القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَحمود سامِي البارُودِي الكل
المجموع : 68
أَرَبَّةُ الْعُودِ أَمْ قُمْرِيَّةُ السَّحَرِ
أَرَبَّةُ الْعُودِ أَمْ قُمْرِيَّةُ السَّحَرِ / غَنَّتْ فَحَرَّكَتِ الأَشْجَانَ بِالْوَتَرِ
حَوْرَاءُ لِلسِّحْرِ فِي أَلْحَاظِهَا أَثَرٌ / يُرِيكَ أَنَّ الرُّقَى ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَرِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ قَمَراً فِي الْحُسْنِ مَا ظَهَرَتْ / لأَعْيُنِ النَّاسِ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّعَرِ
أَمْلَتْ عَلَيَّ بِلَحْظَيْهَا حَدِيثَ هَوىً / عَرَفْتُ مِنْهُ ضَمِيرَ الْعَينِ بِالأَثَرِ
كَأَنَّمَا بَيْنَ جَفْنَيْهَا إِذَا نَظَرَتْ / هَارُوتُ يَعْبَثُ بِالأَلْبَابِ وَالْفِكَرِ
لا غَرْوَ أَنْ هِمْتُ مِنْ وَجْدٍ بِصُورَتِهَا / فَالْحُسْنُ مَشْغَلَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْبَصَرِ
لا تَقْنَعُ الْعَيْنُ مِنْهَا كُلَّمَا نَظَرَتْ / وَكَيْفَ يَقْتَنِعُ الْمُشْتَاقُ بِالنَّظَرِ
نَاغَيْتُهَا بِلِسَانِ الشَّوْقِ فَازْدَهَرَتْ / لِلْحُسْنِ في وَجْنَتَيْهَا وَرْدَتَا خَفَرِ
وَازْوَرَّ حَاجِبُهَا عَنْ نَظْرَةٍ رَشَقَتْ / سَوَادَ قَلْبِي بِسَهْمٍ صِيغَ مِنْ حَوَرِ
فَلَمْ أَزَلْ بِرُقَى الأَشْعَارِ أَعْطِفُهَا / وَرُقْيَةُ الشِّعْرِ تُجْرِي الْمَاءَ فِي الْحَجَرِ
حَتَّى إِذَا عَلِمتْ أَنِّي بِهَا كَلِفٌ / وَأَنَّنِي مِنْ تَجَنِّيهَا عَلَى خَطَرِ
تَبَسَّمَتْ فَجَلَتْ لِلْعَيْنِ مِنْ فَمِهَا / يَاقُوتَةً أُودِعَتْ سَطْرَيْنِ مِنْ دُرَرِ
فَبِتُّ مِنْ وَصْلِهَا فِي جَنَّةٍ يَنَعَتْ / أَفْنَانُهَا بِثِمَارِ الأُنْسِ وَالْحَبَرِ
أَبَحْتُ لِلْعَيْنِ فِيهَا مَا تَقَرُّ بِهِ / وَذُدْتُ كَفَّ الصِّبَا عَنْ مَعْقِدِ الأُزُرِ
حَتَّى اشْرَأَبَّتْ عُقَابُ الْفَجْرِ وَانْطَلَقَتْ / حَمَائِمُ الشُّهْبِ مِنْ أُحْبُولَةِ السَّحَرِ
فَيَا لَهَا لَيْلَةً كَانَتْ بِرَوْنَقِهَا / تَارِيخَ لَهْوٍ لِمَا أَحْرَزْتُ مِنْ وَطَرِ
وَسَمْتُهَا بِضِياءِ الْكَأْسِ فَالْتَمَعتْ / وَزِينَةُ الدُّهْمِ فِي الأَوْضَاحِ وَالْغُرَرِ
لَوْ كَانَ يَسْمَحُ لِي دَهْرِي بِعَوْدَتِهَا / لَبِعْتُ فِيهَا لَذِيذَ النَّوْمِ بِالسَّهَرِ
وَلَّتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ فَذْلَكَةٍ / تَلُوحُ فِي دَفْتَرِ الأَوْهَامِ وَالذُّكَرِ
وَأَيُّ بَاقٍ عَلَى الأَيَّامِ نَطْلُبُهُ / وَكُلُّ وَارِدَةٍ يَوْمَاً إِلَى صَدَرِ
فَلا تَثِقْ بِوَفَاءِ الدَّهْرِ إِنَّ لَهُ / غَدْراً يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعُودِ والثَّمَرِ
وَلا تَغُرَّنْكَ مِنْ وَجْهٍ بَشَاشَتُهُ / فَالسّمُّ يُوجَدُ فِي نَضْرٍ مِنَ الشَّجَرِ
قَدْ كِدْتُ أُتْهِمُ ظَنِّي فِي فِرَاسَتِهِ / مِنْ طُولِ مَا اشْتَبَهَتْ عَيْنَايَ فِي الصُّوَرِ
فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا سَمَحَتْ / بِهِ إِلَيْكَ وَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرِ
وَسَالِمِ الدَّهْرَ تَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِهِ / فَصَاحِبُ الشَّرِّ لا يَنْجُو مِنَ الْكَدَرِ
لا يَبْلُغُ الْمَرْءُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ أَرَبٍ / إِلَّا بِتَرْكِ الَّذِي يَخْشَاهُ مِنْ ضَرَرِ
فَانعَم وَطِب وَالهُ وَاطرَب وَاسعَ وَاعلُ وَسُد / وَاشْرَبْ وَغَنِّ وَتِهْ وَالْعَبْ وَهِمْ وَطِرِ
لا يَقْنَطُ الْمَرْءُ مِنْ غُفْرَانِ خَالِقِهِ / مَا لَمْ يَكُنْ كَافِرَاً بِالْبَعْثِ وَالْقَدَرِ
لا شَيءَ فِي الدَّهْرِ يُغْنِي عَنْ أَخِي ثِقَةٍ
لا شَيءَ فِي الدَّهْرِ يُغْنِي عَنْ أَخِي ثِقَةٍ / يَكُونُ فِيهِ بَلاغُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ
قَضَيْتُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ رُمْتُهُ وَطَرَاً / إِلَّا مُحَادَثَةَ الإِخْوَانِ فِي السَّمَرِ
لَوْ كَانَ يَدْرِي الْفَتَى مَكْنُونَ مَا خَبَّأَتْ
لَوْ كَانَ يَدْرِي الْفَتَى مَكْنُونَ مَا خَبَّأَتْ / لَهُ الْمَقَادِيرُ لَمْ يَرْكَنْ إِلَى الْحَذَرِ
وَلَوْ دَرَى أَنَّ مَا يَلْقَاهُ مِنْ عَنَتٍ / مِنْ خَيْبَةِ الرَّأْيِ لَمْ يَعْتُبْ عَلَى الْقَدَرِ
وَنَبْأَةٌ أَطْلَقَتْ عَيْنَيَّ مِنْ سِنَةٍ
وَنَبْأَةٌ أَطْلَقَتْ عَيْنَيَّ مِنْ سِنَةٍ / كَانَتْ حِبَالَةَ طَيْفٍ زَارَنِي سَحَرَا
فَقُمْتُ أَسْأَلُ عَيْنِي رَجْعَ مَا سَمِعَتْ / أُذْنِي فَقَالَتْ لَعَلِّي أَبْلُغُ الْخَبَرَا
ثُمَّ اشْرَأَبَّتْ فَأَلْفَتْ طَائِرَاً حَذِراً / عَلَى قَضِيبٍ يُدِيرُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَا
مُسْتَوْفِزاً يَتَنَزَّى فَوْقَ أَيْكَتِهِ / تَنَزِّي الْقَلْبِ طَالَ الْعَهْدُ فَادَّكَرَا
لا تَسْتَقِرُّ لَهُ سَاقٌ عَلَى قَدَمٍ / فَكُلَّمَا هَدَأَتْ أَنْفَاسُهُ نَفَرَا
يَهْفُو بِهِ الْغُصْنُ أَحْيَاناً وَيَرْفَعُهُ / دَحْوَ الصَّوَالِجِ فِي الدَّيْمُومَةِ الأُكَرَا
مَا بَالُهُ وَهْوَ فِي أَمْنٍ وَعَافِيَةٍ / لا يَبْعَثُ الطَّرْفَ إِلَّا خَائِفَاً حَذِرَاً
إِذَا عَلا بَاتَ فِي خَضْرَاءَ نَاعِمَةٍ / وَإِنْ هَوَى وَرَدَ الْغُدْرَانَ أَوْ نَقَرَا
يَا طَيْرُ نَفَّرْتَ عَنِّي طَيْفَ غَانِيَةٍ / قَدْ كَانَ أَهْدَى لِيَ السَّرَّاءَ حِينَ سَرَى
حَوْرَاءُ كَالرِّئْمِ أَلْحَاظَاً إِذَا نَظَرَتْ / وَصُورَةِ الْبَدْرِ إِشْرَاقَاً إِذَا سَفَرَا
زَالَتْ خَيَالَتُهَا عَنِّي وَأَعْقَبَهَا / شَوْقٌ أَحَالَ عَلَيَّ الْهَمَّ وَالسَّهَرَا
فَهَلْ إِلَى سِنَةٍ إِنْ أَعْوَزَتْ صِلَةٌ / عَوْدٌ نَنَالُ بِهِ مِنْ طَيْفِهَا الْوَطَرَا
لِكُلِّ حَيٍّ نَذِيرٌ مِنْ طَبِيعَتِهِ
لِكُلِّ حَيٍّ نَذِيرٌ مِنْ طَبِيعَتِهِ / يُوحِي إِلَيْهِ بِمَا تَعْيَا بِهِ النُّذُرُ
يَرْجُو وَيَخْشَى أُمُورَاً لَوْ تَدَبَّرَهَا / لَزَالَ مِنْ قَلْبِهِ التَّأْمِيلُ وَالْحَذَرُ
تَرَاهُ يَسْعَى لِجَمْعِ الْمَالِ مُعْتَقِداً / أَنَّ الْفَتَى مَنْ لَدَيْهِ السَّامُ وَالشَّذَرُ
وَكَيْفَ تَنْقَى ثِيابُ الْمَرْءِ مِنْ دَنَسٍ / وَقَلْبُ لابِسِهَا مِنْ غَدْرِهِ قَذِرُ
يَا فَارِسَ الْخَيْلِ كَفْكِفْ عَنْ أَعِنَّتِهَا / فَقَدْ شَكَتْ فِعْلَكَ الأَحْلاسُ وَالْعُذُرُ
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي بِهَا مَا لَسْتَ تَبْلُغُهُ / مِنَ الْبَقَاءِ فَبِئْسَ الْبُطْلُ وَالْهَذَرُ
إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ طَالَتْ إِلَى أَمَدٍ / وَالدَّهْرُ قُرْحَانُ لا يُبْقِي وَلا يَذَرُ
لا يَأْمَنُ الصَّامِتُ الْمَعْصُومُ صَوْلَتَهُ / وَلا يَدُومُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ الْبَذِرُ
فَاضْرَعْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَوْهِبْهُ مَغْفِرَةً / تَمْحُو الذُّنُوبَ فَجَانِي الذَّنْب يَعْتَذِرُ
وَاعْجَلْ وَلا تَنْتَظِرْ تَوْبَاً غَدَاةَ غَدٍ / فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ تُقْبَلُ الْعِذَرُ
هَيْهَاتَ لا يَسْتَوِي الشَّخْصَانِ فِي عَمَلٍ / هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا فَاسِدٌ مَذِرُ
يَا بْنَ الَّذِي رَهَنَ الْخَمَّارَ سُبْحَتَهُ
يَا بْنَ الَّذِي رَهَنَ الْخَمَّارَ سُبْحَتَهُ / يَوْمَ الْعرُوبَةِ في عَدِّ الْقَوارِيرِ
مَا زَالَ يَشْرَبُ خَمْرَاً غَيْرَ مُدَّكِرٍ / إِثْمَاً وَيَأْكُلُ سُحْتَاً غَيْرَ مَنْحُورِ
حَتَّى إِذَا نَالَ مِنْهُ السُّكْرُ قَامَ إِلَى / فَيَّاضَةِ الْقَرْءِ لَمْ تُعْهَدْ بِتَطْهِيرِ
فَكُنْتَ نُطْفَةَ سُوءٍ قَدْ تَعَجَّلَهَا / دَاعِي الْغَوَايَةِ مِنْ خَمْرٍ وَخَنْزِيرِ
مَنْ خَالَفَ الْحَزْمَ خَانَتْهُ مَعَاذِرُهُ
مَنْ خَالَفَ الْحَزْمَ خَانَتْهُ مَعَاذِرُهُ / وَمَنْ أَطَاعَ هَواهُ قَلَّ نَاصِرُهُ
وَمَنْ تَرَبَّصَ بِالإِخْوَانِ بَادِرَهً / مِنَ الزَّمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ قَاهِرُهُ
لا يَجْمُلُ الْمَرْءُ فِي ظَرْفٍ وَفِي أَدَبٍ / مَا لَمْ تَكُنْ فَوْقَ مَرْآهُ سَرَائِرُهُ
وَمَا الصَّدِيقُ الَّذِي يُرْضِيكَ بَاطِنُهُ / مِثْلُ الصَّدِيقِ الَّذِي يُرْضِيكَ ظَاهِرُهُ
قَدْ لا يَفُوهُ الْفَتَى بِالأَمْرِ يُضْمِرُهُ / وَبَيْنَ عَيْنَيهِ مَا تُخْفِي ضَمَائِرُهُ
أَسْتَودِعُ اللَّهَ عَصْرَاً قَدْ خَلَعْتُ بِهِ / عُذْرَ الْهَوَى وَهْوَ غَضَّاتٌ مَكَاسِرُهُ
لَمْ يَمْضِ مِنْ حُسْنِهِ مَا كُنْتُ أَعْهَدُهُ / حَتَّى أَصَابَ سَوَادَ الْقَلْبِ نَاقِرُهُ
كَيْفَ الْوُصُولُ إِلَى حَالٍ نَعِيشُ بِهَا / وَالدَّهْرُ مَأْمُونَةٌ فِينَا بَوَادِرُهُ
إِذْ لا صَدِيقَ يَسُرُّ السَّمْعَ غَائِبُهُ / وَلا رَفِيقَ يَرُوقُ الْعَيْنَ حَاضِرُهُ
كُنَّا نَوَدُّ انْقِلابَاً نَسْتَرِيحُ بِهِ / حَتَّى إِذَا تَمَّ سَاءَتْنَا مَصَايِرُهُ
فَالْقَلْبُ مُضْطَرِبٌ فِي مَا يُحَاوِلُهُ / وَالْعَقْلُ مُخْتَبَلٌ مِمَّا يُحَاذِرُهُ
قَدْ كَانَ في السَّلَفِ الْمَاضِينَ نَافِعُهُ / فَصَارَ فِي الْخَلَفِ الْبَاقِينَ ضَائِرُهُ
مَا أَبْعَدَ الْخَيْرَ في الدُّنْيَا لِطَالِبِهِ / وَأَقْرَبَ الشَّرَّ مِنْ نَفْسٍ تُحَاذِرُهُ
أَكُلَّمَا مَرَّ مِنْ دَهْرٍ أَوَائِلُهُ / كَرَّتْ بِمِثْلِ أَوَالِيهِ أَوَاخِرُهُ
إِنْ دَامَ هَذَا أَضَاعَ الرُّشْدَ كَافِلُهُ / فِي مَا أَرَى وَأَطاعَ الْغَيَّ زَاجِرُهُ
تَنَكَّرَتْ مِصْرُ بَعْدَ الْعُرْفِ وَاضْطَرَبَتْ / قَوَاعِدُ الْمُلْكِ حَتَّى رِيعَ طَائِرُهُ
فَأَهْمَلَ الأَرْضَ جَرَّا الظُّلْمِ حَارِثُهَا / وَاسْتَرْجَعَ الْمَالَ خَوْفَ الْعُدْمِ تَاجِرُهُ
وَاسْتَحْكَمَ الْهَوْلُ حَتَّى مَا يَبِيتُ فَتىً / فِي جَوْشَنِ اللَّيْلِ إِلَّا وَهْوَ سَاهِرُهُ
وَيْلُمِّهِ سَكَناً لَوْلا الدَّفِينُ بِهِ / مِنَ الْمَآثِرِ مَا كُنَّا نُجَاوِرُهُ
أَرْضَى بِهِ غَيْرَ مَغْبُوطٍ بِنِعْمَتِهِ / وَفي سِوَاهُ الْمُنَى لَوْلا عَشَائِرُهُ
يَا نَفْسُ لا تَجْزَعِي فَالْخَيْرُ مُنْتَظَرٌ / وَصَاحِبُ الصَّبْرِ لا تَبْلَى مَرَائِرُهُ
لَعَلَّ بُلْجَةَ نُورٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا / بَعْدَ الظَّلامِ الَّذِي عَمَّتْ دَيَاجِرُهُ
إِنِّي أَرَى أَنْفُسَاً ضَاقَتْ بِمَا حَمَلَتْ / وَسَوْفَ يَشْهَرُ حَدَّ السَّيْفِ شَاهِرُهُ
شَهْرَانِ أَوْ بَعْضُ شَهْرٍ إِنْ هِيَ احْتَدَمَتْ / وَفِي الْجَدِيدَيْنِ مَا تُغْنِي فَوَاقِرُهُ
فَإِنْ أَصَبْتُ فَعَنْ رَأْيٍ مَلَكْتُ بِهِ / عِلْمَ الْغُيُوبِ وَرَأْيُ الْمَرْءِ نَاظِرُهُ
لِلشِّعْرِ في الدَّهْرِ حُكْمٌ لا يُغَيِّرُهُ
لِلشِّعْرِ في الدَّهْرِ حُكْمٌ لا يُغَيِّرُهُ / مَا بِالْحَوادِثِ مِنْ نَقْضٍ وَتَغْيِيرِ
يَسْمُو بِقَوْمٍ وَيَهْوِي آخَرُونَ بِهِ / كَالدَّهْرِ يَجْرِي بِمَيْسُورٍ وَمَعْسُورِ
لَهُ أَوَابِدُ لا تَنْفَكُّ سَائِرَةً / فِي الأَرْضِ مَا بَيْنَ إِدْلاجٍ وَتَهْجِيرِ
مِنْ كُلِّ عَائِرَةٍ تَسْتَنُّ فِي طَلَقٍ / يَغْتَالُ بِالْبُهْرِ أَنْفَاسَ الْمَحَاضِيرِ
تَجْرِي مَعَ الشَّمْسِ فِي تَيَّارِ كَهْرَبَةٍ / عَلَى إِطارٍ مِنَ الأَضَواءِ مَسْعُورِ
تُطَارِدُ الْبَرْقَ إِنْ مَرَّتْ وَتَتْرُكُهُ / فِي جَوْشَنٍ مِنْ حَبِيكِ الْمُزْنِ مَزْرُورِ
صَحَائِفٌ لَمْ تَزَلْ تُتْلَى بِأَلْسِنَةٍ / لِلدَّهْرِ في كُلِّ نَادٍ مِنْهُ مَعْمُورِ
يَزْهَى بِهَا كُلُّ سَامٍ فِي أَرُومَتِهِ / وَيَتَّقِي الْبَأْسَ مِنْهَا كُلُّ مَغْمُورِ
فَكَمْ بِهَا رَسَخَتْ أَرْكَانُ مَمْلَكَةٍ / وَكَمْ بِهَا خَمَدَتْ أَنْفَاسُ مَغْرُورِ
وَالشِّعْرُ دِيوانُ أَخْلاقٍ يَلوحُ بِهِ / مَا خَطَّهُ الْفِكْرُ مِنْ بَحْثٍ وَتَنْقِيرِ
كَمْ شَادَ مَجْدَاً وَكَمْ أَوْدَى بِمَنْقَبَةٍ / رَفْعاً وَخَفْضَاً بِمَرْجُوٍّ وَمَحْذُورِ
أَبْقَى زُهَيْرٌ بِهِ مَا شَادَهُ هَرِمٌ / مِنَ الْفَخَارِ حَدِيثاً جدَّ مَأْثُورِ
وَفَلَّ جَرْوَلُ غَرْبَ الزِّبْرِقَانِ بِهِ / فَبَاءَ مِنْهُ بِصَدْعٍ غَيْرِ مَجْبُورِ
أَخْزَى جَرِيرٌ بِهِ حَيَّ النُّمَيْرِ فَمَا / عَادُوا بِغَيْرِ حَدِيثٍ مِنْهُ مَشْهُورِ
لَوْلا أَبُو الطَّيِّبِ الْمَأْثُورُ مَنْطِقُهُ / مَا سَارَ فِي الدَّهْرِ يَوْمَاً ذِكْرُ كَافُورِ
رَبَّ الْفُتُوَّةِ لا تَسْبِقْ إِلَى عَذَلٍ
رَبَّ الْفُتُوَّةِ لا تَسْبِقْ إِلَى عَذَلٍ / يَبِيتُ مِنْ مَسِّهِ قَلْبِي عَلَى مَضَضِ
فَإِنْ تَكُنْ هَفْوَةٌ أَوْ زَلَّةٌ عَرَضَتْ / فَالسَّهْمُ يَصْدِفُ أَحْيَاناً عَنِ الْغَرَضِ
رَضِيتُ بِالْبَيْنِ إِيثَارَاً عَلَى سَكَنٍ
رَضِيتُ بِالْبَيْنِ إِيثَارَاً عَلَى سَكَنٍ / فِي مُعْشَرٍ وَدُّهُمْ إِنْ أَخْلَصُوا مَرَضُ
فَمَا أَسِيتُ لِشَيءٍ كُنْتُ أَمْلِكُهُ / فِي فَقْدِ أَوْجُهِهِمْ عَنْ ثَرْوَتِي عِوَضُ
هَلْ فِي الزَّمَانِ لَنَا حُكْمٌ فَنَشْتَرِطُ
هَلْ فِي الزَّمَانِ لَنَا حُكْمٌ فَنَشْتَرِطُ / أَمْ تِلْكَ أُمْنِيَةٌ فِي طَيِّهَا قَنَطُ
