المجموع : 136
يا فِتنةً عرَضَتْ لي بعد ما عَزَفَت
يا فِتنةً عرَضَتْ لي بعد ما عَزَفَت / نَفْسِي عن اللّهوِ واقتَادَ الهَوى رَسَنِي
هلاّ ولَيلِيَ غِرْبيبٌ وأَنجُمه / غَوارِبٌ وَشبابي ناضِرُ الغُصُنِ
نُبِّئتُ أَنَّهمُ بعدَ البِعادِ نَسَوا
نُبِّئتُ أَنَّهمُ بعدَ البِعادِ نَسَوا / عَهدِي وقالُوا مضَى أَمسٌ بما فيهِ
وهمْ على كلِّ حَالٍ من هَوىً وقِلىً / إِنسانُ عَيني قبيحٌ بي تنَاسِيهِ
وكلَّما اقْتَرفُوا ذنباً يُزهِّدُني / أَقامَ حبِّي لَهُم عُذراً يُعفّيهِ
عَلامَ يا دهرُ بالعُدوَانِ تَحبِسُني
عَلامَ يا دهرُ بالعُدوَانِ تَحبِسُني / في غيرِ جِنْسِي وَلم أُفقَدْ ولم أَغِبِ
هَلاّ بأَدنَى العذَابَيْنِ اقتَنَعْتَ لنَا / فالذَّبحُ أَرْوَحُ من تَعذيبِ مُغتَرِبِ
لم يَنْهَهُ العَذلُ لكِنْْ زَادَه لَهَجَا
لم يَنْهَهُ العَذلُ لكِنْْ زَادَه لَهَجَا / والعذلُ مما يَزيدُ المُستهامَ شَجَى
أضَعْتَ نُصحَكَ فِيمن ليس يسمَعهُ / ولا يَرى في ضَلالاتِ الهوى حَرَجَا
ما قلبُه حاضرُ النّجوَى فيردَعُهُ الن / نَاهِي ولا نَهيَهُ في سمعِهِ وَلَجَا
مُدلَّهٌ فارقَ الأحبابَ أغْبَطَ مَا / كانُوا وكانَ بِهم جذلانَ مُبتهِجَا
يستخبرُ الدّارَ عنهم صبوةً فإذا / أَعيَتْ عليهِ جواباً ناحَ أَو نَشَجا
فاضَت بِقَانِي الدّمِ المنهلّ مقلتُهُ / فكلُّ راءٍ رآها ظنّها وَدَجَا
يا ويْحَهُ مِن جوىً يغدُو عليه ومِنْ / جَوىً يَرُوحُ إذا ليلُ الهمومِ دَجَا
أَفِدي خيالاً سَرَى ليلاً فأَشرَقَتِ الد / دُنيا بأَنوارِه والصبحُ ما انْبَلَجَا
عجبتُ منهُ تخطّى الهولَ مُعترِضاً / أَرضَ العِدا وَوُشَاةَ الحيِّ كيفَ نَجَا
إِذا رأَيتُ حَبَابَ الرّاحِ مُنتظماً / ذكرتُ ذاكَ الرُّضَابَ العذبَ والبَلَجَا
يَا لي من البَينِ لا زالَت مَطِيَّهُمُ / حَسْرَى إذا إرتَحَلَت معقولَةً بِوَجَى
سَارَت بإِنسانِ عَيني في هَوادِجِهَا / فما رَأَتْ مَنظَراً من بَعدِهِمْ بَهِجَا
فارقتُهُم فكأَنّي ما سُرِرتُ بِهِم / يَوماً وقد عِشْتُ مسروراً بِهمِ حِجَجَا
علَيكَ بالصّبرِ يا قلبي فإن خَفِيَتْ
علَيكَ بالصّبرِ يا قلبي فإن خَفِيَتْ / سبيلُهُ عنكَ فاسأَلْ عنهُ من فَقَدَا
فلن تَرى واجِداً في الناسِ فارقَ مَن / يَهوى فأَجْدى عليهِ أَن قَضَى كَمَدَا
بالأَمسِ رَاعَكَ بينٌ ما احتسبْتَ بهِ / عَسى اللقاءُ الذي لم تَحْتَسِبْهُ غَدَا
هبْ أَنَّ مِصرَ جِنانُ الخُلدِ ما اشتهتِ الن
هبْ أَنَّ مِصرَ جِنانُ الخُلدِ ما اشتهتِ الن / نُفوسُ فيها من اللّذّاتِ مَوجودُ
ماذا انْتفاعِي إذا كانت زَخَارِفُها / موجودةً وحبيبُ النفسِ مفقودُ
