القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 50
بمُلتقَى لَحظِنا البرقُ الّذي وَمضا
بمُلتقَى لَحظِنا البرقُ الّذي وَمضا / اِستوقَفَ الطَّرفَ في آثارِه ومَضى
لمّا تناعَس ساريهِ أرِقتُ له / تُراه أودَع جَفْني عندَه الغُمُضا
أبدَى كشاكلِة البلقاء صَفْحتَه / وَمرَّ يتركُ صِبْغَ اللّيلِ مُنتفِضا
وعاد ثانيَ عِطفَيْهِ على عجَلٍ / يُجِدُّ دَرْسَ خَضابٍ للظّلامِ نَضا
ما إن عَلِمْتُ له وادي الغضا وطَناً / إلاّ لِما امتار منه القلْبُ جَمْرَ غَضا
كم ذا بمَسْراهُ من عَينٍ مُؤرّقَةٍ / وأيُّ صَبٍّ عناهُ الشَّوقُ فاغتَمضا
ومن ذوائبِ أنفاسٍ وصَلْتُ بها / ُحشاشةَ اللّمْعِ جُنْحَ اللّيلِ فانتَهضا
أدنَى اليمانينَ منّا البرقُ إذ رَحلوا / فبات يُسرِعُ خلْفَ الرَّكْبِ مُرتكضا
فما الّذي يتَلاقَى الظّاعنينَ بنا / وقد ونَى البرقُ عنهمْ وانثَنى غَرضا
في ذمّةِ اللّهِ من أحبابِنا زُمَرٌ / ساروا وما اعتاضَ قلبي عنهمُ عِوَضا
وكيف ساروا وروحي بَعضُ مَن معهم / وما أَرى عُمُري للبَيْنِ مُنقَرِضا
لأنّه بعدُ في قلبي وأيُّ فتىً / لم تَنقطعْ روحُه من قَلْبِه وقَضى
فعَرِّجا بي على أَدْنَى مَعاهدِهم / يا حاديَيْنا وشَرّ العَهدِ ما نُقِضا
واستَبْقِ يا صاحِ فالوجناءُ رازِحةٌ / وَخْدَ المطايا فقد تَرمِي بها غَرَضا
أما تَرى ظِلَّها والشَّمسُ تَسرِقُه / تُحَيْتَ أَخفافِها بالقاعِ منقَبِضا
وتَمَّ مَن كَرَّ ما روَّيتُه عَلقاً / في حَيِّ قيسٍ وكان الثّأرُ مُفتَرضا
سُقْ بالأسنّةِ مالَ العامريَ غداً / إذا أَديمُ الحصَى مِن عالجٍ رَبِضا
وقَرِّطِ الخيلَ من نجدٍ أَعِنتَّها / من كلِّ أَعيطَ ملْءَ العَين مُعتَرضا
وخاطفاتٌ فُويقَ الأرضِ أَربَعُه / لا يَعلَقُ الطَّرفُ عِطفَيْهِ إذا ركضا
وقد يُنزّقُها الفُرسانُ صائحةً / إذا الوشيجُ على أَكتافِها عَرَضا
وتَتَّقي بهواديها أَعاليَها / إذا العِنانُ لتصريفِ القنا خُفِضا
واللاّبسونَ عليها كُلَّ سابغةٍ / تَدَرُّجُ الرِّيحِ دَبَّتْ في مُتونِ إضا
يَحِنُّ نِضْوي إلى ماء العُذَيْبِ ضُحىً / وما بهِ البُعدُ لولا أَنّه أُبِضا
يَظْما إليه وأَهْوَى بعضَ ساكنهِ / ويَحتوي من جُنوبِ الحَزْنِ مُنخَفِضا
ودونَ لَيلَى وإنْ طافَ الخيالُ بنا / سيوفُ رَوْعٍ إذا شاء الغَيورُ نَضا
وفي الخيامِ بواديهمْ عيونُ مَهاً / مَرْضَى على أَنّني عُلِّقْتُها عَرَضا
وإِنّما ملَكتْ قلبي وإن سحرَتْ / لأنّها اقتسمَت عن جِسميَ المَرضا
لكنّها استأْثَرَتْ منّا بحِلْيتِه / لطرْفِها وحبَتْ عُشّاقَها المَضَضا
فلو تأمّلْتَ حالَينْا عَلِمْتَ إذنْ / أنّا فَديْناكَ من مَكْروهِ ما عَرَضا
فاسلَمْ سَلِمتَ على الأيّام ما بَقيتْ / لنا جميعاً بأن نَفْدي عُلاك رِضا
ولا تَزَلْ أنتَ بالإقبالِ مُبتهِجاً / ومَن يُعاديكَ بالبَلْبالِ مُرْتَمِضا
أنت الهُمامُ الّذي دانَتْ له هِمَمٌ / إذا سواهُ ارتقَى عَلْياءها دَحَضا
له تُصاغُ عيونُ القولِ إن نُطِقَتْ / وفي عُلاهُ فصيحُ الشِّعرِ إن قُرِضا
يَخُطُّ سُوداً على بِيضٍ كَفى بهما / فَخْراً وما الدَّهرُ إلاّ ما دَجا وأضا
فالمُلْكُ لا يَكْتفي إلاّ بهِ شَرَفاً / والدِّينُ لا يَقْتضي إلاّ بهِ غَرَضا
مَن لا يَمَلُّ من العلياء إن صَعُبَتْ / ولا يَضِلُّ صوابَ الرّأي إن غَمُضا
ولا تَعاظَمُه أقطارُ مملكةٍ / عنَّتْ وإن طالَ مَتْناها وإن عرضا
مستأْسِدٌ بين عينَيْهِ عَزيمتُه / إذا تَراءتْ له أُكرومةٌ نَهَضا
يُهابُ وهْو عنِ الأقوام مُعتَزلٌ / كذلكَ الّليثُ مَرهوبٌ وإنْ رَبضا
يَفديكَ كُلُّ لئيمٍ سِيطَ من دَمِه / بُخْلٌ فلو جَسَّه الرّاجي لَما نَبَضا
وعاجِزٌ أنْ يُسامي غايتَيْكَ عُلاً / والقَرْمُ يُعجِزُ عن غاياتِه الحُفُضا
كانتْ شَكاتُك بُشرَى غيرَ خافيةٍ / أهدَتْ إلى مَضْجعَيْ حسّادِك القَضَضا
مُلمِّةٌ تَقتفي بالّلهوِ مُعقبَةً / وزُبدةٌ تُجتنَى للعيشِ إذ مُخِضا
إنّ النّسيمَ الّذي تَحيا النُّفوسُ به / أَصحُّ ما كان أنفاساً إذا مَرِضا
يا مَن عدَتْني عَوادٍ عن زيارتِه / لا أنّ ما بيننا حاشا العُلا رُفِضا
قَبضْتُ عنك الخُطا حَولاً لغيرِ قِلىً / إنّ الكريمَ إذا لم يُبْسَطِ انقَبضا
وعُدْتُ لمّا تناهَى الصّبرُ عنك هوىً / إنّ المُحبَّ إذا لم يُطلَبِ اعتَرضا
وكُلُّ مَن جاورَ البيتَ الحرامَ يُرَى / لقاؤه مَرّةً في العامِ مُفتَرَضا
فاشْدُدْ يدَيك أدام اللّهُ جودَهما / بمُطْلَقِ الغَرْبِ ما أَمضَيْتَ منه مضَى
لا يَزْدهي بمديحٍ فيكَ يُبدِعُه / وإن أَدَلَّ فبالوُدِّ الّذي مَحَضا
وابلُغْ به من يَفاعِ المَجدِ مُشتَرَفاً / واغضَبْ له من صُروفِ الدّهرِ مُمتَعِضا
فاسْعَدْ بعِيدٍ أتَى والشّوقُ يُعجِلُه / إلى تَناصُفِ هاتيكَ العُلا غَرَضا
واخلُد لتُرعَى بك الآمالُ آمِنةً / ما جَمّ من وَرَقِ الدُّنيا وما بَرَضا
لا يُحرَمَنَّ مُناهُ منك ذو أَملٍ / إن كان حَقُّك فَرْضاً عنده فقَضى
فاللّهُ يَضْمَنُ أن يُجْزَي بجَنّتهِ / سَعْيُ العبادِ إذا قاموا بما فَرَضا
يا مَن رأَى ظُعُنَ الحَيِّ الّذي شَحَطا
يا مَن رأَى ظُعُنَ الحَيِّ الّذي شَحَطا / كأنّها بينَ أحناء الضُّلوعِ قَطا
شَرقيّةٌ غربَتْ دارُ الجميعِ بها / وفَرّقَتْ في البلادِ الجِيرةَ الخُلطَا
تَأْتي طِلاعَ الفَلا من كلِّ ناجيةٍ / عَنْسٍ إذا صَعِد الحادي بها هَبطا
عزيزةٌ تَمنعُ الأبطالَ جانبَها / وتَنهضُ الخيلُ من قُدَّامِها فَرَطا
جُرْدٌ تَمُرُّ فُويْقَ الأرضِ طائرةً / حتّى كأنّ قَطاها في الحِضارِ قَطا
إذا دَجا ليلُ نَقْعٍ من سَنابِكها / أطارَ قَرْعُ الحَصى في فَرْعِه شَمَطا
إنّ المَطيَّ الّذي هاجَ الحُداةُ له / وَجْداً يَهُزُّ على أثباجِه الغُبُطا
لم يَخْطُ من عزّةٍ إلاّ على كَبِدٍ / ولم يُثِرْ منه غيرَ الدَّمْعِ حين خَطا
من كلِّ أدماءَ أغشَوا تحتها نَمَطاً / من الحرير وعالَوا فوقها نَمَطا
وفَرَّجوا سُجْفَها عن عارضَيْ قَمَرٍ / يَسْرِى على نُورِه باللّيلِ مَن خَبَطا
دَعُوا الظُّبَى حَشْوَ أجفان الحُماةِ له / كَفَى بما هو من أجفانِه اخْتَرطا
تَمْرِي ظُباءُ من الآماقِ مُنْسَفكاً / ما لم يَسِلْه من الأعناقِ مُعتَبِطا
أُذْرِي الدّموعَ ويَلْحَى اللاّئمون معاً / على الزّمانِ الّذي قد فَرَّق الخُلَطا
لُوموا على ذاك أو كُفّوا لشأْنِكم / بَرْحُ الفِراقِ على بَرْحِ المَلامِ غِطا
عَتْبي على القَدَرِ الجاري وأَيُّ فتىً / يُعدَى على حَكَمِ الأقدارِ إن قَسَطا
فليتَ شِعْري بأيِّ الأمرِ من زَمني / أُصيبُ من عُقدَةِ الأحزانِ مُنتَشَطا
وما مَلكْتُ المُنَى والدَّهرُ فيه رضاً / فكيف أملِكُها منه وقد سَخِطا
لَقِيتُ مِمّا يُشيبُ الرأسَ أَعظَمَهُ / لو أنّ شَيباً إذا استوحَيْتَه وَخَطا
وقد نَسِيتُ وما أنسَى بحادثةٍ / عَيشاً تَلقّيتُ في رَيعانِه غِبَطا
أَبِيتُ منه على ذِكْرٍ يُؤرِّقُني / شَوقاً إلى سالفِ العَهدِ الّذي فَرَطا
في ليلةٍ كُلُّ جُزْءٍ مِن غَياهبِها / من طولِها لَيلةٌ لو قُسِّمَتْ نُقَط
فدامَ للمُلْكِ مَجْدُ المُلْكِ عُدَّتَه / من اللّيالي قَريرَ العينِ مُغْتَبِطا
دامَ الهُمامُ الّذي يَهْمِي ندىً وردىً / إذا أَجدّ رِضاً في النّاسِ أو سُخُطا
السّيفَ عَضْباً إذا ما هَبوةٌ ذُكِرَتْ / والغَيثَ سكْباً إذا ما جانبٌ قَحَطا
والسَّيْلَ عَزْماً إذا ما الخَطْبُ بادَهُه / والطَّودَ حِلماً إذا ما الجاهلُ اخْتلَطا
لمّا رأى أنّ أعمالَ الورَى رُتَبٌ / يَظَلُّ يَختَطُّ منها أهلُها خِطَطا
تَوسَّط المُلْكُ في أَسنَى مَراتبِه / وكان من حَقِّ دُرِّ العِقْدِ أن يَسِطا
لم يَعتَمِدْ في العُلا من أَمرِها طَرَفاً / ولم يقَعْ رأْيُه في نَقْدِها غَلَطا
لو لم يكُنْ وسَطُ الأشياءِ أَشْرَفَها / ما اختارَتِ الشّمْسُ من أفلاكها الوَسَطا
زاد الممالِكَ باسْتِعْلائِه شَرَفاً / وَفّى البريّةَ للرّاجي بما شَرَطا
لو عَدَّ في أَقصَرِ الألحاظِ مُمتَحَناً / ما يَحسُبُ النّاسُ طولَ الدَّهْرِ ما غَلِطا
هذا على أنّه لو رامَ في سنةٍ / حسابَ ما جادَ في يومٍ لمّا ضَبَطا
تلك اليمينُ الّتي ما هَزَّ أنمُلَها / إلا وفي يَدِ شاني مَجْدِه سُقِطا
غَدا بها مالُه المَوفُور مُبتَذَلاً / وراح مالُهُمُ المَوهوبُ مُنضَبِطا
للهِ أروعُ يأْبَى رأْيُه أبداً / جَعْدَ المساعي ويَرضَى العُلا سَبِطا
لا يَمْهِلُ الدّاءَ إلا ريْثَ يَحسِمُه / والحزْمُ في نَزْعِ نابِ الشرِّ حين سَطا
ولا يَغَرُّ بوُدٍّ تحته ضَمَدٌ / كم زَهرةٍ قَتلَتْ مرعىً بها حَبَطا
يا ابنَ الأعزِّينَ من رَيْبِ الزّمانِ حِمىً / والأكثرِينَ على حَدِّ العَدُوِّ سُطا
والأَطْولينَ إلى فَرْعِ العلاء يَداً / والأبعدِينَ إلى شَأْوِ الكرامِ خُطا
أنت الّذي لم يُغادِرْ فَضْلَ مَرتبة / إلا وعاطاهُ أَغلَى مَأْخذاً فعَطا
فوقَ الوِزارةِ لو فكّرتَ مَنزلةً / وإن بكَى الحاسدُ المَفْؤودُ أو نَحَطا
