المجموع : 174
هذِهْ رسالةُ صَبٍّ دائمِ القَلقِ
هذِهْ رسالةُ صَبٍّ دائمِ القَلقِ / إلى حبيبٍ جميلِ الخَلْقِ والخُلُقِ
تَضمَّنتْ نارَ شَوقٍ بينَ أضلُعهِ / فاعَجبْ لهُ كيفَ يُهدِي النَّارَ في الوَرَقِ
عليلةٌ اللفظِ والمعنى مجرَّدةٌ / صحيحةُ العَزْم في الأسفارِ والطُرُقِ
راحت تَخوضُ إليهِ البحرَ خائفةً / من نَقدِهِ إذ يَراها لا من الغَرَقِ
هذا الصَّديقُ الذي تَبقَى مَوَدَّتُهُ / للدَّهرِ خالصةً من شُبهةِ المَلَقِ
تَمضي الليالي ولا تُلقِي بها أثراً / إلاّ كما أثَّرَ الصمْصامُ في الدَّرَقِ
محمدُ العاقلُ المشهورُ تسميةً / بالحمدِ والعقلِ طِبْقَ الذَّاتِ في النَسَقِ
يتلو لنا سورةَ الإخلاصِ مَنطِقُهُ / وَوجهُهُ ظَلَّ يتلو سُورةَ الفَلَقِ
لَئِنْ تكُنْ عينُ تلكَ الشَّمسِ غائبةً / فقد أقامَت علينا رايةَ الشَفَقِ
رسالة كبياضِ العينِ رُقعتُها / وذلك الخط فيها أسود الحدق
تِجارَةٌ بينَنا واللهِ قد رَبحتْ / ممَّن أرَى فضلَهُ كالطَوقِ في عُنقي
يُهدِي اللآلي ويُهدَى بعدَها خَرَزاً / منا فلا زالَ رَبَّ الفَضلِ والسَبَقِ
قِفْ بالدِّيارِ إذا الليلُ البهيمُ سَجا
قِفْ بالدِّيارِ إذا الليلُ البهيمُ سَجا / وقُلْ طريدٌ إلى نارِ الفريقِ لَجا
تَرَى الصَوارِمَ شُهباً تَستضئُ بِها / فإن بَدَتْ ميّةٌ فالصُّبحُ قد بلَجا
يا دارَ ميَّةَ حَيَّاكِ الحياءُ وإن / لم نَرتشِفْ منكِ قَطراً يُنعِشُ المُهَجا
إن يَمنَعِ القومُ إلمامي فما مَنَعوا / أنْ أنظُرَ الحيَّ أو استَنشِقَ الأرَجا
لي فيكِ فتَّانةٌ لام العَذُولُ بها / جَهلاً فقُلتُ هو الأعمى فلا حَرَجا
أجلَلتُ عينيَّ كبراً بعدَ رُؤْيتها / عن رؤْيةِ الغيرِ حتَّى البدرِ جِنحَ دُجَى
خَوْدٌ لها طِيبُ أنفاسٍ إذا ارتجَزَت / غَنَّت لها الوُرقُ في عِيدانِها هَزَجا
معسولةُ الثَغْر في لألآئهِ فَلَجٌ / دمعي النَضِيدُ يُباهِي ذلكَ الفَلَجا
شَكَوتُ من ضِيقِ تلك العينِ ظالمةً / قالت إذا اشتَدَّ ضيقٌ فانتَظِرْ فرَجا
وإن أردتَ نجاةَ الرَّأيِ من سَفَهٍ / فاذهَبْ ونادِ بأعلى الصَّوتِ يا ابنَ نَجَا
ذاك الذي لا يَرُوعُ الوَجدُ مُهجَتَهُ / ولا يُناظِرُ طَرْفاً للمَهَى غَنجِا
ذاك المُحبُّ بياضَ الصُحْفِ لا نَعَجاً / في عارضٍ وسَوادَ الحِبر لا الدَّعَجا
ذاك الإمامُ الحصيفُ الكاملُ العَلَمُ ال / فَرْدُ الذي لا تَرَى في خُلقِهِ عِوَجا
مُستجمِعُ الفضلِ في عِلمٍ وفي عَمَلٍ / تألَّفا فيهِ كالبَحْرَينِ قد مُرِجا
هانت على قلبهِ الأيَّامُ صاغِرةً / إذ كانَ يعرِف ما في طَيّها دُرِجا
فلا تَراهُ لَدَى الإيسارِ مُبتهِجاً / ولا تَراهُ لَدَى الإعسار مُنزَعِجا
وَداعةٌ في وَقارٍ عَزَّ جانِبُهُ / كالماءِ بالرَّاحِ في الأقداحِ قد مُزِجا
وهِمَّةٌ من بَقايا الدَّهرِ قد أخَذَتْ / سَبْعَ الطِّباقِ إلى مِحرابِها دَرَجا
تُدَبِّجُ الصُّحْفَ بالأقلامِ راحتُهُ / فتلكَ بيضُ خُدُورٍ تَلْبَسُ السَّبجَا
قد أزهرَ الأزهرُ الضَّاحي بطلْعتهِ / كالبدرِ من مَشرقِ الأفلاكِ قد خَرَجا
لِقاؤُهُ في عُيونِ الكاشِحينَ قَذىً / ولَفظُهُ في صُدُورِ الحاسِدينَ شَجا
طَوْدٌ تَرَى في ضواحي مِصرَ مَوْقِفَهُ / وظِلُّهُ في رُبَى لُبنانِ قد نُسِجا
عَهدِي بها النِيلُ يَسقي رِيفَها تُرَعاً / فصارَ آخَرُ يَسقي أرضَنا خُلُجا
يا كَعبةَ العلمِ لم تَحجُجْ لها قَدَمي / لكنَّ قلبي قَضَى في خَيْفها حِجَجا
إنْ كانَ قد جاءَ منكِ الخيرُ مُنفرِداً / فطالما جاءَ منكِ الخيرُ مُزْدَوِجا
مَنْ كان مِنكِ أميراً أيُّها الرِّمَمُ
مَنْ كان مِنكِ أميراً أيُّها الرِّمَمُ / ومَن هُمُ الجُندُ والأتباعُ والخَدَمُ
ومَن هُوَ البَطلُ الحامي الدِّيارِ ومن / كانت لهُ الخُطَبُ الغرَّاءُ والحِكَمُ
أينَ الذي كانتِ الدُنيا تَضِجُّ بهِ / رُعباً وكان عليهِ الجيشُ يَزدَحمُ
مَن كانَ يَهزِمُ أبطالَ الرِّجالِ تُرَى / هل كانَ من وَجهِ ذاكَ الدُّودِ يَنهزِمُ
الكُلُّ صاروا تُراباً لا قِوامَ لهُ / يَدُوسُهُ في الطَّريقِ الخُفُّ والقَدَمُ
قَدِ استَوَى العَبدُ والمَولى على نَسَقٍ / وضاعَ بين التُرابِ السَّيفُ والقَلَمُ
بئسَ الحَياةُ التي مَوجودُها عَدَمٌ / يا لَيتَ لا كانَ موجودٌ ولا عَدَمُ
حُلمٌ رآهُ الفتى في طَيِّ رَقدتهِ / لَيلاً فأصبحَ لا نَومٌ ولا حُلُمُ
كم غَرَّتِ النَّاسَ واستَهوتْ أفاضِلَهُمْ / فَتاهَ في قَفْرِها العَلاّمة العَلَمُ
زاغت عن الرُّشدِ فيها كلُّ باصرةٍ / واستهلَكَت في هواها العُرْبُ والعَجَمُ
لا أوحَشَ اللهُ داراً مِن أحبَّتنا / كانت معَاهِدُها بالأُنس تَبتَسِمُ
بَلى قد استَوحَشَتْ منهم ونحن على / آثارهِم نُؤْنسُ الأجداثَ حَيثُ هُمُ
هيهاتِ ما للمَنايا هُدنةٌ أبَداً / كَلاّ ولا عِندَهُنَّ الأشهُرُ الحُرُمُ
هُنَّ الأبِيَّاتُ لا يَطمعَنَ في سَلَبٍ / فما لَهُنَّ سِوى الأرواحَ مُغتَنَمُ
وَيلاهُ قد هُدِّمَتْ أركانُنا عَبثاً / وهل على الأرضِ رُكنٌ ليسَ يَنهدِمُ
نرجو من الدَّهرِ أنْ يَرعَى لنا ذِمماً / يا وَيحَنا ومَتَى كانت لهُ ذِمَمُ
ماتَ الحبيبُ الذي ماتَ السُرورُ بهِ / منَ القُلوبِ وعاشَ الحُزنُ والضَرَمُ
من بعدِهِ صارَ صَوتُ النَّوحِ يُطرِبُنا / وَجداً وتُزعِجُنا الأوتارُ والنَغَمُ
مَضَى وفي كلِّ قلبٍ بعدَهُ كَمَدٌ / يَبقَى وفي كل جِسمٍ بَعدَهُ سَقَمُ
كأنَّهُ من قُلوبِ الناسِ مُقتَطَعٌ / فكلُّ قلبٍ بهِ من فَقْدهِ ألَمُ
لم تخلُ من صَوبِ دمعٍ بَعدَ مَصرَعِهِ / عَينٌ ولم يَخلُ من ذِكراهُ قَطُّ فَمُ
