القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 35
يا ربّ ليل بلا سناء
يا ربّ ليل بلا سناء / كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء / كأنّه النار و الهشيم
ليت الدّجى رقّ للمحبّ / أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي / كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي / أم أنت من طبعك السّهر
سهرت شوقا إلى ذكاء / أم عندك المقعد المقيم
أبكي و تصغي إلى البكاء / يا ربّ هل تعشق النجوم
قد نال فرط السّهاد منّي / و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني / في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي / ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي / هيهات . داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي ؟ / في بردتي هيكل رميم !
قد طال يا ليل فيك صبري / و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري / أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري / فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء / قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء / هان على نفسه النّسيم !
قرّب بين الضّنى و جسمي / ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي / يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي / ينشد و اللّيل في سكون !
أيمرح البوم في الخلاء / و تمسك البلبل الهموم ؟
هذا ضلال من القضاء / فلا تلمني إذا ألوم
سا سيّد المنشدين طرّا / و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا / ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت حرّا / فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء / زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء / و لا له صوت الرّخيم !
تيّمك الروض فيه حتّى / تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا / و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى / أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء / ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء / ليضحك الآسر المضيم !
و المرء وحش فإن ترقّى / أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا / و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا / و أيّ طير بغير ريش ؟
ما قام فيهم أخو وفاء / يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي / و كلّ ذي قوّة غشوم !
إن كان للوحش من نيوب / فالناس أنيابهم حديد
ما كان و الله للحروب / لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب / لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء / و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء / و لا الفتى البائس العديم
أعجب ما في بني التراب / قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب / و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب / و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء / و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء / لكنّما ضاعت الحلوم !!
لو لم يك الظلم في الطّبائع / ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع / ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع / جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء / يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي / في عرفهم فاتح عظيم !
أقبح من هذه الضّلاله / أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله / من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة / قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء / و لتنس أحقادها الخصوم !
لا تتبعوا سنّة البقاء / فإنّها سنّة ظلوم !
بيني و بين العيون سرّ
بيني و بين العيون سرّ / الله في السّرّ و العيون
إذا عصت فكرتي القوافي / أوحت لنفسي بها الجفون
