المجموع : 59
هل للأمير أعز الله حكمته
هل للأمير أعز الله حكمته / أن ينقذ الشعب من ضيم يعانيه
والضيم ألوانه شتى وأظلمها / أن يشعر المرء أن الموت يغنيه
يا فيصل الحكم هذي فرصة عرضت / لتراي الصدع في مبنى وبانيه
فالشعب لا بد من بعث يحين له / وسوف يسحق حتما مستغليه
كن أنت قدوته المثلى وزده غنى / ولا تدعه شريدا في دياجيه
وزّع على الشعب آلافا له نهبت / قبل انتقام وشيك كامن فيه
أو لا فيا هول يوم قادم خطر / جهنّم ستغنّي وهي تسقيه
مسكينة إن من خانوك أوقحهم
مسكينة إن من خانوك أوقحهم / أهلوك أو من تراءوا شبه أهليك
من كل علج حقير يدعي شرفا / وهمه دون هم للمفاليك
لا شيء غير بريق المال يشغله / ثم التجارة في أمجاد ماضيك
وفي شقائك يتلو حوله سورا / من النفاق وتبدو مثل فاديك
مهلهلا كل شهم لا تراوده / إلا عظائم ماضيك وآتيك
وغامزا كل من آثاره صور / من تضحيات بتشويه وتشكيك
حتى ينال مكانا في تفرده / بالزور ما بين تهديم وتفكيك
يبغي الزعامة صعلوك بفطرته / بئس الزعامة في أيدي الصعاليك
أما ملوكك لا كانوا ولا ملكوا / فهم أخس مثال للمماليك
باعوك دون جزاء في تذبذبهم / إلا مذلتهم أيان باعوك
ومثلهم زمرة الأقطاب رائدهم / مثل الرحى طحن كنز ماثل فيك
يبددون القوى تبديد متّهم / في العقل والخلق أو تبديد مهتوك
ويطمعون الأعادي فيك عن سفه / حتى يعيث الأعادي في معاليك
صه يا دخيل علينا ليس تعرفه / إلا مجالي التدني لا مجاليك
حرباء أنت بل قل ثعلب أسر / يختال كالهر أو يختال كالديك
إنا سئمنا الدعاوى كم حمت مرضا / وكم حمت غرضا بين الأضاحيك
لولا المآسي التي عمت أمانينا / فأين أين الذي أحيا أمانيك
لعل ذاك جمال في تجرّده / عن المطامح إلا ما يعليك
سما على منكبيه مجد أمتنا / حين الخؤون المرائي راح يرثيك
الفطر جاء بآمال نجددها
الفطر جاء بآمال نجددها / إن الحياة لآمال وتجديد
لولا التعلق بالآمال نعبدها / لم يكرم العيد بل لم يعرف العيد
صلى مع الفجر من صلوا فقبلهم / وقبّلتني بنجواها الأناشيد
يا ليتني كنت مثل الفجر عافية / فلا يرد صلاتي فيه تقييد
وأنشق العطر في الأحلام وارفة / كأنها من رضاء الله تاييد
وأنظم الحب من قلبي معلّقة / وإن سكت فنبض القلب توحيد
أهلا بعيد رفيق الحب باركه / وباركته الأحاسيس المواليد
كأنما ليلة القدر التي سلفت / قد أنجبتها وسوتها التقاليد
سألت ربي إيحاء ألوذ به / فإن عمري تفكير وتسهيد
فقال لي الوحي عش للناس أجمعهم / لو أن معظمهم جان وعربيد
وأجعل من العيد مبدا يستعز به / ففي يديه إذا شاؤوا المقاليد
مبدا التطلع للإصلاح يشملهم / كما تطلع نحو الواحة البيد
عيد اضاء به الإسلام أمثلة / من الجلال وفيه النور تغريد
عيد السلام وعيد الفطر قد جمعا / مدى العصور فإن السلم تعييد
كل احتفاء به للسلم مرجعه / والسلم كالحب لم يعرفه تحديد
من يعشق السلم حر شامخ بطل / وعاشق الحرب رغم الزهو رعديد
فاسكب علينا جمالا أنت مبدعه / يا عيد وامسح دموع الحزن يا عيد
وإنني باسمك الميمون في فرحي / اشدو وأدعو كأن الشدو تسديد
أدعو بلادا أطال الجهل نومتها / حتى تفيق فإن النوم تهديد
وإنما أمم الإسلام مبدؤها / علم وسعي وإصلاح وتخليد
