المجموع : 85
تقول لِي إنّما الستّون مقطعةٌ
تقول لِي إنّما الستّون مقطعةٌ / بين الرّجال ووصلِ الخُرَّد الغِيدِ
وَما اِستوى يَفَنٌ ولّتْ نضارتُه / في الغانياتِ بغضٍّ ناضرِ العودِ
فقلتُ ما الشّيبُ إلّا لبسةٌ لُبستْ / ما أثّرتْ بِيَ في بخلٍ ولا جودِ
ولا وفاءٍ ولا غدرٍ ولا كَلَفٍ / ولا ملالٍ ولا إنجازِ موعودِ
إنّ الحِفاظَ وبيِضي فيه لامعةٌ / خيرٌ من الغدرِ لو جرّبتِ في سودِي
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ / والدَّهرُ إنْ همَّ لا يُبقي ولا يَذَرُ
نعاك ناعٍ إلى قلبٍ كأنّ به / لواذعَ الجمر لمّا ساءَه الخبرُ
فَلَم يَكن لِيَ إلّا أَن أَقول لَهُ / بفِيكَ ناعِي هذا الرَّاحِلِ الحَجَرُ
كم ذا نداءٍ لماضٍ غير ملتفتٍ / وكم عتابٍ لجانٍ ليس يعتذرُ
فَكلّما اِستُلّ منّا صاحبٌ فمَضى / ولا إيابَ له قالوا هو القَدَرُ
وَلَيسَ يَدرِي الفتى لِمْ طالَ عمرُ فتىً / وَلا لأيّةِ حالٍ يُنقَصُ العُمُرُ
وَقَد طلبنا فلا نجحٌ ولا ظَفَرٌ / وقد هربنا فلا منجىً ولا عَصَرُ
وَهَذهِ عِبرٌ لا شكّ مالئةٌ / منّا العيونَ ولكنْ أين مُعتبِرُ
نُعَلُّ مِن كلِّ مَكروهٍ ويملِكنا / حُبُّ الحياةِ الّتي أيّامُها غَرَرُ
وَما اِلتِزامُ المُنى والمرءُ رهنُ ردىً / إلّا جنونٌ يغول العقلَ أو سُكُرُ
يا قاتلَ اللّه هَذا الدّهرَ يزرعنا / ثمّ الحصاد فمنه النّفعُ والضّرَرُ
فإن يكن معطياً شيئاً فمرتجِعٌ / وَإِنْ يكن مبطئاً يوماً فمبتدِرُ
داءٌ عرا آل قحطانٍ فزال بهمْ / وذاق منه نِزارٌ وَاِحتَسى مُضَرُ
مِن بعد أَن لبِسوا التّيجان وَاِعتَصموا / وأُركبوا ثَبَجَ الأعواد واِشتهروا
وَأَوسعوا النّاس مِن رَغْبٍ ومن رَهَبٍ / وَعاقَبوا بِاِجتِرامِ الذّنبِ وَاِغتَفَروا
تَندى مِفارِقُهمْ مِسْكاً فإنْ جُهلوا / نمّت عليهمْ برَيّا نشرها الأُزُرُ
وَيَسحَبونَ ذُيولَ الرّيْطِ ضامنةً / أن ليس تُسحَبُ إلّا منهمُ الحِبَرُ
قالوا قَضى غيرَ ذي ضَعفٍ ولا كِبَرٍ / فقلت ما كلُّ أسبابِ الرّدى كِبَرُ
وغرّني فيك بُرْءٌ بعد طولِ ضنىً / ومنْ يَبِتْ خَطِراً أودى به خَطَرُ
ما ضَرّ فَقدُك والأيّامُ شاهدةٌ / بأنّ فضلك فيها الأنجُمُ الزُّهُرُ
أَغنيت في الأرض والأقوام كلّهمُ / من المحاسن ما لم يُغنِه المَطَرُ
فَأَنتَ شَمسُ الضُّحى للسّاربينَ وَلل / سارينَ في جُنحِ ليل ضوءُك القمرُ
إِن تُمسِ موتاً بلا سمعٍ ولا بصرٍ / فطالما كنت أنتَ السمعُ والبصرُ
وإن تَبِتْ حَصِراً عن قول فاضلةٍ / فطالما لم يكن من دَأْبك الحَصَرُ
قالوا اِصطَبِر عنه بأساً أو مجاملةً / والصّبرُ يُلعَقُ من أثنائه الصَّبِرُ
