القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد شَوقي الكل
المجموع : 83
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني / تَفنى القُلوبُ وَيَبقى قَلبُكِ الجاني
صوني جَمالَكِ عَنّا إِنَّنا بَشَرٌ / مِنَ التُرابِ وَهَذا الحُسنُ روحاني
أَو فَاِبتَغي فَلَكاً تَأوينَهُ مَلَكاً / لَم يَتَّخِذ شَرَكاً في العالَمِ الفاني
يَنسابُ في النورِ مَشغوفاً بِصورَتِهِ / مُنَعَّماً في بَديعاتِ الحُلى هاني
إِذا تَبَسَّمَ أَبدى الكَونُ زينَتَهُ / وَإِن تَنَفَّسَ أَهدى طيبَ رَيحانِ
وَأَشرِقي مِن سَماءِ العِزِّ مُشرِقَةً / بِمَنظَرٍ ضاحِكِ اللَألاءِ فَتّانِ
عَسى تَكُفُّ دُموعٌ فيكِ هامِيَةٌ / لا تَطلُعُ الشَمسُ وَالأَنداءُ في آنِ
يا مَن هَجَرتُ إِلى الأَوطانِ رُؤيَتَها / فَرُحتُ أَشوَقَ مُشتاقٍ لِأَوطانِ
أَتَذكُرينَ حَنيني في الزَمانِ لَها / وَسَكبِيَ الدَمعَ مِن تَذكارِها قاني
وَغَبطِيَ الطَيرَ أَلقاهُ أَصيحُ بِهِ / لَيتَ الكَريمَ الَّذي أَعطاكِ أَعطاني
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً / ماذا صَنَعتِ بِهِ يا ظَبيَةَ البانِ
أَحنى عَلَيكِ مِنَ الكُثبانِ فَاِتَّخِذي / عَلَيهِ مَرعاكِ مِن قاعٍ وَكُثبانِ
غَرَّبتِهِ فَوَهى جَنبي لِفُرقَتِهِ / وَحَنَّ لِلنازِحِ المَأسورِ جُثماني
لا رَدَّهُ اللَهُ مِن أَسرٍ وَمِن خَبَلٍ / إِن كانَ في رَدِّهِ صَحوي وَسُلواني
دَلَّهتِهِ بِعَزيزٍ في مَحاجِرِهِ / ماضٍ لَهُ مِن مُبينِ السِحرِ جَفنانِ
رَمى فَضَجَّت عَلى قَلبي جَوانِحُهُ / وَقُلنَ سَهمٌ فَقالَ القَلبُ سَهمانِ
يا صورَةَ الحورِ في جِلبابِ فانِيَةٍ / وَكَوكَبَ الصُبحِ في أَطافِ إِنسانِ
مُري عَصِيَّ الكَرى يَغشى مُجامَلَةً / وَسامِحي في عِناقِ الطَيفِ أَجفانِ
فَحَسبُ خَدّي مِن عَينَيَّ ما شَرِبا / فَمِثلُ ما قَد جَرى لَم تَلقَ عَينانِ
أَهلَ القُدودِ الَّتي صالَت عَواليها
أَهلَ القُدودِ الَّتي صالَت عَواليها / اللَهَ في مُهَجٍ طاحَت غَواليها
خُذنَ الأَمانَ لَها لَو كانَ يَنفَعُها / وَاِردُدنَها كَرَماً لَو كانَ يُجديها
وَاِنظُرنَ ما فَعَلَت أَحداقُكُنَّ بِها / ما كانَ مِن عَبَثِ الأَحداقِ يَكفيها
تَعَرَّضَت أَعينٌ مِنّا فَعارَضَنا / عَلى الجَزيرَةِ سِربٌ من غَوانيها
ما ثُرنَ مِن كُنُسٍ إِلّا إِلى كُنُسٍ / مِنَ الجَوانِحِ ضَمَّتها حَوانيها
عَنَّت لَنا أُصُلاً تُغري بِنا أَسَلاً / مَهزوزَةً شَكلاً مَشروعَةً تيها
وَأَرهَفَت أَعيُناً ضَعفى حَمائِلُها / نَشوى مَناصِلُها كَحلى مَواضيها
لَنا الحَبائِلُ نُلقيها نَصيدُ بِها / وَلَم نَخَل ظَبَياتِ القاعِ تَلقيها
نَصَبنَها لَكَ مِن هُدبٍ وَمِن حَدَقٍ / حَتّى اِنثَنَيتَ بِنَفسٍ عَزَّ فاديها
مِن كُلِّ زَهراءَ في إِشراقِها ضَحِكَت / لَبّاتُها عَن شَبيهِ الدُرِّ مِن فيها
شَمسُ المَحاسِنِ يُستَبقى النَهارُ بِها / كَأَنَّ يوشَعَ مَفتونٌ يُجاريها
مَشَت عَلى الجِسرِ ريماً في تَلَفُّتِها / لِلناظِرينَ وَباناً في تَثَنّيها
كَأَنَّ كُلَّ غَوانيهِ ضَرائِرُها / عُجباً وَكُلَّ نَواحيهِ مَرائيها
عارَضتُها وَضَميري مِن مَحارِمِها / يَزوَرُّ عَن لَحَظاتي في مَساريها
أَعِفُّ مِن حَليِها عَمّا يُجاوِرُهُ / وَمِن غَلائِلِها عَمّا يُدانيها
قالَت لَعَلَّ أَديبَ النيلِ يُحرِجُنا / فَقُلتُ هَل يُحرِجُ الأَقمارَ رائيها
بَيني وَبَينَكِ أَشعارٌ هَتَفتُ بِها / ما كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الريمَ يَرويها
وَالقَولُ إِن عَفَّ أَو ساءَت مَواقِعُهُ / صَدى السَريرَةِ وَالآدابِ يَحكيها
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ
يَموتُ في الغابِ أَو في غَيرِهِ الأَسَدُ / كُلُّ البِلادِ وِسادٌ حينَ تُتَّسَدُ
قَد غَيَّبَ الغَربُ شَمساً لا سَقامَ بِها / كانَت عَلى جَنَباتِ الشَرقِ تَتَّقِدُ
