القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 59
قالوا وقد شاهدوا نزفي وعضَّ يدى
قالوا وقد شاهدوا نزفي وعضَّ يدى / من العقوقِ لإيماني وإحساني
ألم يحن أن تَعافَ الناسَ معتزلاً / فقلتُ كلاّ فخلَّى كُّل إنسانِ
لئن سخطتُ فحسبي أن أؤدَّبهم / ولن افرطَ في برِّى وإيماني
أولىَ لدىَّ عقوقُ النَّاسِ أجمعهم / من أن أُقابلَ عُدواناً بعدوانِ
إني بريء منك يا بدني
إني بريء منك يا بدني / فلست فيك بحال أيّ مرتهن
ولست مرآة روحي في تصوّفها / وإن زعمت وإن حاولت يا بدني
ولست منصف حسن ثائر بدمي / ولا غرامي وقد ندا عن الزمن
مهما مدحت فما عبرت مكتملا / عن الشباب الذي في الروح لم يهن
ولا عن الشوق جياشا بلا أمل / ولا عن الشعر فوارا بلا سنن
ظلمت فيك ولو حاولت تنصفني / وبنت عنك وإن عدوك من سكني
فعل جسمي في نور أهيم به / أو في حنان ولحن عانقا أذني
أما تعاريف روحي فهي نائية / عن كل فهم وعن حدس وعن فطن
كأنها من معاني الله قد خلقت / فلم تكيف ولم تسكن ولم تبن
أو أنها بعد لم تخلق وإن فطرت / أو أنها لم تزل كالحلم في الوسن
لو يعرف الحسن إحساني لأبدعني / بعطفه فوق معنى الروح والبدن
لو كنت كالمتنبي في جراءته
لو كنت كالمتنبي في جراءته / وفي التحدي لحساد وأعداء
لطرت فوق بساط الريح منصلتا / سيفا يمزق ما آذاك من داء
قد سار وصف له في سعره مثلا / للفن والفن عندي فوق إنشائي
يا منسي الناس آلاما لعلتهم / عوفيت واسلم كعيسى في سويدائي
أعدّ ساعات قرب موشك ثملا / كراهب بين تسبيح وإصغاء
إني على الحب قد نشئت لا عوض / عنه لروحي أو سر لإحيائي
وما الجمال سوى ند لروعته / أو توأم بين أطياف وأضواء
أهلا بعودك للأحياء تسعدهم / وتنشر النور فيهم بعد ظلماء
الحب والحسن في كفيك قد رفعا / للمهتدين فيما يجزيك إطرائي
الموحيات حيالي لا عداد لها
الموحيات حيالي لا عداد لها / يامن نقدت استجاباتي وعاداتي
إن البعوضة قد توحي بنشوتها / لما تغنت فتونا من صباباتي
والجدجد الهانىء المغرى بليلته / تفيض آهاته من نبع آهاتي
ونفحة العطر أشواق تساورني / كأنما مثلت أمواجه ذاتي
والجلمد الصامت المقهور يهمس لي / في الصمت لهفان ألوان الشهيات
والجدول المتأني في تأمله / خواطري مفعم مثلي بلذاتي
وباسم العشب حولي في تفاؤله / رغم الهجير خيالاتي ومرآتي
وباسم العشب حولي في تفاؤله / رغم الهجير خيالاتي ومرآتي
وما حواه الحصى نشوان مؤتلقا / كأنما هو من تيجان ربات
حتى الحطام الذي لا شيء يعدله / في بؤسه ربما أوحى تعلاتي
هذي وتلك وآلاف تماثلها / عرائس يتنافسن بأبياتي
لا تحتقرها فقد تشأى عوالمها / مهما ضؤلن أعاجيب السماوات
ولا تقس ما لفني في تأثره / بما يهزك أو خمري وجناتي
كم من أواصر فيما أنت تنكره / لمهجتي كم أمان كم تحيات
الكون أجمعه شعر أفيض به / وكل ما فيه إيحاء لآياتي
ورب شيء تظن الحسن جاوزه / أخصه بحناني أو عباداتي
أشح بوجهك عن فكري وعن نظري
