المجموع : 51
ردّي عليَّ الذي أبقيتِ من رُوحي
ردّي عليَّ الذي أبقيتِ من رُوحي / وارثي لحالةِ مجروحٍ ومقروحِ
حمَّلت طرفي وقلبي ذنبَ حبِّهما / فالحبُّ ما بينَ مسفوكِ ومسفوح
أنتِ التي لم تدَع في مُهجَتي رَمقاً / وليسَ بابُ الرّضا يوماً بمفتوح
جَمَعتُ فيكِ أحاديثَ الهوى كُتُباً / وما تركتُ كتاباً غَيرَ مَشروح
يا بنتَ يعربَ هل للكربِ تنفيسُ
يا بنتَ يعربَ هل للكربِ تنفيسُ / هذا فؤادي فما في الحبّ تلبيسُ
رَبَّتكِ بغدادُ أم رَبَّتك قرطبةٌ / ماذا أقولُ ومن أهليك بَلقيس
هذا الجمالُ عريقٌ في عروبتهِ / ما شامَهُ راهبٌ يوماً وقسِّيس
الأرض تأخذُ من رِجليكِ نضرتها / إذا مشيتِ كما تمشي الطواويس
في ذمّةِ اللهِ والإسلامِ والعربِ
في ذمّةِ اللهِ والإسلامِ والعربِ / وَحيٌ من الشعرِ بين الحربِ والحربِ
قد نزَّلتهُ على قلبي ملائكةٌ / ليستخفَّ الورى بالشَّوقِ والطرب
فيهِ من العودِ أوتارٌ إذا اضطربت / ما ظلَّ في الشّرقِ لبٌّ غيرَ مُضطرب
شِعري هو الطربُ الأعلى فلا عجبٌ / إذا اشرأبَّت لهُ الموتى من التُرَب
على الشعور أرى الأشعارَ ضيقةً / والنفسُ ضاقت عن الآمال والكرب
والله لو كنتُ جنديّاً لما رَضيت / كفي بغيرِ امتِشاقِ الصّارِمِ الذرِب
لكنّها أَلِفَت منذُ الصِبا قلماً / أمضى من السيفِ أو أقضى من الظرب
هذي القصائدُ أركانٌ لمملكةٍ / قلبي خرابٌ لمرأى ربعها الخرِب
من كلِّ قافيةٍ تَنقَضُّ صاعقةٌ / على الذين استحلّوا حُرمةَ العرب
فيها خميسٌ وأسطولٌ وأسلِحةٌ / فشمِّروا يا عداةَ الحقّ للهَرَب
ما زلتِ يا كاسُ تُعلينا ونُعليكِ
ما زلتِ يا كاسُ تُعلينا ونُعليكِ / حتى رأينا تباشيرَ الهُدَى فيكِ
لما اصطبَحنا ودمعُ الليلِ يُضحِكُنا / قُلنا سلامٌ على مَثوى محبِّيك
تفتَّحَ الزهرُ ممطوراً وأطيَب من / ريّاهُ ريّاك أو أنفاسُ حاسيك
فالوردُ والحَبَبُ الطَّافي قد اجتَمَعا / كالثَّغرِ والريقِ من ذاتِ المساويك
تِلكَ التي لذَّ لي في حبِّها أرقي / ورقَّ شِعري بحبّيها وحبَّيك
نهواكِ أيَّتُها الخمرُ التي رَفعَت / عروشَ عزٍّ ومَجدٍ للصعاليك
إنّا مُحَيُّوكِ في دنٍّ وفي قدَحٍ / ولا حياة لعيٍّ لا يُحيِّيك
وإن عبدناكِ لا إثمٌ ولا حرجٌ / فرُبَّ وَحيٍ أتانا من معاليك
رأيتُ فيكِ النجومَ الزهرَ غائرةً / عند الصباحِ وقد خَرَّت تُلاقيك
فأطلِعيها على نفسٍ غَدَت فلكاً / وقد غدا ملكاً في الحيِّ ساقيك
الهمُّ ليلٌ بهيمٌ أنتِ كوكَبُهُ / وجنَّةُ الخلدِ مَغنى من مغانيك
فتَّحتِ قلبي لآمالٍ كما انفَتَحَت / لطلعةِ الشمسِ أستارُ الشبابيك
فأنتِ صبحٌ جميلٌ في أشِعَّتِهِ / تبدو زخارفُ أحلامٍ لهاويك
هذي أحاديثُ عشَّاقٍ مُسَلسَلةٌ / فلا يُكذَّبُ راويها ورائيك
إنّا بَعَثناكِ من سوداءَ ضَيِّقةٍ / صفراءَ في الكأسِ تُحيينا ونُحييك
كذاك يُطلقُ مأسورٌ على أملٍ / ويُعتَقُ العبدُ من بين المماليك
فالفضلُ منكِ يُساوي فضلنا أبداً / ولا يُعَدُّ ظلوماً مَن يُساويك
من حمرةِ الفَلقِ الورديِّ توشيةٌ / إذ رقَّ ثوبُ الدَّياجي بعد تفريك
فبالكؤوسِ نُحَيِّي الصبحَ مُنبلِجاً / ونحتَسيكِ على أنشودةِ الديك
الخمرُ في كأسِها الياقوتُ والماسُ
الخمرُ في كأسِها الياقوتُ والماسُ / فاشرَب هنيئاً ودَع ما قالهُ الناسُ