حَدا بِها الأَجَلُ المَحتومُ فَاِغتَرَبَت / إِنَّ النُفوسَ إِلى آجالِها تَفِدُ
كُلُّ اِغتِرابٍ مَتاعٌ في الحَياةِ سِوى / يَومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجَةَ الجَسَدُ
نَعى الغَمامَ إِلى الوادي وَساكِنِهِ / بَرقٌ تَمايَلَ مِنهُ السَهلُ وَالجَلَدُ
بَرقُ الفَجيعَةِ لَمّا ثارَ ثائِرُهُ / كادَت كَأَمسٍ لَهُ الأَحزابُ تَتَّحِدُ
قامَ الرِجالُ حَيارى مُنصِتينَ لَهُ / حَتّى إِذا هَدَّ مِن آمالِهِم قَعَدوا
عَلا الصَعيدَ نهارٌ كُلُّهُ شَجَنٌ / وَجَلَّلَ الريفَ لَيلٌ كُلُّهُ سُهُدُ
لَم يُبقِ لِلضاحِكينَ المَوتُ ما وَجَدوا / وَلَم يَرُدَّ عَلى الباكينَ ما فَقَدوا
وَراءَ رَيبِ اللَيالي أَو فُجاءَتِها / دَمعٌ لِكُلِّ شِماتٍ ضاحِكٍ رَصَدُ
باتَت عَلى الفُلكِ في التابوتِ جَوهَرَةٌ / تَكادُ بِاللَيلِ في ظِلِّ البِلى تَقِدُ
يُفاخِرُ النيلُ أَصدافَ الخَليجِ بِها / وَما يَدُبُّ إِلى البَحرَينِ أَو يَرِدُ
إِنَّ الجَواهِرَ أَسناها وَأَكرَمُها / ما يَقذِفُ المَهدُ لا ما يَقذِفُ الزَبَدُ
حَتّى إِذا بَلَغَ الفَلَكُ المَدى اِنحَدَرَت / كَأَنَّها في الأَكُفِّ الصارِمُ الفَرِدُ
تِلكَ البَقِيَّةُ مِن سَيفِ الحِمى كِسَرٌ / عَلى السَريرِ وَمِن رُمحِ الحِمى قَصِدُ
قَد ضَمَّها فَزَكا نَعشٌ يُطافُ بِهِ / مُقَدَّمٌ كَلِواءِ الحَقِّ مُنفَرِدُ
مَشَت عَلى جانِبَيهِ مِصرُ تَنشُدُهُ / كَما تَدَلَّهَتِ الثَكلى وَتَفتَقِدُ
وَقَد يَموتُ كَثيرٌ لا تُحِسُّهُمُ / كَأَنَّهُم مِن هَوانِ الخَطبِ ما وُجِدوا
ثُكلُ البِلادِ لَهُ عَقلٌ وَنَكبَتُها / هِيَ النَجابَةُ في الأَولادِ لا العَدَدُ
مُكَلَّلُ الهامِ بِالتَصريحِ لَيسَ لَهُ / عودٌ مِنَ الهامِ يَحويهِ وَلا نَضَدُ
وَصاحِبُ الفَضلِ في الأَعناقِ لَيسَ لَهُ / مِنَ الصَنائِعِ أَو أَعناقِهِم سَنَدُ
خَلا مِنَ المِدفَعِ الجَبّارِ مَركَبُهُ / وَحَلَّ فيهِ الهُدى وَالرِفقُ وَالرَشَدُ
إِنَّ المَدافِعَ لَم يُخلَق لِصُحبَتِها / جُندُ السَلامِ وَلا قُوّادُهُ المُجُدُ
يا بانِيَ الصَرحَ لَم يَشغَلهُ مُمتَدِحٌ / عَنِ البِناءِ وَلَم يَصرِفهُ مُنتَقِدُ
أَصَمَّ عَن غَضَبٍ مِن حَولِهِ وَرِضىً / في ثَورَةٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِدُ
تَصريحُكَ الخُطوَةُ الكُبرى وَمَرحَلَةٌ / يَدنو عَلى مِثلِها أَو يَبعُدُ الأَمَدُ
الحَقُّ وَالقُوَّةُ اِرتَدّا إِلى حَكَمٍ / مِنَ الفَياصِلِ ما في دينِهِ أَوَدُ
لَولا سِفارَتُكَ المَهدِيَّةُ اِختَصَما / وَمَلَّ طولَ النِضالِ الذِئبُ وَالنَقَدُ
ما زِلتَ تَطرُقُ بابَ الصُلحِ بَينَهُما / حَتّى تَفَتَّحَتِ الأَبوابُ وَالسُدَدُ
وَجَدتَها فُرصَةً تُلقى الحِبالُ لَها / إِنَّ السِياسَةَ فيها الصَيدُ وَالطَرَدُ
طَلَبتَها عِندَ هوجِ الحادِثاتِ كَما / يَمشي إِلى الصَيدِ تَحتَ العاصِفِ الأَسَدُ
لَمّا وَجَدتَ مُعِدّاتِ البِناءِ بَنَت / يَداكَ لِلقَومِ ما ذَمّوا وَما حَمَدوا
بَنَيتَ صَرحَكَ مِن جُهدِ البِلادِ كَما / تُبنى مِنَ الصَخرِ الآساسُ وَالعُمُدُ
فيهِ ضَحايا مِنَ الأَبناءِ قَيِّمَةٌ / وَفيهِ سَعيٌ مِنَ الآباءِ مُطَّرِدُ
وَفي أَواسيهِ أَقلامٌ مُجاهِدَةٌ / عَلى أَسِنَّتِها الإِحسانُ وَالسَدَدُ
وَفيهِ أَلوِيَةٌ عَزَّ الجِهادُ بِهِم / لَولا المَنِيَّةِ ما مالوا وَلا رَقَدوا
رَمَيتَ في وَتَدِ الذُلِّ القَديمِ بِهِ / حَتّى تَزعزَعَ مِن أَسبابِهِ الوَتَدُ
طَوى حِمايَتَهُ المُحتَلُّ وَاِنبَسَطَت / حِمايَةُ اللَهِ فَاِستَذرى بِها البَلَدُ
نَم غَيرَ باكٍ عَلى ماشِدتَ مِن كَرَمٍ / ما شيدَ لِلحَقِّ فَهوَ السَرمَدُ الأَبَدُ
يا ثَروَةَ الوَطَنِ الغالي كَفى عِظَةً / لِلناسِ أَنَّكَ كَنزٌ في الثَرى بَدَدُ
لَم يُطغِكَ الحُكمُ في شَتّى مَظاهِرِهِ / وَلا اِستَخَفَّكَ لينُ العَيشِ وَالرَغَدُ
تَغدو عَلى اللَهِ وَالتاريخِ في ثِقَةٍ / تَرجو فَتُقدِمُ أَو تَخشى فَتَتَّئِدُ
