القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 50
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني / إلمامةٌ منه بي في بَعْضِ أحيان
بلْ لو أردْتَ وجُنْحُ اللَّيلِ مُعْتَكِرٌ / والحَيُّ من راقدٍ عنّا ويَقْظان
غيَّمتَ يا قمرَ الآفاقِ من نَفَسي / فسرْتَ نَحْوي ولم تُبصِرْكَ عَيْنان
فما خَلتْ ليلةً مُذْ لم أُلاقِكُمُ / عَيْنايَ من عارضٍ للدّمع هَتّان
لا بَلْ إذا شئْتَ فأْذَنْ لي أَزُرْك وفي / ضَمانِ سُقْمي عنِ الأبصارِ كِتْماني
أبقَى الهوَى لكَ منّي في الورى شَبَحاً / لو وازنَ الطَّيفَ لم يُخْصَصْ برُجْحان
يكادُ يَجذِبُ شَخْصي نحو مَضْجَعه / باللّيلِ إن حَلَمتْ بي عَيْنُ وَسْنان
كيف السَّبيلُ إلى وَصْلٍ نَلَذُّ به / شافٍ لغُلّةِ صادي القلبِ هَيْمان
ودون لَيْلَى إذا رُمْنا زيارتَها / لسانُ واشٍ بنا أو سَيفُ غَيْران
يا سائلي والهوَى شَتَّى مَصارِعُه / كيف اسْتُهِيمَ فؤادي يومَ نَعمان
قد صادَ طائرَ قلبي وهْو يَسْرَحُ في / رَوْضِ الوجوهِ صباحاً غيرَ رَوْعان
من طَرْفِها جارحٌ ضارٍ قوادِمُه ال / أهدابُ منه وجَفْناهُ الجناحان
يا شاهراً سيفَ طَرْفٍ طُلَّ فيه دَمي / على تَكاثُرِ أَنصاري وأعواني
أطرِفْ به سيفَ طَرْفٍ ما تَقلَّدَهُ / للفَتْكِ إلاّ وصُدْغاهُ نِجادان
يُميتُنى إن نأَى عنّي ويَنْشُرُني / بخدِّه المُنْتَضَي إن عاد يَلْقاني
رأيتَ أعجبَ من قلبي وعادتِه / إذا الكَرى خاطَ أجفاناً بأجفان
يَبيتُ يُطلِقُ أسرَى الدَّمْعِ من كرمٍ / في وَجْنتي وهْو من أسْرِ الهوَى عان
لمّا رعَى ناظري في رَوضةٍ أُنُفٍ / غُودرْتُ من أدمُعي في مثْلِ غُدْران
أمِنْتُ إنسانَ عَيْني أنْ يَنِمَّ به / أيّامَ ما مِن وفاءٍ عندَ إنْسان
حنا قناتي وقِدْماً كان قَوَّمَها / دَهْرٌ وما الدَّهْرُ إلاّ هادمٌ بان
لا تُنكِرَنَّ اشتعالَ الرّأْسِ من رَجُلٍ / والقلبُ يُضْرِمُ منه نارَ أحْزان
ما اسْودَّ خَدّيَ حتّى ابيضَّ من عَجَلٍ / لقد تَصافحَ في خَدّي البياضان
مُذْ حَلَّتِ البيضُ قلبي حَلَّ مُشْبهُها / في مَفْرِقي فلقد شابَ السَّوادان
قد أذهلَ الشَّيبُ لمّا جَلَّ نازلةً / عنّا فتاةَ بني ذُهْلٍ بْنِ شَيْبان
آلَيتُ لا أشْكُوَنْ مَن قد كَلِفْتُ به / ولو تَبدَّلْتُ من وَصْلٍ بهِجْران
ولو قضَيْتِ دُيونَ النّاس قاطبةً / ولو أبَيْتِ سوى مَطْلي لَيّاني
وكيف أشكو قبيحاً من صَنيعِك بي / وإن أطارَ الكَرى عنّي وعَنّاني
وإنّما منْكِ قُبْحُ الفِعْلِ خَلَّصني / من كُلِّ ما فيه حُسْنُ الوجهِ ألقاني
ما كنتُ مُستَقْبِحاً قَطُّ القبيحَ ولا / عدَدْتُ خَوّانَ إخْواني بخَوّان
ولا أساءَ إليَّ الخِلُّ أصْحَبُهُ / إلاّ إساءتهُ عادَتْ بإحسان
إذا دهَتْني من الأيّامِ فُرْقَتُه / ورُمْتُ أنْ أتلافاهُ فأعْياني
لولا ادِّكارُ إساآتٍ سبَقْنَ له / ما كان لي عنه من وَجْهٍ لسُلْوان
لو كان إحسانُه صَفْواً وفارقَني / إذنْ لفارقَ رُوحي فيه جُثْماني
طبيعةٌ من وفاءٍ فيَّ راسخةٌ / ما إن تُطيعُ لتَحْويلٍ ونُقْلان
أَكُفُّ كَفٍّ عَيوفٍ أن أنال بها / زادَ اللّئيمِ فأَطْوي بَطْنَ طَيّان
ولا أُطيلُ إلى الوِرْدِ الذَّليلِ خُطاً / ولو حَوى النّارَ منّي صَدْرُ ظَمْآن
ولا أُري الخِلَّ إلاّ ثَغْرَ مُبْتَسِمٍ / حتّى يُشبَّهَ إهْزالي بإسْماني
ولا أَزالُ لنَيْلِ العِزِّ مُغْترباً / مُردَّداً بينَ أوطاري وأوطاني
إن جَأْجأَتْ بي جَيٌّ للوُرودِ فلَم / يَصْدُرْ عنِ الرَّيّ نِضْوي غيرَ رَيّان
لَفَّ العراقَ خُطاهُ بالجبالِ عسى / أن يُعْقِبَ اللهُ نِشْداناً بوِجْدان
أَعُدُّ عَدّاً شُهورَ العامِ مُحْتقِراً / عَدَّ اللّيالي إذا راعَيْتُ أزماني
لمّا رأى رَمضانٌ رفْعَ رايته / للنّاظرِينَ وولّى شهرُ شَعْبان
قلتُ الهلالُ بدا في الأُفْقِ مُعترِضاً / يَبدو سَناهُ لعَيْنِ النّاظرِ الرّاني
أم خَطَّ عينُ عُبَيْدِ اللهِ كاتبُه / لمّا أرادَ له تَسْطيرَ عُنْوان
ولم يُتِمَّ اسْمَهُ للإكتفاء بما / أَهدَى من النُّورِ للقاصي وللدّاني
عظيمُ شأنِ العُلا لا عَيْبَ يَلْحقه / إلاّ إطالةُ رَغْمِ الحاسدِ الشّاني
لا خَلْقُ أَكرَمُ منه يَسْتَحقُّ على النْ / ناسِ الثَّنا فهْو يَشْريهِ بأَثْمان
تَعودُ في يدِ راجيهِ عَطيَّتُه / كأنَّها قَبْسةٌ في كفِّ عَجْلان
يَعْفو عنِ المرء يَجْني وهْو مُعتَذرٌ / حتّى يقالَ تُرَى مَن منْهما الجاني
أَلفاظُه مثْلُ أَرواحٍ إذا سُمعَتْ / في مَحْفلٍ والمعاني مثْلُ أَبدان
يا رُبَّ خَطْبِ خطابٍ منه مَزَّقَه / حتّى انْجلَى لَيْلُه من بعدِ إجنان
إذا غدا يَخْضِبُ الأقلامَ فيه فدَتْ / أَطرافَها السُّودَ أَطرافُ القنا القاني