ما كلُّ مَن يشرَبُ الصهباءَ يَعرفُها / وهَل تماثلَ نقّادٌ ولمَّاس
إن الجواهرَ عندَ الجوهريِّ غَلت / وليسَ يَعلمُ ما تَسواه نحّاس
لا تَشربنَّ رعاكَ اللهُ مع نفرٍ / لا ظرفَ منهم ولا لطفٌ وإيناس
بل نادِمَنَّ الألى شاقت كياسَتُهم / إن الكؤوسَ بها قد خُصَّ أكياس
والشربُ أطيَبُهُ من كفِّ ناعمةٍ / بيضاءَ من حليها برقٌ ووسواس
إذا رَمَتني بلحظٍ تحتَ حاجبها / أقولُ هَل حَولنا نبلٌ وأقواس
تجسُّ كفّي معرَّاها فيتبعُها / فمي الذي هو لثّامٌ وهمّاس
وأهصرُ الغصنَ حتى أجتني ثمراً / وما عليَّ بهِ خَوفٌ ولا باس
وأترِعُ الكاسَ من عَشرٍ إلى مئةٍ / حتى تطُنَّ مِنَ الآذان أجراس
فيستطيرُ صوابي والهمومُ معاً / وإن تلمَّستُ أصرخ طارتِ الكاس
وإن مشيتُ حسبتُ الأرضَ مائدةً / تَحتي ومنِّي يميلُ الساقُ والراس
خيرُ الخمورِ التي أفتى بجَودَتِها / شمٌّ وذوقٌ وتمييزٌ وإحساس
منها اصطفِ الجرَّةَ العذراءَ خالِصةً / فالسيفُ يَقطعُ ما لا تَقطعُ الفاس
وقُل لصحبكَ والبلورُ حلَّتُها / وحولها الوردُ والنسرينُ والآس
بَلقيسُ هذي ولكن عَرشُها قَدَحٌ / كأنَّهُ لعقولِ الناسِ مِقياس
فبايعُوها ومُوتوا تحتَ رايتِها / أنتُم على بابها جندٌ وحرّاس
جاءَ النّدامى وحلَّ الأنسُ والفَرَحُ
جاءَ النّدامى وحلَّ الأنسُ والفَرَحُ / فجَلسَةُ الشِّربِ باسمِ الرَّاحِ تُفتَتَحُ
هذا غبوقٌ جميلٌ فيهِ يجمَعُنا / حبُّ التي مَشيُنا في رَبعِها مَرَح
ففي كؤوسٍ من البلَّورِ أسكُبُها / فتِلكَ حلَّةُ من بالنُّورِ تتَّشِح
وليسَ يخدُمُ غيري عند حَضرَتِها / إنَّ الكريمَ ظريفٌ ليِّنٌ سَمِح
مدَّ السِّماطَ على هذا البساطِ وكُن / في شِربها عرَبيّاً ليسَ يَنفَضِح
دَعِ الكراسيَ إنَّ الأرضَ ثابتَةٌ / للرّكبَتَينِ فتَستَلقي وتنطَرح
ولنَشرَبَنَّ مُحيِّينَ الهِلالَ بها / والياسمينُ معَ الأرواحِ مُنفَتِح
ألا تراهُ مِنَ الزَّرقاءِ طالعَنا / وفوقَنا نورُهُ والطِّيبُ والفرَح
إني لأشرَبُ في كأسي أشِعَّتَهُ / معَ الرّحيقِ وضيقُ العيشِ يَنفَسح
فهل سمِعتَ بهذا المزجِ مِن قِدَمٍ / يا كيِّساً صَدرُهُ في السّكرِ مُنشَرح
واللهِ ما لابنِ هاني من مَحاسِنها / هذي المعاني التي يأتي بها الوَضَح
إن كنتُ أسكبُها صرفاً وأشرَبُها / أو كنتُ أرقُبُها شَوقاً وأمتَدِح
تَعنُو المعاني لها شتَّى مُزَخرفةً / كما يَزَخرفُ مِن أقواسِهِ قزَح
أحقُّ دارٍ بأن ترجُو النَّعيمَ لها / ما طابَ مُغتَبَقٌ فيها ومُصطبَح
إذا مَرَرتَ بها ألقِ السَّلامَ وقُل / لكِ السَّلامةُ فاسلم أيُّها القَدَح
طِف بالكؤوسِ وأطلِع أنجمَ الحلكِ
طِف بالكؤوسِ وأطلِع أنجمَ الحلكِ / فمَجلِسُ الأُنسِ منها قبَّةُ الفَلك
إنّ الظَّرافةَ مِن كاسٍ ثُمالتُها / لم تُبقِ شكّاً ولا همّاً لمُرتبك
إياكَ أن تحتَسيها غيرَ مُترعةٍ / في ظلِّ روضٍ على الأمواهِ مُشتَبك
إنَّ الرَّحيقَ لِمَن رقَّت شمائلُهُم / هُم أهلُ لطفٍ فما يخشون من دَرَك
ولا تُنادِم سوى حرٍّ أخي طَرَبٍ / في قالبِ الظّرفِ والتَّهذيبِ مُنسَبك
إني أغارُ على الصَّهباءِ من سُفَلٍ / كأنَّهُم حَولَ نِقلٍ وَسطَ مُعترَك
يُقاتِلونَ بلا ثأرٍ ولا سَبَبٍ / ويهتكونَ فساداً حُرمَةَ الملك
لا حقَّ لِلوَغدِ في أن يجتَلي قدَحاً / مِن كفّ حسناءَ تُغري الطَّيرَ بالشَّرك
