المجموع : 83
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني / تَفنى القُلوبُ وَيَبقى قَلبُكِ الجاني
صوني جَمالَكِ عَنّا إِنَّنا بَشَرٌ / مِنَ التُرابِ وَهَذا الحُسنُ روحاني
أَو فَاِبتَغي فَلَكاً تَأوينَهُ مَلَكاً / لَم يَتَّخِذ شَرَكاً في العالَمِ الفاني
يَنسابُ في النورِ مَشغوفاً بِصورَتِهِ / مُنَعَّماً في بَديعاتِ الحُلى هاني
إِذا تَبَسَّمَ أَبدى الكَونُ زينَتَهُ / وَإِن تَنَفَّسَ أَهدى طيبَ رَيحانِ
وَأَشرِقي مِن سَماءِ العِزِّ مُشرِقَةً / بِمَنظَرٍ ضاحِكِ اللَألاءِ فَتّانِ
عَسى تَكُفُّ دُموعٌ فيكِ هامِيَةٌ / لا تَطلُعُ الشَمسُ وَالأَنداءُ في آنِ
يا مَن هَجَرتُ إِلى الأَوطانِ رُؤيَتَها / فَرُحتُ أَشوَقَ مُشتاقٍ لِأَوطانِ
أَتَذكُرينَ حَنيني في الزَمانِ لَها / وَسَكبِيَ الدَمعَ مِن تَذكارِها قاني
وَغَبطِيَ الطَيرَ أَلقاهُ أَصيحُ بِهِ / لَيتَ الكَريمَ الَّذي أَعطاكِ أَعطاني
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً / ماذا صَنَعتِ بِهِ يا ظَبيَةَ البانِ
أَحنى عَلَيكِ مِنَ الكُثبانِ فَاِتَّخِذي / عَلَيهِ مَرعاكِ مِن قاعٍ وَكُثبانِ
غَرَّبتِهِ فَوَهى جَنبي لِفُرقَتِهِ / وَحَنَّ لِلنازِحِ المَأسورِ جُثماني
لا رَدَّهُ اللَهُ مِن أَسرٍ وَمِن خَبَلٍ / إِن كانَ في رَدِّهِ صَحوي وَسُلواني
دَلَّهتِهِ بِعَزيزٍ في مَحاجِرِهِ / ماضٍ لَهُ مِن مُبينِ السِحرِ جَفنانِ
رَمى فَضَجَّت عَلى قَلبي جَوانِحُهُ / وَقُلنَ سَهمٌ فَقالَ القَلبُ سَهمانِ
يا صورَةَ الحورِ في جِلبابِ فانِيَةٍ / وَكَوكَبَ الصُبحِ في أَطافِ إِنسانِ
مُري عَصِيَّ الكَرى يَغشى مُجامَلَةً / وَسامِحي في عِناقِ الطَيفِ أَجفانِ
فَحَسبُ خَدّي مِن عَينَيَّ ما شَرِبا / فَمِثلُ ما قَد جَرى لَم تَلقَ عَينانِ
أَهلَ القُدودِ الَّتي صالَت عَواليها
أَهلَ القُدودِ الَّتي صالَت عَواليها / اللَهَ في مُهَجٍ طاحَت غَواليها
خُذنَ الأَمانَ لَها لَو كانَ يَنفَعُها / وَاِردُدنَها كَرَماً لَو كانَ يُجديها
وَاِنظُرنَ ما فَعَلَت أَحداقُكُنَّ بِها / ما كانَ مِن عَبَثِ الأَحداقِ يَكفيها
تَعَرَّضَت أَعينٌ مِنّا فَعارَضَنا / عَلى الجَزيرَةِ سِربٌ من غَوانيها
ما ثُرنَ مِن كُنُسٍ إِلّا إِلى كُنُسٍ / مِنَ الجَوانِحِ ضَمَّتها حَوانيها
عَنَّت لَنا أُصُلاً تُغري بِنا أَسَلاً / مَهزوزَةً شَكلاً مَشروعَةً تيها
وَأَرهَفَت أَعيُناً ضَعفى حَمائِلُها / نَشوى مَناصِلُها كَحلى مَواضيها
لَنا الحَبائِلُ نُلقيها نَصيدُ بِها / وَلَم نَخَل ظَبَياتِ القاعِ تَلقيها
نَصَبنَها لَكَ مِن هُدبٍ وَمِن حَدَقٍ / حَتّى اِنثَنَيتَ بِنَفسٍ عَزَّ فاديها
مِن كُلِّ زَهراءَ في إِشراقِها ضَحِكَت / لَبّاتُها عَن شَبيهِ الدُرِّ مِن فيها
شَمسُ المَحاسِنِ يُستَبقى النَهارُ بِها / كَأَنَّ يوشَعَ مَفتونٌ يُجاريها
مَشَت عَلى الجِسرِ ريماً في تَلَفُّتِها / لِلناظِرينَ وَباناً في تَثَنّيها
كَأَنَّ كُلَّ غَوانيهِ ضَرائِرُها / عُجباً وَكُلَّ نَواحيهِ مَرائيها
عارَضتُها وَضَميري مِن مَحارِمِها / يَزوَرُّ عَن لَحَظاتي في مَساريها
أَعِفُّ مِن حَليِها عَمّا يُجاوِرُهُ / وَمِن غَلائِلِها عَمّا يُدانيها
قالَت لَعَلَّ أَديبَ النيلِ يُحرِجُنا / فَقُلتُ هَل يُحرِجُ الأَقمارَ رائيها
بَيني وَبَينَكِ أَشعارٌ هَتَفتُ بِها / ما كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الريمَ يَرويها
وَالقَولُ إِن عَفَّ أَو ساءَت مَواقِعُهُ / صَدى السَريرَةِ وَالآدابِ يَحكيها
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ / كُلُّ البِلادِ وِسادٌ حينَ تُتَّسَدُ
قَد غَيَّبَ الغَربُ شَمساً لا سَقامَ بِها / كانَت عَلى جَنَباتِ الشَرقِ تَتَّقِدُ
حَدا بِها الأَجَلُ المَحتومُ فَاِغتَرَبَت / إِنَّ النُفوسَ إِلى آجالِها تَفِدُ