هات اسقني الخمر جهرا / و لا تبال بما يكون
إن كان خير أو كان شرّ / إنّا إلى الله راجعون !!
ماذا جنيت عليهم أيّها القلم
ماذا جنيت عليهم أيّها القلم / و الله ما فيك إلاّ النّصح و الحكم
إنّي ليحزنني أن يسجنوك وهم / لولاك في الأرض لم تثبت لهم قدم
خلقت حرّرا كموج البحر مندفعا / فما القيود و ما الأصفاد و اللّجم ؟
إن يحسبوا الطائر المحكّى في القفص / فليس يحبس منه الصوت و النّغم
الله في أمّة جار الزمان بها / يفنى الزمان و لا يفنى لها ألم
كأنّما خصّها بالذّلّ بارئها / أو أقسم الدهر لا يعلو لها علم
مهضومة الحقّ لا ذنب جنته سوى / أنّ الحقوق لديها ليس تنهضم
مرّت عليها سنون كلّها نقم / ما كان أسعدها لو أنّها نعم ؟
عدّوا شكايتها ظلما و ما ظلمت / و إنّما ظلموها بالذي زعموا
ما ضرّهم أنّها باتت تسائلهم / أين المواثيق أين العهد و القسم ؟
أما كفى أنّ في آذانهم صمما / حتّى أرادوا بأن ينتابها الصّمم ؟
كأنّما سئموا أن لا يزال بها / روح على الدّه لم يظفر بها السّأم
فقيّدوها لعلّ القيد يكتها / و عزّ أن يسكت المظلوم لو علموا
و أرهقوا الصّحف و الأقلام في زمن / يكاد يعبد فيه الطرس و القلم
أن يمنعوا الصحف فينا بثّ لوعتنا / فكلّنا صحف في مصر ترتسم
إنّا لقوم لنا مجد سنذكره / ما دام فينا لسان ناطق و فم
كيف السبيل إلى سلوان رفعتنا / و هي التي تتمنّى بعضها الأمم ؟
يأبى لنا العزّ أن نرضى المذلّة في / عصر رأينا به العبدان تحترم
للموت أجمل من عيش على مضض / إنّ الحياة بلا حريّة عدم
ما زلت أنّ أحسب الحبّ زايلني
ما زلت أنّ أحسب الحبّ زايلني / حتّى نظرت إليها و هي تبتسم
فاهتزّ قلبي كما تهتزّ نابتةٌ / في القفر مرّ عليها النّور و النسم
يا حبّها لا تخف شيبا و لا هرما / فليس يقوى عليك الشيب و الهرم
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم / و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده / و الطير يحبس منها جيّد النغم
و حكّمت يده الأقلام في دمه / فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
فيا له عاشقا طاب الحمام له / إن المحبّ لمجنون فلا تلم
لكلّ ذي همّة في دهره أمل / و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا / أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه / إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي / رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا / أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
لقد صحبت شبابي و اليراع معا / أودى شبابي فهل أبقي على قلم
كأنّما الشعرات البيض طالعة / في مفرقي أنجم أشرقن في الظلم
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي / ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة / و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا / هل كان ثمّ شباب غير منصرم
أصبحت أنحل من طيف و أحير من / ضيف و أسهر من راع على غنم
و ليلة بتّ أجني من كوكبها / عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي / ما لا يفوز به غيري من الحلم
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي / و لا البكاء على ما فات من شيمي
لكنّ ( مصرا ) و ما نفسي بناسبه / مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت / نفسي العثار º و لا نفسي من الوصم
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم / ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم / و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني / إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه / شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق / تنسى العيون لديه حمرة العنم
و ما سرت نسمات نحوها سحرا / إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها / فانّني بعدها للهمّ و السّقم