ولم نجِدْ قبلَهُ من أُمَّةٍ رَجُلاً / بَكَتْ عليهِ شُعوبُ الناسِ والأُمَمُ
قد كنتُ أشكو بِعادَ الدَّارِ من قِدَمٍ / فَحبَّذا اليومَ ذاك البُعدُ والقِدَمُ
وكانت الدَّارُ ترجو أن تَراهُ غَداً / أنتَ الغَريبُ إذا ما عُدَّتِ الشِيَمُ
ما أنصَفتْكَ جُفوني وَهْيَ باكيةٌ / دَمعاً فمثِلُكَ مَن يُبكَى عليهِ دَمُ
أيُّ الفضائلِ ليستْ فيكَ كاملةً / وأيُّ عيبٍ نراهُ فيكَ يُتَّهَمُ
فيكَ التُّقَى والنَقا والعِلمُ مجتمعٌ / والحِلمُ والحَزْمُ والإحسانُ والكَرَمُ
نَرثيكَ بالشِّعرِ يا نَقَّاشَ بُردتِهِ / والشِّعرُ يرثيكَ حتى تَنفْدَ الكَلِمُ
تبكي عليك القوافي والمَحابرُ وال / أقلامُ والصُحْفُ والآراءُ والهِمَمُ
وكلُّ دِيوانِ شِعرٍ كُنتَ تَنظِمُهُ / وكلُّ ديوانِ قومٍ فيكَ ينتظِمُ
وكلُّ طالبِ عِلمٍ فاتَهُ مَدَدٌ / وكلُّ طالبِ رفدٍ فاتَهُ نِعَمُ
حَقٌّ علينا رِثاءٌ فيك نُنشِدهُ / لكن أحَبُّ إلى أسماعِنا الصَّمَمُ
أكادُ من فَرْطِ لَهْفي حينَ اكتُبهُ / أمحو المِدادَ بدَمعِي وَهْوَ يَنْسَجِمُ
قُصِفتَ يا غُصنَ بانٍ في الصِّبَى أسَفاً / لمَّا انثَنيَتَ وقد مالَتْ بكَ النَّسَمُ
كُنَّا نُرَجّي ثِماراً منك يانعةً / فسابَقتْنا المنايا وهْيَ تَقْتَحِمُ
ويَحي تُرى هل لنا في الأرضِ مُجتَمعٌ / وهل تُرَى شَمْلُنا في الدَّهرِ يَلتئِمُ
وهل نَرَى ذلكَ الوجهَ الذي نَسَخَتْ / أنوارَهُ تحتَ أطباقِ البِلَى الظُلَمُ
إن كُنتَ قد سِرتَ عن دار الفَناءِ فقد / نِلتَ البقا حيثُ لا شَيبٌ ولا هَرَمُ
إن السَّعيدَ الذي كانت عواقبُهُ / بالخيرِ في طاعةِ الرحمنِ تُختَتَمُ
شَوقٌ يَهيجُ وقلبٌ طالما خَفَقا
شَوقٌ يَهيجُ وقلبٌ طالما خَفَقا / ومُقلةٌ في الدُّجَى علَّمتُها الأرَقا
ومُهجةٌ في الهَوَى العُذْرِيِّ ذائبةٌ / إذا جَرَى الدَّمعُ زادَتْ نارُها حَرَقا
مَن مُنصفي يا لَقومي في المحَبَّةِ مِن / ظَبْيٍ أنا عَبدُهُ وَهْوَ الذي أبَقَا
لمَّا تَوارَى مُحيَّاهُ بَكيتُ دَماً / كالشَّمسِ غابَتْ فأبْقَتْ بعدهَا شَفَقا
مُهَفهَفُ القَدِّ لَدْنُ العِطْفِ مُعتدِلٌ / كالغُصنِ قد حَمَلَ الدِّيباجَ لا الوَرقا
خَطَّتْ يدُ الحُسنِ في مَصقولِ جَبْهتهِ / سَطراً مُلخَّصُهُ سُبحانَ مَنْ خَلَقا
جَرَحتُ خَدَّيهِ بالألحاظِ عن خَطأٍ / فاقتَصَّ من كَبِدي ظُلماً وما رَفَقا
وطالما سَرَقَتْ عينايَ نَظرَتَهُ / فقالَ لا بُدَّ لي من قَطعِ مَنْ سَرَقا
لمَّا رأى سِحرَ عينيهِ العِذارُ طَوَى / كَشحاً وخَطَّ لهُ في عارِضيهِ رُقَى
تلك الأساطيرُ شاقتْني مَحاسِنُها / حتى رأيتُ سُطوراً تَبْهَرُ الحَدَقا
قلائدٌ خِلْتُها حبراً على وَرَقٍ / فكانتِ الدُرَّ لا حِبراً ولا وَرَقا
منظومةٌ بيدٍ كالبَحرِ زَاخرةٍ / مَن خاضَ لُجَّتَها لا يأمَنُ الغَرَقا
بنفسي الفِداءُ لعبدِ اللهِ من رَجُلٍ / كالغيثِ مُندَفِقاً والصُّبحِ مُنبَثِقا
أصَحُّ من خَطَّ قِرطاساً وأبلَغُ مَن / أملَى وأفصَحُ مَنْ بالضَّادِ قد نَطقَا
هُوَ المُصِيبُ الذي لم يُخطِ مَنطِقُهُ / إلاّ بمدحٍ أتاني منهُ مختَلَقا
لَئنْ تَسَربلتُ من عُجْبي بهِ حُللاً / فقد تَعلَّمتُ من ألطافِهِ خُلُقا
سَقى الحَيا أرضَ زَوارءِ العِراقِ كما / سَقَت رُبَى الشَّامِ منها وابلاً غَدَقا
عَلِمتُ أنَّ الصَّبا من نَحوِها خَطَرتْ / لَمَّا رأيتُ شَذا أنفاسِها عَبِقا
شَوقي إلى رَبعها الميمونِ طائرُهُ / شوقُ العَليلِ إلى ما يُمسِكُ الرَّمَقَا
رَبعٌ هو الفَلَكُ الأعلَى فقد طَلَعتْ / فيهِ النُجومُ اللواتي تَصدَعُ الغَسقَا
يا حَبَّذا نَهلةٌ تُرِوي الحُشاشةَ مِن / نهر السَّلامِ الذي قَلبي بهِ عَلِقا
إن لم أنَل جُرْعةً منهُ فوا ظَمئي / ولو سَقاني هَتُونُ الغَيثِ مُندفِقا
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني / قد حانَ ذلكَ أم يَبقَى إلى حِينِ
كُلٌّ أسِيرُ المَنايا لا فِدَاءَ لهُ / فيُحسَبُ الحَيُّ مَيتاً غيرَ مدفونِ
قُلْ للذي تاهَ في دُنياهُ مُفتخراً / ضاع افتخارك بين الماء والطينِ
إذا تفقَّدتَ في الأجداث معتبِراً / هناك تنظرُ تيجانَ السلاطينِ
وَيلاهُ من هذِهِ الدُّنيا على خَطَرٍ / فتلكَ أضعفُ مِن زهرِ البساتينِ
نُمسي ونصبحُ في الدُّنيا على خطرٍ / فليسَ يومٌ ولا ليلٌ بمأمونِ
قد مَلَّ قلبي حَياةً لا جَمالَ لها / إلاّ مَشُوباً بتَشويهٍ وتَهْجينِ
قَلبٌ أرَى في دِيارِ الشَّامِ مَنزِلَهُ / وصَبرَهُ في دِيارِ الهِندِ والصِّينِ
في كلِّ يومٍ بَلاءٌ غيرُ مُحتَسَبٍ / ولَوعةٌ بفِراقٍ غيرِ مظنونِ
لم يَترُكِ الدَّهرُ عيناً مِنْ أحبَّتِنا / لكِنَّهُ تَرَك الآثارَ تُشجيني
لَهْفي على ذلكَ البدرِ الذي كَسَفَتْ / جَمَالهُ الأرضُ ولو يَبقَى كعُرْجونِ
من بعِدهِ أظلَمَتْ أبصارُنا فرَأتْ / نهارَ أيلُولَ فيها ليلَ كانونِ
وَيلاهُ كم في صُروفِ الدهرِ من عَجَبٍ / وأنتَ في البحثِ عنها غيرُ مأذونِ
يُعطي ويمَنَعُ لا حَمْدَ الكريمِ ولا / عُذْرَ البَخيلِ ولا حِفظَ القوانينِ
كم سادَ في الدِّينِ والدُّنيا بحوزتَهُ / من ليس يَصلَحُ للدنيا ولا الدِّينِ
ومات من تشتهي الدُّنيا سلامتَهُ / وعاشَ مَن موتُهُ أشْهَى الرَياحينِ
هذا قَضاءُ الذي في عَرشِ قُدْرَتِهِ / يُصرِّفُ الأمرَ بينَ الكافِ والنونِ
فاصبِرْ وَإنْ شِئتَ فاجزَعْ إنْ قَدَرْتَ على / دفعِ البَلاءِ وتَعدِيلِ الموازينِ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ / تَرْكُ التَغَزُّلِ والتمويهِ في الكَلِمِ
فإن مَدَحتَ الأمينَ المُستغَاثَ بهِ / فالهَجْ بلَيثِ الشَّرَى لا ظَبْيِ ذي سَلَمِ