كُلُّ اِغتِرابٍ مَتاعٌ في الحَياةِ سِوى / يَومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجَةَ الجَسَدُ
نَعى الغَمامَ إِلى الوادي وَساكِنِهِ / بَرقٌ تَمايَلَ مِنهُ السَهلُ وَالجَلَدُ
بَرقُ الفَجيعَةِ لَمّا ثارَ ثائِرُهُ / كادَت كَأَمسٍ لَهُ الأَحزابُ تَتَّحِدُ
قامَ الرِجالُ حَيارى مُنصِتينَ لَهُ / حَتّى إِذا هَدَّ مِن آمالِهِم قَعَدوا
عَلا الصَعيدَ نهارٌ كُلُّهُ شَجَنٌ / وَجَلَّلَ الريفَ لَيلٌ كُلُّهُ سُهُدُ
لَم يُبقِ لِلضاحِكينَ المَوتُ ما وَجَدوا / وَلَم يَرُدَّ عَلى الباكينَ ما فَقَدوا
وَراءَ رَيبِ اللَيالي أَو فُجاءَتِها / دَمعٌ لِكُلِّ شِماتٍ ضاحِكٍ رَصَدُ
باتَت عَلى الفُلكِ في التابوتِ جَوهَرَةٌ / تَكادُ بِاللَيلِ في ظِلِّ البِلى تَقِدُ
يُفاخِرُ النيلُ أَصدافَ الخَليجِ بِها / وَما يَدُبُّ إِلى البَحرَينِ أَو يَرِدُ
إِنَّ الجَواهِرَ أَسناها وَأَكرَمُها / ما يَقذِفُ المَهدُ لا ما يَقذِفُ الزَبَدُ
حَتّى إِذا بَلَغَ الفَلَكُ المَدى اِنحَدَرَت / كَأَنَّها في الأَكُفِّ الصارِمُ الفَرِدُ
تِلكَ البَقِيَّةُ مِن سَيفِ الحِمى كِسَرٌ / عَلى السَريرِ وَمِن رُمحِ الحِمى قَصِدُ
قَد ضَمَّها فَزَكا نَعشٌ يُطافُ بِهِ / مُقَدَّمٌ كَلِواءِ الحَقِّ مُنفَرِدُ
مَشَت عَلى جانِبَيهِ مِصرُ تَنشُدُهُ / كَما تَدَلَّهَتِ الثَكلى وَتَفتَقِدُ
وَقَد يَموتُ كَثيرٌ لا تُحِسُّهُمُ / كَأَنَّهُم مِن هَوانِ الخَطبِ ما وُجِدوا
ثُكلُ البِلادِ لَهُ عَقلٌ وَنَكبَتُها / هِيَ النَجابَةُ في الأَولادِ لا العَدَدُ
مُكَلَّلُ الهامِ بِالتَصريحِ لَيسَ لَهُ / عودٌ مِنَ الهامِ يَحويهِ وَلا نَضَدُ
وَصاحِبُ الفَضلِ في الأَعناقِ لَيسَ لَهُ / مِنَ الصَنائِعِ أَو أَعناقِهِم سَنَدُ
خَلا مِنَ المِدفَعِ الجَبّارِ مَركَبُهُ / وَحَلَّ فيهِ الهُدى وَالرِفقُ وَالرَشَدُ
إِنَّ المَدافِعَ لَم يُخلَق لِصُحبَتِها / جُندُ السَلامِ وَلا قُوّادُهُ المُجُدُ
يا بانِيَ الصَرحَ لَم يَشغَلهُ مُمتَدِحٌ / عَنِ البِناءِ وَلَم يَصرِفهُ مُنتَقِدُ
أَصَمَّ عَن غَضَبٍ مِن حَولِهِ وَرِضىً / في ثَورَةٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِدُ
تَصريحُكَ الخُطوَةُ الكُبرى وَمَرحَلَةٌ / يَدنو عَلى مِثلِها أَو يَبعُدُ الأَمَدُ
الحَقُّ وَالقُوَّةُ اِرتَدّا إِلى حَكَمٍ / مِنَ الفَياصِلِ ما في دينِهِ أَوَدُ
لَولا سِفارَتُكَ المَهدِيَّةُ اِختَصَما / وَمَلَّ طولَ النِضالِ الذِئبُ وَالنَقَدُ
ما زِلتَ تَطرُقُ بابَ الصُلحِ بَينَهُما / حَتّى تَفَتَّحَتِ الأَبوابُ وَالسُدَدُ
وَجَدتَها فُرصَةً تُلقى الحِبالُ لَها / إِنَّ السِياسَةَ فيها الصَيدُ وَالطَرَدُ
طَلَبتَها عِندَ هوجِ الحادِثاتِ كَما / يَمشي إِلى الصَيدِ تَحتَ العاصِفِ الأَسَدُ
لَمّا وَجَدتَ مُعِدّاتِ البِناءِ بَنَت / يَداكَ لِلقَومِ ما ذَمّوا وَما حَمَدوا
بَنَيتَ صَرحَكَ مِن جُهدِ البِلادِ كَما / تُبنى مِنَ الصَخرِ الآساسُ وَالعُمُدُ
فيهِ ضَحايا مِنَ الأَبناءِ قَيِّمَةٌ / وَفيهِ سَعيٌ مِنَ الآباءِ مُطَّرِدُ
وَفي أَواسيهِ أَقلامٌ مُجاهِدَةٌ / عَلى أَسِنَّتِها الإِحسانُ وَالسَدَدُ
وَفيهِ أَلوِيَةٌ عَزَّ الجِهادُ بِهِم / لَولا المَنِيَّةِ ما مالوا وَلا رَقَدوا
رَمَيتَ في وَتَدِ الذُلِّ القَديمِ بِهِ / حَتّى تَزعزَعَ مِن أَسبابِهِ الوَتَدُ
طَوى حِمايَتَهُ المُحتَلُّ وَاِنبَسَطَت / حِمايَةُ اللَهِ فَاِستَذرى بِها البَلَدُ
نَم غَيرَ باكٍ عَلى ماشِدتَ مِن كَرَمٍ / ما شيدَ لِلحَقِّ فَهوَ السَرمَدُ الأَبَدُ
يا ثَروَةَ الوَطَنِ الغالي كَفى عِظَةً / لِلناسِ أَنَّكَ كَنزٌ في الثَرى بَدَدُ
لَم يُطغِكَ الحُكمُ في شَتّى مَظاهِرِهِ / وَلا اِستَخَفَّكَ لينُ العَيشِ وَالرَغَدُ
تَغدو عَلى اللَهِ وَالتاريخِ في ثِقَةٍ / تَرجو فَتُقدِمُ أَو تَخشى فَتَتَّئِدُ
نَشَأتَ في جَبهَةِ الدُنيا وَفي فَمِها / يَدورُ حَيثُ تَدورُ المَجدُ وَالحَسَدُ