جاد الكنانة عنّي وابل غدق / و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
الشرق تاج و مصر منه درّته / و الشرق جيش و مصر حامل العلم
هيهات تطرّف فيها عين زائرها / بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد / فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده / حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم / شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم / إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما / و يضحك القرد منه غير محتشم
إذا بصرت به لا فاته كدر / رأيت أسمج خلق الله كلّهم
من الأعارب لكن حين أنشده / جواهر الشّعر ألقاه من العجم
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا / كأنّما أنا أتلوها على صنم
لا عيب في منطقي لكن به صمم / إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري / إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى / في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم
لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم
لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم / فحربنا حرب أقران لأقران
ولا ((الفرنسيس)) ما هم بالعداة لنا / لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّع منسدل / لكنّهم بطعن ونيرانا بنيران
وذي بيارقنا في ((الفوج)) خافقة / وجيشنا ظافر في كلّ ميدان
قلوبنا ليس فيها غير موجدة / ذو الشّيب فيها وفحم الشّعز سيّان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها / كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحدº الكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
تردّنا عنه أمواج يلوذ بها / سميكة كالنّجيع اليابس القاني
أرى به وهو في الطّوفان مختبىء / طوفان غيظ توارى خلف طوفان
قد أصبح الماء يحميه ويمنعه / الويل للماء منّا إنّه جان
قفوا أمام القضاء العدل كلكم / وليحلفنّ يمينا كل ألماني
غليظة كالحديد الصّلب صارمة / كالموت تبقّى لأزهار وأزان
أن نبغض البغض لا تبلى مرائره / ولا يقاس ولا يحصى بميزان
وان نردّده في كلّ ناحية / وأن نكرّره تكرير ألحان
وأن نعلّم منّا كلّ ذي كبد / أن يبغض القوم في سرّ وإعلان
بغضا إلى نسلينا بالإرث منتقلا / إلى بنيهم ومن جيل إلى ثاني
عدوّنا واحد الكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
ألا اسمعوا أيّها الألمان واعتبروا / فأنتم أهللا ألباب وأذهان
... في حقل جلس الوّاد كلّم / كمحكم العقد أو مرصوص بنيان
وقام واحدهم والكأس في يده / كأنّها قبس أو عين غضبان
فقال: يا قوم ((هذا سرّ يومكم)) / ألا اشربوا º إنّ اليوم سرّان
مقالة فعلت في الجمع فعلتها / فأصبحوا وكأنّ الواحد اثنان
ما ضربة السّيف من ذي مرّة بطل / ومستطير اللّظى من قلب صوّان
ولا السّفينة في التّيار جارية / ولا الشهاب هوى في إثر شيطان
أمضى وأنفذ منها وهي خارجة / من فيه كالسّهم من أحشاء مرتان
فضاء من كان في الكأس التي ارتفعت / ومن يريد ويعني القائل العاني؟
بني بريطانيا نادوا جموعكم / واستصرخوا الخلق من إنس ومن جان
وابنوا المعاقل والأسوار من ذهب / واستأجروا الجند من بيض وعبادن
مروا أساطيلكم في البحر ترصدنا / وترصد البحر من موج وحيتان
تاللّه لا ذي ولا هذي تردّ يدا / إذا رمت دكت البنيان والباني
لا نبغض الرّوس لكن لا نحبّهم / فحربنا حرب أقران لأقران
ولا الفرنسيس ما هم بالعداة لنا / لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّقع منسدل / طعنا بطعن ونيرانا بنيران
نأتي ويأتون والهيجاء قائمة / بكل ماض وفتّاك وطعّان
لكنّما في غد يرخي السّلام على / هذي الوغى وعليهم سترنسيان
ويمّحي كلّ بغض غير بغضكم / فإنّه آمن من كلّ نقصان
حقد القلوب عليكم لا يزول وإن / زلتم وزلنا وزال العالم الفاني
في الأرض بغضكم والماء مثلهما / والبغض في الحرّ مثل البغض في العاني
