المجموع : 62
هِيَ الأواصرُ أدناها الدَّمُ الجاري
هِيَ الأواصرُ أدناها الدَّمُ الجاري / فلا محالةَ من حُبٍّ وإيثارِ
الأسرةُ اجتمعتْ في الدّارِ واحدةً / حُيّيتِ من أسرةٍ بُوركتِ من دَارِ
مَشَى بها من رسول اللّه خيرُ أبٍ / يَدعو البنينَ فلبَّوا غيرَ أغمارِ
تَأكّدَ العهدُ مما ضَمَّ أُلفتَهم / وَاسْتَحصدَ الحبلُ من شَدٍّ وإمرارِ
كُلٌّ له من سَراةِ المسلمينَ أخٌ / يَحمي الذِّمارَ ويرعى حُرمَةَ الجارِ
يَطوفُ منه بحقٍّ ليس يَمنعُه / وليس يُعطيه إن أعطى بمقدارِ
يَجودُ بالدمِ والآجالُ ذاهلةٌ / ويبذلُ المالَ في يُسرٍ وإعسارِ
همُ الجماعةُ إلا أنّهم بَرزوا / في صُورةِ الفردِ فانظر قُدرةَ الباري
صَاحَ النبيُّ بهم كونوا سَواسِيَةً / يا عُصبةَ اللّهِ من صَحبٍ وأنصار
هذا هو الدّينُ لا ما هاجَ من فِتنٍ / بين القبائلِ دينُ الجهلِ والعارِ
رِدُوا الحياةَ فما أشهى مَواردَها / دُنيا صَفَتْ بعد أقذاءٍ وأكدارِ
الجاهليَّةُ سُمٌّ ناقعٌ وأذىً / تَشقَى النّفوسُ بداءٍ منه ضَرّارِ
تأهّبوا إِنَّ ديناً قام قائمُه / يُومِي إليكم بآمالٍ وأوطارِ
أما تَروْنَ رِياحَ الشِّركِ عاصفةً / تَطغَى على أُممٍ شَتَّى وأقطارِ
لن أتركَ الناسَ فوضى في عقائدهم / ولن أسالمَ منهم كلَّ جبَّارِ
أكلّما مَلَكَ الأقوامَ مالكُهم / رَمى الضّعافَ بأنيابٍ وأظفارِ
الشرُّ غطَّى أديمَ الأرضِ فارتكستْ / أقطارُها بين آثامٍ وأوزارِ
أخفى محاسنَها الكبرى فكيف بكم / إذا تَكَشَّفُ عن وجهٍ لها عارِ
لأُنزِلنَّ ذوي الطُّغيانِ مَنزلةً / تستفرغُ الكبرَ من هامٍ وأبصارِ
ظنُّوا الضّعافَ عبيداً بئس ما زعموا / هل يَخلقُ اللّهُ قوماً غيرَ أحرارِ
ما غرَّهم إذ أطاعوا أمرَ جاهِلهم / بواحدٍ غالبِ السُّلطانِ قهَّارِ
يَرمي العروش إذا استعصتْ ويبعثُها / مَبثوثةً في جَناحَيْ عاصفٍ ذارِ
بُعِثْتُ بالحقِّ يهدِي الجامحين كما / يَهدِي الحيارى شُعاعُ الكوكب السّاري
أدعو إلى اللّهِ بالآياتِ واضحةً / تَهدِي الغَويَّ وتنهَى كلَّ كَفَّارِ
فمن أبى فَدُعائي كَلُّ ذي شُطَبٍ / ماضي الرسالةِ في الهاماتِ بَتّارِ
اللّه أكبرُ هل في الحقِّ مَعتبةٌ / لِمُستخِفٍّ بعهدِ اللهِ غَدّارِ
ألم يكن أخذَ الميثاقَ من قِدَمٍ / فما المقامُ على كُفرٍ وإنكارِ
إنّ الألى اتّخذوا الأصنامَ آلهةً / على شفَا جُرُفٍ من أمرِهم هارِ
يَستكبرونَ على مَن لا شريكَ له / ويسجدونَ على هُونٍ لأحجارِ
راحوا يُجلّونها من سوءِ ما اعْتقدوا / واللّه أوْلَى بإجلالٍ وإكبارِ
لِكلِّ قومٍ إلهٌ يُؤمنونَ به / ما يبتغِي اللَّهُ من إيمانِ فُجّارِ
النارُ أعظمُ سُلطاناً ومقدرةً / في رأي عُبّادها أم خالقُ النّارِ
سُبحانه مِن إلهٍ شأنُه جَللٌ / يَهدي النُّفوسَ بآياتٍ وآثارِ
لأَكْشِفَنَّ عن الأبصارِ إذ عَميتْ / ما أسْدَلَ الجهلُ من حُجْبٍ وأستارِ
ما للسراحين بُدٌّ من مصارعِها / إذا انتضتْ سطواتِ الضيغمِ الضّاري
ضُمُّوا القوى إنّها دنيا الجهادِ بدت / أشراطُها وتراءَى زَندُها الواري
لا بدَّ من غارةٍ للحقِّ باسلةٍ / وجَحفلٍ من جُنودِ اللّهِ جَرّارِ
