القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 59
هل للأمير أعز الله حكمته
هل للأمير أعز الله حكمته / أن ينقذ الشعب من ضيم يعانيه
والضيم ألوانه شتى وأظلمها / أن يشعر المرء أن الموت يغنيه
يا فيصل الحكم هذي فرصة عرضت / لتراي الصدع في مبنى وبانيه
فالشعب لا بد من بعث يحين له / وسوف يسحق حتما مستغليه
كن أنت قدوته المثلى وزده غنى / ولا تدعه شريدا في دياجيه
وزّع على الشعب آلافا له نهبت / قبل انتقام وشيك كامن فيه
أو لا فيا هول يوم قادم خطر / جهنّم ستغنّي وهي تسقيه
مسكينة إن من خانوك أوقحهم
مسكينة إن من خانوك أوقحهم / أهلوك أو من تراءوا شبه أهليك
من كل علج حقير يدعي شرفا / وهمه دون هم للمفاليك
لا شيء غير بريق المال يشغله / ثم التجارة في أمجاد ماضيك
وفي شقائك يتلو حوله سورا / من النفاق وتبدو مثل فاديك
مهلهلا كل شهم لا تراوده / إلا عظائم ماضيك وآتيك
وغامزا كل من آثاره صور / من تضحيات بتشويه وتشكيك
حتى ينال مكانا في تفرده / بالزور ما بين تهديم وتفكيك
يبغي الزعامة صعلوك بفطرته / بئس الزعامة في أيدي الصعاليك
أما ملوكك لا كانوا ولا ملكوا / فهم أخس مثال للمماليك
باعوك دون جزاء في تذبذبهم / إلا مذلتهم أيان باعوك
ومثلهم زمرة الأقطاب رائدهم / مثل الرحى طحن كنز ماثل فيك
يبددون القوى تبديد متّهم / في العقل والخلق أو تبديد مهتوك
ويطمعون الأعادي فيك عن سفه / حتى يعيث الأعادي في معاليك
صه يا دخيل علينا ليس تعرفه / إلا مجالي التدني لا مجاليك
حرباء أنت بل قل ثعلب أسر / يختال كالهر أو يختال كالديك
إنا سئمنا الدعاوى كم حمت مرضا / وكم حمت غرضا بين الأضاحيك
لولا المآسي التي عمت أمانينا / فأين أين الذي أحيا أمانيك
لعل ذاك جمال في تجرّده / عن المطامح إلا ما يعليك
سما على منكبيه مجد أمتنا / حين الخؤون المرائي راح يرثيك
الفطر جاء بآمال نجددها
الفطر جاء بآمال نجددها / إن الحياة لآمال وتجديد
لولا التعلق بالآمال نعبدها / لم يكرم العيد بل لم يعرف العيد
صلى مع الفجر من صلوا فقبلهم / وقبّلتني بنجواها الأناشيد
يا ليتني كنت مثل الفجر عافية / فلا يرد صلاتي فيه تقييد
وأنشق العطر في الأحلام وارفة / كأنها من رضاء الله تاييد
وأنظم الحب من قلبي معلّقة / وإن سكت فنبض القلب توحيد
أهلا بعيد رفيق الحب باركه / وباركته الأحاسيس المواليد
كأنما ليلة القدر التي سلفت / قد أنجبتها وسوتها التقاليد
سألت ربي إيحاء ألوذ به / فإن عمري تفكير وتسهيد
فقال لي الوحي عش للناس أجمعهم / لو أن معظمهم جان وعربيد
وأجعل من العيد مبدا يستعز به / ففي يديه إذا شاؤوا المقاليد
مبدا التطلع للإصلاح يشملهم / كما تطلع نحو الواحة البيد
عيد اضاء به الإسلام أمثلة / من الجلال وفيه النور تغريد
عيد السلام وعيد الفطر قد جمعا / مدى العصور فإن السلم تعييد
كل احتفاء به للسلم مرجعه / والسلم كالحب لم يعرفه تحديد
من يعشق السلم حر شامخ بطل / وعاشق الحرب رغم الزهو رعديد
فاسكب علينا جمالا أنت مبدعه / يا عيد وامسح دموع الحزن يا عيد
وإنني باسمك الميمون في فرحي / اشدو وأدعو كأن الشدو تسديد
أدعو بلادا أطال الجهل نومتها / حتى تفيق فإن النوم تهديد