أشح بوجهك عن فكري وعن نظري / فربما هيجا كالصاخب الشرر
ولا تقل مصر صارت جنة أنفا / صانت لي الحب في فردوسها العطر
فما عرفت بها إلا زيانية / في كل عهدٍ وحظي عندهم ضرري
وما أقل صحابي في خمائلها / ماتوا على الجمر أو عاشوا على الحذر
كأنما النحس غنى يوم مولدنا / ملاحم البأس والآلام والخطر
وما أشك بإخلاص لقادتها / من أنقذوها من الطاغوت والخور
لكن أشك عميما في حصافتهم / فقد غدا صنعهم أضحوكة القدر
العازفين عن الأحرار شردهم / يأس وجمعهم تأنان محتضر
والحاضنين عبيد الظلم من كفروا / بالحق وافتخروا بالموقف القذر
والحالمين بإعزاز لأمتهم / على ايادي لصوص بالغي الضرر
والقائلين ذوي الألباب في عمه / كأنّما جردوا من نعمة البصر
والخائفين الحيارى من مؤامرة / وهمو همو وحدهم إلهام مؤتمر
والخاذلين رجالا مهدوا لهمو / بالفكر والروح والإيثار للظفر
والشاكرين سفيها ظل خائنهم / وإن تشدق بالأشعار والسور
والصافعين وفيا بات يمدحهم / من أجل مصر وشهما جل عن وطر
والقانعين بأطفال حيالهمو / اجل هم لهم في اللهو والسمر
هذي وهذي وهذي كلها عبر / لكنهم غفلوا عن هذه العبر
حتى لأخشى عليهم من عمايتهم / كأنهم شابهوا المغلوب من أكر
يا لائمي المتجني إن تكن رجلا / إجعل حديثك عن ماضي واعتبر
التضحيات الغوالي ملء ساحته / صلبن مثل سنين ضعن من عمري
ما عابني طعن من خانوا ومن غدروا / إن لم أخن مبدئي أو لم تخن فكري
في ذمة الله ما أسلفت من مثل / عليا وما لم أزل اسديه من غرر
أنا الفقير سوى من خلق مبتدر / إلى الصلاح ومن إبداع مقتدر
إن فاتني جدد الحكام ما فتئت / مآثري كذيول الشمس في أثري
الخاسرون همو حتى وإن حرمت / نفسي الرؤى في سماء النيل أو قمري
فإن في النفي تطهيرا أحس به / كأنما أنا قديس لمنتظر
آثرته مشمئزا من حماقتهم / وإن خلفت لهم غفران معتذر
وقد كفاني يراعي الحر أو وترى / مجدا يرام وأغنت عالمي صوري
كما نفضت يدي منهم بلا اسف / وما نفضت يدي من مصر أو نظري
وددت أهدي طويل العمر من أدبي
وددت أهدي طويل العمر من أدبي / في عيده نفح أضواء وأنداء
أبقى على الدهر من أموال دولته / ولن يبز بإشعاع وأشذاء
ولن تسامى بشعر عبقريته / كأنما فوق معنى الوحي إيحائي
أصغت إلى شدوه الآرباب ساهمة / والأنبياء وأعلام الألباء
فلم أجد غير صدق النصح يشفعني / واشرف النصح لا يجزى بإصغاء
لكنني لا أزال الحر معتمدا / على وفائي وإخلاصي وآرائي
أزجي لكم من ضميري في تجاربه / عبر القرون تعالت فوق أهواء
معالم الحق لم تخذل مسائلها / وخبرة لم تزل ذخري وإثرائي
كما نصحت لكم من قبل في شغفي / بخيركم فكبا صوتي وأصدائي
كأنما كان تبصيري لكم سفها / وحكمة الحر سم للأرقاء
في عيد ميلادك الميمون أي هدى / يرجى سوى طرد هذا الموغل الداء
وكيف يطرد إذ يحمي زبانية / هذا الأذى لشجى مؤتى وأحياء
قد أصبح الملك فذا في دعارته / ورمزه بين إجرام وفحشاء