مَجْدٌ لدينٍ غَدا والدّينُ من شَرَفٍ / مِثْلَيْنِ في فَقْدِ أَمثالٍ وأقْران
هذا غدا خيرَ أَمجادٍ إذا ذُكِروا / كما غد ذاك فخْراً خيرَ أَدْيان
يَجِلُّ عمّا يَجِلُّ الآخَرونَ به / إذا الورَى وُزِنوا يوماً بمِيزان
يَعنَى بدينٍ منَ التَّقوى ويَخْدُمه / من عزِّه كلُّ مَنْ يُعْنَى بدِيوان
بدا تَواضُعُه للزَّائرينَ له / كإخْوةٍ يَصْطَفيهمْ أَو كأخدان
وواضعٌ قدَمَيْهِ من جلالته / على مَفارقِ برْجيسٍ وكيوان
يا رافعاً دَرجاتِ الأجْرِ مُحْتَسِباً / والفَخْرِ مُكْتَسِباً في كُلِّ إبّان
رَفْعُ القُصورِ قُصورٌ عندَ همَّتِه / يُفيضُ إعزازَها عنه بإهْوان
فلا تَرى في اللّيالي عُظْمَ رغْبتِه / إلاّ المعاليَ في تَشْييدِ بُنْيان
مَن جُودُه ذو فُنونٍ حينَ تَخْبُرُه / ودَوحةُ الرِّفدِ منه ذاتُ أفْنان
رَدُّ المظالمِ مَعْ حَمْلِ المَغارمِ مَعْ / فِعلِ المَكارمِ في سرٍّ وإعلان
كالقَطْرِ يُسمَّى بأسماءٍ تُعدَّدُ من / وَبْلٍ وهَطْلٍ وتَسكابٍ وتَهْتان
يَهوَى الثّراءَ رجالٌ والثَّناءَ معاً / وما هُما لو دَروْا إلاّ نَقيضان
هُما نَهارٌ وليلٌ أنت بَينَهما / فخُصَّ أيُّهما تَهوَى بنُقْصان
المالُ يَفْنَى ويُبْقي مَجْدَ صاحبه / فاعْجَبْ له كيف يَنْمى الباقيَ الفاني
أما رأيتَ بني الآمالِ كيف غدَوْا / مِنْ كُلِّ مِظعانِ بيدٍ فوقَ مِذْعان
يُسائلونَ الورَى عن مَقْصدٍ أَمَمٍ / في كلِّ لَقْيَةِ رُكْبانٍ لرُكْبان
فقلتُ سيروا إلى بَيْتِ النّدى زُمَراً / فلِلهُدَى والنَّدى في الأرضِ بَيْتان
فكعبةُ النُّسْكِ في أرضِ الحجازِ لنا / وكعبةُ الجودِ قد خُطّتْ بقاشان
إن كان للنّاسِ بينَ المَروتَيْنِ يُرَى / سَعْيٌ لساعِينَ من مَثْنىً ووُحْدان
فنحنُ في حَجِّ بيتِ المجدِ تُبصِرُنا / نَسعَى كذلكَ سَعْياً ليس بالواني
بينَ ابْنَيِ الفَضْلِ مجدِ الدّينِ زِيدَ عُلاً / وصِنْوِهِ وهما للعِزِّ رُكْنان
لا يُقطَعُ السَّعْيُ في نَيْلِ المطالبِ منْ / هذا إلى ذاك ماكَرَّ الجديدان
أقولُ لمّا أنخْتُ العِيسَ ثانيةً / إلى فتىً منه بالأضيافِ جَذْلان
إن كنتُ ثنَّيتُ إلْمامي بحَضْرتِه / يا صاحبيَّ فجَهْلٌ أنْ تَلوماني
فإنّما لي إذا أَسبَعْتُ في نَسَقٍ / إتمامُ حجٍّ إلى استِفْتاحيَ الثّاني
هذا ولِمْ لَمْ أَقُمْ عُمْري مُجاوِرَهُ / والرَّأْيُ ذلكَ عندي لو تُطيعاني
خُذْها سُلافةَ فكْرٍ قد هَززْتُ / أعطافَ خِرْقٍ بكأسِ الحمدِ نشْوان
راحاً يُشَعشِعُها الرّاوي بأكْؤُسها / يُشْرَبْنَ من دونِ أفواهٍ بآذان
اُبدي منَ الوُدِّ في نَظْمي مَدائحَكُمْ / إحسانَ حَسّانَ في أملاكِ غَسّان
لم يَعْدَمِ اللّفْظَ تَحْبيري وإنْ وَجَدوا / خلْفَ المعاني إذا ما قلتُ إمعاني
فَصُمْ وأفْطِرْ مديدَ العُمْرِ في نِعَمٍ / ما عاوَد النّاسَ في الأيّامِ عِيدان
مُساعدَ الجَدِّ حتّى لا تزال تَرَى / إحسنانَك الدَّهْرَ مَقْروناً بإمْكان
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا / في الصُّبحِ هيَّج للمشتاقِ أحزانا
وُرْقٌ يُردِّدْنَ لحْناً واحداً أبداً / من الغِناء ولا يُحْسِنَّ ألحانا
ذَكَّرْنَنا زَمناً عِشْنا ذوي طَرَبٍ / لذِكْرهِ بعدَ أن قد مَرّ أزمانا
ظُلْمٌ من الإلَفِ يَنسانا ونَذْكُرُه / حتّامَ نَذكُر إلفاً وهْو يَنْسانا
قُلْ للبخيلةِ أن تُهدي على عَجَلٍ / تَسليمةً حينَ نلقاها وتَلْقانا
ماذا عليكِ وقد أصبحتِ مالكةً / أن تُخْرِجي من زكاةِ الحُسنِ إحسانا
إن كنتِ عازمةً للوصْلِ فاغْتَنمي / مادام جارَيْنِ بالخَلْصاء حَيّانا
فقد رمَى العِيسُ بالأبصارِ خاشعةً / ومَدَّتِ الخيّلُ للتَّرحالِ آذانا
للّهِ مَوْقفُنا والحَيُّ قد غَفَلوا / عنّا عشيّةَ حَلُّوا بَطْنَ نَعْمانا
لمّا استَرقْنا منَ الغَيرانِ لَيلَتنا / وبات كلٌ بمَنْ يَهْواهُ جَذْلانا
قالوا الرَّحيلُ غداً والصُّبْحُ مُقْتَربٌ / فقلتُ للَّيلِ أخْرِجْ طُولَكَ الآنا
طُلْ مَرّةً لي ودارُ الحَيّ دانيةٌ / منّي كما طُلْتَ لي في البُعْدِ أحيانا
كم من فؤادٍ غداةَ الجِزْعِ ذي جَزَعٍ / هاجَتْ له الجِيرةُ الغادونَ أشجانا
أستودعُ اللهَ قوماً كيف أبعدَنا / تَقلُّبُ الدّهرِ منهمْ حينَ أدنانا
زَمّوا الغداةَ مطاياهُمْ لفُرقَتنا / لمّا أَنَخْنا لِلُقياهمْ مَطايانا
لم تَشْتَبِكْ بعدُ أطنابُ الخيامِ لنا / ولا المنازلُ ضَمّتْهم وإيّانا
لكنّهمْ عاجَلونا بالنَّوى ومَضَوا / وخَلَّفوا الطَّرِبَ المشتاقَ حَيْرانا
يُمناهُ بعدُ منَ التَّسليمِ ما فرغَتْ / إذ مَدَّ يُسراهُ للتَّوديعِ عَجْلانا
لم يَملأِ العَيْنَ من أحبابِه نظَراً / إذ غادرَ الدَّمعُ منه الجَفْنَ مَلآنا
جيرانُنا رحَلوا واللهُ جارُهمُ / مُستَبدِلينَ بحُكْمِ الدَّهرِ جِيرانا