وإنما أمم الإسلام مبدؤها / علم وسعي وإصلاح وتخليد
فإن تفتها فما الإسلام ملتها / وكل مدح لها نوح وتعديد
وإن تسابق سواها في مآثرها / فلن يساورها ظلم وتبديد
وسوف ترجع للإسلام عزته / كما تسامى بها الموتى الصناديد
إن نام أيار عن ورد وعدت به
إن نام أيار عن ورد وعدت به / فهل أنال حقوقي من حزيران
إن الورود معان ليس يعرفها / غلا محب وإلا قلب فتان
تناوب العطر والألوان أمثلة / من النشيد لإحساسي ووجداني
وما غنيت وحولي من موائدها / غنم ومن خمرها ريّ لظمآن
أشمها إذ أراها شعر آلهة / والعطر كالشعر في استهواء إنسان
عرائس الزهر فاقت في منافسة / عرائس الناس في حسن وألوان
أحنو عليها كأني عاشق وأب / أو أنها خلقت من قلب الحاني
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم / عيد وألفهم تحرير إنسان
لا مجد للأرض إن دب العبيد بها / وإن تسخر لأصنام وأوثان
إن أطلع الورد هذا الشهر مزدهيا / فإن أجمله تحرير عبدان
العالم الحر حياه ومجده / وحفه بتراتيل وقرآن
فاقت بإخلاصها الواعي ورهبتها / آي التبتل في تسبيح رهبان
إن الأخوة للإنسان حليته / قبل التضلع من دين وعرفان
إن التحرر للإنسان عزته / قبل الجلالة من ملك وسلطان
إن المساواة للإنسان قيمته / قبل انتساب لأجداد وأوطان
في مثل ذا اليوم ثار الحق ثروته / شوقا لفك قيود البائس العاني
فأصبح الحق بالجمهور مندمجا / من بعد ما كان إرث الباطش الجاني
فأيّ نجوى إذن تزجى لروعته / أجل من شكر ارواح وأبدان
ومن إطاعته لا طوع عميان / بل طوع ذي بصر حر وإيمان
في كل عم نحيي عيده شغفا / كالفيض في شوق أنهار وغدران
لدن يجدد أرواحا لنا فنيت / من الكفاح ومن ظلم وبهتان
أنسيت نيسان إذ مات الربيع به / لما لثمت الأماني في حزيران
كأنما خلقت من نوح أفئدة / كالنور يخلق من تسعير نيران
أو أنها بعد جدب شبه فاكهة / تألقت طفلة في حضن بستان
نحنو عليها ونرجو أن تزاملنا / مع الحياة لأزمان وأزمان
وأن تعم شعوب الناس قاطبة / مثل الهواء ومثل النور في آن
بوركت يا عيد ما أحياك أحياني / ودمت يا عيد ذكرى كل إنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان / فالظلم والموت للإنسان سيان
وليس يعرف عيد في جلالته / أجل من عيد تحرير لإنسان
فكيف بالعيد أحيا أمة رزحت / تحت البلاءين من جهل وطغيان
كأنما كل ماضيها الذي حفلت / به الشعوب خرافات لسكران
فلا هياكل أخناتون قد نهضت / على ثراها ولا توحيد أديان
وليس أحمس منسوبا لوثبتها / ولا تجلت بها آيات عرفا
ولا تهادى بها التمدين منبسطا / والنيل ما بين إحياء وإحسان
ولا تهافت من راموا مودتها / على منائر جازت كل حسبان
شأى الغزاة فنونا من مآثرها / فما استطاعوا وأعطت كل فنان
وأوغلوا فتواروا في مقابرها / تواري السيل في أعماق كثبان
كأنما الفاطميون الألى ابتدعوا / لها الحضارة كانوا أهل بهتان
كأنما الأزهر المعمور فارقها / وبيع سكانها في سوق عبدان
كأنما كل ما أعطت وما خلقت / لغو ويصدق فيه الحاقد الشاني
من شوّة المجد حتى صار منقصة / وأفسد الحق حتى صار كالجاني
لا شيء غير عتو الظلم دان له / من لا يدين لأصنام وأوثان
كأنما أنكر الأديان أجمعها / من قدسوها فهانت دون أثمان
