المجموع : 32
عَمْرِي لقدْ أَعْذَرَ الدمعُ الَّذِي وَكَفا
عَمْرِي لقدْ أَعْذَرَ الدمعُ الَّذِي وَكَفا / أَوِ اشْتَفى من تبارِيحِ الأَسَى وشَفَى
وَمَا غَناءُ دُموعِ العَيْنِ عن كَبِدٍ / حَرَّى ونِضْوٍ يُقاسِي الليلَ مُلْتَهِفا
يا ابْنَ الَّذِينَ لأَيدِيهِمْ وأَمْرِهِمُ / أَلقى الزمانُ قيادَ الذُّلِّ مُعْتَرِفا
ببأْسِهِمْ قامَ دينُ اللهِ منتصراً / من الحوادِثِ والأَعداءِ مُنْتَصِفَا
أَعْزِزْ عَلَى الدينِ والدنيا وأَهلِهما / خَطْبٌ سَما فارتقى من عِزِّكُمْ شَرَفا
غُصْنٌ من المجدِ عاذَ المسلمونَ بِهِ / هَبَّتْ عَلَيْهِ رياحُ النصرِ فانْقَصَفَا
للهِ من قَمَرٍ أَسْرَى العُفاةُ بِهِ / حَتَّى إِذَا مَا اسْتَوَى فِي أُفْقِهِ كُسِفا
سما إِلَى جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ مُعْتَلِياً / إِذْ لَمْ يَزَلْ مُسْتَهاماً بالعُلا كَلِفا
تِلْكَ المكارِمُ وَالَتْهُ فَعُلِّقَها / حُبَّاً شَهِدْتُ لقد أَوْدى بِهَا شَغَفَا
وسَهْمُ نصرٍ تُراعُ الحادِثاتُ بِهِ / أَضْحَى بسهمِ المنايا والرَّدَى قُذِفا
يا مَنْ رأَى الجودَ يَغْشى نَعْشَهُ شَغِفاً / بالهَمِّ مُرْتَدِياً بالحزنِ مُلتَحِفا
يدعوه حَتَّى إِذَا أَعْيا مُحاوَرَةً / نادَى فأَسْمَعَ صُمَّ الصخرِ وَا أَسَفا
وخلَّفُوهُ لديهِ رَهْنَ مَلْحَدَةٍ / حيرانَ يَلثُمُ بُرْدَ التُّرْبِ مُرْتشِفا
مبارِياً لدموعِ المزنِ مَا هَتَنَتْ / ومُسْعِداً لحمامِ الأَيْكِ مَا هَتَفا
قَدْ كَانَ من دُونِ ذَاكَ الغابِ لَيْثَ وَغىً / أَحْمَى العرينَ وَفِي تِلْكَ العُلا خَلَفَا
فاختارَهُ اللهُ فِي الدنيا لَكُمْ فُرُطاً / ذُخْراً وَفِي جَنَّةِ المأْوى لكُمْ سَلَفا
من بعدِ مَا اهْتَزَّ سيفُ النَّصْرِ فِي يَدِهِ / وصالَ غضبانَ من دُونِ الهُدى أَسِفا
وشَمَّرَتْ دونَ ذَاكَ الملكِ عَزْمَتُهُ / يَوَدُّ لَوْ كَرَّ صرفُ الدهرِ أَوْ زَحَفا
واسْتَشْرَفَتْ أَعيُنُ الأَبطالِ ناظِرَةً / أَيَّانَ يركبُ دِرْعَ الموتِ مُعْتَسِفا
والخيلُ قَدْ نَسَجَتْ سُفْلى سنابِكِها / من القتامِ عَلَى فُرسانِها كِسَفا
كَأَنَّهُمْ فِي لَبوسِ السابغاتِ ضُحىً / كواكِبٌ لبسَتْ من ليلها سُدَفا
والبِيضُ قَدْ غَشِيَتْ منهم سَنا غُرَرٍ / كَأَنَّها دُرُّ بَحْرٍ يسكُنُ الصَّدَفا
فاسلَمْ ولا زالَ شَملُ الكفر مُفترِقاً / بالسيفِ مِنكَ وشملُ الدينِ مُؤْتَلِفا
واستَقْبِلِ العيدَ مَسْروراً ولا بَرِحَتْ / تُهدِي الليالي إِلَيْكَ العِزَّ مُؤْتَنِفا
وليَهْنِكَ الفوزُ والزُّلفى وأَنفسُنا / يلقينَ من دونِكِ التَّبْرِيحَ والأَسَفا