وَلَو دَرى مِن على حُزنٍ يقرّعنِي / بمن فُجعتُ ومن خُولستُه عَذَروا
وَكيفَ أَسلو وَما في غَيرهِ عوضٌ / من الرّجال ولا لِي عنه مُصطَبَرُ
وَكيفَ لِي بعده مَيْلٌ إلى وَطَرٍ / وليس لِي أبداً في غيره وَطَرُ
مجاوراً دارَ قومٍ ليس جارُهُمُ / بنصرهمْ أبَدَ الأيّامِ ينتصرُ
في أربُعٍ كلّما زادوا بها نقصوا / نقصَ الفَناء وقلّوا كلّما كَثروا
فَاِذهَبْ كما شاءتِ الأقدارُ مُقتَلعاً / منّا به الخوف مجنوناً به الحَذَرُ
فَلِلقُلوبِ الّتي أَبهَجْتَها حَزَنٌ / وَبِالعُيونِ الّتي أقررتها سَهَرُ
وَما لِعَيشٍ وَقد ودّعتَه أَرَجٌ / ولا لِلَيلٍ وقد فارقتَه سَحَرُ
وَما لَنا بَعدَ أَن أَضحَتْ مَطالِعُنا / مسلوبةً منك أوضاحٌ ولا غُرَرُ
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً / اِسمعْ فَعندِيَ أنباءٌ وأخبارُ
كُلُّ الرّجالِ إِذا لم يخشعوا طمعاً / ولم تكدّرهمُ الآمالُ أحرارُ
إنْ تُضح دارِيَ في عمّانَ نائيةً / يوماً عليَّ فبالخُلصاءِ لِي دارُ
لو لم يكن لِيَ جارٌ مِن نِزَارِهِمُ / يحنو عليَّ فمن قحطانهمْ جارُ
وإنْ يضقْ خُلُقٌ من صاحب سَئِمٍ / فلم يضقْ بِيَ في ذي الأرض أقطارُ
وما أبالِي ونفسي ما تملّكها / أَسْرُ الغرامِ أقامَ الحيُّ أم ساروا
سَقْياً لقلبٍ يَعافُ الذُّلَّ ذِي أَنَفٍ / العارُ في لُبّهِ سِيّان والنّارُ
يَكسو الجديدَ لمَن يَعتام مِنحتَه / ولبسُه الدّهرَ أَهدامٌ وأطمارُ
ذلّ الّذي في يد الحسناءِ مهجتُه / ومن له في ذواتِ الخِدْرِ أوطارُ
وعزّ مَن لا هوىً منه وكان له / عنه مدَى الدّهر إقصاءٌ وإقصارُ
ما سرّنِي أنّني أحوِي الغِنى وبدا / في كفّ جارِيَ إعسارٌ وإقتارُ
وأنّ لِي نَصرةً من كلّ حادثةٍ / وما له من صروف الدّهرِ نَصّارُ
وأنّني بالغٌ من عيشتِي وَطَراً / وليس تُقضى له ما عاش أوطارُ
لا بارَكَ اللَّه في وادِي اللّئامِ ولا / سالتْ به عند جَدْبِ العام أمطارُ
وَالخيرُ كُلفةُ هذا الخلقِ كلّهِمُ / والنّاسُ بالطّبعِ والأخلاقِ أشرارُ
إنّ الّذين أقاموا قبلنا زمناً / مُحكّمين على أيّامهمْ ساروا
خَلت منازلُهمْ منهمْ وشرّدهمْ / دهرٌ خؤونٌ لمن يؤذيه غدّارُ
وحطّهمْ قَدَرٌ من بعد أن رُفعِتْ / منهمْ إلى قُلّةِ العلياءِ أقدارُ
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا / ظبيٌ ينفّرهُ عن وصلنا نَفَرُ
ذُؤابتاه نجادا سيف مقلتِهِ / وَجَفنُهُ جَفنُهُ واِفرِندُهُ الحَوَرُ
ضَفيرتاهُ على قَتلي تَضافَرَتا / فمن رأى شاعراً أودى به الشَّعَرُ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ / يودّ أنّ له من حسنه القمرُ