وإنْ نَسِرْ فدَواعي الشَّوقِ تَأْمُرُنا / وإن نُقِمْ فعَوادي الدَّهرِ تَنْهانا
لو قَدْ قَدرْنا لسايَرْنا رِكابَكُمُ / لو أمكنَ السَّيرُ بالأبصارِ إمكانا
يا مَنْ غدا مُبدِياً شَكْوَى أحبَّته / لمّا رأَى حيثُ يُرجَى الوَصْلُ هِجْرانا
ما إنْ أرى سُحْبَ هذا الدَّمعِ مُقْلعةً / حتّى تُغادِرَ في خَدَّيكَ غُدْرانا
إنْ أبعدَ الدَّهرُ مَأْوانا وساكنَه / فقد جعَلْنا ظُهورَ العيسِ مَأوانا
وما قضَى قَطُّ أوطارَ العلا رَجُلٌ / لم يَتَّخِذْ شُعَبَ الأكوارِ أوطانا
ما زِلتُ أُعملُ في البَيداءِ يَعْمَلةً / رَوْعاءَ تَحمِلُ في الآفاقِ رَوْعانا
حَرْفاً أُصَرِّفُها حَلاّ ومُرتَحَلاً / تَصرُّفَ الحَرْفِ تَحْريكاً وإمكانا
في مَهْمَهٍ ما بهِ إلا تَنَسُّمُنا / أخبارَ أرضٍ إذا رَكْبٌ تَلَقّانا
أقولُ للنِّضْوِ إذ جَدَّ النَّجاءُ بنا / والخَوفُ يُلحِقُ أُولانا بأُخْرانا
أعِنْ بسَيْرٍ إلى المَولَى المُعينِ لنا / إن كنتَ تَبْغي على الأيّامِ أعوانا
وَرِدْهُ يا طالبَ الإحسانِ بَحْرَ ندّى / تَعشْ بجُودِ يَديْهِ الدَّهْرَ رَيَانا
ذو همّةٍ في سَماءِ المجدِ عالية / تَعُمُّ جَدْواه أدْنانا وأقْصانا
مَوْلىً متى تدعه المَولَى مُخاطبةً / تَجِدْ عُلاه على ما قلتُ بُرْهانا
الدّهرُ وهْو أبونا عَبْدُه عِظَماً / فما عدا الصِّدْقَ مَنْ سَمّاهُ مَولانا
مَلْكٌ إذا نحن جِئْنا زائرينَ له / بِبِشْرِه مُوِسعٌ بالخيرِ بُشْرانا
كالمُشتري لعَطاء السَّعْدِ غرَّتَه / وإنْ تَجاوَزَ في العَلْياءِ كيوانا
تَخالُه الشّمسَ وجهاً والسّماءَ ندىً / والغَيثَ عندَ الرِّضا واللَّيثَ غَضْبانا
يُريكَ فَضْلاً وإفضالاً وأيُّ فتىً / يَرَى الورَى عندَهُ عُرْفاً وعِرْفانا
في كفِّهِ قَلمٌ بالرُّمْحِ تُشْبِهُه / إذا غدا في صُدورِ الخَيلِ طَعّانا
تَعلو قناكَ نُسورُ الجَوِّ آلفةً / إلْفَ الحَمامِ علَتْ للأيكِ أغصانا
حيثُ الغبارُ يَسُدُّ الجَوَّ ساطِعُه / والخيلُ تَحمِلُ للأقرانِ أقرانا
والطّعنُ يَحفِرُ في لَبّاتِها قُلُباً / تَظَلُّ فيها رِماح القومِ أشطانا
غُرٌّ تَظلُّ تَبارَى في أعنَّتِها / تَحمِلْنَ أغلِمةً في الرَّوْعِ غُرّانا
تَفُلُّ كُتْبُك إنِ سارَتْ كَتائبَهمْ / إذا العِدا عايَنوا منْهنّ عُنْوانا
يداكَ هذي لأموالِ الملوكِ حِمىً / وهذهِ أبداً تُسْني عَطايانا
مالاً منَعْتَ وأموالاً بذلْتَ لنا / يا أشكَر النّاسِ سُؤّلاً وسُلْطانا
يَفْديك قومٌ كآلِ القاعِ إنْ خُبِروا / تَشابَهوا للورَى فَقْداً ووِجْدانا
لا يَسمعون ولا همْ يُبصِرونَ معاً / كأنّما خُلِقوا للخَلْقِ أوثانا
خلالكِ الجَوُّ يا خَيلَ النَّدى فخُذي / في صَيْدِكِ الشُّكْرَ أَيساراً وأيمانا
قد كان طُلاّبُه كُثْراً فقد تَركوا / منهم لكِ اليومَ ظَهْرَ الأرضِ عُرْيانا
فما سِوَى أحمدَ بْنِ الفَضْلِ ذو كرمٍ / تَغْدو مَواهبهُ للحَمْدِ أثمانا
لا تَلْتَبسِ أن يُريكَ الدَّهْرُ ثانيَه / كَفى بهِ أن تَضُمَّ العَيْنُ إنسانا
ما فيكَ يا دَهْرُ إلاّ واحدٌ فَطِنٌ / وواحدٌ فَطِنٌ يكْفي إذا كانا
ما ضَرَّنا أنّه فَرْدٌ بلا مَثَلٍ / وأنّه عَمّنا رِفْداً وأغْنانا
إنِ اغتدَى واحداً فالشّمسُ واحدةٌ / وضَوؤها ملْءَ وجْهِ الأرضِ يَغْشانا
فزِدْ نَزِدْكَ ثناءً لا انْقضاءَ له / كالمِسْكِ تَلْقَى بهِ الرُّكْبانُ رُكبانا
لولاكَ لم يَبْقَ رَسْمُ الجودِ في زَمَنٍ / ما كان يُوجَدُ فيه الحمدُ لَولانا
حكَيتَ أحمدَ في نَصْرٍ لنا كَرماً / ففي مَديحِك دَعْني أحكِ حَسّانا
ما كنتُ أسلو وكان الوَرْدُ مُنْفَرِداً
ما كنتُ أسلو وكان الوَرْدُ مُنْفَرِداً / فكيفَ أسلو وحَولَ الوَرْدِ رَيحاُن
أَضحَى العراقُ بمَسْعودٍ على خَطرٍ
أَضحَى العراقُ بمَسْعودٍ على خَطرٍ / ظَمآنَ إِن أَمطَرتْ فيه السّيوفُ رَوى
وكيف يَصلُحُ ما يُخشَى تَغَيُّرُه / بالشهْرزورِيِّ والهيتيِّ والهَرَوي
عُورٌ وأخْلِقْ بمُلْكٍ رُسْلُه طِيَرٌ / ألا يَتمَّ وهذا قد رُئي وَرُوي
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ / لم أَلْقَ للدَّهْرِ صُبْحاً في لَياليهِ
قد كان أَوَّلَ صُبْحٍ بعْدَ عَهْدِكمُ / مضَى ولم تَكْتَحلْ عَيْني بثانيه
فالدَّهرُ بعْدَكمُ لَيْلٌ أُلابِسُه / والعَيشُ دُونكمُ هَمٌّ أُقاسيه
قد كِدْتُ أخْتِمُ طَرْفي وَحْشةً لكُمُ / عن كلِّ خَلْقٍ من الدُّنْيا أُلاقيه
لكنّما يتَلقّاني خيالُكمُ / في النّاسِ من كُلِّ مَنْ باللّحْظِ أَرميه
قد صَوَّر الوهْمُ في عَيْني مِثالَكمُ / من طُول ما أَنا بالذِّكْرَى أُراعيه
فكُلُّ ناظرِ إنسانٍ أُقابلُه / أَرَى خيالَكُمُ من ناظري فيه