وبات كافور من كنا نرجبه / وإن يكن في أديم أبيض قاني
من سخّر الدين عبدا في فضائحه / ولم يزل خصم إنجيل وقرآن
من داس فوق رقاب الناس أجمعهم / كأنهم مثله أشباه خصيان
غلا فريقا من الأحرار قد علموا / للثار ما بين تشريد وحرمان
واسعذبوا النفي رغم البؤس يرهقهم / حتى يؤدوا أمانات لأوطان
واستمرؤوا الموت ممن راح يسحقهم / كأنهم حشرات موتها داني
واستشهدوا في سبيل النبل ليس لهم / هم يمت لهذا العالم الفاني
فدى لمصر التي عزّ المسيح بها / طفلا وعاد لها في دينه الساني
فدى لمصر التي الإسلام باركها / كنانة الله ما دانت لكفران
فدى لخير مثالياتها وفدى / لجيلهها الواثب المستيقظ الباني
حتى استجاب لها الأحرار أجمعهم / والجيش واحتشدوا في وجه شيطان
وخر من عرشه المنهوك في وجل / كأنما هو من خوص وعيدان
وراح شر طريد مصر تلفظه / للبحر مثل وبىء بين جرذان
يا ليت مصر التي قد خان نعمتها / وارته في إثمه من غير أكفان
وعلها اليوم في ذكرى لثورتها / لا تكتفي بازدراء أو بنسيان
فالحق تأييده في كف إيمان / والبطش تبديده في كف نيران
تموز يا شهر أعياد محجلة / وكل عيد له عيد لوجداني
من لي بزورة أوطان فتنت بها / وإن أكن في ربوع مثل أوطاني
لأشهد الفرحة العظمى وأنشرها / عطرا بشعري أو نورا بألحاني
وأرسم اليوم معنى مجدها الثاني / في فخم ألوانه لا فخم ألواني
وأرقب الكادح الفلاح ممتلكا / لأرضه لا بهيما ملك أطيان
وأنظر المجلس الشورى مجتمعا / في عزة الحر لا في ذلة العاني
وكل أعضائه زانوا مقاعهدهم / كما تلألأ أفكار بأذهان
قد أقسموا أن يصونوا مصر عن سفه / ويبلغوها مكانا فوق كيوان
ويسهموا في حضارات منوّعة / لا في سفاسف أوهام وأضغان
ويجعلوا الدين معنى لا يلوّنه / إفك السياسة أو تسميم ثعبان
إن كنت في البعد لم يعطف سوى حلمي / على حنيني فهذا الحلم غنياني
أو كنت في البعد منسيا فما برحت / روحي ترفرف في أصداء تحناني
أبناء مصر التي تسمو مناقبها / فوق الفراعين في تقدير أزمان
مثل الجواهر زاد العمر قيمتها / أو كالنجوم بعمر جد نوراتي
اليوم مبدأ عهد كله همم / كالنيرات أضاءت وسط إدجان
لا عذر بعد ليأس قد يساوركم / فإنكم أهل هذا الموطن الحاني
الجيش أنتم وأنتم مصر لا ملك / جان عليكم ولا آثام أعوان
وحطكم بين أعمال مخلّدة / وتضحيات لأبطال وشجعان
رسالتي قبل كانت في إثارتكم / كما يثار شواظ طيّ بركان
واليوم غنى لكم شعري محامدكم / كما تغنى بنفح الزهر بستاني
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل / هنّئت ما مصر إلا أم أوطان
أم الحضارة ما كانت طفولتها / إلا مفاخر فنان وإنسان
لكل فرد بلاد يستعز بها / ومصر مهما استقل الموطن الثاني
لها عهود على الدنيا موثقة / فطالما حبت الدنيا بإحسان
أنت ابنها البر لا تنسيك منزلة / حقّا عليك ولا كر لأزمان
ومن يعد عمادا في تخصّصه / وخالقا لمزايا جيلها الباني
علم وعلم فلا خير لأمتنا / إلا من العلم إن العلم نوران
والثم ثرى مصر عنّي راكعا شغفا / وخذ فؤادي عني بعض قرباني
علم كعلمك غذاني وأحياني / كذاك خلقك يوم اليأس أحياني
وما أقول وداعا بل أقول وعلى / في موطن الشمس ناجاني وناداني
يا من تواضعه عنوان حكمته / وقدره فوق تقدير وعنوان