مَا أَطْبَقَ الهَمُّ إِلّا رَيثَما انْفَرَجَا
مَا أَطْبَقَ الهَمُّ إِلّا رَيثَما انْفَرَجَا / ولا دَجا الخطبُ إِلّا وَشْكَ مَا انْبَلَجا
مَا كادَ يبدو الضُّحى بالحزنِ مُكْتَئِباً / حَتَّى رأَيْنا الدُّجى بالنورِ مُنْبَلِجا
فاليومَ قَدْ لَبِسَ الإِظلامُ ثَوْبَ سَناً / فِي عُقْبِ مَا لَبِسَ الإِصباحُ ثوبَ دُجَى
وأورقَتْ شَجَرُ الدنيا لَدُنْ عَرِيتْ / وعادَ يشدو حمامُ الملكِ إِذ نَشَجَا
بَشَّر بالشَّمْسِ إِشْراقُ الضُّحى فَشَفَى / فِي إِثْرِ ناعٍ نَعَى نجمَ الهُدَى فَشَجا
رُزْءٌ حَكَى كَظَمَ الأَرواحِ أَعْقَبَهُ / صُنْعٌ أَعادَ إِلَى أَوْطانِها المُهَجَا
فأَصْبَحَ المُلْكُ لا رَبْثاً ولا خَلَلاً / وأَصبحَ الدِّينُ لا أَمْتا ولا عِوَجا
فَلْتَهْنِنا نِعَمُ الرحمنِ حينَ هَدَى / بِعَبْدِهِ سُبُلَ الحقِّ الَّذِي نَهَجا
بِناصِرِ الدِّينِ والإِسلامِ مُفْتَتِحاً / بِيُمْنِهِ كُلَّ بابٍ للمُنى ارْتُتِجا
يا ابْنَ الَّذِي قادَ من أَذْواءِ ذي يَمَنٍ / عُرْفاً بعُرْفِ المعالِي والهدى وُشِجا
من ذا يُنازِعُكَ الملكَ الَّذِي عَمَرَتْ / بِهِ أَوائِلُكَ الأَحقابَ والحِجَجَا
وَفِي جبينِكَ سِيَما المُلْكِ قَدْ بَهَرَتْ / وَفِي يمينِكَ قِدْحُ الحقِّ قَدْ فَلَجا
ما كَانَ أَوَّلَ كَرْبٍ جَلَّ فادِحُهُ / دَجَا فكُنْتَ لَنَا من هَمِّهِ فَرَجَا
فرُبَّ دهياءَ من خَطْبٍ أَضَأْتَ لَنَا / آراءَكَ الزُّهْرَ فِي آفاقِها سُرُجا
ورُبَّ يومٍ وأَيَّامٍ كَشَفْتَ بِهَا / عَنَّا وعن مَلِكَيْكَ المَأْزِقَ اللَّحِجَا
وَعَزْمَةٍ لَكَ يومَ الرَّوْعِ صادِقَةٍ / تركْتَ صُمَّ الصَّفا فِي جَوِّها رَهَجَا
ولُجَّةٍ من صَفِيحِ الهندِ خُضْتَ بِهَا / من المنايا إِلَى نَيْلِ المُنى لُججا
وكَرَّةٍ بعدَ أُخرى فِي نَدى ووَغىً / بَنْيتَها لسماواتِ العُلا دَرَجَا
فما دَعَتْ غَيْرَكَ الآمالُ حينَ دَعَتْ / ولا رَجا غيرَكَ الإِسلامُ حينَ رَجَا
ولا أَتَتْكَ وفودُ الحمدِ عامِدَةً / إِلّا تَلَقَّتْكَ مشغوفاً بِهَا لَهِجا
ولا تَيَمَّمَكَ التأْميلُ مبتكِراً / إِلّا ووافاكَ بالإِنعامِ مُدَّلِجَا
ولا تَقَلَّبْتَ فِي مثوىً ولا سَفَرٍ / إِلّا وذِكْراكَ فِي حَلْقِ الضَّلالِ شَجا
ولا نجا منكَ ذو غِلٍّ ولا دَغَلٍ / إِلّا إِلَى حُكْمِكَ الماضِي عَلَيْهِ نَجا
صَبْرٌ كثَهْلانَ يومَ الرَّوْعِ مُتَّئِداً / جُودٌ كَسَيْحانَ يومَ المَدِّ مُعْتَلِجا
فيا مُعَادِيَهُ أَجْفِلْ ولا وَزَراً / ويا مُؤَمِّلَهُ أَسْرِفْ ولا حَرَجا
ولا تَزَلْ أَيُّهَا الدَّهْرُ السعيدُ بِهِ / بِوَجْهِهِ بَهِجاً مِنْ ذِكْرِهِ أَرِجَا