من أصبحَتْ وزراءُ العَصرِ عن يَدِه / مَن شاء أدنَى ومَن لم يَرضَه شَحَطا
فَلْيشكُرِ المُلْكُ ما أولَيتَ من منَنٍ / ولن يُصيبَ مَزيدَ البِرِّ مَن غَمَطا
لولاكَ كانَ أصابَ العظْمَ كاسِرُهُ / ولاقَتِ الشّحمةُ البيضاءُ مُشتَرَطا
فَللْتَ عنه شَبا خَطْبٍ رأيتَ بِها / أديمَهُ عن مَدامِي نَحرِه كُشِطا
أيّامَ لا حِسَّ من خَيلٍ ولا خَوَلٍ / تَمُدُّ هذي الصُّفوفُ الغُلْبَ والسُّمُطا
فقد أفاض عليه اليومَ رَونَقَهُ / وراشَ نُصحُكَ منه نَبلَهُ المُرُطا
وقَدَّمَتْ عُصَبُ العافِينَ عن ثِقةٍ / وَفْدَ الأماني إلى وِرْدِ النّدَى فَرَطا
وراحَ كُلُّ فتىً ألقَى عَصاهُ وقد / أصابَ من وَرَقِ الدُّنيا به خَبَطا
إليكَ أَعملْتُها في كُلِّ غامضةٍ / ألقَى الظّلام بها بَرْكاً وَمَدَّمَطا
مُصطفّةً كالمَدارِي في سَوادِ دُجىً / يَبِتْنَ يَفْرُقْنَ منه لِمّةً قَطَطا
منَ اللّواتي يَزيدُ السّيرُ أَيديَها / سَبْقاً إذا الفَضْلُ من أَنساعِها مَعَطا
بسَطْتُ ما قد تَطوَّى من أَزِمَّتِها / حتّى طوَيْتُ بها القاعَ الّذي انْبَسَطا
كم قد غَشِينا بها في مَرِّها خِطَطاً / وكم لَقينا بها من دَهْرِها خُطَطا
إلى كريمِ كِرامٍ في الزّمانِ إذا / قاموا كُسالَى إلى أُكرومةٍ نَشِطا
فأَرْعنى سَمعك المَفْدِيَّ صاحبُه / وعُدَّ غَيرَ الّذي قد قُلتُه لَغَطا
وخُذْه كالدُّرِّ وهْو الدُّرُّ أَسرُدُه / في سلكِ خدْمتِكَ العَلياءِ مُنْخَرِطا
مِمّا يكادُ إذا غنّى الرُّواةُ به / يُحِسُّ سامعُه في أُذْنهِ قُرُطا
لِسابقٍ في المعالي لو يَصيرُ لها / مُقرَّباً بفِناء المجدِ مُرتَبِطا
قُلْ للأكابرِ زادَ اللهُ مُلكَهمُ / لا تَحرِمُوا الفَضْلَ منكمْ سِيرةً وَسَطا
عَطْفاً على الشِّعْرِ عَطْفاً إنّه عَمَلٌ / إن لم تُثيبوا عليه أنتمُ حَبِطا
يَضيعُ مثْليَ فيما بَينَ أَظهُرِكُمْ / عارٍ منَ العارِ لا يُلقَى عليه غِطا
أُجِيدُ وَسْمَ عُلاكمُ بالمديحِ لها / وأَخرجُ الدَّهرَ من إنعامكمْ عُلُطا
عامٌ تَقضّى وعامٌ بعدُ تابعُه / لقد تَكلّفْتُ من تأميلِكمْ شَطَطا
فانْعَرْ بها أَيهُا الحادي على طَرَب / إذا التقَى الصُّبْحُ بالظّلماءِ واخْتَلَطا
واقْذِفْ منَ المَنزلِ النّائي بأَرحُلِنا / إلى كريمٍ يُوفّي الظّنَّ ما اشْتَرطا
وعَدِّ عن مَعشرٍ قَلّتْ مَواهِبُهُمْ / فلو يكونُ ندىً في الجَوِّ ما سَقَطا
وثِقْ على كلِّ حالٍ بالقَبولِ لنا / لا يَعدَمُ الدُّرُّ بين النّاسِ مُلتِقطا
ورُبّما عاد بالإحسانِ سادَتُنا / فقد يُغاثُ الفتَى من بَعدِ ما قَنِطا
صَبْراً على الدَّهرِ صَبْراً يُستعانُ به / إنّ الحُظوظَ سِراعٌ مَرَةً وبِطا
دُمْ للعُلا في ظلالِ العزِّ مُغتَبِطا
دُمْ للعُلا في ظلالِ العزِّ مُغتَبِطا / وللعِدا بنِصالِ العَزْمِ مُعتَبِطا
يا مَن إذا رَضيَ انْهلّتْ غَمامَتُه / جُوداً وبُؤساً على قَومٍ إذا سَخِطا
فوق السَحابِ سَماحاً والسِّماكِ عُلاً / والسّيفِ رأياً وأحداثِ الزّمانِ سُطا
قد قلتُ والدّهرُ كالمُبدي لنا خَجَلاً / به على حَمدِنا عُقْبَى الّذي فَرَطا
من عَثرةٍ لم تكُنْ بالرّأيِ منْك ولا / بالجَدّ حُوشِيَ حتّى تُعظِمَ الخُطَطا
بل وَطأةٌ خَبطتْ في الأرضِ من عجَلٍ / بمَن ندَى يدِه في أهلِها خَبَطا
ذي هِزّةٍ نَبعتْ منه مَواهبُه / ومالَ عِطْفاهُ الرّاجي بها فَعَطا
كمَيْلةِ الغُصْنِ مَسَّ الأرضَ مُثمِرُه / وانْآدَ ممّا عليه حَمْلُه انْخرَطا
هو النّدى والزّمانُ الرّوضُ باكَرَهُ / حتّى غدا حُسْنُه بالطِيّبِ مُخْتلِطا
إن راقَكَ الرَّوضُ مَصقولاً جوانبُه / فلا يَرعْكَ إذا قيلَ النّدىَ سَقَطا
ولا تَمُجّنَّ سَمْعاً لَفْظَهُ عَجِلاً / ما دام يُستَحسَنُ المَعْنَى إذا ضُبِطا
للهِ منْك أبا عبدِ الإلهِ فتىً / إذ الزّمانُ لسَيفِ الحادثِ اخْتَرطا
له سِهامٌ إذا ريشَتْ بأنمُلِه / أَصمَتْ عِداهُ فلا لاقَتْهُمُ مُرُطا
غديرُ جُودٍ متى ما يَأت وارِدُه / تَسمَعْ لطَيْرِ القوافي حَولَهُ لَغَطا
كمِ امتطَى النّجمَ لم تكْدُدْ له قَدَمٌ / إلى العُلا مُدْنِياً منها الّذي شَحَطا
أغَرُّ مذ صَعِدَ الأصلُ الكريمُ بهِ / إلى أعالي ثنايا المَجْدِ ما هَبَطا
فاْعْذِرْ على خَطْوِه إن كان أخطأها / فاللهُ خَطَّ لأفياءِ العُلا خِططا
اِعتادَ أن يَطأَ الأفلاكَ أخمَصُه / فما دَرى عند وَطْء الأرضِ كيف يَطا
لمّا أبَى كَعْبُه العالي سِوى طُرقٍ / فَوقَ النُّجومِ أبىَ إلاّ اضْطِرابَ خُطا
حاشا زمانَك يا غَوثَ الأفاضلِ أن / تَزِلَّ نَعلُكَ لا قَصْداً ولا غَلَطا
أنّي ومنك اكتسى نوراً أضاء به / من بعدِ ما كان في الظّلماء مُخْتبِطا
يا مَن غدا الحَمدُ مُلْقىً في الثّرى دُرراً / ولم يُصادَفْ إلى أنْ جاء مُلْتَقِطا
ومَن أعادَ لعُودِ الفَضْلِ ماءَ ندىً / فشَبَّ ما شابَ من فِكْري وما شَمَطا
عَقدتُ بالطّرَفِ الأقصَى لأُدرِكَه / طَرْفي ولم أرْضَ من أُمنيّةٍ وَسَطا
وأنتَ جَسّرْتَني حتّى جَسَرْتُ بِما / أكرمْتَني فطلَبْتُ المَطلَبَ الشَّططا
والماءُ يُجمَعُ من أطرافِه وإذا / بسَطْتَ منه ولاقَى الفُسحةَ انبسَطا
فالْقَ العِدا مُرغِماً ما دام جُودُك في / ذُرا عُلاكَ لطَرْفِ المَدْح مرتَبِطا
في دولةٍ غَضّةٍ طُولُ البقاء لها / ماإن يَزالُ على الأيّام مُشتَرَطا
ما غَضَّ أَعيُنَها زُهْرُ النّجومِ متَى / رأَيْنَ شَيْبَ صباحٍ للدُّجَى وَخَطا
حيثُ انتَهْيت من الهِجرانِ بي فقِفِ
حيثُ انتَهْيت من الهِجرانِ بي فقِفِ / ومن وراء دَمي سُمْرُ القَنا فخَفِ
يا عباثاً بِعِداتِ الوَصْلِ يُخلِفُها / حتّى إذا جاء ميعادُ الفراقِ يَفي
اِعْدِلْ كفاتنِ قَدٍّ منك مُعْتَدلٍ / واعْطِفْ كسائلِ صُدْغٍ منك مُنْعَطِف
ويا عَذولي ومَن يُصْغي إلى عَذَلٍ / إذا رنا أحورُ العَيْنَيْنِ ذو هَيف
تَلومُ قلبيَ أن أَصماهُ ناظرهُ / فيمَ اعتراضُك بينَ السَّهْم والهَدَف
سَلُوا عَقائلَ هذا الحيِّ أيَّ دمٍ / للأعيُنِ النُّجْلِ عند الأعيُنِ الذُّرُف
يَستوصِفونَ لساني عن مَحبّتِهمْ / وأنت أصدَقُ يا دَمعي لهمْ فصِف
ليستْ دموعي لنارِ الشّوقِ مُطفِئةً / وكيف والماءُ بادٍ والحريقُ خَفي
لم أنسَ يومَ رحيلِ الحيِّ مَوقفَنا / والعيسُ تَطلُعُ أُولاها على شَرَف
والعَينُ من لَفْتةِ الغَيرانِ ما حَظِيتْ / والدَّمْعُ من رِقْبةِ الواشِينَ لم يَكِف
وفي الحُدوجِ الغَوادي كُلُّ آنسةٍ / إن يَنكَشفْ سِجْفُها للشّمسِ تنكسِف
تُبِينُ عن مِعْصَمٍ بالوَهْمِ مُلْتَزَمٍ / منها وعن مَبْسِمٍ باللّحْظِ مُرَتشَف
في ذمّةِ اللهِ ذاك الرَّكبُ إنّهمُ / ساروا وفيهمْ حياةُ المُغْرَمِ الدَّنِف
فإن أَعِشْ بعدَهمْ فَرداً فيما عجَبي / وإن أَمُتْ هكذا وَجداً فيما أسَفي
قلْ للّذينَ رمَتْ بي عن دِيارِهمُ / أيدي الخُطوبِ إلى هذا النّوى القٌذُف
إن أبقَ أَرجِعْ إلى العهدِ القديمِ وإنْ / أَلْقَ الوزيرَ منَ الأيّامِ أَنتصِف
مَلْكٌ تَطوفُ البرايا حَولَ سُدَّتِه / ومَن يَجِدْ للأماني كَعبةً يَطُف
ظِلٌّ منَ اللهِ مَمدودٌ سُرادِقُه / مَدّاً من الطّرَفِ الأقْصَى إلى الطَّرَف
تُطيعُه الشُّهْبُ في الأفلاكِ دائرةً / والبِيضُ في الهامِ والأقلامُ في الصُّحُف
تَلوحُ بين بَني الدُّنيا فَضائلُه / كما تَبرَّجَتِ الأقمارُ في السُّدَف
بادي التَّواضعِ للزُّوّارِ من كَرمٍ / إنَّ التَواضعَ أقصَى غايةِ الشّرَف
في كفّهِ قَلمٌ يَعنو الزّمانُ له / ويَسْنَ الخطْبُ منه وهْو ذو عَجَف
الدّينُ والمُلْكُ منه كوكبا أُفقٍ / والجُودُ والبأسُ منه دُرَّتا صَدَف
من بُغْضِ لا ساعةَ التّوقيعِ في يَدِه / يكادُ في الطِّرْسِ لا يَجْري بلامِ أَلِف
أضفَى على النّاسِ ظِلَّ الأمنِ فابتَهجوا / حتّى تَناسَوا زمانَ الجَورِ والجنَف
فكَفَّ كُلَّ يدٍ بالظّلمِ باسطةٍ / وقَرَّ كُلَّ حشاً للخَوفِ مُرتجِف
وسار في كُلِّ قومٍ سيرةٍ وسَطاً / وقال لا شَرَفٌ للمَرْء في السَّرَف
فالله يَجْزيكَ سعْدَ المُلْكِ صالحةً / عن سالفٍ لكَ من نُعْمَى ومُؤتَنَف
إذْ أنت في نُصْرةِ السُّلطانِ مُنْفَرِدٌ / والقَومُ من كُلِّ ثاني العِطْفِ مُنْحَرِف
إذا أظلّتْه للأيّامِ مُظْلِمةٌ / مضَيْتَ مُعتزِماً فيها ولم تَقِف
وكُلّما أينعَتْ هاماتُ طائفةٍ / نادَيْتَ يا سيفُ قُمْ للمُلْك فاقْتَطِف
حتّى صفَتْ دَولةٌ كانتْ مكَدَّرةً / دَهْراً فقلتُ له خُذها ولا تَخَف
فاليومَ أضحَتْ غِراسُ الأُنسِ مُثْمرةً / فافخَرْ بأسلافِ عُرْفٍ عندَ مُعْتَرِف
واسعَدْ بإظْلالِ عيدِ الفُرسِ واحْوِ بهِ / منَ العُلا زُلفاً زُيدَتْ إلى زُلَف
فقد جَلا المِهْرَجانُ السَّعْدُ طلْعتَه / في صَدْرِ يومٍ بنُورٍ منك مُلْتَحِف
والأفْقُ يَسترقِصُ الجوزاءَ من طَرَبٍ / والأرضُ تَستوقفُ الأبصارَ من طُرَف
ما الشّمسُ في أوّلِ الميزانِ قام بها / وَزْنُ الزّمانِ فأضحَى غيرَ مُختَلِف
وإنّما اعتلَّ هذا الدَّهرُ من جَزَعٍ / لمّا اعتَلَلْتَ فلمّا أن شُفيتَ شُفي