واللهِ لو كانَ لي حِكمٌ لقُلتُ لهُ / لا تشرَبَنَّ فشِربُ الخمرِ لِلمَلِك
ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ
ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ / على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ
والنارُ والنورُ تبدو الكاسُ بينهما / كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين
وللبخورِ دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ / حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين
وللنّدامى حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ / إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين
صبَّ المدامةَ في البلَّورِ والذَّهَبِ
صبَّ المدامةَ في البلَّورِ والذَّهَبِ / واسقِ النديمَ الذي يُدعى أخا العربِ
رأيتُ منها لهيباً سالَ في قدحٍ / لا تبَّتِ الكفُّ يوماً من أبي لهَب
مثلَ المجوس عَبدنا النارَ حيث غَلت / مُسلِّمينَ على حمَّالةِ الحَطَب
هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا
هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا / فاللهُ بالحبِّ والمعروفِ أوصانا
فلا تخافي على وَصلٍ معاقبةً / إذ ليسَ يحرمُنا ما مِنهُ أعطانا
إنّ النَّبيِّينَ في التَّوراةِ أكثرُنا / عِشقاً فداوودُ قد أغرى سُليمانا
ماالحبُّ عِندي صلاةٌ والهوى عَبَثٌ / إنِّي رَأيتُ ملاكَ الحبِّ شيطانا
من عفَّ أظهَرَ عَجزاً فيهِ أو جَزعاً / إنِّي لأرحَمُ قيساً ثم غيلانا
حِكمُ الطبيعةِ هذا عادلٌ فسَلي / شَبعانَ من طيِّبات الحبِّ ريِّانا
يُجبكِ عندي من الأخبارِ أصدَقُها / فالخبرُ صيَّرني في الحبِّ لُقمانا
كلُّ الشَّرائعِ والأديان كاذبةٌ / فالطَّيرُ والوحشُ ساوَت فيه إنسانا
ما تمَّ عقدُ زواجٍ في مَكامِنها / وليسَ تعرِفُ أشياخاً ورهبانا
إن غصَّ آدمُ بالتفَّاحِ مُختبئاً / إني لآكُلُ تُفَّاحاً ورُمّانا
وإن أُعَرِّج على الجنَّاتِ مُقتطِفاً / خَرَجتُ منها وقد كسَّرتُ أغصانا
ولا أخافُ عِقابَ اللهِ في هِنَةٍ / من أجلِها يُضرمُ الشيطانُ نيرانا
فهكذا بنتُ حواءَ الضعيفةُ لا / تُريدُ إلا من العشَّاقِ فُرسانا
وَهي القويَّةُ إن تخطُر بحِلَّتِها / وهي الضَّعيفةُ إن فرَّكتَ أعكانا
وأفضَلُ النَّاسِ أقواهم فلا عجبٌ / إذا تطَلَّبتُ تبريزاً وسُلطانا
ففي تفَجُّرِ حُبِّي حاذِري هَوَجي / إنِّي لأحمِلُهُ في الصَّدرِ بُركانا
إن قُلتِ ويحَكَ حاذِر كاشحينَ غدَوا / مُشنِّعينَ بلُقيانا ونَجوانا
ماذا عَليكِ وفي عَينيكِ صاعقةٌ / أن تحرقيهم وتُجري الحبَّ طُوفانا
ولا سفينةَ لي إلا هواكِ وإن / أغرَق فأسعدُنا في الحبِّ غَرقانا
لا تطلبي الشَّرحَ منِّي إنني رجلٌ / إيجازُهُ كان إسهاباً وتبيانا
يهوى الدَّعابةَ أحياناً وعِفَّتُهُ / تُعَجِّبُ الكاعبَ العذراءَ أحيانا
فقد أقولُ بلا فعلٍ وأفعَلُ ما / أقولُ في وَصفِهِ قد كان ما كانا
هذي حياتي وعندي من سرائرها / ما يملأ الكونَ أفراحاً وأحزانا
فظلِّليني بأزهارٍ منوَّرَةٍ / في غصنِ قدٍّ رَشيقٍ أخجَلَ البانا
وأسمِعيني مِنَ الألحانِ أطيَبَها / حتى أرى الحُسنَ أشكالاً وألوانا
والرِّيحُ تحمِلُ من زهرٍ ومن شعَرٍ / طيباً يُهيِّجُ أشواقاً وأشجانا
فكم جَسَسنا من الأوتارِ ألطفَها / لمّا تلاقت على القَلبين كفَّانا