ومن شغلت طويلا عن مجالسه / لأنت أدنى إلى قلبي من الداني
عهد عليك شباب النيل ترشدهم / للحق إن خانهم تدجيل شيطان
إن الشجاعة اسمى ما اتصفت به / فاصدع بها الباطل المستأسد الجاني
لا خير في العلم صار الجبن سيده / فالعلم بالعلم يرقى دون سلطان
هذي تحية مهجور ومغترب / وباقة من أحاسيسي وألحاني
لم ألق غيرك موهوبا ليرفعها / لمصر حين وفاء النيل ناجاني
ولم أجد نابغا أولى بتكرمتي / ولا مثالية أولى بإيماني
فعش لقومك بل للناس أجمعهم / وعد لقومك ذخرا ليس بالفاني
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا / فقلت يا قوم جاء الهم والكدر
من ذا سواه خليق أن يؤدبنا / وأن يعلمنا ما الخبر والخبر
وما الجرامر ألغازا وأحجية / والفرق ما بين عمرو قال أو عمر
هيهات هيهات لم يبلغ مكانته / إلا حبيب فكم عزت له سور
ويا له سيدا للخلق نعبده / كأنه الصنم العزى أو الحجر
ولست أنكر أن الدسك زينه / الشمس والرائع والمريخ والقمر
ثلاثة فرحات راح يخلقهم / من بعد ما فرحوا بالموت أوقبروا
يا راحلا وله في ذكرنا أثر / بوركت كم حاضر لم يبقه أثر
إلى مباءة درس أنت تعشقه / ونحن ندرس في قيظ ونحتضر
علم وعلم وأنجب كل نافعة / فليس يخلد إلا العلم والفكر
واسعد بدنياك في بحث وفي كتب / إن كان يسعد من لم ترضه الهذر
شربت فلسفتي من نبع آلامي
شربت فلسفتي من نبع آلامي / وقبلها عب منه قلبي الدامي
وما برحت أغني زاخرا أبدا / كأن آلام قلبي لسن آلامي
كأن دمعي أناشيد قد احتبست / حتى تراق على قدسي أنغام
أن المسيح قبيل الصلب من حرق / كما أعاني تباريحي وإعدامي
وإن حسدت كأن البؤس لي شرف / وكل أهل الغنى في البؤس خدامي
أنا الضعيف ولكني العتيّ على / نفسي إذا النفس لم تعبأ بأحكامي
إياك إياك يا نفسي مهادنة / للظلم أو فاقبعي في سجن ظلام
معنى الحياة ابتسام لا يفارقها / وإن أحيطت بجدب غير بسام
وهل أكون سوى رمز تضن به / على الفناء وإن أفنيت أعوامي
عابوا الحقيقة في شعري وما سكنت / سوى الحقيقة أسمى شعري السامي
ما سف يوما وإن بجهلة من جهلة / أن الحياة تعالت فوق أحلام
وأن وجدي وتفكيري وفلسفتي / ليست سوى مثل من فن رسام
ذاق الخلود بألوان مجنحة / فوق النجوم وفي ألوان آكام
كل الطبية معبود لمهجته / تشكلت حول أطياف وإلهام
تمتد خفاقة لا حد يحصرها / كخفق قلبي على إحساسي النامي
أنا ابنها لا ينال الدهر من أثري / ولم ينل قبل من نور وأجرام
كم من صغير تردى في حقارته / للناس وهو جليل شامخ سام
كالبذر أو قطرة للبحر شاردة / هي الوجود تناهت فوق أنسام
وعيتها في خيالي فهي فلسفتي / وإن تعز على بهم واصنام
تطير في فرحة نشوى ويرفعها / حب الحياة إلى غايات إقدام
كأنها صائد ردت حماسته / خوف الممات بأدغال وآجام
أغزو كما غزت الدنيا وإن فشلت / وإن تمزقت من غدر لأخصامي
حسبي التجارب في دنياي أفهمها / وإن تدق ولم تكشف لأفهام
حسبي شعوري بأن الكون أجمعه / يوما سيتلى ويجري فوق أقلام
حسبي على الرغم من هم ومن نصب / أني الطليق ولم أرضخ لإرغام
إلى الصديق خفاجفي عوالمه
إلى الصديق خفاجفي عوالمه / ما بين شاهق أبحاث وأسفار
أبثّ من لوعتي ما فاض عن كلمي / وإن تحجب في مكنوز إضماري
تجمّعت غصص الدنيا وما فتئت / حربا عليّ وعادتني لإيثاري
