنتقمُ
كُنْ كيف شِئتَ ولا تَعبأْ بِمعترضٍ / الشَّعبُ مُستسلِمٌ والأمر مُنتظِمُ
لَمِن دمٌ في مغانِي الحيِّ مطلولُ
لَمِن دمٌ في مغانِي الحيِّ مطلولُ / يَبكي عليه هوىً في السِّربِ مَخذولُ
أطمَعْنَ ذا الشَّوقِ حتّى لم يَدَعْ أملاً / ثُمَّ انصرَفنَ وما فيهنَّ تَأميلُ
يُحدِثنَ في الحبِّ ديناً كلُّه بِدعٌ / والحبُّ دِينُ الهُدَى ما فيه تبديلُ
يا سارِيَ البرقِ هل لي منك راحلةٌ / أم أنتَ عن دارِها بالشّام مَشغولُ
حَملتُ حُرَّ الهَوى والشَّوقِ في كَبدٍ / وَلْهَى يَلوذُ بها حَرَّانُ مَتبولُ
يا قلبُ وَيحكَ لا الأُردنُّ طَوعُ يَدِي / إن جِئتَ مُستسْقِياً يوماً ولا النّيلُ
مالي وللماءِ ما تجرِي جَداوِلُه / إلا جَرَى بالمنايا فيه عِزريلُ
أهتاجُ للموتِ يَغشاني ويُمسِكُني / أَنِّي على ظَمَئِي والوِردُ مقتولُ
يا طائرَ الشّامِ هَزَّتْهُ خَمائِلُهُ / رَأْدَ الضُّحَى واسْتَخفَّتْهُ الأظاليلُ
هَيَّجتَ في النّيل طيراً ما بأيكتهِ / لِينٌ ولا عُودُه ريّانُ مَطلولُ
يَسْتَشرِفُ الطّيرَ تَستهوِي عصابتَها / عَمياءُ آفاقُها غُبْرٌ مَجاهيلُ
أسرَى القطا حين تَستغشِي غياهبَها / واني المطارِ وأهدى الجنِّ ضِلّيلُ
ما يَنتحِي القَدَرُ الجاري بها أَمَداً / حتّى يكونَ له رَدٌّ وتحويلُ
ماذا يرى النّاسُ في شَعْبٍ تُهدِّمُه / أهواؤُه وتُعفِّيهِ الأباطيلُ
إلّا يكن طَللاً يُشجيكَ دَارِسُه / فإنّه مَنزلٌ بالسُّوءِ مأهولُ
كأنَّهُ حِينَ غَالتْهُ عَمايتُه / على الهوانِ وحُبِّ الضَّيمِ مَجبولُ
مَشَى به الجِدُّ ثم ارتدّ مُنقَلِباً / فَعلَ النزيفِ به من دائهُ غُولُ
ألقَى به الشُؤمُ في هَوجاءَ ليس بها / إلا اللّجاجُ وإلا القالُ والقيلُ
طاشتْ به تُرّهاتُ اللابسين له / ثَوبَ الرِّياءِ وغرّته التهاويلُ
صَاحَ النَّذيرُ فلم يَفزعْ لِصَيْحَتِه / إلا السّماواتُ لمّا اهْتَزَّ جبريلُ
مَن لي بقومٍ إذا ساروا لِطَيَّتِهم / ساروا سواءً فلا نكبٌ ولا ميلُ
من عَلَّمَ القومَ أنّ الجِدَّ تَصديَةٌ / لِلاعبين وأنّ المجدَ تضليلُ
ما انفكّتِ اللَّقوةُ الشَّقواءُ جائلةً / في الجوِّ حتّى ثَوَى في الوكرِ زغلولُ
تَفْدي الجِواءَ إليهِ وهو مُنْكَدِرٌ / دامِي الجناحِ على النّكباءِ محمولُ
تَرمِي به كلَّ خفَّاقِ المَدى قَذِفٍ / ما تنتهِي سَعَةٌ منه ولا طُولُ
حتّى إذا خَرَّ طارتْ حول مَوقعِه / هَلكَى النُّفُوسِ وضَجَّ العصرُ والجيلُ
أَما لِقومي وإن جَلَّتْ مُصيبتُهم / إلا التّغاريدُ تُزجَى والتّهاليلُ
روايةٌ في شُعوبِ الشَّرق رائعةٌ / لها على مَلعبِ الأجيالِ تمثيلُ
يا سعدُ عَلِّلْ نُفوسَ القومِ ثانيةً / إن كان ينفعُ بعدَ اليومِ تعليلُ
قُلْ للمحامين رُدُّوا من أَعِنَّتِكم / ضَاعَ الحِمَى وَاسْتُبِيح اللَّيْثُ والغيلُ
وَيْليِ على الفَارسِ المِغوارِ إذ حَسرتْ / عنه الدُّروعُ وخانته السَّرابيلُ
دَارتْ رَحَى الحربِ فينا دَوْرَةً عجباً / فارتدَّ مُسْتَبسِلٌ وانقضَّ إجفيلُ
إنّي نصحتُ لِقومي قبل مَصرعِهم / لو أنّ نُصحَ ذوي الألبابِ مقبولُ
مالي وللشّعر هل تَهدي رَوائِعُه / مَن ليس يَهْديه قُرآنٌ وإنجيلُ
ليسوا بقوميَ إن طَالتْ جهالتُهم / وظَلَّ يخدعُهم ظنٌّ وتَخييلُ
قَومِي الأُلىَ لا غطاءٌ فوق أَعْيُنِهِم / ولا حجابٌ على الألبابِ مسدولُ
يا وَيْحَ للشرقِ هل قامت به أُممٌ / تَستنفِدُ العدَّ أم قامتْ تماثيلُ
سالت عليهم ذِئابُ الغَرْبِ تأكلُهم / كذلكَ العاجزُ المغلوبُ مأكولُ
أقولُ للقومِ فَوضَى في مَذاهِبهم / سِيرُوا على سَنَنِ الأحياء أو زُولوا
لوذوا بركنٍ من الأخلاقِ مُمتنِعٍ / تَهوِي الفيالقُ عنهُ والأساطيلُ