وما الحياةُ لمن بانت أَحِبَّتَهُ / رِضاً ولا هو في الأَحياءِ معدُودُ
يا عينُ في ساعةِ التّوديعِ يشغَلُكِ ال
يا عينُ في ساعةِ التّوديعِ يشغَلُكِ ال / بكاءُ عن لذّةِ التّوديعِ والنّظرِ
خُذي بحظِّكِ منهم قَبل بينهمُ / وبعدَهم فاجْهَدي في الدّمعِ والسّهَرِ
يَا مصرُ ما دُرتِ في وهْمِي ولا خَلَدي
يَا مصرُ ما دُرتِ في وهْمِي ولا خَلَدي / ولا أجَالَتْكِ خَلْواتِي بأفكاري
ما أنتِ أوّلُ أرضٍ مسَّ تُربَتَها / جسمي ولا فيكِ أوطانِي وأوطارِي
لكن إذا حُمَّتِ الأقدارُ كان لها / قُوَىً تُؤلِّفُ بين الماءِ والنّارِ
يا قلبُ دَعْهُم فقد جرّبْتَ غَدرَهُمُ
يا قلبُ دَعْهُم فقد جرّبْتَ غَدرَهُمُ / وَفي التّجارِبِ بَعد الغَيّ ما يَزَعُ
أكَفّرَ البعدُ عَنهم ما جَنَوهُ أم ال / أيّام أنْسَتْكَ بعد البَينِ ما صَنَعُوا
وهبْهمُ أحسنُوا هل يُرجعَنّهُمُ / إليكَ وجدُك أو يُدنيهِمُ الهَلَعُ
ألستَ بالأمسِ فارقْتَ الشَبابَ ولا / أعزّ منْهُ فَلِمْ لا رَدّه الجَزَعُ
اسيرُ نَحو بلادٍ لا أُسرُّ بِها
اسيرُ نَحو بلادٍ لا أُسرُّ بِها / إذا تَبدّتْ لِعيني هيّجتْ أسَفي
تطولُ أرضِي إذا يَمّمْتُ ساحتَها / بُغْضاً لها ثمّ تُطوى عندَ مُنصرَفي
أذْكِرهمُ الوُدّ إن صَدّوا وإن صَدفُوا
أذْكِرهمُ الوُدّ إن صَدّوا وإن صَدفُوا / إنّ الكَرامَ إذا استَعطفْتَهُم عَطَفُوا
ولا تُرِدْ شَافعاً إلاّ هَواكَ لَهم / يكفيكَ ما اختَبرُوا منه وما كَشَفُوا
به دنَوتَ وإخلاصُ الهَوى نَسَبٌ / كما نَأيتَ وإفراطُ الهَوَى تَلَفُ
رأى الحسودُ تَدانِي وُدِّنَا فَسَعَى / حتّى غَدتْ بَين دَارينَا نَوىً قُذُفُ
ومَا البعيدُ الّذي تَنأى الدّيارُ به / بَل مَن تَدانَى وعنهُ القلبُ منصرفُ
أجيرةَ القلب والفُسطَاطُ دَارُهُمُ / لم تُصقِبِ الدّارُ لكنْ أصقَبَ الكَلَفُ
أدْنَى التدانِي الهَوَى والدّارُ نازحةٌ / وأبْعدُ البُعد بين الجيرةِ الشَّنَفُ
فارقْتُكُم مُكرَهاً والقلبُ يُخبِرُني / أنْ لَيس لي عِوَضٌ منكمْ ولاَ خَلَفُ
ولو تعوّضتُ بالدّنيا غُبِنتُ وهَل / يَعُوضُني من نَفيس الجوهرِ الصّدفُ
ولستُ أنكِرُ ما يأتِي الزّمانُ به / كُلّ الوَرَى لِرَزَايا دَهرِهم هَدَفُ
كم فَاجأتني اللّيالِي بالخُطوبِ فَما / رَأتْ فُؤادِيَ من رَوْعَاتِها يَجِفُ
واستَرجَعَتْ ما أعَارتْ من مَواهِبِها / فما هَفَا بي عَلَى آثارِهِ اللّهَفُ
ولا أسِفتُ لأمرٍ فاتَ مطلبُهُ / لَكِن لفُرقةِ من فارَقْتُه الأسفُ
ما منهمُ لك مُعتاضٌ ولا خَلَفُ
ما منهمُ لك مُعتاضٌ ولا خَلَفُ / فكَيفَ يَصبرُ عنهُم قلبُك الكَلِفُ