نَشَأتَ في جَبهَةِ الدُنيا وَفي فَمِها / يَدورُ حَيثُ تَدورُ المَجدُ وَالحَسَدُ
لِكُلِّ يَومٍ غَدٌ يَمضي بِرَوعَتِهِ / وَما لِيَومِكَ يا خَيرَ اللِداتِ غَدُ
رَمَتكَ في قَنَواتِ القَلبِ فَاِنصَدَعَت / مَنِيَّةٌ ما لَها قَلبٌ وَلا كَبِدُ
لَمّا أَناخَت عَلى تامورِكَ اِنفَجَرَت / أَزكى مِنَ الوَردِ أَو مِن مائِهِ الوُرُدُ
ما كُلُّ قَلبٍ غَدا أَو راحَ في دَمِهِ / فيهِ الصَديقُ وَفيهِ الأَهلُ وَالوَلَدُ
وَلَم تُطاوِلكَ خَوفاً أَن يُناضِلَها / مِنكَ الدَهاءُ وَرَأيٌ مُنقِذٌ نَجِدُ
فَهَل رَثى المَوتُ لِلبِرِّ الذَبيحِ وَهَل / شَجاهُ ذاكَ الحَنانُ الساكِنُ الهَمِدُ
هَيهاتَ لَو وُجِدَت لِلمَوتِ عاطِفَةُ / لَم يَبكِ مِن آدَمٍ أَحبابَهُ أَحَدُ
مَشَت تَذودُ المَنايا عَن وَديعَتِها / مَدينَةُ النورِ فَاِرتَدَّت بِها رَمَدُ
لَو يُدفَعُ المَوتُ رَدَّت عَنكَ عادِيَهُ / لِلعِلمِ حَولَكَ عَينٌ لَم تَنَم وَيَدُ
أَبا عَزيزٍ سَلامُ اللَهِ لا رُسُلٌ / إِلَيكَ تَحمِلُ تَسليمي وَلا بُرَدُ
وَنَفحَةٌ مِن قَوافي الشِعرِ كُنتَ لَها / في مَجلِسِ الراحِ وَالرَيحانِ تَحتَشِدُ
أَرسَلتُها وَبَعَثتُ الدَمعَ يَكنُفُها / كَما تَحَدَّرَ حَولَ السَوسَنِ البَرَدُ
عَطَفتُ فيكَ إِلى الماضي وَراجَعَني / وُدٌّ مِنَ الصِغَرِ المَعسولِ مُنعَقِدُ
صافٍ عَلى الدَهرِ لَم تُقفِر خَلِيَّتُهُ / وَلا تَغَيَّرَ في أَبياتِها الشُهُدُ
حَتّى لَمَحتُكَ مَرموقَ الهِلالِ عَلى / حَداثَةٍ تَعِدُ الأَوطانَ ما تَعِدُ
وَالشِعرُ دَمعٌ وَوِجدانٌ وَعاطِفَةٌ / يا لَيتَ شِعرِيَ هَل قُلتُ الَّذي أَجِدُ
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ / وَتِلكَ دولاتُهُ أَم رَسمُها البالي
أَصابَها الدَهرُ إِلّا في مَآثِرِها / وَالدَهرُ بِالناسِ مِن حالٍ إِلى حالِ
وَصارَ ما نَتَغَنّى مِن مَحاسِنِها / حَديثُ ذي مِحنَةٍ عَن صَفوِهِ الخالي
إِذا حَفا الحَقُّ أَرضاً هانَ جانِبُها / كَأَنَّها غابَةٌ مِن غَيرِ رِئبالِ
وَإِن تَحَكَّمَ فيها الجَهلُ أَسلَمَها / لِفاتِكٍ مِن عَوادي الذُلِّ قَتّالِ
نَوابِغَ الشَرقِ هُزّوهُ لَعَلَّ بِهِ / مِنَ اللَيالي جُمودَ اليائِسِ السالي
إِن تَنفُخوا فيهِ مِن روحِ البَيانِ وَمِن / حَقيقَةِ العِلمِ يَنهَض بَعدَ إِعضالِ
لا تَجعَلوا الدينَ بابَ الشَرِّ بَينَكُمُ / وَلا مَحَلَّ مُباهاةٍ وَإِدلالِ
ما الدينُ إِلّا تُراثُ الناسِ قَبلَكُمُ / كُلُّ اِمرِئٍ لِأَبيهِ تابِعٌ تالي
لَيسَ الغُلُوُّ أَميناً في مَشورَتِهِ / مَناهِجُ الرُشدِ قَد تَخفى عَلى الغالي
لا تَطلُبوا حَقَّكُم بَغياً وَلا ضَلَفاً / ما أَبعَدَ الحَقَّ عَن باغٍ وَمُختالِ
وَلا يَضيعَنَّ بِالإِهمالِ جانِبُهُ / فَرُبَّ مَصلَحَةٍ ضاعَت بِإِهمالِ
كَم هِمَّةٍ دَفَعَت جيلاً ذُرا شَرَفٍ / وَنَومَةٍ هَدَمَت بُنيانَ أَجيالِ
وَالعِلمُ في فَضلِهِ أَو في مَفاخِرِهِ / رُكنُ المَمالِكِ صَدرُ الدَولَةِ الحالي
إِذا مَشَت أُمَّةٌ في العالَمينَ بِهِ / أَبى لَها اللَهُ أَن تَمشي بِأَغلالِ
يَقِلُّ لِلعِلمِ عِندَ العارِفينَ بِهِ / ما تَقدِرُ النَفسُ مِن حُبٍّ وَإِجلالِ
فَقِف عَلى أَهلِهِ وَاِطلُب جَواهِرَهُ / كَناقِدٍ مُمعِنٍ في كَفِّ لَآلِ
فَالعِلمُ يَفعَلُ في الأَرواحِ فاسِدُهُ / ما لَيسَ يَفعَلُ فيها طِبُّ دَجّالِ
وَرُبَّ صاحِبِ دَرسٍ لَو وَقَفتَ بِهِ / رَأَيتَ شِبهَ عَليمٍ بَينَ جُهّالِ
وَتَسبِقُ الشَمسَ في الأَمصارِ حِكمَتُهُ / إِلى كَهولٍ وَشُبّانٍ وَأَطفالِ
زَيدانُ إِنّي مَعَ الدُنيا كَعَهدِكَ لي / رَضِيَ الصَديقِ مُقيلُ الحاسِدِ القالي
لي دَولَةُ الشِعرِ دونَ العَصرِ وائِلَةٌ / مَفاخِري حِكَمي فيها وَأَمثالي
إِن تَمشِ لِلخَيرِ أَو لِلشَرِّ بي قَدَمٌ / أُشَمِّرُ الذَيلَ أَو أَعثُر بِأَذيالي
وَإِن لَقيتُ اِبنَ أُنثى لي عَلَيهِ يَدٌ / جَحَدتُ في جَنبِ فَضلِ اللَهِ أَفضالي