يا مَن قَدِمْتُ على مأْنوسِ حَضْرتِه / بعد المَغيبِ وحُرُّ المَدْح من تُحَفي
لمّا هزَزْتَ إليّ العِطْفَ مكرمةً / والحُرُّ مُقتنَصٌ بالوُدِّ واللُّطُف
لثمتُ كفَّك شِكْراً وهْي طاميةٌ / يُروِي صدَى الوَفدِ منها أعذَبُ النُّطَف
فإن يكنْ مَنْطقي دُرّاً أفوهُ به / فقد تَرى أيَّ بحرٍ كان مُغْتَرَفي
لو فَرَّغ الدّهرُ فِكْري من شَواغلِه / أطلْتُ بالمجلسِ المَعْمورِ مُعتَكَفي
لكنْ أبَى ذاك صَدْرٌ غيرُ مُنشَرِح / لِما أُلاقي وهَمٌّ غَيْرُ مُتَّصِف
وزادَني قُرْبُ هذا العِيدِ مَوْجِدَةً / على زَمانٍ بما لا أَشتَهي كَلِف
أُهنِّئُ النّاسَ فيه مُظهِراً فَرَحاً / واللهُ يَعلَمُ ما أُخْفي من الأَسَف
ومن ورائي أُصَيْحابٌ تَركتُهمُ / في منزلٍ بخُطوبِ الدّهرِ مُكْتَنَف
لاذوا بِستُرٍ رقيقٍ من تَجمُّلِهمْ / إلاّ ينَلْهمْ وشيكُ الغَوثِ يَنْكَشِف
وقد رأَوْني بسَعْدِ الأرضِ مُتَّصِلاً / ويَنْظُرونَ بماذا عنه مُنْصَرَفي
ومن عجائبِ ما لاقَيتُ من زمنٍ / مُغْرَى الحوادِثِ بالأحْرارِ مُعْتَسِف
أنّ الطِّرازِيَّ أيضاً معْ حَقارتِه / يَمُدٌُ نحوَ معاشي كَفَّ مُخْتَطِف
ولو حلَفْتُ يَميناً أنَّ عِدَّتَه / من الحميرِ لَما استَثنَيْتُ من حَلِفي
ومَوضعي مَوضعي من حُسْنِ رأيكمُ / ففيمَ يَطمَعُ لولا شِدّةُ الخَرَف
يُذْري الدُّموعَ على أرْجانَ من سَفَهٍ / إنّ الكلابَ لَحسّادٌ على الجِيف
هذا وأرْجانُ مالي من فَوائدِها / مع الوِلايةِ غيرُ الحَمْلِ للكُلَف
إذا القُضاةُ تَجارَوْا في مسَائِلهمْ / لم تَهْذِ إلا بذِكْرِ البِيضِ والحَجَف
هذي خصومي وهذا فاعجبوا عملي / لقد بُليتُ بسُوء الكَيلِ والحَشَف
فاصدَعْ بأمْرٍ هَداكَ اللهُ من مَلِكٍ / يُميُّز اليومَ بينَ النُّكْرِ والعُرُف
وارفَعْ مَحلّي بلفظٍ منك مُشتهِرٍ / يَثْني الحسودَ بمَتْنٍ منه مُنقَصِف
وانظُرْ إلى خِلّةٍ بالحالِ مُزْريةٍ / تَبدو وأَرْخِ عليها السّتْرَ من ظَلَفي
وابسُطْ يميناً كصَوْبِ المُزْنِ ماطرةً / واسمَعْ ثَناءً كنَشْرِ الرَّوضَةِ الأُنُف
ما في بني زمني إلاّك ذو كرَمٍ / يظَلُّ يَأْوي الفتى منه إلى كَنَف
واسلَمْ ففيكَ لنا مِمّنْ مضَى خَلَفٌ / وليس عَنك فلا نَعدَمْكَ من خَلَف
في ظلِّ عُمْرٍ كَعُمْرِ الدَّهرِ مُتّصِلٍ / وشَمْلِ مُلْكٍ كنَظْمِ العِقْد مُؤتَلِف
يا مَن لصَبٍّ بأطْرافِ المُنَى عَلِقِ
يا مَن لصَبٍّ بأطْرافِ المُنَى عَلِقِ / يُبِيتُه الشَوْقُ مَطْوِياً على حُرَقِ
إنّ الّذين غَدَوْا بالعيسِ وانطلَقوا / قالوا لدَمْعي على آثارِنا انْطَلِق
يَزدادُ دَمْعي على مِقْدارِ سَيرِهمُ / تَزايُدَ الشُّهْبِ إثْرَ الشَّمس في الأُفق
لم أَنسَهُمْ وحُدوجُ الحَيِّ سائرةٌ / تَستَنُّ بالقاعِ كالمَلْمومةِ السُّحُقّ
من أَيمَنِ القارةِ الزَّوراءِ سِرْبُ مَهاً / سارَتْ إلى القارةِ الجَأْواءِ في حِزَق
يَرمُون بالحَدَقِ الأبطالَ عن عُرُضٍ / ودونَها قَومُها يَرمونَ في الحَدَق
من كلِّ بيضاءَ في حمراءَ في كِلَلٍ / كما استَجنَّ قِناعُ الشّمسِ في الشَّفَق
صَدَّتْ مُراقَبةَ الواشينَ والْتفتَتْ / بناظرٍ غَنِج عن ناضِرٍ شَرِق
وقاطعَتْني لأنْ سارَقْتُها نظَراً / وليس في الحُبِّ قَطْعُ الصَّبِّ بالسَّرَق
يَشكو إليَّ زماني صاحبي عجَباً / وكيفَ يَستنجِدُ المُبتَلُّ بالغَرِق
هَوِّنْ عليك فإنّ الدّهْرَ ذو غِيَرٍ / وكُلُّ مُجتَمعٍ يَوماً لِمُفْتَرَق
حَذِّرْ أخا البَغْيِ ما تَجْني عواقبُه / وقُلْ لسَكْرانَ صَبراً إن تعِشْ تُفِق
إنّا لفي زمَنٍ مَلآنَ من فِتَنٍ / فلا يُعابُ به مَلآنُ مِن فَرَق
ومَعْشَرٍ شَرُّهمْ دانٍ وخَيرُهمُ / مَكانَ بَدْرِ الدُّجَى من باعِ مُعتَنِق
أدْنَى إليهمْ خُلُوُّ الرَّبْعِ مِن أَنَسٍ / وطالما كرَع الظَّمآنُ في الرَّنَق
قُلْ للّذي شَخْصُه في القَصْرِ مُحتَجِبٌ / وعِرْضُه الدَّهْرَ مَطروحٌ على الطُّرُق
يَشْري الثّناءَ ولا يُعْطي به ثمناً / وذاك مَبلَغُ رأْيِ الجاهلِ الحَمِق
لَحاكُمُ اللهُ من أغصانِ عاريةٍ / من النّدى والجَنَى والظِّلِّ والوَرَق
إذا ما مدحْناهمُ لم يُوقَظوا كرَماً / وإن تركْناهمُ ناموا على حَنَق
ونَستسِلُّ إذا ازْوَرُّوا سَخائمَهمْ / بكلِّ مَنظومةٍ كاللُؤْلُؤِ النَّسَق
مَدائحٌ لاتّقاءِ الشَّرِّ تَحسَبُها / رُقَى العقاربِ تُكْسَى أَوجُه الوَرق
أعناقُكُمْ مِلْؤها دُرّي وليس لكمْ / وأحمَدُ اللهَ أدنَى المَنَّ في عُنُقي
وما خُلِقْنا حَماماتٍ لنُطْرِبَكمْ / شَجْواً ونَملِكَ أطْواقاً منَ الخِلَق
واللهِ لولا مُحاماتي وإن لَؤُموا / على الكريمَيْنِ من نَفْسي ومن خُلُقي
إذنْ لسارَتْ بما يُخزيهمُ كَلِمٌ / أُزِلُّها من حواشي مِقْوَلٍ نُطُق
إذا شَنَنْتُ على عِرْضٍ أوابدَها / أَجلَيْنَ عن قِدَدٍ منها وعن مِزَق
تَهتَزُّ منهنّ أعطافُ الورَى طَرباً / إلاّ الّذين أباتَتْهمْ على قَلَق
كالسَّيفِ يَحْمَدُه غيرُ القتيلِ به / يومَ الجِلادِ إذا ما احْمَرَّ من عَلَق
سَمالَك العارِضُ الشَرقيُّ فائْتلقَا
سَمالَك العارِضُ الشَرقيُّ فائْتلقَا / وواصَل الأُفُقَ المَهجورَ فاعْتنَقا
وَبَشّرَ الرَّوضَ عنه وهْو مُبتَسِمٌ / ثَغْرٌ من البَرِقِ لولا الرَّعْدُ ما نَطَقا
تَبيَّن الصُّبْحُ في وَجْهِ السّماء به / فما تَمهّلَ إلاّ رَيثَما بَزَقا
فطبّقَ الأفُقَ الأعلَى فحَجَّبَه / عنِ العيونِ وأضحَى دونَه الأفقا
إذا استطارَ سَناهُ وهْو مُتَّصِلٌ / حَسِبْتُه عارِضاً عن شَمْسِه فَتَقا
هُمْ نازلونَ بقلبي أيّةً سَلكوا
هُمْ نازلونَ بقلبي أيّةً سَلكوا / لو أَنّهمْ رفَقُوا يوماً بمَنْ مَلَكوا
ساقوا فُؤادي وأبقَوا في الحَشا حُرَقاً / للهِ ما أَخَذوا منّي وما تَركوا
لمّا بكَوا لا بكَوا والرَّكْبُ مُرتحلٌ / من لَوعةٍ ضحكَ الواشونَ لا ضَحِكوا
زَمُّوا وقد سَفَكوا دَمعي ركائبَهمْ / فكدْتُ أُغرِقُ ما زمُّوا بما سَفَكوا
وراعَني يومَ تَشْييعي هَوادجَهمْ / والعيسُ من عَجَلِ في السّيْرِ تَبتَرِك
سِترانِ سِتْرٌ عنِ الأقمارِ مُنفَرِجٌ / يُبدي وآخرُ للعُشّاق مُنهَتِك
ثُمّ انثَنَيْنا وما من راحلٍ أَثَرُ / إلا خيالٌ برَحْلي في الدُّجَى سَدِك
أَضُمُّ جَفني عليه حينَ يَطْرُقُنُي / كما يُضَمُّ على وَحشيَّةٍ شَرَك
ما روضةٌ أَضحكَتْ صُبحاً مبَاسِمَها / دُموعُ قَطْرٍ عليها اللَّيلَ تَنسفِك
فالنّرجِسُ الغَضّ عَينٌ كلُّها نَظَرٌ / والأُقحوانةُ ثَغرٌ كُلُّه ضَحِك
وللشّقائقِ زِيٌّ وسْطَها عَجبٌ / إذا تمايَلْنَ والأرواحُ تأتَفِك
حُمْرُ الثِّيِابِ تُطيرُ الرّيحُ شائلةً / أَذْيالَها وهْيَ بالأَزْرارِ تَمتَسِك
إذا الصَّبا نَبَّهَتْ أحداقَها سحَراً / حَسِبْتَ مِسْكاً على الآفاقِ يَنْفَرِك
أَنَمَّ طِيباً وحَلْياً من ترائِبها / إذا اعتَنقْنا وخَيلُ اللّيلِ تَعتَرك
وللسّماءِ نطاقٌ من كَواكِبها / عُقدْنَ منه على أعطافها حُبُك
قد أشْعَلَ الشّيْبُ رأسي للبِلى عَجِلاً / والشّمعُ عند اشْتعالِ الرّأسِ يَنْسبك
فإن يَكُنْ راعَها من لَونهِ يَقَقٌ / فطالما راقَها من قَبْلِه حَلَك
عَرفْتُ دهري وأهليه ببادرتي / من قَبلِ أن نَجّذَتْني فِيهمُ الحُنَك
فلا حَسائكَ في صَدري على أَحدٍ / منهم ولا لَهمُ في مَضْجَعي حَسَك
ولا أُغَرُّ ببِشرٍ في وجُوهِهمُ / وربّما غَرَّ حَبٍّ تحته شَبَك
سارتْ مطايا رجائي فيهمُ فغدَتْ / رَزْحَي من اليأسِ حتّى ما بها حَرَك
أُنيخُها ضَلّةً منهمْ إلى عُصَبٍ / حاشا الكرامَ إذا سِيلو النّدى وَعِكوا
ويَتركُ الحِلْمُ منّا لُدَّ ألسِنةٍ / وهُنّ كاللُّجمِ في الأفواهِ تَنعلِك
ورُبَّ طائفةٍ لم يكظِموا فشكَوْا / أقلَّ شيءٍ كما لم يكْرُموا فَشُكُوا
إلاّ تكُنْ مُسكةٌ للمالِ مُقنعةٌ / فالعقلُ والصّبرُ عندي منهما مُسَك
حتّى متَى وإلى كم يا زمانُ أَرى / منك الخطوبَ بجَنْبي وهْي تَنعرِك
أَبعْدَ عدلِ نظامِ المُلكِ تَحمِلُ لي / ذَحْلاً وخلْفَك منه ثائرٌ مَحِك
أَغَرُّ لا مَجدُه المَحسودُ مُشتَرَكٌ / كَلاّ ولا مالُه في الجودِ مُشترَك
فَمجدُه خالصاً دونَ الأنامِ له / ومالُه خالصاً للوَفْدِ مُمْتَلَك
يا مُتعِباً نفسَه في أن يُساجِلَه / أينَ السّماكُ إذا قايَسْتَ والسَّمك
دَعُوا الوِزارةَ عنكمْ تَربَحوا نَصَباً / فالحَبلُ في الدُّرّ مِمّا ليس يَنْسَلِك
وَرِثْتُمُ يا بَني إسحاقَ مَنْصبَها / فما لغَيرِكمُ في إرثِكم شِرَك
أنتمْ فَرازينُ هذا الدَّسْت نَعلَمُكُمْ / وهمْ بَياذِقُه إن صُفَّ مُعتَرَك
فما تَفرْزنَ منهم بَيذَقٌ أبداً / إلاّ غدا رأسُه في التُّرْبِ يَنمَعِك
كم رامَ أن يتَعاطى ذاك غيُركمُ / فخاضَه تائهٌ في الغَىِّ مُنهَمِك
وقام بالأمرِ لكنْ قائمٌ عجَبٌ / كما تُريكَ خيالَ القائمِ البِرَك
حتّى أُعيدَتْ إلى ذي مِرَّةٍ يَقِظٍ / من الّذين إذا هَمّوا بها فَتكوا
أما تَرى ما رأى السُّلطانُ مُرتَضياً / في مُلكِه كُلُّ ما يأتي وَيتَّرك