فإن أعش في جنان كلها عجب / فإن قلبي بالتعذيب في النار
قد ضيّعت عصبة للنقل مكتبتي / يا عصبة النقل قد خلدت في العار
وضيع النقل رزقا كان لي سندا / كأنما الدهر مشغول بإفقاري
وضيع الهم نزرا كان عافيتي / فما انتفعت بسكان ولا جار
وصار ديني رفيقا لا يفارقني / وكان ودّعه أو كاد إنذاري
وإذ عرضت لبيع كل ما ملكت / يدي خذلت كما قد ضيعوا داري
أنا المعاقب لا ذنب جنيت سوى / بري كأن عظيم الذنب آثاري
ومن عجيب إذا ما الحزن يغمرني / لطمته مثل سباح بتيار
لم أدر هل جن قلبي فثي تفاؤله / أم ما درى خطبه أم أنه الداري
لقد تمرست عمري بالأسى فغدا / مني ومد الأسى عمري لأعمار
لمن أعذب ما جدواي من زمني / وما حياتي ومن يعنيه إكباري
لج المراقب في شطب لأفكاري / ما كان أولاه تثقيفا بأفكاري
إن الخيانة للأوطان أخطرها / حجر على الحق أو إرهاق أحرار
وترك مثلي يعاني في تحرقه / عار على الجيل لا ذنبي ولا عاري
ما جاء قبلك للتخليد إنسان
ما جاء قبلك للتخليد إنسان / عنا له الظلم والظلام أو دانوا
أو دونت صحف التاريخ معجزة / كمعجزاتك فيها العقل برهان
ألم تكن أنت في صحراء موحشة / الواحة السمحة المثلى لمن عانوا
ألم تكن أنت في دهماء قاسية / النجم أضواؤه هدي وعرفان
ألم تكن أنت محيي الناس مكرمهم / من بعد ما أغرقوا في الموت أو هانوا
ألم تكن أنت للدنيا معلمها / حين الخرافة أديان وسلطان
ألم تكن أنت للأسرى محررهم / والأسر والرق مثل الموت ألوان
ألم تكن أنت للإنسان حجته / على الفناء إذا الإنسان إنسان
يا أيها البطل الأميّ عش أبدا / ذكراك عطر وأضواء وألحان
إن الزمان الذي نورت طلعته / من نوره سطعت للخلد أزمان
لولا تعالميكم اللاتي قد ازدهرت / مدى العصور لعم الأرض طوفان
والجهل أخطر من إعصار كارثة / فما سواه لرزء الناس شيطان
ميلادك الحر ميلاد يفوح شذى / كما يفوح بشعر الحب بستان
قالوا أتنظم شعرا في محبّته / فالشعر للصادق الإحساس ميزان
وأيّشعر لمثلي كيفما عظمت / رموزه في الذي نجواه قرآن
من حرر العقل حين الناس أكثرهم / دون البهائم والأديان أوثان
من ثار في الناس لا تخشى عقيدته / إلا الإله فلم يردعه طغيان
من علم الناس معنى السلم في زمن / كان الأعزّ به بطش وعدوان
من لقّن الحكمة الشورى بسيرته / ووزّع الحب فالأعداء إخوان
من رام كل الورى أنصار دعوته / على المدى واصطفاهم أينما كانوا
من راض للناس أحلاما لعزتهم / وبعض إلهامه السامي السبرمان
ماذا أقول وشعري دون ما ملكت / نهاي حين جميع الكون آذان
حسبي قليلي فنزري في جواهره / من وحي من حبه كنز وديوان
في ظله كلنا أبناء ملّته / فما تتاءت برغم البعد صلبان
وكلنا يوم هذا العيد أمته / إن العروبة إيمان وأوطان
الحب والحسن والأمان
الحب والحسن والأمان / أعز ما يمنح الزمان
أحظيَ اليوم أن أراها / تعود أم فاتها الأوان
مشاهد قد خلبن لبّي / كأنما بينها رهان
قد أبدعتها بلا شبيه / العبقريات لا المران
فكل شيء بها طريف / وبعض آياتها الجنان
والناس آدابهم تسامت / بها فزينوا بها وزانوا
وساد أصفى الهدوء حتى / كأنما عندها يصان
أتيتها خائفا حزينا / فهشّ لي الحب والأمان
وسقسقت لي الغصون شعرا / كأنما الدوح مهرجان