لِكُلِّ يَومٍ غَدٌ يَمضي بِرَوعَتِهِ / وَما لِيَومِكَ يا خَيرَ اللِداتِ غَدُ
رَمَتكَ في قَنَواتِ القَلبِ فَاِنصَدَعَت / مَنِيَّةٌ ما لَها قَلبٌ وَلا كَبِدُ
لَمّا أَناخَت عَلى تامورِكَ اِنفَجَرَت / أَزكى مِنَ الوَردِ أَو مِن مائِهِ الوُرُدُ
ما كُلُّ قَلبٍ غَدا أَو راحَ في دَمِهِ / فيهِ الصَديقُ وَفيهِ الأَهلُ وَالوَلَدُ
وَلَم تُطاوِلكَ خَوفاً أَن يُناضِلَها / مِنكَ الدَهاءُ وَرَأيٌ مُنقِذٌ نَجِدُ
فَهَل رَثى المَوتُ لِلبِرِّ الذَبيحِ وَهَل / شَجاهُ ذاكَ الحَنانُ الساكِنُ الهَمِدُ
هَيهاتَ لَو وُجِدَت لِلمَوتِ عاطِفَةُ / لَم يَبكِ مِن آدَمٍ أَحبابَهُ أَحَدُ
مَشَت تَذودُ المَنايا عَن وَديعَتِها / مَدينَةُ النورِ فَاِرتَدَّت بِها رَمَدُ
لَو يُدفَعُ المَوتُ رَدَّت عَنكَ عادِيَهُ / لِلعِلمِ حَولَكَ عَينٌ لَم تَنَم وَيَدُ
أَبا عَزيزٍ سَلامُ اللَهِ لا رُسُلٌ / إِلَيكَ تَحمِلُ تَسليمي وَلا بُرَدُ
وَنَفحَةٌ مِن قَوافي الشِعرِ كُنتَ لَها / في مَجلِسِ الراحِ وَالرَيحانِ تَحتَشِدُ
أَرسَلتُها وَبَعَثتُ الدَمعَ يَكنُفُها / كَما تَحَدَّرَ حَولَ السَوسَنِ البَرَدُ
عَطَفتُ فيكَ إِلى الماضي وَراجَعَني / وُدٌّ مِنَ الصِغَرِ المَعسولِ مُنعَقِدُ
صافٍ عَلى الدَهرِ لَم تُقفِر خَلِيَّتُهُ / وَلا تَغَيَّرَ في أَبياتِها الشُهُدُ
حَتّى لَمَحتُكَ مَرموقَ الهِلالِ عَلى / حَداثَةٍ تَعِدُ الأَوطانَ ما تَعِدُ
وَالشِعرُ دَمعٌ وَوِجدانٌ وَعاطِفَةٌ / يا لَيتَ شِعرِيَ هَل قُلتُ الَّذي أَجِدُ
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ / وَتِلكَ دولاتُهُ أَم رَسمُها البالي
أَصابَها الدَهرُ إِلّا في مَآثِرِها / وَالدَهرُ بِالناسِ مِن حالٍ إِلى حالِ
وَصارَ ما نَتَغَنّى مِن مَحاسِنِها / حَديثُ ذي مِحنَةٍ عَن صَفوِهِ الخالي
إِذا حَفا الحَقُّ أَرضاً هانَ جانِبُها / كَأَنَّها غابَةٌ مِن غَيرِ رِئبالِ
وَإِن تَحَكَّمَ فيها الجَهلُ أَسلَمَها / لِفاتِكٍ مِن عَوادي الذُلِّ قَتّالِ
نَوابِغَ الشَرقِ هُزّوهُ لَعَلَّ بِهِ / مِنَ اللَيالي جُمودَ اليائِسِ السالي
إِن تَنفُخوا فيهِ مِن روحِ البَيانِ وَمِن / حَقيقَةِ العِلمِ يَنهَض بَعدَ إِعضالِ
لا تَجعَلوا الدينَ بابَ الشَرِّ بَينَكُمُ / وَلا مَحَلَّ مُباهاةٍ وَإِدلالِ
ما الدينُ إِلّا تُراثُ الناسِ قَبلَكُمُ / كُلُّ اِمرِئٍ لِأَبيهِ تابِعٌ تالي
لَيسَ الغُلُوُّ أَميناً في مَشورَتِهِ / مَناهِجُ الرُشدِ قَد تَخفى عَلى الغالي
لا تَطلُبوا حَقَّكُم بَغياً وَلا ضَلَفاً / ما أَبعَدَ الحَقَّ عَن باغٍ وَمُختالِ
وَلا يَضيعَنَّ بِالإِهمالِ جانِبُهُ / فَرُبَّ مَصلَحَةٍ ضاعَت بِإِهمالِ
كَم هِمَّةٍ دَفَعَت جيلاً ذُرا شَرَفٍ / وَنَومَةٍ هَدَمَت بُنيانَ أَجيالِ
وَالعِلمُ في فَضلِهِ أَو في مَفاخِرِهِ / رُكنُ المَمالِكِ صَدرُ الدَولَةِ الحالي
إِذا مَشَت أُمَّةٌ في العالَمينَ بِهِ / أَبى لَها اللَهُ أَن تَمشي بِأَغلالِ
يَقِلُّ لِلعِلمِ عِندَ العارِفينَ بِهِ / ما تَقدِرُ النَفسُ مِن حُبٍّ وَإِجلالِ
فَقِف عَلى أَهلِهِ وَاِطلُب جَواهِرَهُ / كَناقِدٍ مُمعِنٍ في كَفِّ لَآلِ
فَالعِلمُ يَفعَلُ في الأَرواحِ فاسِدُهُ / ما لَيسَ يَفعَلُ فيها طِبُّ دَجّالِ
وَرُبَّ صاحِبِ دَرسٍ لَو وَقَفتَ بِهِ / رَأَيتَ شِبهَ عَليمٍ بَينَ جُهّالِ
وَتَسبِقُ الشَمسَ في الأَمصارِ حِكمَتُهُ / إِلى كَهولٍ وَشُبّانٍ وَأَطفالِ
زَيدانُ إِنّي مَعَ الدُنيا كَعَهدِكَ لي / رَضِيَ الصَديقِ مُقيلُ الحاسِدِ القالي
لي دَولَةُ الشِعرِ دونَ العَصرِ وائِلَةٌ / مَفاخِري حِكَمي فيها وَأَمثالي
إِن تَمشِ لِلخَيرِ أَو لِلشَرِّ بي قَدَمٌ / أُشَمِّرُ الذَيلَ أَو أَعثُر بِأَذيالي
وَإِن لَقيتُ اِبنَ أُنثى لي عَلَيهِ يَدٌ / جَحَدتُ في جَنبِ فَضلِ اللَهِ أَفضالي