من كل أرعن في عرنينه خرف / وكل لص وسكير وزناء
فاقوا الجراد وباء حينما أتفقوا / على الخراب لأموال وأرجاء
حتى بيثرب ضج القبر من جزع / لأمّة بعد نور رهن ظلماء
حتى بمكة صار البيت في دنس / من قومكم بين أبناء وأحباء
مبددي المال تبديدا لسمعتهم / وقاتلي الشعب في بؤس وأنواء
دون المعارف قد لائت مفارقهم / أعراض طيش وزهري وأقذاء
حتى غدوا هكذا أعداء أنفسهم / وقومهم فوق أدواء وأعداء
يا ويحهم جعلوا الإسلام سخرية / وظلمة بعد أمجاد ولألاء
وهيؤوا ثورة كبرى ستلحقهم / وملككم إن بقيتم رهن إغضاء
من يسحق الحق يحييه ويشعله / والحق أفصح نطقا وسط ضوضاء
وناشدو الحق يوما ظافرون به / مشوا على النار أم ساروا على الماء
لم يفجع الدهر أحلامي ويرهقها
لم يفجع الدهر أحلامي ويرهقها / إلا وعندي له من قبل حسبان
يا من خذلتم رجائي في مودتهم / مهما نسيت فمالي اليوم نسيان
باركت تطهيركم أوطاننا سلفا / فإن أغلى عزاء المرء أوطان
وإن حزنت لرهط لم يزل لهمو / شأن وخيرهمو أفعى وثعبان
يا ليتكم قد جمعتم كل عزمتكم / يوم الحساب لمن زلوا ومن خانوا
ما احتملتم وصوليا يراودكم / يوم الحساب لمن زلوا ومن خانوا
وما احتملتم وصوليا يراودكم / غنم الدنيء له الأحرار قربان
أتهملون الآلى قد مهدوا زمنا / لنصركم وتعزون الألى هانوا
أتغفلون عقولا من مواهبها / شعت وعزت وسادت قبل أزمان
أتكرمون صغارا كل قيمتهم / زيف وليس لهم صدق وغيمان
في مثل هذا يحار الفكر في زمن / قد ساده الفكر لما اعتز إنسان
لا تحسبوه صديقي بعد خذلاني
لا تحسبوه صديقي بعد خذلاني / في العيش إن جاء بع الموت يرعاني
وزفّ إكليل زهر ليس ينفعني / كأنّه حجر من فوق أكفاني
ما كان أولاه لما لج بي مرضي / لو زارني ورعاني ثم عاداني
لا أن يجانبني نذلا ويهجرني / والموت يرمقني في موقف الجاني
حسبت أني أساوي بعض خردلة / لديه فانهال تقديري وحسباني
وكان يغرق إطراء ويذكرني / كأن ذكري تسبيح لديّان
حتى إذا الموت في أثواب ممتحن / أتى تهارب من إحساس إنسان
وفاتني لأعاني أزمة عرضت / كأن موتي الذي قاسيت موتان
فإن يكن في شفائي اليوم معجزة / فبعضها بعد هذا البعث سلواني
أنا الغني بقلبي حين أرخصني / من كنت أغليه فاستغنى وألقاني
وهو الفقير بثروات يجمعهها / كأنها رمز إفلاس لخوان
عزّ الوفاء فما يبقى أخو ثقة / كأنها نعمتي في هم دفان
إني لأفقد أحبابي وأدفنهم / إلا بقاء خيال دون برهان
صدّاحة الشرق مذ أتتنا
صدّاحة الشرق مذ أتتنا / نجواك غنّى لنا الأمان
في النور في العطر رنحتنا / أنفاسك العذبة الحسان
لم تمنحي العاشقين حلما / بل فوق ما أملوا وكانوا
الكون من حولنا أغان / وكل نجم لنا كمان
كأنما السحر قد حباه / بكل ما يبدع الحنان
يا من أتت تستطيب حينا / عوفيت والفن والبيان
ما كان في قربك اغتراب / ولا عناء الذين عانوا
بالله جودي على فؤادي / بنفحة منك تستبان
وأنشدي للعزاء شعرا / في مسمع الخلد قد يصان