فإن تفتها فما الإسلام ملتها / وكل مدح لها نوح وتعديد
وإن تسابق سواها في مآثرها / فلن يساورها ظلم وتبديد
وسوف ترجع للإسلام عزته / كما تسامى بها الموتى الصناديد
إن نام أيار عن ورد وعدت به
إن نام أيار عن ورد وعدت به / فهل أنال حقوقي من حزيران
إن الورود معان ليس يعرفها / غلا محب وإلا قلب فتان
تناوب العطر والألوان أمثلة / من النشيد لإحساسي ووجداني
وما غنيت وحولي من موائدها / غنم ومن خمرها ريّ لظمآن
أشمها إذ أراها شعر آلهة / والعطر كالشعر في استهواء إنسان
عرائس الزهر فاقت في منافسة / عرائس الناس في حسن وألوان
أحنو عليها كأني عاشق وأب / أو أنها خلقت من قلب الحاني
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم / عيد وألفهم تحرير إنسان
لا مجد للأرض إن دب العبيد بها / وإن تسخر لأصنام وأوثان
إن أطلع الورد هذا الشهر مزدهيا / فإن أجمله تحرير عبدان
العالم الحر حياه ومجده / وحفه بتراتيل وقرآن
فاقت بإخلاصها الواعي ورهبتها / آي التبتل في تسبيح رهبان
إن الأخوة للإنسان حليته / قبل التضلع من دين وعرفان
إن التحرر للإنسان عزته / قبل الجلالة من ملك وسلطان
إن المساواة للإنسان قيمته / قبل انتساب لأجداد وأوطان
في مثل ذا اليوم ثار الحق ثروته / شوقا لفك قيود البائس العاني
فأصبح الحق بالجمهور مندمجا / من بعد ما كان إرث الباطش الجاني
فأيّ نجوى إذن تزجى لروعته / أجل من شكر ارواح وأبدان
ومن إطاعته لا طوع عميان / بل طوع ذي بصر حر وإيمان
في كل عم نحيي عيده شغفا / كالفيض في شوق أنهار وغدران
لدن يجدد أرواحا لنا فنيت / من الكفاح ومن ظلم وبهتان
أنسيت نيسان إذ مات الربيع به / لما لثمت الأماني في حزيران
كأنما خلقت من نوح أفئدة / كالنور يخلق من تسعير نيران
أو أنها بعد جدب شبه فاكهة / تألقت طفلة في حضن بستان
نحنو عليها ونرجو أن تزاملنا / مع الحياة لأزمان وأزمان
وأن تعم شعوب الناس قاطبة / مثل الهواء ومثل النور في آن
بوركت يا عيد ما أحياك أحياني / ودمت يا عيد ذكرى كل إنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان / فالظلم والموت للإنسان سيان
وليس يعرف عيد في جلالته / أجل من عيد تحرير لإنسان
فكيف بالعيد أحيا أمة رزحت / تحت البلاءين من جهل وطغيان
كأنما كل ماضيها الذي حفلت / به الشعوب خرافات لسكران
فلا هياكل أخناتون قد نهضت / على ثراها ولا توحيد أديان
وليس أحمس منسوبا لوثبتها / ولا تجلت بها آيات عرفا
ولا تهادى بها التمدين منبسطا / والنيل ما بين إحياء وإحسان
ولا تهافت من راموا مودتها / على منائر جازت كل حسبان
شأى الغزاة فنونا من مآثرها / فما استطاعوا وأعطت كل فنان
وأوغلوا فتواروا في مقابرها / تواري السيل في أعماق كثبان
كأنما الفاطميون الألى ابتدعوا / لها الحضارة كانوا أهل بهتان
كأنما الأزهر المعمور فارقها / وبيع سكانها في سوق عبدان
كأنما كل ما أعطت وما خلقت / لغو ويصدق فيه الحاقد الشاني
من شوّة المجد حتى صار منقصة / وأفسد الحق حتى صار كالجاني
لا شيء غير عتو الظلم دان له / من لا يدين لأصنام وأوثان
كأنما أنكر الأديان أجمعها / من قدسوها فهانت دون أثمان
وبات كافور من كنا نرجبه / وإن يكن في أديم أبيض قاني