وَأَشكُرُ الصُنعَ في سِرّي وَفي عَلَني / إِنَّ الصَنائِعَ تَزكو عِندَ أَمثالي
وَأَترُكُ الغَيبَ لِلَّهِ العَليمِ بِهِ / إِنَّ الغُيوبَ صَناديقٌ بِأَقفالِ
كَأُرغُنِ الدَيرِ إِكثاري وَمَوقِعُهُ / وَكَالأَذانِ عَلى الأَسماعِ إِقلالي
رَثَيتُ قَبلَكَ أَحباباً فُجِعتُ بِهِم / وَرُحتُ مِن فُرقَةِ الأَحبابِ يُرثى لي
وَما عَلِمتُ رَفيقاً غَيرَ مُؤتَمَنٍ / كَالمَوتِ لِلمَرءِ في حِلٍّ وَتِرحالِ
أَرَحتَ بالَك مِن دُنيا بِلا خُلُقٍ / أَلَيسَ في المَوتِ أَقصى راحَةَ البالِ
طالَت عَلَيكَ عَوادي الدَهرِ في خَشِنٍ / مِنَ التُرابِ مَعَ الأَيّامِ مُنهالِ
لَم نَأتِهِ بِأَخٍ في العَيشِ بَعدَ أَخٍ / إِلّا تَرَكنا رُفاتاً عِندَ غِربالِ
لا يَنفَعُ النَفسَ فيهِ وَهيَ حائِرَةٌ / إِلّا زَكاةُ النُهى وَالجاهِ وَالمالِ
ما تَصنَعِ اليَومَ مِن خَيرٍ تَجِدهُ غَداً / الخَيرُ وَالشَرُّ مِثقالٌ بِمِثقالِ
قَد أَكمَلَ اللَهُ ذَيّاكَ الهِلالَ لَنا / فَلا رَأى الدَهرَ نَقصاً بَعدَ إِكمالِ
وَلا يَزَل في نُفوسِ القارِئينَ لَهُ / كَرامَةُ الصُحُفِ الأُولى عَلى التالي
فيهِ الرَوائِعُ مِن عِلمٍ وَمِن أَدَبٍ / وَمِن وَقائِعِ أَيّامٍ وَأَحوالِ
وَفيهِ هِمَّةُ نَفسٍ زانَها خُلُقٌ / هُما لِباغي المَعالي خَيرُ مِنوالِ
عَلَّمتَ كُلَّ نَؤومٍ في الرِجالِ بِهِ / أَنَّ الحَياةَ بِآمالٍ وَأَعمالِ
ما كانَ مِن دُوَلِ الإِسلامِ مُنصَرِماً / صَوَّرتَهُ كُلَّ أَيّامٍ بِتِمثالِ
نَرى بِهِ القَومَ في عِزٍّ وَفي ضَعَةٍ / وَالمُلكَ ما بَينَ إِدبارٍ وَإِقبالِ
وَما عَرَضتَ عَلى الأَلبابِ فاكِهَةً / كَالعِلمِ تُبرِزُهُ في أَحسَنِ القالِ
وَضَعتَ خَيرَ رِواياتِ الحَياةِ فَضَع / رِوايَةَ المَوتِ في أُسلوبِها العالي
وَصِف لَنا كَيفَ تَجفو الروحُ هَيكَلَها / وَيَستَبِدُّ البِلى بِالهَيكَلِ الخالي
وَهَل تَحِنُّ إِلَيهِ بَعدَ فُرقَتِهِ / كَما يَحِنُّ إِلى أَوطانِهِ الجالي
هِضابُ لُبنانَ مِن مَنعاتِكَ اِضطَرَبَت / كَأَنَّ لُبنانَ مَرمِيٌّ بِزِلزالِ
كَذَلِكَ الأَرضُ تَبكي فَقدَ عالِمِها / كَالأُمِّ تَبكي ذَهابَ النافِعِ الغالي
دامَت مَعاليكَ فينا يا اِبنَ فاطِمَةٍ
دامَت مَعاليكَ فينا يا اِبنَ فاطِمَةٍ / وَدامَ مِنكُم لِأُفقِ البَيتِ نِبراسُ
قُل لِلخِديوِ إِذا وافَيتَ سُدَّتَهُ / تَمشي إِلَيهِ وَيَمشي خَلفَكَ الناسُ
حَجُّ الأَميرِ لَهُ الدُنيا قَدِ اِبتَهَجَت / وَالعَودُ وَالعيدُ أَفراحٌ وَأَعراسُ
فَلتَحيَ مِلَّتُنا فَلتَحيَ أُمَّتُنا / فَليَحيى سُلطانُنا فَليَحيى عَبّاسُ
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي / نادَيتُ لَيلى فَقومي في الدُجى نادي
وَأَرسِلي الشَجوَ أَسجاعاً مُفَصَّلَةٌ / أَو رَدِّدي مِن وَراءِ الأَيكِ إِنشادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَنٍ / وَلا الصَبابَةَ فَالدَمعانِ مِن وادِ
تَذَكَّري هَل تَلاقَينا عَلى ظَمَإٍ / وَكَيفَ بَلَّ الصَدى ذو الغُلَّةِ الصادي
وَأَنتِ في مَجلِسِ الرَيحانِ لاهِيَةٌ / ما سِرتِ مِن سامِرٍ إِلا إِلى نادي
تَذَكَّري قُبلَةً في الشَعرِ حائِرَةً / أَضَلَّها فَمَشَت في فَرقِكِ الهادي
وَقُبلَةً فَوقَ خَدٍّ ناعِمٍ عَطِرٍ / أَبهى مِنَ الوَردِ في ظِلِّ النَدى الغادي
تَذَكَّري مَنظَرَ الوادي وَمَجلِسَنا / عَلى الغَديرِ كَعُصفورَينِ في الوادي
وَالغُصنُ يَحنو عَلَينا رِقَّةً وَجَوىً / وَالماءُ في قَدَمَينا رائِحٌ غادِ
تَذَكَّري نَغَماتٍ هَهُنا وَهُنا / مِن لَحنِ شادِيَةٍ في الدَوحِ أَو شادي
تَذَكَّري مَوعِداً جادَ الزَمانُ بِهِ / هَل طِرتُ شَوقاً وَهَل سابَقتُ ميعادي
فَنلتُ ما نلتُ مِن سُؤلٍ وَمِن أَمَلِ / وَرُحتُ لَم أَحصِ أَفراحي وَأَعيادي
ذي هِمَّةٌ دونها في شَأوِها الهِمَمُ
ذي هِمَّةٌ دونها في شَأوِها الهِمَمُ / لَم تَتَّخِذ لا وَلَم تَكذِب لَها نعَمُ