يجنِي عليَّ سقاماً سقمُ مقلتِه / وكلُّ جرمٍ جناه الحبُّ مُغتَفَرُ
قال العواذل سَرْعاً ما عشِقتَ وما / يدرون أنّ طريق العِشقِ مختصرُ
وَما الصّبابة إلّا خُلسةٌ عَرَضتْ / سمعٌ جناها على الأحشاء أو بصرُ
النارُ في كَبِدي مذ غبتَ عن بصري / ومن جفوني وقد فارقتني المطرُ
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا / زرناك ظلمةُ ليلٍ فيه مستترُ
فقلت من كان هجري الدّهرَ عادتُه / ما إن له ببياض الشّيبِ مُعتَذَرُ
لا تسخطيه فهذا الشّيب مظهرةٌ / على عيوبٍ بضدّ الشّيبِ تستترُ
تَرَيْنَ منِّي وضوءُ الشيب يفضحني / ما زاغ عنه ورأْسي أسودُ البصرُ
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده / وإن أساء إلى الأقوام معذورُ
وَيلُ اِمّ مَن في الورى أَكدتْ مطالبَه / فإنّه بسحاب اللّومِ ممطورُ
وَكَيف يُعزى إلى عجزٍ وليس بهِ / مَن خاب سعياً وخانته المقاديرُ
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا / كأنّ أوّله في ذاك آخرُهُ
كأنّ نَجمَ الثريّا مَلَّ مَجمعَنا / فَما اِستَطاعَ مقاماً وهو ناظرُهُ
ومَهْمَهٍ جُبتُه وحدي على قَلقٍ / معوّدٍ لِيَ خوضَ البحرِ حافِرُهُ
مِن لَونهِ يَستمدّ اللّيلُ ظلمتَه / والفجرُ من وجهه لاحت عساكرُهُ
مُعانِقاً نَبعةً سَمراء ما حُملتْ / إلّا ليومٍ جريءٌ من يباشرُهُ
ولا فَرَتْ يدُها نحراً فتتركَهُ / إلّا وقد نُشرتْ منه نواشرُهُ
وَصاحِبٍ ما نَبَتْ منه مضاربُه / في كلّ خطبٍ ولم تُؤمَن محاذِرُهُ
يَظَلُّ شَوقاً إلى الأعناقِ مُنتَصباً / لنفسه قبل أن يرتاحَ شاهرُهُ
ولِي جَنانٌ كأنّ الأرضَ ساحتُهُ / فما يضيق لمرهوبٍ يُخامرُهُ
يَستنزرُ الكَثْرَ من هذا الزّمان له / فكلُّ ما حلّ فيه فهو حاقرُهُ
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري / وفي ولائك إعلاني وإسراري
وأنت مِنْ بين مَن بتنا نسوّدُهُ / صِفْرٌ من العابِ عُريانٌ من العارِ
أَوْليتَ ما لم يكن أرجوه مبتدئاً / وحُزْتَ غايةَ تأميلي وإيثاري
وَكيفَ يَبلغ شكرِي مَن أَطالَ يَدي / مدّاً وَأَعلق بالعلياءِ أَظفاري
إِنّ الأجلَّ أَبا الخطّابِ أَسكَنَني / في عَرْصَةِ العزِّ داراً أيَّما دارِ
أَعلى بِحَضرَةِ مَلْكِ الأرضِ مَنزِلَتي / عَفواً وَرَفَّع في مَثواهُ مِقداري
وَقامَ لا حَصَرٌ منه ولا عَجَلٌ / يجلو على سمعه أبكارَ أشعاري
فالآن قِدْحِي المعلّى في مجالِسهِ / إذا ذُكِرتُ وزندي عنده الواري
فقُدْ جزاءً لِما أَوليتَ من مِنَنِي / زمامَ كلِّ شَرودِ الذّكر سيّارِ