من سَبْيِ سيبِكَ مِمَّا أنْبَتَتْ نِعَمُكَ
من سَبْيِ سيبِكَ مِمَّا أنْبَتَتْ نِعَمُكَ / من دُرِّ بَحْرِكَ مِمَّا عَمَّهُ كَرَمُكْ
حَتَّى أَتيتُكَ طِيباً طابَ مرتَعُهُ / وَسْطَ الرِّياضِ الَّتِي جادَتْ لَهَا دِيَمُكْ
أَو كوكباً من نجومِ الحسنِ مطلَعُهُ / جَوُّ السَّماءِ الَّتِي مِنْ فَوْقِها هِمَمُكْ
من رِيقَتِي المِسْكُ بَلْ رَيَّاهُ من أَرَجِي / كَأَنَّما صافَحَتْنِي بالضُّحى شِيَمُكْ
والغُصْنُ يَسْرِقُ من قَدِّي تَثَنِّيَهُ / رقصاً وحَاشا لَهُ مِمَّنْ غَدَتْ نِعَمُكْ
أَقولُ لِلْصُّبْحِ والدُّنْيا تُنيرُ بِهِ / يَا صُبْحُ مَنْ يَرَ وَجْهِي فَهْوَ مُتَّهِمُكْ
وكم دَعَوْتُ وجُنحُ الليلِ مُنْسَدِلٌ / يَا لَيْلُ شَعْرِيَ يَغْشَى الليلَ أَمْ ظُلَمُكْ
وربَّ برقٍ خَبا لما هَتَفْتُ بِهِ / هيهاتَ من مَبْسِمِي يَا برقُ مُبْتَسَمُكْ
بدائِعٌ تقتضِي حَقِّي لَدَيْكَ وَقَدْ / رأَيتُ آمالَ أَهلِ الأَرْضِ تَقْتَسِمُكْ
لعلَّ عطفَكَ يَا مولايَ يأْذَنُ لِي / فِي وَضْعِ خَدِّيَ حَيْثُ اسْتَوْطَأَتْ قَدَمُكْ
وتَبْلُوَ السِّرَّ من قولٍ يُرَدِّدُهُ / إِلَيْكَ قَلْبِيَ لا يَعْيا بِهِ فَهَمُكْ
ما شَيَّدَ الكُفْرُ حِصْناً من بلادِهِمُ / إِلّا ليخقِقَ فِي أَبراجِهِ عَلَمُكْ
ولا تَذَوَّقَ طَعْمَ الأَمْنِ ذو حَذَرٍ / من النَّوائِبِ حَتَّى ضَمَّهُ حَرَمُكْ
ولا تَعَذَّرَ من طالَبْتَ مُهْجَتَهُ / ولا تَمَنَّعَ إِلّا من حَمَتْ ذِمَمُكْ
ولا تَنَسَّمَ من عاداكَ مَنْفَسَهُ / حَتَّى تَحِلَّ بأَقصى دارِهِ نِقَمُكْ
وَعْداً عَلَى اللهِ حَقَّاً نَصْرُ مَنْ نَصَرَهْ
وَعْداً عَلَى اللهِ حَقَّاً نَصْرُ مَنْ نَصَرَهْ / وحُكْمُ سَيْفِكَ فِي هاماتِ مَنْ كَفَرَهْ
رأسٌ مُطِلُّ عَلَى بابَيْ طُليْطِلَةٍ / يُومي إلى الكُفْرِ هَذَا مَوْعِدُ الكَفَرَهْ
وهامَةٌ قَدْ قَضَتْ نَحْبَ الحِمامِ ضُحىً / وهامَةٌ فَوقَ صَفْحَي شَنْجُ مُنْتَظِرَهْ
أوفى عَلَى مَوْعِدٍ منهُ تُراقِبُهُ / تَدْعُو هَلُمَّ إلى مُسْتَودَعِ الغَدَرَهْ
وناخِراً أمْسِ فِي البيداء من عِظَمٍ / واليومَ أصبَحَ فِيهَا أعْظُماً نَخِرَهْ
كم من سمِيٍّ له فيها وذي نسبٍ / لم يدخِّرْ نابَهُ عنه ولا ظُفُرَهْ
كأنَّما زارَ مُشتاقاً ومُعْتَنِقاً / فاعتامَ منهُ مكانَ النَحْرِ والقَصَرَهْ
ومُسْعِراً لِضِرامِ الحربِ من أشرِ / فَلَمْ يُطِقْ منكَ فِي إضرامِها شَرَرَهْ
فإنْ جَرى دَمُهُ فِيهَا فأطفأها / فإنَّ نَفْسَ ابنِ شَنْجٍ منهُ مُسْتَعِرَهْ
شَقيقُ مَفخَرِهِ إن قامَ مُفْتَخِراً / وشِقُّ مُهْجَتِهِ إنْ واتِرٌ وَتَرَهْ