الكوخ يبغضكم والقصر يبغضكم / وكلّ ذي مهجة منّا ووجدان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها / كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحدٌ والكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
مرّت ليال و قلبي حائر قلق
مرّت ليال و قلبي حائر قلق / كالفلك في النهر هاج النوء مجراه
أو كالمسافر في قفر على ظمإ / أضنى المسير مطاياه و أضناه
لاأدرك الأمر أهواه و أطلبه / و أبلغ الأمر نفسي ليس تهواه
عجبت من قائل إنّي نسيتكم / من كان في القلب كيف القلب ينساه ؟
إن كنت بالأمس لم أهبط مربعكم / فالطير يقعد موثوقا جناه
فلا يقرّبه شوق إلى نهر / و ليس تنقله في الرّوض عيناه
و ليس يشكو و لا يبكي مخافة أن / تؤذي مسامع من يهوى شكاواه
إنّي لأعجب منّا كيف تخدعنا / عن الحقائق أمثال و أشباه
إذا بنى رجل قصرا وزخرفه / سقنا إليه التهاني و امتدحناه
و ما بنى قصره إلاّ ليحجب عن / أبصارنا في زواياه خطاياه
و نمدح المرء من خزّ ملابسه / و ذلك الخزّ لم تنسجه كفّاه
و إن أتانا أخو مال يكاثرنا / بالتّبر تيها رجوناه و خفناه
و قد يكون نضار في خزائنه / دما سفكناه أو جهدا بذلناه
لا تحسب المجد ما عيناك أبصرتا / أو ما ملكت هو السلطان و الجاه
ألمال مولاك ما أمسكته طمعا / فانفقه في الخير تصبح أنت مولاه
ما دام قلبك فيه رحمة لأخ / عان فأنت امرؤ في قلبك الله
ما طائر كان في بيداء موحشة
ما طائر كان في بيداء موحشة / فساقه قدر نحو البساتين
فبات تسعده فيها بلابلها / حينا ويسعدها بعض الأحايين
مني بأسعد حظا مذ نزلت بكم / يا معشر السادة الغرّ الميامين
فررت من برد كانون فقابلني / في أرضكم بالأقاحي شهر كانون
أنسام ((أيار)) تسري في أصائلها / وفي عشياتها أنفاس ((تشرين))
توزّع السحر شطرا في مغارسها / ولآخر في لحاظ الخرّد العين
كلّ الشتاء ربيع في شواطئها / وكلّ أيامها عيد الشعانين
لكن ميامي وإن جلّت مفاتنها / لولا وجودكم ليست لتغريني
إني لأشهد دنيا من عواطفكم / أحبّ عندي من دنيا الرياحين
وكلما سمعت نجواكم أذني / ظننت أني في دنيا تلاحين
لأنتم النور لي والنور منطمس / وأنتم الماء إذ لا ماء يرويني
أحيبتكم حبّ إنسان لإخوته / إذ ليس بينكم فوقي ولا دوني
إن كان فيكم قوي لا يقاهرني / أو كان فيكم ضعيف لا يداجيني
قل لامرىء مثل قارون بثروته / إني امرؤ بصحابي فوق قارون
من يكتسب صاحبا تبق مودته / فهو الغنّي به لا ذو الملايين
فاختر صحابك وانظر في اختارهم / إلى الطبائع قبل اللون والدين
ليس الوداد الذي يبق إلى أبد / مثل الوداد الذي يبقى إلى حين
والمرء في هذه الدنيا عواطفه / إن تندرس فهو بيت غير مسكون
لوفاتني كلّ ما في الأرض من ذهب / ولم تفتني فإني غير مغبون
لو القوافي تؤاتيني شكرتكم / كما أريد ولكن لا تؤاتيني
لا يمدح الورد إنسان يقول له / يا ورد إنك ذو عطر وتلوين
فاستنطقوا القلب عني فهو يخبركم / فالحبّ والقلب مكنون بمكنون
لولا المحبة صار الكون أجمعه / طوبى الأفاعي وفردوس السراحين
إني سأحفظ في قلبي جميلكم / وسوف أذكره في العسر واللين
يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي
يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي / أحببتها قصّة و اشتقت زاويها
كانت لها صورة في النفس حائرة / مثل القصيدة لم تنسج قوافيها
وددت لو أنّها تمّت فيبصرها / غيري و تسكره مثلي معانيها
و كيف تكمل في ذهني و لم أرها / و ما لصورتها شيء يحاكيها ؟
و أيّما نغمة أدّى عذوبتها / كلام راو و لا شاد يغنّيها
أأنشق العطر لم أهبط خمائلها ؟ / و أشرب السحر لم أسمع قماريها ؟
و تصعد النفس منّي للسماء و لا / حبال نور تدلّت من دراريها ؟
كانت سعادة نفسي في تصوّرها / و النفس يسعدها وهم و يشقيها
بالوهم توجد دنيا لا وجود لها / و تنطوي عنك دنيا أنت رائيها
فكم ظمئت و في روحي جداولها / و كم رويت و غيري في سواقيها
قد كنت من قبل مثل الناس كلّهم / أقول إنّ إله الكون باريها
حتّى نظرت إليها في جلالتها / فصار كلّ يقيني أنّه فيها !