والجو في دفئه عطوف / كأهلها دفؤه حنان
يطل من نصبها جلال / وذكريات لها بيان
وكم بها متحف أثير / يفوح من مجده الدهان
وكم بها نعمة ولكن / هل يجذب النعمة افتتان
أنى تلفّت لم أجدني / إلا رؤى فاتها الحسان
وكل ما في الحياة يلهو / كأنما الكل دون جوان
إن يحرق الناس نثر روض / في حين أوراقه جمان
فقبله النار بددتني / وما تبقى هو الدخان
الله في الحب ألحان واضواء
الله في الحب ألحان واضواء / والله في السلم أزهار وأنداء
حييت يا سلم هذا يوم سيّده / فلتخجل الحرب ولتعتزّ ورقاء
وليفرح العالم المنكوب عن سفه / فقد تعالت على الضوضاء أشذاء
إني أشم عطورا لا أكيفها / لكن يكيفها للنفس إيحاء
فأين مبعثها الروحي يشملني / فليس تدركه عين وإصغاء
لعل في الجامع المبرور تذكرة / فها هو الجامع المبرور وضاء
من وضع أمجد عن بر بملّته / وكذاك يصطحب الأكفاء أكفاء
بلاد إقبال لا فاتتك فلسفة / تعلي السلام ولا نالتك ضراء
إن السلام هو الإسلام من قدم / كما رآه الألباء الأجلّاء
وليس أليق رمزا في رسالته / من جامع حوله الإيمان أضواء
في جادة أسهمت في عرسها أمم / وبوركت فإذا الظلماء لألاء
ما بال مصر تناست ثم مغرسها / وفي ثرى مصر للجنات أفياء
كأنما ما مشى نور المسيح بها / ونوره في جميع الأرض مشاء
كأنما مريم العذراء ما سكنت / بأرضها وكأن الأرض جرداء
وأين ما وهب الأردن من شجر / وفي بساتينه الأدواح غنّاء
واين قدسي أرضيه التي سطعت / أمالها اليوم في الإسراء إسراء
يا ليتني المتنبي الآن صولته / تهز من أذنه للحقف صماء
حتى أعلم قومي في توجسهم / أن العروبة كالإسلام زهراء
أن التسامح اسنى ما يشاد به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / فكل ما رف أنغام وأصداء
وإن تكن قد تناهت في مشاعرنا / من العواطف أطهار وعذراء
فهللي يا بروجا طالما هتفت / كما هتفت وناجاها الأرقاء
وحررينا من الأحزان قاهرة / كما تحرر من أسداده الماء
قال الصديق وديع في سوانحه
قال الصديق وديع في سوانحه / تقسو الحياة على الأخيار أرزاء
وراح يذكر من آثاره مثل / للمحسنين أسر الدهر أم ساء
من رنق الأدب العالي بنفحته / وحظه من عقوق الدهر ما شاء
لم يكفه الخطب في زوج وفي ولد / حتى أراه جحود الناس أنواء
فيم التفجع والدنيا فواجعها / لا تنتهي وتعيد الأمس أصداء
خل احتمالك ثأرا من نكايتها / واسخر بها حينما تشقي الألباء
جئنا إلى الكون في الذرات من قدم / ولم نفارقه أطيافا واضواء
وليس يعرف منا كنهه أحد / وإن تغلغل في ماضيه مشاء
وإن عرفنا عرفنا بعض أخيلة / كأنما البحر ما نلقاه أنداء
ليست نقاط حروف لا نكيفها / قصيدة راودتنا اليوم عصماء
ولا المآسي التي غاضت مدامعنا / من نارها ستزيد الكون أشلاء
ساوى النشوء دمارا في مسارحه / كما عرفت وساوى البؤس نعماء
وما شكوت التياعا بل مسايرة / للفن أجتاز أمواتا وأحياء
فسر معي يا أديبا عيشه حرق / في مهمه العمر مغمورين أهواء
نحيا لهيبا كأنا شبه ألهة / ونغتدي بانتهاء النار إيحاء
أخي سليمان هذي غربتي بلغت
أخي سليمان هذي غربتي بلغت / بي غربتين وزاد الموت إقصائي
قد كنت أشجي لنايي عنك في أسفي / يا ليتني دمت ذاك الآسف النائي