وبتُّ واللِّيلُ يُرخي سِترَ ظُلمَتِهِ / أنضُو ذُيولاً وأكماماً وأردانا
هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا
هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا / من جنَّةِ الخلدِ أطياباً وأنوارا
فأشبَهت روضةً غناءَ قابلني / فيها الأحبةُ أزهاراً وأطيارا
أرى السعادةَ للزوجينِ باسمةً / مع الربيعِ وقد زاداهُ إنضارا
والآنَ أسمعُ من قلبيهما نغماً / به الهوى صيّرَ الأعراقَ أوتار
تفتَّحَ الزهرُ من عشبٍ ومن شجرٍ / مثلَ القلوبِ لعرسٍ زانَ أوطارا
وجنةُ الحبِّ قد لاحت مزخرفةً / ليقطفا اليومَ أزهاراً وأثمارا
يا حبّذا عرسُ محبوبينِ شاقَهما / ما شاق في الحبِّ أخياراً وأطهارا
كأنه ذلك العرسُ الذي سكبت / يدُ المخلِّصِ فيهِ الخمرَ مِدرارا
على ابن لبنانَ بنتُ الشامِ قد عَطَفت / فالشامُ تصبُو إلى لبنانَ مِعطارا
وفي اتحادِهما حبّاً ومصلحةً / رمزٌ لأُمنيِّةٍ تهتاجُ أحرارا
فللعروسينِ منّي خيرُ تهنئةٍ / ضمَّنتُها لهما حبّاً وإيثارا
فلا يزالا برَغدٍ من زواجهما / حيثُ الملائكُ تحمي منهُ أخدارا
واللهُ يُسبغُ طولَ العمرِ نعمتَهُ / عليهما ويزيدُ البيتَ إعمارا
والحبُّ آفاقهُ بالنَّجمِ ساطعةٌ / ورَوضُه يُنبتُ الريحانَ والغارا
تبسَّمَت لهما الدنيا فبتُّ أرى / في رَونقِ العرسِ من آذارَ أيارا
والحاضرونَ جميعاً قائلونَ معي / الله باركَ أهلَ الدارِ والدارا
قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ
قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ / وكنتَ أُنساً لنا في وحشَةِ الزمن
ردِّد على العود ألحاناً مُنَعّمَةً / حتى نذوبَ من الأشواقِ والشَّجن
واطرَب وأطرِب نفوساً شاقها وَطنٌ / فلم تجد وَطناً يُغنى عن الوطن
وجسَّ أوتارَ عودٍ بالهوى شعرت / والعَب بأفئِدةٍ كالموجِ بالسُّفُن
قد خفَّ جسُّك حتى خِلتُ نغمتَهُ / تحرِّكُ الميِّتَ المطويَّ في كفن
إسحاقُ أم معبدٌ أعطاك حرفتَهُ / فالفنُّ عندك مملوءٌ من الفِتن
ألحانُ عودِكَ تُبكيني وتُضحِكُني / والقلبُ في فرحٍ طوراً وفي حزن
كأنَّ أعراقهُ الأوتارُ إن لُمِسَت / ترنُّ تحت يدٍ بيضاءَ في المحن
قلبي يُغنِّي غناءً لا انقِطاعَ لهُ / ماكانَ أغناهُ عن قيدٍ من البدن
حَسَّنتَ كلَّ قبيحٍ يا مليحُ وقد / أحسَنتَ والحسنُ منسوبٌ الى الحسن
الأرضُ حولكَ تبدو في نضارَتِها / والعيشُ زخرفةُ الأحلامِ في الوسن
ما أطرَبَ الحرّ للصوتِ الرخيمِ وما / أقسى قلوبَ الأُلى عاشُوا بلا فطن
العيدُ بالنورِ والأزهارِ حياكِ
العيدُ بالنورِ والأزهارِ حياكِ / فالكونُ يأخذُ حسناً من محياكِ
صار الخريفُ ربيعاً إذ بسمتِ له / وزيّنت أعذبَ الأوطارِ ذكراك
تذكارُ مولدكِ الميمونِ يُطلِعهُ / قلبي هِلالاً لأفلاكٍ وأملاك
والطيِّباتُ به جاءت مبشّرةً / فالبشرُ قد ملأ الدنيا لبشراك
لك السعادةُ تمَّت في صبيحتهِ / فقلتُ يا أيها الحسناءُ طوباك
يُهدي إليكِ فؤادي من عواطفهِ / ما يمنحُ الروضُ من صافٍ ومن زاك
وباقة الحبّ والإخلاص أفضلُ من / باقاتِ زهرٍ لها نضرٌ بيمناك
إني أتيتُ أفي حقاً بتهنئتي / فمن يهنئني يوماً بنعماك
روحي تحيّيكِ في شعري اللطيفِ كما / حيَّا النسيمُ خزامىً فيه ريّاك