لاهُمَّ أدرِكْ شُعوباً بَاتَ يُرمِضُها / عَيْشٌ لها في رُبوعِ الشّرقِ مملولُ
لاهُمَّ إن تكُنِ العُقبَى لِمُحتسِبٍ / فَهَبْ لنا الصّبرَ حتّى يُدرَكَ السُّولُ
ناج الشّهيدَ وحدّثْ بعده الأثرا
ناج الشّهيدَ وحدّثْ بعده الأثرا / وحَيِّ من نُورهِ ما كان مُدَّخَرا
نورٌ طوته عوادي الدَّهرِ آونةً / ثم انجلت فطوى الآفاقَ مُنتشرِا
وآيةُ الحقِّ أن لا شيءَ يغلبُه / من يغلب اللهَ أو من يدفع القَدَرا
يا أيّها العلَمُ المأمولُ حاملُه / لوقعةٍ تُفزعُ الأجيالَ والعُصُرا
تحيّتي لك نَفسٌ لا قرارَ لها / حتّى ترى النّيلَ لا مُرّاً ولا كَدِرا
السُّمُّ أعذبُ من ماءٍ تُدنَّسُه / يَدُ العَدُوِّ لنفسٍ تتّقي الضَّررا
والموت أطيبُ من عيشٍ يُنغِّصُه / عَضُّ القيودِ لشعبٍ يأنفُ الهَذَرا
أَقدِمْ عليُّ وسِرْ بالجندِ مُقتحِماً / لا تخلعِ النّقعَ حتّى تَلْبَسَ الظَّفَرا
سِرْ غازياً تَغمرُ الدُّنيا عساكرُه / أما ترى الشرَّ أمسى يَغمرُ البَشرَا
إنّ الطَواغيتَ ما يَنفكُّ باطشُها / يُلقِي على الأَرضِ من طُغيانهِ شرَرا
غَالِبْ جَبابرَة السَّكسونِ مُصطبِراً / حتّى ترى الوطنَ المغلوبَ مُنتصرا
طال التجاورُ فالأهرامُ جازعةٌ / تكاد تَذهبُ من طولِ المَدى ضَجَرا
والنّيلُ لولا رَجاءُ الله يمنعهُ / طغتْ عليه عوادي الهمِّ فاستعرا
أنت المرجَّى ليومٍ ليس يُخلِفُنا / فَخُضْ إليه خُطوبَ الدّهرِ مُبتدِرا
الشَعبُ حولك يَمضي حَيثُ تَبعثُه / فَولِّهِ وِجهةً يقضي بها الوَطرا
إنّا صَبَرنا على ما كان من مَضَضٍ / يُوهِي الجلاميدَ والعُقْبىَ لمن صَبرَا
دعوا الشَّهيدَ لشعبٍ ليس ينساهُ
دعوا الشَّهيدَ لشعبٍ ليس ينساهُ / وارعوا لِمصرَ ذِماماً كان يرعاهُ
ماذا تُعيدون من ذكرى امْرئٍ نَبهٍ / النّيلُ سِيرتُهُ والدَّهرُ ذِكراهُ
خُوضوا الرُّماةَ وسيروا حَوْل رايتهِ / جُنداً من الحقِّ يرمي دُونَهُ اللهُ
إلى الأَمامِ سِراعاً خلفَ قائِدكم / إلى الأمامِ فهذي من وَصاياهُ
سَنَّ الجِهادَ لكم يحمي به وطناً / سَنَّ الحِدادَ عليهِ يومَ منعاهُ
يَومٌ تمرَّدَ فاسْتعصتْ فَواجعُه / على الدَّهَاقِين واسْتَشرتْ رزاياهُ
رَمى المشارقَ بالخطبِ الذي انْتَفضتْ / منه المغاربُ تخشى هَوْلَ مَرماهُ
إن يَفْزَعِ النّيلُ أو يجزعْ فقد نُكِبتْ / دنيا ممالكُها في الرُّزءِ أشباهُ
ليس الهُداةُ لشعبٍ أو لِمملكةٍ / هُمْ رحمةُ الله للدُّنيا ونُعماهُ
نَفسٌ حَمَى الأُفُقُ العلويُّ مَوضعَها / واختارها الله من أَسْنَى عَطاياهُ
من هِمَّةِ الرُسْلِ ما يَغتالُها خَوَرٌ / ولا يَطيشُ بها مالٌ ولا جاهُ
ما بات من فِتنةِ الدُّنيا على خَطرٍ / وصاحبُ التاجِ مفتونٌ بدنياهُ
ذكرى الشَّهيدِ وما نجزي مَواقفَهُ / في العامِلينَ ولا نُحصِي مَزاياهُ
كُوني لمِصرَ حياةً غيرَ هازلةٍ / وَعلِّمِي الجِدَّ شعباً ساءَ محَياهُ
إنّ الأُلى زعموا الأوطانَ هَيِّنَةً / جَرُّوا على الشَّعبِ ما تأبى سجاياهُ
هم سَخَّروهُ لأمرٍ ليس يَعرفه / فَاسْتنَّ يعصِفُ واستنَّتْ ضحاياهُ
ثم انجلى النَّقعُ عن دَهْياءَ مُفزِعَةٍ / الموتُ أيْسَرُ منها حِينَ تلقاهُ
لا تَحسبِ الأمرَ ما تُبدِي ظواهرُه / فإنّما الأمرُ ما تطوِي خَفاياهُ
عفواً وصفواً لقومٍ شِيبَ مَوْرِدُهم / فالقولُ أجْلَبُهُ للودِّ أَصفاهُ
إنّا نُحاذرُ قولَ الشامِتينَ بنا / حِزبٌ يلومُ وحزبٌ ضلَّ مَسعاهُ
بات العِدى مِلءَ وادينا وبات بنا / من التَّناحُرِ ما نشكو بلاياهُ
إنّا جَهِلْنَا فشقَّ الحِقدُ وَحدَتنا / وأدركَ الخصمُ منّا ما تَمنَّاهُ
اللهُ أكبرُ هذا يوم ندفعه / خطباً خَشِيناه ممن ليس يَخشاهُ
مَدَّ الشَّهيدُ إلى الأحزابِ يجمعُها / من جانبِ القَبرِ يُمناه ويُسراهُ