ما لي سبيل إلى لقيا فأنشدها / فعالم الغيب محفوف بظلماء
لا على ذكريات حية أبدا / من الطفولة لم يبرحن تلقائي
عشنا سويا أليفي نعمة وهوى / نحسو الشذى بين أزهار وأضواء
لم يبلغ الطير ما نلناه من مرح / ومن طلاقة أحلام وأهواء
ولا ابتسام شواطي النيل ما بلغت / عيننا من صفاء دون أقذاء
ولا خرير السواقي في تعثرها / تعثري ضاحكا في الطين والماء
ولا اختصام الورى والحرب صاخبة / مثل اختصام لنا من غير شحناء
ولا الأماني للدنيا بأجمعها / ساوت أمانينا أو بعض إحصائي
تلك السنون التي مرت على عجل / ذخيرة لم تفت لحظي وإصغائي
أحسها وأناجيها وأعرفها / كأنما هي من ذاتي وأعضائي
يا خادم المسرح العالي يسيرته / هذي رواياتك العصماء للرائي
قد خلدت في المرائي فهي نابضة / بين الورى والمرائي مثل أحياء
من عاصروك استقلواف ي مشاعرهم / عن عرضها فهي لن تنسى لنساء
ومن يجيئون حيث الضاد مكرمة / سيكرمونك إكرام الألباء
فنّ كفنّك لن يفنى وإن بعدت / به السنون كبعد للأحباء
لم ندر أيهما أولى بتكرمة / تأليفك الحر في نقد وإيصاء
أم عبقرية تمثيل خصصت به / حتى تعدد في ألوان إيحاء
يا مصلحا كل ما أهدى لنا مثل / للمصلحين ودستور الأطباء
تخذت بعد أبيك الشهم سيرته / شعارك الحي في تنوير دهماء
وفي التسامي بمن هانوا ومن قبعوا / في اللهو حتى غدوا أدنى الأذلاء
إنا افتقدناك في وقت أحق به / من كان مثلك يحمي كل علياء
من كان دون شبيه في مناقبه / حلو الفكاهة حتى للألداء
ويمزج الجد طي المزح تحسبه / يلهو وفيه أفانين لإغراء
نم في ضريحك نوم الأنس في سرر / من الضياء وفي ألوان أشذاء
واقبل دموعي رثائي فهو من مهج / شتى وإن كن أزهاري وأندائي
أبطال غزة بعد قبية هللوا
أبطال غزة بعد قبية هللوا / إن المخازي الموبقات فخاركم
لا تنكروها ما الذي يبقى إذا / أنكرتموها وهي بعد شعاركم
ذهب السموأل والمروءة والندى / وعبدتمو صهيون وهو نضاركم
وعققتمو موسىكسابق عهدكم / فإذا الدنايا دينكم وعقاركم
عار على وطني الشكاة وحقه / تأديبكم إذ تسباح دياركم
يا غاصبين تمرغوا في رجسهم / أكذا يتيه برجسكم أطهاركم
أنا لا ألومكمو كلومي أمتي / بل كل يعرب حين جن حماركم
رفض المدافع والذخائر فانبرت / نيرانها ومضى بها إعصاركم
وبنو العروبة بين لهو صارخ / أو جعجعات كلها أنصاركم
ولهم من الدخلاء ألف مهرج / يتنافسون وبينهم أصهاركم
زعموا العروبة دينهم واستمروا / طعن الحماة لكي تعز شفاركم
مسكينة هذي العروبة ما درت / ما عارها الباقي وما هو عاركم
حمدت ربي على ذمي فأكثره
حمدت ربي على ذمي فأكثره / ممّن وهبت له حبي وإيثاري
فراح يخترع الأوهام يلفحني / بها ويحسب أني بت في النار
أبا العقوق رويدا لم تنل وطرا / سوى اتسامك بالتهريج والعار
ما شك يوما بإيماني ولا عملي / حر نبيل فعيشي عيش أحرار
وهبت عمري لخير الناس قاطبة / فصار عمري المرجى بين أعمار
وما عرفت الدنايا كيفما اتسمت / يا من عرفت الدنايا بين فجار
ولا وصفت بغير العقل أبذله / وعظا وفلسفة في جم أشعاري
فكيف تعرض عني ثم تشتمني / يا أيها الغر يا منبوذ أغرار
سقراط ما عابه من راح يشتمه / ومن حباه بتلفيق وأوضار
ومن تفنن في تجريح ذمته / أو نعته بسخافات وأضرار
حتى تولى شهيدا صار يخسده / من رافقوه بأدهار وأدهار