حُمَّ الحِمامُ لَهُ قَدْراً فأفْرَدَهُ / يدعو الحِمامَ لِرُزْءٍ غالَ مُصْطَبَرَهْ
ما يَرْجِعُ الطَرْفَ إلّا وَهْوَ ذاكِرُهُ / ولا يُحِسُّ بنفسٍ كُلَّما ذَكَرَهْ
ولا يَرُدُّ الرَّدى عنهُ سِوَى دَلَهٍ / وافى المُصابَ وَلَمْ يَعرِفْ بِهِ قَدَرَهْ
وما القَنا بالِغاتٌ من جوانِحهِ / بلوغَ ألسِنَةٍ أبْلَغْنَهُ خَبَرَهْ
عَتادُهُ للوغى إن خافَ طارِقَها / وذُخْرُهُ لِمُلِمِّ الخطبِ إن حَذِرَهْ
وسيفُهُ وسيوفُ الهِنْدِ بارِقَةٌ / ورُمْحُهُ ورِماحُ الخَطِّ مُشْتَجِرَهْ
فَتْحٌ تَقَدَّمْتَ فِي اسْتِفْتاحِ مُقْفَلِهِ / بخافقاتِ إلى الأعداءِ مُبْتَدِرَهْ
فِي دَعْوَةٍ سَمِعَ الرحمنُ داعِيَها / لما اسْتَهلَّ بأخرى سُورَةِ البَقَرَهْ
هوَ الجِهادُ الَّذِي بَرَّتْ مَشاهِدُهُ / فَأُشهِدَتْهُ الكِرامُ الصَّفْوَةُ البَرَرَهْ
ذَلَّلتَ فِيهِ حِمى الإشراكِ مُقْتحِماً / بالخيلِ رَائِحَةً فِيهِ ومَبْتَكِرَهْ
فِي كُلِّ ضاحِيَةٍ ألْبَسْتَها كِسَفاً / غادَرْتَ شمسَ الضحى فيهِنَّ مُنْعَفِرَهْ
دونَ السماء سماءُ النَّقْعِ أنْجُمُها / زُرْقُ الوشيجِ عَلَى الأعداءِ مُنْكَدِرَهْ
وكُلِّ مُزْدَحَمٍ في جُنحِ مُرتَكمٍ / لا نجمَهُ يَرقبُ الساري ولا قمرَهْ
إلّا جبينَكَ يحدو صارِماً ضَرِماً / كالبدرِ تحتَ الدَّياجي يَتبَعُ الزُّهَرَهْ
حتَّى رَفَعْتَ عَلَى أعلامِهمُ عَلَماً / يستنجزُ الله فِيهَا وَعْدَ من نَصَرَهْ
عُقابُ فَألٍ بِعُقْبى رَفْعِ أوَّلِهِ / يجلُو السعادَةَ للإسلامِ والخِيَرَهْ
وجَدُّ شانيكَ مَخفُوضٌ فكانَ لَهُمْ / عِقابَ خَسْفٍ مُبِينِ الزَّجْرِ والطِيَرَهْ
سَعْيٌ تركْتَ بِهِ أرضَ العِدى نَهَجاً / لِمَنْ سَعى فِي مداهُ واقْتَفى أثَرَهْ
فَهَلْ لِنفسِ ابنِ شنْجٍ بعدَها عِوَضٌ / مِنْ لُبِّ لُبِّسَ أو من كافِرِ الكَفَرَهْ
صِنْواهُ فِي حربِهِ أو فِي ضَلالَتِهِ / قَدْ كانَ ذا سَمْعَهُ فِيهَا وذا بَصَرَهْ
وَفَتْ دِماؤُهُما ثَأراً فلم يَدَعا / للمسلمينَ عَلَى حربِ الضَلالِ تِرَهْ
فلْيَهْنِكَ اليومَ فَتحٌ تقتفيهِ غَداً / عَوَائِدٌ من فتوحِ اللهِ مُنتَظِرَهْ
بضائِعٌ لَكَ من بأسٍ ومن كَرَمٍ / محفوظَةٌ لكَ عند اللهِ مُدَّخَرَهْ
سلَّمْتَها فِي سبيلِ اللهِ وافِيَةً / فناجِزُ النَّقْدِ أو مُستَقْرَبُ النَّظِرَهْ
وابْشِرْ بِأُخْرى وأُخرى واعَدَتْ فَوَفَتْ / بوعدِ ذي العرشِ فِي نعماءِ من شَكَرَهْ
استَقْبِلِ العِزَّ مَرْفُوعاً بِهِ عَلَمُكْ
استَقْبِلِ العِزَّ مَرْفُوعاً بِهِ عَلَمُكْ / واسْتَوْثقِ الأمنَ مَحْفوظاً بِهِ ذِمَمُكْ