يَلومني في هوى الأحبابِ كُلُّ فتىً / سَهْمُ الصّبابةِ يُصْميني ويُخْطيه
يَعيبُني في الهوَى بَغْياً ويَعذُلني / وإنَّما يَبْتليني مَنْ يُعافيه
تَكْليفُك الصّبَّ صَبْراً عن أَحِبّته / قولٌ يُعنّيهِ فيما ليس يَعْنيه
أَقِلَّ من عذَلٍ تَلْقَى المشَوقَ بهِ / فقَلبُه بسهامِ اللّوْمِ تَرْميه
والمرءُ مثْلُ نفوذِ السّهْمِ من يَدِه / إلى القلوبِ نُفوذُ السّهْمِ مِن فِيه
دَعْ عنك قلبي فإنَّ الحُبَّ آمِرُه / أَضعافَ ما أَنت بالتّثْريبِ ناهيه
إنّي لأشكرُ إلْفي في تَباعُدهِ / وطالما كنتُ أَشكو في تَدانيه
إذا أَعَلَّنيَ الأشواقُ عَلّلَني / منه خيالٌ يُسرّي الهَمَّ ساريه
يُزهَى على البُعدِ طَرْفي حينَ يَطْرُقه / من عندِ أَحبابهِ طَيْفٌ يُوافيه
كما زهَتْ أَصفهانٌ إذْ ألَمَّ بها / مُؤيّدُ المُلْكِ فاهتزَّتْ من التيه
كعارضِ يَسْبِقُ الإيماضَ وابلُهُ / إذا تَعرّضَ للمعروف راجيه
ويَكْشِفُ الهَوْلَ في الهَيْجا إذا شَرَعتْ / يَمينُهُ ماضياً فيها يَمانيه
ماضٍ على سَنَنِ التحقيقِ يَنْصُرُه / فلا يُرَى عنده سُوقٌ لِتَمْويه
في كَفِّه قَلمٌ تَلْقاهُ مُنْصَلتاً / يَجْري القَضاءُ مُجدّاً في مَجاريه
إذا انْثنَى ساجِداً نحْوَ الكتابِ له / يوماً فلا مَلِكٌ إلاّ ويَحكيه
وإنْ بدا غائصاً في بَحْرِ أنْمُله / ألْقَى إلى الطِّرْسِ من أسْنَى لآليه
يا مَنْ تَوحَّدَ في الدُّنْيا برُتْبتِه / منَ الجَلالِ فلا خُلْقٌ مُدانيه
سِواكَ مَنْ باتَ حَرْبُ الدَّهرِ تُقْلقُه / إذا دهَتْه وسِلْمُ الدّهرِ يُطْغيه
أنت الّذي لم يَنَلْ نَقْصاً بعُطْلَتِه / من حيثُ ما زادَهُ فَخْراً تَحلِّيه
فمَنْ يُبلِّغُها السُّلطانَ مَاْلُكَةً / يَسْعى بها مِن مَواليه مُواليه
بحيثُ يَعْقِدُ منه تاجَهُ قَسَماً / يَظلُّ في الصِّدقِ خافيهِ كباديه
لأنتَ حقّقْتَ من تَثْبيتِ دَوْلتِه / ما لم تكُنْ تَقْدِرُ الأحلامُ تَحْكيه
ما المُلْكُ يَومئذٍ لولا مؤيدهُ / إلاّ بعُرْضةِ مَن قد جاء يَبْغيه
غابٌ أُصيبَ أبو شِبلَيْهِ فاخْتلَفا / فاستأْسدَ الذّئبُ حتّى كادَ يأْويه
فلو تأخَّر عن تأييدهِ نَفَساً / لكان مِن ذاك ما أعْيا تَلافيه
برأيهِ قام يَحْميهِ ورايته / وكان عاليه أمضَى مِنْ عَواليه
حتّى إذا تَمَّ الفَتْحُ من يَدِه / للمُلْكِ أصْغَى إلى ما قالَ واشيه
وكان كالمُنتضي للحَرْبِ صارِمَه / فإذْ تقَضَّتْ رأى إغْمادَ ماضيه
إنْ نَفَّذوا دونَه أَمراً فلا عَجَبٌ / مَنْ يُعْملُ السّيفَ حيثُ السَّوطُ يَكْفيه
هذا زَمانٌ على ما فيه مِن كَدَرٍ / يَحكي انْقِلابُ لَياليه بأهْليه
غديرَ ماءٍ تَراءى في أسافِلِه / خَيالُ قَومٍ قيام في أعاليه
فالرِّجْلُ تُبصَرُ مَرْفوعاً أَخامِصُها / والرّأسُ يُوجَدُ مَنْكوساً نَواصيه
هذا على أنّ أَمراً غيْرَ مُحتَسَبٍ / كأنّنا بكَ في ذا الدَّهْرِ تُبديه
صابِرْ زمانَكَ تَعْبُرْ عنكَ شِدَّتُه / وأَمهلِ الرَّنْقَ يَخْلُصْ منه صافيه
فاللّيلُ إنْ أَنت لم تَعجَلْ وإنْ مطَلَتْ / ظَلْماؤه فلَهُ صُبْحٌ يُجلِّيه
لو أَمكنَ الدّهرَ أَن يَبقَى على نَسَقٍ / ما زال باديه حتّى جاءَ تاليه
فانْهَضْ إلى الأملِ المطلوبِ مُعْتزماً / نُهوضُ مثْلك يَقْرُبْ منكَ قاصيه
ولا تَقولَنَّ إنَّ الدَّهرَ مُضْطَرِبٌ / فكيف فيه بمَقْصودٍ يُسَوّيه
فالقوسُ مُذْ لم تزَلْ في خَلْقِها عِوَجٌ / والسَّهْمُ يَمضي سديداً في مَراميه
يأبَى ضِياءُ شهابِ الدّينِ حينَ بدا / ألا يُضيءَ سَبيلَ الرُّشْدِ هَاديه
وإنّما هو نُورُ اللهِ يُشْعِلُه / أنَّى بأفواهها الحُسّادُ تُطْفِيه
فِدىً عِداهُ لعَلْياهُ وقَلَّ له / كلُّ البَرِيَّةِ طُرّاً لو تُفَدِّيه
سَعْوا على مَجْدِه من كُلِّ ذي حَسَدٍ / يَظلُّ يَنْشُرهُ بَغْياً ويَطْويه
ما كان يَخفَى عليه اليومَ مَوْضِعُه / لو كان بالأمسِ أمضَى العزْمَ مُمْضيه
إنْ كان في الدَّهْرِ خَوْفٌ من تَقلُّبِه / فما لذي الحَزْمِ يُغْضي عَن أعاديه
وإنّما مَثَلُ الباغي وصاحبِه / كالنّارِ والشّمْعِ يُبْقيها لِتُفْنيه
بَقِيتَ يا ابْنَ نظامِ المُلْكِ تَخْلُفُه / في مَجْدِه ومَعاليه فتُحيِيه
ودُمْتَ والإخوةُ الزُّهْرُ الكرامُ معاً / كالبَدْرِ والشُّهْبِ يَعْنيها وتَعْنيه
في طُولِ عُمْرٍ لكمْ مُدَّتْ أواخِرُه / وظلِّ مُلْكٍ بكمْ شُدَّتْ أواخيه
ولا عدا المَرقَد المَسْعود سَاكِنُه / وَفْدٌ من المَلأ الأعلَى يُحَييه
يَأْتيهِ من صلَواتِ اللهِ في مَدَدٍ / تَتْلو رَوائحَهُ منها غَواديه
أصبحتُمُ دَوحة المجدِ الّتي شَرُفَتْ / حقيقةً لا بتَمْثيلٍ وتَشْبيه
أنتمْ فُروعٌ سَما في الأُفْقِ ناضرها / وذاكَ أصْلٌ رَسا في التُّرْبِ زاكيه