وأرسلَ الصّوتَ يُسدِي النُّصحَ فابتدرت / مِصرُ الجريحةُ تستشفِي بنجواهُ
أيسمعُ النُّصحَ قومٌ أم بهم صَمَمٌ / أم ليس يفهمُ بعضُ القومِ معناهُ
اليومَ يُبصرُ حادِي الركبِ وِجْهَتَهُ / ويعرفُ الحائرُ الضِّلِّيلُ عُقباهُ
يا قومُ إن كان مجدُ النّيل مطلبكم
يا قومُ إن كان مجدُ النّيل مطلبكم / فما لكم عن حُماةِ المجدِ مُنْصَرَفُ
لا تتبعوا مِلّةَ الغاوين واجتنبوا / أهواءَ قومٍ على أوثانهم عكفوا
سُوقٌ من الجهلِ تَستنُّ التِجارُ بها / ولا بضاعةَ إلا الحقُّ والشَّرفُ
صَاحَ الهُداةُ بمخدوعين ما فَقِهوا / معنى النيابةِ مُذ كانوا ولا عرفوا
دَارُ النيابةِ أمست من جرائرِهم / كأنّها حُفرةٌ تُلْقَى بها الجِيَفُ
فَكفِّروا بانتخابِ الصّالحين لها / عمّا جنَى قومُنا بالأمس واقترفوا
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه / لا النّيلُ حُرٌّ ولا الدُّستورُ مأمونُ
أَشاهدُ الزُّورِ مَرجُوٌّ لأُمّتِه / والمؤمنُ الصّادقُ الوجدانِ ملعونُ
يُؤذَى بأسوأ ما يُؤذَى الهُداةُ بهِ / من فِتيةٍ كلّهم نَشوانُ مفتونُ
الحمدُ لله هذا ما أعدَّ لنا / شيخُ الزّغاليلِ والمغبونُ مغبونُ
صَاحَ الحِمَى ببني الهيجاءِ فاعتَزموا
صَاحَ الحِمَى ببني الهيجاءِ فاعتَزموا / وراحَ يهتزُّ في أبطالِهِ العَلمُ
جُندٌ من الحقِّ ما في بأسِه وَهَنٌ / عند اللّقاءِ ولا في دينهِ سَقَمُ
ما جالَ إلا انْجلَتْ عن مِصرَ أبؤسُها / ولا تبلَّج إلا انْجابت الظُّلَمُ
يُغضي عن الحربِ يستقصي وسائلَها / كالموتِ يهدأ حيناً ثمّ يَقتحمُ
شرُّ الجُنودِ غداةَ الحربِ مُنْقَلَباً / مَن كان يزعُمُ أن الحقَّ يَنهزِمُ
قُلْ للكنانةِ جدَّ القومُ فانتظِري / عُقبَى الوغَى وانظري ما تصنعُ الهِممُ
مَن كان يجهلُ في البانينَ موضعَهم / فالصَّاعدون بآمالِ البلادِ هُمُ
لولا يَذودونَ قوماً عن جَوانبها / طاحت قواعدُها أو طارتِ القِمَمُ
ليت المُدَمِّرَ تنهاهُ مَعاوِلُهُ / إذ يَنثنينَ وأمضاهُنَّ مُنثَلِمُ
أشقى الرجالِ بما تُملي وساوسُه / من ظَنَّ أنّ بناءَ اللهِ يَنهدمُ
وأكثرُ النّاسِ في أَحلامِه شططاً / من كان يَطمعُ أن تُستَعْبد الأُممُ
هو الجلاءُ وإن رِيعت له فئةٌ / يَودُّ ساداتُها لو أنَّهم خَدَمُ
ما أعجبَ القومَ رأيُ اللّاعبينَ بهم / حَقٌّ ورأيُ الجلائيّينَ مُتَّهَمُ
إن يُسألوا الهُون يُعطوهُ وإن طُرِدوا / عن موطن الذُلِّ ظنّوا أنهم ظُلموا
لا يهجعون ولا يفنَى لهم صَخَبٌ / إن جفَّ مُرْتَزَقٌ أو عزَّ مُغْتَنَمُ
تُغضِي البلادُ حياءً من لجَاجَتِهم / والحُرُّ يُغضِي عنِ العوراءِ يَحتشِمُ
رُسْلُ الصَّداقةِ من صرعى رسالتهم / حقُّ البلادِ ومن قتلاهم الشَّمَمُ
راحت تُخادعُ منهم كُلَّ مُختَبِلٍ / فما تَريعُ ولا يَنْأَى بها السَّأَمُ
لو أنَهم بذلوا الدُّستورَ تكرمةً / لمن يُبشِّرُهم بالحكمِ ما ندموا
هم خاصموا مصرَ ثم استرسلوا حَنَقاً / إلى الأُلى شرعوا العُدوان فاحتكموا
بني الكنانةِ كُفّوا عن مَقاتِلها / أما لها ذِمَّةٌ فيكم ولا رَحِمُ
إنّي أرى حادثاتِ الدّهرِ تصدمُها / وما تزالُ بها الأحزابُ تصطدمُ
الخَصمُ مُسْتوفزُ العُدوانِ مُرتقِبٌ / والشَّرُّ مُتَّقِدُ البُركانِ مُضطرِمُ
حَربٌ من العارِ ما يَفْرِي الكُماةَ بها / إلا المناصبُ والأموالُ تُلتَهمُ
عُودوا إلى الحقِّ يحميه غطارفةٌ / لم يَبْقَ من دونهم للحقِّ مُعتصَمُ
لا يعرِفون سوى الإيمان منزلةً / تعلو النفوسُ بها أو تعظم القيَمُ
أئمَّةُ الرُّشدِ جاءتهم رسالتُهم / فلا عَمىً حين جاءتهم ولا صَمَمُ
أتى بها من بقايا الرُّسْلِ مُنتَدبٌ / ما في شريعتِه أن يُعبدَ الصَّنمُ
مُوفَّقُ الرأي موفورُ النُّهى يقِظٌ / ما زَلَّ قطُّ لِسانٌ منه أو قلمُ