بَلَّغتَني أَمَلاً ما كُنتُ بالِغَهُ / لَولا وَفاؤُكَ يا مَظلومُ وَالكَرَمُ
وِدادُكَ العِزُّ وَالنعَمى لِخاطِبِهِ / وَوُدُّ غَيرِكَ ضِحكُ السِنِّ وَالكَلمُ
أَكُلَّما قَعَدَت بي عَنكَ مَعذِرَةٌ / مَشَت إِلَيَّ الأَيادي مِنكَ وَالنِعَمُ
تُجِلُّ في قَلَمِ الأَوطانِ حامِلَهُ / فَكَيفَ يَصبِرُ عَن إِجلالِكَ القَلَمُ
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن / أَصبى الطُيورَ فَناجَتهُ وَناجاها
أَعطى بَلابِلَهُ يَوماً يُؤَدِّبُها / لِحُرمَةٍ عِندَهُ لِلبومِ يَرعاها
وَاِشتاقَ يَوماً مِنَ الأَيّامِ رُؤيَتَها / فَأَقبَلَت وَهيَ أَعصى الطَيرِ أَفواها
أَصابَها العِيُّ حَتّى لا اِقتِدارَ لَها / بِأَن تَبُثَّ نَبِيَّ اللَهِ شَكواها
فَنالَ سَيِّدَها مِن دائِها غَضَبٌ / وَوَدَّ لَو أَنَّهُ بِالذَبحِ داواها
فَجاءَهُ الهُدهُدُ المَعهودُ مُعتَذِراً / عَنها يَقولُ لِمَولاهُ وَمَولاها
بَلابِلُ اللَهِ لا تَخرَس وَلا وُلِدَت / خُرساً وَلَكِنَّ بومَ الشُؤمِ رَبّاها
اِسمَع نَفائِسَ ما يَأتيكَ مِن حِكَمي
اِسمَع نَفائِسَ ما يَأتيكَ مِن حِكَمي / وَاِفهَمهُ فَهمَ لَبيبٍ ناقِدٍ واعي
كانَت عَلى زَعمِهِم فيما مَضى غَنَمٌ / بِأَرضِ بَغدادَ يَرعى جَمعَها راعي
قَد نامَ عَنها فَنامَت غَيرَ واحِدَةٍ / لَم يَدعُها في الدَياجي لِلكَرى داعي
أُمُّ الفَطيمِ وَسَعدٍ وَالفَتى عَلفٍ / وَاِبنِ أُمِّهِ وَأَخيهِ مُنيَةِ الراعي
فَبَينَما هِيَ تَحتَ اللَيلِ ساهِرَةٌ / تُحييهِ ما بَينَ أَوجالٍ وَأَوجاعِ
بَدا لَها الذِئبُ يَسعى في الظَلامِ عَلى / بُعدٍ فَصاحَت أَلا قوموا إِلى الساعي
فَقامَ راعي الحِمى المَرعِيِّ مُنذَعِراً / يَقولُ أَينَ كِلابي أَينَ مِقلاعي
وَضاقَ بِالذِئبِ وَجهُ الأَرضِ مِن فَرَق / فَاِنسابَ فيهِ اِنسِيابَ الظَبيِ في القاعِ
فَقالَتِ الأُمُّ يا للفَخرِ كانَ أَبي / حُرّاً وَكانَ وَفِيّاً طائِلَ الباعِ
إِذا الرُعاةُ عَلى أَغنامِها سَهِرَت / سَهِرتُ مِن حُبِّ أَطفالي عَلى الراعي
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ / إِلّا وَأَنتَ لِعَينِ الدَهرِ إِنسانُ
وَما تَهَلَّلتَ إِذ وافاكَ ذو أَمَلٍ / إِلّا وَأَدهَشَهُ حُسنٌ وَإِحسانُ
لِلَّهِ ساحَتُكَ المَسعودُ قاصِدُها / فَإِنَّما ظِلُّها أَمنٌ وَإيمانُ
لَئِن تَباهى بِكَ الدينُ الحَنيفُ لَكَم / تَقَوَّمَت بِكَ لِلإِسلامِ أَركانُ
تُراقِبُ اللَهَ في مُلكٍ تُدَبِّرُهُ / فَأَنتَ في العَدلِ وَالتَقوى سُلَيمانُ
أَنجى لَكَ اللَهُ أَنجالاً يُهَيِّئُهُم / لِرِفعَةِ المُلكِ إِقبالٌ وَعِرفانُ
أَعِزَّةٌ أَينَما حَلَّت رَكائِبُهُم / لَهُم مَكانٌ كَما شاؤوا وَإِمكانُ
لَم تَثنِهِم عَن طِلابِ العِلمِ في صِغَرٍ / في عِزِّ مُلكِكَ أَوطارٌ وَأَوطانُ
تَأبى السَعادَةُ إِلّا أَن تُسايِرَهُم / لِأَنَّهُم لِمُلوكِ الأَرضِ ضيفانُ
نَجلانِ قَد بَلَغا في المَجدِ ما بَلَغا / مُعَظَّمٌ لَهُما بَينَ الوَرى شانُ
يَكفيهِما في سَبيلِ الفَخرِ أَن شَهدَت / بِفَضلِ سَبقِهِما روسٌ وَأَلمانُ
هُما هُما تَعرِفُ العَلياءُ قَدرَهُما / كِلاهُما كَلِفٌ بِالمَجدِ يَقظانُ
ما الفَرقَدانِ إِذا يَوماً هُما طَلَعا / في مَوكِبٍ بِهِما يَزهو وَيَزدانُ
يا كافِيَ الناسِ بَعدَ اللَهِ أَمرَهُمُ / النَصرُ إِلّا عَلى أَيديكَ خِذلانُ
يا مُنيلَ المَعالي وَالنَدى كَرَماً / الرِبحُ مِن عَبرِ هَذا البابِ خُسرانُ
مَولايَ هَل لِفَتى بِالبابِ مَعذِرَةٌ / فَعَقلُهُ في جَلالِ المُلكِ حَيرانُ
سَعى عَلى قَدَمِ الإِخلاصِ مُلتَمِساً / رِضاكَ فَهوَ عَلى الإِقبالِ عُنوانُ
أَرى جَنابَكَ رَوضاً لِلنَدى نَضِراً / لِأَنَّ غُصنَ رَجائي فيهِ رَيّانُ
لا زالَ مُلكُكَ بِالأَنجالِ مُبتَهِجاً / ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها / فَهَل يُهَنّيكَ شِعري أَم يُهَنّيها