فَدُمْتُمُ بَعْدَهُ تُوجَدْ مَكارِمُه / مَدى الزّمانِ ولا تُفْقَدْ مَعاليه
حتّى يكونَ أبوكمْ آيةً نُسِخَتْ / لَفْظاً وما نُسِجَتْ منه معانيه
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ / فألْفُ راوٍ له في القومِ يَرْويهِ
إن لم يكُنْ هو نَثْر الدُّر من يدِه / فإنّما هو نَثْرُ الدُّرِّ مِن فيه
دُرٌّ له الدَّهْرَ أَسماعُ الوَرى صَدَفٌ / والفكْرُ منّي له بَحْرٌ يُرَبيّه
مكنونُ يَمٍّ إذا ما مجَّه طَفِقتْ / تجلو الدُّجى بتلاليها لآليه
واللَّيلُ يَشْهَدُ أَنّ الغُرَّ من دُرَري / أَغْلَى وأَسْرَى وأَهْدَى مِن دَراريه
لمّا همَمْتُ بنَظْمٍ ما دَرى قَلَمي / في الكَفِّ ماذا على القِرطاسِ أُمْليه
وقال دُرّي لِمَنْ أَصبَحْتَ تَقْصِدُ بي / غداً وماذا الذي أمسَيْتَ تَنْويه
فقلتُ مْجِلِسَ عزِّ الدّينِ فاستَبَقَتْ / شَوقاً إلى مَدْحِ عُلْياهُ قَوافيه
فما رأَيتُ ولا قَبْلي رأَى أَحَدٌ / كحُسْنها وهْيَ تَبْهَى وَسْطَ نَاديه
وما على خاطري من مَدْحِه كَلَفٌ / ما دام ناظمُ أَلفاظي مَعانيه
لمّا تَنظَّم عِقْدٌ منه نِيطَ عُلاً / يجِيدِ مَجْدٍ تُحَلِّيهِ مَساعيه
العِقْدُ حَلاّهُ فَضْلاً جِيدُ لابسِه / لا الجِيدُ حلاّهُ حُسْناً عِقْدُ مُهْديه
مَجْدٌ لدولةِ مَولَى النّاسِ قاطبة / أَدناهُ منه لصِدْقِ النُّصحِ مُدْنيه
كُلٌّ من النّاس قد أَضحَى مُهنِّئَهُ / بما مِنَ المُلْكِ وَلاّه مُوليّه
بُشرَى لإقْليمنا أَن قد غدا وإلى / أقلامِنا مُسْنداً عِزّاً تُواليه
أَقلامُه السُّودُ آثاراً إذا سطَرَتْ / في الطِّرْسِ والبيضُ آثاراً تُجاريه
وَقَلَّ أعمالُ خُوزِسْتانَ مَنزلةً / عن أَنْ يكونَ بها تُهدي تَهانيه
لكنّنا إنّنا نَعْني بتَهْنئةٍ / نُفوسَنا حيثُ أَقْبَلْنا نُهنِّيه
فمُؤْذِنٌ بصلاحِ النّاسِ قد عَلِموا / إذا همُ أَصبحوا ممّن يُراعيه
ما الخُوزُ إلاّ كغاب غابَ ضَيْغَمُه / فثارَ شِبْلٌ له غَضْبانُ يَحْميه
عَرينُ مُلْكٍ مَنيعاً كان آوِنةً / عِزّاً بكَوْنِ أَبي أَشبالِه فيه
فقام شِبْلٌ له مُستأسِدٌ حَمِسٌ / أَضحَى مكانَ أَبيه اليومَ يَأْويه
غَضَنْفَرٌ ظَفِرٌ أَضحَى له ظُفُرٌ / بَراهُ من نابتِ الآجامِ باريه
ما غابَ عن غابِه يوماً لصَيْدِ عُلاً / وناب عن نابِه سَيفٌ يُعَرّيه
إلاّ وصادَ به حَمْداً وشاد به / مَجداً وزاد به عَدّاً مَساعيه
يا مَن زِمامُ الزّمانِ الصّعْبِ في يَدِه / فكيف ما شاء أَنْ يَمْشي يُمشِّيه
ما النّاسُ إلاّ رميمٌ أنت باعِثُه / والمُلْكُ إلاّ ذَماءٌ أنت مُبْقيه
كَنَّوْا أباك أبا عيسى فأنت إذَن / عيسى إذا حقّقَ المَعْنَى مُكَنّيه
واليومَ سُكّانُ خُوزِسْتانَ كلُّهمُ / مَوْتَى يَقيناً وكُلٌّ أنت مُحييه
كَعازَرٍ ألْفُ ألْفٍ مَيّتون بها / كُلٌّ يُؤَمِّلُ عَدْلاً منك يُحْييه
فصَدِّقِ الجِدَّ في مَعْنىً رآك له / أهْلاً وحَقِّقْ له ما كان يَعْنيه
تُعَدُّ إعجازَ دينٍ قد دُعيتَ له / عزّاً فأوسَعْتَ إعزازاً لأَهْليه
يا مَنْ نَداهُ إلى الإفْضالِ أسْبَقُ من / سُؤالِ عافيهِ أو تَأميلِ راجيه
قَرينُه الجُودُ حتّى ما يُفارِقُه / كأنّما جُودُه ظِلٌّ يُماشيه
لمّا أظلَّتْ ديارَ الخُوزِ رأيتَه / قُرباً ونَبأهم عنه مُنَبِّيه
تَوقّفَ العارِضُ الهَطّالُ مُنتظراً / وُرُودَ موكبه العالي مَراقيه
حتّى إذا عَمّتِ البُشْرى وقيل لقد / حَلّتْ مَواكبُه حَلَّتْ عَزاليه
قال السّحابُ وما حَقٌّ لذي كرَمٍ / إلاّ وذو كَرَمٍ في الخَلْقِ يَقْضيه
هو الّذي عَلَّمتْني الجودَ أنملُه / فكيف مَعْ قُرْبِه أرضَى بسَبْقيه
ما إنْ أرى أدَباً منّي تَقَدَّمَه / وقد بدا لي وَميضٌ مِن تَدانيه
بلْ لم أُرِدْ وَصلَكمْ من بَعْدِ هَجْرِكمُ / لمّا حدا شَطْرَ خُوزِستانَ حاديه
إلاّ لأَقصِدَ إكراماً لمَوْرِده / لَثْمي ثرىً طَرْفُه بالنَّعلِ واطيه
والِ الجميلَ إذا أَوْلَيْتَ تَحْظَ به / فليس تُوليهِ إلاّ مَن تُواليه
كم ظَهْرِ أَرْضٍ منَ التقّبيل أُحْرَمُه / بظَهْرِ كَفٍّ منَ الوُفّادِ يُدْنيه
تُبدي التَّواضُعَ للزّوّارِ من كرَمٍ / طَبْعاً فتَزْدَادُ عُظْماً حينَ تُبديه
ولو رأَى في الكَرى ما نِلّتُه أَحَدٌ / لَهَزَّ ما عاشَ عِطْفُيْهِ منَ التِّيه
يا ماجداً نال غاياتِ العُلا وقَضَى / باريه أَلاّ يُرَى خَلْقٌ يُباريه
لمّا أَبَى اللهُ إلاّ أَن يُمَلِّكَه / ما قَصَّر النّاسُ طُرّاً عن تَمَنّيه
قال العِدا حَسَداً هذا نهايتُه / فقلتُ لا تَغْلَطوا هذا مَباديه
مَلِكٌ أَغَرُّ من الأملاكِ ذو هِمَمٍ / إلى المَحامدِ يَدعو الدَّهْرَ داعيه
قد أصبحَ اليومَ خُوزِسْتانُ جِيدَ عُلاً / بِعِقْدِ أَيّامهِ أَضحَى يُحَلّيه
من أَجلِ نومِ الرَّعايا آمنينَ به / لا يَكْحَلُ العَيْنَ غُمْضاً في لياليه