قلْ للأمِير جَزاكَ اللهُ مكَرُمةً / فأكرَمُ النَّاسِ عِندَ اللهِ ذو الكَرَمِ
والنَّاسُ ضَربانِ ذو سَيفٍ وذو قَلَمٍ / وأنتَ تجمَعُ بينَ السَّيفِ والقَلَمِ
أُثني عليكَ بلَفظٍ لستُ أحسَبُهُ / مَدحاً لكم بل حديثاً عنكَ في الأُمَمِ
وأحسَنُ المَدحِ ما صَحَّ الحديثُ بهِ / وصَدَّقتْهُ شُهودُ الفِعلِ والشِّيَمِ
وأفضَلُ الحاكِمينَ القائمِينَ فتىً / ذو حِكمةٍ فيَزِينُ الحُكْمَ بالحِكَمِ
قدِ اعترَكتَ صُروفَ الدَّهرِ مُخترطاً / سيفَ العَزائمِ والآراءِ والهَمَمِ
فكُنتَ مَعقِدَ تاجٍ فَوقَ هَامَتِها / بَعدَ الجهادِ وكانتْ موطِئَ القَدَمِ
مَدَدتَ راحةَ قَنَّاصٍ يُعاضِدُها / حَظُّ سَعيدٌ يَصيدُ الصَقْرَ بالرَخَمِ
فما هَمَمْتَ بأمرٍ غيرَ مُقتدرٍ / ولا بَدَأتَ بأمرٍ غيرَ مخُتَتِمِ
يا أثبتَ النَّاسِ في قولٍ وفي عَمَلٍ / على التَمادِي وأوفَى الناسِ بالذِمَمِ
بَيني وبينَكَ عهدٌ في عَشائِرِنا / يَجري على سُنَّةِ المَخدُومِ والخَدَمِ
أنا على عادةِ الأجنادِ من قِدَمِ / فكُنْ على عادةِ الساداتِ من قِدَمِ
إلى المَغاربِ تَسعَى الشَّمسُ والقَمَرُ
إلى المَغاربِ تَسعَى الشَّمسُ والقَمَرُ / فذاكَ فَخرٌ بهِ تَزهُو وتَفتَخِرُ
أرضٌ مُبارَكةُ الأقطارِ صالحةٌ / إذا أتَى الرِّيحُ منها أقبَلَ المَطَرُ
سل أرضَ مصرَ إذا ما جئتَ ساحتَها / من أينَ فيضُ مياهِ النِّيلِ يُنتَظرُ
إن كان في مِصرَ نَهرٌ شابَهُ كَدَرٌ / فضمِنَ تُونُسَ بَحرٌ ما بهِ كَدَرُ
هُوَ الوزيرُ الذي أضحَى يُشَدُّ بهِ / أزْرُ الكرامِ ويُرجَى عِندَهُ الوَطَرُ
تَهْوي على ذَيلِهِ الأفواهُ لاثِمةً / كأنَّهُ رُكنُ بيتِ اللهِ والحَجَرُ
مُحمَّدُ الأحمَدُ المحمودُ نائلُهُ / وسَعْيُهُ حيثُ يَرضَى اللهُ والبَشَرُ
الباسِمُ الثغَرِ والأبطالُ عابِسةٌ / والثابتُ القلبِ والأكبادُ تَنفطِرُ
إذا انتَضَى يوم حربٍ صارماً ذَكراً / فلَيسَ أفتَكَ منهُ الصَّارِمُ الذَكَرُ
أعَزُّ شيءٍ عليهِ مَتْنُ سابحةٍ / تَجرِي وأهوَنُ شيءٍ عندَهُ البِدَرُ
مُؤَيَّدٌ بِيَمينِ اللهِ مُقتدرٌ / يَرعَى العِبادَ بعينٍ نَومُها السَّهَرُ
لو لَمْ يكن صدرُهُ بحراً لما بَرزتْ / لمشهدِ النَّاسِ من ألفاظِهِ الدُّرَرُ
كَرامةٌ في بِلادِ الغربِ مُشرِقةٌ / ونِعمةٌ للرَّعايا ساقَها القَدَرُ
تُهدَى إليهِ القوافي وَهْيَ سافرةٌ / مِن مَشرِقِ الأرْضِ يجلوَ وَجهْهَا السَفَرُ
يا ناسِخَ الظُّلمِ مِن أقطارِ دَولتِهِ / كظُلمةِ الليل يمحو جِنْحَها السَحَرُ
قد قُمتَ بالبِرِّ والعدلِ القويمِ بها / كأنَّما أنتَ عبدُ اللهِ أو عُمَرُ
لَكَ التهانِي بما أوتيتَ من ظَفَرٍ / بل للرَعايا التي أولَى بِها الظَفَرُ
أنَلْتُهمْ زَهرةَ الدُنْيا فكانَ لهُمْ / عَرْفُ النَّسيمِ وفي الأُخرَى لَكَ الثَمَرُ
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا / حَديثَ فتنَتِهِ الكُبرَى فما كَذَبا
ما زالَ يخضَرُّ ذاك الآسُ مُزدهياً / وكيفَ يَخضَرُّ نبتٌ جاوَرَ اللهَبا
فَتىً منَ العَرَبِ العَرْباء مَنطِقُهُ / لكنِ شَمائِلهُ لا تَعرِفُ العَرَبا
غَضُّ الصِّبا لَيِّنُ الأعطافِ مُعتَدلٌ / لهُ فَكاهةُ رَيحانٍ ولُطفُ صَبَا
ما زالَ وَجدي بهِ يَنقادُ عن سَبَبٍ / حَتَّى رأيتُ لزُهدي في الهَوَى سَبَبا
لَهَوْتُ عن غَزَلٍ فيهِ بعارضةٍ / من النَّسيبِ بخَوْدٍ تَفتِنُ الأُدَبا
رِسالةٌ من ضواحي مِصرَ قد وَرَدَتْ / كأنَّها فَلَكٌ قد ضُمِّنَ الشُّهُبا
بديعةُ النَّظمِ خُطَّتْ بالمِدادِ ولو / أصابَ كاتِبُها أجرَى لها الذَهَبا
للهِ من كاتبٍ أقلامُهُ نَظَمَتْ / عِقْدَ اللآلي بلا سِمطٍ فواعَجبَا
يَفْتَنُّ في فِتنةِ الألبابِ مُبتدعاً / إذا قَضَى أو رَوَى أو خَطَّ أو خَطَبا
مُهذّبٌ تَرفَعُ الأوهامُ حِكمَتَهُ / حَزْماً إذا قامَ للتَّدريسِ مُنتصِبا
يَقضى لهُ حينَ يُفتي في مَجالِسِهِ / بالسَّبْقِ مِمَّن رأى في كَفِّهِ القَصَبا
عبدٌ أُضيفَ إلى الهادي فَنالَ هُدىً / منَ المُضافِ إليهِ كانَ مُكتَسَبا
أقوَى الوَرَى سَنداً أعلى الذُرَى عُمُداً / أنَدى الكِرامِ يداً خيرُ الأنامِ أبا
طَلْقُ اليَراعةِ طَلْقُ الوَجهِ طَلْقُ يَدٍ / طَلْقُ اللِسانِ إذا السَّيفُ الصَقيلُ نبا
كالبحرِ مُندَفِقاً والصُبحِ مُنبَثقاً / والسَهمِ مُنطلقاً والغيثِ مُنسكبا
سَهْلُ الخلائِقِ لا يَهْتاجُهُ غَضَبٌ / حتى تَوهَّمتُهُ لا يَعرِفُ الغَضبَا
يُغضِي عن الجَهلِ من حِلمٍ ومَكرُمةٍ / عَيناً لها لَحَظاتُ تَخرُقُ الحُجُبا
أرادَ للنفسِ وَضعاً من وَداعتِهِ / يوماً فطارَتْ بها فوقَ العُلَى رُتَبا
لا يَبرَحُ المَرْءُ حيثُ اللهُ يَجعَلُهُ / ومَنْ رأى النَّجْمَ تحتَ الماءِ قد رَسَبا
مَتَى تَزُرْ شَيخَنا المُفتِي الكبيرَ تَرَى / أبا حَنيفةَ في مِحرابهِ انتَصَبا
تَرَى التلامِيذَ تَستملي فوائِدَهُ / كأنَّهُ البحرُ يَسقِي ماؤُهُ السُحُبا
كَنْزُ العُلومِ الذي يَغنَى الفقيرُ بهِ / منَ العطَايا ويَبقَى فوقُ ما ذَهَبا
بحرٌ على أرضِ مِصرٍ مَدَّ لُجّتَهُ / فنالَتِ الشَّامَ حتى جاوَزَتْ حَلَبا
أهدَى إلينا بُيوتاً كُلَّما ضَرَبتْ / طَيَّ الحَشا وَتداً مَدّت لهُ سَبَبا
بتنا نتوقُ إلى مصر لرؤيته / ونرصد الرِّيح تأتي لنا بِنَبَا
يمثِّلُ الوهمُ هاتيكَ الديارَ لنا / حتى كأنَّا وَرَدْنا نيلَها العَذِبا
عَزَّ اللقاءُ فرَدَّدْنا رَسائِلَنا / كمن تَيَمَّمَ حيثُ الماءُ قد نَضبَا
من ليسَ يقدِرُ في وَصلِ الأحبَّةِ أنْ / يَستَخِدمَ الخيلَ فَلْيَستخْدِمِ الكُتبُا