عادانيَ الدهر نصف يوم / فانكشف الناس لي وبانوا
يا أيها المعرضون عنا / عودوا فقد عاود الزمان
مؤسّس الدولة المرهوب جانبها
مؤسّس الدولة المرهوب جانبها / ومن شأت قمة الدنيا مبانيها
ومن تظل المعالي من مبادئها / وباقيات المزايا من معانيها
ومن يشيم بها الأحرار قدوتهم / ويعرفون الأمانيّ أمانيها
ومن تعيش بها الأجواء أجمعها / مثل الشعوب التي قد اسعدت فيها
كل له منزل حي ومؤتلف / وعزّة لم تكن وهما وتمويها
حتى الطيور تغنّت في موائلها / بنشوة فوق ما أوحت أغانيها
حتى الوحوش التي تمحى مسارحها / من العداء تهادت في مجاليها
حتى الطبيعة في أرجائها سكنت / فيها الألوهة ألوانا لرائيها
اليوم ميلادك الوضاء نعرفه / وإن حجبت بآثار نحييها
أبا البلاد التي يحيا الجميل بها / مكرر العطر يجري في أقاحيها
وفي الجميل المحلى من بواسقها / وفي الطليق المغني من قماريها
وفي جميع ناحيها كأن بها / لذكرك السمح تقديسا وتاليها
وفي جميع مباديها التي انتشرت / فرنّحت أمما شتى مباديها
يا من تبنتك أخلاق منزهة / عن الصغار فتاهت في تبنيها
جعلت سيرتك الغراء رائدة / للرائدين فعبوا من دراريها
يا قائد الثورة الكبرى ومنميها / حتى استحالت لظى أفنى أعاديها
وآخذ النصر والأيام مدبرة / والخصم يمعن تحقيرا وتسفيها
آمنت بالحق حتى صرته رجلا / وبالتقى فغدا دينا لأهليها
وغذ نجت من أذى الطاغوت ظافرة / بعزها كنت ربانا يراعيها
ولم تزل يا أبا إن نام عن ولد / وأمهم لم يناموا عنه تنويها
حاشاك فالموت للأحرار مخلدهم / وللمبادىء معليها ومحييها
وهكذا سيرة الأبطال ملحمة / الخلد شاعرها والدهر راويها
نبئت أنك عن قرب ستسعدنا
نبئت أنك عن قرب ستسعدنا / بيوم عرسك إني جد منتظر
وذي سطور على بعد أحملها / شوقي إليك بيوم عاطر مطر
حيث الأزاهير حولي ليس ينقصها / إلا محياك سمحا ماليا نظري
وحيث في الطل أنغام تداعبني / كأنها من معاني شدوك النضر
وحيث بكرت الأطيار شادية / والطل يغمرها بالحب والخفر
وحيث تبتهج الأشجار راقصة / بالذكريات ومن ألوانها ذكري
وحيث في العشب عباد تصوفهم / سجودهم في الحصى والشوك والحجر
وحيث رفت فراشات كآلهة / يبحثن عن عالم للحب مبتكر
وحيثما حشرات لا عداد لها / نأين عن صور العدوان والخطر
ولذن بالغيث والأزهار آمنة / وقد حمين بمن ناجين من شجر
كأنما هي أهلوها وأخوتها / إن شمخن وما شاكلن للبصر
كأنها هي بعضي حين أرمقها / تهفو إليّ ولم يعلق بها ضرري
وحيثما الساحل الدافي لزؤريه / كنز من التبر أو كنز من الدرر
تظرتها كلها في خطف ناظرتي / كأنها معرض قد طاف بالصور
فقلت يا ليت عيسى كان ناظرها / قربي وكان لساني اليوم أو وتري
وإذ حرمتك صاح الشعر في قلمي / لكي أخصّك بالجياش من فكري
ومن عواطف قلب أنت مسعده / في كل حال وحاميه من الغير
يا ما أقلّ الألى ينسون أنفسهم / ويسعدون الورى إسعاد مقتدر
حلمت أنك قد أصبحت معتزلا
حلمت أنك قد أصبحت معتزلا / مثلي ولكن بحق كعب أحبار