ما كانَ قَبلك مِطواعاً إلى أحدٍ / وَلا لِغَيرك في الدّنيا بزوّارِ
فَخُذْ إليكَ مَقاليدي مُسلَّمَةً / فلَستُ أُرخصُ إلّا فيك أَشعاري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري / والمرءُ من كلّ شيءٍ حازه عارِ
يزهى بجارٍ ودارٍ وهي آهلةٌ / حتّى يصير بلا جارٍ ولا دارِ
وسيق سوقاً عنيفاً غير مُتّئِدٍ / إلى الّتي نَبَشَتْها كفُّ حَفّارِ
في قَعرِ شاحطةِ الأعماقِ حالكةٍ / سُدَّتْ مطالعُها منها بأحجارِ
هَوى إِلَيها بلا زادٍ سوى أَرَجٍ / مِن مَنْدَلٍ عَبِقٍ أَو سُحْقِ أطمارِ
ذاقَ الرّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ به / وناعمٌ بين جنّاتٍ وأنهارِ
لم يُغنِ عنه وقد همّ الحمامُ به / أن بات من دون أردامٍ وأستارِ
أمّا الزَّمان فغدّارٌ بصاحبهِ / وما الشّقاوةُ إلّا حبُّ غدَّارِ
فَبينما هوَ يعطيني ويُوسِعُ لي / حتّى يكون به فقري وإعساري
فَليسَ ينصفُني مَن عادَ يَظلمني / وليس ينفعني من كان ضرّاري
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ / ما كانَ إلّا بِه حِرمانُ أوطاري
نَدورُ في كلّ مَخشاةٍ ومَرْغَبَةٍ / مِن تَحتِ مُستعجل الوثباتِ دوّارِ
كَأنّنا تَتَرامانا نوائبُهُ / عَصْفٌ ترامى به سَوْراتُ تيَّارِ
ظِلٌّ وشيكٌ تلاشِيهِ وأفنِيَةٌ / موضوعةٌ نَصْبَ إخرابٍ وإفقارِ
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مُغمِضَةً / إغماضَ ليثٍ من الأرواح مُمتارِ
الدَّهرُ سالبُ ما أعطى ومانِعُهُ / فما الصّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ
نُقيمُ منهُ عَلى عَوجاءَ زائلةٍ / ومائلٍ مُزلقِ الأرجاء مُنهارِ
وَالمرءُ ما دام مأسوراً بشهوتِهِ / معذّبٌ بين إحلاءٍ وإمرارِ
طوراً جديباً وطوراً ذا بُلَهْنِيةٍ / فمن عذيريَ من تاراتِ أطواري
من عائدي من جوى همٍّ يؤرّقني / نفى رُقادي وجافى بين أشفاري
أرعى نجومَ الدّجى أنّى مسالكُها / ولا نديمَ سوى بثّي وأفكاري
لحادثٍ في أخٍ ما كنت أحذره / وأين من حادثاتِ الدهر إحذاري
لَمّا دَعا بِاِسمهِ النّاعي فَأَسمَعني / ضاقَتْ عليَّ هُموماً كلُّ أوطاري
وَلُذْتُ عنهُ بِإِنكاري منيّتَهُ / حتّى تحقّق شرّادٌ بإنكاري
فَالآنَ بَينَ ضُلوعي كلُّ لاذعةٍ / تُدمي وحشو جفوني كلُّ عُوَّارِ
رُزِئتُهُ حاملاً ثِقْلي ومضطلعاً / شُحّاً عليها من الأقوام أسراري
فَيا دُموعيَ كوني فيه واكِفةً / وَيا فؤادي اِحتَرقْ جرّاه بالنّارِ
عَرّجْ على الدّار مُغبرّاً جوانبُها / فَاِسأل بها عَجِلاً عن ساكِني الدّارِ
كانَتْ تَلألأُ كالمصباح وهي بما / جنى عليها الرّدى ظلماءُ كالقارِ