نَبْكِي عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ ثُمَّ يُضْحِكُنَا / مَا لَيْسَ فِيهِ لَنَا بُقْيَا فَنَخْتَلِطُ
وَكَيْفَ نَرْجُو مِنَ الأَيَّامِ عَافِيَةً / وَصِحَّةُ الْمَرْءِ مَقْرُونٌ بِهَا السَّقَطُ
نَرْعَى مِنَ الدَّهْرِ غَيْثَاً نَبْتُهُ أَسَفٌ / لِلرَّائِدِينَ وَرَوْضاً زَهْرُهُ شَطَطُ
فَلا يَغُرَّنْكَ مِنْ دَهْرٍ بَشَاشَتُهُ / فَإِنَّمَا هُوَ بِشْرٌ تَحْتَهُ سخطُ
لا يُدْرِكُ الْغَايَةَ الْقُصْوَى سِوَى رَجُلٍ / ثَبْتِ الْعَزِيمَةِ مَاضٍ حَيْثُ يَنْخَرِطُ
إِنْ مَسَّهُ الضَّيْمُ نَاجَى السَّيْفَ مُنْتَصِراً / أَوْ هَمَّهُ الأَمْرُ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ الثَّبَطُ
فَاقْذِفْ بِنَفْسِكَ في أَقْصَى مَطَالِبِهَا / إِنَّ النَّجَاحَ بِسَعْي الْمَرْءِ مُرْتَبِطُ
قَدْ يَظْفَرُ الْفَاتِكُ الأَلْوَى بِحَاجَتِهِ / وَلَيْسَ يُدْرِكُهَا الْهَيَّابَةُ الْخَلِطُ
وَإِنْ شَأَتْكَ الْمُنَى فَاقْنَعْ بِأَقْرَبِهَا / فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يُدْرَكُ الْوَسَطُ
لا تَعْفُلَنَّ إِذَا أُمْنِيَّةٌ عَرَضَتْ / فَإِنَّما الْعَيْشُ فِي هَذَا الْوَرَى لَقَطُ
إِنِّي وإِنْ كَانَتِ الأَيَّامُ قَدْ أَخَذَتْ / مِنِّي وأَخْنَى عَلَيَّ الضَّعْفُ وَالشَّمَطُ
فَقَدْ أَذُودُ السَّبَنْتَى عَنْ فَرِيسَتِهِ / وَأَفْجَأُ الْبَطَلَ الْحَامِي فَأَخْتَبِطُ
وَأَصْدَعُ الْجَيْشَ وَالْفُرْسَانُ مِنْ مَرَحٍ / تَحْتَ الْعَجاجِ بِأَطْرَافِ الْقَنَا نُخُطُ
فَمَا بِنَصْلِي إِنْ لاقَى ضَرِيبَتَهُ / نَكْلٌ وَلا فِي جَفِيرِي أَسْهُمٌ مُرُطُ
وَرُبَّ يَوْمٍ طَوِيلِ الْعُمْرِ قَصَّرَهُ / جَرْيُ السَّوَابِقِ وَالْوَخَّادَةُ النُّشُطُ
كَأَنَّمَا الْوَحْشُ مِنْ تَلْهَابِ جَمْرَتِهِ / مُبَدَّداً تَحْتَ أَشْجَارِ الْغَضَى خَبَطُ
تَرى بِهِ الْقَوْمَ صَرْعَى لا حِرَاكَ بِهِمْ / كَأَنَّهُمْ مِنْ عَتِيقِ الْخَمْرِ قَدْ سَقَطُوا
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ تَهْتَانٍ وَأَنْدِيَةٍ / كَأَنَّمَا الْبَرْقُ فِيها صَارِمٌ سَلِطُ
لَفَّ الْغَمَامُ أَقَاصِيها بِبُرْدَتِهِ / وَانْهَلَّ فِي حجْرَتَيْهَا وَابِلٌ سَبِطُ
بَهْمَاءَ لا يَهْتَدِي السَّارِي بِكَوْكَبِهَا / مِنَ الْغَمَامِ وَلا يَبْدُو بِهَا نَمَطُ
يَكَادُ يَجْهَلُ فِيهَا الْقَوْمُ أَمْرَهُمُ / لَوْلا صَهِيلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَاللَّغَطُ
يَطْغَى بِهَا الْبَرْقُ أَحْيَاناً فَيَزْجُرُهُ / مُخْرَنْطِمٌ زَجِلٌ مِنْ رَعْدِهَا خَمِطُ
كَأَنَّمَا الْبَرْقُ سَوْطٌ والْحَيا نُجُبٌ / يَلُوحُ فِي جِسْمِهَا مِنْ مَسِّهِ حَبَطُ
كَأَنَّهُ صَارِمٌ يَرْفَضُّ مِنْ عَلَقٍ / بِالأُفْقِ يُغْمَدُ أَحْيَاناً وَيُخْتَرَطُ
مَزَّقْتُ جِلْبَابَهَا بِالْخَيْلِ طَالِعَةً / مِثْلَ الْحَمَائِمِ فِي أَجْيَادِهَا الْعُلُطُ
وَقَدْ تَخَلَّلَ خَيْطُ النُّورِ ظُلْمَتَهَا / كَمَا تَخَلَّلَ شَعْرَ اللَّمَّةِ الْوَخَطُ
كَأَنَّهَا وَصَدِيعُ الْفَجْرِ يَصْدَعُهَا / مِنْ جَانِبٍ أَدْهَمٌ قَدْ مَسَّهُ نَبَطُ
وَمَرْبَعٍ لِنَسِيمِ الْفَجْرِ هَيْنَمَةٌ / فِيهِ وَلِلطَّيْرِ فِي أَرْجَائِهِ لَغَطُ
كَأَنَّمَا الْقَطْرُ دُرٌّ في جَوَانِبِهِ / يَكَادُ مِنْ صَدَفِ الأَزْهَارِ يُلْتَقَطُ
وَلِلنَّسِيمِ خِلالَ النَّبتِ غَلْغَلَةٌ / كَمَا تَغَلْغَلَ وَسْطَ اللِّمَّةِ الْمُشُطُ
وَالرِّيحُ تَمْحُو سُطُوراً ثُمَّ تُثْبِتُهَا / فِي النَّهْرِ لا صِحَّةٌ فِيها وَلا غَلَطُ
وَلِلسَّمَاءِ خُيُوطٌ غَيْرُ وَاهِيَةٍ / تَكَادُ تُجْمَعُ بِالأَيْدِي فَتُرْتَبَطُ
كَأَنَّهَا وَأَكُفُّ الرِّيحِ تَضْرِبُها / سُلُوكُ عِقْدٍ تَوَاهَتْ فَهْيَ تَنْخَرِطُ
فَالضَّوْءُ مُحْتَبِسٌ وَالْمَاءُ مُنْطَلِقٌ / وَالْجَوُّ مُنْقَبِضٌ وَالظِّلُّ مُنْبَسِطُ
لُذْنَا بِأَطْرَافِهِ وَالطَّيْرُ عَاكِفَةٌ / عَلَيْهِ وَالنُّورُ بِالظَّلْمَاءِ مُخْتَلِطُ
فِي فِتْيَةٍ رَضِعُوا ثَدْيَ الْوِفَاقِ فَمَا / فِيهمْ إِذَا مَا انْتَشَوْا جَوْرٌ وَلا شَطَطُ
تَحَالَفُوا فِي صَفَاءِ الْوُدِّ وَاجْتَمَعُوا / عَلَى الْوَفَاءِ طَوَالَ الدَّهْرِ وَاشْتَرَطُوا
كَالْغَيْثِ إِنْ وَهَبُوا وَاللَّيْثِ إِنْ وَثَبُوا / وَالْمَاءِ إِنْ عَدَلُوا وَالنَّارِ إِنْ قَسَطُوا
تَكَشَّفَ الدَّهْرُ عَنْهُمْ بَعْدَ غُمَّتِهِ / كَمَا تَكَشَّفَ عَنْ مَكْنُونِهِ السَّفَطُ
مِيلٌ بِأَبْصَارِهِمْ نَحْوِي لِيَسْتَمِعُوا / قَوْلِي وَكُلٌّ لأَمْرِي طَائِعٌ نَشِطُ
إِنْ سِرْتُ سَارُوا وَإِنْ أَصْعَدْ إِلَى نَشَزٍ / كَانُوا صُعُوداً وَإِنْ أَهْبِطْ بِهِمْ هَبَطُوا
يَمْشُونَ حَوْلِي كَمَا يَمْشِي الْقَطَا بَدَداً / فَإِنْ مَضَى بقَطٌ مِنْهُمْ أَتَى بَقَطُ
إِنْ يَكْنُفُونِي مِنْ حَوْلِي فَلا عَجَبٌ / لا يَسْقُطُ الطَّيْرُ إِلَّا حَيْثُ يَلْتَقِطُ
نَمْشِي بِهِ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَأَنَّ عَلَى / أَفْنَانِهَا مِنْ بُرُودِ الْيَمْنَةِ الرِّيَطُ
مِثْل الطَّوَاوِيسِ فِي أَذْنَابِهَا عَجَبٌ / لِلنَّاظِرِينَ وَفِي أَجْيَادِهَا عَنَطُ
كَأَنَّهُنَّ جِمَالاتٌ مُوَقَّرَةٌ / تَمُورُ مَوْراً عَلَى أَثْبَاجِها الْغُبُطُ
وَلِلْفَوَاخِتِ فِي أَفْنَانِهَا هَزَجٌ / قَدْ مَاجَ مِنْ لَحْنِهِنَّ السَّهْلُ وَالْفُرُطُ
خُضْرُ الْجَنَاحَيْنِ وَالأَطْوَاقِ تَحْسَبُهَا / أَطْفَالَ مَلْكٍ لَهَا مِنْ سُنْدُسٍ قُمُطُ
حَتَّى إِذَا حَلَّ ضَاحِي الْيَوْمِ حَبْوَتَهُ / وَكَادَتِ الشَّمْسُ بَيْنَ الْغَرْبِ تَنْهَبِطُ
رُحْنَا نَجُرُّ ذُيُولَ الْعِزِّ ضَافِيَةً / وَكُلُّنَا بِنَعِيمِ الْعَيْشِ مُغْتَبِطُ
يَوْمٌ مِنَ الدَّهْرِ أَهْوَى لَو بَذَلْتُ لَهُ / مَا شَاءَ فِي مِثْلِهِ لَوْ كَانَ يَشْتَرِطُ
لِكُلِّ قَوْلٍ مَنَارٌ يَسْتَقِيمُ بِهِ
لِكُلِّ قَوْلٍ مَنَارٌ يَسْتَقِيمُ بِهِ / عِنْدَ الْخِطَابِ فَمَلْفُوظٌ وَمَسْمُوعُ
فَالْعَتْبُ إِنْ جَازَ حَدَّ الْعَدْلِ مَقْطَعَةٌ / وَالنُّصْحُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي السِّرِّ تَقْرِيعُ
هَلْ بِالْحِمَى عَنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ
هَلْ بِالْحِمَى عَنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ / هَيهَاتَ قَدْ ذَهَبَ الْمَتْبُوعُ وَالتَبَعُ
هَذِي الْجَزِيرَةُ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَداً / يَنْأَى بِهِ الْخَوْفُ أَوْ يَدْنُو بِهِ الطَّمَعُ