هذا الشّهيد الذي ما انفكّ من دمِه / في جَفْنِ كلّ فتىً بالمشرقَيْنِ دَمُ
شهِدتُ يومَ عليٍّ بعدَ مصرعهِ / فازددتُ في القلبِ جرحاً ليس يَلتئِمُ
صانَ الذّمارَ وأعلى شأنَهُ عَلَماً / صِينتْ به الحُرماتُ الغُرُّ والذِّمَمُ
حقُّ البلادِ عزيزٌ فيه مُمتنِعٌ / ما يُسْتباحُ ولا يَغشاهُ مُهتضِمُ
ما للكنانةِ إلا فارسٌ بَطلٌ / يحمي اللِّواءَ وإلا صارِمٌ خَذِمُ
إنّي أرى شُهداءَ النيل ما برحوا / مِلءَ الميادين والهيجاءُ تحتدِمُ
يَرمِي فريدٌ ويُرمَى بين رُفقتهِ / والحقُّ يَعبِسُ أحياناً ويَبتسمُ
لاَهُمَّ أدرِكْ حُماةَ الحقِّ مُنتصرِاً / إنّ الكنانةَ بالأحداثِ تَزدحِمُ
ممالِكَ الشّرقِ ما في الحقِّ من باسِ
ممالِكَ الشّرقِ ما في الحقِّ من باسِ / أشفى الجريحُ وضلّت حكمة الآسي
دَعِي القضاءَ وما تَبغِي زَلازِلُه / بالشّامخِ الضّخم أو بالشّاهقِ الرّاسي
واستقبلي ضَرباتِ الدّهرِ خاشعةً / ذَهَبْنَ بالقلبِ أم أَوْدَيْنَ بالرّاسِ
نداعِسُ الحادثاتِ السُّود ثائرةً / والموتُ يَصرعُ منّا كلَّ دَعّاسِ
هَوَى الأمينُ على أشلاءِ رفقتِه / في جوفِ أشدقَ للأبطالِ فَرّاسِ
طوى الدُّهورَ ووارَى في جوانِحه / مِلءَ الممالكِ من جنٍّ ومن ناسِ
يرمي الشُّعوبَ إذا استعصَتْ بطاغيةٍ / جَمِّ الصّواعقِ جبّارِ القُوَى قاسِ
باد الأُلى عَمروا الأيّامَ زاهيةً / فما ترى العينُ منهم غيرَ أرماسِ
الدَهرُ نَشوانُ ما ينفكُّ يَقْرَعُنا / بالحادثِ النُّكرِ قَرْعَ الكاس ِبالكاسِ
كبّرتُ للفارس المِقدامِ مُنْعَفِراً / بين الضَّجِيعَينِ مِن صِدقٍ ومن باسِ
أَوْلىَ الرجالِ بِسربالِ الحياةِ فَتىً / ضَافي السرَّابيلِ مِن نَسْج الوَغَى كاسِي
لكنَّهُ الموتُ لا يُرْمَى بأسلحةٍ / ولا تُرَدُّ عَواديهِ بِحُرَّاسِ
رَمَى الأمينَ بِنابٍ غاصَ نَافِذُه / في أُمَّةٍ رَهْنَ أنيابٍ وأَضْراسِ
يُلقِي الشّباكَ عليها كلُّ مُقْتنِصٍ / وَيُدمِنُ الفَتكَ فيها كلُّ نَهّاسِ
ما إن تَزالُ رُعاةُ السُّوءِ تجعلُها / مَرْعَى عَواسِلَ عَجْلىَ الشَّدِّ أطلاسِ
مَوقوفةَ السَّعي ما يَمشي الزّمانُ بها / كأنّ آمالَها شُدَّتْ بِأَمْراسِ
تُناشِدُ العهدَ أَقواماً فَراعِنةً / سَاسوا الشُّعوبَ فكانوا شرَّ سُوّاسِ
يَنقضُّ جَلّادُهم في كلِّ مَملكةٍ / يَرْمِي العبيدَ ويحمي كل نخّاسِ
بُوركت مِن مُؤمنٍ ما كَانَ أطهرَهُ / على تَصاريفِ دُنيا ذاتِ أرْجاسِ
مُسْتَيْقنِ النّفسِ لا يَغْشَى سرِيرتَهُ / ما في السّرائرِ مِن ظنٍّ وَوَسواس
يَشْقَى بهِ في رِداءِ الحقِّ كُلُّ فتىً / نَزّاعِ أَرْديِةٍ في القومِ لبّاسِ
جمِّ النّوازعِ لا تُحْصَى مذاهِبُه / ولا تُحدُّ مَناحيهِ بِمقياسِ
جِنسٌ من الشّرِّ ما يَنفكُّ واحِدُه / يَنشقُّ عن صُوَرٍ شتَّى وأجناسِ
الشَّرقُ يَرجفُ والإسلامُ في فَزَعٍ / عاني الممالِكِ يخشى كُلَّ دَسّاسِ
عَاليِ الضَّجيجِ لِيومٍ من مآتمهِ / كَيومِ حَمزةَ أو يوم ابْنِ عبّاسِ
صَيحاتُ تُونسَ مَا انْفكّتْ تجاوبُها / أنّاتُ بكين أو رَنّاتُ مِدارسِ
وَعْندَ مكَّةَ إذ أَوْدَى وَجارَتِها / ما عند بغدادَ مِن هَمٍّ وَإبْلاسِ
تَمضي الخطوبُ فَتُنْسَى بَعدَ شِدَّتِها / وما لِخطبِ بني الفاروقِ مِن ناسِ
راحوا به صَيِّباً مِن حِكمةٍ وَهُدىً / في صَيِّبٍ من دُموعِ الرُّسْلِ رَجَّاسِ
نُورٌ مِن الملأ الأعلى مَطالِعُه / يَنسابُ سَاطِعُه في كلِّ نبراسِ
الفارسُ العدلُ لم يَجهلْ على بَطَلٍ / ولم يُذِقْهُ الرَّدَى إلا بِقِسْطَاسِ
والكاتبُ الحُرُّ لم يَهْتِكْ حِمَى قَلَمٍ / بالتُّرَّهاتِ ولم يَعْبَثْ بِقِرْطَاسِ
مِن معشرٍ غَيرِ أنكاسٍ ولا وُهُنٍ / مُسْتَمْسِكينَ بِحبلِ اللهِ أكياسِ