واستَطْلِعِ السَّعْدَ من أفْقٍ إلى أفْقٍ / كواكباً تَتَلالا فَوقَها هِمَمُكْ
واسْتَفْتِحِ الدَّهرَ أبواباً مفاتِحُها / إمَّا سيوفُكَ فِي الأعداءِ أو نِعَمُكْ
أَجزِلْ بِهَا نِعَماً فُزْنا بِهَا قِسَماً / فِي دَوْلَةِ العِزِّ إذ فازَتْ بِهَا قِسَمُكْ
فإنْ نَحا سَيْفُكَ الأعداءَ مُضْطَرِماً / ناراً أنارَ لَنَا فِي صَفْحِهِ كَرَمُكْ
وإن غَدَا كُلُّ رَحْبٍ من بِلادِهِمُ / عَليْهِمُ حُرُماً أفضى بنا حَرَمُكْ
فأنت كالدَّهْرِ مُمْساهُ ومُصْبَحِهِ / لَنَا ضُحاكَ وَفِي أعدائنا ظُلَمُكْ
ليلٌ إذا هَوَّمَتْ فيهِ عيونُهمُ / بذكْرِ عفوِكَ صاحَتْ فيهمُ نِقَمُكْ
وإن تَخَيَّلَ خَيْلاً منكَ حُلْمُهُمُ / فإنَّ حِلْمَكَ عن جانِيهِمُ حُلُمُكْ
لِمِثْلِها أنشَأَ الرَّحْمنُ منكَ لَنا / نورَيْنِ عَظَّمَ من قَدْرَيْهِما عِظَمُكْ
مُعِزَّ دَوْلَتِكَ العُلْيا وصَفْوَتَها / هَذَا حُسامُكَ فِي الهيجا وذا عَلَمُكْ
وإنْ تَرَدَّتْهُما عِطْفاكَ يَوْمَ رِضاً / فَذَاكَ خَاتِمُكَ الأسنى وذَا قَلَمُكْ
كالنَّصْرِ والفتحِ شَمْلاً أنتَ جامعُهُ / لكلِّ خيلِ وغىً فرسانُها حَشَمُكْ
وكالنُهى والمُنى فيمن شَدَدتَ به / للملكِ عِصْمَةَ مشدودٍ بِهِ عُصُمُكْ
نجيبُ مُلكِكَ لَمْ تقعُدْ بِهِ قَدَمٌ / عن كلِّ سعيٍ عَلَتْ فِي فخرهِ قَدَمُكْ
سمَّيْتَهُ مُنْذِرَ الأعداءِ لا عَدَمٌ / منهُ الفتوحُ ولا البُشرى بِهِ عَدَمُكْ
ساعٍ مراتِبُكَ العليا لهُ أَمَمٌ / وكلُّ حظٍّ من الدنيا بِهِ أَمَمُكْ
فَحَقَّهُ عَهدُ من لا أنتَ مُتَّهِمٌ / منه السَّدادَ ولا الإيثارُ مُتَّهِمُكْ
عبدٌ غَدَا يومَ عاشوراءَ شاهِدَهُ / فِي كُلِّ سمعٍ مطاعٍ عندَهُ كَلِمُكْ
للهِ من بَيْعَةٍ قادَ القلوبَ لَهَا / رشادُ حُكْمِكَ أو مَا أبدعَتْ حكَمُكْ
وقرَّ عيناً بما أقْرَرْتَ أعْيُنَنا / مَا شاكَهَ اسْمَ الحَيا واسْمَ الحياةِ سِمُكْ
في دولةٍ للعُلا أيَّامُها خَدَمُكْ / وجنَّةٍ للمُنى أثمارُها شِيَمُكْ
غَنَّاءَ ممّا تَغَنَّى فِي حَدائِقِها / طيورُ يُمْنِكَ تَهْمِي فَوْقَها دِيَمُكْ
واعْلُ ولا زَالتِ الأملاكُ قاطِبَةً / تعلو عَلَى الشُّمِّ من أطوادِها أكَمُكْ
ولا خَلَتْ منك تاجاً للعِنانِ يَدٌ / ولا تَخلَّى ركابٌ حَليُهُ قَدَمُكْ
يَا حَبَّذا خَجَلُ التُفَّاحِ فِي طَبَقِ
يَا حَبَّذا خَجَلُ التُفَّاحِ فِي طَبَقِ / مُنَضَّدٍ بِجَنِيِّ الزَّهْرِ مَتَّسقِ
فيهِ عُيُونُ بهارٍ قَدْ أحَطْنَ بهِ / نَوَظِراً بِجُفُونِ العاشِقِ الأرِقِ
كأنَّ مَا احْمَرَّ من تُفَّاحِهِ خَجَلاً / بَدْرٌ بدا قِطَعاً من حمرة الشفق