سَل ابنْةَ القَومِ هل تَدري بما صَنَعتْ
سَل ابنْةَ القَومِ هل تَدري بما صَنَعتْ / ألحاظُها بفُؤادٍ فيهِ قد رَتَعَتْ
مَليحةٌ قَطَعَتْ من مُهجتي طَرَفاً / ولَيْتَها حاسَبَتْني بالذي قَطَعَتْ
صُبحٌ إذا سَفَرَتْ غُصنٌ إذا خَطَرَتْ / ظَبْيٌ إذا نَفَرَتْ مِسكٌ إذا سَطَعَتْ
أجفانُها خَلَعَتْ سُقْماً علَيَّ ولا / لَوْمٌ عليها فمِن أثوابِها خَلَعتْ
لَئنْ تَكُنْ عن سَوادِ العينِ غائبةً / فإنَّها في سَوادِ القلبِ قد طَلَعَتْ
وإن أتى من شِهابِ الدِّينِ مُقتَبَساً / كِتابُ أنُسٍ وقد غابَتْ فلا رَجَعتْ
حَيَّا الحَيا أرْضَ زَوْراءِ العِراقِ ضُحىً / فتِلكَ أرضٌ لأهلِ الفضلِ قد جَمَعَتْ
لَئنْ مَضَت دَولةُ المُلكِ القديم بها / فدَولةُ العِلمِ منها قَطُّ ما انقَطَعتْ
فيها الرِّجالُ المَشاهِيرُ الذينَ بهِمْ / مَنارةُ العِلمِ فوقَ النَّجمِ قد رُفعتْ
من كُلِّ أبلَجَ واري الزَّنْدِ في يَدهِ / أقلامُ صِدقٍ بأمرِ اللهِ قد صَدَعَتْ
كلُّ البِلادِ وإن جَلَّتْ مَحاسِنُها / عِقْدٌ فَريدَتُهُ بغدادُ قد وُضِعَتْ
تَسَعى إليها القوافي السَّائراتُ كما / تَسعَى إلى الكَعْبةِ الحُجَّاجُ حينَ سَعَتْ
أرضٌ تَتُوقُ إلى مَرأى مَحاسِنها / عيني لكَثْرةِ ما أُذْني بها سَمِعَتْ
حَسِبتُها فَلَكاً إذْ قِيلَ إنَّ بِها / ذاكَ الشِّهابَ الذي أنوارُهُ لَمَعَتْ
ماذا أقرِّظُ من ذاكَ المقَامِ على / تَقريظِهِ لمقاماتي التي طُبعَتْ
ليسَ الشَهادةُ من ضُعفي بنافعةٍ / لكن شَهادَتهُ تلكَ التي نَفَعَتْ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ / عَلمتُ أنَّكَ منها خالصَ النَسَبِ
وكيفَ تُنكَرُ في الأعرابِ نِسبتُهُ / فتىً لهُ عُمَرُ الفاروقُ خيرُ أبِ
يا حافظَ العهدِ في سرٍّ وفي علَنٍ / وحافظَ الوُدِّ عن بُعدٍ وعن كَثَبِ
أرَى رَسائلَكَ البَيضاءَ لو عُصِرَت / منها المَوَدَّةُ سالتْ بالنَّدَى الرَّطِبِ
بَيني وبينَكَ عَهدٌ لا يُغيِّرُهُ / بُعدُ الدِّيارِ وهَولُ الحَرْبِ والحَرَبِ
إن لم يَكُنْ بَينَنا في قَومِنا نَسَبٌ / قِدْماً فقد جَمَعَنا نِسبةُ الأدَبِ
ما لي وللدَّارِ إنْ شَطَّت فَمغرِسُنا / طَيُّ التَرَائبِ لا مَطويَّةُ التُرَبِ
إذا ظَفِرتُ بقَلبٍ غيرِ مُبتعِدٍ / فما أبالي برَيعٍ غيرِ مُقتَربِ
لا أوحشَ اللهُ مِمَّن ظَلَّ يُؤْنسُني / طُولَ المدَى بورُودِ الرُسْلِ والكُتُبِ
لو كُنتُ أدري لهُ شَخصاً أُمثّلُهُ / لكانَ في الوَهْمِ عن عَينيَّ لم يَغِبِ
يا عاقلاً عَقلَتْ قَلبي مَوَدَّتُهُ / لا أطلَقَ اللهُ هذا الأسرَ في الحِقَبِ
مَلَكْتَني ببديعِ اللُطفِ منكَ فإنْ / بَغَى سِواكَ اقِتناصي كنتُ كالسَّلَبِ
يا حَبَّذا أرضُ مِصرٍ والذينَ بها / وحَبّذا نَهلةٌ من نيلها العَذِبِ
وحبَّذا نَسَماتٌ طابَ عُنصُرُها / وإن يكُنْ عُنصُرُ الأيَّام لم يَطِبِ
صَبراً على نَكَدِ الدُّنيا التي طُبِعَت / على مُعاقَبَةِ الأحداثِ والنُوَبِ
والصَبرُ أنفَعُ ما داوَى الجريحُ بهِ / جُرحَ الفُؤَادِ وأهدَى الطُرْقِ للأرَبِ
ما ليسَ تَقطَعُهُ الأسيافُ يَقَطعُهُ / مَرُّ الزمانِ كقَطعِ النارِ للحَطبِ
قد عاهَدَ الدهرُ أهليهِ فما غَدَرا
قد عاهَدَ الدهرُ أهليهِ فما غَدَرا / أنْ لا يُديمَ لَهُم صَفْواً ولا كَدَرا
دَهرٌ يُقلِّبُ أحوالَ العِبادِ ومَن / رأى تَقلُّبَهُ في نفسِهِ عَذَرا
شمسٌ تغيبُ ويَبدُو بَعدَها قمَرٌ / وتارةً لا نَرى شَمساً ولا قَمَرا
والناسُ بين نزيلٍ إثْرَ مُرتحلٍ / وراحلٍ يَقتفي الباقي لهُ أثَرا
يا ذاهباً حيثُ لا نَدري لهُ خَبَرا / تَفِدي لنا ذاهباً نَدرِي لهُ خَبَرا
قد أوحشَ الشَرقَ لَمَّا غابَ عنهُ كما / ألقَى على الغَربِ أُنساً حيثُما حَضَرا
هو الحبيبُ المُحِبُّ الصادقُ الثِّقَةُ ال / وافي الذي بين أهلِ الحُبِّ قد نَدَرا
فُؤَادُهُ الماءُ لِيناً غيرَ أنَّ بهِ / عهداً كنَقشٍ قدِ استَوْدَعْتَهُ حَجَرا
يَزيدُ مَرُّ الليالي في مَوَدَّتِهِ / كالغُصنِ يوماً فيوماً طالَ وانتَشَرا
وإن غَفَلتُ لضُعفي هَبَّ مُنتبِهاً / وإن نَسيتُ مواثيقَ الهَوَى ذَكرا
جاءت رِسالتُهُ الغرَّاءُ يَحمِلها / فُلكُ الدُخانِ كغيمٍ يَحِملُ المَطَرا
أرْوَت ظَمَا القلبِ لكنّي غرِقتُ بها / في بحرِ مِنتَّهِ الطامي الذي زَخرا
هيَ الكتابُ الذي سَمَّيتُهُ صَدَفاً / فيها الكَلامُ الذي سَمَّيتُهُ دُرَرا
قامت تُمثِّلُ لي أُنسَ اللقاءِ بهِ / من حيثُ كانت تَسُرُّ السَّمْعَ والبَصَرا
يا أيُّها الرَّاحِلُ الميمونُ طائِرُهُ / أَرَى وِدَادَكَ لا يَستَعمِلُ السَّفَرا
لكَ المُطَوَّلُ من شَوقِ المُحِبِّ وإِنْ / كانَ الكِتابُ الذي يُهدِيهِ مُختَصَرا
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ / من حُسنِ يُوسُفَ يُرجَى صبرُ أَيُّوبِ
وكيفَ صَبرٌ بلا قَلب يقومُ بهِ / فقلبُ كلِّ مُحِبٍّ عِندَ محبوبِ
مضى الزَّمانُ على أهلِ الهَوى عَبَثاً / فلم يَكُفُّوا ولا فازوا بمطلوبِ
تَطيبُ أَنفُسُهُمْ تحتَ الظَّلامِ على / وَعدِ الخَيالِ وتَنسَى وَعدَ عُرقوبِ
كلُّ المِلاحِ فِدَى خَودٍ ظَفَرتُ بها / تخلو عُذُوبتُها من كُلِّ تَعذيبِ
يَزينُها الحِبرُ فوقَ الطِرْسِ لا حِبَرٌ / تحت الحِلَى وَطِرازٌ في الجَلابِيبِ
مَحجوبةٌ تحتَ أَستارٍ تَغيبُ بها / ونُورُها كالدَّراري غيرُ محجوبِ
عَلِمتُ أَنَّ عَرُوساً ضِمنَ هَودَجِها / لَمَّا تَنَسَّمتُ منه نَفحةَ الطِيبِ
هَديَّةٌ جادَ مُهديها عَليَّ كما / تُهدى عِطاشُ الرُّبى قَطْرَ الشَّآبِيبِ