راعٍ لنا العَدْلُ والإحسانُ سيرتُه / لذلكَ اللهُ طولَ الدَّهرِ راعيه
ومُشْتري الشُّكْرِ بالإنعامِ نائلُه / والشُّكرُ أَشْرفُ ما الإنسانُ يَشْريه
فأعطِ يا صَدْرُ إدراري وخُذْ دُرَري / يا خَيْرَ آخذِ مَرْضيٍّ ومُعْطيه
واسْمَعْ جَميلَ ثناءٍ عن خُلوصِ هَوىً / على لسانِ جَناني فيكَ يُلْقيه
ألا فَقلِّدْ حُساماً مَن تُصادِقُه / منها وطَوِّقْ حُساماً مَنْ تُعاديه
لازلْتَ تَلْبَسُ أَعياداً وتَخْلَعُها / وتَنْشُرُ الدَّهْرَ في النُّعْمَى وتَطْويه
حتّى يَصِحَّ اعْتقادُ النّاسِ كُلِّهمُ / أَنّ الزّمانَ جَديدٌ أَنت مُبْلِيه
مُصاحِباً إخوةً أَصبحتَ مجدَهمُ / كُلٌّ بكلٍّ يَهُزُّ العِطْفَ من تِيه
ودام ظلُّ أَثيرِ الدّينِ يَجْمَعُكمْ / فما رأَتْ مَلِكاً عيَنْي تُساميه
بدْرٌ وأَنجمُ لَيْلٍ حوله زُهُرٌ / يَجْرونُ في فَلَكٍ جَمٍ معاليه
في نعمةٍ ونعيمٍ وادِعينَ معاً / ما دام لَيْلٌ له صُبْحٌ يُجَلِّيه
وما بدا فَرقَدٌ في الأُفْقِ مُشْتَهرٌ / لفَرقدٍ آخَرٍ كُفْؤاً يُواخيه
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي / حتّى برَغْمي سلَوْتُ عنْهُ
فابيضَّ ذاك السّوادُ منّي / واسودَّ ذاك البياضُ مِنْه
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ / ونِلْتَ ما النَّفْسُ تَرتَجيهِ
وأُعْمِيَتْ عنك عَيْنُ دَهرٍ / خُطوبُه تَنْتقي بَنيه
وزادكَ اللهُ كُلَّ فَضْلٍ / يَفُتُّ أَكبادَ حاسديه
ونِلْتَ من صَفْوِ كُلِّ عِزٍّ / ما مثْلُ عُلْياكَ يَقْتَضيه
ولا تَزلْ حيث كنتَ غَيْثاً / يَمْطُرُ بالسّعْدِ شائميه
يا راحلاً والفؤادُ منّي / يَظلُّ أَدْنَى مُسايريه
وَدِدْتُ لو كنتُ حيثُ قلبي / فكنتُ من بَعْضِ حَاضريه
وأين مِمّا أَوَدُّ دَهْري / وأَين ما الحُرُّ يَشْتَهيه
أَقْعدَني عن ذُراكَ حتّى / حُرِمْتُ ما عَمَّ زائريه
صَومٌ أتاني وفِيَّ ضَعْفٌ / من مَرَضٍ كنتُ أَشْتَكيه
والصّومُ يُرخي القَوِيَّ أَيضاً / فكيف حالُ الضَّعيفِ فيه
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ / لو كنتَ تَذكُرُهُ أو كنتَ تَنْساهُ
فلو تَذكَّرتَه ناجَيْتَ صاحبَه / ولو تَناسَيْتَه ما ذُقتَ بَلْواهُ
وكيف يَنْسى هوَى الأحبابِ ذو كَلَفٍ / لم يَطْرِفِ العَيْنَ إلاّ هاجَ ذِكْراه
مُغرَى الجفونِ بطَيْفِ الغادرين به / فلو سلا قَلْبُه لم تَسْلُ عَيْناه
هو الخيالُ الّذي يَسْري لموعدِه / فيُقْمرُ اللّيلُ للسّاري بمَسْراه
في البِيِد بُعْدٌ وفي أحبابِنا بَخَلٌ / فمَن هَداهُ ومَن يا قومُ أهْداه
سَرَى إلى سرِّ ليلٍ في جَوانحه / إذا ابتغَتْهُ عُيونُ القوم أخْفاه
أمالَهُ النّوم في ثِنْيَيْ حمائلهِ / ووسَّدَتْه يداً إحْدى مَطاياه
من بَعْدِ كُلِّ يَمانٍ كان يَشْهَرهُ / بما يشاءُ مَن بعَيْنَيْه ويُمْناه
وقَلَّ في حَرْبِ مَنْ تَلْقاهُ فكْرتُه / فيما به من هوَى مَن ليس يَلْقاه
لو كان بالدَّهرِ ما بيَ منه أعجَزَني / حتّى تَسُدَّ به الأسماعَ شَكْواه
وإنّما من رزايا الدَّهرِ واحدةٌ / أنْ يأنفِ الحُرُّ من شَكْوى رزاياه
لعلّ أُخْرَى اللّيالي أن تُساعِفَنا / فليس كُلُّ صُبابِ النَّيْل أُولاه
إنَّ الزّمانَ على ما فيهِ من نُوَبٍ / تَمُرُّ مَرّاً على الإنسانِ حالاه
فكم يَخافُ الفتى مَن كان يَأْملُه / وكم يُرجّي الفتَى مَن كان يَخْشاه
ما فاتَني قَطُّ أَدْنَى الأمرِ أَقْصدُه / إلاّ وأَدركتُ بعدَ الصّبْرِ أَعْلاه
مَخائلُ المجدِ فيما سرْتُ أَطْلُبُه / بها سلا القلْبُ عمّا بِتُّ أَهْواه
وبالأميرِ ولَثْمي للعُلا يَدَهُ / عن الحبيبِ ولَثْمي للهوَى فاه
لم يُبْقِ في القلبِ تَقْبيلي أَناملَه / هَوًى لثَغْرٍ وإن طابَتْ ثَناياه
ذاك البَنانُ الّذي أدنَى مَواهِبه / يُطبِّقُ الدّينَ والدُّنيا بنُعْماه
لثَمْتُه ونظَمْتُ القولَ أَمدَحُه / ولم أَكنْ لأُجيدَ المَدْحَ لَولاه
وإنّما هو بحرٌ غاصَ فيه فَمي / فجاء بالدُّرِّ منه ثُمَّ أَهْداه
للهِ أَنت بهاءَ المُلْكِ مِن مَلكٍ / له من الفخرِ أَقْصاهُ وأَدْناه
لو لم يَرِثْ كُلَّ هذا المجدِ أَوَّلُه / كَفاه من ذاك ما نالَتْه كَفّاه
واليُمنُ أَجمَعُ موصولٌ بيُمْناهُ / واليُسرُ أَجمَعُ مأمولٌ بيُسْراه
والدّهرُ ثُلْمتُه في أَخْذِ مُدَّتِه / والمُلْكُ مَفْخرُه في خَطِّ طُغْراه
يأتي الكتابُ به والعِزُّ طَيَّبَه / حتّى كأنَّ الّذي أَملاهُ أَعْداه
إذا بدا من بَعيدٍ فالخُطا قُبَلٌ / إليه في الأرضِ والأقدامُ أَفواه
لابُدَّ مِن أَن تَخِرَّ الهامُ ساجدةً / إن لم تكُنْ مِن مُطيعيهِ فقَتْلاه
لمّا دُعيتَ بهاءَ المُلْكِ كنتَ له / فَخْراً على كُلِّ مَلْكٍ كان باهاه