وقل لها أين ما كنّا نراهُ عَلى / مَرِّ النّدى بكِ من نقضٍ وإمرارِ
وَأَينَ أَوعيةُ الآدابِ فاهقةً / تَجري خِلالك جَرْيَ الجدول الجاري
وَأَين أبكارُ فضلٍ جِئن فيك وقد / جاء الرّجال بعُونٍ غيرِ أبكارِ
وَأَين طيبُ ليالٍ فيك ناعمةٍ / كأنّهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ
يا أَحمد بن عليٍّ والرّدى عرَضٌ / يزور بالرّغم منّا كلَّ زوّارِ
نأى يشقُّ مداهُ أن تُقرّبهُ / قلائصٌ طالما قرّبن أسفاري
علقتُ منك بحبلٍ غيرِ مُنتَكِثٍ / عند الحفاظِ وعُودٍ غيرِ خوّارِ
وَقَد بلوتُك في سُخْطٍ وَعند رضىً / وبين طيٍّ لأنباءٍ وإظهارِ
فَلم تُفِدْنيَ إلّا ما أضنُّ بهِ / وَلَم تَزدنيَ إلّا طيبَ أخبارِ
لا عارَ فيما شربتَ اليومَ غُصّتَهُ / من المنونِ وهل بالموتِ من عارِ
ولم يَنَلْكَ سوى ما نال كلّ فتىً / عالي المكان ولاقى كلّ جبّارِ
فلو وَقَتْكَ من الأقدار واقيةٌ / حماك كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ
إذا دَعَتْهُ من الهيجاء داعيةٌ / سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكب السّاري
ما كان ثاري بِناءٍ عَن مَنالِ يدي / لو كان في غير أثناء الرّدى ثاري
فَاِذهَبْ كما ذهبتْ سرّاءُ أفئدةٍ / أو أمنُ خائفةٍ أو نيلُ أوطارِ
عُريانَ من كلّ ما عِيبَ الرّجالُ به / صِفْرَ الحقيبةِ من شيءٍ من العارِ
ولا يزلْ خَضِل الهُدّابِ يقطره / على ترابك سحّاً ذاتُ إعصارِ
حتّى يُرى بين أجداثٍ يجاورها / رِيّانَ ملآنَ من زهرٍ ونُوّارِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ / فَلستَ تَأخذ إلّا مِن يَدِ القدرِ
وَما أَصابكَ وَالأقدارُ كافلةٌ / بأن يصيبك لا تَلْويه بالحذَرِ
وَقَد رَأيتُ الّذي تَذوي القلوبُ بهِ / لَو لَم يَكن ليَ قلبٌ صِيغ من حَجَرِ
فَكّرْ بِقَلبكَ فيما أَنت تُبصرُهُ / فَالأرضِ مَملوءةُ الأقطار بالعِبَرِ
وَلا تَبِتْ جَذِلاً بِالشّيء يتركُهُ / عليك خطبٌ جفا عمداً ولم يَذَرِ
ولا تقلْ فاتتِ الأخطارُ إنْ عَزَبَتْ / فَلَم يَفتْ خَطَرٌ إلّا إلى خَطَرِ
كَيفَ القرارُ لِمَن يُمسِي ويُصبح في / كُلّ الّذي هوَ آتيهِ على غَرَرِ
يَبيتُ إِمّا على شَوكِ القَتادِ له / جَنبٌ وإمّا على فَرْشٍ من الإبَرِ
أجِلْ لِحاظَكَ في الأقوامِ كلِّهمُ / فَلَستَ تُبصِرُ إلّا سَنْحةَ البَصَرِ
أَما ترى ما أراهُ من عيوبِهُمُ / وليس فيها لهمْ عذرٌ لمعتذِرِ
في كُلِّ يَومٍ تراني بين أظهرهمْ / أحتال في نفعِ من يحتال في ضرري
قالوا اِصطَبِرْ قلت قد جُرِّعتُ قبلكُمُ / من التصبّرِ كاساتٍ من الصَّبِرِ