ألقَى إليك الّذي ألقَى أبوه إلى / أبيكَ في المُلْكِ والأحوالُ تَشتَرِك
فلا يَزلْ مُمْتَعاً كُلٌّ بصاحبِه / ولا تَزلْ هذه الأنسابُ تَشتَبِك
فلم يُصادِفْ وزيرٌ مثلَه مَلِكاً / ولم يُصادِفْ وزيراً مثلَه مَلِك
في دَسْتِه قَمرٌ في دِرعهِ أَسد / في حَفْلِه مَلِكٌ في سرِّه مَلَك
إذا عَددْنا سِنيهِ فهْو مُقتَبِلٌ / وإنْ ذكرْنا حِجاهُ فهْو مُحتَنِك
تَظلُّ في كَفّه الأقلامُ من كَرَمٍ / للنّاسِ أسخَى منَ الأحلامِ تَنشبِك
تَسعَى له مثْلما يَسعَى الزّمانُ لها / كُلٌّ بهامَته ماشٍ له حَرِك
جَذْلانُ يَرْمي العِدا بالخيلِ عاديةً / مُشيحةً فوقَها الأبطالُ والشِّكَك
يَظلُّ يَنفَحُ من أعراضِهم عَبَقٌ / وللحديدِ على أثوابِهم سَهَك
كأنّ أوجُهَهمْ والرَّوعُ يَبذُلُها / عِزّاً دَنانيرُ لم تُنقَشْ لها سِكَك
من كُلِّ أَزْهرَ مثْل النّجمِ يَحملُه / طَودٌ له اللّيلُ مِسْكٌ والضُّحَى مَسَكُ
حتّى رأَوْها أُسوداً ما بِها عَزَلٌ / تُزيرُ فوق جبالٍ ما بها صَكَك
طرَقْنَ حيَّ العدا في عُقْرِ دارِهمُ / والنّومُ مْلء ُجُفونِ القَومِ لو تُرِكوا
والطَّعنُ يَنسِجُ أشطانَ القنا ظُلَلاً / تُلقَى على فُرَجِ الحُجْبِ الّتي هَتَكوا
إلى ذُراكَ قِوامَ الدِّينِ سارَ بنا / خُوصٌ كما اصطَفَّ من نَخْلِ القُرَى سِكَك
مُدَّتْ على اسْمِكَ أطرافُ الحبالِ لها / وأُغْشِيَتْ أُخْريَاتُ الأرحُلِ الوُرك
وثَوَّروهُنّ أدْنَى خَطْوِها سَفَرٌ / شَوقاً إليك وأبطا مَرِّها رَتَك
تَسْري طَوالبَ أيديها بأرْجُلِها / مَدَّ اللّيالي فلا فَوْتٌ ولا دَرَك
حتّى تَرى مَلِكاً تَشْفَى برَؤْيتِه / من الزّمانِ صُدوراً كلُّها حَسَك
يَحُطُّ قوماً ويَعلو آخَرونَ به / كما يُديرُ نُجومَ اللّيلةِ الفَلَك
اليومَ عاش نظامُ المُلْكِ ثانيةً / وكم مَعاشر عاشوا بعدَ ما هَلَكوا
فاللهَ نَسألُ أن يُبقيكَ ما بَقيَتْ / آثارُه فَهْي حَبْلٌ ليس يَنْبَتِك
وهاكَها تُوقرُ الحُسّادَ من كَمَدٍ / كأنّما هيَ في أسماعهمْ سِكَك
قَوافياً بدويّاتٍ وما بعَثَتْ / بها من البَدْوِ لا عُرْضٌ ولا أَرَك
جاءتْ بهنّ يدٌ بيضاءُ فانتظمَتْ / زُهْراً تَلقَّفُ للأقوامِ ما أَفِكوا
زُفّتْ إلى أحمدَ المحمودِ واجتنَبتْ / قَوماً إذا خَطَبوا أبكارَها فُرِكوا
يا مُدرِكاً رُتَباً ما بعدَ ذِرْوتِها / إلاّ الدّوامُ فَدُمْ للمَجْدِ تَدَّرك
سِحْرٌ من الشِّعْرِ أعجَزْتُ الفُحولَ به / وأعجزَتْنيَ حتّى بِعْتُها الرَّمَك
لمّا دُفِعْتُ إلى دَهْرٍ تَنمّرَ لي / برائعاتٍ فأَمْرِي بينها لَبِك
العَقْلُ فيه عِقالٌ والسُّدادُ سُدىً / والفَضْلُ فيه فُضولٌ والنُّهى نَهِك
قد بِعْتُ طِرْفي وهذا مِطْرَفِي وغداً / أَبيعُه ولِطَرْفِي أدمُعٌ سُفُك
مَدْحي الملوكَ وأكْلي الكَفَّ مُقتنعاً / هذا لعَمرُكَ في أيّامكمْ هُتَك
فاسمَعْ مقالي رعاكَ اللهُ من مَلكٍ / واعْدِلْ فعَبْدُك دهري ظالمٌ مَعِك
طال المُقامُ ونالَ الصّبرُ غايتَه / وتاهَ في أمره حَيرانُ مُرتبِك
فاعْطِفْ فإنّ حِمَى العلياء مُنْتَهَبٌ / إن لم تُغِثْ وحَريمَ المجدِ مُنْتَهِك
وأْمُرْ بها بِدَراً يُنحَرنَ تامِكةً / كما يُقرَّبُ عند المَوسمِ النُّسك
واعْدُدْ بكفَّيك أعياداً مُعاودَةً / ما دام جُنحُ الدُّجَى بالصُّبحِ يَحتبِك
أشاكرٌ أنا للأيّامِ أمْ شاكِ
أشاكرٌ أنا للأيّامِ أمْ شاكِ / فقد أَرى صَرْفَها يا نَفْسُ عَنّاكِ
أدناكِ من بلدٍ فيه البَديعُ ومن / لُقياهُ أقصاكِ ظُلْماً حينَ أدْناك
فليس عندَكِ من آثارِه أثَرٌ / إلا مقالةَ راوٍ عنه أو حاك
ولو غدَوْتِ بهذا منه قانعةً / لما حدا نحوَه الحادي مَطاياك
بل إنّما أنتِ يا نَفْسي مُقصِّرةٌ / فلِمْ تُطيلينَ للأيّام شَكْواك
لِمْ لستِ تَلقَيْنَ قَصْداً مَن على يدِه / أضحَتْ أيادي مُلوكِ الأرضِ تَلْقاك
وقد رأيتُكِ لمّا مَسَّه ألَمٌ / لم تَكْتَحِل بالكَرى يا عَينُ جَفْناك
وقَلَّ منّا لَوَ أنّا مِن مَحبَّتِه / يا وطْأةً في الثّرى منه فدَيْناك
حاشاهُ أن تُصبِحَ الأيّامُ خاليةً / منه كما أنتِ يا أيّامُ حاشاك
وما إخالُكِ يا دُنْيا بمُنكرةٍ / أَن كنتِ من قبلُ عُطْلاً وهْو حَلاّك
لمّا غدا عِقْدُ آدابٍ به انْتظمَتْ / أشتاتُها جعلَتْه تاجَ أمْلاكِ
له يَدٌ تُعمِلُ الأفلاكَ دائرةً / فلا اعْتَراها بسُوءٍ دَوُْر أفلاك
كم قد كَساكِ نِطاقَ الشُّهْبِ أنمُلهُ / وكم إذا شاء يا أفلاكُ أعْراك
ولم يَشُدَّ بخَصْرٍ منكِ مَنطِقةً / إلاّ لكَي تَخدُمي ما عِشتِ مَوْلاك
لا تَبْلُ منه بَنانٌ من لَطافتِه / كم قد أجدَّكِ للرّائي وأبْلاك
له العلومُ لعَمْري والعُلُوُّ معاً / يَحْويهِما خاطِرٌ رقّاهُ إيّاك
كم صافحَتْ كفُّه من مَرّة لك يا / كفَّ الثُّريّا وإنْ لم تَرضَ علْياك
رُزِقْتَ يا نجمُ منه لَمسةً عَرَضتْ / وكنتَ كَفَّ دُجىً سَوداءَ إذْ ذاك
فما أَظُنُّكَ إلاّ أنّه كَرماً / بالنُّورِ من يَدِه البَيْضاءِ أعْداك
يا مَن يُلاقي جُيوشَ اللّيلِ طارِقةً / إذا غزا بسِلاحِ للنُّهَى شاك
أعِنْ على مَشْهدٍ أصبحْتَ ثانيَه / جُوداً بمُسْعدِ عُبّادٍ ونُسّاك
ذي جزعَةٍ سِلْكُها ماءٌ إذا انخَرطَتْ / فيهِ تَتابعَ مَوْصولاً بأَسْلاك
يَبكي بدَمعٍ مُعارٍ وهْو مِن كَرَمٍ / يُعيرُ مَن شاءَ طَرْفَ السّاهرِ الباكي
ولا يُرى قائلاً إلاّ وفي فَمِه / ماءٌ مقالَ صَدوقٍ غيرِ أَفّاك
يَنوبُ عن كلِّ شَمسٍ إنْ هي احتجَبتْ / مَنابَ ذي ناظرٍ للحُجْبِ هَتّاك
مُلْقىً بأرضٍ وأخبارُ السّماءِ له / إن لم يَزُغْ مُدْرَكاتٌ أيَّ إدْراك
خِلْوٌ إذا اللّيلُ من تحتِ النّجومِ بَدا / كَسُودِ أغْرِبةٍ في بيضِ أشْراك
لكنْ يَبيتُ أخا شَجْوٍ إذا انتقَبَتْ / بعارِضٍ مُسبَلٍ للدَّمْع سَفّاك
فحُزْ مَحامِدَ تَبقَى في الزَّمانِ به / فأنت من مَعشَرٍ للحَمْدِ مُلاّك
ما كنتُ تارِكَ شُكْري وحدَه كرَماً / فلستُ للأجرِ معْ شُكري بتَرّاك
إن كنتُ قِستُكَ بالأقوامِ في خُلُقٍ / فإنّما قِستُ تَوحيداً بإشراك
فاصْبِرْ على كُلَفِ الإخوانِ إن سَنَحَتْ / كَصبرِ أَرْوعَ بالأقرانِ فَتّاك
لا تَحسبَنّ اجْتناءَ المجدِ مُحتقَراً / إنّ العُلا وَردُه ما بَينَ أَشْواك
إنّ الجِنانَ هَدِيٌّ أنت خاطبُها / ومَهْرُها عَمَلٌ من عامِلٍ زاك
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً / فاسمَع بعَيْشِك ما العِراقُ يقولُ
بَغدادُ لي خَدٌّ ودجلةُ دمعةٌ / أسفاً عليك مدَى الزّمانِ تَسيل
قد كنتَ حَلْياً فاستُرِدَّ مُعارُه / وكذاكَ حالاتُ الزّمانِ تَحول
للشّمسِ من أُفُقِ السّماء إذا هوَتْ / بدَلٌ ومالكَ لا عَدِمْتَ بَديل
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً / وقد لَقِيتُ من الأيّامِ أَهْوالا
تَجمّعَتْ عِلَلٌ شَتَّى فما تَركَتْ / عليّ جِسماً ولا فِكْراً ولا حَالا
أشكو إلى اللهِ مَن عادَتْ بهمْ حُرَقاً / بَناتُ صَدْري وكانتْ قبلُ آمالا
وسَفرةٌ سَفَرَتْ لي في فِنائِهمُ / عن وجْهِ شَمطاءَ لا حُسْناً ولا مالا
لمَّا طَرَقْتُهمُ مُستَبضِعاً أَدَباً / وأين مَن كان يَقْرى الفَضْلَ أفضالا
حَمّلتُ عِيسي إليهمْ ثَروةً وصِباً / وعُدْتُ مُحتقِباً شَيْباً وإقْلالا
فإنْ جرَتْ عَبَراتي لم يكنْ عجَباً / فالخَدُّ كالقاع يَجْلو الماءَ والآلا
وزادني أسَفاً أنّي غداةَ غَدٍ / أُسامُ يا ابْنَ المُعافَى عنك تَرْحالا
مُفارِقاً منك نَفْساً حُرّةً ونُهىً / جَمّاً وعذْباً من الأخلاق سَلْسالا
وعالياً من هِضابِ المَجْدِ مُمتَنِعاً / وحالياً من رياضِ الفَضْلِ مِحْلالا
ومن سجايا اللّيالي سَعْيهُا أبَداً / حتّى تَعودَ مَغاني الأُنْسِ أطلالا
لا أصبحَ المجدُ من بالي ومن أربَى / إن كنتُ عنكَ بسَيْري ناعِماً بالا
لولا الفُرَيْخانِ والوَكْرُ الَّذي بَرّحَتْ / به الحوادثُ والمُكْثُ الّذي طالا
لَما تَبدّلْتُ من دارٍ تَحُلُّ بها / داراً ولو مُلِئتْ عَيْنايَ إبْلالا
ولا سلَلْتُ يدي من بَعْدِ ما عَلِقتْ / لديكَ من بُردةِ العَلياءِ أذْيالا
وكيف أَجْحَدُ ما أَولَيْتَ من نِعَمٍ / يا أكرمَ النّاسِ كُلِّ النّاسِ أفْعالا
ساروا يُريدونَ أمراً حاولوا أَمَماً / مُعَلِّقينَ به الآمالَ ضُلاّلا
وأكبَرُ الحَظِّ في الأيّامِ قُربُكمُ / مَن فاتَهُ ليتَ شِعْري ما الّذي نالا
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ / بك المَعالي برَغْمِ المَعشَر الخُذَّلِ
وما دُعِيتَ ضياءَ الدّينِ عن عَبَثٍ / لكنْ لنورٍ على أهليه مُشْتَمِل
طلَعْتَ نجماً إذا استَنَّتْ بسِيرتِه / بنو الرّئاسةِ لم تَضْلِلْ عن السُّبُل
كم قد تَطَلّبْتُ في الدّنيا أخا كرَم / مَحْضٍ فلم أَرَ إلاّ أَحمدَ بْنَ عَلي
فتىً إذا جئْتَه تَبْغي فَواضِلَه / أعطاك كُلَّ الأماني ثُمَّ قال سَل
فَرْدٌ بلا مَثَلٍ في النّاسِ وهْو لهم / في كُلِّ معنىً حَميدٍ غايةُ المَثَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لك وهْو النّاسُ في رَجُل