أَنتَ البَرِيَّةُ فَاِهنَأ وَهيَ أَنتَ فَمَن / دَعاكَ يَوماً لِتَهنا فَهوَ داعيها
عيدُ السَماءِ وَعيدُ الأَرضِ بَينَهُما / عيدُ الخَلائِقِ قاصيها وَدانيها
فَبارَكَ اللَهُ فيها يَومَ مَولِدِها / وَيَومَ يَرجو بِها الآمالَ راجيها
وَيَومَ تُشرِقُ حَولَ العَرشِ صِبيَتُها / كَهالَةٍ زانَتِ الدُنيا دَراريها
إِنَّ العِنايَةَ لَمّا جامَلَت وَعَدَت / أَلّا تَكُفَّ وَأَن تَترى أَياديها
بِكُلِّ عالٍ مِنَ الأَنجالِ تَحسَبُهُ / مِنَ الفَراقِدِ لَو هَشَّت لِرائيها
يَقومُ بِالعَهدِ عَن أَوفى الجُدودِ بِهِ / عَن والِدٍ أَبلَجِ الذِمّاتِ عاليها
وَيَأخُذُ المَجدَ عَن مِصرٍ وَصاحِبِها / عَنِ السَراةِ الأَعالي مِن مَواليها
الناهِضينَ عَلى كُرسِيِّ سُؤدُدِها / وَالقابِضينَ عَلى تاجَي مَعاليها
وَالساهِرينَ عَلى النيلِ الحَفِيِّ بِها / وَكَأسها وَحُمَيّاها وَساقَيها
مَولايَ لِلنَفسِ أَن تُبدي بَشائِرَها / بِما رُزِقتَ وَأَن تَهدي تَهانيها
الشَمسُ قَدراً بَلِ الجَوزاءُ مَنزِلَةً / بَلِ الثُرَيّا بَلِ الدُنيا وَما فيها
أُمُّ البَنينَ إِذا الأَوطانُ أَعوَزَها / مُدَبِّرٌ حازِمٌ أَو قَلَّ حاميها
مِنَ الإِناثِ سِوى أَنَّ الزَمانَ لَها / عَبدٌ وَأَنَّ المَلا خُدّامُ ناديها
وَأَنَّها سِرُّ عَبّاسٍ وَبِضعَتُهُ / فَهيَ الفَضيلَةُ مالي لا أُسَمّيها
أَغَرُّ يَستَقبِلُ العَصرُ السَلامَ بِهِ / وَتُشرِقُ الأَرضُ ما شاءَت لَياليها
عالي الأَريكَةِ بَينَ الجالِسينَ لَهُ / مِنَ المَفاخِرِ عاليها وَغاليها
عَبّاسُ عِش لِنُفوسٍ أَنتَ طِلبَتُها / وَأَنتَ كُلُّ مُرادٍ مِن تَناجيها
تُبدي الرَجاءَ وَتَدعوهُ لِيَصدُقَها / وَاللَهُ أَصدَقُ وَعداً وَهوَ كافيها
كزبك بطير الجمال اعترت أيكاته
كزبك بطير الجمال اعترت أيكاته / فِدا بناته إذا ما مسن باناته
ما بهجة العصر إلا جركسياته / من كل هيفا لها عند الدلال إدلال
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب / وبت تنكرني اللذات والطرب
وما رشاديَ إلا لمع بارقة / يرام فيه ويُقضَى للعلى أرب
دعت فأسمع داعيها ولو سكتت / دعوت أسمعها والحرّ ينتدب
وهكذا أنا في همى وفي هممي / إن الرجال إذا ما حاولوا دأبوا
ولي همامة نفس حيث أجعلها / لا حيث تجعلها الأحداث والنوب
لها على عزة الأقدار إن مطلت / حلم الليوث إذا ما أستأخر السلب
وإن تحير بي قوم فلا عجب / إن الحقيقة سبل نحوها الرّيب
أوشكت أتلف أقلامي وتتلفني / وما أنلت بنى مصر الذي طلبوا
همو رأوا أن تظل القضب مغمدة / فلن تذيب سوى أغمادها القضب
رضيت لو أن نفسي بالرضى انتفعت / وكم غضبت فما أدناني الغضب
نالت منابر وادى النيل حصتها / منى ومن قبل نال اللهو والطرب
وملعب كمعاني الحلم لو صدقت / وكالأماني لولا أنها كذب
تدفق الدهر باللذات فيه فلا / عنها انصراف ولا من دونها حجب
وجاملت عصبة يحيا الوفاء بهم / فهم جمال الليالي أو هم الشهب
باتوا الفراقد لألاء وما سفروا / عليه والبان أعطافا وما شربوا
وأسعدت مشرفاتٌ من مكامنها / حمر المناقير في لباتها ذهب
مستأنسات قريرات بأخبية / من سندس الروض لم يمدد بها طنب
وما بين حام يهاب الجار ساحته / وناشئ يزدهيه الطوق والزغب
وغادةٍ من بنات الأيك ساهية / ما تستفيق وأخرى همها اللعب
قريرة العين بالدنيا مروعة / بالأسر تضحك أحيانا وتنتحب
وتبرح الفرع نحو الفرع جاذبه / بالغصن فالفرع نحو الفرع منجذب
أبا الحيارى ألا رأى فيعصمهم / فليس إلا إلى آرائك الهرب
لن يعرف اليأس قوم حصنهمو / وأنت رايتهم والفيلق اللجب
عوّدتهم أن يبينوا في خلائقهم / فأنت عانٍ عوّدتهم تعِب
والصدق أرفع ما اهتز الرجال له / وخير ما عوّد أبناً في الحياة أب
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الله في الخلق من صب ومن عانى
الله في الخلق من صب ومن عانى / تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