وَأَشكُرُ الصُنعَ في سِرّي وَفي عَلَني / إِنَّ الصَنائِعَ تَزكو عِندَ أَمثالي
وَأَترُكُ الغَيبَ لِلَّهِ العَليمِ بِهِ / إِنَّ الغُيوبَ صَناديقٌ بِأَقفالِ
كَأُرغُنِ الدَيرِ إِكثاري وَمَوقِعُهُ / وَكَالأَذانِ عَلى الأَسماعِ إِقلالي
رَثَيتُ قَبلَكَ أَحباباً فُجِعتُ بِهِم / وَرُحتُ مِن فُرقَةِ الأَحبابِ يُرثى لي
وَما عَلِمتُ رَفيقاً غَيرَ مُؤتَمَنٍ / كَالمَوتِ لِلمَرءِ في حِلٍّ وَتِرحالِ
أَرَحتَ بالَك مِن دُنيا بِلا خُلُقٍ / أَلَيسَ في المَوتِ أَقصى راحَةَ البالِ
طالَت عَلَيكَ عَوادي الدَهرِ في خَشِنٍ / مِنَ التُرابِ مَعَ الأَيّامِ مُنهالِ
لَم نَأتِهِ بِأَخٍ في العَيشِ بَعدَ أَخٍ / إِلّا تَرَكنا رُفاتاً عِندَ غِربالِ
لا يَنفَعُ النَفسَ فيهِ وَهيَ حائِرَةٌ / إِلّا زَكاةُ النُهى وَالجاهِ وَالمالِ
ما تَصنَعِ اليَومَ مِن خَيرٍ تَجِدهُ غَداً / الخَيرُ وَالشَرُّ مِثقالٌ بِمِثقالِ
قَد أَكمَلَ اللَهُ ذَيّاكَ الهِلالَ لَنا / فَلا رَأى الدَهرَ نَقصاً بَعدَ إِكمالِ
وَلا يَزَل في نُفوسِ القارِئينَ لَهُ / كَرامَةُ الصُحُفِ الأُولى عَلى التالي
فيهِ الرَوائِعُ مِن عِلمٍ وَمِن أَدَبٍ / وَمِن وَقائِعِ أَيّامٍ وَأَحوالِ
وَفيهِ هِمَّةُ نَفسٍ زانَها خُلُقٌ / هُما لِباغي المَعالي خَيرُ مِنوالِ
عَلَّمتَ كُلَّ نَؤومٍ في الرِجالِ بِهِ / أَنَّ الحَياةَ بِآمالٍ وَأَعمالِ
ما كانَ مِن دُوَلِ الإِسلامِ مُنصَرِماً / صَوَّرتَهُ كُلَّ أَيّامٍ بِتِمثالِ
نَرى بِهِ القَومَ في عِزٍّ وَفي ضَعَةٍ / وَالمُلكَ ما بَينَ إِدبارٍ وَإِقبالِ
وَما عَرَضتَ عَلى الأَلبابِ فاكِهَةً / كَالعِلمِ تُبرِزُهُ في أَحسَنِ القالِ
وَضَعتَ خَيرَ رِواياتِ الحَياةِ فَضَع / رِوايَةَ المَوتِ في أُسلوبِها العالي
وَصِف لَنا كَيفَ تَجفو الروحُ هَيكَلَها / وَيَستَبِدُّ البِلى بِالهَيكَلِ الخالي
وَهَل تَحِنُّ إِلَيهِ بَعدَ فُرقَتِهِ / كَما يَحِنُّ إِلى أَوطانِهِ الجالي
هِضابُ لُبنانَ مِن مَنعاتِكَ اِضطَرَبَت / كَأَنَّ لُبنانَ مَرمِيٌّ بِزِلزالِ
كَذَلِكَ الأَرضُ تَبكي فَقدَ عالِمِها / كَالأُمِّ تَبكي ذَهابَ النافِعِ الغالي
دامَت مَعاليكَ فينا يا اِبنَ فاطِمَةٍ
دامَت مَعاليكَ فينا يا اِبنَ فاطِمَةٍ / وَدامَ مِنكُم لِأُفقِ البَيتِ نِبراسُ
قُل لِلخِديوِ إِذا وافَيتَ سُدَّتَهُ / تَمشي إِلَيهِ وَيَمشي خَلفَكَ الناسُ
حَجُّ الأَميرِ لَهُ الدُنيا قَدِ اِبتَهَجَت / وَالعَودُ وَالعيدُ أَفراحٌ وَأَعراسُ
فَلتَحيَ مِلَّتُنا فَلتَحيَ أُمَّتُنا / فَليَحيى سُلطانُنا فَليَحيى عَبّاسُ
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي
بي مِثلُ ما بِكِ يا قُمرِيَّةَ الوادي / نادَيتُ لَيلى فَقومي في الدُجى نادي
وَأَرسِلي الشَجوَ أَسجاعاً مُفَصَّلَةٌ / أَو رَدِّدي مِن وَراءِ الأَيكِ إِنشادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَنٍ / وَلا الصَبابَةَ فَالدَمعانِ مِن وادِ
تَذَكَّري هَل تَلاقَينا عَلى ظَمَإٍ / وَكَيفَ بَلَّ الصَدى ذو الغُلَّةِ الصادي
وَأَنتِ في مَجلِسِ الرَيحانِ لاهِيَةٌ / ما سِرتِ مِن سامِرٍ إِلا إِلى نادي
تَذَكَّري قُبلَةً في الشَعرِ حائِرَةً / أَضَلَّها فَمَشَت في فَرقِكِ الهادي
وَقُبلَةً فَوقَ خَدٍّ ناعِمٍ عَطِرٍ / أَبهى مِنَ الوَردِ في ظِلِّ النَدى الغادي
تَذَكَّري مَنظَرَ الوادي وَمَجلِسَنا / عَلى الغَديرِ كَعُصفورَينِ في الوادي
وَالغُصنُ يَحنو عَلَينا رِقَّةً وَجَوىً / وَالماءُ في قَدَمَينا رائِحٌ غادِ
تَذَكَّري نَغَماتٍ هَهُنا وَهُنا / مِن لَحنِ شادِيَةٍ في الدَوحِ أَو شادي
تَذَكَّري مَوعِداً جادَ الزَمانُ بِهِ / هَل طِرتُ شَوقاً وَهَل سابَقتُ ميعادي
فَنلتُ ما نلتُ مِن سُؤلٍ وَمِن أَمَلِ / وَرُحتُ لَم أَحصِ أَفراحي وَأَعيادي
ذي هِمَّةٌ دونها في شَأوِها الهِمَمُ
ذي هِمَّةٌ دونها في شَأوِها الهِمَمُ / لَم تَتَّخِذ لا وَلَم تَكذِب لَها نعَمُ