لن تَقْدِرَ النّاسُ أن تُحصي مَحاسِنَه / وإن قَنِعْتَ من التّفْصيلِ بالجُمَل
كأنّه البيتُ مَبذولٌ لزائره / رُكْناهُ وهْو عزيزٌ غَيرُ مُبتذَل
لأَشكُرنَّك ما ناحَتْ مُطوَّقةٌ / معَ الغُدُوِّ على أَيْكٍ أَوِ الأُصُل
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ / لِمُشْبِهاتِك بالأجيادِ والمُقَلِ
غِزْلان وَجْرةَ يَخلُفْنَ الحِسانَ بها / وليس كُلُّ غزالٍ صِيغَ للغَزَل
وأين وَحْشُ الفلا منها إذا سنحَتْ / معَ الغداة لعَيْنٍ أو معَ الأُصُل
لو أنّ سالفةَ الأَدْماء حاليةٌ / لم تَحْكِ سالفةَ الحسناء في العَطَل
ولا المَهاةُ لها شِبْهاً إذا كُحِلَتْ / لوِ اكتفَتْ عينُها المَرهاءُ بالكَحَل
كم أَدمُعٍ ذُلُلٍ فاضَتْ غداتَئِذٍ / فسايَرتْ ما حدَوْا من أَينُقٍ ذُلُل
وأنفُسٍ كَرُمَتْ منّا نَفائسُها / لو لم تَسِرْ ظُعْنُهمْ في الصُّبْح لم تَسَل
أفدي الّتي رحلَتْ عنّا مُغاضِبةً / فقال وَجْدي لقَلْبي اثْرَها ارْتَحِل
فَرُحْتُ أتبَعُ ظُعْنَ الحَيّ يَحْمِلُني / نَهْدٌ من الخَيل مثلُ البَرْقِ ذو خُصَل
يَرْدي بذي صَبْوةٍ للخَوْفِ مُطّرِحٍ / بالسّيفِ مُتَّشحٍ للرُّمْحِ مُعْتَقِل
لمّا لَحِقْتُ بأُولَى العِيسِ سائرةً / عَلِقْتُ فضْلَ زِمامِ الرّاكبِ العَجِل
مُحاوِلاً ردَّها والخَيلُ مُعرِضَةٌ / وبينَ آذانِها سُمْرُ القَنا الذُّبُل
حتّى إذا ما دَنَتْ منّي مَنالَ يَدٍ / لو مَدَّ صَبٌّ وإنْ عَزَّتْ فلم تُنَل
قالَت وخَيلُ النّوَى للصّبر ناهبةٌ / وشمسُ غُرَّتِها في قَبْضةِ الطّفَل
أأنت يُوشَعُ تَبْغي أن أُرَدَّ وقد / غَربْتُ في شَفَقٍ من حُمْرةِ الكِلَل
كم دونَ جَذْبِ جَديلٍ يومَ ذاك لها / من فارسٍ لسَراةِ الخَيْلِ مُنْجَدِل
أحْلَلْتُ منه سِناني حيثُ حَلَّ به / منّي الهَوى فكلا القلبَيْنِ لم يَئل
وقلتُ خُذْ مَصْرَعاً في الحربِ من بطلٍ / بمَصْرَعٍ مثْلهِ في الحُبِّ من بَطَل
فاليومَ راجَعني لُبّي وشايَعَني / صَحْبي وأقْصَرتِ العُذَّالُ عن عَذَلي
زَررْتُ صَبْري على صَدْري مُضاعَفَةً / فما أُبالي برَشْقِ الأَعْيُنِ النُّجُل
بنسِجِ داودَ منّي القَلْبُ مُدَّرعٌ / إن كان طَرْفُكِ أضحَى من بني ثُعَل
ذَرى فؤادي وقد عَذَّبتِه زَمناً / بالمجدِ من بَعْدُ دونَ الوَجْدِ يَشْتَغِل
يا صادياً ملأ الأحشاءَ من ظَمَأٍ / ناراً وقد خَلَتِ الآفاقٌ من بَلَل
دَعْ عنكَ يُمنَى ويُسرَى غيرَ مُجدِيةٍ / واقْصِدْ أَمامك فاطْلُبْ مُنتَهى السُّبُل
واعْلَمْ إذا قلتُ رِدْ بالعيسِ بَحرَ نَدىً / أنّي على غيرِ عزِّ الدّينِ لم أَحُل
فالبَحرُ أسماؤه شتّى وأَشْهَرُها / على اصطلاحِ بني الآمال كَفُّ عَلي
في كلِّ أنمُلَةٍ منها إذا انْتَجعَتْ / تَجْري بحارُ ندىً للمُعْتَفي خَضِل
تُروي الورَى قَطْرةٌ منها لوِ انفَردَتْ / لكنْ لها الدَّهْرَ فَيْضٌ غيرُ مُنْفَصِل
مَنِ اشتَهى أن يَرى شَخْصَ الكمالِ فقُلْ / له بوَجْهِ كمالِ الدَّولةِ اكْتَحِل
أغَرُّ أشْرفَ سلطانُ الأنامِ به / على الممالِك مثلَ العارِضِ الهَطِل
إذا سَما وسَم الدُّنيا وُسومَ نَدىً / يُحْيي بها الأرضَ من سَهْلٍ ومن جَبَل
يَحْمي بها مَجْدَهُ من كَفّ مُجْتَذِبٍ / ومالَ سُلطانِهِ مِن كَفِّ مُخْتَزِل
مهما تأمّلَ أعيا كُلَّ ذيِ عَمَلٍ / إخفاءَ حالٍ وأحيا كُلَّ ذي أَمَل
فحاطَك اللهُ يا مَن حاط مَكرمةً / عبادَهُ بِندىً كالقَطْرِ مُتّصِل
من مُشْرِفٍ مُسْرفٍ في الجودِ تُبصِرُهُ / بالشِّينِ والسِّينِ يَغْدو غايةَ المَثَل
كم قلتُ حينَ ملأْتُ العَينَ من عَجَبٍ / لِما رأيتُ بأمرِ النّاسِ من خَلَل
ما للممالكِ تَغدو وهْي مُهمَلَةٌ / وللكُفاةِ وهمْ فيهِنَّ كالهَمَل
فكم تَرى رجلاً فيها بلا عمَلٍ / وكم تَرى عَمَلاً فيها بلا رَجُل
لو قَسَّم الماءَ ما بين الظِماء يَدٌ / بالعَدْلِ لم يَبْقَ فوق الأرضِ ذو غُلَل
حتّى انجلَتْ عُقَبُ الأيامِ عن فَطِنٍ / برَأْيِه صَحّت الدُّنيا منَ العِلَل
وجاءنا فكأنّ الشّرَّ ما خُلِقَتْ / أسبابُهُ وكأنَّ الخيرَ لم يَزُل
لم يُرضِه آنِفاً من بُعْدِ هِمَّتهِ / تَقْويمُهُ عَصْرَه من ذلك المَيَل
حتّى أَبَتْ نَفْسُهُ إلاّ مُؤاخَذةً / بما جنَى الدَّهرُ في أيّامِه الأُوَل
وأصبحَتْ دَولةٌ زادَتْ مَيامِنَها / لُقياه وهْي به من أكمَلِ الدُّوَل
يَسوسُها حَدِبٌ ماضٍ عزائمُه / أقلامُه دونها أمضَى مِن الأَسَل
ومُقْبِلُ الجَدِّ مَأْمولٌ مواهبُه / أبوابُه أبداً للنَّاسِ كالقِبَل
بادي الوقارِ يَراهُ مَن تَأمَّلَه / طَوداً ويَمْضي مَضاءَ السَّيفِ في القُلَل
كأنّه الفَلَكُ الدَّوّارُ حينَ يُرَى / وقد أظَلَّ الورَى عَجْلانَ في مَهَل
إن سارَ بالخَيلِ غَصَّ الجَوُّ من خَبَبٍ / نَقْعاً وإِن حَلَّ غَصَّ الأرضُ بالخَوَل
مُوفٍ على مُلْجَمٍ بالنَّجْمِ تَحسَبُه / للنّاظرِين وبالجَوزاء مُنْتَعِل
ذي غُرّةٍ وحُجولٍ وُضَّحٍ عَلِقَتْ / منها بأطرافِها خَمْسٌ من الشُّعَل
كأنّما هو من ماء الصَّباحِ له / لمّا توضْأَ لم يُسْبِغْ على عَجَل
ما إن رأى أحَدٌ من قَبْلِ فارسِه / شَمْساً مَطالِعُها أوْفتْ على زُحَل
للهِ ملْثومُ ظَهْرِ الكَفِّ من شَرَفٍ / أَدْنَى نَداهُ يُريكَ البَحرَ كالوَشَل
خِرْقٌ إذا جئْتَه تَرجو فواضِلَه / أعطاكَ فوقَ الأماني ثمّ قالَ سَل
عَجِبتُ من قَلَمٍ في كَفِّ ذي كَرَمٍ / في الجودِ مُنْسكِبٍ بالرَّأْيِ مُشْتَغِل
رمَى فقَرطَس أغراضي بلا خَطأٍ / لمّا وشَى متْنَ قِرطاس بلا خَطَل
وجال في ذلك المِضْمارِ يكتبُ لي / ما ذِكْرُه بَعدُ في الإضمارِ لم يَجُل
ولم يكُنْ من فمي يُمْلي على يَدِه / لكنّما جُودُه أمْلَى على أَملي
ألا فَحُيِّيتَ من ذي هِمّةٍ فعَلَتْ / بَنانُه ما لِساني بَعْدُ لم يَقُل
أَبدَى صَنيعُكَ تَقصيرَ الزّمانِ ففي / خَدِّ الرّبيع طُلوعُ الوردِ من خَجَل
قَومٌ سأَلْنا فلم يُعْطُوا وإن قَدَروا / فِداءُ ذي كَرَمٍ أعْطَى ولم نَسَل
لقد رقَيْتُ مُسيءَ الدَّهرِ لي بِرُقىً / فلَلْنَ عنّي شَبا أنيابِه العُضُل
وكم تَعصَّبَ من جَهْلٍ عليَّ إلى / أن رُعتُه فأبَى إلاّ التَعصُّبَ لي
شَرَحْتَ صَدْريَ عنْد الصَّدْرِ في حُجَجٍ / أَوردْتَها لي ومَنْ يَسْمَعْ بها يَخَل
حتّى أَنلْتَنِيَ التَّشريفَ مُؤْتَنِفاً / منه وأيَّ نوالٍ أنتَ لم تُنِل
جعَلْتَني ساحباً ذيلَ القشيبِ له / وكنتُ أقنَعُ لو مُتِّعْتُ بالسَّمَل
وسَرَّ عِليةَ أهْلِ العَصْرِ قاطبةً / ما قد صنَعْتَ على رَغْمٍ منَ السَّفِل
فدام دولةُ مولانا الوزيرِ لنا / ودُمتَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنْتَقل
إن تَتْبَعِ العُرْفَ تَعْريفاً بدأْتَ بهِ / فلستَ بالرِّفدِ بعدَ الرِّفْدِ ذا بَخَل
الجاهُ والمالُ إن واليتَ بينهما / كالجَمْعِ لِلرِّيِّ بينَ العَلِّ والنّهَل
جاءتْكَ مَشمولةً صِرْفاً سُلافَتُها / من كَفِّ فكْرٍ على حُبِّيكَ مُشْتَمِل
إذا أُديرَتْ على الأسماعِ مالَ لها / عِطْفُ الكريمِ كمَيْلِ الشّاربِ الثَّمِل
فهاكَ من مادحٍ للشُّكْرِ مُرْتَجِلٍ / ما قال في ماجدٍ للبِرِّ مُرتَجِل
واسْمَعْ فذاكَ ثناءٌ غيرُ مُنتَحَلٍ / وانْظُرْ فهذا ولاءٌ غيرُ مُنتَحَل
بالشِّعْرِ يَفْخَرُ قَومٌ وهْو يَفْخَرُ بي / إن عُدَّ مِن قَوليَ المَشْهورِ أو عَمَلي
أقسمْتُ لولا مَعانٍ يَخْتَصِصْنَ به / لم يَلتَفِتْ نحوَهُ طَبْعي ولم يَمِل
فما يَقَرُّ بعيْني أن يُرَى أبداً / فِكْري بوَضْعِيَ عن فِعْلي له شُغُلي
كما غدا قِبَلَ الأيّامِ لو سمَحوا / لي مَطْمعٌ فللأقوامِ غدا قِبَلي
حنّتْ جِمالي وحَثّتْ للرَّحيلِ بها / صَحبي ولم تَبْقَ إلاّ حَلّةُ العُقُل
ولي تَفاصيلُ أوطارٍ بَقِينَ فقُمْ / بها عَليُّ كما قد قُمْتَ بالجُمَل
وراعِ في القُرْبِ أو في البُعْدِ أمْرَ فتىً / عليكَ وحدَك بعد اللهِ مُتَّكَلي
أمّا الصِّيامُ فكالضّيفِ المُنيخِ إلى / ذُراكَ قد حانَ منه وَشْكُ مُرتَحَل
فاسْعَدْ به راحلاً باليُمْنِ مُنقَضِياً / وعائداً ألْفُ عامٍ بَعْدُ في جَذَل
واعْدُدْ بكَفّيْكَ أعياداً مُعاوِدةً / ما شاقَ ركباً بلَيْلٍ حَنّةُ الإبِل
ودُمْ دَوامَ مديحي فيكَ إنّ له / إذا اعتَنَيْتَ بهِ عُمْراً بلا أَجَل
شِعْرٌ تَناهبَهُ الأسماعُ من طَرَبٍ / لدى الرِّوايةِ إن أُقصِرْ وإنْ أُطِل
والذِّكْرُ أحسَنُ ذُخْرِ المَرء فاغْدُ به / مُحَلِّياً لك مجْداً ليس بالعُطُل
واجْعَلْ لكَ العَرَضَ المَبذولَ واقيةً / طُولَ الزّمانِ لعِرْضٍ غَيْرِ مُبْتَذَل
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ / فازجُرْ بنا طرباً يا حاديَ الإبلِ
صَوِّبْ خُطاها إلى أَرْضِ العراقِ فما / لطالبِ المجدِ عند الخُوزِ من شُغُل
أَمِلْ إليها مَطايانا فقد كفَلَتْ / تلك الإمالةُ بالإدراكِ للأمَل
لم يُثْبِتِ الرِّجْلَ في غَرْزٍ لها أَحَدٌ / وَمَدَّ كَفّاً إلى نَجْمٍ فلم يَصِل
ما للمَطايا ولا للرَّكبِ من شَبَهٍ / سِوى الحَواجبِ للأحبابِ والمُقل