أَضْحَتْ خَلاءً وَكَانَتْ قَبْلُ مَنْزِلَةً / لِلْمُلْكِ مِنْهَا لِوَفْدِ الْعِزِّ مُرْتَبَعُ
فَلا مُجِيبَ يَرُدُّ الْقَوْلَ عَنْ نَبَإٍ / وَلا سَمِيعَ إِذَا نَادَيْتَ يَسْتَمِعُ
كَانَتْ مَنَازِلَ أَمْلاكٍ إِذَا صَدَعُوا / بِالأَمْرِ كَادَتْ قُلُوبُ النَّاسِ تَنْصَدِعُ
عَاثُوا بِهَا حِقْبَةً حَتَّى إِذَا نَهَضَتْ / طَيْرُ الْحَوادِثِ مِنْ أَوْكَارِهَا وَقَعُوا
لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِقْدَارَ مَا فَغَرَتْ / بِهِ الْحَوَادِثُ مَا شَادُوا وَلا رَفَعُوا
دَارَتْ عَلَيْهِمْ رَحَى الأَيَّامِ فَانْشَعَبُوا / أَيْدِي سَبَا وَتَخَلَّتْ عَنْهُمُ الشِّيَعُ
كَانَتْ لَهُمْ عُصَبٌ يَسْتَدْفِعُونَ بِهَا / كَيْدَ الْعَدُوِّ فَمَا ضَرُّوا وَلا نَفَعُوا
أَيْنَ الْمَعَاقِلُ بَلْ أَيْنَ الْجَحَافِلُ بَلْ / أَيْنَ الْمَنَاصِلُ وَالْخِطِّيَّةُ الشَّرَعُ
لا شَيءَ يَدْفَعُ كَيْدَ الدَّهْرِ إِنْ عَصَفَتْ / أَحْدَاثُهُ أَوْ يَقِي مِنْ شَرِّ مَا يَقَعُ
زَالُوا فَمَا بَكَتِ الدُّنْيَا لِفُرْقَتِهِمْ / وَلا تَعَطَّلَتِ الأَعْيَادُ وَالْجُمَعُ
وَالدَّهْرُ كَالْبَحْرِ لا يَنْفَكُّ ذَا كَدَرٍ / وَإِنَّمَا صَفْوُهُ بَيْنَ الْوَرَى لُمَعُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرٌ فِي عَوَاقِبِهِ / مَا شَانَ أَخْلاقَهُ حِرصٌ وَلا طَبَعُ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ / مَنْ لَمْ يَزَلْ بِغُرُورِ الْعَيشِ يَنْخَدِعُ
دَهْرٌ يَغُرُّ وَآمَالٌ تَسُرُّ وَأَعْ / مَارٌ تَمُرُّ وَأَيَّامٌ لَهَا خُدَعُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ قَدْ تَضُرُّبِهِ / وَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ
يَا أَيُّهَا السَّادِرُ الْمُزْوَرُّ مِنْ صَلَفٍ / مَهْلاً فَإِنَّكَ بِالأَيَّامِ مُنْخَدِعُ
دَعْ مَا يَرِيبُ وَخُذْ فِي مَا خُلِقْتَ لَهُ / لَعَلَّ قَلْبَكَ بِالإِيْمَانِ يَنْتَفِعُ
إِنَّ الْحَيَاةَ لَثَوبٌ سَوْفَ تَخْلَعُهُ / وَكُلُّ ثَوْبٍ إِذَا مَا رَثَّ يَنْخَلِعُ
لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ الأَشْوَاقِ مِنْ دَاعِي
لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ الأَشْوَاقِ مِنْ دَاعِي / أَسْمَعْتَ قَلْبِي وَإِنْ أَخْطَأْتَ أَسْمَاعِي
مُرْنِي بِمَا شِئْتَ أَبْلُغْ كُلَّ مَا وَصَلَتْ / يَدِي إِلَيْهِ فَإِنِّي سَامِعٌ وَاعِي
فَلا وَرَبِّكَ مَا أُصْغِي إِلَى عَذَلٍ / وَلا أُبِيحُ حِمَى قَلْبِي لِخَدَّاعِ
إِنِّي امْرُؤٌ لا يَرُدُّ الْعَذْلُ بَادِرَتِي / وَلا تَفُلُّ شَبَاةُ الْخَطْبِ إِزْمَاعِي
أَجْرِي عَلَى شِيمَةٍ فِي الْحُبِّ صَادِقَةٍ / لَيْسَتْ تَهُمُّ إِذَا رِيعَتْ بِإِقْلاعِ
لِلْحُبِّ مِنْ مُهْجَتِي كَهْفٌ يَلُوذُ بِهِ / مِنْ غَدْرِ كُلِّ امْرِئٍ بِالشَّرِّ وَقَّاعِ
بَذَلْتُ فِي الحُبِّ نَفْسِي وَهْيَ غَالِيَةٌ / لِبَاخِلٍ بِصَفَاءِ الْوُدِّ مَنَّاعِ
أَشْكُو إِلَيْهِ وَلا يُصْغِي لِمَعْذِرَتِي / مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ جَنَتْهُ النَّفْسُ أَوْ دَاعِي
وَيْلاهُ مِنْ حَاجَةٍ فِي النَّفْسِ هَامَ بِهَا / قَلْبِي وَقَصَّرَ عَنْ إِدْرَاكِهَا بَاعِي
أَسْعَى لَهَا وَهْيَ مِنِّي غَيْرُ دَانِيَةٍ / وَكَيْفَ يَبْلُغُ شَأْوَ الْكَوْكَبِ السَّاعِي
يَا حَبَّذَا جُرْعَةٌ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ / وَضَجْعَةٌ فَوْقَ بَرْدِ الرَّمْلِ بِالْقاعِ
وَنَسْمَةٌ كَشَمِيمِ الْخُلْدِ قَدْ حَمَلَتْ / رَيَّا الأَزَاهِيرِ مِنْ مِيثٍ وَأَجْرَاعِ
يَا هَلْ أَرَانِي بِذَاكَ الْحَيِّ مُجْتَمِعَاً / بِأَهْلِ وَدِّي مِنْ قَوْمِي وَأَشْيَاعِي
وَهَلْ أَسُوقُ جَوَادِي لِلطِّرَادِ إِلَى / صَيْدِ الْجَآذِرِ فِي خَضْرَاءَ مِمْرَاعِ
مَنَازِلٌ كُنْتُ مِنْهَا فِي بُلَهْنِيَةٍ / مُمَتَّعاً بَيْنَ غِلْمَانِي وَأَتْبَاعِي
إِذَا أَشَرْتُ لَهُمْ فِي حاجَةٍ بَدَرُوا / قَضَاءَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلْمَاعِي
يَخْشَى الْبَلِيغُ لِسَانِي قَبْلَ بَادِرَتِي / وَيُرْعَدُ الْجَيْشُ بِاسْمِي قَبْلَ إِيقَاعِي
فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ لا سَهْمِي بِذِي صَرَدٍ / إِذَا رَمَيْتُ وَلا سَيْفِي بِقَطَّاعِ
أَبِيتُ فِي قُنَّةٍ قَنْوَاءَ قَدْ بَلَغَتْ / هَامَ السِّمَاكِ وَفَاتَتْهُ بِأَبْوَاعِ
يَسْتَقْبِلُ الْمُزْنُ لِيَتَيْهَا بِوَابِلِهِ / وَتَصْدِمُ الرِّيحُ جَنْبَيْهَا بِزَعْزَاعِ
يَظَلُّ شِمْرَاخُهَا يَبْساً وَأَسْفَلُهَا / مُكَلَّلاً بِالنَّدَى يَرْعَى بِهِ الرَّاعِي
إِذَا الْبُرُوقُ ازْمَهَرَّتْ خِلْتَ ذِرْوَتَهَا / شَهْماً تَدَرَّعَ مِنْ تِبْرٍ بِأَدْرَاعِ
تَكَادُ تَلْمِسُ مِنْهَا الشَّمْسَ دَانِيَةً / وَتَحْبِسُ الْبَدْرَ عَنْ سَيْرٍ وَإِقْلاعِ
أَظَلُّ فِيهَا غَرِيبَ الدَّارِ مُبْتَئِساً / نَابِي الْمَضَاجِعِ مِنْ هَمٍّ وَأَوْجَاعِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ خِلٌّ أَسْتَعِينُ بِهِ / عَلَى الْهُمومِ إِذَا هَاجَتْ وَلا رَاعِي
يَظُنُّنِي مَنْ يَرَانِي ضَاحِكَاً جَذِلاً / أَنِّي خَلِيٌّ وَهَمِّي بَيْنَ أَضْلاعِي
وَلا وَرَبِّكَ مَا وَجْدِي بِمُنْدَرِسٍ / عَلَى البِعَادِ وَلا صَبْرِي بِمِطْوَاعِ
لَكِنَّنِي مَالِكٌ حَزْمِي وَمُنْتَظِرٌ / أَمْرَاً مِنَ اللَّهِ يَشْفِي برْحَ أَوْجَاعِي
أَكُفُّ غَرْبَ دُمُوعِي وَهْيَ جَارِيَةٌ / خَوْفَ الرَّقِيبِ وَقَلْبِي جدُّ مُلْتُاعِ
فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي وَغَادَرَنِي / رَهْنَ الأَسَى بَيْنَ جَدْبٍ بَعْدَ إِمْرَاعِ
فَإِنَّ فِي مِصْرَ إِخْوَاناً يَسُرُّهُمُ / قُرْبِي وَيُعْجِبُهُمْ نَظْمِي وَإِبْدَاعِي
مَنْ لِي بِظَبْيَةِ خِدْرٍ كُلَّمَا وَعَدَتْ
مَنْ لِي بِظَبْيَةِ خِدْرٍ كُلَّمَا وَعَدَتْ / بِزَوْرَةٍ أَعْقَبَتْ لِلْوَعْدِ إِخْلافَا
تَحْكِي الْغَزَالَةَ أَلْحَاظَاً إِذَا نَظَرَتْ / وَالْوَرْدَ خَدَّاً وَغُصْنَ الْبَانِ أَعْطَافَا
تَاهَتْ بِنُقْطَةِ خَالٍ فَوْقَ وَجْنَتِهَا / زِيدَتْ بِهَا عَشَرَاتُ الْحُسْنِ أَضْعَافَا
هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي
هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي / يَشْفِي عَلِيلاً أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ
قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً / حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي
حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي / يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ
أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ / وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ / وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وَإِطْرَاقِي
أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقَاً / فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي
تَقَلَّدَتْ مِنْ جُمَانِ الشَّهْبِ مِنْطَقَةً / مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرِ مِقْلاقِ
كَأَنَّ نَجْمَ الثُّرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ / دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ
يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ / وَلا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ
وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي حُلَلٍ / مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ
يَا حَبَّذَا نَسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ / يَسْرِي عَلَى جَدْوَلٍ بِالْمَاءِ دَفَّاقِ
بَلْ حَبَّذَا دَوْحَةٌ تَدْعُوالْهَدِيلَ بِهَا / عِنْدَ الصَّبَاحِ قَمَارِيٌّ بِأَطْوَاقِ
مَرْعَى جِيَادِي ومَأْوَى جِيرَتِي وَحِمَى / قَوْمِي وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي
أَصْبُو إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ وَيُعْجِبُنِي / أَنِّي أَعِيشُ بِهَا فِي ثَوْبِ إِمْلاقِ
وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارَاً قَدْ تَرَكْتُ بِهَا / أَهْلاً كِرَاماً لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي
إِذَا تَذَكَّرْتُ أَيَّامَاً بِهِمْ سَلَفَتْ / تَحَدَّرَتْ بِغُرُوبِ الدَّمْعِ آمَاقِي
فَيَا بَرِيدَ الصَّبَا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي / أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِي وَمِيثَاقِي
وَإِنْ مَرَرْتَ عَلَى الْمِقْيَاسِ فَاهْدِ لَهُ / مِنِّي تَحِيَّةَ نَفْسٍ ذَاتِ أَعْلاقِ
وَأَنْتَ يَا طَائِرَاً يَبْكِي عَلَى فَنَنٍ / نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ
أَذْكَرْتَنِي مَا مَضَى وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ / بِمِصْرَ وَالْحَرْبُ لَمْ تَنْهَضْ عَلَى سَاقِ
أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحاً / فِي فِتْيَةٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ
فَيَا لَهَا ذُكْرَةً شَبَّ الْغَرَامُ بِهَا / نَاراً سَرَتْ بَيْنَ أَرْدَانِي وَأَطْوَاقِي
عَصْرٌ تَوَلَّى وَأَبْقَى في الْفُؤَادِ هَوىً / يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ
وَالْمَرْءُ طَوْعُ اللَّيَالِي فِي تَصَرُّفِهَا / لا يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ
عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ / وَمَا عَلَيَّ إِذَا ضَنَّتْ بِرَقْرَاقِ
فَلا يَعِبْنِي حسُودٌ أَنْ جَرَى قَدَرٌ / فَلَيْسَ لِي غَيْرُ مَا يَقْضِيهِ خَلَّاقِي
أَسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَوْلَىً لا يَخِيبُ لَهُ / رَاجٍ عَلَى الدَّهْرِ وَالْمَوْلَى هُوَ الْوَاقِي
وَهَوَّنَ الْخَطْبَ عِنْدِي أَنَّنِي رَجُلٌ / لاقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِئٍ لاقِي
يَا قَلْبُ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُ قَدَرٌ / يَجْرِي عَلَى الْمَرْءِ مِنْ أَسْرٍ وَإِطْلاقِ
لا بُدَّ لِلضِّيقِ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ فَرَجٍ / وَكُلُّ دَاجِيَةٍ يَومَاً لإِشْرَاقِ
قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ
قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ / وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ
يَأْبَى لِيَ الْغَيَّ قَلْبٌ لا يَمِيلُ بِهِ / عَنْ شَرْعَةِ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُجُلِ
أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَةً / عَنْ غُرَّةِ النَّصْرِ لا بِالْبِيضِ فِي الْكِلَلِ
لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ / فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ
كَمْ بَيْنَ مُنْتَدِبٍ يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ / وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ
لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ / مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ
فَانْهَضْ إِلَى صَهَوَاتِ الْمَجْدِ مُعْتَلِياً / فَالْبَازُ لَمْ يَأْوِ إِلَّا عَالِيَ الْقُلَلِ
وَدَعْ مِنَ الأَمْرِ أَدْنَاهُ لأَبْعَدِهِ / فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ مَا يُغْنِي عَنِ الْوَشَلِ
قَدْ يَظْفَرُ الْفَاتِكُ الأَلْوَى بِحَاجَتِهِ / وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَةِ الْوَكَلِ
وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ فَرُبَّ فَتىً / أَلْقَى بِهِ الأَمْنُ بَيْنَ الْيَأْسِ وَالْوَجَلِ
وَلا يَغُرَّنْكَ بِشْرٌ مِنْ أَخِي مَلَقٍ / فَرَوْنَقُ الآلِ لا يَشْفِي مِنَ الْغَلَلِ
لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ مَا فِي النَّاسِ مِنْ دَخَنٍ / لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ
فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ / فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ
وَاخْشَ النَّمِيمَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا / يُصْلِيكَ مِنْ حَرِّهَا نَاراً بِلا شُعَلِ
كَمْ فِرْيَةٍ صَدَعَتْ أَرْكَانَ مَمْلَكَةٍ / وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ
فَاقْبَلْ وَصَاتِي وَلا تَصْرِفْكَ لاغِيَةٌ / عَنِّي فَمَا كُلُّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلِ
إِنِّي امْرُؤٌ كَفَّنِي حِلْمِي وَأَدَّبَنِي / كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ مِنْ مَاضٍ وَمُقْتَبَلِ
فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ / وَلا مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ
حَلَبْتُ أَشْطُرَ هَذَا الدَّهْرِ تَجْرِبَةً / وَذُقْتُ مَا فِيهِ مِنْ صَابٍ وَمِنْ عَسَلِ
فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَةً / أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّةِ الْعَمَلِ
لَكِنَّنَا غَرَضٌ لِلشَّرِّ فِي زَمَنٍ / أَهْلُ الْعُقُولِ بِهِ فِي طَاعَةِ الْخَمَلِ
قَامَتْ بِهِ مِنْ رِجَالِ السُّوءِ طَائِفَةٌ / أَدْهَى عَلَى الْنَّفْسِ مِنْ بِؤْسٍ عَلَى ثَكَلِ
مِنْ كُلِّ وَغْدٍ يَكَادُ الدَّسْتُ يَدْفَعُهُ / بُغْضاً وَيَلْفِظُهُ الدِّيوانُ مِنْ مَلَلِ
ذَلَّتْ بِهِمْ مِصْرُ بَعْدَ الْعِزِّ وَاضْطَرَبَتْ / قَوَاعِدُ الْمُلْكِ حَتَّى ظَلَّ فِي خَلَلِ
وَأَصْبَحَتْ دَوْلَةُ الْفُسْطَاطِ خَاضِعَةً / بَعْدَ الإِبَاءِ وَكَانَتْ زَهْرَةَ الدُّوَلِ
قَوْمٌ إِذَا أَبْصَرُونِي مُقْبِلاً وَجَمُوا / غَيْظاً وَأَكْبَادُهُمْ تَنْقَدُّ مِنْ دَغَلِ
فَإِنْ يَكُنْ سَاءَهُمْ فَضْلِي فَلا عَجَبٌ / فَالشَّمْسُ وَهيَ ضِيَاءٌ آفَةُ الْمُقَلِ
نَزَّهْتُ نَفْسِيَ عَمَّا يَدْنَسُونَ بِهِ / وَنَخْلَةُ الرَّوْضِ تَأْبَى شِيمَةَ الْجُعَلِ
بِئْسَ الْعَشِيرُ وَبِئْسَتْ مِصْرُ مِنْ بَلَدٍ / أَضْحَتْ مُنَاخاً لأَهْلِ الزُّورِ وَالْخَطَلِ
أَرْضٌ تَأَثَّلَ فِيهَا الظُّلْمُ وَانْقَذَفَتْ / صَوَاعِقُ الْغَدْرِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ
وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ / لَمْ يَخْطُ فِيهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى زَلَلِ
لَمْ أَدْرِ مَا حَلَّ بِالأَبْطَالِ مِنْ خَوَرٍ / بَعْدَ الْمِرَاسِ وَبِالأَسْيَافِ مِنْ فَلَلِ
أَصَوَّحَتْ شَجَرَاتُ الْمَجْدِ أَمْ نَضَبَتْ / غُدْرُ الْحَمِيَّةِ حَتَّى لَيْسَ مِنْ رَجُلِ
لا يَدْفَعُونَ يَداً عَنْهُمْ وَلَوْ بَلَغَتْ / مَسَّ الْعَفَافَةِ مِنْ جُبْنٍ وَمِنْ خَزَلِ
خَافُوا الْمَنِيَّةَ فَاحْتَالُوا وَمَا عَلِمُوا / أَنَّ الْمَنِيَّةَ لا تَرْتَدُّ بِالْحِيَلِ
فَفِيمَ يَتَّهِمُ الإِنْسَانُ خَالِقَهُ / وَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا قَيْدٌ مِنَ الأَجَلِ
هَيْهَاتَ يَلْقَى الْفَتَى أَمْناً يَلَذُّ بِهِ / مَا لَمْ يَخُضْ نَحْوَهُ بَحْراً مِنَ الْوَهَلِ
فَمَا لَكُمْ لا تَعَافُ الضَّيْمَ أَنْفُسُكُمْ / وَلا تَزُولُ غَوَاشِيكُمُ مِنَ الْكَسَلِ
وَتِلْكَ مِصْرُ الَّتِي أَفْنَى الْجِلادُ بِهَا / لَفِيفَ أَسْلافِكُمْ فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ
قَوْمٌ أَقَرُّوا عِمَادَ الْحَقِّ وَامْتَلَكُوا / أَزِمَّةَ الْخَلْقِ مِنْ حَافٍ وَمُنْتَعِلِ
جَنَوْا ثِمَارَ الْعُلا بِالْبِيضِ وَاقْتَطَفُوا / مِنْ بَيْنِ شَوْكِ الْعَوَالِي زَهْرَةَ الأَمَلِ
فَأَصْبَحَتْ مِصْرُ تَزْهُو بَعْدَ كُدْرَتِهَا / فِي يَانِعٍ مِنْ أَسَاكِيبِ النَّدَى خَضِلِ
لَمْ تَنْبُتِ الأَرْضُ إِلَّا بَعْدَمَا اخْتَمَرَتْ / أَقْطَارُهَا بِدَمِ الأَعْنَاقِ وَالْقُلَلِ
شَنُّوا بِهَا غَارَةً أَلْقَتْ بِرَوْعَتِهَا / أَمْناً يُؤَلِّفُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْحَمَلِ
حَتَّى إِذَا أَصْبَحَتْ فِي مَعْقِلٍ أَشِبٍ / يَرُدُّ عَنْهَا يَدَ الْعَادِي مِنَ الْمِلَلِ
أَخْنَى الزَّمَانُ عَلَى فُرْسَانِها فَغَدَتْ / مِنْ بَعْدِ مَنْعَتِهَا مَطْرُوقَةَ السُّبُلِ
فَأَيَّ عَارٍ جَلَبْتُمْ بِالْخُمُولِ عَلَى / مَا شَادَهُ السَّيْفُ مِنْ فَخْرٍ عَلَى زُحَلِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ / فَإِنَّمَا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَمَلِ
فَبَادِرُوا الأَمْرَ قَبْلَ الْفَوْتِ وَانْتَزِعُوا / شِكَالَةَ الرَّيْثِ فَالدُّنْيَا مَعَ الْعَجَلِ
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ شَهْماً أَخَا ثِقَةٍ / يَكُونُ رِدْءاً لَكُمْ فِي الْحَادِثِ الْجَلَلِ
مَاضِي الْبَصِيرَةِ غَلَّابٌ إِذَا اشْتَبَهَتْ / مَسَالِكُ الرَّأْيِ صَادَ الْبَازَ بِالْحَجَلِ
إِنْ قَالَ بَرَّ وَإِنْ نَادَاهُ مُنْتَصِرٌ / لَبَّى وَإِنْ هَمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِلا نَفَلِ
يَجْلُو الْبَدِيهَةَ بِاللَّفْظِ الْوَجِيزِ إِذَا / عَزَّ الْخِطَابُ وَطَاشَتْ أَسْهُمُ الْجَدَلِ
وَلا تَلجُّوا إِذَا مَا الرَّأْيُ لاحَ لَكُمْ / إِنَّ اللَّجَاجَةَ مَدْعَاةٌ إِلَى الْفَشَلِ
قَدْ يُدْرِكُ الْمَرْءُ بِالتَّدْبِيرِ مَا عَجَزَتْ / عَنْهُ الْكُمَاةُ وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى بَطَلِ
هَيْهَاتَ مَا النَّصْرُ فِي حَدِّ الأَسِنَّةِ بَلْ / بِقُوَّةِ الرَّأْيِ تَمْضِي شَوْكَةُ الأَسَلِ
وَطَالِبُوا بِحُقُوقٍ أَصْبَحَتْ غَرَضاً / لِكُلِّ مُنْتَزِعٍ سَهْماً وَمُخْتَتِلِ
وَلا تَخَافُوا نَكَالاً فِيهِ مَنْشَؤُكُمْ / فَالْحُوتُ فِي الْيَمِّ لا يَخْشَى مِنَ الْبَلَلِ
عَيْشُ الْفَتَى فِي فَنَاءِ الذُّلِّ مَنْقَصَةٌ / وَالْمَوْتُ فِي الْعِزِّ فَخْرُ السَّادَةِ النَّبَلِ
لا تَتْرُكُوا الْجِدَّ أَوْ يَبْدُو الْيَقِينُ لَكُمْ / فَالْجِدُّ مِفْتَاحُ بَابِ الْمَطْلَبِ الْعَضِلِ
طَوْراً عِرَاكاً وَأَحْيَاناً مُيَاسَرَةً / رِيَاضَةُ الْمُهْرِ بَيْنَ الْعُنْفِ وَالْمَهَلِ
حَتَّى تَعُودَ سَمَاءُ الأَمْنِ ضَاحِيَةً / وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ
هَذِي نَصِيحَةُ مَنْ لا يَبْتَغِي بَدَلاً / بِكُمْ وَهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ
أَسْهَرْتُ جَفْنِي لَكُمْ فِي نَظْمِ قَافِيَةٍ / مَا إِنْ لَهَا فِي قَدِيمِ الشِّعْرِ مِنْ مَثَلِ
كَالْبَرْقِ فِي عَجَلٍ وَالرَّعْدِ فِي زَجَلٍ / وَالْغَيْثِ فِي هَلَلٍ وَالسَّيْلِ فِي هَمَلِ
غَرَّاءُ تَعْلَقُهَا الأَسْمَاع مِنْ طَرَبٍ / وَتَسْتَطِيرُ بِهَا الأَلْبَابُ مِنْ جَذَلِ
حَوْلِيَّةٌ صَاغَهَا فِكْرٌ أَقَرَّ لَهُ / بِالْمُعْجِزَاتِ قَبِيلُ الإِنْسِ وَالْخَبَلِ
تَلُوحُ أَبْيَاتُهَا شَطْرَيْنِ فِي نَسَقٍ / كَالْمَشْرَفِيَّةِ قَدْ سُلَّتْ مِنَ الْخِلَلِ
إِنْ أَخْلَقَتْ جِدَّةُ الأَشْعَارِ أَثَّلَهَا / لَفْظٌ أَصِيلٌ وَمَعْنىً غَيْرُ مُنْتَحَلِ
تَفْنَى النُّفُوسُ وَتَبْقَى وَهْيَ نَاضِرَةٌ / عَلَى الدُّهُورِ بَقَاءَ السَّبْعَةِ الطُوَلِ
رُدُّوا عَلَيَّ الصِّبَا مِنْ عَصْرِيَ الْخَالِي
رُدُّوا عَلَيَّ الصِّبَا مِنْ عَصْرِيَ الْخَالِي / وَهَلْ يَعُودُ سَوَادُ اللّمَّةِ الْبَالِي