لئن تذوقت سما أنت واضعه / فيما طهوت فهذا السم أزهاري
نفسي تحيل الأذى نعمى ويخطئها / ألكائدون ولو لاذوا بأسوار
إني الكفيل بإشهار الذي صنعت / يداك يا صاغرا يعنى بإصغاري
فذاك شر عقاب للذي حقرت / جهوده وتهادى بين أشرار
ثم ادعى الطهر في ستر لعورته / بئس الطهارة في مجموع أوزار
لا عشت إن كان نبرسي سوى أدبي / ومهجتي وضميري الناصع الواري
أنا المعلم أجيالا مفاخرها / والرائد الحر في سعيي وآثاري
هل جنت الأرض حتى صرت تحرثها / وكنت ملقى عليها بين أحجار
ألأم هل جننت بإحساني بلا سبب / حتى لدغت بمكار وغدار
أصار مثلك حقا من يحاسبني / يا خيبة الدهر في إعزاز ثرثار
وضيعة الحق بين العابثين به / كأنه زهرة في رغو تيار
تحيا العروبة في قولي وفي عملي / وفي مثاليتي العليا لأبرار
ولا تعيش بأفاك ومرتزق / وعاجز همة ألوان إتجار
لمست من حشراتي كل مرحمة / وما أنست بها من صاحبي الضاري
قالوا طيور تغالي في محبتها
قالوا طيور تغالي في محبتها / فقلت ما كن إلا بعض أبنائي
مرحن حولي كالأطفال في لعب / حتى تحاربن في فسقية الماء
وألبست ريشها الألوان أوسمة / كأنما تتحدى مجد أضواء
يبعثر الماء درّا في تنافسها / كأنّها كرنفال الفنّ للرّائي
ويغضب الماء حينا في تبجّحها / فيستثار كموج فوق أنواء
وكم تعالت لنا أصواتها هرجا / فأضحكتنا وشاقتنا بإيماء
كأنما صور التمثيل معرضها / ما بين وثب وترتيل وأزياء
وأشرب الشاي عن قرب أراقبها / منعّما وكأنّ الشايَ صهبائي
تركت ديوان شعر كنت أقرؤه / لما تسامت بألحان وأصداء
كم شاعر بينها في قوله عجب / للملهمين فما يكفيه إصغائي
لا تشخروا من ودادي حين أرمقها / وحين أعشقها من دون أسماء
لكل طير معان وهي كافية / لتستقل بأشعاري وأهوائي
أسكنتها في عيوني وهي شاردة / كالزهر تسكنه ذرات أنداء
وحومت حول سمعي حينما صمتت / كأنما الصمت مقرون بإفشاء
فهل أغالي إذا أخلصتها مقتي / وهل تغالي بتجديدي وإحيائي
مدّ الخريف رواقا من مباهجه
مدّ الخريف رواقا من مباهجه / وبينها نثر أطياف وألوان
وهذه غادتي الحمراء راقصة / كأنها وحدها خصّت ببستاني
أو أنّ أوراقها لاحت تراودني / بحمرة الشمس قبل المغرب القاني
كأنها ما درت ما اشتد من محني / أو إن درت لم تشاطر بعض أحزاني
شقيقة الزهر في أصباغ فرحته / أحسنت حتى وإن أحسنت نسياني
يثي من الفرحة الألوان زاهية / لفتنة الطير والإنسان في آن
ولا تبالي عزوفي فهو عن مقة / كأنما أنا أخشى بث أجشاني
وكان أولى بمثلي في تفجّعه / صبر على الضيق مهما الضيق آذاني
أنا الذي علم المكلوم بهجته / فصارع الهم جياشا بألحاني
رفي إذن في نضار رائع بهج / وحمرة من يواقيت ومرجان
بل من معان تخيّلنا نفائسها / وما عرفنا لها كنها بوجدان
كأنها بعض أحلام مجنّحة / تمثّلت فوق أوراق وأغصان
كأنها حلو إلهام يداعبنا / لكنّه فوق إحساس لإنسان
إلا التفاؤل يبدو من مخائلها / وإن سما فوق تكييفي وحسباني
ولا تعيبي الذي ما حد من نظري / إليك مثل غريب جائع عن
فإن فيك من الصوفيّ فلسفة / وفي من عابد ما بزّ إيماني
وقد قتلت سلوي عنك ساحرة / فلا تلومي إذن قربي وتحناني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025