تبسَّمي لِفتى يلقاكِ مُبتسماً / والله يحميكِ والأملاكُ ترعاك
من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ
من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ / أخذتِ رقصاً على رنّاتِ ألحانِ
هذا التثنِّي ثنى كلَّ القلوبِ إلى / قدٍّ فحامت طيوراً فوقَ أغصان
شدّي على خصركِ الزنَّارَ مُشفِقَةً / على ضعيفٍ كقلبي بين أحزان
جنّاتُ بابلَ قد لاحت معلَّقةً / على قوامٍ تثنَّى نصفَ عريان
فبتُّ لا أشتَهي زهراً لدى ثمرٍ / طمعتُ منه بتفّاحٍ ورمان
ما أنتِ إلا جنانٌ طابَ مرتعُها / يا ليتَ كفّي عليها كفُّ جنّان
لم تنقلي قدماً إلا على كبدٍ / والمشيُ منكِ عَليها جَسُّ عيدان
القدُّ قدَّ قلوباً ثم ليَّنها / من لينهِ وعليها سقمُ أجفان
ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ
ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ / يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ
كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ / وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن
أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني / والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن
والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ / وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن
كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا / لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن
يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن / حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن
لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ / أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني
كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً / فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن
الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً / حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني
إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على / عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن
وقد يرقُّ من الجلمودِ أصلبُهُ / يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن
لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ / وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن
الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا / والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن
والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً / فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن
إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها / مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن
سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ / فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن
يا حاصدَ الزَّرعِ ألقِ الحبلَ والمنجلْ
يا حاصدَ الزَّرعِ ألقِ الحبلَ والمنجلْ / الشمسُ غابت وأستارُ الدُّجى تُسدَلْ
والله باركَ يا فلاحُ ما تعملْ / فقل إذا أطرَبتنا طنَّهُ الجرسِ
ما أعظَمَ الكونَ يا ربِّي وما أجمَلْ /