لمّا رأيت الجمال الحقّ أدركني / زهد بكلّ جمال كان تمويها
كأنّما الحور مرّت في شواطئها / في ليلة طفلة رقّت حواشيها
ففي الرمال سناء من تضاحكها / و في المياه أريج من أغانيها
أتيتها بشباب ضاع أكثره / و غيّبته اللّيالي في مطاويها
فاسترجع الحبّ قلبي فهو مغتبط / و عادت الروح خضراء أمانيها
سئلت ما راق نفسي من محاسنها ؟ / فقلت للناس : باديها و خافيها
و ما حببت من الأشجار ؟ قلت لهم : / إنّي افتتنت بكاسيها و عاريها
و ما هويت من الأزهار ؟ قلت لهم : / ألحبّ عندي لناميها و ذاويها
قالوا : و ما تتمنّى ؟ قلت مبتدرا : / يا ليتني طائر أو زهرة فيها
فربّ أنشودة من بلبل غرد / حوت حكاية حبّ خفت أحكيها
وربّ روح كروحي في بنفسجة / و سنى أطلّت على روحي تناجيها
وربّ قطره ماء لا غناء بها / شاهدت مصرع دنيا في تلاشيها
كلّ الذي لاح في أرضها حسن / و أحسن الكلّ في عيني أهاليها
إلاّ ذوو السحن السوداء واعجبا / أجنّة و ذباب في نواحيها ؟
إنّي ليكبت روحي أن ألاحظهم / بمقلة أبصرت فيها غوانيها
دع المساويء في الدنيا فما برحت / فيها محاسن تنسينا مساويها
كم حاول اللّيل أن يطوي كواكبه / فكان ينشرها من حيث يطويها
واذكر أكارم قوم عنصرهم / و أشبهوا بسجاياهم أقاحيها
بني بلادي ! و فيكم من خمائلها / جمالها و التّسامي من روابيها
تسلّت النفس عن أحبابها بكم / لولاكم لم يكن شيء يسلّيها
أكرمتموني فشكرا غير منقطع / دوام شكرك للنعماء يبقيها
لمني إذا حلت عن عهودي
لمني إذا حلت عن عهودي / و لا تلمني على هيامي
ما كنت أخشى من المنايا / فكيف أخشى من الملام ؟
قد نزل الحبّ في فؤادي / ضيفا و لكن على الدوام
فبات قلبي له طعاما / وبتّ أنأى عن الطعام
أعدى غرامي النجوم حتّى / أسهرها في الدجى غرامي
لو تعرف الشمس ما للهوى لم / تبن لطرف من السّقام
أصاب سهم الفراق قلبي / و أخطأت قلبه سهامي
و كان خوفي من التنائي / خوف كفيف من ( التّرام )
إن فراق الحبيب عندي / أشدّ وقعا من الحمام
لو يبعد البعد عن حبيبي / ما عنّ يوما لمستهام
أنا إمام الذين هاموا / و أيّ قوم بلا إمام
فليس قبلي و ليس بعدي / و لا ورائي ولا أمامي
ما كان أحوجني يوما إلى أذن
ما كان أحوجني يوما إلى أذن / صمّاء إلاّ عن المحبوب ذي الأنس
كي لا يصدّع رأسي صوت نائحة / و لا تقطّع قلبي أنّه التّعس
و لا يمرّر نفسي الأدعياء و لا / ذمّ الأفاضل من ذي خسّة شرس
أقول هذا عسى حرّ يقول معي / ما كان أحوج بعض النّاس للخرس
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه / و يا دموع أعينيني فأبكيه
بحثت لي عن معزّ يوم مصرعه / فلم أجد غير محزون أعزّيه
و ما سألت امرءا فيما تفجّعه / إلاّ و جاوب - " إنّي من محبّيه "
كأنّما كلّ إنسان أضاع أخا / أو انطوت فجأة دنيا أمانيه
فذا أساه لهيب في أضالعه / و ذا أساه دموع في مآقيه
فهل درى أيّ سهم في قلوب رمى / لما نعاه إلى الأسماع ناعيه ؟
يا شاعر الحسن هذا الروض قد طلعت / فيه الرياحين و افترّت أقاحيه
و شاع " أيّار " عطرا في جوانبه / و نضرة و اخضرارا في روابيه
فأين شعرك يسري من نسائمه ؟ / و أين سحرك يجري في سواقيه ؟
هجرته فامّحت منه بشاشته / مات الهوى فيه لمّا مات شادية
أغنى عن الدّرّ في القيعان مختبئا / درّ يساقطه الحدّدا من فيه
و كان للسحر تأثيره فأبطله / بالسحر يجري حلالا في قوافيه
بلاغة " المتنبّي " في مدائحه / و دمع " خنساء صخر " في مراثيه