هنا تحدث عن دين عناكبنا / كما يحدث عنه الجدول الجاري
ومارح الطير غريدا ومستمعا / وواثب العطر من حانوت عطار
ورهبة الريف في نبت وفي حجر / كمعبد مستقر منذ أدهار
كأنما كل ركن فيه صومعة / رفت أناجيلها ما بين أشجار
ملء الأشعة أو ظل لها نضر / وفي تبسم أنداء وأزهار
وفي هوى حشرات من تبرّجها / كل المعاني لعشّاق وسمار
هنا توحدت الأديان صادقة / ولم توزع لأنجاس وأطهار
هنا المحبة كنز لا انتهاء له / والفن يختال في لحن وأشعار
هنا الورى كلهم إيمانهم عمم / ولا تفرقهم أهواء فجار
هنا الحياة حياة لا حدود لها / وعزلتي هي تسبيحي وإيثاري
هنا وددتك في قربى تشاركني / هذا الجمال زميلين بأسفار
قد اعتنقنا الهدى لكن تصوفنا / بزّ التصوف في آيات ذكرا
وفات أوهام من هاموا ومن زعموا / أن الطبية خصّتهم بأسرار
فنحن أبناؤُها الأبرار أجمعنا / لدى حماها وما هامت بمختار
وكل من جاءها أهل لنعمتها / وكل من زارها كعب لأحبار
دورٌ من القدم الغالي مجلّلة
دورٌ من القدم الغالي مجلّلة / تبعثرت بين أشجار وغيطان
أرنو إليها فتعدوني بنظرتها / إلى ترقرق غدران وشطآن
وبعضها صاحب العليق في شغف / كأنها في عناق ليس بالفاني
جلست في المرج كالمشدوه أرقبها / فلم تعرني التفاتا بعد نسياني
أنا الغريب الذي يرجو رعايتها / فما لها شغلت عن خير حسباني
هل العصافير والغربان تسعدها / وليس تسعدها أشواق إنسان
لا بدع إن كانت السلاك حاشدة / بهن في صلوات مثل رهبان
والشمس تضفي سناء من أشعتها / كأن إشعاعها غفران ديان
أم أنني في نزوحي عن مشاهدها / صار احتفائي بها أدنى لنكران
وصار أولى بها من رام ألفتها / في كل فصل ولم يحفل بميزان
حاذر من الشمس قالوا إنها خطر / وإن تقبيلها إحراق نيران
فقلت يا حبذا فالنار في لهفي / فما أبالي إذا شبت بجثماني
لقد هجدرت نيويورك لأعبدها / فكيف أحذرها في فرط غيماني
لم يشكها شجر أو طائر غرد / ولا أزاهير من ميراث نيسان
ولا اشتكت حشرات ثم راقصة / كأنها الفن والإشعاع في آن
فكيف أشكو وأخشى من توهّجها / والشمس روحي وإلهامي وجسماني
كأنما أشكو وأخشى من توهجها / والشمس روحي وإلهامي وجسماني
كأنما أخنتون حين مجدها / قد ناب عني في حبي وقرباني
كأنني البحر في موج يغازلها / أو أنّني العشب في أحلام نعسان
وأقبلت زمر شتى تكلمني / من الطيور وقد جاوبن ألحاني
حتى السكون الذي حولي له لغة / تردّدت في حنايا كائني الثاني
حين السماء التي تاهت بزرقتها / تنافس البحر في معنى وألوان
من كل هذا وهذا أستمد غنى / كأنما نظراتي لوح فنان
أعيش في وسطها من بعض نفحتها / وقد نسيت تباريحي واشجاني
كما رجعت إلى المفقود من عمري / مجددا في نعيم ناضر ساني
وأملأ العين من ألوان خمرته / كأنني شارب أكواب رضوان
حتى إذا الليل وافى في سكينته / ودغدغ البدر بالإشعاع وجداني
نظمت شعري هذا من مباهجه / ومن مباهج يومي الناعم الهاني