مَاضٍ مِنَ الْعَيْشِ مَا لاحَتْ مَخَايِلُهُ / فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ إِلا هَاجَ بَلْبَالِي
سَلَتْ قُلُوبٌ فَقَرَّتْ في مَضَاجِعِهَا / بَعْدَ الْحَنِينِ وَقَلْبِي لَيْسَ بِالسَّالِي
لَمْ يَدْرِ مَنْ بَاتَ مَسْرُوراً بِلَذَّتِهِ / أَنِّي بِنَارِ الأَسَى مِنْ هَجْرِهِ صَالِي
يَا غَاضِبينَ عَليْنَا هَلْ إِلَى عِدَةٍ / بِالْوَصْلِ يَوْمٌ أُنَاغِي فِيهِ إِقْبَالِي
غِبْتُمْ فَأَظْلَمَ يَوْمِي بَعْدَ فُرْقَتِكُمْ / وَسَاءَ صُنْعُ اللَّيَالِي بَعْدَ إِجْمَالِ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي مِنْكُمْ عَلَى ثِقَةٍ / حَتَّى مُنِيتُ بِمَا لَمْ يَجْرِ فِي بَالِي
لَمْ أَجْنِ فِي الْحُبِّ ذَنْبَاً أَسْتَحِقُّ بِهِ / عَتْبَاً وَلَكِنَّهَا تَحْرِيفُ أَقْوَالِ
وَمَنْ أَطَاعَ رُوَاةَ السُّوءِ نَفَّرَهُ / عَنِ الصَّدِيقِ سَمَاعُ الْقِيلِ وَالْقَالِ
أَدْهَى الْمَصَائِبِ غَدْرٌ قَبْلَهُ ثِقَةٌ / وَأَقْبَحُ الظُّلْمِ صَدٌّ بَعْدَ إِقْبَالِ
لا عَيْبَ فِيَّ سِوَى حُرِّيَّةٍ مَلَكَتْ / أَعِنَّتِي عَنْ قَبُولِ الذُّلِّ بِالْمَالِ
تَبِعْتُ خُطَّةَ آبَائِي فَسِرْتُ بِهَا / عَلَى وَتِيرَةِ آدَابٍ وَآسَالِ
فَمَا يَمُرُّ خَيَالُ الْغَدْرِ فِي خَلَدِي / وَلا تَلُوحُ سِمَاتُ الشَّرِّ فِي خَالِي
قَلْبِي سَلِيمٌ وَنَفْسِي حُرَّةٌ وَيَدِي / مَأْمُونَةٌ وَلِسَانِي غَيْرُ خَتَّالِ
لَكِنَّنِي فِي زَمَانٍ عِشْتُ مُغْتَرِبَاً / فِي أَهْلِهِ حِينَ قَلَّتْ فِيهِ أَمْثَالِي
بَلَوْتُ دَهْرِي فَمَا أَحْمَدْتُ سِيرَتَهُ / فِي سَابِقٍ مِنْ لَيَالِيهِ وَلا تَالِي
حَلَبْتُ شَطْرَيْهِ مِنْ يُسْرٍ وَمَعْسرَةٍ / وَذُقْتُ طَعْمَيْهِ مِنْ خِصْبٍ وَإِمْحَالِ
فَمَا أَسِفْتُ لِبُؤْسٍ بَعْدَ مَقْدرَةٍ / وَلا فَرِحْتُ بِوَفْرٍ بَعْدَ إِقْلالِ
عَفَافَةٌ نَزَّهَتْ نَفْسِي فَمَا عَلِقَتْ / بِلَوْثَةٍ مِنْ غُبَارِ الذَّمِّ أَذْيَالِي
فَالْيَوْمَ لا رَسَنِي طَوْعُ الْقِيَادِ وَلا / قَلْبِي إِلَى زَهْرَةِ الدُّنْيَا بِمَيَّالِ
لَمْ يَبْقَ لِي أَرَبٌ فِي الدَّهْرِ أَطْلُبُهُ / إِلا صَحَابَةُ حُرٍّ صَادِقِ الْخَالِ
وَأَيْنَ أُدْرِكُ مَا أَبْغِيهِ مِنْ وَطَرٍ / وَالصِّدْقُ فِي الدَّهْرِ أَعْيَا كُلَّ مُحْتَالِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي إِلْفٌ أُجَاذِبُهُ / فَضْلَ الْحَدِيثِ وَلا خِلٌّ فَيَرْعَى لِي
أَبِيتُ مُنْفَرِدَاً فِي رَأْسِ شَاهِقَةٍ / مِثْلَ الْقَطَامِيِّ فَوْقَ الْمِرْبَإِ الْعَالِي
إِذَا تَلَفَّتُّ لَمْ أُبْصِرْ سِوَى صُوَرٍ / فِي الذِّهْنِ يَرْسُمُهَا نَقَّاشُ آمَالِي
تَهْفُو بِيَ الرِّيحُ أَحْيَانَاً وَيَلْحَفُنِي / بَرْدُ الطِّلالِ بِبُرْدٍ مِنْهُ أَسْمَالِ
فَفِي السَّمَاءِ غُيُومٌ ذَاتُ أَرْوِقَةٍ / وَفِي الْفَضَاءِ سُيُولٌ ذَاتُ أَوْشَالِ
كَأَنَّ قَوْسَ الْغَمَامِ الْغُرِّ قَنْطَرَةٌ / مَعْقُودَةٌ فَوْقَ طَامِي الْمَاءِ سَيَّالِ
إِذَا الشُّعَاعُ تَرَاءَى خَلْفَهَا نَشَرَتْ / بَدَائِعَاً ذَاتَ أَلْوَانٍ وَأَشْكَالِ
فَلَوْ تَرَانِي وَبُرْدِي بِالنَّدَى لَثِقٌ / لَخِلْتَنِي فَرْخَ طَيْرٍ بَيْنَ أَدْغَالِ
غَالَ الرَّدَى أَبَوَيْهِ فَهْوَ مُنْقَطِعٌ / فِي جَوْفِ غَيْنَاءَ لا رَاعٍ وَلا وَالِي
أُزَيْغِبَ الرَّأْسِ لَمْ يَبْدُ الشَّكِيرُ بِهِ / وَلَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ مِنْ كَيْدِ مُغْتَالِ
كَأَنَّهُ كُرَةٌ مَلْسَاءُ مِنْ أَدَمٍ / خَفِيَّةُ الدَّرْزِ قَدْ عُلَّتْ بِجِرْيالِ
يَظَلُّ فِي نَصَبٍ حَرَّانَ مُرْتَقِباً / نَقْعَ الصَّدَى بَيْنَ أَسْحَارٍ وَآصَالِ
يَكَادُ صَوْتُ الْبُزَاةِ الْقُمْرِ يَقْذِفُهُ / مِنْ وَكْرِهِ بَيْنَ هَابِي التُّرْبِ جَوَّالِ
لا يَسْتَطِيعُ انْطِلاقاً مِنْ غَيَابَتِهِ / كَأَنَّمَا هُوَ مَعْقُولٌ بِعُقَّالِ
فَذَاكَ مِثْلِي وَلَمْ أَظْلِمْ وَرُبَّتَمَا / فَضَلْتُهُ بِجَوَى حُزْنٍ وَإِعْوَالِ
شَوْقٌ وَنَأْيٌ وَتَبْرِيحٌ وَمَعْتَبَةٌ / يَا لَلْحَمِيَّةِ مِنْ غَدْرِي وَإِهْمَالِي
أَصْبَحْتُ لا أَسْتَطِيعُ الثَّوْبَ أَسْحَبُهُ / وَقَدْ أَكُونُ وَضَافِي الدِرْعِ سِرْبَالِي
وَلا تَكَادُ يَدِي تُجْرِي شَبَا قَلَمِي / وَكَانَ طَوْعَ بَنَانِي كُلُّ عَسَّالِ
فَإِنْ يَكُنْ جَفَّ عُودِي بَعْدَ نَضْرَتِهِ / فَالدَّهْرُ مَصْدَرُ إِدْبَارٍ وَإِقْبَالِ
عَلامَ أَجْزَعُ وَالأَيَّامُ تَشْهَدُ لِي / بِصِدْقِ مَا كَانَ مِنْ وَسْمِي وَإِغْفَالِي
رَاجَعْتُ فِهْرِسَ آثَارِي فَمَا لَمَحَتْ / بَصِيرَتِي فِيهِ مَا يُزْرِي بِأَعْمَالِي
فَكَيْفَ يُنْكِرُ قَوْمِي فَضْلَ بَادِرَتِي / وَقَدْ سَرَتْ حِكَمِي فِيهِمْ وَأَمْثَالِي
أَنَا ابْنُ قَوْلِي وَحَسْبِي فِي الْفَخَارِ بِهِ / وَإِنْ غَدَوْتُ كَرِيمَ الْعَمِّ والْخَالِ
وَلِي مِنَ الشِّعْرِ آيَاتٌ مُفَصَّلَةٌ / تَلُوحُ فِي وَجْنَةِ الأَيَّامِ كَالْخَالِ
يَنْسَى لَهَا الْفَاقِدُ الْمَحْزُونُ لَوْعَتَهُ / وَيَهْتَدِي بِسَنَاهَا كُلُّ قَوَّالِ
فَانْظُرْ لِقَوْلِي تَجِدْ نَفْسِي مُصَوَّرَةً / فِي صَفْحَتَيْهِ فَقَوْلِي خَطُّ تِمْثَالِي
وَلا تَغُرَّنْكَ فِي الدُّنْيَا مُشَاكَلَةٌ / بَيْنَ الأَنَامِ فَلَيْسَ النَّبْعُ كَالضَّالِ
إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْلا عَقْلُهُ شَبحٌ / مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ ذَاتِ أَوْصَالِ
رَدَّ الْصِّبَا بَعْدَ شَيْبِ اللِّمَّةِ الْغَزَلُ
رَدَّ الْصِّبَا بَعْدَ شَيْبِ اللِّمَّةِ الْغَزَلُ / وَرَاحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُ
وَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍ / بَعْدَ الإِبَاءِ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُ
فَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِ / فَلَيْسَ لِلْقَلْبِ فِي غَيْرِ الْهَوَى شُغُلُ
وَكَيْفَ أَمْلِكُ نَفْسِي بَعْدَ مَا ذَهَبَتْ / يَوْمَ الْفِرَاقِ شَعَاعاً إِثْرَ مَنْ رَحَلُوا
تَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ وَعَدَتْ / عَنْهُمْ عَوَادٍ فَلا كُتْبٌ وَلا رُسُلُ
فَالصَّبْرُ مُنْخَذِلٌ وَالدَّمْعُ مُنْهَمِلٌ / وَالعَقْلُ مُخْتَبِلٌ وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُ
أَرْتَاحُ إِنْ مَرَّ مِنْ تِلْقَائِهِمْ نَسَمٌ / تَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُ
سَارُوا فَمَا اتَّخَذَتْ عَيْنِي بِهِمْ بَدَلاً / إِلا الْخَيَالَ وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُ
فَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ فَقَدْ / سَرَّتْ فُؤَادِي عَلَى ضَعْفٍ بِهِ الْعِلَلُ
لا تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً فَأَيْسَرُهُ / خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ
يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ / وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ
فَكَيْفَ أَدْرَأُ عَنْ نَفْسِي وَقَدْ عَلِمَتْ / أَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاةِ الْهَوَى قِبَلُ
فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيءٍ هَمَمْتُ بِهِ / فِي الْحُبِّ لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُ
وَلِلْمَحَبَّةِ قَبْلِي سُنَّةٌ سَلَفَتْ / فِي الذَّاهِبِينَ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ
فَإِنْ تَكُنْ نَازَعَتْنِي النَّفْسُ بَاطِلَهَا / وَأَطْلَعَتْنِي عَلَى أَسْرَارِهَا الْكِلَلُ
فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَةً / وَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُ
بِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُ / حُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَهَا الْعَطَلُ
كَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ فَانْتَبَذَتْ / يُمْنَاهُ وَانْبَثَّ فِي أَعْطَافِهِ الطَّفَلُ
زُرْقٌ حَوَافِرُهُ سُودٌ نَوَاظِرُهُ / خُضْرٌ جَحَافِلُهُ فِي خَلْقِهِ مَيَلُ
كَأَنَّ فِي حَلْقِهِ نَاقُوسَ رَاهِبَةٍ / بَاتَتْ تُحَرِّكُهُ أَوْ رَاعِدٌ زَجِلُ
يَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَا / فَمَا تَبِينُ لَهُ شَدّاً فَتَنْخَذِلُ
يَرَى الإِشَارَةَ فِي وَحْيٍ فَيَفْهَمُهَا / وَيَسْمَعُ الزَّجْرَ مِنْ بُعْدٍ فَيَمْتَثِلُ
لا يَمْلِكُ النَّظْرَةَ الْعَجْلاءَ صَاحِبُهَا / حَتَّى تَمُرَّ بِعِطْفَيْهِ فَتُحْتَبَلُ
إِنْ مَرَّ بِالْقَوْمِ حَلُّوا عَقْدَ حَبْوَتِهِمْ / وَاسْتَشْرَفَتْ نَحْوَهُ الأَلْبَابُ وَالْمُقَلُ
تَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ فَهُوَ يَتْبَعُهَا / وَيَسْتَشِيطُ إِذَا هَاهَى بِهِ الرَّجُلُ
أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَامَاً وَيَصْحَبُنِي / مَاضِي الْغِرَارِ إِذَا مَا اسْتَفْحَلَ الْوَهَلُ
يَمُرُّ بِالْهَامِ مَرَّ الْبَرْقِ فِي عَجَلٍ / وَقْتَ الضِّرَابِ وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ بَلَلُ
تَرَى الرِّجَال وُقُوفَاً بَعْدَ فَتْكَتِهِ / بِهِمْ يُظَنُّونَ أَحْيَاءً وَقَدْ قُتِلُوا
كَأَنَّهُ شُعْلَةٌ فِي الْكَفِّ قَائِمَةٌ / تَهْفُو بِهَا الرِّيحُ أَحْياناً وَتَعْتَدِلُ
لَوْلا الدِّمَاءُ الَّتِي يُسْقَى بِهَا نَهَلاً / لَكَادَ مِنْ شِدَّةِ اللأْلاءِ يَشْتَعِلُ
يَفُلُّ مَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ قَبْضَتُهُ / كُلَّ الْحَدِيدِ وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ فَلَلُ
بَلْ رُبَّ سَارِيَةٍ هَطْلاءَ دَانِيَةٍ / تَنْمُو السَّوَامُ بِهَا وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُ
كَأَنَّ آثَارَهَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ / رَيْطٌ مُنَشَّرَةٌ فِي الأَرْضِ أَوْ حُلَلُ
يَمَّمْتُهَا بِرِفَاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْ / لَبُّوا سِرَاعَا وَإِنْ أَنْزِلْ بِهِمْ نَزَلُوا
قَصْداً إِلَى الصَّيْدِ لا نَبْغِي بِهِ بَدَلاً / وَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا فِي شَأْنِهَا عَمَلُ
حَتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بعْد / وَجَاءَ فَارِطُهُمْ يَعْلُو وَيَسْتَفِلُ
تَغَاوَتِ الْخَيْلُ حَتَّى كِدْنَ مِنْ مَرَحٍ / يَذْهَبْنَ فِي الأَرْضِ لَوْلا اللُّجْمُ وَالشُّكُلُ
فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ أَوْ بَعْضُ ثَانِيَةٍ / إِلا وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ
فَكَانَ يَوْماً قَضَيْنا فِيهِ لَذَّتَنَا / كَمَا اشْتَهَيْنَا فَلا غِشٌّ وَلا دَغَلُ
هَذَا هُوَ الْعَيْشُ لا لَغْوُ الْحَدِيثِ وَلا / مَا يَسْتَغِيرُ بِهِ ذو الإِفْكَةِ النَّمِلُ
إِنَّ النَّمِيمَةَ وَالأَفْوَاهُ تُضْرِمُهَا / نَارٌ مُحَرِّقَةٌ لَيْسَتْ لَهَا شُعَلُ
فَاتْبَعْ هَوَاكَ وَدَعْ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ / فَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنْ جَرَّبْتَهُمْ هَمَلُ
وَاحْذَرْ عَدُوَّكَ تَسْلَمْ مِنْ خَدِيعَتِهِ / إِنَّ الْعَدَاوَةَ جُرْحٌ لَيْسَ يَنْدَمِلُ
وَعَالِجِ السِّرَّ بِالْكِتْمَانِ تَحْمَدُهُ / فَرُبَّمَا كَانَ فِي إِفْشَائِهِ الزَّلَلُ
وَلا تَكُنْ مُسْرِفَاً غِرّاً وَلا بَخِلاً / فَبِئْسَتِ الْخَلَّةُ الإِسْرَافُ وَالْبَخَلُ
وَلا يَهُمَّنْكَ بَعْضُ الأَمْرِ تَسْأَمُهُ / لا يَنْتَهِي الشُّغْلُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَجَلُ
وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَأْتِيهِ مِنْ عَمَلٍ / فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يَحْسُنُ الْعَمَلُ
فَالرَّيْثُ يُحْمَدُ فِي بَعْضِ الأُمُورِ كَمَا / فِي بَعْضِ حَالاتِهِ يُسْتَحْسَنُ الْعَجَلُ
هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَأْثُورُ فَارْضَ بِهِ / عِلْماً لِنَفْسِكَ فَالأَخْلاقُ تَنْتَقِلُ
مِنْ كُلِّ بَيْتٍ إِذَا الإِنْشَادُ سَيَّرَهُ / فَلَيْسَ يَمْنَعُهُ سَهْلٌ وَلا جَبَلُ
لَمْ تُبْنَ قَافِيَةٌ فِيهِ عَلَى خَلَلٍ / كَلَّا وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِي رَصْفِهَا الْجُمَلُ
فَلا سِنَادٌ وَلا حَشْوٌ وَلا قَلَقٌ / وَلا سُقُوطٌ وَلا سَهْوٌ وَلا عِلَلُ
تَغَايَرَتْ فِيهِ أَسْمَاعٌ وَأَفْئِدَةٌ / فَكُلُّ نَادٍ عُكَاظٌ حِينَ يُرْتَجَلُ
لا تُنْكِرُ الْكَاعِبُ الْحَسْنَاءُ مَنْطِقَهُ / وَلا يُعَادُ عَلَى قَوْمٍ فَيُبْتَذَلُ
لا تَحْسَبِ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثِقَةٍ
لا تَحْسَبِ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثِقَةٍ / مِنْ أَمْرِهِمْ بَلْ عَلَى ظَنٍّ وَتَخْيِيلِ
حُبُّ الْحَيَاةِ وَبُغْضُ الْمَوْتِ أَوْرَثَهُمْ / جُبْنَ الطِّبَاعِ وَتَصْدِيقَ الأَبَاطِيلِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025