لا يعذّب الشعر إلاّ حين ينظمه / أو حين ينشده أو حين يرونه
و يا طبيبا يداوي الناس مع علل / داء الأسى اليوم فيهم من يداويه ؟
أمسى الذي كان يشجينا و يطربنا / لا شيء يطربه لا شيء يشجيه
لقد تساوى لديه شدو ساجعة / و صوت نائحة في الحيّ تبكيه
صارت لياليه نوما غير منقطع / و لم تكن هكذا قبلا لياليه
قد كان نبراسنا في المعضلات إذا / ما ليلها جنّ واربدّت نواصيه
فمن لنا في غد إن أزمة عرضت / و ليس فينا أخو حزم يضاهيه
من للحزين يواسيه و يسعده / و للمريض يداويه فيشفيه
يا قائد القوم إن تسأل فإنّهم / باتوا حيارى كإسرائيل في التيه
لمّا رأوك مسجّى بينهم علموا / ما العيش غير أخاييل و تمويه
يا رزق قلبي عليك اليوم منفطر / و كلّ قلب كقلبي في تشطّيه
لم يحو نعشك جسما لا حراك به / بل أنت آمالنا موضوعة فيه
غدا يواريك عن أبصارنا جدث / لكنّ فضلك لا شيء يواريه
أنشودة في ضميري كم أواريها
أنشودة في ضميري كم أواريها / و ما شقائي إلاّ أن أغنّيها
ولّى الشتاء و نفسي في كآبتها / و استضحك الصّيف إلاّ في نواحيها
كأنّها زهرة في الظّلّ ثابته / لانور يغمرها لا ماء يسقيها
كأنّها الحرب في قلبي زلالها / و بعض أهلي أقوام تعانيها
حكاية أتقلّى حين أسمعها / و يأكل الحزن قلبي حين أرويها
وا رحمتاه لأوربا فما فتكت / أفعى بأفعى كأهليها بأهليها
لم يبق غير الضواري في خلائقها / و من حضارتها إلاّ مخازيها
كانت تعدّ الدواهي في مصانعها / لغيرها فأصابتها دواهيها
و كلّ طابخ سمّ سوف يأكله / و كلّ حافر بئر واقع فيها
لو دام أيمانا لم تنطلق سقر / بدورها و الأفاعي في مغانيها
لكن أكبّت على الآلات تعبّدها / و تستعين بها من دون باريها
فصار مالكها عبدا لسلطتها / و صار كلّ لاضعيف من أضاحيها
وصارأنسانها للحلب آونة / و الذّبح مثل المواشي في مراعيها
يا نفس سرّي و يا أنشودتي انطلقي / من علّم الصمت إنّ الصمت يؤذيها
أيشرق الأفق لم يطلق كواكبه / و تجمل الأرض لم تخرج أقاحيها
أليوم يوم القوافي تهفين بها / لا يشرب النالس خمرا لم تصبّيها
هذا هو العيد قد لاحت مواكبه / يا قلب هلّل لها يا شعر حيّيها
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل / وقل كما قالت الأنباء والرّسل
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طربا / ما لأجمل الرّسل في عيني وما نقلوا
فاجمع رواياتهم واملأ بها أذني / حتى تراني كأنّي شارب ثمل
دع زخرف القول فيما أنت ناقله / إنّ المليحة لا يزري بها العطل
فكلّ سمع إذا قلت ((السّلاف)) فم / وكلّ قول إليهم ينتهي عسل
لا تسقني الرّاح إلاّ عند ذكرهم / أو ذكر قائدهم أو ذكر ما فعلوا
هم المساميح يحي الأرض جودهم / إذا تنكّب عنها العراض الهطل
هم المصابيح تستهدي العيون بها / إذا كفهرّ الدّجى واحتارت المقل
هم الغزاة بنو الصّيد الغزاة بهم / وبطشهم بالأعادي يضرب المثل
قوم يبيت الضّعيف المستجير بهم / من حوله الجند والعسّالة الذّبل
فما يلم بمن صافاقهم ألم / ولا يدوم لمن عاداهم أمل
تدري العلوج إذا هزّوا صوار مه / أيّ الدّماء بها في الأرض تنهمل
((وللغرندق)) رأي مثل صارمه / يزلّ عن صفحتيه الحادث الجلل
المقبل الصّدر والأبطال ناكصة / تحت العجاجة لا يبدو لها قبل
والباسم الثّغر والأشلاء طائرة / عن جانبيه وحرّ الطّعن متّصل
سعد السّعود على السّؤال طالعه / لكنّه في ميادين الوغى زحل
في كلّ سيف سوى بتّاره فلل / وكلّ رأي سوى آرائه زلل!