من سخّر الدين عبدا في فضائحه / ولم يزل خصم إنجيل وقرآن
من داس فوق رقاب الناس أجمعهم / كأنهم مثله أشباه خصيان
غلا فريقا من الأحرار قد علموا / للثار ما بين تشريد وحرمان
واسعذبوا النفي رغم البؤس يرهقهم / حتى يؤدوا أمانات لأوطان
واستمرؤوا الموت ممن راح يسحقهم / كأنهم حشرات موتها داني
واستشهدوا في سبيل النبل ليس لهم / هم يمت لهذا العالم الفاني
فدى لمصر التي عزّ المسيح بها / طفلا وعاد لها في دينه الساني
فدى لمصر التي الإسلام باركها / كنانة الله ما دانت لكفران
فدى لخير مثالياتها وفدى / لجيلهها الواثب المستيقظ الباني
حتى استجاب لها الأحرار أجمعهم / والجيش واحتشدوا في وجه شيطان
وخر من عرشه المنهوك في وجل / كأنما هو من خوص وعيدان
وراح شر طريد مصر تلفظه / للبحر مثل وبىء بين جرذان
يا ليت مصر التي قد خان نعمتها / وارته في إثمه من غير أكفان
وعلها اليوم في ذكرى لثورتها / لا تكتفي بازدراء أو بنسيان
فالحق تأييده في كف إيمان / والبطش تبديده في كف نيران
تموز يا شهر أعياد محجلة / وكل عيد له عيد لوجداني
من لي بزورة أوطان فتنت بها / وإن أكن في ربوع مثل أوطاني
لأشهد الفرحة العظمى وأنشرها / عطرا بشعري أو نورا بألحاني
وأرسم اليوم معنى مجدها الثاني / في فخم ألوانه لا فخم ألواني
وأرقب الكادح الفلاح ممتلكا / لأرضه لا بهيما ملك أطيان
وأنظر المجلس الشورى مجتمعا / في عزة الحر لا في ذلة العاني
وكل أعضائه زانوا مقاعهدهم / كما تلألأ أفكار بأذهان
قد أقسموا أن يصونوا مصر عن سفه / ويبلغوها مكانا فوق كيوان
ويسهموا في حضارات منوّعة / لا في سفاسف أوهام وأضغان
ويجعلوا الدين معنى لا يلوّنه / إفك السياسة أو تسميم ثعبان
إن كنت في البعد لم يعطف سوى حلمي / على حنيني فهذا الحلم غنياني
أو كنت في البعد منسيا فما برحت / روحي ترفرف في أصداء تحناني
أبناء مصر التي تسمو مناقبها / فوق الفراعين في تقدير أزمان
مثل الجواهر زاد العمر قيمتها / أو كالنجوم بعمر جد نوراتي
اليوم مبدأ عهد كله همم / كالنيرات أضاءت وسط إدجان
لا عذر بعد ليأس قد يساوركم / فإنكم أهل هذا الموطن الحاني
الجيش أنتم وأنتم مصر لا ملك / جان عليكم ولا آثام أعوان
وحطكم بين أعمال مخلّدة / وتضحيات لأبطال وشجعان
رسالتي قبل كانت في إثارتكم / كما يثار شواظ طيّ بركان
واليوم غنى لكم شعري محامدكم / كما تغنى بنفح الزهر بستاني
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل / هنّئت ما مصر إلا أم أوطان
أم الحضارة ما كانت طفولتها / إلا مفاخر فنان وإنسان
لكل فرد بلاد يستعز بها / ومصر مهما استقل الموطن الثاني
لها عهود على الدنيا موثقة / فطالما حبت الدنيا بإحسان
أنت ابنها البر لا تنسيك منزلة / حقّا عليك ولا كر لأزمان
ومن يعد عمادا في تخصّصه / وخالقا لمزايا جيلها الباني
علم وعلم فلا خير لأمتنا / إلا من العلم إن العلم نوران
والثم ثرى مصر عنّي راكعا شغفا / وخذ فؤادي عني بعض قرباني
علم كعلمك غذاني وأحياني / كذاك خلقك يوم اليأس أحياني
وما أقول وداعا بل أقول وعلى / في موطن الشمس ناجاني وناداني
يا من تواضعه عنوان حكمته / وقدره فوق تقدير وعنوان