لا تَسْتَبِيحُ الدَّنايا خِيسَ مَكْرُمَةٍ / إلا احْتَمَتْ مِن سَجاياهم بأخياسِ
هُمُ الكنانةُ تَرمي كلَّ مُرتَبِئٍ / ضَاحِي السّهامِ وتنفِي كلَّ عَسّاسِ
لسنا مَطايا الأَذى إن حَاجةٌ عَرَضتْ / للِغاصِبينَ وما كُنّا بِأحْلاسِ
لا يَصلحُ الأَمرُ إلا في مَدارجهِ / ولا تَطولُ الذُّرَى إلا بآساسِ
لا جَفَّ مَثواكَ مِن ناءٍ تحيَّتُه / ما في الفراديسِ مِن وَرْدٍ ومن آسِ
أكبرتُ رُزءكَ حتّى ما تُجاوِرُني / خضراءُ إلا ذَوَتْ مِن حرِّ أنفاسي
وكيف تملكُ نَفْسِي فيكَ تأسيةً / والحزنُ يملِكُ وِجداني وإحساسي
ليِ مِن مُصابِكَ إن نَفْسُ امْرئٍ سكَنتْ / نَفسُ الجَريح وقلبُ الجازعِ الآسي
أبكي الكِنانةَ حَيرى لم تُصِبْ سَعَةً / مِن الرّجاءِ ولم تَنْزَعْ إلى الياسِ
ما للمآتمِ والأعراسِ مِن خَطرٍ / مآتمي هي في الدُّنيا وأعراسي
عِيدُ الفِداءِ جَرَى باليُمنِ طائِرُهُ
عِيدُ الفِداءِ جَرَى باليُمنِ طائِرُهُ / وَجدَّدتْ نَضرةَ الوادي بَشائِرُهُ
إنْ آثرَ الصَّمتَ يُغريهِ الوَقارُ بهِ / ضَجَّتْ بِمكتومِ ما تُخْفِي سرَائرُهُ
وإن طَوَى مِن حَديثِ الغَيبِ ما حَمَلْت / صُحفُ الزّمانِ طَوَى الآفاقَ نَاشِرُهُ
تِلكَ البَوادرُ لاحتْ غيرَ كاذبةٍ / ما أَسرعَ الأمرَ إن لاحتْ بَوادرُهُ
الشَّرقُ يَنهضُ والإسلامُ مُنتفِضٌ / يَبغِي المطارَ ويَأبَى الأَسرَ ثَائِرُهُ
صَاحَ الحُماةُ به فاسْتنفرتْ أُمَمٌ / دَارَ الزمانُ فَغَالتْها دَوائِرُهُ
نَامتْ عنِ الأمرِ حتّى ضَاعَ أكثرُهُ / والدّهرُ مُستوفِرُ الحِدثانِ ساهرُهُ
حِينٌ من الدّهرِ ما ساءت أوائلُه / إلا لِتَزْدَانَ بِالحُسنَى أَواخِرُهُ
جَدُّ الممالكِ ما استعلت مَطالِعُه / بالنّاهضين وشرُّ الجَدِّ عاثِرُهُ
وأصدقُ العزمِ ما لو جاشَ مُصطخِبٌ / مِنَ الحوادثِ غَالَتْهُ زَواخِرُهُ
جاب الجِواءَ ونال النَّجمَ مُنصلِتٌ / أعيا العُقابَ ورَاعَ النَّسْرَ كاسِرُهُ
ظَنُّوا بهِ من ظُنونِ السُّوءِ ما ضحكتْ / جُنودُهُ منه وَاسْتَحيتْ بَوادِرُهُ
الليثُ مُسْتَجمِعٌ يَبغِي فَريستَهُ / والويلُ للقومِ إن هَمّتْ أظافِرُهُ
لَتمنعنَّ دَمَ الإسلامِ مَلحمةٌ / يَسيرُ فيها على الأشلاءِ شاعِرُهُ
واليأسُ إن طرد الإيمانُ رائِدَهُ / لم يَبْقَ للنَّفسِ مِن شيءٍ تُحاذِرُهُ
ما بِتُّ إلا أظنُّ الصُّبحَ يكشف لي / عَن غُرَّةِ الزمن الوضّاحِ سافِرُهُ
بني الكنانةِ هذا صوتُها ارتفعا
بني الكنانةِ هذا صوتُها ارتفعا / لا تُنكروا الحقَّ إنّ الحقَّ قد سطعا
أشقى الشُّعوبِ وأولاها بمرحمةٍ / شَعبٌ تَلقَّفَهُ الغاوونَ فانْخدعا
سلوا الأُلىَ صرَعوا الدُّستورَ ما فعلوا / إذ مالَ قائِمُه بالأمسِ فاضطجعا
هُمُ الجُناةُ على الشّعبِ الذي وصلت / أيديهمو من رباقِ الذُلِّ ما قطعا
يَبغِي السَّبيلَ إلى اسْتقلالهِ ويرى / كيدَ الحُماةِ وتضليلَ العِدى شَرَعا
إذا هُمُ انْتَزعوا الدّستورَ من يدهِ / حَسِبْتَهُ من سَوادِ القلبِ مُنتزَعا
يا مُطفِئَ الفتنةِ الكبرى وقد رجفتْ / أرضُ الكِنانةِ من أهوالها فَزعا
لولا دِفاعُكَ طارتْ نارُها شُعَلاً / واسْترسلَ الدَّمُ في أرجائها دُفَعا
وقفتَ للشرِّ تَنهاهُ وتزجُرُه / حَتى تراجعَ بعد الكرَّ وارْتَدعا
لمّا طلعت على الأحداثِ تدفعُها / تكشّفَ العارضُ المُسودُّ وانْقشعا
قالوا السّلاحُ وهاجوها مُضلَّلةً / عمياءَ تبغي وراءَ الحقِّ مُطَّلعا
لو أنصفوكَ لقالوا ذو مُحافظةٍ / حَمَى البلادَ وصان الشَّعبَ فامتنعا
لقد تورّعتَ حتّى باتَ كلُّ فتىً / من الجُنودِ يُوارِي سَيْفَهُ وَرَعا
لو كنتَ غيرَك لم تَرفقْ بسيِّدِهم / ولم تُبال من الدَّهماءِ ما جمعا