بَلَّغتَني أَمَلاً ما كُنتُ بالِغَهُ / لَولا وَفاؤُكَ يا مَظلومُ وَالكَرَمُ
وِدادُكَ العِزُّ وَالنعَمى لِخاطِبِهِ / وَوُدُّ غَيرِكَ ضِحكُ السِنِّ وَالكَلمُ
أَكُلَّما قَعَدَت بي عَنكَ مَعذِرَةٌ / مَشَت إِلَيَّ الأَيادي مِنكَ وَالنِعَمُ
تُجِلُّ في قَلَمِ الأَوطانِ حامِلَهُ / فَكَيفَ يَصبِرُ عَن إِجلالِكَ القَلَمُ
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن / أَصبى الطُيورَ فَناجَتهُ وَناجاها
أَعطى بَلابِلَهُ يَوماً يُؤَدِّبُها / لِحُرمَةٍ عِندَهُ لِلبومِ يَرعاها
وَاِشتاقَ يَوماً مِنَ الأَيّامِ رُؤيَتَها / فَأَقبَلَت وَهيَ أَعصى الطَيرِ أَفواها
أَصابَها العِيُّ حَتّى لا اِقتِدارَ لَها / بِأَن تَبُثَّ نَبِيَّ اللَهِ شَكواها
فَنالَ سَيِّدَها مِن دائِها غَضَبٌ / وَوَدَّ لَو أَنَّهُ بِالذَبحِ داواها
فَجاءَهُ الهُدهُدُ المَعهودُ مُعتَذِراً / عَنها يَقولُ لِمَولاهُ وَمَولاها
بَلابِلُ اللَهِ لا تَخرَس وَلا وُلِدَت / خُرساً وَلَكِنَّ بومَ الشُؤمِ رَبّاها
اِسمَع نَفائِسَ ما يَأتيكَ مِن حِكَمي
اِسمَع نَفائِسَ ما يَأتيكَ مِن حِكَمي / وَاِفهَمهُ فَهمَ لَبيبٍ ناقِدٍ واعي
كانَت عَلى زَعمِهِم فيما مَضى غَنَمٌ / بِأَرضِ بَغدادَ يَرعى جَمعَها راعي
قَد نامَ عَنها فَنامَت غَيرَ واحِدَةٍ / لَم يَدعُها في الدَياجي لِلكَرى داعي
أُمُّ الفَطيمِ وَسَعدٍ وَالفَتى عَلفٍ / وَاِبنِ أُمِّهِ وَأَخيهِ مُنيَةِ الراعي
فَبَينَما هِيَ تَحتَ اللَيلِ ساهِرَةٌ / تُحييهِ ما بَينَ أَوجالٍ وَأَوجاعِ
بَدا لَها الذِئبُ يَسعى في الظَلامِ عَلى / بُعدٍ فَصاحَت أَلا قوموا إِلى الساعي
فَقامَ راعي الحِمى المَرعِيِّ مُنذَعِراً / يَقولُ أَينَ كِلابي أَينَ مِقلاعي
وَضاقَ بِالذِئبِ وَجهُ الأَرضِ مِن فَرَق / فَاِنسابَ فيهِ اِنسِيابَ الظَبيِ في القاعِ
فَقالَتِ الأُمُّ يا للفَخرِ كانَ أَبي / حُرّاً وَكانَ وَفِيّاً طائِلَ الباعِ
إِذا الرُعاةُ عَلى أَغنامِها سَهِرَت / سَهِرتُ مِن حُبِّ أَطفالي عَلى الراعي
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ / إِلّا وَأَنتَ لِعَينِ الدَهرِ إِنسانُ
وَما تَهَلَّلتَ إِذ وافاكَ ذو أَمَلٍ / إِلّا وَأَدهَشَهُ حُسنٌ وَإِحسانُ
لِلَّهِ ساحَتُكَ المَسعودُ قاصِدُها / فَإِنَّما ظِلُّها أَمنٌ وَإيمانُ
لَئِن تَباهى بِكَ الدينُ الحَنيفُ لَكَم / تَقَوَّمَت بِكَ لِلإِسلامِ أَركانُ
تُراقِبُ اللَهَ في مُلكٍ تُدَبِّرُهُ / فَأَنتَ في العَدلِ وَالتَقوى سُلَيمانُ
أَنجى لَكَ اللَهُ أَنجالاً يُهَيِّئُهُم / لِرِفعَةِ المُلكِ إِقبالٌ وَعِرفانُ
أَعِزَّةٌ أَينَما حَلَّت رَكائِبُهُم / لَهُم مَكانٌ كَما شاؤوا وَإِمكانُ
لَم تَثنِهِم عَن طِلابِ العِلمِ في صِغَرٍ / في عِزِّ مُلكِكَ أَوطارٌ وَأَوطانُ
تَأبى السَعادَةُ إِلّا أَن تُسايِرَهُم / لِأَنَّهُم لِمُلوكِ الأَرضِ ضيفانُ
نَجلانِ قَد بَلَغا في المَجدِ ما بَلَغا / مُعَظَّمٌ لَهُما بَينَ الوَرى شانُ
يَكفيهِما في سَبيلِ الفَخرِ أَن شَهدَت / بِفَضلِ سَبقِهِما روسٌ وَأَلمانُ
هُما هُما تَعرِفُ العَلياءُ قَدرَهُما / كِلاهُما كَلِفٌ بِالمَجدِ يَقظانُ
ما الفَرقَدانِ إِذا يَوماً هُما طَلَعا / في مَوكِبٍ بِهِما يَزهو وَيَزدانُ
يا كافِيَ الناسِ بَعدَ اللَهِ أَمرَهُمُ / النَصرُ إِلّا عَلى أَيديكَ خِذلانُ
يا مُنيلَ المَعالي وَالنَدى كَرَماً / الرِبحُ مِن عَبرِ هَذا البابِ خُسرانُ
مَولايَ هَل لِفَتى بِالبابِ مَعذِرَةٌ / فَعَقلُهُ في جَلالِ المُلكِ حَيرانُ
سَعى عَلى قَدَمِ الإِخلاصِ مُلتَمِساً / رِضاكَ فَهوَ عَلى الإِقبالِ عُنوانُ
أَرى جَنابَكَ رَوضاً لِلنَدى نَضِراً / لِأَنَّ غُصنَ رَجائي فيهِ رَيّانُ
لا زالَ مُلكُكَ بِالأَنجالِ مُبتَهِجاً / ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها / فَهَل يُهَنّيكَ شِعري أَم يُهَنّيها