جاءت على غَيرِ ميعادٍ لزَورَتِها / وأعذَبُ الوَفْدِ وَفدٌ غيرُ محسوبِ
كريمةٌ من كريمٍ عَزَّ جانِبُهُ / يا حبَّذا كاتِبٌ منهُ كمكتوبِ
أَثنى عَلَيَّ بما لا أستطيعُ لهُ / شكُراً فأُلقي إليهِ عُذرَ مغلوبِ
حَيَّا الصَّبا أَرضَ مصرَ والَّذينَ بها / وجادَها كلُّ هَتَّانِ الأَساكيبِ
في أَرضِها غابةُ العِلمِ التي سَمَحَتْ / لِغيرِها بالشَّظايا والأَنابيبِ
على الخليلِ سَلامُ اللهِ تَقرَأُهُ / ملائِكُ العَرْشِ من أعلى المَحاريبِ
ومَن لَنا بسَلامٍ نَلتَقيهِ بهِ / وبَردِ شوقٍ كتِلكَ النَّارِ مشبُوبِ
هو الأَديبُ الذي رَقَّتْ شَمائِلُهُ / وصانَهُ اللهُ من لومٍ وتَثْريبِ
مُنَزَّهٌ عن فُضولِ القولِ مَنطِقُهُ / في النَّظمِ والنَّثرِ مقبولُ الأساليبِ
وأَحسَنُ الشِّعرِ ما رَاقَتْ مَوارِدُهُ / مستَوفياً حَقَّ تهذيبٍ وتأْديبِ
ومن أَقامَ على ألفاظِهِ حَرَساً / مِثلَ السكَائِمِ للجُرْدِ السَّراحِيبِ
ومن إذا عَرَضَتْ في الناسِ تَجرِبَةٌ / أَغنَتهُ عن شَقِّ نَفسٍ في التَجارِيبِ
إليكَ يا ابن سِراجِ الدين قد وَفَدَتْ / تَبغي الضياءَ فَتاةٌ للأَعاريبِ
خَطَّارةٌ في سخيفِ البُرْدِ عاطلةٌ / مَدَّت إليكَ بَناناً غيرَ مخضوبِ
رَفَعتَ قَدري بمَدحٍ قد خَفَضْتُ لهُ / رأْسي فناظَرَهُ سَمْعي بمنصوبِ
عليَّ شُكرُكَ مفروضٌ أَقومُ بهِ / يا مَن عليهِ مَديحي غيرُ مندوبِ
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ / لا يَستَقِلُّ عليهِ الرَّاكبُ الوَهِنُ
يَغُرُّ بالفارسِ الطاغي فيرَكَبُهُ / لكنْ تَرَدِّيِهِ عنهُ لَيسَ يُؤْتَمَنُ
غارَ الرِّجالُ على أبياتِهِ طَمعَاً / فكانَ أكثرَهُم من حَظِّهِ الدِمَنُ
نَعُدُّ منهم ألوفاً ما بها حَسَنٌ / حَتَّى يُصادَفَ منهم واحدٌ حَسَنُ
إنَّ الجميلَ قليلٌ عَزَّ مَطلَبُهُ / من كُلِّ ما تَشتهيهِ العينُ والأُذُنُ
فلا تَرى مِن حَصَى الياقُوتِ واحدةً / حَتَّى تَرَى ألْفَ صَخْرٍ ما لهُ ثَمَنُ
هذا هُوَ الأمَدُ الأقَصى الذي قَصُرَت / عنهُ الجِيادُ وكَلَّتْ دُونَهُ الهُجُنُ
في كلِّ فَنٍّ سِواهُ كُلُّ طائفةٍ / قَلَّ التَّفاوُتُ فيها حينَ تَقْتَرِنُ
أنا الخبيرُ بما في القَومِ من سَخَفٍ / لا يَجهَلُ السُّقمَ مَن بالسُّقمِ يُمتَحَنُ
واللهُ يَعلمُ أنَّ الصَمْتَ أجمَلُ بي / لولا حُقوقٌ بِهِنَّ القَلبُ مُرْتَهَنُ
عَلَيَّ مالا أُكافيهِ بصُنعِ يدٍ / فقد أُكافيهِ مِمَّا تَصَنعُ اللُسُنُ
مَدائحٌ هيَ فرضٌ لا انفِكاكَ لهُ / عِندي وما دُونَها الأنفالُ والسُنَنُ
أسُوقُها نحوَ بابٍ شادَ دَولَتهُ / مُلْكُ العِراقِ وشادَت مَجدَهُ اليَمَنُ
غريبةٌ حُيثُما حَلَّت فإنْ نَزَلَتْ / بِدارِهِ فهُناكَ الأهلُ والوَطَنُ
تَلقَى الأميرَ الذي تَلقَى بِساحتِهِ / شَخصاً هُوَ الرُوحُ في أرضٍ هيَ البَدَنُ
ذاكَ الأمينُ الذي يَرعَى رَعيَّتَهُ / بِعَينِ يَقْظانَ لا يَلهُو بها الوَسَنُ
قد جَدَّدَتْ لِبني رَسْلانَ هِمَّتُهُ / في أرضِ لُبنانَ ما لم تَنْسَهُ عَدَنُ
ألْقَتْ لهُ الدَولةُ العُظمَى بِعِصمتِها / فليَسَ من هَمِّهِ قيسٌ ولا يَمَنُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أوَدٌ / مُطهَّرُ العِرْضِ ما في عِرْضِهِ دَرَنُ
في صَدرِهِ إذْ تَحِلُّ النَّائباتُ بهِ / بحرٌ منَ الرَّأيِ فيهِ تَغرقُ السُّفُنُ
لي كُلَّ يومٍ بهِ في الشِّعرِ قافيةٌ / فلَيسَ يَنْفَدُ حَتَّى يَنْفَدَ الزَّمَنُ
خَرائدٌ مِنْ نَباتِ العُربِ سافرةٌ / قَبُولُها مِنَّةٌ مِمَّنْ لهُ المِنَنُ
ما زلتُ أمدحُ نفسي حينَ أمدَحُهُ / بأنَّني صادقٌ في القَوْلِ مُؤتَمَنُ
إنّي تَعَوَّدتُ قولَ الصِّدقِ مُلتزِماً / حَتَّى تَطابَقَ عِندي السِرُّ والعَلَنُ
لا أمدَحُ المَرْءَ مَهْما عَزَّ جانِبهُ / إلا بما فيهِ كالقُسْطاسِ إذ يَزِنُ
عَيبٌ عَلَيَّ وعيبٌ أن يُصَدِّقَني / إذا كَذَبتُ عليهِ الحاذقُ الفَطِنُ
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ / فانظُرْ إلى الموتِ كيفَ الموتُ ينتَقِدُ
يَدورُ في الأرض حولَ النّاسِ مُلتمساً / كريمَ قومٍ ولا يَرضَى بما يَجِدُ
جَبَّارُ صَيدٍ يريدُ الصَّقْرَ مُفتخِراً / بهِ فإن لم يَجِدهُ يُرْضهِ الصُرَدُ
إذا انتضَى سَيفَهُ فالرأسُ مَورِدُهُ / وإن رَمَى السَّهْمَ فليَستهِدِفِ الكَبِدُ
يا أيُّها المَلِكُ المرهوبُ جانبُهُ / هذا هُوَ المَلِكُ المرهوبُ إذ يَفِدُ
يا أيُّها الأسدُ الجاني بسَطْوتِهِ / على ضَواري الفَلا هذا هُوَ الأسَدُ
يا أيُّها البَطَلُ الشَّاكي السِلاحِ تُرَى / أينَ السِّلاحُ وماذا يَمنَعُ الزَّرَدُ
قد خانَ عَهْدُكَ ما تَرجُوهُ من عُدَدٍ / إذا أتى الموتُ يوماً ماتتِ العُدَدُ
ما زالَ كلُّ ابنِ أثنَى مُنذُ فِطرَتِهِ / فَريسةً بينَ أيدي الموتِ تَرتِعدُ
يا مَنْ يقولُ غداً دَعْ عنكَ ذِكرَ غَدٍ / فلَيسَ للمَرْءِ في هذا الزَّمانِ غَدُ
للموتِ كلُّ أبٍ فوقَ التُّرابِ مَشَى / وكلُّ أُمٍّ وما رَبَّتْ وما تَلِدُ
إلى تُرابٍ جُبِلْنا منهُ مَرجِعُنا / نظيرَ ماءٍ إليه يَرجِعُ البرَدُ
نَهتَمُّ في خِصبِ أجسامٍ نُنَعِّمُها / ويَشكُرُ الدُودُ مِنَّا ما بهِ نَعِدُ
مَناحةٌ في دِيارِ المَيْتِ قائِمةٌ / ودُعوةٌ في دِيارِ القبرِ تَحتَشِدُ
للدَّهرِ في كلِّ عينٍ دَمعَةٌ قَطَرَتْ / منهُ وفي كلِ قلبٍ جَمْرةٌ تَقِدُ
مَتَى تُرِدْ أن تَعُدَّ السالِمينَ فضَعْ / صِفراً على الطِّرسِ حتى يحدُثَ العَدَدُ
أستَودعُ اللهَ مَن بالأمسِ وَدَّعَني / كُرهاً فَوَدَّعَ قلبي الصَّبرُ والجَلَدُ