كُلٌّ حَنايا تُصيبُ الدَّهْرَ أَسهمُها ال / أَغراضَ وهْي عنِ الأقواسِ لم تَزُل
للهِ مَعشرُ أُلاّفٍ قَطعْتُهمُ / يومَ الرّحيلِ على رَغْمي ولم أَصِل
وحَيرةُ الدَّمعِ في عيني وأَعينِهمْ / فلم يَغِضْ عند توديعٍ ولم يَسل
أَحبّةٌ عن هوىً لا عن قِلىً جعلوا / ركائبي للنّوى محلولةَ العُقُل
واستقْرَبوا البِيدَ والأغوارَ أَسلُكها / خوفاً عليَّ من الأعداء والغِيَل
ففرَّق الدَّهرُ ما بيني وبينهمُ / والدَّهرُ عادتُه التَّفريقُ لم يَزَل
وكم سألتُ الحيا سُقْيا منازِلهمْ / فقالتِ العيْنُ ما للأدمُعِ الهُمُل
فارقْتُ من لم تُطِقْ نفسي فراقَهُمُ / حتّى ارتحلْتُ وقلبي غَيرُ مُرتحِل
فما مَررْتُ برَسْمٍ من معاهدِهم / إلاّ بكَيْتُ بسَهْلٍ كان أَو جَبَل
فَنمّ أَرْضٌ بريحٍ في الدّيارِ لهمْ / ونمَّ ماءٌ بنارٍ في الجوانحِ لي
وعارِضي فيه بَرْقُ الشّيْبِ مُبتسمٌ / وعَبْرَتي فَوْقَه كالعارضِ الهَطِل
إذا رمَتْنيَ أَصحابي بأعيُنهمْ / جعلْتُ كُمّي مَغيضَ الدّمعِ من خَجَلي
حتّى إذا ما همُ في نُصْحِيَ اخْتلَفوا / قَسّمْتُ سَمْعيَ بينَ العُذْرِ والعَذَل
ويومَ أَصبحَ سِرْبُ الوَحْشِ مُعترِضاً / والرَّوضُ بالزَّهْرِ في حَيٍ وفي حُلَل
والرَّكْبُ مِيلُ الطُّلَى مُستشرِفينَ بها / على جَديليّةٍ يَمرَحْنَ في الجُدُل
طَرِبتُ للسِّربِ حتّى قال قائلُهمْ / ما للكبير وللغِزلانِ والغَزَل
ظَنّوا بأنّ دَمي مِمّا تطُلُّ دُمىً / بالنُّجْلِ من طَعَناتِ الأعينِ النُّجُل
وما درَوْا أنّ غيرَ اللّهْو من أَرَبي / وأنّ غيرَ رَسيسِ الوَجْدِ من عِلَلي
لم تُبقِ منّي صُروفُ الدَّهْرِ جارِحةً / بها من الوَجْدِ جُرْحٌ غيرُ مُندَمِل
قد زال ظُلمةُ ذاكَ اللّيلِ عن بَصَري / بشَيْبِ رأسٍ كرأْسِ الشَّمْعِ مُشْتَعِل
لكنْ سوانحُ وحْشٍ من بَوارحِها / مَيّزْتُها فجلتْ لي يُمْنَ مُرتَحَل
حتّى وَصلْتُ السُّرى بالسَّيرِ مُعتزِماً / عزْمَ امرئٍ غيرِ هيّابٍ ولا وُكَل
لا مُشتكَى لكريمٍ رابَهُ زمَنٌ / إلاّ السُّرى وذواتُ الأذرُعِ الفُتُل
لأَقرِيَنَّ ضيوفَ الهمِّ نازلةً / شُحومَ أسنمةِ العِيديّةِ البُزُل
حتّى أُبِلَّ بما يَجشَمْنَ من عِلَلٍ / أدنفِنني وأَبُلَّ الصَّدرَ من غُلل
فهزّ أعطافَها حدْوٌ يُطرِّبُها / هزَّ الغِناء لعِطْفِ الشّاربِ الثَّمِل
وقائلٍ قالَ قد كلّتْ ركائبُنا / ونحن من قَصْدِ بَغدادٍ على عَجَل
فقلتُ أرضٌ قِوامُ الدِّينِ نازلُها / فسُقْ إليها رَذايانا ولا تُبَل
فإنَّ أوجُهَنا منه إلى ملِكٍ / فِناؤه الدَّهرَ يُمشَى فيه بالقُلَل
إذا دنَوْنا أرحنا العيسَ إن رزَحتْ / من الخُطا وقَطَعْنا الأرضَ بالقُبَل
أشرِفْ به بيتَ مجدٍ عزَّ موقفُه / فلم يُذَلَّ له مَسعىً ولم يُذَل
رُكْناهُ للقُبَلِ الكفّانِ منه كما / أبوابُهُ الدَّهْرَ للقُصّادِ كالقِبَل
وأرْضُه حَرَمٌ ملآنُ من كَرَمٍ / إليه من كُلِّ أَرضٍ مُنْتَهَى السُّبُل
سمْحٌ إذا جِئْته يوماً لتسأله / أعطاكَ كُلَّ الأماني ثُمَّ قالَ سل
لا يَنْحَسُ الدَّهْرُ يوماً نجْمَ زائرِه / لأنّ مغناهُ أعلَى من مدى زُحَل
للهِ علْيا قِوامِ الدّينِ من مَلِكٍ / راجيهِ ذو سببٍ باللهِ مُتَّصِل
كَنِيُّ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهمُ / من شائدي دُوَلٍ أو شارعي مِلَل
ثلاثةٌ أكنياءُ مِثْلُهمْ شرفاً / لم يمْشِ في الأرضِ من حافٍ ومُنْتَعل
ما في زماني لهمْ مِثْلٌ نُصادِفُه / وهكذا لم يكُنْ في الأزْمُنِ الأُوَل
كُلٌّ أبو القاسمِ المأْمولُ كُنيتُه / كذا قضَى اللهُ ربُّ العَرْشِ في الأزَل
وكُلُّهمْ خَتَموا أبناءَ جِنْسِهمُ / ختْماً فدوْلَتُهم مَحْسودةُ الدُّول
ففي النّبيِّينَ والفضلُ المُبينُ له / مُحمّدٌ ذو المعالي خاتِمُ الرُّسُل
وفي السّلاطينِ مَحمودٌ أجلُّ بني الدْ / دنْيا وفي الوزراء النّاصرُ بْنُ عَلِي
مَولىً تَجمّعَ فيه كُلُّ مُفْترٍقٍ / منَ المَحاسنِ بالتّفْصيلِ والجُمَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لكَ وهْو النّاسُ في رَجُل
بالصّاحبِ العادلِ المَيْمونِ طائرُه / لم يَبْقَ في الأرضِ قُطْرٌ غَيرُ مُعْتَدِل
مَلْكٌ يُديرُ مُلْكَ الأرضِ أَجمعِها / برأْيِ مُكْتَهِلٍ في عُمْرِ مُقْتَبِل
لا إنْ تأَنّى مُضِيعٌ فُرصةً عرضَتْ / له ولا مِنْه تُخشَى زَلّةُ العَجَل
تَراه أَوقَر من طَودٍ وعَزْمَتُه / أَمْضَى من السّيفِ عند الحادِث الجَلل
كأنّه الفلكُ الدوّارُ إن نظَروا / فسَيْرُه أبداً عَجْلانُ في مَهَل
يُمزِّقُ الدَّهْرَ لَيلَ النّقْعِ حيث دَجا / له ذُبالٌ بأطرافِ القَنا الذُّبُل
يَرْمي ديارَ الأعادي وهْي قاصيةٌ / فالقومُ منه وإن شَطُّوا على وَجَل
بالحاكياتِ بُراقاً وهْي صافِنةٌ / والسّارياتِ بُروقاً وهْي في الشُّكُل
خَيلٌ سَوابقُ تُمسي من فَوارسِها / مُختالةً تحت لا مِيلٍ ولا وُكُل
إذا عدَتْ ورَمَوا من فَوقِها وصَلَتْ / إلى العِدا بالقنا والنَّبْلُ لم يَصِل
لصاحبٍ رأْيُه العالي ورايتُه / مُضَمَّنانِ سِجالَ الرِّزْقِ والأَجَل
عادتْ إلى الدّولةِ الغرّاءِ حضْرتُه / كأنّها حِلْيةٌ عادتْ إلى عُطُل
تَأْبَى الوِزارةُ أن تَبْغي به بَدَلاً / وهل لِذي بَدَنٍ بالرُّوح من بَدَل
إن الوزارة دارٌ أنت صاحبها / مَن حلَّها غاصبا يُذمَم وَيَنتَقِل
قد حَلَّتِ الّلاتُ بيتَ الله ثُمّ غدا / والّلاتُ زائلةٌ واللهُ لم يَزَل
وَلاّكَها اللهُ لمّا أنْ رآك لها / أهْلاً ومَن لم يُوَلِّ اللهُ يَنْعَزِل
فقُمْ لها يا قِوامَ الدّينِ مُنتصِراً / حتّى تُقوِّمَ ما قد نابَ مِنْ مَيَل
ما الأرضُ إلاّ قناةٌ في يدَيْكَ غدَتْ / فإن تُذِقْها ثِقافَ الرَّأْيِ تَعْتَدِل
يا ناصِرُ اسماً ووَصْفاً للصّريخ إذا / دعا برَغْمِ رجالٍ للهُدَى خُذُل
قد كان أَسلمَني دَهْري إلى نفَرٍ / أَيمانُهمْ بالنّدى قَوْلٌ بلا عَمَل
وها أنا اليومَ من نُعماكَ مُرتقِبٌ / تَقْليبِيَ الطَّرْفَ بينَ الخَيْلِ والخَوَل
كُلٌّ غدا دونَ قَولي فِعْلُهمْ أبداً / ودونَ فِعْلِكَ قَولي فاغْتفِرْ زَللَي
يَضيعُ مِثْلي إن لم يُعْنَ مِثْلُكَ بي / والسَّيْفُ يَبطُلُ إلاّ في يدَيْ بَطَل
أَعِدْ إليّ بعَيْنَيْ عاطِفٍ نظَراً / عَدْلاً وقُلْ للِساني عند ذاكَ قُل
وعِشْ لأمثاليَ الراجِينَ في نِعمٍ / ما أَورقَ العُودُ عَيْشَ النّاعمِ الجَذِل
أصبَحْتَ في عِقْدِ هذا المُلْكِ واسطةً / للدِّينِ منها وللدُّنيا أجَلَّ حُلي
كُلٌّ حَوالَيْكَ أمثالٌ نُشاهِدُها / وأنت ما بينَهمْ فَرْدٌ بلا مَثَل
لَيسَ التَعَجّبُ إِلّا مِن بَني زَمَن
لَيسَ التَعَجّبُ إِلّا مِن بَني زَمَن / لَم يَنزَعِ المُلكُ عَنهُم بُردَةَ اللُوَّمِ
هُم عَلَّموا الدَهرَ غَدراً مِن شَمائِلِهِم / جَمَّ الطَرائِقِ مِن بادٍ وَمَكتومِ
حَتّى اِقتَدى بِهِمُ فيهِم فَأَهلَكَهُم / وَقَد يَبُذُّ إِماماً شَأوُ مَأمومِ
مِن كُلِّ لا راحِمٍ إِن كانَ ذا قُدَرٍ / وَلا إِذا نابَهُم خَطبٌ بِمَرحومِ
يَغُرُّهُ ظِلُّ مُلكٍ عَنهُ مُنتَقِلٌ / كَمُستَظِلٍّ بِبَيتٍ غَيرِ مَدعومِ
أَبدَوا سُروراً بِأَيّامٍ مُساعِدَةٍ / خِلالَ عَصرٍ بِنَفضِ العَهدِ مَوسومِ
وَالسَعدُ في النَحسِ مِقدارُ البَقاءِ لَهُ / مِقدارُ لَبثَةِ نَجمٍ عِندَ تَصميمِ
نُكدُ الخَلائِقِ تَلقى كُلَّ ذي نَظَرٍ / يَقضي بِقَطعٍ لَهُم مِن غَيرِ تَنجيمِ
مِن كُلِّ مُقتَسِمِ الرِجلَينِ مِن قَلَقٍ / في أَمرِهِ بَينَ تَأخيرٍ وَتَقديمِ
أَعمارُ دَولَتِهِم إِن أُمهِلَت سَنَةٌ / كَأَنَّما هِيَ أَعمارُ التَقاويمِ
لَمّا اِفتَحتُ كِتابي مُنشِئاً بِيَدي
لَمّا اِفتَحتُ كِتابي مُنشِئاً بِيَدي / ما بي إِلى وَجهِكَ المَأمولِ مِن قَرَمِ
وَدِدتُ لَو أَنَّني وَالدارُ نازِحَةٌ / أَسعى إِلَيكَ بِرَأسي حاكِياً قَلَمي
فَحينَ لَم أَحكِهِ مَشياً عَلى بَصَري / حَكاهُ شَوقاً بِدَمعٍ مِنهُ مُنسَجِمُ
فَلَو غَدَت هَذِهِ الأَقلامُ ناطِقَةً / شَهِدنَ لي بِالَّذي شاهَدنَ مِن ذِمَمي
وَكَيفَ أَنساكَ لا نُعماكَ واحِدَةً / عِندي وَلا بِالَّذي أَولَيتَ مِن قِدَمِ
إنْ قَصَرتْ بي عنِ الأغراضِ أيّامي
إنْ قَصَرتْ بي عنِ الأغراضِ أيّامي / فليُعذَرِ السّهمُ في أنْ يُخطئ الرَّامي
لو ساعدَ الدّهرُ ما قضَّيتُ لي نفَساً / إلاّ بخدمةِ هذا المجلسِ السّامي
لكنَّ تعويقَ إلمامِ الحوادثِ بي / يَصُدُّ عنه معَ الأشواقِ إلمامي
هذا على أنَّني أُهدي لحَضْرته / على المَغيبِ ثَناءً نَشْرُه نام
ومِدحْةً ما تزالُ الدّهرَ شاردةً / سَيّارةً بين إنجادٍ وإتْهام
للهِ من ماجدٍ تَعْلو به همَمٌ / مَقْسومةٌ في المعالي أيَّ إقْسام
مُنزَّهُ الخُلْقِ عن جُبْنٍ وعن بَخَلٍ / مُخلَّصُ العِرْضِ من ذَمّ ومن ذام
تَظلُّ منه رقابُ المالِ خاضعةً / لكفّ أبيضَ ماضي الحَدِّ صَمْصام
في كلِّ أَنمُلةٍ منه على حِدَةٍ / منَ السَّماحةِ بَحْرٌ طافحٌ طام