حلَّ السكونُ على الغاباتِ والأكمِ / والطيرُ عادت الى الأوكارِ والأجمِ
والنَّفسُ تاقت إلى الأحلامِ في الظُّلمِ / فارجع الى الكوخِ واجلس بين أولادك
ونم خلياً من الأحزانِ والنَّدَمِ /
لو كنتَ تعلمُ ما ألقى من الزَّمنِ / وما أُقاسي من الأهوالِ والمحنِ
لكُنتَ تبكي على ناءٍ بلا سَكنِ / يشتاقُ لبنانَ والأقدارُ توقفهُ
عن الرّجوعِ فوا شوقي إلى وطني /
يا بادعَ الكونِ أجراسُ القرى طنَّت
يا بادعَ الكونِ أجراسُ القرى طنَّت / عند الغروبِ فشاقَ الناسَ تمجيدُك
ومَعبدُ الدِّيرِ هزَّتهُ أناشيدُك / ونفسُ عبدكَ أنَّت فيهِ أو حنَّت
والريحُ تسري ونشرُ الحقلِ فوّاحُ / والنهرُ يهدُرُ والصَفصافُ نوّاحُ
والزَّهر يرمقُ في الأغصانِ كالحدقِ / إذا رَنت من سجوفٍ طيبُها ذاكِ
والليلُ ولهانُ في غاباتنا شاكِ / يزورُ أهلَ الهوى بالشوق والأرق
والنجمُ يؤنسُ رعياناً ويهديها / ونجمَتي الغيمةُ السوداءُ تخفيها
والأمُّ باكيةٌ ترنو إلى الكوكبْ / والبحرُ ينثرُ من أمواجهِ زَبَدا
يا ربّ أرجع إليها في النَّوى وَلدا / صباهُ كالوَردِ يَذوي والشَّذا يذهبْ
لهُ إلى الدار والأحبابِ حنّاتُ / وفي الليالي علىالأمواجِ أنَّاتُ
خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ
خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ / فالكونُ يبسمُ للجاني على العاني
أهلُ المراحمِ أملاكٌ غدوا بشراً / كلامُهم مثلُ أنغامٍ وألحانِ
ففي أكفٍّ وأفواهٍ مباركةٍ / برءٌ لسقمٍ وسلوانٌ لأحزان
فكم أيادٍ بها الأيدي جَلت مِحَناً / فلم تكن غيرَ أثمارٍ لأغصان
إن المريضَ الذي يأسَى الملاكُ لهُ / هو الأحقُّ بإسعافٍ وإحسان
يُبكي عليهِ كما يُبكى على رجلٍ / مَيتٍ وربةَ أثوابٍ كأكفان
رأيتُ يوماً بمستشفىً أخا دَنفٍ / كأنه وثنٌ في بيتِ أوثان
أضناهُ داءٌ عياءٌ هدَّ بنيتَهُ / والمرءُ في الداءِ مهدومٌ كبنيان
جفاهُ أهلٌ وأصحابٌ وكان يُرى / أخاً وخلّاً لإخوانٍ وخلان
في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا
في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا / فالقلبُ فيهِ مع الأثمارِ قد نضَجا
جنيتُ من زَهرهِ والنفسُ مزهرةٌ / فلم أزل من يدي أستنشِقُ الأرجا
ذكرُ الصِّبا والصَّبا في الليلِ أرّقني / فبتُّ أُوقِدُ في ظلمائهِ سُرُجا
وا حسرتاهُ على النائي الغريبِ وقد / أمسى حزيناً بما لاقاهُ مُبتَهِجا
الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا
الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا / ليملأ الكونَ ترنيماً وتلحينا
إن المغنينَ أحبابي فلي طربٌ / لكلِّ صوتٍ رخيمٍ زادني لينا
الناسُ بالشعرِ قد صاروا ملائكةً / والأرضُ جناتُ عَدنٍ بالمغنّينا
تلكَ المحاسنُ ما زالت دليلتَنا / حتى بلغنا الكمالَ المحضَ تحسينا
من عالمِ الوَحي والتنزيل قد هبطت / فهي التي منهُ تدنينا فتعلينا
ألقت على عالمٍ أدنى زخارِفَها / فمثّلت عالماً أعلى يناجينا
القبحُ والألمُ انتابا طبيعتنا / فاشتاقتِ الشعرَ تزييناً وتسكينا
واستَخرَجت منه أصواتاً طبيعتنا / لها أراجيح خفّت من تلاحينا
الروحُ تخرجُ أرواحاً على نغمٍ / والصوت يُسمَع أصواتاً تشاكينا
أوتارُنا مثّلت أوطارَنا طرَباً / فمظهرُ الروحِ منّا في أغانينا