في مجلس الملك المنصور يانعةً / كأنما غُذِيَتْ من جُودِهِ الغَدِقِ
إلى شَجا لاعِجٍ فِي القلْبِ مُضْطَرِمِ
إلى شَجا لاعِجٍ فِي القلْبِ مُضْطَرِمِ / جاشٍ إليكَ بِهِ بَحرٌ مِنَ الكَلِمِ
ودَمْعِ أجفانِ عَيْنٍ قَدْ شَرِقْنَ بِهِ / حتَّى ترقرقَ بينَ الرِّقِ والقلَمِ
دَيْناً لِذي أُسْرَةٍ دُنْيا وَفَيْتَ بِهِ / ورَحْمةً وُصِلَتْ مِنِّي بذِي رَحِمِ
إكرامُهُ كَرَمي وذُلُّهُ أَلَمِي / وظُلْمُهُ ظُلَمِي وَعُدْمُهُ عَدَمي
إذا رَدَدْتُ سيوفَ الهِندِ عَنْ دَمِهِ / فإنما رَجَعَتْ عَنْ مُهْجَتي وَدَمي
وإنْ ضَرَبْتُ رِواقاً دونَ حُرْمَتِهِ / فإنَّها سُتُري مُدَّتْ عَلَى حُرَمِي
لَهفي عليهِ وَقَدْ أهوَتْ لَهُ نُكَبٌ / لا تستقلُّ لَهَا ساقٌ عَلَى قَدَمٍ
فباتَ يُسْعِرُ بَرْدَ الليلِ من حُرَقٍ / ويَسْتَثيرُ دموعَ الصَّخْرِ من ألَمِ
وما بِعَيْنيَّ عن مثواهُ من وَسَنٍ / وَمَا بأذْنيَّ عن شكواهُ من صَمَمِ
لو أنَّها كُرْبَةٌ مِنْها أُنَفِّسُها / بالمارِنِ اللَّدْنِ أو بالصَّارِمِ الخَذِمِ
لكنَّها كُرْبَةٌ جَلَّتْ مواقِعُها / عن حَوْلِ مُتَّئِدٍ أَوْ صَوْلِ مُنْتَقِمِ
فما هَزَزْتُ لَهَا إلّا شَبا قَلَمٍ / مُسْتنصِرِ العفوِ أو مُسْتَصْرِخِ الكَرَمِ
إلى الَّذِي حَكَمَتْ بالعفوِ قُدْرَتُهُ / لما دَعَتْهُ المُنى احْكُمْ يَا أبا الحَكَمِ
ومَنْ إذا مَا التَظى فِي صدْرِهِ حَنَقٌ / فبارِقٌ صَعِقٌ أو مُغْدِقُ الدِّيَمِ
مَتى تَجَرَّعَ حَرَّ القَيْظِ مُغتَرِباً / فَابشِرْ لِغُلَّتِهِ بالبارِدِ الشَّبِمِ
تَلْقى الكتائِبَ فِي إقدامِ مُصْطَلِمٍ / وعُذْرَ جانيهِ فِي إعراضِ مُنْهَزِمِ
وَفِي غَياباتِ أَطْباقِ الخطوبِ شَجٍ
وَفِي غَياباتِ أَطْباقِ الخطوبِ شَجٍ / بالبَيْنِ يَيْأَسُ أَحياناً ويَنْتَظِرُ
مُظاهِرٌ بَيْنَ لَيْلَيْ كُرْبَةٍ ودُجىً / لا يُرْتَجى لَهُما فَجْرٌ ولا سَحَرُ
قَدْ أَخْرَسَ الدهرُ منهُ مَنْطِقاً هَتَفَتْ / عنهُ الرَّزايا أَلا غادٍ فَمُعْتَبِرُ
لِمُعْتَلِي هِمَّةٍ بَيْنَ النجومِ هَوَتْ / بِهِ النجومُ بِرُزْءٍ مَا لَهُ وَزَرُ
وتِلْكَ آثارُهُ بالمَشْرِقَيْنِ سَناً / للعينِ والعَيْنُ لا حَظٌّ ولا أَثَرُ
حانٍ عَلَى كَرِشٍ منثورةٍ سُلُبٍ / يكادُ من شَجْوِهِنَّ النَّجْمُ يَنْتَثِرُ
أُبْرِزْنَ من سُتُرِ الإِكرامِ وانْسَدَلَتْ / من الهوانِ عَلَيْنا بَعْدَهُ سُتُرُ
يُخْفِي التَّعَفُّفَ مَثْوانا فلَيْسَ لِذِي / أُنْسٍ إِلَى وَحْشِنا سَمْعٌ ولا بَصَرُ
ولا يَدٌ غيرَ أَيدِي الظُّلْمِ تَعرِفُنا / ولا بغيرِ دُموعِ العينِ نَنْتَصِرُ