أَنتَ البَرِيَّةُ فَاِهنَأ وَهيَ أَنتَ فَمَن / دَعاكَ يَوماً لِتَهنا فَهوَ داعيها
عيدُ السَماءِ وَعيدُ الأَرضِ بَينَهُما / عيدُ الخَلائِقِ قاصيها وَدانيها
فَبارَكَ اللَهُ فيها يَومَ مَولِدِها / وَيَومَ يَرجو بِها الآمالَ راجيها
وَيَومَ تُشرِقُ حَولَ العَرشِ صِبيَتُها / كَهالَةٍ زانَتِ الدُنيا دَراريها
إِنَّ العِنايَةَ لَمّا جامَلَت وَعَدَت / أَلّا تَكُفَّ وَأَن تَترى أَياديها
بِكُلِّ عالٍ مِنَ الأَنجالِ تَحسَبُهُ / مِنَ الفَراقِدِ لَو هَشَّت لِرائيها
يَقومُ بِالعَهدِ عَن أَوفى الجُدودِ بِهِ / عَن والِدٍ أَبلَجِ الذِمّاتِ عاليها
وَيَأخُذُ المَجدَ عَن مِصرٍ وَصاحِبِها / عَنِ السَراةِ الأَعالي مِن مَواليها
الناهِضينَ عَلى كُرسِيِّ سُؤدُدِها / وَالقابِضينَ عَلى تاجَي مَعاليها
وَالساهِرينَ عَلى النيلِ الحَفِيِّ بِها / وَكَأسها وَحُمَيّاها وَساقَيها
مَولايَ لِلنَفسِ أَن تُبدي بَشائِرَها / بِما رُزِقتَ وَأَن تَهدي تَهانيها
الشَمسُ قَدراً بَلِ الجَوزاءُ مَنزِلَةً / بَلِ الثُرَيّا بَلِ الدُنيا وَما فيها
أُمُّ البَنينَ إِذا الأَوطانُ أَعوَزَها / مُدَبِّرٌ حازِمٌ أَو قَلَّ حاميها
مِنَ الإِناثِ سِوى أَنَّ الزَمانَ لَها / عَبدٌ وَأَنَّ المَلا خُدّامُ ناديها
وَأَنَّها سِرُّ عَبّاسٍ وَبِضعَتُهُ / فَهيَ الفَضيلَةُ مالي لا أُسَمّيها
أَغَرُّ يَستَقبِلُ العَصرُ السَلامَ بِهِ / وَتُشرِقُ الأَرضُ ما شاءَت لَياليها
عالي الأَريكَةِ بَينَ الجالِسينَ لَهُ / مِنَ المَفاخِرِ عاليها وَغاليها
عَبّاسُ عِش لِنُفوسٍ أَنتَ طِلبَتُها / وَأَنتَ كُلُّ مُرادٍ مِن تَناجيها
تُبدي الرَجاءَ وَتَدعوهُ لِيَصدُقَها / وَاللَهُ أَصدَقُ وَعداً وَهوَ كافيها
كزبك بطير الجمال اعترت أيكاته
كزبك بطير الجمال اعترت أيكاته / فِدا بناته إذا ما مسن باناته
ما بهجة العصر إلا جركسياته / من كل هيفا لها عند الدلال إدلال
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب / وبت تنكرني اللذات والطرب
وما رشاديَ إلا لمع بارقة / يرام فيه ويُقضَى للعلى أرب
دعت فأسمع داعيها ولو سكتت / دعوت أسمعها والحرّ ينتدب
وهكذا أنا في همى وفي هممي / إن الرجال إذا ما حاولوا دأبوا
ولي همامة نفس حيث أجعلها / لا حيث تجعلها الأحداث والنوب
لها على عزة الأقدار إن مطلت / حلم الليوث إذا ما أستأخر السلب
وإن تحير بي قوم فلا عجب / إن الحقيقة سبل نحوها الرّيب
أوشكت أتلف أقلامي وتتلفني / وما أنلت بنى مصر الذي طلبوا
همو رأوا أن تظل القضب مغمدة / فلن تذيب سوى أغمادها القضب
رضيت لو أن نفسي بالرضى انتفعت / وكم غضبت فما أدناني الغضب
نالت منابر وادى النيل حصتها / منى ومن قبل نال اللهو والطرب
وملعب كمعاني الحلم لو صدقت / وكالأماني لولا أنها كذب
تدفق الدهر باللذات فيه فلا / عنها انصراف ولا من دونها حجب
وجاملت عصبة يحيا الوفاء بهم / فهم جمال الليالي أو هم الشهب
باتوا الفراقد لألاء وما سفروا / عليه والبان أعطافا وما شربوا
وأسعدت مشرفاتٌ من مكامنها / حمر المناقير في لباتها ذهب
مستأنسات قريرات بأخبية / من سندس الروض لم يمدد بها طنب
وما بين حام يهاب الجار ساحته / وناشئ يزدهيه الطوق والزغب
وغادةٍ من بنات الأيك ساهية / ما تستفيق وأخرى همها اللعب
قريرة العين بالدنيا مروعة / بالأسر تضحك أحيانا وتنتحب
وتبرح الفرع نحو الفرع جاذبه / بالغصن فالفرع نحو الفرع منجذب
أبا الحيارى ألا رأى فيعصمهم / فليس إلا إلى آرائك الهرب
لن يعرف اليأس قوم حصنهمو / وأنت رايتهم والفيلق اللجب
عوّدتهم أن يبينوا في خلائقهم / فأنت عانٍ عوّدتهم تعِب
والصدق أرفع ما اهتز الرجال له / وخير ما عوّد أبناً في الحياة أب
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الله في الخلق من صب ومن عانى
الله في الخلق من صب ومن عانى / تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