صوني جمالك عنا إننا بشر / من التراب وهذا الحسن روحاني
أو فابتغي فلكا تأوينه ملَكا / لم يتخذ شركا في العالم الفاني
السرّ يحرسه والذكر يؤنسه / والشهب حوليه بالمرصاد للجان
ينساب للنور مشغوفا بصورته / منعّما في بديعات الحلى هانى
إذا تبسم أبدى الكون زينته / وإن تنسم أهدى أى ريحان
وأشرفي من سماء العز مشرقة / بمنظر ضاحك اللآلاء فتان
عسى تكف دموع فيك هامية / لا تطلع الشمس والنداء في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها / فرحت أشوق مشتاق لأوطان
أتعهدين حنيني في الزمان لها / وسكبي الدمع من تذكارها قانى
وغبطيَ الطير آتيه أصيح به / ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني
مُرى عصىّ الكرى يغشى مجاملة / وسامحي في عناق الطيف أجفاني
كفى خدودي من عينيّ ما شربت / فمثل ما قد جرى لم تأت عينان
لئن ضننت فما لي لا أضنّ به / على الفناء سوى آثار وجدان
ومنطق يرث التاريخ جوهره / عن الزمان وعن عباسه الثاني
يا ابن النوال وما في الملك من كرم / ومن عفاف ومن حلم وإيمان
هذى المفاخر لم تولد ولا ولدت / ولا رأى الناس شأنا كفء ذا الشان
هام الأنام وسادات الأنام بها / وحرّك العصر أعطافا كنشوان
ربَّ الصعيد ورب الريف ثب بهما / للفرقدين وطاول شأو كيوان
سارت بمسعاتك الأخبار وانتقلت / بها الركاب وشاق القاصى الدانى
تريد مصر بما تبدى حوادثها / ليعرف الناس حلمي هل له ثاني
فيا حوادث مهلا في نصيحتنا / فما تركت لنا لبا بعرفان
وإن حلمي لتستكفي البلاد به / كالعين تمت معانيها بإنسان
لما بدا الشهر واستقبلت غرّته / لاح الهلال ولاح البدر في آن
وقمت تسطع بالأنوار في أفق / بالمسلمين وبالإسلام مزدان
كأنك البدر في غايات رفعته / لو كان للبدر كرسي وتاجان
فاهنأ مكانك واهنأ ما يلوح به / لرب يلدز من آثار إحسان
إذا الخلافة في أمصارها نهضت / رأت بمصركم روحا لأبدان
وإنها الدهرَ للإسلام مملكة / تزهو ممالكها منها بعنوان
أهدى الخليفة ما أهدى يبشرنا / أن الوداد بآساس وأركان
وإن ما تشتكي الأوطان من أود / إلى صلاح بنعماه وعمران
قصرا على اللج لولا أن مهديه / عبد الحميد لقلنا قصر نعمان
يبيت من عزة البسفور صاحبه / على مكان من الدنيا وإمكان
إذا الأكارم سنوا للندى سبلا / سننت أجملها يا فرع عثمان
ودّ النجوم أبا ساسان والدهم / ومن بوالدك العالي بساسان
يظل يسجع في الإسلام شاعركم / كان أيامه أيام حسان
ويشتهى الدولة العليا معززة / من الوئام بأنصار وأعوان
وبالمعارف تعليها وتورثها / في الأرض بنيات فخر عند بنيان
ركن الخلافة ضافي الذيل مدّعم / على السلام فعش للركن يا باني
خل الأمور لأمر سابق جار
خل الأمور لأمر سابق جار / وجار أهل الرضى في نهجهم جار
هيهات تعدم نفس للرضى سببا / إن النفوس بآمال وأوطار
قد ساعفتك رياح اللطف لو نظرت / إلى السفينة بين الماء والنار
أكلما قام تيار تضيق به / أغاثها الله فانقادت بتيار
فسر بها في ظلام الليل معتصما / لتخرجنّ إلى جودىّ أنوار
تطوى له الهول حتى يستبين لها / فجر السلام وحتى يحمد السارى
خفيفة بيد الألطاف تنقلها / إلى شواطئ من تبر وأقطار
آمال أروع جمّ الصدق محتكم / بالله في جوهر الآمال مختار
هل في الحوادث شك أم بإمرتها / ريب ونحن لأحكام وأقدار
يا ليلة البال ما خالوك راقصة
يا ليلة البال ما خالوك راقصة / إلا وأنت جمال الدهر والحقب
كم لذة بك ولت وانقضت وجلت / وذكرها فيه لم يبرح ولم يغب
بالله بالكون بالنجم الرفيع بمن / أحياك شائقة بالمنظر العجب
طولى لضيفانه الأمجاد واتصلى / فما ألذ المنى موصولة السبب
وفود مولاى لولا أنها نزلت / بالحلم قلنا وفود البحر ذى العبب
ماج السراى وميدان السراى بها / وماج متسع الساحات والرحب
وأقبلت ظبيات الإنس في كنس / من الهوادج يسعى لا من الكُثُب
تهفو الرياح بها دفعا وهزهزة / وتقبل الخيل بين الوخد والخبب
حتى إذا وقفت مالت إلى شرك / من السواعد مأمون لها حدب