هدية الروح من نعمى يعاش لها / إلى صديق أراعيه ويرعاني
مضت سنون على يوم لفرقتنا / ولم نفرّق بأرواح وأبدان
فإنّنا شعراء في تصوّفنا / وقد سمونا على تحديد إمكان
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم / حتى الشجاع غدا بالجبن مسحورا
من علم الصفوة الأبطال غفلتهم / كأنهم ما أعزوا الحق والنورا
كأنهم حالفوا الجبار وأئتمروا / بما أراد وما ردوه مدحورا
ليس الرجال سوى معنى عقيدتهم / فعلا وليسوا حديثا كان مذكورا
اتشمخون بماضيكم وحاضركم / يكاد ينصر في ضعف له الزورا
خذلتمو نخبة الأحرار في عمه / فهل غدا الحر عند الحر منكورا
أتصغرون الألى ضحوا لمبدئكم / وتكبرون اثيما كان مأجورا
الحق أبلج لا تحميه ذبذبة / ومن تخافون إلا العميَ والعورا
والمارقين الألى ساد الطغاة بهم / وكان أوقحهم لهفان مذعورا
أتذعنون لهم شكرا وترضية / من بعد ما دمروا الأخلاق والدورا
وهل نسيتم جنايات لهم قصمت / ظهورنا أم حسبتم وهمكم شورى
من ناصر الإثم والأوهام غايته / أن يستباح وإن عدوه منصورا
جل لصائحكم زهو يصاحبه / وأن يظل برغم الجهل مغرورا
فالشعب ما زال ذاك الشعب في سفه / قد ارتضى أن يظلّ الدهر مأسورا
وأن يصفق للحكام أجمعهم / خيرا وشرا فيبقى الفضل مقبورا
علام تحزن يا قلبي وما فتئت / دنيا الجحود ترد الحر مقهورا
ملء العصور المآسي وهي شاهدة / أن النبوغ ذبيح كان مأسورا
لا الرمز يغني ولا التصريح يرضيني
لا الرمز يغني ولا التصريح يرضيني / وهذه أمم حولي تقاضيني
مكدودة ما لها حظ يراودها / ولا رجاء بإنصاف الملايين
فيم التأدب في حق الألى نهبوا / حق الشعوب وكل شبه قارون
فيم التأدب في حق الألى نهبوا / حق الشعوب وكل شبه قارون
يشكون فقرا إذا ازدادوا غنى وغنى / كأنهم في حساب للمجانين
وكل يوم ضحايا لا عداد لها / من غدرهم في جحيم البؤس والهون
أبعد هذا نصوغ الشعر زخرفة / لعسفهم ونبيح اللهو بالدين
وما نقطع إلا لحم من عصروا / من الضحايا وأرواح المساكين
أقسمت بعد تجايبي التي سلفت / وأنها مثل كابوس يناديني
لا يبذلن الذي أغليت من أدبي / نارا تصب على رجس الشياطين
وأن أثير شعوبا في استنامتها / جرم ولا جرم أشرار ملاعين
حتى يعود لمجد العرب ما سطعت / به القرون لأجداد ميامين
حتى نطهر أرضا طالما عبقت / بها المآثر أضعاف الرياحين
وما أبالي متى عادت لعزتها / إذا رجمت كأني في القرابين
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به / جاها وحلما وتصريفا وأحكاما
بوركت من ظالم للنفس يرهقها / كيما يكافح أشرارا وظلاما
إن التقشف لما بت تؤثره / أضحى غنى وغدا نورا وإلهاما
ما غرّك البذخ الضافي إلى أجل / إن النزاهة قد أولتك ما داما
هيهات يبلغ ما بلغت منتقص / أنت الذي جعل الأيام أياما
أنت الذي عفوه من نبل شيمته / مهما أسيء ويلقى الطعن بساما
أنت الذي قد تسامى حول عفته / شعب وأبدع في الحرمان إنعاما
أنت الذي ما ادعى يؤما لهمته / باسا وأشبعنا حزما وإقداما