وَما اِنتَفَعتُ وطولُ الهمّ يَصحبُنِي / عمرَ الحياة بما قد طال من عُمُري
وقد غرستُ غُروساً غيرَ مثمرةٍ / وعاد بالكدِّ من لم يَحظَ بالثَّمَرِ
مِن أَينَ لِي في جميع النّاس كلّهِمُ / حلوُ الشّمائل منهم طيّبُ الخَبَرِ
أَحلى لِقَلبِيَ مِن قَلبي وأعذبُ في / مَذاقِهِ لِيَ من سمعي ومن بَصرِي
وكلّما غَمَزَت كفّي جوانبَه / غمزتُ منه أنابيباً بلا خَوَرِ
أبثُّهُ عُجَرِي حتّى يكون لها / كفيلَها وأُقضِّي عنده بُجَرِي
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ / فكاشفُ العيب من همٍّ على خطرِ
ولا تكنْ بجميلٍ علَّلوك به / مستسلمَ القلب مشغولاً عن الحَذَرِ
فالسّوءُ يظهر من دانٍ ومُنْتَزِحٍ / والنّارُ تخرج من قَدْحٍ من الحجرِ
وَالمرتضى في إخاءٍ لستَ واجدَهُ / ومَنْ عداه فمثلُ الشّوك والشَّجَرِ
وكلّ مَن أنتَ لاقيه وآلفُهُ / مفرّقٌ فيه بين الخُبْرِ والخَبَرِ
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري / ثمّ اِنقَضيتَ وما قضّيتُ أوطاري
أَنّى يَزور عَلى الظّلماءِ مِنْ شَحَطٍ / مَنْ كانَ صُبْحاً وَقُرباً غيرَ زَوَّارِ
وَلَيسَ يَنفَعُ مَن يُضحِي بمَجْدَبَةٍ / أَنْ باتَ ما بَينَ جنّاتٍ وأنهارِ
قَد زارَني قَبلكَ الشّيبُ المُلِمُّ ضحىً / فما هَشِشْتُ له ما بين زوّاري
وكنتُ أعذرُ نفسي قبل زَوْرتِهِ / فَالآنَ ضاقَتْ عَلى اللّذّاتِ أعذارِي
لَوامِع لَم تكنْ للغيث جاذبةً / وأنجُمٌ لم تُنِرْ للمُدْلِجِ السَّاري
لا مرحباً ببياضٍ لم يكن وَضَحاً / لغُرّةِ الصُّبحِ أو لمعاً لنُوّارِ
أبَعْدَ أنْ سَمَقَتْ في العزِّ أبنيتِي / وجالتِ الأرضَ آثاري وأخباري
ونِلتُ ما ذِيدَ عنه كلُّ مُلتَمِسٍ / عفواً وطامَنْ عنه كلُّ جبّارِ
وداس بي أُفُقَ الجوزاء مُنتعلاً / ما شِيد من فضل أقداري وأخطاري
يَروم شَأوي وقد عزّ اللّحاقُ به / طمّاعةٌ مِن قَصيرِ الخطو عثّارِ
أَضَلَّهُ اللّؤمُ عن ذمِّي وجنّبهُ / خُمولُهُ وَقْعَ أنيابي وأظفاري
وَقَد عَجَمْتُم أنابيبي فلم تجدوا / فيهنّ إلّا صَليباً غيرَ خَوّارِ
وَما نَهَضتمْ بأعباءٍ نهضتُ بها / ولا أحطتمْ بأطرافي وأقطاري
وَلا ضرَبتمْ ونَقْعُ الحَربِ مُلتبِسٌ / في فَيلقٍ كَزُهاءِ اللّيل جرّارِ
لا يبعدِ اللَّهُ أقواماً مضوا سَلَفاً / كانوا على نَبَواتِ الدّهرِ أنصاري
شموسُ دَجني ومقْباسِي على غَسَقٍ / وفي الحَنادِسِ أنواري وأقماري
قومٌ إذا نزلوا داراً على عَجَلٍ / كانوا نزولاً مع النّعمى على الدّارِ
وإن أهَبْتُ بهمْ في يومِ معركةٍ / جاؤوا ولم يمطُلوا عنها بأعذارِ
لا يَرهبونَ سِوى إيلامِ لائمةٍ / وَلا يَخافونَ إلّا جانبَ العارِ