ما زالَ يَصحبُنا دَهراً ويُؤُنِسُنا / فما لهُ صارَ عنا اليومَ يَنفرِدُ
قد نازَعتْنا المنايا شَخصَهُ حَسَداً / وَيلاهُ حتَّى المنايا عِندَها الحَسَدُ
تَسطُو علينا بلا كَفٍّ ولا عَضُدٍ / وليسَ يَنفَعُ مِنَّا الكَفُّ والعَضُدُ
قد غابَ في الشَّرقِ بدرٌ في الضُّحَى عَجَباً / فأبصَرَ النّاسُ منهُ غيرَ ما عَهِدوا
لو أنصفتْهُ دَراري الأُفْقِ ما طَلَعتْ / حُزْناً عليه وغَشّى أُفْقَها الكَمَدُ
يا أيُّها المضجَعُ الميمونُ طالعُهُ / هل ضَمَّ كمنْ تحويهِ أو بَلَدُ
أكرِمْ لَكَ اللهُ ضَيفاً قد ظَفِرتَ بهِ / فطالما أكرَمَ الضِيفانَ إذ وَفدوا
واعرِفْ جَلالَة شخصٍ فيك قد عَرَفتْ / مَقامَهُ كُبراءُ الناسِ والعُمَدُ
واحرِصْ على كلِّ عَظمٍ من مَفاصلِهِ / فذاك من أشرَفِ الآثارِ يُعتَقدُ
يا مَنْ سَكِرتَ وليسَ السُّكْرُ عادتَهُ / بخَمْرةٍ لم يُفِقْ من سُكرِها أحَدُ
أراكَ بالقُرْبِ منِّي غيرَ مُبتعِدٍ / وأنتَ أبعَدُ مَنْ في الأرضِ يَبتِعدُ
ما نومةٌ لَكَ يومُ الحَشْرِ مَوعِدُها / ويحي وما غيبةٌ ميعادُها الأبَدُ
ما بالُ عينيِكَ لا تَنفَكُّ مُغمضَةً / جُفُونُها وبِعيني لا بها الرَمدُ
هذِهْ هيَ النَظْرَةُ الأخرى نُزوَّدُها / فهل بِزادِ حُدِيثٍ منكَ نُفتَقَدُ
وهل تُرَدُّ على بُعدٍ تحيِتُّنا / وهل تُؤَدَّى رِسالاتٌ لنا تَرِدُ
عَلوتَ يا أيُّها العالي إلى فَلَكٍ / قد طالَ منكَ إلى ما فَوقَهُ الرَّصَدُ
أنتَ الغريبُ ومَنْ لي أن يكُونَ لنا / غرائبٌ في أساليبَ الرِّثا جُدُدُ
جادَتْ على قَبرِكَ الأنواءُ باكيةً / كأنَّما قد عراها الغَمُّ والنَكَدُ
هذا هُوَ المَنزِلُ الباقي وعُدَّتُهُ / هي الذَّخيرةُ لا مالٌ ولا وَلَدُ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ / واعدِدْ لِنفسِك فيهَ أفضَلَ العُدَدِ
واقنَعْ بما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا / تَبسُطْ يَديَكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ
والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَت / حتى تُحاكَ لك الأُخرى من البُرَدِ
ودُرْ مَعَ الدَّهرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ / حِذارَ أن تُبتَلى عَيناكَ بالرَّمَدِ
مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِهِ / فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ
واعمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُهُ / من عَضَّةِ الكلبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ
لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَت / فَهْوَ الحريصُ على أثوابهِ الجُدُدِ
واحرِصْ على الدُرِّ أن تُعطِي قلائدَهُ / مَن لا يُميِّزُ بينَ الدُرِّ والبَرَدِ
أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن / طَلَبْتَهُ في أوانِ الضِّيقِ لم تَجِدِ
وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ / عاقَدتَ قلباً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ
عليكَ بالشُّكرِ للُمعطي على هِبةٍ / ودَعْ حَسُودَكَ يَشوي فِلْذَة الكَبِدِ
لو كانَ يَفَعلُ في ذي نِعمةٍ حَسَدٌ / لم ينجُ ذو نعمةٍ من غائلِ الحَسَدِ
مَحَضْتُك النُّصحَ عن خُبرٍ وتجرِبةٍ / واللهُ سُبحانَهُ الهادي إلى الرَشَدِ
فاخَترْ لنفسِكَ غيري صاحباً فأنا / شُغِلتُ عنكَ بما قد جدَّ في البَلَدِ
قد شَرَّفَ اليومَ إبراهيمُ بلَدتَنا / كأنَّهُ الرُوحُ قد فاضَتْ على الجَسَدِ
اهدَت إلينا ضَواحي مِصرَ جَوْهرةً / من مالِنا فهي قد جادَتْ ولم تَجُدِ
ما زالتِ الشَّامُ تشكو طُولَ وَحْشتِهِ / كالأمِّ طالتْ عليها غُربةُ الوَلَدِ
سُرَّتْ بزَوْرتِهِ يوماً ونَغَّصَها / خوفُ الفِراقِ فلم تَسلَمْ من الكَمَدِ
عليلةٌ من دواعي الشَّوقِ حينَ دَرَى / من لُطفِهِ ما بها وافَى كمُفتقِدِ
لئنْ يكُنْ من حِماها غيرَ مُقترِبٍ / فقلبُهُ عن هَواها غيرُ مُبتعِدِ
كريم نفسٍ يُراعي عهدَ صاحبهِ / فلا يُقصِّرُهُ طُولٌ منَ المُدَدِ
مُهذَّبٌ ليسَ في أقوالِهِ زَلَلٌ / وليسَ في فِعلِهِ عَيبٌ لمُنتَقدِ
يقومُ بالأمرِ بينَ النَّاسِ مُنفرِداً / والغيرُ قد كَلَّ عنهُ غيرَ مُنفرِدِ
ويَحطِمُ المَنكِبَ الأعلى بهمَّتِهِ / من قُوَّةِ الرأي لا من قُوَّةِ العَضُدِ
منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهم عَبَثٌ / وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ
مالي وما لنُجوم الليلِ أحسُبُها / إذا ظَفِرتُ بوجهِ البَدرِ في الجَلَدِ
أهديتُهُ بِنتَ فكرٍ قد فتحتُ لها / من حُسنِ أوصافهِ كَنْزاً بلا رَصَدِ
تَمكَّنت بعدَ ضُعفٍ من نَفائسِهِ / حتَّى ابتَنَتْ كُلَّ بيتٍ شامخِ العُمُدِ
كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِها / ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ
وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَهُ / وزْنَ العَروض فلم تَنْقُص ولم تَزِدِ
مَنْ يقرَبِ النَّارَ لا يَسلمْ منَ الحَرَقِ
مَنْ يقرَبِ النَّارَ لا يَسلمْ منَ الحَرَقِ / فابعُدْ عنِ النَّاسِ واحذَرْهم ولا تَثِقِ
واُصبرْ على نَكَدِ الدُّنيا وكُنْ بطَلاً / يَلقَى السُّيُوفَ غَداةَ الحربِ بالدَرَقِ
إن كنتَ قد ضِقْتَ ذَرْعاً عن نوائِبها / فلا تَخَفْ إن لُطفَ اللهِ لم يَضِقِ
يَستدرِكُ المرْءُ ما يَبدُو لناظِرهِ / واللهُ يَصنعُ ما يَخَفى على الحَدَقِ