نَرْعى الهَشيمَ ونَمْتَصُّ الثِّمارَ وَقَدْ / أَظَلَّ أَنهارَنا الأَغصانُ والثَّمَرُ
والأَرضُ مَضْجَعُ أَبْشارٍ مُمَهَّدَةٍ / لَهَا الأَرائِكُ فِي الأَكْنانِ والسُّرُرُ
وتحتَ أَجْنَحَةِ الإِشفاقِ حانِيةً / حُمْرُ الحواصِلِ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
إذَا تَضَرَّمَ بالشَّكْوى تَحَلَّلَهُ / وَجْهٌ بماءِ الحَياءِ العِدِّ يَنْفَجِرُ
وهل بِسَمْعِكَ يَا يَحْيَى حَيِيتَ لَنا / عن دَعْوَتي زَوَرٌ أَوْ عَنْكَ لي وَزَرُ
وهَلْ بِمَدْحِكَ أَسْتَقْضيكَ عارِفَةً / بَلِ الغَمامُ بِطَبْعِ السَّكْبِ يَنْهَمِرُ
وإِنَّ أَوْلى بِمُهْدٍ فيكَ مِدْحَتَهُ / لَوْ جاءَ قَبْلُ مِنَ التَّقْصِيرِ يَعْتَذِرُ
وأَيْنَ نَظمي ونَثْرِي من حُلى مَلِكٍ / تُتْلى بِمَفْخَرِهِ الآياتُ والسُّوَرُ
وكيفَ يَبْلُغ سَبْقِي فِي مَدَائِحِهِ / مَدىً تقاصَرَ عنهُ الجِنُّ والبَشَرُ
لِيَهْنِكَ الفِطْرُ والأَعيادُ تتبعُهُ / فِي عِزِّ مُلْكِكَ مَا فِي صفوِهِ كَدَرُ
والنَّصرُ مُتَّصِلٌ والفَتْحُ مُقْتَبَلٌ / سارٍ فَمُدَّلِجٌ غادٍ فَمُبْتَكِرُ
وَقَدْ تسابَقَتِ البُشْرَى إِلَيْكَ بِما / بِهِ توالَتْ إِلَى أَعادائِكَ النُّذُرُ
فالْبَسْ ثيابَ ثَناءٍ حَلْيُ عاتِقِها / سيفٌ عَلَى الثَّغْرِ لا يُبْقِي ولا يَذَرُ
لعلَّنا نَرِدُ الماءَ الَّذِي صَدَرَتْ / عنهُ الحوائِمُ وِرْداً مَا لَهُ صَدَرُ
وتَنْجَلِي ظُلُماتُ الخطْبِ عن أُمَمٍ / لا الشَّمْسُ آفِلَةٌ عنها ولا القَمَرُ
بأَوْجُهِ الفاطِمِيِّينَ الَّتِي شَهِدَتْ / شمسُ الضُّحى أَنَّها فِي وجهِها غُرَرُ
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني / عَمَّنْ توالى لنصرِ الملكِ والدّينِ
ولا ثنائي وشُكري بالوفاءِ بما / أولَيْتَني دونَ بذْلِ النفسِ يكفيني
حَقٌّ على النَّفْسِ أن تَبْلى ولو فَنِيتْ / في شكرِ أيسرِ ما أضحيتَ تُوليني
ها إنَّها نعمةٌ ما زالَ كوكَبُها / إليكَ في ظُلُماتِ الخطبِ يَهْدِيني
تَبْأَى بجوهَرِ وُدٍّ غيرِ مُبْتذَلٍ / عِندي وجوهرِ حَمْدٍ غيرِ مكنونِ
وحبذا النأي عن أهلي وعن وطني / من كل بر وبحر منك يُدنيني
وموقفٍ للنَّوى أغلَيْتُ مُتَّأَدِي / فيه وأرخَصْتُ دمعَ الأَعينِ العِينِ
من كلِّ نافِرةٍ ذَلَّتْ لِقَودِ يَدِي / في ثِنْي ما يَدُكَ العلياءُ تَحْبُوني
والحِذْرُ يخفقُ في أحشاءِ والهةٍ / تُرَدِّدُ الشَجوَ في أحشاءِ مَحزونِ
أجاهِدُ الصَّبْرَ عنها وَهيَ غافِلةٌ / عن لَوْعَةٍ في الحشا منها تُناجِيني
يا هَذِهِ كيفَ أُعْطِي الشَّوقَ طاعَتَهُ / وهذهِ طاعَةُ المَنصُورِ تَدْعُوني
شُدِيّ عَلَيَّ نِجادَ السيفِ أجْعَلُهُ / ضجيعَ جنبٍ نبا عن مَضْجَعِ الهُونِ