ومن شغلت طويلا عن مجالسه / لأنت أدنى إلى قلبي من الداني
عهد عليك شباب النيل ترشدهم / للحق إن خانهم تدجيل شيطان
إن الشجاعة اسمى ما اتصفت به / فاصدع بها الباطل المستأسد الجاني
لا خير في العلم صار الجبن سيده / فالعلم بالعلم يرقى دون سلطان
هذي تحية مهجور ومغترب / وباقة من أحاسيسي وألحاني
لم ألق غيرك موهوبا ليرفعها / لمصر حين وفاء النيل ناجاني
ولم أجد نابغا أولى بتكرمتي / ولا مثالية أولى بإيماني
فعش لقومك بل للناس أجمعهم / وعد لقومك ذخرا ليس بالفاني
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا / فقلت يا قوم جاء الهم والكدر
من ذا سواه خليق أن يؤدبنا / وأن يعلمنا ما الخبر والخبر
وما الجرامر ألغازا وأحجية / والفرق ما بين عمرو قال أو عمر
هيهات هيهات لم يبلغ مكانته / إلا حبيب فكم عزت له سور
ويا له سيدا للخلق نعبده / كأنه الصنم العزى أو الحجر
ولست أنكر أن الدسك زينه / الشمس والرائع والمريخ والقمر
ثلاثة فرحات راح يخلقهم / من بعد ما فرحوا بالموت أوقبروا
يا راحلا وله في ذكرنا أثر / بوركت كم حاضر لم يبقه أثر
إلى مباءة درس أنت تعشقه / ونحن ندرس في قيظ ونحتضر
علم وعلم وأنجب كل نافعة / فليس يخلد إلا العلم والفكر
واسعد بدنياك في بحث وفي كتب / إن كان يسعد من لم ترضه الهذر
شربت فلسفتي من نبع آلامي
شربت فلسفتي من نبع آلامي / وقبلها عب منه قلبي الدامي
وما برحت أغني زاخرا أبدا / كأن آلام قلبي لسن آلامي
كأن دمعي أناشيد قد احتبست / حتى تراق على قدسي أنغام
أن المسيح قبيل الصلب من حرق / كما أعاني تباريحي وإعدامي
وإن حسدت كأن البؤس لي شرف / وكل أهل الغنى في البؤس خدامي
أنا الضعيف ولكني العتيّ على / نفسي إذا النفس لم تعبأ بأحكامي
إياك إياك يا نفسي مهادنة / للظلم أو فاقبعي في سجن ظلام
معنى الحياة ابتسام لا يفارقها / وإن أحيطت بجدب غير بسام
وهل أكون سوى رمز تضن به / على الفناء وإن أفنيت أعوامي
عابوا الحقيقة في شعري وما سكنت / سوى الحقيقة أسمى شعري السامي
ما سف يوما وإن بجهلة من جهلة / أن الحياة تعالت فوق أحلام
وأن وجدي وتفكيري وفلسفتي / ليست سوى مثل من فن رسام
ذاق الخلود بألوان مجنحة / فوق النجوم وفي ألوان آكام
كل الطبية معبود لمهجته / تشكلت حول أطياف وإلهام
تمتد خفاقة لا حد يحصرها / كخفق قلبي على إحساسي النامي
أنا ابنها لا ينال الدهر من أثري / ولم ينل قبل من نور وأجرام
كم من صغير تردى في حقارته / للناس وهو جليل شامخ سام
كالبذر أو قطرة للبحر شاردة / هي الوجود تناهت فوق أنسام
وعيتها في خيالي فهي فلسفتي / وإن تعز على بهم واصنام
تطير في فرحة نشوى ويرفعها / حب الحياة إلى غايات إقدام
كأنها صائد ردت حماسته / خوف الممات بأدغال وآجام
أغزو كما غزت الدنيا وإن فشلت / وإن تمزقت من غدر لأخصامي
حسبي التجارب في دنياي أفهمها / وإن تدق ولم تكشف لأفهام
حسبي شعوري بأن الكون أجمعه / يوما سيتلى ويجري فوق أقلام
حسبي على الرغم من هم ومن نصب / أني الطليق ولم أرضخ لإرغام
إلى الصديق خفاجفي عوالمه
إلى الصديق خفاجفي عوالمه / ما بين شاهق أبحاث وأسفار
أبثّ من لوعتي ما فاض عن كلمي / وإن تحجب في مكنوز إضماري
تجمّعت غصص الدنيا وما فتئت / حربا عليّ وعادتني لإيثاري