أنت الذي نطقت تلك الجراح به / حثا لمن خاف أو من خاب إحجاما
أنت الذي لا الرئاسات التي ازدهرت / خانته يوما ولا أضغاث من ناما
أنت الذي كل ما يعنيه واجبه / دينا ودنيا وتحقيقا وأحلاما
أنت الذي يرهب الطاغوت حكمته / وإن يحاصره أسيافا وألغاما
أنت الذي قد حمته من كرامته / فيالق حين يحمي السيف أصناما
أنت الذي أينما قد حل موكبه / حل التقى والهدى برا وإسلاما
حامى عن النيل والسودان شاهده / فأين من بزّه لو عنهما حامى
فخر لمصر على الأدهار سيرته / إن الوداعة أسمت كل من سامى
يا من له بيته غنيان مملكة / ورمزه الحق إحسانا وإحكاما
ومن له العدل نبراس وأوّله / أن يمحو العدل أتراحا واسقاما
وأن يزيل جهالات مضلّلة / ويهزم الجمع مهما عم إجراما
وأن يبدد عريا لا مجال له / والقطن ينشر أثوابا وأعلاما
أزجي إليك تحايا الشعر أنغاما / ووصفه الحر مثالا ورساما
يا آبد البط سباحا بلا وجل
يا آبد البط سباحا بلا وجل / والماء يرقص في ذيل له فيها
والنور يرفض أصباغا وزركشة / في الريش والماء بل آيا نحييها
أنت المعلم للإنسان ألفته / بعض لبعض عظات في معانيها
وقد تفوق جمالا في تناسقها / حلى لديك وتزهى في مجاليها
ما بال خلي الذي أهفو لطلعته / يزور عني كأني من يجافيها
وأنت شرق إيمانا وفلسفة / كأنما تحكم الدنيا وما فيها
أجاوز البط بعض الناس في خلق / حتى غدا خلقه للناس تشفيها
قد طار عنهم فرارا من جنايتهم / ولم يزل أمة تعلي مباديها
فلا يخون فريق منه شيعته / ولا المودة تلقى من يعاديها
والناس لذتهم تنغيص بعضهمو / بعضا وتهديم دنياهم وبانيا
متى أراهم ولو كالبط في حلق / وكالطيور وفاء في تعاليها
متى أراهم وتأميلي بهم أبدا / يحيون معجزة ما زلت راجيها
متى أرى الحب فيهم غير مضطهد / أو المبادىء إعزازا لأهليها
يا من يدوس على حبي ويرهقه / وتلك روحي أرواح لرائيها
هون عليك فإني غير متهم / قد بعتها دون من من أعاديها
وما طلبت لها مالا ولا عوضا / ولا ثناء ولا ذكرى تناجيها
يا حامل الثمر الرفاف من جذل
يا حامل الثمر الرفاف من جذل / إن الثمار لها كالناس إحساس
تزهى بجهد نبيل كنت باذله / وما يئست فلم يقرب لها الياس
وتوجت جهدك الحي الذي اكتملت / فيه الأماني يا قوت وألماس
وكل جوهرة عصماء ضاحكة / بالنور والنور أفراح وأعراس
أما الخضار ففي ألوانه صور / للفن ما حازها لوح وقرطاس
لكنما بثها مستنبتا شغف / بالنفع مستلهما آياته الفاس
وحالف الري حتى أنجبا تحفا / للناظرين وحتى أسعد الناس
فاهتزت الأرض شكرانا وقد بعثت / وشكراها ملء هذا النبت أجناس
هذا هو العيد يعتز الحصاد به / كما تعيد أقوام وأغراس
شتان بين صحارى لا غناء بها / وبين جنات عدن عند من قاسوا
حيث الجداول تحبو وهي راقصة / وحولها الأنس أزهار وأنفاس
وحيث صار الحصى في حظه مثلا / للمنعمين ولم يرهقه وسواس
فكيف بالخلق من ناس ومن بهم / ومن طيرو وحيث الورد والآس