ومُذْ دُعيتَ ظهيرَ الدّينِ صار حِمىً / إذا تَعرَّضَ للباغي تَحاشاه
ومُذْ دُعيتَ كمالَ الدّولةِ اعتدلَتْ / برَأْيكَ المُنْتَضَى في الخَطْبِ سَيْفاه
ومُذْ دُعيتَ جمالَ الملّةِ ابْتَهَجَتْ / بوَجْهِك المُدَّعي للبَدْرِ مَرْآه
أَلقابُ مَجدٍ كسَتْ عُلياكَ مَنْطقَها / صدْقاً فجاء كأَنَّ اللهَ أَوْحاه
وحُسْنُ لَفْظٍ على ما لا خفاءَ به / لكنَّ أَحسنَ منه حُسْنُ مَعْناه
لقد حلَلْتَ من السُّلطانِ مَنزلةً / تَناولتْ من رفيعِ المَجْدِ أَقْصاه
حمَيْتَ دولتَه فاعتزَّ جانبُها / وذُدْتَ عن مُلْكه فاشتدَّ رُكْناه
وبَركَيارُقُ فيك اليومَ مُلْتَمِسٌ / ما في أَبيكَ رأَى قِدْماً مَلِكْشاه
فدُمْتُما مثلما داما على نَسَقٍ / ولا تَزولا كما زالا بعُقْباه
ولا سعَى فيكما بالبَغْيِ ذو حَسدٍ / إلاّ وردَّ عليه اللهُ مَسْعاه
ولا عدا المَرْقَدَ المَغْبوطَ ساكنُه / مُضاعفٌ من صَلاةِ اللهِ يَغْشاه
وأَنت أحيَيْتَ من أَخلاقِ سُؤْدَدِه / وقد مضَى ما على التَّحقيقِ أَحْياه
لقد فقَدْناهُ مَعْدوماً مُقارِنُه / وجئْتَنا فكأنّا ما فَقدْناه
نازعْتَه الشَّبْهَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / حتّى لَما زِدْتَنا لو كنتَ إيّاه
ولا يُعَدُّ نظامُ المُلكِ مُنْقَطِعاً / ما دام مثْلُك فينا من بَقاياه
خُلقْتَ بينَ بَنيهِ الغُرِّ واسطةً / من حَوْلها الدُّرُّ ملْءَ العِقْدِ يَزْهاه
كلٌّ نَفيسٌ فليس الفَرقُ بينكما / إلاّ بأنّك فَرْدٌ وهْيَ أَشْباه
ونَسألُ اللهَ جَمْعَ الشَّمْلِ بينكمُ / فذاك أَشْرَفُ شَمْلٍ يَجْمَعُ الله
فزاد نعمةَ مَوْلانا وضاعفَها / لدينِ كُلِّ فتىً منّا ودُنْياه
وَلْيَهْنِه العِيدُ أَعني الدّهْرَ أَجمعَهُ / وقد تَساوى به في الحُسْن وَقْتاه
ولم نَخُصَّ له يوماً بتَهْنئةٍ / أَيّامُه كلُّها مِمّا نُهنّاه
أَعيادُ عامكَ يا عبد الرّحيم أَتَتْ / بعِدَّةِ اسْمِك فيما قد حَسِبْناه
أَمّا وقد سَعدت عَيْني بطَلْعتهِ / وأدركَ القَلْبُ منها ما تَمنّاه
فلا طلبْتَ سواه بعدَ رُؤْيته / لا يَحْسُنُ العَبْدُ إلاّ عند مَوْلاه
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً / مِن أين يَغْشاهُ صَرْفُ الدَّهرِ معتَرِيا
يا مُشتكَي كُلِّ حُرٍّ رابَه زَمنٌ / لا روَّع الحُرَّ أن يَلقاكَ مُشتكيا
إنّ العُلا صَعبةٌ أعيى تَسنُّمها / وما بَرِحْتَ لها في الدّهرِ ممتَطيا
قالوا قد اختلَفتْ منه الخُطا خطأً / فقلتُ حاشا العُلا ما خَطْوهُ خَطيا
قُلْ رام في دَرَجٍ للقَصْرِ مُنحَدِراً / وكانَ في درَجٍ للمجد مُرْتَقيا
فلم تُطِقْ في زمانٍ واحدٍ قَدَمٌ / إن كان مُستَفِلاً فيه ومُعتَليا
ألا فدُمْ لثنايا المَجْدِ تَطلُعها / فمِثلُ سَعيِك في العَلْياء ما سُعيا
لازِلتَ في بُردةٍ للعَيشِ ضافيةٍ / تُفْني عِداك وتَبْقَى الدَّهرَ ما بَقِيا
على المَجرّةِ جَرّارُ الذيُّول لها / والثُّريّا لنَعْلِ الفَخرِ مُحتذِيا
يا ماجداً لو قَضَوْا حقّاً لأخمصِه / لم يَعْدُ في النّاس بالأحْداقِ أن وُقيا
لو يَفرُشُ النّاسُ ديباجَ الخدودِ له / ما كان إلاّ أقَلُّ الحقِّ قد قُضيا
أكرِمْ بغُصْنِ ندىً مالَ الثّمارُ به / حتّى أَرَينَك منه العِطْفَ مُنثنيا
نأى عُلُوّاً أو أدناهُ تَكرُّمُه / مِن كَفِّ مَن يَجْتني منه ليَجْتنيا
وزعزعتْه رِياحُ الأريحيّةِ إذ / مَدَّ المُلمَّ إليه الكَفَّ مُجتديا
ماذا يَقولُ حَسودٌ أن تَزلَّ له / نَعْلٌ بها مَنْكِبُ الجَوزاءِ قد وُطيا
إن زَلَّ نَعْلٌ فيأْبَى أن يَزِلَّ به / جَدٌّ له في المعالي طالما رَقيا
في كُلِّ يومً خطابٌ للخُطوبِ معي / فيمَنْ أَكونُ له بالنّفْسِ مُفْتَدِيا
بُليتُ بالدّهرِ تَعْروني حَوادثُه / والدَّهرُ أيضاً بصَبْري فيه قد بُليا
يا غُربةً أغْرَبتْ لي في عَجائِبها / وبَيّتتْني بنارِ الهَمِّ مُصْطَليا
قد مَرَّ بي فيك ما مِنّي بأيْسَرِهِ / قدِ اشْتَفَى زَمني إن كان مُشتفيا
قلبي مُقيمٌ بأرضٍ لا يُفارِقُها / هوىً ونِضْوي إلى أقصى المدَى حُديا
كأنّني فَتْحُ بَركارٍ لدائرةٍ / أضحَى المُديرُ بتَسْديدٍ له عُنيا
فشَطْرُه في مكانٍ غيرِ بَارحِه / وشَطرُه يَمسَحُ الأطرافَ مُرتميا
قد كان نِضْوي بباقي البِيدِ آونةً / حتّى وَصلْنا فأفناها وقد فَنِيا
لولا العدا والعَوادي كنتُ ذا وطنٍ / بكَسرةٍ وبكِسْرٍ فيه مُكتَفيا
حَتّامَ سَيْري إلى دُنْياي مُعتَسفاً / هل آن سَيْري إلى عُقْبايَ مُنْزَويا
أمَا تَراني لظَهْري داعِماً بِيَدي / إذا مشيتُ ولو قارَبْتُ خُطْوتيا
هل بعدَ إصباحِ لَيلِ الرّأسِ من عُذُرٍ / ألا أرَى هادياً للسُّبْلِ مُهْتَديا
هَبِ السَّوادَ الّذي أبلَيتُ كنتُ له / مُجَدِّداً بِبَياضٍ بَعْده غَشِيا