فإن أعش في جنان كلها عجب / فإن قلبي بالتعذيب في النار
قد ضيّعت عصبة للنقل مكتبتي / يا عصبة النقل قد خلدت في العار
وضيع النقل رزقا كان لي سندا / كأنما الدهر مشغول بإفقاري
وضيع الهم نزرا كان عافيتي / فما انتفعت بسكان ولا جار
وصار ديني رفيقا لا يفارقني / وكان ودّعه أو كاد إنذاري
وإذ عرضت لبيع كل ما ملكت / يدي خذلت كما قد ضيعوا داري
أنا المعاقب لا ذنب جنيت سوى / بري كأن عظيم الذنب آثاري
ومن عجيب إذا ما الحزن يغمرني / لطمته مثل سباح بتيار
لم أدر هل جن قلبي فثي تفاؤله / أم ما درى خطبه أم أنه الداري
لقد تمرست عمري بالأسى فغدا / مني ومد الأسى عمري لأعمار
لمن أعذب ما جدواي من زمني / وما حياتي ومن يعنيه إكباري
لج المراقب في شطب لأفكاري / ما كان أولاه تثقيفا بأفكاري
إن الخيانة للأوطان أخطرها / حجر على الحق أو إرهاق أحرار
وترك مثلي يعاني في تحرقه / عار على الجيل لا ذنبي ولا عاري
ما جاء قبلك للتخليد إنسان
ما جاء قبلك للتخليد إنسان / عنا له الظلم والظلام أو دانوا
أو دونت صحف التاريخ معجزة / كمعجزاتك فيها العقل برهان
ألم تكن أنت في صحراء موحشة / الواحة السمحة المثلى لمن عانوا
ألم تكن أنت في دهماء قاسية / النجم أضواؤه هدي وعرفان
ألم تكن أنت محيي الناس مكرمهم / من بعد ما أغرقوا في الموت أو هانوا
ألم تكن أنت للدنيا معلمها / حين الخرافة أديان وسلطان
ألم تكن أنت للأسرى محررهم / والأسر والرق مثل الموت ألوان
ألم تكن أنت للإنسان حجته / على الفناء إذا الإنسان إنسان
يا أيها البطل الأميّ عش أبدا / ذكراك عطر وأضواء وألحان
إن الزمان الذي نورت طلعته / من نوره سطعت للخلد أزمان
لولا تعالميكم اللاتي قد ازدهرت / مدى العصور لعم الأرض طوفان
والجهل أخطر من إعصار كارثة / فما سواه لرزء الناس شيطان
ميلادك الحر ميلاد يفوح شذى / كما يفوح بشعر الحب بستان
قالوا أتنظم شعرا في محبّته / فالشعر للصادق الإحساس ميزان
وأيّشعر لمثلي كيفما عظمت / رموزه في الذي نجواه قرآن
من حرر العقل حين الناس أكثرهم / دون البهائم والأديان أوثان
من ثار في الناس لا تخشى عقيدته / إلا الإله فلم يردعه طغيان
من علم الناس معنى السلم في زمن / كان الأعزّ به بطش وعدوان
من لقّن الحكمة الشورى بسيرته / ووزّع الحب فالأعداء إخوان
من رام كل الورى أنصار دعوته / على المدى واصطفاهم أينما كانوا
من راض للناس أحلاما لعزتهم / وبعض إلهامه السامي السبرمان
ماذا أقول وشعري دون ما ملكت / نهاي حين جميع الكون آذان
حسبي قليلي فنزري في جواهره / من وحي من حبه كنز وديوان
في ظله كلنا أبناء ملّته / فما تتاءت برغم البعد صلبان
وكلنا يوم هذا العيد أمته / إن العروبة إيمان وأوطان
الحب والحسن والأمان
الحب والحسن والأمان / أعز ما يمنح الزمان
أحظيَ اليوم أن أراها / تعود أم فاتها الأوان
مشاهد قد خلبن لبّي / كأنما بينها رهان
قد أبدعتها بلا شبيه / العبقريات لا المران
فكل شيء بها طريف / وبعض آياتها الجنان
والناس آدابهم تسامت / بها فزينوا بها وزانوا
وساد أصفى الهدوء حتى / كأنما عندها يصان
أتيتها خائفا حزينا / فهشّ لي الحب والأمان