إن جَارَ صَرفُ اللّيالي في فِرَاقِهِمُ / فليسَ عنهُمْ على الحَالاتِ مُنْصَرَفُ
هُمُ الهوَى إن تَناءَوْا عنكَ أو قَرُبُوا / هُمُ المُنى أقبلُوا بالوُدِّ أو صَدَفُوا
لا تَعتذِرْ بالنّوى إنّ الهوَى أبداً / سِيّانِ فيه التّدانِي والنّوى القُذُفُ
فالشّوقُ تُطوى لَه الأرضُ الفَضاءُ كَما / تُطوى إذا استَوعَبتْ مَضمونَها الصّحُفُ
جَاهِرْ بوَجْدِك واعصِ اللاّئِمين وَبُحْ / بِحُبّهم إنَّ كتْمَان الهَوى تَلَفُ
فَكاتِمُ الحُبِّ إن لم يَقْضِ من كَمدٍ / فإنّه لإصابَاتِ الرّدَى هَدَفُ
كَسَاتِر النّارِ في أثْوابِه غَرَراً / بها تُحرِّقُه يَوماً وتنكَشِفُ
هَل يَخْتَفِي الحبُّ أو يُغني الجحُودُ إذَا / تَحدّثَتْ بالهَوى أجفَانُكَ الذُّرُفُ
كم من هوَىً للمُغالِي فيه رتْبَةُ مَنْ / نَالَ المَعَالِي وفي إسرَافِه شَرفُ
وَيحَ المُفَارِقِ لا صبرٌ يُؤازرُهُ / ولا تَشتُّتُ شَمْلِ الحيِّ يأتَلِفُ
يزيدُه يأسُه منهُم بهم شَغَفاً / وقلّما يتَلاقَى اليأسُ والشّغَفُ
على شَفَا جُرُفٍ من شَوقِه وأرى / أن سَوف يَنْهَارُ من وجدٍ به الجرُفُ
يا غَافلين عن القَلب الذي كَلَمُوا / بِبَيْنِهِم وعَنِ الطّرِف الذي طَرَفُوا
تَفديكُم مُهجتي لا أرتَضي لكُمُ / فداءَ جِسمِيَ وهو النّاحلُ الدّنِفُ
حَاشاكُمُ من جوَى قَلبي ولَوعَتِه / عليكُمُ وحَشاً للوَجْدِ تَرتجِفُ
لَمن ألُومُ ومَن ذَا لي يَرِقُّ إذا / شكوتُ بَثّيَ أوْ أرْدَانِيَ اللّهَفُ
أنا الّذي شطّ عن أحبابِه ثِقةً / بصبرِه وهو بالتّفرِيِط مُعترِفُ
فارقتُهمْ وهُمُ عصرُ الشّبابِ ومَا / من الشّباب ولاَ مِن عصرِه خَلَفُ
وحيثُ كانُوا وشطّتْ دَارُهُم فَلَهم / منّي هوىً بِسُوَيْدا القلب مُلتَحِفُ
مَاذَا يروعُكَ من وَجدي ومن قَلَقِي
مَاذَا يروعُكَ من وَجدي ومن قَلَقِي / أمْ مَا يَرِيبُكَ من أجفَانِيَ الدّفُقِ
هَنَاكَ بُرؤُك من دَائِي ومن سَقَمِي / ونَومُ جَفْنَيكَ عن هَمّي وعن أرَقِي
إن كنتَ قَدّرْتَ أنَ الحبّ مَوردُه / سهلٌ فإنّك مَغرورٌ به فَذُقِ
لِتَستَبيح مَلامي أو ليَفْسَحَ لِي / سَدادُ رأيِكَ في جَهْلي وفي خُرُقي
لا تَحسَبَنَّ الهَوى ما كنتَ تَسمَعُه / من مُدّعٍ لمن يُعالِجْه ومُخْتَلِقِ
هذَا الهوى لا هوَى القَيْسَينِ إنّهما / عاشَا مَلِيّاً وذَا مُوفٍ على رَمَقي
فإنْ بقيتُ وبي مَا بي فَقُل رَجلٌ / في الميّتِينَ ولكِن للشَقَاءِ بَقي
وإنْ أتَاني حِمامٌ أستريحُ بهِ / فَيَا لَها مِنّةً للموتِ في عُنُقِي
ولستُ أشكُو اصْطِباري عند نَائبةٍ / ولا فُؤادِي بخَفّاقٍ ولا قَلِقِ