وحيث زغردت النعمى بوفرتها / ماء وكرما ولم تعلق بها الكاس
في كل فاكهة راح معتقة / بريئة وبهن الكوب والطاس
وفي الندى سبحات من طهارتها / فما تشوب جمال الريف أدناس
وما النجوم التي نامت بقبتها / إلا على ملكوت الحسن حراس
هذا هو العيش لو يدريه من صدفوا / وذا هو المجد لو يدريه من ساسوا
إن نالني السقم لم يبلغ بي الجزع
إن نالني السقم لم يبلغ بي الجزع / ما قد يعاب ولم يعبث بي الفزع
وما جزعت لنفسي مثلما جزعت / نفسي لغيري وقد هانوا وما جزعوا
كم للعروبة في نفسي مآثمها / والقاهرون لها جان ومنتفع
الحاكمون بلا دين ولا شرف / والغاصبون وأقصى نبلهم طمع
والهازلون بتهريج وقد خلقوا / منه البطولة ألوانا وكم خدعوا
يا لائمي من أدالوا عز أمتنا / خلوا النفاق فأنتم في الأذى شرع
لولاكمو ما استباح العلج عزتنا / ولا استبدت بنا الأوهام والبدع
وما نزال فكم من زمرة شقيت / دستورها الجهل أو دستورها الودع
يوحي لها القات والقناب غفلتها / فما تفيق وما يدنو لها الهلع
وحولها النار بالعدوان صارخة / كأنما ليس فيها اليوم مستمع
يا ليتني مستطيع أن أطهرها / وأن أهز نياما في الردى قبعوا
وأن أحكم سيفا في اصاغرها / الهادميها بما بثوا وما جمعوا
وأن أقطع أذنابا لها مرنوا / على الفجور وقالوا فجرهم ورع
وأن أثير جميع العرب قاطبة / كما يثار إذا ما هوجم السبع
إني لجد حزين حين أرقبها / يودي بها الذئب أو يودي بها الضبع
وحولها للثعالي في بطولتهم / ما لم يعد بعده للخبث متّسع
وكل حولي في شعر أجود به / كما أجود بأنفاسي لمن سمعوا
عصابة من لصوص أمنها خطر
عصابة من لصوص أمنها خطر / قد ضجّ منها وريع الجن والبشر
ما للعروبة لا تمضي وتسحقها / هل نالها الياس أم هل نالها الضجر
أم استنامت إلى وعد تزوّقه / مثل الفقاقيع لا يبقى لها أثر
لا نفع منها وإن غنت بما وعدت / فكل نفع لها في طيه الضرر
صنعاء أو جدة المنهوب جدتها / أو كرخ بغداد أشباه بمن غدروا
معاقل المجد في الماضي قد احتضرت / كأنها لعبة قد ساقها القدر
صم الجلاميد أحنى في مقابرها / ممن أضاعوا حقوق الشعب أو قبروا
والأجنبي على علاته رحم / متى يقاس بهم في شر ما أمروا
ما بين عات وصعلوك بفطرته / ومجرم لم يعد حق ولا وطر
فوضى بها اندثرت أخلاق من غبنوا / ومثلها صارت الثروات تندثر
الفقر والجهل والأمراض قاطبة / باتت كنوزا لهم من بعد ما افتقروا
أبعد هذا نصوغ الشعر في طرب / لمدح حكامهم لو أنهم شعروا
أليس في ضرب أعناق لهم أمل / للمصلحين وفي تدويخهم عبر
أليس في تركهم كالعث مرزئة / عمّت فكم دولة تغنو وتحتضر
لقد نصحت فعدوا النصح لي سفها / وكدت أبكي فعدت اليوم أعتذر
وما انادي سوى الشبان في أمم / لم يبق فيها سواهم بعد مدخر
لعلهم يشعلون النار صاخبة / يوم الحساب فلا تبقي ولا تذر
وعلهم بالدم الغالي لأمتهم / يروون قدوة من ثاروا ومن ثأروا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025