مستجمعات سريعات معاطفها / إلى المعازف مهما تدعها تثب
أهاجها هائج الألحان فانعطفت / مثل النسيم سرى ساريه في القضب
ودارت الراح بالأجياد مثقلة / بالحلى فاستسلمت من شدة الوصب
وبالخصور فمن واهٍ ومن قلِق / ومن سقيم ومن فانس ومن تِعب
والقصر نور وآفاق الوجود سنا / والصفو بينهما زهو لمرتقب
والليل مزّين الأطراف منتطق / مكلل الهام حالى الجيد والّلبب
كأنّ أنجمه فوضى مبدّدة / على الدجى بين مهزوز ومضطرب
آثار كاسية اللبات سابحة / في حليها فلتت من كف مغتصب
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي / يا دهر ما أنت إلا جائر عادي
لم يكفك الرزء في ملكي وفي وطني / وفي شبابي وفي صفوي وأعيادي
فرحت تبعد أحبابي وتقذف بي / مع المخاوف من واد إلى واد
حتى مررت على الأيدي يدٍ فيدٍ / وطال في عالم الأهوال تردادي
فمن شقىّ إلى لص إلى نفق / إلا ظلام بروعى رائح غاد
إلى قفار إلى سهل إلى جبل / إلى غلام من الفجار مصطاد
أروح في أسر سلطان الهوى وأجى / ولا أبي لي ولا سلطانه فادي
لا والقوام الذي والأعين اللاتي
لا والقوام الذي والأعين اللاتي / ما خنت رب القنا والمشرفيات
ولا سلوت ولم أهمم ولا خطرت / بالبال سلواك في ماض ولا آتى
ولا أردت لسهم اللحظ في كبدي / ردا رأى لي في المستحيلات
ويذهب اللوم بي في كل ناحية / فلا يبلّغني إلا صُبابات
وأنت تطرب للواشي وتطمعه / كالطفل ألقى بسمع للخرافات
إن السهام إذا ما واصلت غرضا / كانت خواطئها مثل المصيبات
وسهم جفنيك ما أرسلته عرضا / أبى القضاء له إلا رميّات
فمن فؤادي إلى لبي إلى كبدي / إلى رشادي فإغفائي فلذاتي
وما الغزالة إلا أنت في نظري / بعينها ويقول البعض بالذات
وخاتم الملك للحاجات مطَّلب / وثغرك المتمنى كل حاجاتي
فقل له يتمت في الحب مهجته / وأنت مأوى اليتامي واليتميات
أهلا بركب العلى والعز قاطبة / وفد المفاخر طرّا والسعادات
ومرحبا بك في حل ومرتحل / وخصك الله منه بالتحيات
ما زلت تظمئ مصرا ثم تمطرها / والغيث أفضل ما يأتي بميقات
مشت ركابك من ثغر إلى بلد / مشى الجدود إلى محو الشقاوات
وإن مولاي من سارت مواكبه / لراية الله في أيدي الجماعات
إن شرفوها رأوا في ظلها شرفا / واستقبلوا الخير نياتٍ بنيات
يممت ثغر سعيد خير محتفل / تعيدها حفلات قيصريات
كم مثلت بمجاليها ورونقها / جد الشعوب وإقدام الحكومات
والقوم في مصر ما طافوا بملعبها / إلا كما شهد الغر الروايات
حتى جرى الماء من أثنائها ذهبا / يسقى ممالك لا تَروىَ ودولات
فكل مائدة بالخلق حافلة / ومصر من خلفهم طاهي الوليمات
هلا بررنا بسادات لنا سلفوا / بِر الغريب بأسلاف وسادات
إذا المدائح فاز المحسنون بها / فاز الكرام لدينا بالمذمات
ما كان أعظم إسماعيل لو سلمت / له السعادة في مصر وهيهات
إن شيدوا لسواه ما يمثله / فمجده فيه تمثيل بمرآة
قوم ينال جزاء السعي حيهمو / فإن قضى شيَّعوه بالكرامات
وصيروه مثالا بعده حسنا / يبقى مدى الدهر عنوان المكافاة
لولا مفاخر أفراد نعدّهمو / لعاش ذو العقل حيا بين أموات
فأحيِ ذكرك في الدنيا بمأثره / وأدرك الخلد في الدنيا بمسعاة
مولاى مصر بنوها اليوم في طرب / تدار بينهم كأس المسرات
قال المنجم أقوالا فروّعهم / أن لا يروك فيقضوا بالندامات
حتى إذا عدت يا دنيا همو عرفوا / قصد المنجم من تلك الإذاعات
أيظهر النحس أم يبدو له ذنب / والسعد منك بأقمار وهالات
تساءل الناس حتى لا قرار لهم / أَتَقصر الأرض أم تجرى لغايات
خافوا عليها والهتهم قيامتها / عما يمرّ عليهم من قيامات
أبي الإقامة للدنيا وساكنها / يوم يدول وضوء ذاهب آتى
كل يمدّ حَبالات الفناء لنا / والكل من بعدنا رهن الحبالات
لا بدّ للنجم من يوم يزل به / وإن تناول أسباب السموات
زاحمت كل أخي جهل وزاحمني
زاحمت كل أخي جهل وزاحمني / كالبدر غالب فيما حاول الظلما
ولاح لي من زماني مظهر كذب / حتى رميت على عُبَّاده الصنما