وإنّما أشْتكِي دهرَا يُكلّفُنِي / مالا أطيقُ فِعالَ القَادِرِ الحَنِقِ
يَروعُني كلَّ يوم بالفِراق وما / بقاءُ صبري مع الرّوعَاتِ والفَرَقِ
فَما غَدَوتُ بشَملٍ غَيرِ مَجتمِعٍ / إلا ورُحتُ بهَمٍّ غَيرِ مُفتَرِقِ
ولا تَبسَمْتُ أُبدِي للعِدَا جَلَداً / إلاّ تميَّزْتُ من غيظٍ ومن حَنَقِ
وقد غَرضْتُ بِعيشي من مُفَارَقتي / أغَرَّ أروعَ طَلقَ الرّاحتينِ تَقي
أقولُ للعين في يومِ الفرَاقِ وقَد
أقولُ للعين في يومِ الفرَاقِ وقَد / فَاضَتْ بدمعٍ على الخدّينِ مُسْتَبِقِ
تَزوَّدِي اليومَ من تَوديعهم نظراً / فَفي غَدٍ تَفرُغي للدّمعِ والأرقِ
طالَتْ يَدُ البَينِ في تَفريقِ أُلفَتِنَا
طالَتْ يَدُ البَينِ في تَفريقِ أُلفَتِنَا / فَما لَها قَصُرَتْ عن جَمعِ ما افْتَرقَا
كأنّنا الماءُ سهلٌ حِينَ تُهرِقُه / وجَمعُه مُعْجِزٌ من بَعد ما انْهَرَقَا
لكنّ قُدرةَ من يَطوي الظّلامَ عن الدْ / دنيا وينشُرُ في آفاقِها الفَلقَا
يَردّ شَمِليَ مَجموعاً وقَلبيَ مَس / روراً ويَابِسَ عُودي كَاسياً وَرَقَا
نَافَقتُ دَهرِي فَوجهي ضَاحكٌ جَذِلٌ
نَافَقتُ دَهرِي فَوجهي ضَاحكٌ جَذِلٌ / طَلْقٌ وقَلبِي كَئِيبٌ مُكْمَدٌ باكي
وراحةٌ القلب في الشّكْوَى ولَذَّتُها / لَو أمكَنَتْ لاَ تُساوي ذلّةَ الشّاكي
نَفسِي الفداءُ لمن قبّلتُه عَجِلاً
نَفسِي الفداءُ لمن قبّلتُه عَجِلاً / والبينُ يَعجبُ من وجْدِي ومن عَجَلي
فمالَ عَنّي بِفيهِ ثُمّ عرّضَ لي / خدّا جَرى فيه ماءُ الحسنِ والخَجَلِ
فأخْضَلَتْ أدمُعِي توريدَ وجْنَتِهِ / فزادَ إشراقُ ذاكَ الوردِ بالبللِ
فارتاعَ من حرِّ أنفاسِي وحرْقةِ اح / شائِي ونَهْيِيَ فاهُ العذبَ بالقُبلِ
ورَابهُ ما رَأى من رَوْعَتي فبكى / وقالَ لا كانَ ذا توديعَ مُرْتَحِلِ
ونَازِحٍ في فُؤادِي من هواهُ صَدىً
ونَازِحٍ في فُؤادِي من هواهُ صَدىً / لم يَروِ غُلَّته بالعَلِّ والنَّهَلِ
فِي فِيهِ ما في جِنَانِ الخُلدِ من دُرَرٍ / ومن أقَاحٍ ومِن خَمرٍ ومن عَسَلِ
لو كُنتُ أعلَمُ أنّ البينَ يفجؤُني / روَّيتُ قَبل النّوَى قَلبي من القُبَلِ
قُل للّذينَ نأوْا والقلبُ دارُهُمُ
قُل للّذينَ نأوْا والقلبُ دارُهُمُ / وِجدَانُنا كُلّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
جَهلتُ أُنْسِي بكُم والدارُ دَانيةٌ / حتّى إذا نَزَحَتْ أدْمَى يدِي النّدَمُ
أهكَذا أنَا بَاقِي العمرِ مُغترِبٌ
أهكَذا أنَا بَاقِي العمرِ مُغترِبٌ / نَاءٍ عن الأهلِ والأوطانِ والسّكَنِ
لا تَستقرُّ جِيَادِي في مُعَرَّسِها / حتّى أُرَوِّعَها بالشّدّ والظّعَنِ