وسقسقت لي الغصون شعرا / كأنما الدوح مهرجان
والجو في دفئه عطوف / كأهلها دفؤه حنان
يطل من نصبها جلال / وذكريات لها بيان
وكم بها متحف أثير / يفوح من مجده الدهان
وكم بها نعمة ولكن / هل يجذب النعمة افتتان
أنى تلفّت لم أجدني / إلا رؤى فاتها الحسان
وكل ما في الحياة يلهو / كأنما الكل دون جوان
إن يحرق الناس نثر روض / في حين أوراقه جمان
فقبله النار بددتني / وما تبقى هو الدخان
الله في الحب ألحان واضواء
الله في الحب ألحان واضواء / والله في السلم أزهار وأنداء
حييت يا سلم هذا يوم سيّده / فلتخجل الحرب ولتعتزّ ورقاء
وليفرح العالم المنكوب عن سفه / فقد تعالت على الضوضاء أشذاء
إني أشم عطورا لا أكيفها / لكن يكيفها للنفس إيحاء
فأين مبعثها الروحي يشملني / فليس تدركه عين وإصغاء
لعل في الجامع المبرور تذكرة / فها هو الجامع المبرور وضاء
من وضع أمجد عن بر بملّته / وكذاك يصطحب الأكفاء أكفاء
بلاد إقبال لا فاتتك فلسفة / تعلي السلام ولا نالتك ضراء
إن السلام هو الإسلام من قدم / كما رآه الألباء الأجلّاء
وليس أليق رمزا في رسالته / من جامع حوله الإيمان أضواء
في جادة أسهمت في عرسها أمم / وبوركت فإذا الظلماء لألاء
ما بال مصر تناست ثم مغرسها / وفي ثرى مصر للجنات أفياء
كأنما ما مشى نور المسيح بها / ونوره في جميع الأرض مشاء
كأنما مريم العذراء ما سكنت / بأرضها وكأن الأرض جرداء
وأين ما وهب الأردن من شجر / وفي بساتينه الأدواح غنّاء
واين قدسي أرضيه التي سطعت / أمالها اليوم في الإسراء إسراء
يا ليتني المتنبي الآن صولته / تهز من أذنه للحقف صماء
حتى أعلم قومي في توجسهم / أن العروبة كالإسلام زهراء
أن التسامح اسنى ما يشاد به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / فكل ما رف أنغام وأصداء
وإن تكن قد تناهت في مشاعرنا / من العواطف أطهار وعذراء
فهللي يا بروجا طالما هتفت / كما هتفت وناجاها الأرقاء
وحررينا من الأحزان قاهرة / كما تحرر من أسداده الماء
قال الصديق وديع في سوانحه
قال الصديق وديع في سوانحه / تقسو الحياة على الأخيار أرزاء
وراح يذكر من آثاره مثل / للمحسنين أسر الدهر أم ساء
من رنق الأدب العالي بنفحته / وحظه من عقوق الدهر ما شاء
لم يكفه الخطب في زوج وفي ولد / حتى أراه جحود الناس أنواء
فيم التفجع والدنيا فواجعها / لا تنتهي وتعيد الأمس أصداء
خل احتمالك ثأرا من نكايتها / واسخر بها حينما تشقي الألباء
جئنا إلى الكون في الذرات من قدم / ولم نفارقه أطيافا واضواء
وليس يعرف منا كنهه أحد / وإن تغلغل في ماضيه مشاء
وإن عرفنا عرفنا بعض أخيلة / كأنما البحر ما نلقاه أنداء
ليست نقاط حروف لا نكيفها / قصيدة راودتنا اليوم عصماء
ولا المآسي التي غاضت مدامعنا / من نارها ستزيد الكون أشلاء
ساوى النشوء دمارا في مسارحه / كما عرفت وساوى البؤس نعماء
وما شكوت التياعا بل مسايرة / للفن أجتاز أمواتا وأحياء
فسر معي يا أديبا عيشه حرق / في مهمه العمر مغمورين أهواء
نحيا لهيبا كأنا شبه ألهة / ونغتدي بانتهاء النار إيحاء
أخي سليمان هذي غربتي بلغت
أخي سليمان هذي غربتي بلغت / بي غربتين وزاد الموت إقصائي
قد كنت أشجي لنايي عنك في أسفي / يا ليتني دمت ذاك الآسف النائي