كَأنّهمْ وُلدوا في الحَربِ وَاِرتَضعوا / بسائلٍ من نجيع الطّعن موّارِ
لا يعرفُ المالَ إلّا حين يجعلُهُ / سداً لثلْمٍ وإغناءً لإفقارِ
جِفانُهُ كجوابِي الماءِ فاهقةٌ / وخُلْقُهُ كزلالٍ بينها جارِ
كَم قَد بلغتُ بهمْ في مطلبٍ أَرَبِي / وكم أحذتُ بهمْ من معشرٍ ثاري
وكم جَرَرْتُ حقوفي بعد ما شَحَطَتْ / بنصرهم من لَهاةِ الضّيغمِ الضّاري
المُطعمين على خَصْبٍ ومَسْغَبَةٍ / والمنعمين على عُسرٍ وإيسارِ
طاحوا وما طاح حزني بعدهمْ ونأَوْا / عنّي وما نزحوا من بين أفكاري
رُزِئتُهُم فيدِي من بعدهم صَفِرتْ / من النّفيس وقلبي من هوىً عارِ
وَلَم يَفتهمْ وقَد حازوا الكمال على / كلّ الخَلائق إلّا طولُ أَعمارِ
وَقَد مَررنا بدارٍ بعدهمْ خَشَعَتْ / بعدَ اِعتِلاءٍ وأقْوَتْ بعد أعمارِ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ / يأوِي إليه بنو الإشفاقِ والحَذَرِ
لولاكُمُ سنداً لي والعدا أَثَري / ما كُنتُ مِن مَكرِهمْ إلّا عَلى غَرَرِ
قَد كُنتُمُ نِلتُمُ ما يَبتَغيهِ لكمْ / ذَوو المَودّةٍ لولا عائقُ القدرِ
سَطا عَلى شَملِكُمْ يَوماً فمزّقهُ / كلَّ التمزّقِ نَبْواتٌ من الغِيَرِ
فَمَن يَكُن عندهُ يا قومُ مُصطَبَرٌ / فإنّني طولَ عمري غيرُ مصطبرِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ / ولا سرورٌ ولا صفوٌ بلا كَدَرِ
يَجني الفَتى فإذا لِيمَت جِنايتُهُ / أحال من ذنبهِ ظلماً على القدرِ
وَكلُّ يَومٍ مِنَ الأيّام يعجبُنا / فَإِنمّا هوَ نُقصانٌ من العُمُرِ
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما / أَبقَى المشيبُ بوجهي نظرةَ البَشَرِ
جَنى عليَّ فقولي كيفَ أَصنعُ في / جانٍ إِذا كان يجني غير مقتدرِ
عَرا فَأعرى منَ الأوطارِ قاطبةً / قهراً وألبَسَنِي ما ليس من وَطَرِي
وَقَد حَذرتُ وَلَكنْ ربَّ مُغتربٍ / لم أنجُ منه وإنْ حاذرتُ بالحَذَرِ
فَإِنْ شَكوتُ إلى قومٍ مساكنهمْ / ظلّ السَّلامة ردّوني إلى القَدرِ
كوني كما شئتِ في طولٍ وفي قِصَرٍ / فليس أيّامُ شيبِ الرّأس من عُمُرِي
فَقُل لِمَن ظلّ يُسلِي عن مصيبتِهِ / لا سلوةٌ ليَ عن سمعي وعن بصري
شرُّ العقوبةِ يا سلمى على رجلٍ / عقوبةٌ من صروف الدّهر في الشَّعَرِ
إِنْ كان طال له عمرٌ فشيّبَهُ / فكلُّ طولٍ عداه الفضلُ كالقِصَرِ
يُلينُ منه ويُرخِي من معاجِمِهِ / كُرْهاً ولو كان منحوتاً من الحجرِ
فإن تكن وَخَطاتُ الشّيب من شَعَري / بيضاً فكم من بياضٍ ليس بالغُرَرِ
ما كلُّ إشراقَةٍ للصّبحِ في غَلَسٍ / وليس كلُّ ضياءٍ من سنا القمرِ