هُنِّئْتَها يا زكيَّ الدَّولتَيْنِ عُلاً / تَخْتالُ ما بَيْنَ إجْلالٍ وإعْظام
مُذْ جئْتَ جَيّاً وقد فارقْتَها أخَذَتْ / لها أمانَيْنِ من ظُلْمٍ وإظْلام
وكان سُودَ ليالٍ كُلُّها فَعُني / بها الزّمانُ فصارتْ بيضَ أيّام
أسلْتَ أوديةً للنّاسِ من ذَهَبٍ / جَرتْ بها من نداكَ الهاملِ الهامي
حَملْتَ مالاً حمَيتَ المجْدَ منكَ به / والسّيفُ حلْيةُ كفّ الحاملِ الحامي
هوَ الكمالُ فدامَتْ عَيْنُه أبداً / مَصْروفةً عنكَ يا أسمي بني سام
تمامُ نعمةِ دنْياكَ الدَّوامُ لها / فزانَ نُعماكَ مُوليها بإتْمام
لا تَفخرَنَّ بألقابٍ تُدِلُّ بها
لا تَفخرَنَّ بألقابٍ تُدِلُّ بها / فإنّ ذلك لم يُكسبْكَ تَفْخيما
شرَيْتَهنّ فما كانتْ مباركةً / بمالِ كلِّ يتيمٍ ظلَّ مَظْلوما
وإنّما سَخِرَ الكُتّابُ منك بها / وألّفوا لك ألقاباً مَياسيما
قُمْ فاحذِفِ الفاءَ من فَخْرٍ ومن شَرَفٍ / وخُذْ عماداً واجعلْ عَيْنَها جِيما
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني / ومُتْبعَ السِّرِّ إيصاءً بكِتْمانِ
وخاتِماً لي على العَيْنَيْنِ في عَجَلٍ / يومَ الوَداعِ وقد غابَ الرَّقيبان
بخاتِمٍ من عَقيقٍ أَحمرٍ عَجَبٍ / ونَقْشُه باللّآلي البِيضِ سَطْران
أَمِنْتُ إنسانَ عيني أَنْ يَنمَّ به / أَيّامَ ما مِن وفاءٍ عند إنْسان
لم يُغْرِ بي غَيْرُ شانٍ في وِشايته / والنّاس بالبُعْدِ لا يَدْرونَ ما شاني
لم تَحْكِ يا دمعَ عيني عند قاتلتي / غداةَ تَرجمْتَ عن بَثّي وأَشجاني
إلاّ العِبادِيَّ زيْداً عند مَوقفِه / مُترجِماً عند كِسْرَى قَولَ نُعْمان
للهِ بدْرٌ وأطرافُ القنا شُهُبٌ / يَجلوهُ فيهِنَّ من صُدْغَيْهِ لَيْلان
تقولُ للبدرِ في الظَّلماءِ طَلْعتُه / بأَيِّ وجهٍ إذا أقبلتُ تَلْقاني
وجْهُ السّماءِ مِرآة لي أُطالِعُها / والبدرُ وَهْناً خيالي فيه لا قاني
لم أنسَه يومَ أبكاني وأضحكَهُ / وُقوفُنا حيثُ أرعاه ويَرعاني
كلٌّ رأي نفْسَه في عَيْنِ صاحبه / فالحُسْنُ أَضحكَه والحُزْنُ أَبكاني
قد قوَّس القَدَّ توديعاً وقرَّبني / سَهْماً فأبعدَني من حيثُ أدناني
وكنتُ والعِشْقَ مثْلَ الشّمعِ مُعتلِقاً / بالنّارِ أَبقيْتُه جَهلاً فأفناني
يا مَنْ بطَرْفٍ وقَدٍّ منه غادرَني / مُتَعتَماً بينَ مَخْمورٍ وسَكْران
لِمْ فَتْلُ صُدغَيكَ طولَ الدَّهرِ تُلبسُه / أذْنَيْكَ قَيْداً وقلبي عندك العاني
والسّاحران هما العينانِ منك لنا / فلِمْ يُعاقَبُ بالتَّنكيسِ قُرْطان
أخشَى عليك وقد أضَرَرْتَ مُعتدِياً / عُقْبَى جنايةٍ طَرْفٍ منكَ فَتّان
ففي زمانٍ مُغيثُ الدّينِ سائسُهُ / لا يَجسُرُ الدَّهرُ إبقْاءً على جان
أعلى السّلاطينِ في يَوْمَيْ وغىً وندىً / رأياً وأفضلُ في سرٍّ وإعلان
لا يملأُ العينَ منه نظْرةً أحدٌ / ويَملأُ الأرضَ منْ عدلٍ وإحْسان
في القلبِ منه مكانٌ لا يُتَيِّمُه / أجفانُ بيضٍ ولكنْ بِيضُ أجفان
لم يَعْهدوا كمَضاءٍ في صَوارمه / في سَيْفِ غِمْدٍ ولا في سَيْفِ غُمْدان
أَغرُّ تَمتَحُ من قُلْبِ القُلوبِ له / حُمْرَ المياهِ دِراكاً سُمْرُ أشْطان
سُيوفُه البيضُ ما لم تُجْرِ بَحْرَ دمٍ / في عَيْنه كَسرابٍ عند ظَمْآن
تَكِلُّ إن سار عَيْنُ الشّمس عنه سناً / حتّى تَودُّ لو انْصانَتْ بأجفان
لكنْ مِظَلَّتُه تُضْحي مَسَدَّتَها / فَيتّقي نورَها منه بإكْنان
إذا بدا طالعاً في سَرْجِ سابقةٍ / في يومِ هَيْجاءَ أو في يومِ مَيْدان
والطَّرْفُ حاكي رياح أَربع حَملَتْ / قَصراً وفارِسُه حاكي سُلَيمان
مَن خاتِمُ المُلكِ في يُمناهُ صارِمُه / فلا يُخافُ عليه خَطْفُ شَيطان
بل مَتْنُه الدَّهْرَ فيه من سياستهِ / إذا نظرْتَ إليه حَبْسُ جِنّان
يا آخِذَ الأرضِ بأساً ثُمّ مُعطِيَها / جُوداً فللنّاسِ منه الدَّهرَ يومان
مَن لو تَصافنَ ماءَ البحرِ عَسْكرُه / لَما استَتمَّ لهمْ في الشُّرْبِ دَوْران
مَن يَرتدي بحديدِ الهندِ منْ شَرَفٍ / ويُنْعلُ الخيلَ راجيهِ بعِقْيان
لا غرْوَ إنْ وَسَمَتْ أَيدي الجيادِ له / مناكبَ الأرضِ من قاصٍ إلى دان
فأنتِ وُسِّمتِ أَيضاً يا سماءُ له / فما هِلالُكِ إلاّ نونُ سُلْطان
لمّا امتطَى الخيلَ والأفلاكَ لاح له / بالنّارِ والنُّورِ للأبصارِ وَسْمان
يَسترزِقُ الوحْشُ مثلَ الإنْس نائلَه / من كفِّ مطْعامِ خَلْقِ اللهِ مِطْعان
يَقْري الوَليَّ ويُقْرَى بالعدوِّ إذا / ما ضافَهُ جائعاً نَسْرٍ وسِرْحان
كم يَغْتدي كلّما شاءَ القنيصَ له / غُرٌّ على الغُرِّ من خَيلٍ وغِلْمان
وفي الكنائنِ منهمْ والأكفِّ معاً / إلى وُحوشِ الفلا جُنْداً خليطان
من كُلِّ سَهْمٍ وشَهْمٍ طائرٍ بهما / من مُستعارٍ ومَمْلوكٍ جناحان
زُرْقٍ جَوارحَ أَو زُرْقٍ جَوارحَ قد / علِقْنَ منهمْ بأيسارٍ وأَيْمان
وكلُّ مُستَردَفٍ يَعْدو الحصانُ به / مثْلُ السّبايا قُعوداً خلْفَ فُرسان
تَقولُ خاطَتْ له ثوباً رشَتْهُ بهِ / من فأرِ مسْكٍ فتيقٍ أُدْمُ غِزْلان
كأنّ في كلِّ عضْوٍ منه من شَرَهٍ / إلى التَّقنُّصِ مفْتوحاتِ أَعيان
وأَغضفٍ مثلِ نجْم القَذْفِ من سَرَعٍ / إذا عدا لاحقِ الأحشاء طيَّان
تَعودُ في كفِّه حَظْفاً وَسيقتُه / كأنّها قَبْسةٌ في كَفِّ عَجْلان
فاسْألْ يُجِبْكَ خَبيرُ القومِ عن مَلكٍ / يَداهُ والجودُ في الدُّنيا حليفان
ما بالُ تصويرِ أُسْدٍ في سُرادقه / وليس تُملأُ خَوفاً منه عَيْنان
والأُسْدُ إن كان يومَ الصَّيْدِ يُبْصِرُها / يُقَدْنَ قُدّامَه قَوْداً بآذان
هل ذاك إلاّ لأنَّ المُستَجيرَ بهِ / يُعيضُه الدَّهرُ إعزازاً بإهْوان
يا عادلاً عَدْلُه والجودُ في قَرَنٍ / وقائلاً قولُه والفِعْلُ تِرْبان
إنْ كان في عَدْلِ نُوشروانَ مُفتخَرٌ / والنّاسُ في عَهْدِه عُبّادُ نيران
فأنتَ تكْبرُ عن شِبْهٍ تُقاسُ به / لكنْ وزيرُك نُوشروانٌ الثّاني
ليس السّعادةُ إلاّ كالكتابِ ولا / حُسْنُ اخْتيارِ الفَتى إلاّ كعُنوان
فَرغْتَ للدّينِ والدُّنيا تَسوسُهما / وأنت ملآنُ من عُرْفٍ وعِرفان
ذو همّةٍ في سماءِ المجدِ عاليةٍ / من دونِ أقصرِ سَمكَيْها السِّماكان
لا يَهْتدي الفَلَكُ الأعلى لغايتها / فدَوْرُه المُتمادي دَوْرُ حَيران
مَلْكٌ إذا ما توالَتْ نَظْرتانِ له / فَعَدِّ عن ذِكْرِ بِرْجيسٍ وكِيوان
محمودٌ اسْماً وفعْلاً في مَمالكِه / بكلِّ ما ساسَ من رِزْقٍ وحِرْمان
تَقْضي كواكبُ أطرافِ الرّماح له / على المُلوكِ بنَصْرٍ أو بِخذْلان
أضحَتْ علامةُ باللهِ اعتصمتُ له / على فُتوحٍ عَذاريَ مثْلَ بُرهان
كفعلِ مُعْتصمٍ باللهِ قام فلَمْ / يُعهَدْ كفَتْحَيْهِ للإسلامِ فَتحان
في الرُّومِ والخُرَّميّينَ الّذينَ طغَوْا / وسْطَ الممالكِ دَهْراً أيَّ طُغْيان
كذاكَ نرجوكَ للفتْحَيْنِ في نَسَقٍ / وقد تَشبَّه أَزمانٌ بأزمان
يا زائداً عُظْمَ شأنٍ كلّما نظروا / لا زلتَ ذا عُظْمِ شأنٍ يُرغم الشّاني
إذا نظَرْتَ إلى قِرْنٍ قضَى فَرَقاً / فأنت عن سلِّ سَيْفٍ للعدا غان
تقبيلُ كفِّكَ وهْيَ البحرُ غوصُ فمي / للقول فيك على دُرٍّ ومَرْجان
حَتّام كَفِّيَ مَلأْى من لُها مَلكٍ / وسَمْعُه من ثنائي غَيْرُ ملآْن
إنْ كان في النّاسِ مَنْ كُفرانُ أنعُمه / كُفْرٌ فكُفرانُ مَوْلَى الأرضِ كُفْران
إلى كَنيِّ النّبيِّ ابْنِ السَّميِّ له / من الملوكِ سَرتْ بي كُلُّ مِذْعان
حَرْفٌ تُصرَّفُ في حَلٍّ ومُرتَحَلٍ / تَصريفَ حرْفٍ بتحْريكٍ وإسْكان
فاسْمعْ فدَى العبدُ سَمْعاً دُمتَ مرعيَهُ / فليس خلْفَ المعاني مثْلُ إمعاني
بديعةً تَتلقّاها الرُّواةُ لها / حيثُ انتهَتْ من عِراقٍ أو خُراسان
إنِ لم تكنْ قَبلَ حسّانٍ فرائدُها / فإنّ مُهديَها من جيلِ حَسّان
إذا يَمينُ أميرِ المؤمنينَ غدا / وقد تسوَّرها فالفَخْرُ أغناني
أضحى سريرُك قد حَفَّ الكُفاةُ بهِ / كأنّه البيتُ مَحْفوفاً بأركان
فليس يَنْفكُّ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / يَحُجُّ أذْراءه عيسٌ برُكبان
فعِشْتَ في ظلِّ مُلْكٍ لا انْحسارَ له / حليفَ جَدٍّ وفيٍّ غيرِ خَوّان
جدَّدْتَ ما أبْلَتِ الأيّامُ من أدَبٍ / فدُمْتَ للمُلْك أو يَبْلَى الجديدان
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ / فلْيَعلَمِ الرَّكْبُ أنّ البدْرَ في الظُّعُنِ
ليس ابْنُ مُزْنةَ في عيني فأرمُقَهُ / ولا المُقنَّعُ في صَحبي فيَسْحرَني
وإنّما طلعَتْ واللّيلُ مُعتكِرٌ / من خِدْرِها بالفلا لَيْلَى لِتَفْتِنَني
ما لِلَّذينَ سَرَتْ لَيْلاً حُمولُهمُ / ساروا ولم يُشْرجوا عَيْني على وَسَن
قد حَلَّلوا من عُراها فهْيَ ناثِرةٌ / لِلُؤْلُؤٍ منْذُ غابَ الحَيُّ لم يُصَن
باتَتْ جُفوني وراء الظّاعِنِينَ به / كأنّما فُتِّقَتْ عن وابلٍ هَتِن
كم من قِطارٍ لها خلْفَ القطِارِ لهمْ / تَسْتَنُّ والعِيسُ والحادي على سَنَن
أجْرَى دموعي وحتّى اليومَ مارقأَتْ / سِرٌّ به الإلْفُ لمّا سارَ حَدَّثني
كأنّما خرَقتْ كفُّ الوَداعِ إلى / عَيْني طريقاً لِذاكَ الدُّرِّ من أُذُني