كم أرَعَدَ الجَوُّ فاهَتزَّتْ جَوانِبُهُ / ثُمَّ انتَهَى الرَّعدُ لم يفَعَلْ سَوَى القَلَقِ
ورُبَّما أطبَقَتْ سُحْبٌ فما قَطَرَتْ / إلا كما يَنقضِي البُحرَانُ بالعَرَقِ
لا يَيْأسَنَّ مريضٌ من سَلامِتهِ / ما دامَ في جِسمهِ شيءٌ من الرَّمَقِ
كم ماتَ من كانَ يُرجَى عَيشُهُ فقَضَى / وعاشَ من كانَ يَخَشى موتُهُ فبَقِي
لِكلِّ لَيلٍ صَباحٌ نستَضيءُ بهِ / فلا تَدوُمُ علينا ظُلمةُ الغَسَقِ
وآخرُ الأمرِ في ضُعفٍ كأوَّلِهِ / كما نَرى الشِبْهَ بينَ الصُّبحِ والشَفَقِ
تَخالَفَ النَّاسُ في الدُنيا فما اتَّفَقوا / إلاّ على حُبِّها الخالي من المَلَقِ
تَسابَقَت نحو كَسْبِ المالِ أنفسهم / ورِفعةِ الجاهِ مثلَ الخيلِ في الطَلَقِ
والفَقرُ أفضلُ من مالٍ حَمَلتَ بهِ / ثِقْلاً من الهَمِّ يُبلِي العينَ بالأرَقِ
والذُلُّ أحسَنُ من مجدٍ لَبِستَ بهِ / ذَمّاً منَ النَّاسِ مثلَ الطَّوق في العُنُقِ
لا خيرَ في خَمرةٍ تَحلُو لِشارِبها / طَعْماً ولكن تَلِيها غُصَّةُ الشَرَقِ
من لا يُقلِّبُ طَرْفاً في عَواقِبهِ / فليسَ تأمنُ رِجلاهُ من الزَّلَقِ
قُلْ للذي مَزَّقَ الدِّيباجَ مُعتمِداً / وبات يرقَعُ منهُ باليَ الخِرَقِ
لا تفتحِ البابَ للضِّرغامِ محترزاً / من البعوض فهذا أعظمُ الحُمٌقِ
شَرُّ الجَهالةِ ما كانَتْ على كِبَرٍ / تُسَوِّدُ الشَيْبَ مِثْلَ الحِبْرِ على الوَرَقِ
وأيسَرُ الجَهلِ ما يَرتَدُّ صاحِبُهُ / عنهُ كمن هَبَّ مُنتاشاً منَ العُمُقِ
لا تَعجَبَنَّ لِسَكرانٍ تَراهُ صَحا / لكنْ لِمَنْ غاصَ في سُكرٍ فلم يُفِقِ
إن الثَباتَ على عَيبٍ أقمْتَ بهِ / عيبٌ جَديدٌ سِوَى المَغرُوسِ في الخُلُقِ
النَّاسُ بالوَضعِ أشباهٌ وقد نَشِبتْ / فيهم مُبايَنةٌ من أكثرِ الطُرُقِ
ماذا نُؤَمِّلُ من نَفعٍ إذا اتَّفَقَتْ / أسماؤُنا والمُسمَّى غيرُ مُتَّفِقِ
يا ليتَ لي بحرَ شُكرٍ كي أخُوضَ بهِ / لكنْ أخافُ على نفسي من الغَرَقِ
شُكرُ الذي ما بِهِ عيبٌ سِوَى نِعَمٍ / تَتابَعَتْ منهُ مثلَ العطفِ ذي النَّسق
ذاكَ الذي كُلَّما رُمتُ اللحاقَ بهِ / في الحُبِّ ألفَيتُهُ قد جَدَّ في السَبَقِ
وكُلَّما كَدِرَتْ عينُ الزَّمانِ صَفا / وكُلَّما دَنِسَتْ نَفسُ الزَّمانِ نَقِي
دَلَّتْ على وُدِهِ الصَّافي صَنائِعُهُ / كالمِسكِ دَلَّتْ عليهِ نَفْحةُ العَبَقِ
والحُبُّ إنْ كانَ لا يأتي بفائدةٍ / فَذاكَ كالغُصنِ لا يُجنِي سِوَى الوَرَقِ
نَرَى منَ النَّاسِ أقواماً مَوَدَّتُهُمْ / تُرضي الفَتَى بلسانٍ خادِعٍ مَلِقِ
تِلكَ الجَرادةُ في بحرٍ وليِمتُنا / مَن فاتَهُ اللحمُ فليِشْبعْ منَ المَرَقِ
الناسُ لولا سجايا النفسِ أشباهُ
الناسُ لولا سجايا النفسِ أشباهُ / فإنّما كُلُّهُمْ تُرْبٌ وأمواهُ
والبعضُ يُفرَقُ عن بعضٍ بجَوهرهِ / كاللفظِ يُفرَقُ عن لفظٍ بمَعناهُ
هذا الذي دارَ بينَ النَّاس من قِدَمٍ / وهكذا قد أقامَ اللهُ دُنياهُ
لو كانتِ النَّاسُ خَلْقاً واحداً بَطَلتْ / مَصالحُ العيشِ واندَكَّتْ زَواياهُ
لولا السَّماحةُ ضاع الحُسنُ مُنكسِراً / فلم يكن لمليحٍ في الوَرَى جاهُ
للهِ في الخَلْقِ سِرٌّ ليسَ نُدرِكُهُ / وكيفَ يُدرِكُ عبدٌ سِرَّ مَوْلاهُ
لكلِّ أمرٍ رِجالٌ يَصْلُحُونَ لهُ / وكلُّ مَرْءٍ لهُ أمرٌ تَوَلَّاهُ
نالَ الرِئاسةَ مَولانا الرئيسُ ولو / رأى لها غيرَهُ المُعطِي لأعطاهُ
سيفٌ إذا ما فَرَى عُنقاً سِواهُ بهِ / فَرَتْ بهِ الصَخرَ عِندَ الضَّربِ يُمناهُ
يَقضِي الحوائجَ إفراداً وتَثْنيةً / ولا يُثَنِّي المُنادي حينَ ناداهُ
وتنقُضُ البُؤُس بعدَ العَقْدِ راحتُهُ / وتنظُرُ السِّرَّ قبلَ الجَهرْ عيناهُ
ما زالَ يجلو ظَلامَ الظُّلمِ مُجتهِداً / كالليلِ حينَ ضِياءُ الصُّبحِ يَلْقاهُ
وينصُرُ العدلَ حتماً وَهْوَ يَحْسَبُهُ / دَيناً لدُنياهُ أو دِيناً لأُخراهُ
يُمسِي الأمانُ ويُضِحي تحتَ رايتِهِ / كأنَّما في حِماها كانَ مَنْشاهُ
مرفوعةٌ بعَمُودٍ تحتَ أجنِحةٍ / منَ المَلائكِ رَفَّتْ فوقَ أعلاهُ
جِئنا نُهنِّيهِ بالفَوْز الجليلِ ومَنْ / أصابَ في الرَّأيِ هَنَّانا وهنَّاهُ
فلا يزالُ قريرَ العينِ مُبتهِجاً / يَرعَى العِبادَ وعينُ اللهِ تَرْعاهُ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ / على الذي مِثلَهُ في النَّاسِ لا أجِدُ
وليسَ مدحي لهُ حُبّاً وتَكْرِمةً / لكنّني غيرَ وِرْدِ الحَقِّ لا أرِدُ
عَيبٌ عليَّ إذا أنشدتُ قافيةً / في غيرهِ أو جَرَتْ لي باليَراعِ يَدُ
ومن تَيَمَّمَ حيث الماءُ مُندِفقٌ / فذاكَ قد ضاعَ منهُ الحَزمُ والرَّشَدُ
هذا الذي عِندَهُ للشِّعرِ من أدَبٍ / جاهٌ وعِندَ سواهُ حَظُّهُ الكَمَدُ
هل يَستوي من يَظُّنُ الشِّعرَ طَلْسَمةً / ومَن يروضُ معانيهِ وينتقِدُ
إذا كَتَبْنا لهُ في الطِّرْسِ قافيةً / كادَتْ تَطيرُ إليهِ وَهْيَ تَجتهدُ
وإنْ سَعينا على بُعدٍ لزورتهِ / خِلنا منَ القُربِ يَسعَى نحوَنا البَلَدُ
يَذِلُّ عِندَ أميرِ النَّاسِ أكبرُهُمْ / وعِندَهُ يُرفَعُ الأدنَى الذي يَفِدُ
تُنسي مكارِمُهُ الأضيافَ مَنزِلَهم / فلا يَشوقُهُمُ أهلٌ ولا وَلَدُ
مُبارَكُ الوَجهِ بادي اللُطفِ باهِرُهُ / تَكادُ تنحَلُّ من ذِكرِ اسمهِ العُقَدُ
إنْ حاضَرَ النَّاسَ قُلْنا إنَّهُ مَلَكٌ / أو باشَرَ الحربَ قُلْنا إنَّهُ أسَدُ
قد مارسَ الصَّبرَ في الأيَّام عن جَلَدٍ / حَتَّى تَعجَّبَ منهُ الصَّبرُ والجَلَدُ
فنالَ ما تَشتهيهِ النَّفسُ مُقتدراً / ولم تَنَلْ منهُ ما يُشفَى بهِ الكَبِدُ
قد جَدَّدتْ لبَني رَسْلانَ دَوْلتَهُم / يَدُ الأمينِ التي باللهِ تَعتَضِدُ