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم / ما لم تشيّده أملاك ولا دول
وقائد الجيش ما للريح منفرج / فيه ولكن لها من حولها زجل
موهّم الترك لّما حان حينهم / أن الألى وتروا آباءهم غفلوا
حتّى طلعت من ((القوقاس)) في لجب / تضيق عنه فجاج الأرض والسّبل
فأدركوا أنّهم ناموا على غرر / وأنّك البدر في الأفلاك تنتقل
يا يوم صبّحتهم والنّقع معتكر / كأنّه اللّيل فوق الأرض منسدل
ليل يسير على ضوء السّيوف به / ويهتدي بالصّليل الفارس البطل
بكلّ أروع ما في قلبه خور / عند الصّدام ولا في زنده شلل
وكلّ منجرد في سرجه أسد / في كفّه خذم في حدّه الأجل
وكلّ راعفة بالموت هادرة / كأنّها الشّاعر المطبوع يرتحل
سوداء تقذف من فوهاتها حمما / هي الصّواعق إلاّ أنّها شعل
لا تحفظ الدّرع منها جسم لا بسها / ولا ينجي الحصون الصّخر والرّمل
فالبيض تأخذ منهم كيفما انفتلت / والذّعر يمعن فيهم كيفما انفتلوا
وكلّما وصلوا ما انبتّ باغتهم / ليث يقطع بالفصّال ما وصلوا
فأسلموا(( أرضروما)) لا طواعية / لو كان في وسعهم إمساكها بخلوا
كم حوّطوها وكم شادوا الحصون بها / حتّى طلعت فلا حصن ولا رجل
وفرّ قائدهم لّما عرضت له / كما يفرّ أمام القشعم الحجل
ومن يشكّ بأنّ الوعل منهزم / إذا التقى الأسد الضّرغام والوعل؟
لم يقصر الزّمح عن إدراك مهجته / لكت حمى صدره وقع الظّبى الكفل
تعلّم الرّكض حتّى ليس تلحقه / هوج الرّياح ولا خيل ولا إبل
يخال من رعبة الأطواد راكضة / معه وما ركضت قدّامه القلل
ويحسب الأرض قد مادت مناكبها / كذاك يمسخ عبن الخائف الوجل
وبات((أنور)) في ((يلديز)) مختبئا / لأمّه وأبيه الشّكل والهبل
يطير إن صرّت الأبواب طائره / ويصرخ ((الغوث))لا إمّا وسوس القفل
في جفنه أرق في نفسه فرق / في جسمه سقم في عقله دخل
في وجهه صفرة حار الطّبيب بها / ما يصنع الطّبّ فيمن داؤه الخبل؟
لم يبق فيه دم كيما يجمعه / في وجهه عند ذكر الخيبة الخجل
يطوف في القصر لا يلوي على أحد / كأنّه ناسك في القفر معتزل
لا بهجة الملك تنسيه هواجسه / ولا تروح عنه الأعين النّجل
يزيد وحشته إعراض عوّده / وينكأ الجرح في أحشائه العذل
إذا تمثّل جيش التّرك مندحرا / ضاقت به مثلما ضاقت بذا الحيل
يا كاشف الضّرّ عمن طال صبرهم / على النّوائب لا مرّت بك العلل
أطلقتهم من قيود الظّلم فانطلقوا / وكلّهم ألسن تدعو وتبتهل