هل من لباسٍ سوى غَبراءَ مُظلمةٍ / إذا البياضُ الّذي جَدَّدْتُه بَلِيا
وقد علَتْ غُبرةُ الشَّيبِ الشَّبيبةَ لي / فبِتُّ للأجَلِ المكْتوبِ مُكْتَليا
كتابُ عُمْري اللّيالي تَرّبتْه وما / أدنَى المُترَّبَ أن تَلْقاه مُنْطَويا
أبتْ دَريئةُ لَهْوٍ أن يكونَ لها / إصابةٌ بقَنا قَدٍّ إذا حُنِيا
أنا ابْنُ دَهرٍ جَفاني فيه كلُّ أخٍ / إلى بُنوَّته قد راحَ مُنْتَميا
أمّا الكِبارُ فما يَخْفَى جَفاؤهمُ / ولم أكنْ لصِغارِ النّاسِ مُرتَجيا
لكنْ جَميعُ ذنوبِ الدَّهرِ مُغْتَفَرٌ / وعن صَحيفةِ قلبي ذِكرُها مُحِيا
صَفْحُ الزّمانِ له عن عَثْرةٍ بدَرَتْ / بالصَّفْحِ عن عَثَراتِ الدَّهْرِ قد جُزيا
أقالَ حتّى أقَلْنا مقتدينَ به / ولم أكنْ قبلَها بالدَّهْرِ مُقتَديا
مَن كان يَبْرأُ من ذَمّي له زَمني / فقد بَرِئتُ من الشَّكْوى وقد بَرِيا
سلامةٌ سَلمَ المُلكُ العقيمُ بها / وأوجبَتْ شُكرَ دَهْرٍ طالما شُكيا
فقُلْ لدَهْرك يَستأنِفْ له عَمَلاً / فعَن مَواضيهِ مُذْ عوفيتَ قد عُفيا
يا مَن به تَحفَظُ الدُّولاتُ صِحَّتَها / إذا شُفِيتَ فقلْ كلُّ الورى شُفيا
لولا ذِمامٌ للدّهْرِ أنت عاقِدُه / ما كنتُ عن ذمّهِ ما عشْتُ مُنْتَهيا
أصْبحتَ للدّهر عُذراً صادقاً فغَدا / لذكْرِه كلُّ ذنبٍ سابقٍ نُسيا
فخُذْ إليك الّذي لا أرتَضيه وإن / أصبحْتَ من كرمِ الأخلاقِ مُرتَضيا
إنّي لَمِنْ سالفِ التّقصير مُعتَذِرٌ / بما يُضاعِفُ تَخْجيلي إذا تُليا
وكيف أَغدو منَ التّقصيرِ مُعتذِراً / ونَفْسُ عُذْريَ تَقصيرٌ إذا رُئيا
يا كاملاً فيه أشتاتُ العُلا جُمعَتْ / فراحَ للفَضْلِ والإفضالِ مُحتويا
مازال مِن لينِ أخلاق كرُمْنَ لَه / لفاسدٍ الخِلّ بالإصلاحِ مُعْتَنيا
مهما اعتذَرْتُ بعُذْرٍ لي أكونُ له / في النّاسِ مطرِقَ طَرْفِ العين مستَحيا
أخذْتَ عذْريَ مُعوَجّاً وتَعرِضُه / على الورى مُستقيماً حيثُما اجْتُليا
كالشّمعِ يَقبلُ نقْشَ الفَصّ مُنعكساً / مَكتوبهُ ليُريهِ النّاسَ مُسْتَويا
شِعْرِي وأنتَ له الرّاوي لرفعتِه / شِعْرَى وشِعرِيَ شِعْرَى حيثُما رُويا
والبَحرُ يَلفِظُ دُرّاً كان واقِعُه / في أُذْنِ أصنافهِ قَطْراً إذا وُعيا
حَبٌّ لمُزْنٍ غَدا حَبّاً بلُجّته / ودُرُّ سُحْبِ غدا دُرّاً كما حُكِيا
فالبَحرُ أَنت لعَمْري من نُهىً وندىً / إذا طلَعْتَ لنا في الحَيِّ مُنتَدِيا
كأنّما أنت من حِلْمٍ ومن كرمٍ / طَودٌ بجودٍ غدا للسُّحْبِ مُرتَديا
إسْعَدْ بجَدِّ الزّمان أنت غُرّتُه / بأيِّ حَظٍّ كبيرٍ منْك قد حَظيا
تَنظَّمَتْ لك ملْء الدّهرِ واتّصلَتْ / مَحاسنٌ قُبحُهُ في حُسْنِها خَفيا
إنّ المَعالي لَحَلْيٌ أنت لابسُه / لكنْ زمانُك تَطفيلاً به حَليا
والجِيدُ لا يَكْتسي العِقدَ النَظيمَ له / في الحَلْيِ حتّى يكونَ السِّلكُ مكتَسِيا
يا مُبدعَ القَولِ مَبْسوطاً ومُخَتصراً / ومُحسِنَ الفِعلِ مُعتاداً ومُبْتَديا
لمّا غدا حَسناً ما أنت فاعِلُه / قُلنا بفِعلكِ قد أصبَحْتَ مكتَنيا
إذا أردتَ إلى سَعدِ الوَرى نَظَراً / فكنْ لوَجْهِك في المِرآةِ مُجتليا
وإنْ دَجا ليلُ خطبٍ لا صباحَ له / فكنْ لرأيك في داجِيه مُنتَضيا
تابَ النَّصوحُ إليك الدّهرَ من زَلَلٍ / منه تَقَدَّمَ لمّا جارَ مُعتَديا
والنَصرُ مازال رَبُّ العَرْشِ ضامِنَه / لِمنْ عليه بلا اسْتحقاقِه بُغياً
فِداؤه مَن مع التَّقْصيرِ عنه غَدا / بَغْياً لرُتْبته العَلْياء مُبْتَغِيا
قد كان تَقْديمُهمْ إيّاهُ مقتَرِباً / وكان إعدادُهمْ إيّاكَ مُنتَسيا
كالسَّهْم قَرَّبَه رامٍ ليُبْعِدَه / والسّيفِ يَقْرُبُه حامٍ ليَنْتضيا
فَلْيَهنأ النّاسَ عَوْدٌ من أخي كرمٍ / عُداتُه اليومَ تَرجو كلَّ من خُشيا
عادتْ إلى حضرةِ السُّلطانِ طَلعتُه / والجَفْنُ لم يَفترِقْ إلاّ لَيلْتقيا
وأتلفَ المُقتنَى جُوداً فأخلفَه / والغُصْنُ لا يَكْتسي إلاّ إذا عَريا
فدام للدّولةِ الغَرّاءِ مُعتَمَداً / مُسدَّداً رائحاً بالنُّصْح مُغْتديا
فهْو الّذي لم يزَلْ للمجدِ مُبتَنيا / طَوْعَ المكارمِ أو للحَمْدِ مُقْتنيا
له من اللُّطْفِ أنفاسٌ إذا نفحَتْ / رَميمَ عظْمٍ رَجاءً للفتَى حَييا
قد كان حتّى أماطَ اللهُ عارِضَه / مريضُ قلبي منَ الأطرافِ مُحتَميا
فلْتَفدِه من خُطوبِ الدّهرِ نازلةً / حُشاشتي وهو أَولَى من بها فُدِيا
فهْو المُقرِّبُ أغراضي إذا بَعُدَتْ / وهْو المُجيبُ إلى نَصْري إذا دُعيا
وكاشحٌ صَدرُه مَلآنُ من غُلَلٍ / فلو سقَوْهُ بحارَ الأرضِ ما رَويا
يُبْقيهِ حِلْمٌ ستُغْنيهِ مَغبّتُه / كم سقْطِ جَهْلٍ به زَنْدُ الحِجاوَريا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025