صوني جمالك عنا إننا بشر / من التراب وهذا الحسن روحاني
أو فابتغي فلكا تأوينه ملَكا / لم يتخذ شركا في العالم الفاني
السرّ يحرسه والذكر يؤنسه / والشهب حوليه بالمرصاد للجان
ينساب للنور مشغوفا بصورته / منعّما في بديعات الحلى هانى
إذا تبسم أبدى الكون زينته / وإن تنسم أهدى أى ريحان
وأشرفي من سماء العز مشرقة / بمنظر ضاحك اللآلاء فتان
عسى تكف دموع فيك هامية / لا تطلع الشمس والنداء في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها / فرحت أشوق مشتاق لأوطان
أتعهدين حنيني في الزمان لها / وسكبي الدمع من تذكارها قانى
وغبطيَ الطير آتيه أصيح به / ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني
مُرى عصىّ الكرى يغشى مجاملة / وسامحي في عناق الطيف أجفاني
كفى خدودي من عينيّ ما شربت / فمثل ما قد جرى لم تأت عينان
لئن ضننت فما لي لا أضنّ به / على الفناء سوى آثار وجدان
ومنطق يرث التاريخ جوهره / عن الزمان وعن عباسه الثاني
يا ابن النوال وما في الملك من كرم / ومن عفاف ومن حلم وإيمان
هذى المفاخر لم تولد ولا ولدت / ولا رأى الناس شأنا كفء ذا الشان
هام الأنام وسادات الأنام بها / وحرّك العصر أعطافا كنشوان
ربَّ الصعيد ورب الريف ثب بهما / للفرقدين وطاول شأو كيوان
سارت بمسعاتك الأخبار وانتقلت / بها الركاب وشاق القاصى الدانى
تريد مصر بما تبدى حوادثها / ليعرف الناس حلمي هل له ثاني
فيا حوادث مهلا في نصيحتنا / فما تركت لنا لبا بعرفان
وإن حلمي لتستكفي البلاد به / كالعين تمت معانيها بإنسان
لما بدا الشهر واستقبلت غرّته / لاح الهلال ولاح البدر في آن
وقمت تسطع بالأنوار في أفق / بالمسلمين وبالإسلام مزدان
كأنك البدر في غايات رفعته / لو كان للبدر كرسي وتاجان
فاهنأ مكانك واهنأ ما يلوح به / لرب يلدز من آثار إحسان
إذا الخلافة في أمصارها نهضت / رأت بمصركم روحا لأبدان
وإنها الدهرَ للإسلام مملكة / تزهو ممالكها منها بعنوان
أهدى الخليفة ما أهدى يبشرنا / أن الوداد بآساس وأركان
وإن ما تشتكي الأوطان من أود / إلى صلاح بنعماه وعمران
قصرا على اللج لولا أن مهديه / عبد الحميد لقلنا قصر نعمان
يبيت من عزة البسفور صاحبه / على مكان من الدنيا وإمكان
إذا الأكارم سنوا للندى سبلا / سننت أجملها يا فرع عثمان
ودّ النجوم أبا ساسان والدهم / ومن بوالدك العالي بساسان
يظل يسجع في الإسلام شاعركم / كان أيامه أيام حسان
ويشتهى الدولة العليا معززة / من الوئام بأنصار وأعوان
وبالمعارف تعليها وتورثها / في الأرض بنيات فخر عند بنيان
ركن الخلافة ضافي الذيل مدّعم / على السلام فعش للركن يا باني
خل الأمور لأمر سابق جار
خل الأمور لأمر سابق جار / وجار أهل الرضى في نهجهم جار
هيهات تعدم نفس للرضى سببا / إن النفوس بآمال وأوطار
قد ساعفتك رياح اللطف لو نظرت / إلى السفينة بين الماء والنار
أكلما قام تيار تضيق به / أغاثها الله فانقادت بتيار
فسر بها في ظلام الليل معتصما / لتخرجنّ إلى جودىّ أنوار
تطوى له الهول حتى يستبين لها / فجر السلام وحتى يحمد السارى
خفيفة بيد الألطاف تنقلها / إلى شواطئ من تبر وأقطار
آمال أروع جمّ الصدق محتكم / بالله في جوهر الآمال مختار
هل في الحوادث شك أم بإمرتها / ريب ونحن لأحكام وأقدار
يا ليلة البال ما خالوك راقصة
يا ليلة البال ما خالوك راقصة / إلا وأنت جمال الدهر والحقب
كم لذة بك ولت وانقضت وجلت / وذكرها فيه لم يبرح ولم يغب
بالله بالكون بالنجم الرفيع بمن / أحياك شائقة بالمنظر العجب
طولى لضيفانه الأمجاد واتصلى / فما ألذ المنى موصولة السبب
وفود مولاى لولا أنها نزلت / بالحلم قلنا وفود البحر ذى العبب
ماج السراى وميدان السراى بها / وماج متسع الساحات والرحب
وأقبلت ظبيات الإنس في كنس / من الهوادج يسعى لا من الكُثُب
تهفو الرياح بها دفعا وهزهزة / وتقبل الخيل بين الوخد والخبب
حتى إذا وقفت مالت إلى شرك / من السواعد مأمون لها حدب
مستجمعات سريعات معاطفها / إلى المعازف مهما تدعها تثب