يُصِيبُك الجرحُ يغشى مِن صحابتِه / مَن يشتكيك فتُمسِي مُشفِقاً جَزِعا
أما بكَوْا يَومَ تُسدِي الصُّنعَ منك يدٌ / تَشفِي الجِراحَ وتنفِي الهمَّ والوَجَعا
لو كان للدَّمعِ في آماقِهم عَملٌ / جَرَى على الدَّمِ يُجريه بما صنعا
هاجوا النُّفوسَ فلمّا طاحَ هالكُها / طاروا سِراعاً وعادوا مُهطِعين معا
أين المواثيقُ والأَيْمانُ يَحشُدُها / من لَو رأى الحربَ في أحلامِه هَلَعا
كانت نوازعَ نَفْسٍ ردَّها قَدَرٌ / يَردُّ كلَّ غوِيٍّ للأَذى نَزعا
اللهُ أدركَ شَعبَ النِّيلِ فانصدعتْ / عنه الخُطوبُ ولولا اللهُ لانْصدَعا
أَجرى على يدِ إسماعيلَ رحمَتَهُ / فكان من مُستحبِّ الأمرِ ما وقعا
راح السّلامُ مَصوناً في كِلاءتِه / وبات كلُّ فتىً بالأمنِ مُدَّرعا
فراجع الصّانعُ المذعورُ مَيْعتهُ / بعد الوَنى وسقَى الفلّاحُ ما زرعا
لا الأرضُ زالت بأهليها كما زعموا / ولا السّماءُ هوت أجرامُها قِطَعا
طافوا البلادَ وقالوا كلَّ ما ابتدعوا / فما رأى الشّعبُ من شيءٍ ولا سَمِعا
ما انفكَّ سيِّدهُم في كلِّ مُضطَربٍ / حرّانَ يستصرخُ الأنصارَ والشِّنَعا
يُغرِي السّوادَ بمأمونين ما اعتصروا / دَمَ السَّوادِ ولا زانوا له الشُّنَعا
يَجزيهمُ السُّوءَ أَن بَرُّوا بأُمَّتهم / وأَن أَبَوْا من سبيلِ الغَيِّ ما اتّبعا
يَزدادُ بالحكمِ إمّا ذاقَهُ شَغفاً / كالخمرِ يزدادُ مَن يَعتادُها وَلَعا
يَطغَى فإن راعَهُ إيماضُ بارقةٍ / من جانبِ الغاصِبينَ انْحطَّ واتَّضعا
مُستهلِكٌ يبتغِي من وُدِّهم سَبباً / إذا وَهَى السَّببُ الموصولُ فانقطعا
بثَّ الشكاةَ فلم يَتركْ لِذي شَجَنٍ / يشكو جَوى الحُبِّ من قولٍ وإن برعا
لمّا تبيَّنَ مكدولندُ لوعَتَهُ / تحدّرَ الدَّمعُ من عَينَيْهِ أو همعا
وقال ما بالُ إسماعيلُ يُنكرنا / أما يَرى رأيَ مَن أمسَى لنا تبعا
لقد رمانا بخطبٍ من رسالتِه / ما مسَّنا مثله خطبٌ ولا قرعا
خاضَ البِحارَ فلم نَعجبْ لما وجدت / منه ولم نَلُمِ الأُسْطولَ إذ خشعا
ويحَ الكِنانةِ لا استقلالُها صَدقتْ / فيه الظُّنونُ ولا دُستورُها نَفَعا
ضاقَ الرَّجاءُ فما تُقضَى له سَعةٌ / إن لم تَجِدْ دولةُ الإصلاحِ مُتَّسعا
ما يفعلُ المصلحُ الباني لأُمَّتِه / إن عاجلَ الهادمُ الموتورُ ما رفعا
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ / طار الكرى واستبان الأمرُ والشّانُ
ماذا ظننتم بها من قُوّةٍ صَدَقتْ / فللحوادثِ إقرارٌ وإذعانُ
تعلّموا الصّدقَ والإيمانَ وارْتدِعوا / إن كان يُعْجِبُكم صِدقٌ وإيمانُ
تكشّفَ العارضُ المرجوُّ وانقشعت / آمالكم فهي آلامٌ وأشجانُ
لولا الجهالةُ ما حَيّاهُ مُختَبِلٌ / يرجو المحالَ ولا استسقاه ظمآنُ
كلُّ السّحابِ جَهامٌ إن هُمُ انتظروا / رِيَّ الغليلِ وكلُّ السَّعْيِ خُسرانُ
زَفُّوا البشائرَ للصِّبيان ما برحوا / حتّى دروا أنّهم في القوم صبيانُ
ماذا على مصرَ من همٍّ يُؤرّقُهم / إن بات عنهم أذاها وَهْوَ وَسْنانُ
ما مرَّ للحكم طيفٌ في وساوِسهم / إلا وَعاودَهم شَوقٌ وتَحنانُ
سلا المحبُّونَ فابتلَّتْ جوانحُهم / وما لهم عنه طولَ الدهرِ سُلوانُ
في كل جارحةٍ همٌّ يُطالعه / من كل جانحةٍ للغيظِ بُركانُ
يا قيسُ ويَحكَ ليلى عنك في شُغُلٍ / وأنت يا قيسُ صَبُّ القلب ولهانُ
وارحمتا لكَ ضاعت في الغرام سُدىً / دُموعُ عينٍ لها سَحٌّ وتهتانُ
لو في يدي رُقْيَةٌ أشفِي الصّريعَ بها / إذن شفيتُك إنّ النّاسَ إخوانُ
قومٌ مضى عهدُهم وانفضَّ مَلعبُهم / لا كان ذلك من عهدٍ ولا كانوا
يَغيظُهم بعد أن زالوا بباطلهم / ألا يكونَ لغير الحقِّ سلطانُ
ما الحكمُ دستورُه عَدلٌ ومرحمةٌ / كالحكم دستورُه ظلمٌ وطُغيانُ