ما لي سبيل إلى لقيا فأنشدها / فعالم الغيب محفوف بظلماء
لا على ذكريات حية أبدا / من الطفولة لم يبرحن تلقائي
عشنا سويا أليفي نعمة وهوى / نحسو الشذى بين أزهار وأضواء
لم يبلغ الطير ما نلناه من مرح / ومن طلاقة أحلام وأهواء
ولا ابتسام شواطي النيل ما بلغت / عيننا من صفاء دون أقذاء
ولا خرير السواقي في تعثرها / تعثري ضاحكا في الطين والماء
ولا اختصام الورى والحرب صاخبة / مثل اختصام لنا من غير شحناء
ولا الأماني للدنيا بأجمعها / ساوت أمانينا أو بعض إحصائي
تلك السنون التي مرت على عجل / ذخيرة لم تفت لحظي وإصغائي
أحسها وأناجيها وأعرفها / كأنما هي من ذاتي وأعضائي
يا خادم المسرح العالي يسيرته / هذي رواياتك العصماء للرائي
قد خلدت في المرائي فهي نابضة / بين الورى والمرائي مثل أحياء
من عاصروك استقلواف ي مشاعرهم / عن عرضها فهي لن تنسى لنساء
ومن يجيئون حيث الضاد مكرمة / سيكرمونك إكرام الألباء
فنّ كفنّك لن يفنى وإن بعدت / به السنون كبعد للأحباء
لم ندر أيهما أولى بتكرمة / تأليفك الحر في نقد وإيصاء
أم عبقرية تمثيل خصصت به / حتى تعدد في ألوان إيحاء
يا مصلحا كل ما أهدى لنا مثل / للمصلحين ودستور الأطباء
تخذت بعد أبيك الشهم سيرته / شعارك الحي في تنوير دهماء
وفي التسامي بمن هانوا ومن قبعوا / في اللهو حتى غدوا أدنى الأذلاء
إنا افتقدناك في وقت أحق به / من كان مثلك يحمي كل علياء
من كان دون شبيه في مناقبه / حلو الفكاهة حتى للألداء
ويمزج الجد طي المزح تحسبه / يلهو وفيه أفانين لإغراء
نم في ضريحك نوم الأنس في سرر / من الضياء وفي ألوان أشذاء
واقبل دموعي رثائي فهو من مهج / شتى وإن كن أزهاري وأندائي
أبطال غزة بعد قبية هللوا
أبطال غزة بعد قبية هللوا / إن المخازي الموبقات فخاركم
لا تنكروها ما الذي يبقى إذا / أنكرتموها وهي بعد شعاركم
ذهب السموأل والمروءة والندى / وعبدتمو صهيون وهو نضاركم
وعققتمو موسىكسابق عهدكم / فإذا الدنايا دينكم وعقاركم
عار على وطني الشكاة وحقه / تأديبكم إذ تسباح دياركم
يا غاصبين تمرغوا في رجسهم / أكذا يتيه برجسكم أطهاركم
أنا لا ألومكمو كلومي أمتي / بل كل يعرب حين جن حماركم
رفض المدافع والذخائر فانبرت / نيرانها ومضى بها إعصاركم
وبنو العروبة بين لهو صارخ / أو جعجعات كلها أنصاركم
ولهم من الدخلاء ألف مهرج / يتنافسون وبينهم أصهاركم
زعموا العروبة دينهم واستمروا / طعن الحماة لكي تعز شفاركم
مسكينة هذي العروبة ما درت / ما عارها الباقي وما هو عاركم
حمدت ربي على ذمي فأكثره
حمدت ربي على ذمي فأكثره / ممّن وهبت له حبي وإيثاري
فراح يخترع الأوهام يلفحني / بها ويحسب أني بت في النار
أبا العقوق رويدا لم تنل وطرا / سوى اتسامك بالتهريج والعار
ما شك يوما بإيماني ولا عملي / حر نبيل فعيشي عيش أحرار
وهبت عمري لخير الناس قاطبة / فصار عمري المرجى بين أعمار
وما عرفت الدنايا كيفما اتسمت / يا من عرفت الدنايا بين فجار
ولا وصفت بغير العقل أبذله / وعظا وفلسفة في جم أشعاري
فكيف تعرض عني ثم تشتمني / يا أيها الغر يا منبوذ أغرار
سقراط ما عابه من راح يشتمه / ومن حباه بتلفيق وأوضار
ومن تفنن في تجريح ذمته / أو نعته بسخافات وأضرار