أهاجها هائج الألحان فانعطفت / مثل النسيم سرى ساريه في القضب
ودارت الراح بالأجياد مثقلة / بالحلى فاستسلمت من شدة الوصب
وبالخصور فمن واهٍ ومن قلِق / ومن سقيم ومن فانس ومن تِعب
والقصر نور وآفاق الوجود سنا / والصفو بينهما زهو لمرتقب
والليل مزّين الأطراف منتطق / مكلل الهام حالى الجيد والّلبب
كأنّ أنجمه فوضى مبدّدة / على الدجى بين مهزوز ومضطرب
آثار كاسية اللبات سابحة / في حليها فلتت من كف مغتصب
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي
ماذا تريد بإبعادي وإيعادي / يا دهر ما أنت إلا جائر عادي
لم يكفك الرزء في ملكي وفي وطني / وفي شبابي وفي صفوي وأعيادي
فرحت تبعد أحبابي وتقذف بي / مع المخاوف من واد إلى واد
حتى مررت على الأيدي يدٍ فيدٍ / وطال في عالم الأهوال تردادي
فمن شقىّ إلى لص إلى نفق / إلا ظلام بروعى رائح غاد
إلى قفار إلى سهل إلى جبل / إلى غلام من الفجار مصطاد
أروح في أسر سلطان الهوى وأجى / ولا أبي لي ولا سلطانه فادي
لا والقوام الذي والأعين اللاتي
لا والقوام الذي والأعين اللاتي / ما خنت رب القنا والمشرفيات
ولا سلوت ولم أهمم ولا خطرت / بالبال سلواك في ماض ولا آتى
ولا أردت لسهم اللحظ في كبدي / ردا رأى لي في المستحيلات
ويذهب اللوم بي في كل ناحية / فلا يبلّغني إلا صُبابات
وأنت تطرب للواشي وتطمعه / كالطفل ألقى بسمع للخرافات
إن السهام إذا ما واصلت غرضا / كانت خواطئها مثل المصيبات
وسهم جفنيك ما أرسلته عرضا / أبى القضاء له إلا رميّات
فمن فؤادي إلى لبي إلى كبدي / إلى رشادي فإغفائي فلذاتي
وما الغزالة إلا أنت في نظري / بعينها ويقول البعض بالذات
وخاتم الملك للحاجات مطَّلب / وثغرك المتمنى كل حاجاتي
فقل له يتمت في الحب مهجته / وأنت مأوى اليتامي واليتميات
أهلا بركب العلى والعز قاطبة / وفد المفاخر طرّا والسعادات
ومرحبا بك في حل ومرتحل / وخصك الله منه بالتحيات
ما زلت تظمئ مصرا ثم تمطرها / والغيث أفضل ما يأتي بميقات
مشت ركابك من ثغر إلى بلد / مشى الجدود إلى محو الشقاوات
وإن مولاي من سارت مواكبه / لراية الله في أيدي الجماعات
إن شرفوها رأوا في ظلها شرفا / واستقبلوا الخير نياتٍ بنيات
يممت ثغر سعيد خير محتفل / تعيدها حفلات قيصريات
كم مثلت بمجاليها ورونقها / جد الشعوب وإقدام الحكومات
والقوم في مصر ما طافوا بملعبها / إلا كما شهد الغر الروايات
حتى جرى الماء من أثنائها ذهبا / يسقى ممالك لا تَروىَ ودولات
فكل مائدة بالخلق حافلة / ومصر من خلفهم طاهي الوليمات
هلا بررنا بسادات لنا سلفوا / بِر الغريب بأسلاف وسادات
إذا المدائح فاز المحسنون بها / فاز الكرام لدينا بالمذمات
ما كان أعظم إسماعيل لو سلمت / له السعادة في مصر وهيهات
إن شيدوا لسواه ما يمثله / فمجده فيه تمثيل بمرآة
قوم ينال جزاء السعي حيهمو / فإن قضى شيَّعوه بالكرامات
وصيروه مثالا بعده حسنا / يبقى مدى الدهر عنوان المكافاة
لولا مفاخر أفراد نعدّهمو / لعاش ذو العقل حيا بين أموات
فأحيِ ذكرك في الدنيا بمأثره / وأدرك الخلد في الدنيا بمسعاة
مولاى مصر بنوها اليوم في طرب / تدار بينهم كأس المسرات
قال المنجم أقوالا فروّعهم / أن لا يروك فيقضوا بالندامات
حتى إذا عدت يا دنيا همو عرفوا / قصد المنجم من تلك الإذاعات
أيظهر النحس أم يبدو له ذنب / والسعد منك بأقمار وهالات
تساءل الناس حتى لا قرار لهم / أَتَقصر الأرض أم تجرى لغايات
خافوا عليها والهتهم قيامتها / عما يمرّ عليهم من قيامات
أبي الإقامة للدنيا وساكنها / يوم يدول وضوء ذاهب آتى
كل يمدّ حَبالات الفناء لنا / والكل من بعدنا رهن الحبالات
لا بدّ للنجم من يوم يزل به / وإن تناول أسباب السموات
زاحمت كل أخي جهل وزاحمني
زاحمت كل أخي جهل وزاحمني / كالبدر غالب فيما حاول الظلما
ولاح لي من زماني مظهر كذب / حتى رميت على عُبَّاده الصنما

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025