ما غرّهم بابن محمودٍ أما علموا / أنّ الرئيس لمجدِ النّيلِ عُنوانُ
ظنّوا الظنون ولجّوا في عَمايتهم / وفي الحوادث للأقوامِ تِبيانُ
العدلُ مرماه والميزانُ في يده / إن جار مُحتكِمٌ أو مال ميزانُ
كاسٍ من الشرف العالي يُهيّجُه / مَن يدّعِي المجدَ زُوراً وهو عُريانُ
ما زاده الحكمُ جاهاً إذ تقلَّدَهُ / الجاهُ مُنبسِطٌ والذّكر رنّانُ
هي الكنانةُ تدعوه فيُدرِكُها / والخطبُ مُعترِكٌ والشّعبُ حيرانُ
تهوِي سفينتُها غرقَى فيرفعُها / يجري بها وعوادي الدّهر طُوفانُ
شيخُ السّياسةِ لا شيخُ الأُلى جَهِلوا / إنّ السياسةَ أنواعٌ وألوانُ
أُصليهمُ اللَّوْمَ ناراً ثم يمنعني / أَنْ ليس للقومِ ألبابٌ وأذهانُ
لا الحقُّ في رأيهم حقٌّ تدين له / شُمُّ الجباهِ ولا البُهتانُ بهتانُ
القومُ مَوْتَى فإن كانت لهم صُحُفٌ / فإنّما هي أجداثٌ وأكفانُ
أَلستَ تُبصِرُها سُوداً مُذمَّمةً / نُكْداً يُجلِّلُها خِزيٌ وخِذلانُ
يَعافُها كلُّ ذي لُبٍّ وتَمقُتُها / من جِلّةِ القومِ أبصارٌ وآذانُ
يظلُّ يرقُبُ حُكمَ اللهِ في يدهِ / إن مسَّها من ذوي الألبابِ إنسانُ
خرائبُ الشُّؤمِ ما تنفكُّ ناعقةً / تبكي بأرجائها بُومٌ وغِربانُ
زال العَمَى فإذا المعبودُ مِلْهَيَةٌ / من الدُّمَى وإذا المحسود شيطانُ
سِرْ يا مُحمّدُ لا تُشغلك ضجّتُهم / هل يُشغِلُ اللّيثَ أن تهتاجَ جِرذانُ
إنّا نَعُدُّكَ للجُلىَّ وأنت لها / كُفْءٌ إذا قلَّ أكفاءٌ وأقرانُ
ابنِ الحياةَ لشعبٍ هان جانبُهُ / إذ كلُّ شعبٍ له في العزّ بُنيانُ
الزرعُ حولك ذاوٍ والثّرى يَبِسٌ / والعبقريّةُ أنهارٌ وخُلجانُ
كم دفّق العلم فيّاض البيانِ له / من العُقوق وسوءِ الصّنعِ سجّانُ
يا مُنصِفَ الشّعبِ مّمن كان يظلمه / أنصِفْ قُوىً غَالَها ظُلمٌ وعُدوانُ
قُوى البلادِ تُعينُ العاملينَ بها / وما لها من وُلاةِ الأمرِ أعوانُ
هم عاقبونا بحرمانٍ وإن ضَمِنوا / رِزقَ الأُلىَ لم نَهُنْ يوماً كما هانوا
لا أكفُرُ اللهَ بعضُ البُؤسِ مَنقبةٌ / للفاضلينَ وبعضُ الرزقِ حرمانُ
الحكمُ عند ذوي الألبابِ أَربعةٌ / عزمٌ وحزمٌ ومعروف وإحسانُ
تعلَّموا كيف تَبنِي مَجْدَها الأُمَمُ
تعلَّموا كيف تَبنِي مَجْدَها الأُمَمُ / وكيف تمضِي إلى غاياتِها الهِمَمُ
تعلّموا وَخُذوا الأَنباءَ صادقةً / عن كلّ ذي أدبٍ بالصِّدقِ يَتَّسِمُ
أَمَنْ يقولُ فما يَنْفَكُّ يَكذِبُكُمْ / كَمَنْ إذا قالَ لم يكذِبْ له قَلمُ
لكم على الدَّهرِ منِّي شاعِرٌ ثِقَةٌ / تُقْضَى الحُقوقُ وتُرْعَى عنده الذِّمَمُ
تعلّموا يا بني الإسلامِ سِيرَتَهُ / وجَدِّدُوا ما محا من رَسْمِها القِدَمُ
اللهُ أكبرُ هل هانت ذخائرُهُ / فما لكم مُقْتنىً منها ومُغْتَنَمُ
بل أنتمُ القومُ طاح المُرْجِفُون بهم / وغَالَهُمْ مِن ظُنونِ السُّوء ما زعموا
ماذا تُريدون من ذِكْرَى أوائِلكم / أَكُلُّ ما عِندَكم أنْ تُحْشَدَ الكَلِمُ
لسنا بأبنائِهم إن كان ما رَفَعوا / مِن باذخِ المجدِ يُمسِي وهو مُنْهَدِمُ
إن تَذْكُروا يومَ بدرٍ فهو يَذْكُركُم / والحُزنُ أيسرُ ما يَلْقاهُ والأَلَمُ
سَنَّ السَّبيلَ لكم مَجْداً ومَأثُرةً / فلا يَدٌ نَشِطَتْ مِنكم ولا قَدَمُ
غازٍ يَصولُ بِجُندٍ من وَسَاوِسِه / وقائِدٌ مَالَهُ سَيْفٌ ولا عَلمُ
حَيُّوا الغُزاةَ قياماً وانْظُروا تَجِدُوا / وُفودَهم حَوْلَكُمْ يا قومُ تَزْدَحِمُ
ثُمّ انْظروا تارةً أُخْرَى تروا لَهَباً / في كلِّ ناحيةٍ للحرب يَضْطَرمُ
حَيُّوا الملائكةَ الأبرارَ يَقدمُهم / جبريلُ في غَمَراتِ الهَوْلِ يقتحِمُ
الأرضُ تَرْجُفُ رُعْباً والسّماءُ بها / غَيْظٌ يَظَلُّ على الكُفَّارِ يَحْتَدِمُ
هُمْ حاربوا اللهَ لا يَخْشون نِقْمَتهُ / في مَوْطنٍ تَتلاقَى عنده النِّقَمُ