حتى تولى شهيدا صار يخسده / من رافقوه بأدهار وأدهار
لئن تذوقت سما أنت واضعه / فيما طهوت فهذا السم أزهاري
نفسي تحيل الأذى نعمى ويخطئها / ألكائدون ولو لاذوا بأسوار
إني الكفيل بإشهار الذي صنعت / يداك يا صاغرا يعنى بإصغاري
فذاك شر عقاب للذي حقرت / جهوده وتهادى بين أشرار
ثم ادعى الطهر في ستر لعورته / بئس الطهارة في مجموع أوزار
لا عشت إن كان نبرسي سوى أدبي / ومهجتي وضميري الناصع الواري
أنا المعلم أجيالا مفاخرها / والرائد الحر في سعيي وآثاري
هل جنت الأرض حتى صرت تحرثها / وكنت ملقى عليها بين أحجار
ألأم هل جننت بإحساني بلا سبب / حتى لدغت بمكار وغدار
أصار مثلك حقا من يحاسبني / يا خيبة الدهر في إعزاز ثرثار
وضيعة الحق بين العابثين به / كأنه زهرة في رغو تيار
تحيا العروبة في قولي وفي عملي / وفي مثاليتي العليا لأبرار
ولا تعيش بأفاك ومرتزق / وعاجز همة ألوان إتجار
لمست من حشراتي كل مرحمة / وما أنست بها من صاحبي الضاري
قالوا طيور تغالي في محبتها
قالوا طيور تغالي في محبتها / فقلت ما كن إلا بعض أبنائي
مرحن حولي كالأطفال في لعب / حتى تحاربن في فسقية الماء
وألبست ريشها الألوان أوسمة / كأنما تتحدى مجد أضواء
يبعثر الماء درّا في تنافسها / كأنّها كرنفال الفنّ للرّائي
ويغضب الماء حينا في تبجّحها / فيستثار كموج فوق أنواء
وكم تعالت لنا أصواتها هرجا / فأضحكتنا وشاقتنا بإيماء
كأنما صور التمثيل معرضها / ما بين وثب وترتيل وأزياء
وأشرب الشاي عن قرب أراقبها / منعّما وكأنّ الشايَ صهبائي
تركت ديوان شعر كنت أقرؤه / لما تسامت بألحان وأصداء
كم شاعر بينها في قوله عجب / للملهمين فما يكفيه إصغائي
لا تشخروا من ودادي حين أرمقها / وحين أعشقها من دون أسماء
لكل طير معان وهي كافية / لتستقل بأشعاري وأهوائي
أسكنتها في عيوني وهي شاردة / كالزهر تسكنه ذرات أنداء
وحومت حول سمعي حينما صمتت / كأنما الصمت مقرون بإفشاء
فهل أغالي إذا أخلصتها مقتي / وهل تغالي بتجديدي وإحيائي
مدّ الخريف رواقا من مباهجه
مدّ الخريف رواقا من مباهجه / وبينها نثر أطياف وألوان
وهذه غادتي الحمراء راقصة / كأنها وحدها خصّت ببستاني
أو أنّ أوراقها لاحت تراودني / بحمرة الشمس قبل المغرب القاني
كأنها ما درت ما اشتد من محني / أو إن درت لم تشاطر بعض أحزاني
شقيقة الزهر في أصباغ فرحته / أحسنت حتى وإن أحسنت نسياني
يثي من الفرحة الألوان زاهية / لفتنة الطير والإنسان في آن
ولا تبالي عزوفي فهو عن مقة / كأنما أنا أخشى بث أجشاني
وكان أولى بمثلي في تفجّعه / صبر على الضيق مهما الضيق آذاني
أنا الذي علم المكلوم بهجته / فصارع الهم جياشا بألحاني
رفي إذن في نضار رائع بهج / وحمرة من يواقيت ومرجان
بل من معان تخيّلنا نفائسها / وما عرفنا لها كنها بوجدان
كأنها بعض أحلام مجنّحة / تمثّلت فوق أوراق وأغصان
كأنها حلو إلهام يداعبنا / لكنّه فوق إحساس لإنسان
إلا التفاؤل يبدو من مخائلها / وإن سما فوق تكييفي وحسباني
ولا تعيبي الذي ما حد من نظري / إليك مثل غريب جائع عن
فإن فيك من الصوفيّ فلسفة / وفي من عابد ما بزّ إيماني
وقد قتلت سلوي عنك ساحرة / فلا تلومي إذن قربي وتحناني