من كان من أمراءِ النَّاس مولِدُهُ / فإِنَّهم مِن مُلوكِ النَّاسِ قد وُلِدوا
آلُ المناذِرَةِ القومِ الذينَ غَدَت / منهم فرائِصُ أهلِ الأرضِ تَرتعِدُ
هذا هُوَ النَّسَبُ العالي الذي شَهِدَت / بهِ الرُّواةُ فصَحَّ النَّقلُ والسَّنَدُ
أكادُ أشكوكَ يا مَنْ قد حُسِدتُ بهِ / فقد تخوَّفتُ أنْ يُؤذينيَ الحَسَدُ
رَفَعتَ قدرِي بما أبدَيتَ من عَمَلٍ / بمثلِهِ ينبغي أنْ تُرفَعَ العُمَدُ
رأيتُ نَظرةَ حُبٍّ منكَ صادقةً / لو كانَ بي رَمَدٌ لم يَلبَثِ الرَّمَدُ
ونِعمةً طَوَّقَتْ عُنقي قَلائِدُها / بالأمسِ واليومُ موصولٌ بهِ وغَدُ
أستغفرُ اللهَ قد طالَ الزَّمانُ وما / وَفيتُ شُكراً عليهِ كُنتُ أعتَمِدُ
وازَنْتُ نِعمتَكَ العُظمَى بهِ عَدَداً / حتى استَطالتْ فضاعَ الوَزْنُ والعَدَدُ
لو لم تُغِثني بما يُعطي الفَتَى مَدَداً / على الثَّنا لم يكن لي في الثَّنا مَددُ
وربَّما ساعَدَ الممدوحُ مادحَهُ / إذ كان يصلُحُ للمدحِ الذي يرِدُ
والصِّدقُ أهونُ ما يجري اللِّسانُ بهِ / مِثلَ الصِّرَاطِ أمامَ العينِ يَطَّرِدُ
تَناقضَ الرَّأيُ بينَ النَّاسِ والعَمَلُ
تَناقضَ الرَّأيُ بينَ النَّاسِ والعَمَلُ / والكُلُّ يَرضَى بما فيهِ ويقَتبِلُ
إن كانَ ذلكَ مَقبُولاً بِرُمَّتِهِ / فليسَ بينَ الوَرى عَيبٌ ولا زَلَلُ
النَّاسُ في الأرضِ كالأشجارِ قامَ بها / حُلوٌ ومُرٌّ ومُعْوجٌّ ومُعتَدِلُ
وكُلُّ صِنفٍ لهُ وَقتٌ يُرادُ بهِ / فَلا يَصِحُّ لهُ من غَيرهِ بَدَلُ
مَن كانَ في النَّاسِ مولوداً على صِفَةٍ / فليسَ للنَّاسِ في تَغْييرها أمَلُ
إذا تَمكَّنَ خُلقُ السُّوءِ في رَجُلٍ / كما إذا استحَكَمَتْ في جِسِمهِ العِلَلُ
لا يستطيعُ بخيلٌ أنْ يجُودَ ولو / حَوَى من المالِ ما لا تَحمِلُ الإبِلُ
وكُلَّما رُمتَ تَشديدَ الجَبانِ على / شجاعةٍ زادَ فيهِ الجُبنُ والفَشَلُ
إنَّ الكريمَ الذي لا مالَ في يَدهِ / مِثلُ الشُّجاعِ الذي في كَفِّهِ شَلَلُ
والمالُ مِثلُ الحَصَى ما دَامَ في يَدِنا / فليسَ يَنفَعُ إلاّ حينَ يَنتقِلُ
إنَّ الذي قسَمَ الأخلاقَ قد قَسَمَ ال / أرزاقَ تجري إلى أن يُقسَمَ الأجَلُ
يا رُبَّ قومٍ سَعَوا بالجَهلِ فانتَصَروا / ورُبَّ قومٍ سَعَوا بالعَقلِ فانخَذلوا
وقَلَّ من طابَقَتْ دُنياهُ حِكمَتُهُ / مِثلَ الأمينِ الذي اعتزَّت بهِ الدُوَلُ
ذاك الذي يَجمعُ السَيفِينِ سَيفَ يدٍ / وسَيفَ رأيٍ وكُلٌّ به كَلَلُ
بالجِدِّ قَومٌ وقَومٌ بالجُدودِ لهُم / فخرٌ وهذا على الأمرَينِ يَشتَمِلُ
من آلِ رَسْلانَ من لَخْمٍ لهُ نسَبٌ / إلى تَنُوخَ إلى قَحْطانَ يتَّصِلُ
سَقَتْ شَقائقَ نُعمانٍ بِمَنْبِتِهِ / ماءُ السَّماءِ التي يَجري بها المَثَلُ
قُلْ للخَوَرنَقِ قد أنشا الزَّمانُ لنا / مَنْ رَبُّهُ اللهُ لا منْ رَبُّهُ الهُبَلُ
مَنْ يَقرَعُ الذِّكرُ والأورادُ مِسَمعَهُ / لا ناقةُ العَطَنِ الهَوجاءُ والجَمَلُ
تِلكَ المُلوكُ أساسٌ قامَ مُنتصِباً / عليهِ قَصرٌ بَناهُ الخالقُ الأزَلُ
خُلاصةٌ قد تَصَفَّت من عَشائِرِها / كما تَصفَّى لنا من شَهدِهِ العَسَلُ
لَقد وَجدنا بني رَسلانَ طائفةً / مثلَ الأهلَّةِ بالتَّدريجِ تَكتَمِلُ
أليومَ نالت كمالَ البدرِ فاقتصَرَتْ / إذ لا كمالَ إلى ما فَوقَهُ يَصِلُ
كُنَّا نُعظِّمُ إسماعيلَ من قِدَمٍ / فصَغَّرَ الدَّهرُ ما تَستعظِمُ الأُوَلُ
قد كانَ ذلكَ فوقَ الغَربِ رابيةً / واليومَ هذا على كُلِّ الرُّبَى جَبَلُ
هُوَ الكريمُ الذي تُملى القُلوبُ بهِ / أُنساً وتُجلَى بمَرأى وَجههِ المُقَلُ
لا تَسبِقُ الفعلَ من إنجازِهِ عِدَةٌ / ويَسبِقُ السَّيفَ من إنصافِهِ العَذَلُ
رَحيبُ صَدرٍ تَضيعُ النَّائِباتُ بهِ / ولا تَضيقُ على آرائهِ السُبُلُ
تَخفَى على مِثلِنا أسرارُ حِكمتِهِ / كما تَحجَّبَ عن أبصارِنا زُحَلُ
ألبستُهُ من مديحي خاتَماً نَقَشَتْ / فيهِ شَهادَتَها الأملاكُ والرُسُلُ
نَقشٌ إلى الدَّهرِ لا يُمحَى لهُ أثَرٌ / حتى تَزُول وتُمحَى السَّبعَةُ الطُوَلُ
قُلْ للأميرِ الذي من نَقدِهِ وَجَلٌ / يَغشَى القَوافي ومن تَقصيرِها خَجَلُ
عارٌ علينا مديحٌ فيكَ مُنتحَلٌ / وأنتَ في النَّاسِ بِدْعٌ ليسَ تنتَحِلُ
يا سيفَ دولةِ قَيْسٍ تَقتَضي رَجُلاً / كابنِ الحُسَينِ وإنِّي ذلكَ الرَجُلُ
سَهَّلْتَ لي الشِّعرَ حتَّى لو نَطقَتُ بهِ / في النَّومِ جاءَ صحيحاً ما بهِ خَلَلُ
رَوضٌ تَقلَّبتُ فيهِ من شمائِلِكم / فكَيفَما مِلْتُ يَملا راحتي النَفَلُ
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا / أو راحةٌ صَفَّقتْ من بَهجةٍ طَرَبا
قد زارها اليومَ مَن عزَّت بزَوْرتِهِ / كأنَّه قد طَلَى حِيطانَها ذَهَبا
كادت منَازِلُها تَلقاهُ راقِصةً / لكنَّها حَفِظَتْ قُدَّامهُ الأدَبا
هذا الأمينُ الذي لُبنانُ في يَدِهِ / أمانةُ اللهِ يَرعاها كما وَجبَا
ساسَ البِلادَ بلُطفٍ من خَلائقِهِ / واللُطفُ اقطَعُ من سَيفٍ لمَنْ ضَرَبا
مُبارَكُ الوَجهِ يأتي الخِصبُ حيثُ أتى / ويَذهَبُ السَّعدُ مَعْهُ حيثُما ذَهبا
يغزو الخُطوبَ برأيٍ غيرِ مُنثلِمٍ / لو كانَ ناراً لكانَتْ عِندَهُ حَطَبا
لئن تأخَّرَ في أيَّامِهِ زَمناً / فقد تَقدَّمَ في أجيالهِ رُتَبا
قَدِ اختباهُ إلى اليومِ الزَّمانُ كما / يَخْبا الحريصُ إلى الشَيخُوخَةِ النُخَبَا
أهدَيتُ أبياتَ شِعري مَن بهِ افتَخَرتْ / أبياتُ داري فظَّنتْ نَفْسَها شُهُبا
عَلَّقتُها اليومَ في مِحرابِ دَولتِه / فخراً فباهَيْتُ في تَعليِقها العَرَبا