مَنْ جَانبَ الحقَّ أَرْدَتْهُ عَمايتُه / وأَحْزَمُ النّاسِ مَنْ بالحقِّ يعتصمُ
الدّينُ دينُ الهُدَى تبدو شرائعهُ / بِيضاً تَكَشَّفُ عن أنوارِها الظُّلَمُ
ما فيه عند ذوي الألبابِ مَنْقَصَةٌ / ولا بهِ من سجايا السُّوءِ ما يَصِمُ
يُحْيِي النُّفوسَ إذا ماتَتْ ويَرْفَعُها / إذا تردَّتْ بها الأخلاقُ والشِيَمُ
لا شْيءَ أعظمُ خِزياً أو أَشدُّ أذىً / مِن أَنْ يُطاعَ الهوَى أو يُعبَدَ الصَّنَمُ
دينٌ تُصانُ حقوقُ العالَمينَ بهِ / ويَسْتَوِي عِنده السّاداتُ والخَدَمُ
ضَلَّ الأُلىَ تركُوا دُستورَه سَفَهاً / فلا الدّساتيرُ أغنتهم ولا النُّظمُ
دعا النبيُّ فلبَّى مِن قَواضِبه / بيضٌ مَطاعِمُها المأثورةُ الخُذُمُ
حَرَّى الوقائعِ غَرْثَى لا كِفاءَ لها / إن جَدَّ مُلْتَهِبٌ أو شدَّ مُلْتَهِمُ
تجرِي المنايا دِراكاً في مَسايلها / كما جرى السّيل في تَيَّارِه العَرِمُ
قواضبُ اللهِ ما نامت مَضارِبُها / عن الجهادِ ولا أَزْرَى بها سَأمُ
يَرمي بها كلَّ جبّارٍ ويقصمه / إن ظنَّ من سَفَهٍ أن ليس يَنقصِمُ
الجيشُ مُنطلقُ الغاراتِ مُسْتَبِقٌ / والبأسُ مُحْتَدِمٌ والأمرُ مُلْتَئِمُ
اللهُ أَلَّفَ بين المؤمنين فَهُمْ / في الحربِ والسِّلمِ صَفٌّ ليس يَنْقَسِمُ
كَرُّوا سِراعاً فَلِلأَعمارِ مُصْطَرَعٌ / تَحْتَ العَجاجِ وللأقدار مُصْطَدَمُ
مَن كُلِّ أغلبَ يمضِي الحتفُ مُعْتَزِماً / إذا مَضَى في سبيلِ اللهِ يَعتزِمُ
حرّانَ يُحسب إذ يَرمِي بِمُهجتهِ / نَشوانَ يزدادُ سُكراً أو به لَممُ
للحقِّ نشوته في نفس شاربِه / وليس يشربه إلا امرؤٌ فَهِمُ
وأظلمُ الناسِ مَن ظنَّ الظُنونَ به / ما كلُّ ذِي نشوةٍ في النّاس مُتَّهَمُ
طال القتالُ فما للقومِ إذ دَلَفُوا / إلا البلاءُ وإلا الهَوْلُ يَرْتَكِمُ
وقام بالسّيفِ دُونَ اللّيثِ صاحبُه / يذود عنه وعزَّ اللّيثُ والأَجَمُ
ماذا يظنُّ أبو بكرٍ بِصاحبِه / إنّ الرّسولَ حِمىً للجيشِ أو حرمُ
أًمْنُ النُّفوسِ إذا اهتاجت مخَاوفُها / والمُسْتَغثاتُ إذا ما اشْتدّتِ الغُمَمُ
هل يَعْظُمُ الخطبُ يرميه امرؤٌ دَرِبٌ / أَفْضَى الجلالُ إليهِ وانْتَهَى العِظَمُ
رَاعَ الكتائبَ واسْتَوْلَتْ مَهابتُه / على القواضبِ تلقاهُ فَتَحْتَشِمُ
دَعَا فَماجَتْ سَماءُ اللهِ وانْطَلَقَتْ / كتائبُ النّصرِ مِلءَ الجوِّ تَنْتَظِمُ
لاهُمَّ غَوْثَكَ إن الحقَّ مَطلبُنا / وأنت أَعْلَمُ بالقوم الأُلىَ ظَلَموا
تلك العِصَابةُ ما للهِ إن هَلَكَتْ / في الأرضِ من عابدٍ للحقّ يُلتزَمُ
جاءَ الغِياثُ فدينُ اللهِ مُنتصِرٌ / عالي اللواءِ ودينُ الشِّرْكِ مُنْهَزِمُ
جَنَى على زُعماءِ السُّوءِ ما اجْتَرَحُوا / وحَاق بالمعشرِ البَاغينَ ما اجْتَرَمُوا
ما الجاهليّة إلا نكبةٌ جَللٌ / تُردِي النُّفوسَ وخطبٌ هائلٌ عَمَمُ
هذي مصارعُها تجري الدّماءُ بها / وتشتكي الهُونَ في أرجائها الرِّمَمُ
هذا أبو الحكمِ انجابت عَمايتُه / لمّا قضَى السيّفُ وهو الخصمُ والحَكَمُ
ماذا لَقيتَ أبا جهلٍ وكيف ترى / آياتِ ربِّكَ في القومِ الذين عَمُوا
هذا القليبُ لكم في جوفهِ عِبَرٌ / لا اللَّوم يَنْفَعُكم فيها ولا النَّدمُ
ذُوقوا العذابَ أليماً في مَضاجعِكم / ما في المضاجعِ إلا النّارُ والحُمَمُ
لا تَجْزَعُوا واسْمعوا ماذا يُقالُ لكم / فما بكم تحت أطباقِ الثّرى صَمَمُ
الشِّرك يُعوِلُ والإِسلامُ مُبْتَسِمٌ / سُبحانَ رَبِّي له الآلاءُ والنِّعَمُ
يا قومَنا إنّ في التّاريخِ مَوعِظةً / وإنّه لَلِسانٌ صادقٌ وفمُ
لنا من الدمِ يجري في صَحائِفه / شيخٌ يُحدِّثُنا أنّ الحياةَ دمُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025