رَضِيتُ منها وشيكَ الشَّوقِ لي عِوَضاً / وقُلْتُ فيها للَوْعاتِ الأسى بِيني
فإن تَشُجَّ تباريحُ الهوى كَبِدِي / فقد تَعَوَّضتُ قُرْباً منكَ يأْسُرني
وإن يُمِتْ موقفُ التوديعِ مُصْطَبَرِي / فَأَحْرِ لي بدُنُوٍّ منك يُحْيِيِني
أو أفْرَطَ الحَظُّ من نُعماكَ منقلَبٌ / من الوفاءِ بحَظٍّ فيكَ مغْبونِ
وخازنٌ عنكَ نفِسي في هواجِرها / وليس جُودُكَ عن كَفِّي بمخزونِ
وأيُّ ظِلٍّ سوى نعماكَ يُلْحِفُني / أو وِردِ ماء سوى جدواكَ يُرْوِيني
وحاشَ للخيلِ أن تُزْهى عَلَيَّ بها / والبِيضِ والسُّمْرِ أن تَحظى بها دُوني
ورُبَّما كنتُ أمضى في مكارِهِها / قدماً وأثْبَتَ في أهوالِها الجُونِ
من كلِّ أبيضَ ماضي الَغربِ ذي شطبٍ / وكلِّ لَدْنٍ طرير الخد مسنونِ
كذاك شأوي مُفدَّىً في رضاك إذا / سَعَيْتُ فيهِ فلا ساعٍ يُبارِيني
لكن سهامٌ من الأقدارِ ما بَرِحَتْ / على مَراصِدِ ذاك الماء تَرْميني
يَحْمِلنَ للرَّوْعِ أُسداً في فوارِسِها / تَمْدُّ للطَّعْنِ أمثالَ الثَّعابِينِ
والبِيضُ تحت ظِلالِ النَّقْعِ لامعَةٌ / تَغَلغُلَ الماء في ظِلِّ الرَّياحِينِ
حتَّى يَجُوزوا لكَ الأرض التي اعترفتْ / بمُلكِ آبائكَ الشُّمِّ العَرانِينَ
حيثُ اسْتَبَوْا فارِساً والرُّوم واعْتَورُوا / رِقَّ الأساوِرِ منهم والدَّهاقِينِ
لَوْلاَ التَّحَرُّجُ لم يُحْجَبُ مُحَيَّاكِ
لَوْلاَ التَّحَرُّجُ لم يُحْجَبُ مُحَيَّاكِ /
وَحْشِيَّةَ اللَّفْظِ هل يودِي قتيلُكُمُ / دمي مُضاعٌ وجاني ذاك عيناكِ
إني أراكِ بقتلِ النفسِ حاذِقَةً / قُولي فَدَيتُكِ مَنْ بالقَتْلِ أوصاكِ
مالي وللبَرْقِ أَستسقيهِ من ظَمَأٍ / هيهاتَ لا رِيَّ إِلّا مِنْ ثَناياكِ
لولا الضُلُوعُ لَظَلَّ القلبُ نَحوَكُمُ / ضَعِي بِعَيْشِكِ فوق القلبِ يُمْناكِ
أَصلَيْتِني لوعةَ الهِجرانِ ظالِمَةً / رُحماكِ من لوعةِ الهجرانِ رُحماكِ
أظَنَّ عزْمُكِ أن أخفى لأسلوَكُمْ / حُلّي عَزِيميَ إنِّي لَسْتُ أَسْلاكِ
حاشاكِ أَن تَجْمَعِي حُسْنَ الصِفاتِ إلى / قُبحِ الصنيعِ بمَنْ يهواكِ حاشاكِ
إن كانَ واديكِ ممنوعاً فَمَوْعِدُنا / وادي الكَرى فلَعَلِّي فيهِ ألقاكِ
ظَبيٌ وقلبٌ فَمَنْ لي أن أصِيدَهُما / ضاعَ الفؤادُ وقُلْبُ الظَّبيِ أشْرَاكي
تَرَكْتَ قلبي بغيرِ صبرٍ
تَرَكْتَ قلبي بغيرِ صبرٍ / فيك وعيني بغير نوم
ما أَوْضَحَ العُذْرَ لي لو أنهم عَذَروا
ما أَوْضَحَ العُذْرَ لي لو أنهم عَذَروا / وأَجْمَلَ الصَّبْرَ بِي لو أنهم صبروا
لكنهم صَغُرُوا عن أَزمةٍ كَبُرَتْ / فما اعتذارِيَ عمَّن عُذْرُهُ الصِغَرُ