لو كان ينشر ميتا غير بارئه / نشرت بعد الرّدى أرواح من قتلوا
بغى عليهم علوج التّرك بغيهم / لم يشحذوا للوغى سيفا ولا صقلوا
خانوهم وأذاعوا أنّهم نفر / خانوا البلاد بما قالوا وما عملوا
يا للطّغام ! ويا بهتان ما زعموا / متى أساء إلى المخلب الحمل؟
أجدّكم كلّما جوّ خلا ((أسد)) / وجدّكم كلّما شبت وغى ((ثعل))؟
قد جاء من يمنع الضّعفى ويرغمكم / إن تحملوا عنهم النّير الذي حملوا
أمّنت (( أرمينيا)) مّما تحاذره / فلن تعيث بها الأوغاد والسّفل
ظنّوك في شغل حتّى دهتهم / فأصبحوا ولهم عن ظنّهم شغل
مزّقت جمعهم تمزيق مقتدر / على المهنّد بعد اللّه يتّكلى
فهم شراذم حيرى لا نظام لها / كأنّهم نور الآفاق أو همل
ألسنتهم ثوب عار لا تطهّره / نار الجحيم ولو في حرّها اغتسلوا
((جاويد)) فوق فراش الذّلّ مضطجع / و((طلعت)) برداء الخوف مشتمل
أتستقر جنوب في مضاجعها / وفي مضاجعها الأرزاء والغيل؟
وتعرف الأمن أرواح تروّعها / ثلاثة : أنت والنّيران والأسل؟
لو لم تقاتلهم بالجيش قاتلهم / جيش بغير سلاح إسمه الوهل
أجريت خوف المنايا في عروقهم / فلن يعيش لهم نسل إذا نسلوا
قد مات كهلهم من قبل ميتته / وشاخ ناشئهم من قبل يكتهل
وقد ظفرت بهم والرّأس مشتعل / كما ظفرت بهم والعمر مقتبل
فتح تهلّت الدّنيا به فرحا / فكلّ ربع خلا ((أستانة)) جذل
الشّعب مبتهج والعرش مغتبط / وروح جدّك في الفردوس تحتفل
سكت خوفا و قلت الصفح من خلقي
سكت خوفا و قلت الصفح من خلقي / و نمت جبنا و قلت الحلم من شيمي
و إنّما أنت و الأقوام قد علموا / لولا خمولك لم تسكت و لم تنم
لم تمتنع أنفه لكن قد امتنعت / عليك أشباه ما قد صاغه قلمي
حاولت وجدان عيب لي فكنت كمن / يحاول الماء في البركان ذي الضّرم
فقلت للقوم فيما قلت تخدعهم / لقد هجاني و بعض الهجوم كالوصم
ألذمّ عار و لكن ذمّ ذي كرم / و الحمد لله لم نذمم أخا كرم
سأحبسنّ لساني عنك شمم / وحرمة لأهيل الودّ و الذمم
قوم لعمر أبي لو كان سفك دمي / و لا مغالاة يرضيهم سفكت دمي
إنّي أجلهم عن أن يغيّرهم / كلام ذي حسد أول متّهم
ما العجر أقعدني لما كففت يدي / لكن لأجلهم نهنهت من كلمي
و لو أشاء ملأت الأرض قاطبة / قوافيا و أفضاء الرّحب بالحكم
و لست أعجب ا لم تشتك ألما / إنّ الجمادات لا تشكو من الألم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025