قد قُلْتُ للنّاسِ لَمّا أنْ قَضْوا عَجَباً / أنْ لم أمُتْ بعدَ إلْفي حينَ ودَّعني
هُمْ في فؤادي ويَبْقَى للفتَى رَمَقٌ / ما دامتِ الرُّوحُ في جُزْءٍ منَ البَدَن
لولا هِلاليّةٌ هام الفؤادُ بها / لم أُمسِ بعدَ رحيلِ الحَيِّ ذا شَجَن
تُعزَى بمُنْتَسبٍ منها ومُنْتقَبٍ / إلى هِلالَيْنِ كُلٌّ مُضْرِمُ الفِتَن
فلَيْتَهُ لم يَبِنْ ذلك الهلالُ لنا / أوْ لَيْتَهُ بعدَ أن قد بانَ لم يَبِن
إجمَعْ بجُهْدِكَ شَمْلَ القومِ تَصْحَبُهمْ / ما دام دَهْرُكَ بالتَّفريقِ ليس يَني
واجْعَلْ بماء ندىً تَجري يَداكَ به / رِداءَ عِرضكَ مَرْحوضاً من الدَّرَن
وافْخَرْ بمَغْناكَ في الدُّنيا وكنْ رَجلاً / إنْ شئْتَ من مُضَرٍ أو شئتَ من يَمَن
بيتُ العَلاء كبيتِ الشِّعرِ صاحبُه / إنْ لم يَزِنْه بإحسانٍ له يَشِن
بَيْتانِ يُكسِبُ كلٌّ منهما شَرَفاً / بقَدْرِ ما فيه من مَعْنىً عليه بُنِي
إنّي امْرؤٌ أضَعُ الأقوالَ مَوْضعَها / فإنْ أرابكَ منّي ذاك فامْتَحِن
مَظِنَّتي حيثُ حَلَّ العِزُّ حُبْوتَه / والذُّلُّ لم أرهُ يوماً ولم يَرَني
ولا تَرَى مِدْحتي كُفْؤاً إذا نُظِرَتْ / إلاّ إذا أصبحَتْ تُجْلَى على حَسَن
أعنْي الإمامَ ابْنَ سَلْمانَ الَّذي طلعَتْ / عُلياهُ شادِخةً في بُهْمَةِ الزَّمَن
إذا مدَحْنا جمالَ الدّينِ أطْرَبنا / إهداءُ مَدْحٍ له بالصِّدْقِ مُقْتَرِن
قاضي قُضاةِ بلادٍ قد أُتيحَ لها / منه مُقيمُ فُروضِ المَجْدِ والسُّنَن
مُهَذَّبٌ وُقيَتْ فينا خلائقُه / من شائبِ الوَصْمَتيْنِ البُخلِ والجُبُن
يُمناهُ واليُمْنُ إن لاقَيْتَهُ وكذا / يُسراهُ واليُسْرُ مَقْرونانِ في قَرَن
في كلِّ رَجْعةِ طَرْفٍ منه من كَرمٍ / إنجادُ ألْفِ فتىً بالدّهرِ مُمْتَحَن
إن قاسَ سَدَّدَ نحْوَ الحقِّ نَظْرتَه / أَو ساس أصبح لم يَخْشُنْ ولم يَلِن
المَلْكُ كالعَبْدِ إنْصافاً إذا اخْتَصما / لدَيهِ في حادثٍ والعِيُّ كاللَّسَن
يُدني مُحِقّاً ويُقْصي مُبْطِلاً أبداً / فهكذا مَن يُعينُ الدّينَ فَلْيُعَن
كأنّ أقلامَه المُصماةَ إذ طَعنَتْ / في ثُغرةِ الخَطْبِ أطرافُ القنا اللُّدُن
مِثْلُ السّهامِ نَفاذاً في مَقاصدِها / لكنَّهنَّ على الإسلامِ كالجُنَن
تَجِلُّ عن زُخْرُفِ الدُّنْيا فلو أُمرَتْ / بكَتْبِ سَطْرٍ لغَيرِ الدِّينِ لم تَدِن
إليكَ تَرْجِعُ حُكّامُ البِلادِ إذا / ما أشكَل الأمرُ عند الحازمِ الفَطِن
كأنّك الشَّمسُ للدُّنْيا إذا طلعَتْ / تقاسمَ النُّورَ منها ساكنو المُدُن
كأنّما أنت بيتُ اللهِ بينهُمُ / فوجْهُ كلِّ امرئٍ منهمْ إلى رُكُن
فَلْيَهْنِ أعمالَ خُوزِسْتانَ إذ رُزِقَتْ / إقبالَ طَبٍّ بأسرارِ العُلا طَبِن
وِلايةٌ كان من مَيْلٍ إليه بها / ما بالغربيةِ من شَوْقٍ إلى الوطَن
حتّى استقرَّتْ على ذي مِرَّةٍ يَقظٍ / تُقاهُ قِسمانِ من بادٍ ومُكْتَمِن
يُقلِّدُ الشُّغْلَ نُوّاباً وقَلَّدَه / دُرّاً من المَدْحِ أقوامٌ ذوو فِطَن
لكنْ لتَقْليدِنا الغالي من الثَّمَنِ ال / أوفَى وتَقليدهُ الخالي منَ الثّمَن
لكَ المدائحُ منّا دائماً ولنا / منكَ المنائحُ تتَرْى يا أخا المِنَن
عَمْري لقد أحزنَ الماضي بفَجْعَتهِ / لكنْ بقاؤك أضحَى مُذْهِبَ الحَزَن
غُصْنانِ من دوحةٍ لمّا ذَوى غُصُنٌ / بعَصْفةٍ للرَّدَى مِلْنا إلى غُصُن
أوهَتْ رزيئةُ هذا منّةً وأَتَتْ / أيّامُ هذا فأهدَتْ قُوّةَ المنَن
فاسعَدْ بتَوْليةٍ جاءتكَ راكضةً / عَجْلَى الخُطا مثْلَ ركضِ السّابقِ الأَرِن
أعطاكَها اللهُ عفْواً إذ رآكَ لها / أهلاً وإعطاءُ غيرِ اللهِ غيرُ هَني
وبان للصّاحبِ الميمونِ طائرُه / حُسنُ اخْتيارٍ لدينِ اللهِ أعجبَني
لمّا انْتضَى بكَ سيفَ الرّأي مُنْصلِتاً / على زمانٍ على الأحرار مُصْطَغِن
يا ابْنَ الَّذي طالما قد كان أعجبَه / صفْوُ الولاءِ له منّي وشَرَّفني
نوعانِ وُدّيَ مَوْروثٌ ومُكْتَسَبٌ / لستُ البعيدَ فأبغي مَنْ يُقرِّبُني
أستغفِرُ اللهَ إلاّ من مديحكمُ / فإنّني فيه لم أكذِبْ ولم أَهُن
أقسمتُ جُهداً بما طافَ الحجيجُ به / وما أهلُّوا وما ساقوا منَ البُدُن
وكُلَّ أروعَ عاري المَنكِبَيْنِ ضُحىً / يَهْوي إليه على رَوعاءَ كالفَدَن
لأشكُرَنَّ الّذي تُوليه من منَنٍ / ما عشتُ شكراً كشُكر الرّوضِ للمُزُن
هذا على أنّه ما إن لديَّ سوى / شكرٍ بسابقِ ما أولَيْتَ مُرْتَهَن
إنّي بحبلِك بعدَ اللهِ مُعْتَصمٌ / لدى الإقامةِ منّي أو لدَى الظَّعَن
فاسلَمْ لنا يا ابنَ سَلمانٍ سلامةَ ذي / دِينٍ على نَصْرِ أهلِ الدّينِ مُؤْتَمن
ودُمْ فأنت الإمامُ ابنُ الإمام لنا / في العِزِّ ما صدحَتْ ورقاءُ في فَنَن
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا / إن هاجَروا قَتلوا أو واصلوا فَتَنوا
تاللهِ ما سكنَتْ نَفْسي إلى أحدٍ / مذْ سار في الجيرةِ الغادينَ لي سَكَن
مَن ناشِدٌ لي مهاً سارتْ بها قُلُصٌ / حُماتُها أُسُدٌ تَجْري بها حُصُن
ساروا يَؤُمّونَ مِن أرضِ الحمى بلَداً / بالظُّعْنِ تُحدَى إذا مرَّتْ بهِ الظُّعُن
ورُبّما تَركوا البيداءَ بحرَ دمٍ / كأنّما العِيسُ في تَيّارِه سُفُن
من كلِّ طائرةٍ بالرَّحْلِ أربَعُها / كأنّما هي في جَوْز الفلا فَدَن
هِيمٌ أطالَ صداها أنّ مُورِدَها / لا يَستقي الماءَ إلاّ والقنا شُطُن
ضوامرٌ تَمْلأُ الأنساعَ إن ظَفِرَتْ / فلا تَجولُ على أثباجِها الوُضُن
تَشتاقُ نَجْداً كما أشتاقُ ساكنَهُ / وهل لحيٍّ فؤادٌ مالَهُ شَجَن
وفوقَها كُلُّ مَمْطولٍ صَبابَتُهُ / مُتَيَّمٍ وَجْدُهُ باقٍ ومُكْتَمِن
تَبْكي وتَطْرَبُ من رَجْعِ الحُداةِ كما / يَهتزُّ من دَوحةٍ مَمْطورةٍ فَنَن
قُلْ للَّتي سفَرتْ يومَ النَّوى فبدا / للصّبِّ مُبْتسِمٌ منها ومُحْتَضَن
فما رأتْ عَينُ خَلْقٍ قبلَ رُؤْيتِها / أقاحياً وشقيقاً ضَمَّها غُصُن
يا مُنيةَ النّفْسِ لِمْ أصبَحْتِ قاطعةً / صِلى مَشوقَكِ حَيّا عهدَكِ المُزُن
ومَن سَباهُ جَمالٌ منكُمُ عَرَضاً / فإنّه بجَميلٍ منكُمُ قَمِن
ما زلتُ أُسرِحُ طَرْفي في الورَى عجَباً / فلا أرَى الحُسنَ بالإحسانِ يَقْترن
حتّى تَجلَّى ظهيرُ الدّينِ لي فرأَيْ / تُ اسْماً ووجهاً وفِعلاً كلُّه حَسَن
فقُلتُ والحقُّ بادٍ لا خفاءَ له / سُبحانَ مُنشئِ غَيْثٍ صَوبُه هَتِن
فَرْدٌ يَنوءُ بما تَعْيا الألوفُ به / وللرّجالِ مَقاديرٌ إذا وُزِنوا
لا خَلْقَ في كَرم الأخلاقِ يُشْبهُهُ / هذا الورى فتأمَّلْهمْ وذا الزَّمَن
إنّ الخليفةَ للقُصّادِ إن وفَدوا / بيتُ النَّدى وابْنُ عبد الواحدِ الرُّكُن
خِرْقٌ على أنّ بذْلَ المالِ عادَتُه / مالُ الإمامِ لدَيْه الدَّهْرَ مُخْتَزَن
مالانِ أمّا على هذا فمُتَّهَمٌ / جُوداً وأمّا على هذا فمُؤْتَمَن
لو لم يكُنْ خيرَ ما أولَى الملوكُ فتىً / من الورى حِفْظَ ما حازوا وما خَزَنوا
ما قالَ يوسفُ اجْعَلْني لدَيكَ على / خزائنِ الأرضِ وانظُرْ كيف تَمْتحِن
يا سَيِّداً فَطِناً يَحْمي العُلا وأَبَى / أَنْ يُدرِكَ المجدَ إلاّ سَيِّدٌ فَطِن
ومَن علَتْ رُتَبٌ في الدَّوْلَتَيْنِ له / فوق السُّها والعدوُّ النِّكْسُ مُضْطَغِن
بكتْ لها إذ رأَنْك الحاسدون بها / كأنّهمْ بك في أَحداقِهمْ طُعنوا
إذا بدوْتَ لهمْ أَغضَوْا على حَنَقٍ / كأنّما الذُّلُّ في أَجفانهمْ وَسَن
يَفْديك قومٌ إذا زَلَّتْ لهمْ نِعَمٌ / أَبدَوْا بها مِنَناً تَغْنَى بها المِنَن
يا مُنْقِذَ الدَّولةِ اسمعْ قولَ ذي مِقَةٍ / صفَتْ فلا رِيَبٌ فيها ولا ظِنَن
قد كان جاهُك لي ذُخراً أُرفِّهُه / وقد قَصدْتُك لمّا ضاقَ بي العَطَن
ولا يَمُدُّ الفتَى كلتا يدَيْهِ إلى / أَغْلَى الذَّخائرِ إلاّ وهْو مُمْتَحَن
فاعطِفْ عليَّ رعاكَ اللهُ من مَلِكٍ / بنَظْرةٍ منكَ أَمري اليومَ مُرْتَهَن
والْبَسْ بُرودَ ثناءٍ حاكَها صَنَعٌ / من خَزِّ فكْريَ ما في نَسْجِها وَهَن
نَزِّهْ عطايا أَميرِ المؤمنينَ لنا / عن أَنْ يُعارِضَها التّنْغيصُ والمِنَن
ولن تُطيقَ اللَّيالي أَن تُكدِّرَها / ولن تَراها المعالي حيثُ تُمْتَهَن
فللخلافةِ أنت اليومَ خالصةٌ / ما إنْ لها دُونَه سِرٌّ ولا عَلَن
ما الدّولةُ اليومَ إلاّ شَخْصُ مكْرمةٍ / فيما نَراها وأنت العَينُ والأُذُن
فدُمْ كذاكَ فأنت المُستَجارُ به / إذا بدا للَّيالي جانِبٌ خَشِن
إنّي لآمُلُ أنْ تُعنَى بها كرَماً / كما الملوكُ قديماً بالعفاةِ عُنوا
وأنْ تَحُلَّ عِقالَ الدّهرِ عن أَمَلي / فيَدْنو النّازحانِ الأهلُ والوَطَن
طلعتَ طلعةَ سَعْدٍ للأنامِ وقد / خافوا الزّمانَ فلّما جئْتَهمْ أَمِنوا
فالحمدُ للهِ هذا حينَ أُكمِلَتِ النْ / نُعْمَى وأُذهبَ عنّا الخوفُ والحَزَن
لا زالَ من حُسْنِ صُنْعِ اللهِ واقيةٌ / دونَ اللّيالي على عَلْيائكمْ جُنَن
ما طاف بالبيتِ زُوّارٌ وما رُفعَتْ / فيه الأكُفُّ وما سِيقَتْ له بُدُن

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025