ما ضرّ مَن لِلنوى زُمَّتْ ركائبُهُ
ما ضرّ مَن لِلنوى زُمَّتْ ركائبُهُ / لو جاد لِي ساعة التّوديع بالنّظرِ
رميتُمُ القلبَ منّي بالوجيب وقد / فارقتمونِيَ والعينين بالسَّهَرِ
وَكِدتُ أَقضي غداةَ البين من جَزَعٍ / لو لم يكن لك قلبٌ صيغَ من حجرِ
وَكيفَ يَسلاكُمُ قلبي المشوق وقد / غيَّبتُمُ بَصري بالبينِ عَن بَصري
وَما تركتُ قراراً من فراقكُمُ / لكنْ حذرتُ وكم لم يُنجنِي حَذَري
لا تَسألِ المرءَ ما تَجنِي عَشيرتُهُ
لا تَسألِ المرءَ ما تَجنِي عَشيرتُهُ / عليه ما بين ضرّاءٍ وإضرارِ
وَربّما كانَ مِن قَومي وما شَعروا / ذنبٌ تضيق به ساحاتُ أعذاري
ما زالَ أَهلُ الحِجى والحلمِ كلُّهُمُ / مُطالَبين عن الأعمار بالثّارِ
كُنْ كيفَ شِئتَ ولم تدنَسْ بفاحشةٍ / تُلقِي على الذّمِّ أو تُدنِي من العارِ
مِن أَين لِي والمُنى ليستْ بنافعةٍ / خِلٌّ أرى فيه أغراضي وأوطاري
يَمَسُّهُ الخطبُ قبلي ثمّ يصرِفُهُ / عنّي ولو خاض فيه لُجَّةَ النّارِ
وَواحدٌ عندهُ عَزلِي وتولِيَتِي / وَمستوٍ عندهُ فَقري وإيساري
ما ودّني لاِنتِفاعٍ بي ولا عَلِقَتْ / بنانُهُ بإزاري خوفَ أحذاري
ما لِي بُليتُ وما قصّرتُ في طلبٍ / بكلِّ خَبٍّ خَلوعِ العهد غدّارِ
أُخفِي لَهُ السرَّ عَن نَفسي وليسَ له / في النّاس دَأْبٌ سوى إفشاءِ أسراري
إنّ الدّيارَ التي كنّا نُسرُّ بها / ما عُجْتُ فيها وقد أقْوَتْ بديّارِ
مرابعٌ عُطّلَتْ منها وأنديةٌ / لا رِجسَ فيها ولا بأسٌ لسَمَّارِ
مِن بعدما اِمتَلأتْ من كلّ مُمتعِضٍ / من الدَنِيَّةِ في العزّاءِ صَبّارِ
كانَت مَسايل أَيدٍ بالنّدى سُمُحٌ / فالآن هنّ مسيلاتٌ لأمطارِ
يُعطِي الكثيرَ إِذا ما المالُ ضَنّ بهِ / معطٍ ويَقرِي إذا ما لم يَكُن قارِ
تَزْوَرُّ عنهنّ أيدي العِيس واخدةً / ولا يعوج بهنّ المُدلجُ السّاري
وَقَد عُرينَ عَلى رغمِ الأنوف لنا / من كلّ نفعٍ وإحلاءٍ وإمرارِ
قَرَنْتَنِي يا محلَّ الذّمِّ معتمِداً
قَرَنْتَنِي يا محلَّ الذّمِّ معتمِداً / بِصاحبٍ ما اِرتَضاه لي أخو نظرِ
وكنتَ لا شكّ فيما أنتَ جامعُهُ / كجامعٍ بين ضوء الفجر والقمرِ
أَمّا الحبيبُ فَقد فُزنا بزَورَتِهِ
أَمّا الحبيبُ فَقد فُزنا بزَورَتِهِ / في ليلةٍ لا قَذَى فيها سوى القِصَرِ
فبتُّ أُدنِي إلى قلبي ومن بصري / مَن حلّ عندي محلَّ القلب والبصرِ
لم يطعَمِ الغُمْضَ قلبٌ فيه مُقْتَسَمٌ / وإِنّه لقريرٌ العين بالسَّهَرِ
كم بين إذْ أنا في تعذيبِهِ سهري / وَبين إِذْ أَنا في تَقبيله سمري
لا أَشكُر الدّهر أولى في الزّمان يداً / ثمّ اِستَردّ الّذي أولاه في السَّحَرِ