خَيرُ الذخائرِ أبقاها ولن تَجِدُوا / كالعهدِ يَرعاهُ أخيارٌ لأخيارِ
لا تَنْقُضوا العهدَ إنّ اللّهَ مُنزِلُه / على لسانِ رَسولٍ منه مُختارِ
قالوا عليكَ صلاةُ اللّهِ إنّ بنا / ما اللّهُ يعلمُ من عَزْمٍ وإصرارِ
آخيتَ بين رجالٍ يَصدقون إذا / زَلَّتْ قُوى كلِّ خدّاعٍ وخَتّارِ
جُنودُ رَبِّكَ إن قلْتَ اعْصِفُوا عَصَفوا / يَرمونَ في الحربِ إعصاراً بإعصارِ
مِن كلِّ مُنَغَمِسٍ في النَّقْعِ مُرتَجِسٍ / وكلّ مُنبَجِسٍ بالبأسِ فَوّارِ
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ / وكيف تمضِي إلى غاياتها الهِمَمُ
تعلّموا وخُذوا الأنباءَ صادقةً / عن كل ذي أدبٍ بالصدق يتّسمُ
أمن يقول فما ينفكُّ يكذبكم / كمن إذا قال لم يكذب له قلمُ
لكم على الدهر منّي شاعرٌ ثِقةٌ / تُقضَى الحقوق وترعى عنده الذممُ
تعلّموا يا بني الإسلامِ سيرته / وجدّدوا ما محا من رسمها القِدمُ
اللّه أكبر هل هانت ذخائره / فما لكم مُقتنىً منها ومُغتنمُ
بل أنتُم القومُ طاح المُرجفون بهم / وغالهم من ظنون السوء ما زعموا
ماذا تُريدون من ذكرى أوائلِكم / أكلُّ ما عندكم أن تُحشد الكَلِمُ
لسنا بأبنائهم إن كان ما رفعوا / من باذخ المجد يُمسِي وهو منهدمُ
إن تذكروا يوم بدرٍ فهو يذكركم / والحزنُ أيسر ما يلقاه والألمُ
سنّ السبيلَ لكم مجداً ومأثرةً / فلا يدٌ نشطت منكم ولا قدمُ
غازٍ يصول بجند من وَساوسه / وقائدٌ ماله سيف ولا عَلمُ
حيّوا الغُزاةَ قياماً وانظروا تجدوا / وفودَهم حولكم يا قوم تزدحمُ
ثم انظروا تارةَ أخرى تَروْا لهباً / في كل ناحيةٍ للحرب يضطرمُ
حيّوا الملائكةَ الأبرارَ يقدمُهُم / جبريلُ في غَمَراتِ الهولِ يقتحمُ
الأرضُ ترجف رُعباً والسماءُ بها / غيظٌ يظلّ على الكُفّار يحتدمُ
هم حاربوا اللهَ لا يَخشَوْنَ نَقمتَه / في موطنٍ تتلاقَى عنده النقمُ
مَن جانبَ الحقَّ أردته عَمايتُه / وأحزمُ الناس من بالحق يعتصمُ
الدّينُ دينُ الهدى تبدو شرائعُهُ / بِيضاً تَكشَّفُ عن أنوارها الظلمُ
ما فيه عند ذوي الألبابِ منقصةٌ / ولا به من سجايا السوء ما يصمُ
يحيي النفوسَ إذا ماتت ويرفعها / إذا تردّت بها الأخلاقُ والشِيَمُ
لا شيءَ أعظم خزياً أو أشدّ أذى / من أن يُطاعَ الهوى أو يُعبدَ الصنمُ
دينٌ تُصانُ حقوقُ العالمين به / ويستوي عنده الساداتُ والخدمُ
ضلّ الألى تركوا دُستورَهُ سفهاً / فلا الدساتيرُ أغنتهم ولا النُّظمُ
دعا النبيُّ فلبَّى من قواضبِه / بيضٌ مطاعمها المأثورةُ الخُذُمُ
حرَّى الوقائع غَرْثَى لا كِفاءَ لها / إن جدّ مُلتهِبٌ أو شدّ ملتهمُ
تَجرِي المنايا دِراكاً في مسايلها / كما جرى السَّيلُ في تيّاره العَرِمُ
قواضبُ الله ما نامت مَضاربُها / عن الجهادِ ولا أزرى بها سأمُ
يَرْمِي بها كلَّ جبارٍ ويقصمه / إن ظنَّ من سفهٍ أن ليس ينقصمُ
الجيش مُنطلِق الغاراتِ مُستبقٌ / والبأسُ محتدِمٌ والأمر مكتتمُ
الله ألّفَ بين المؤمنين فهم / في الحرب والسلم صفٌّ ليس ينقسمُ
كَرّوا سِراعاً فللأعمارِ مُصطَرعٌ / تحت العجاجِ وللأقدارِ مُصطَدمُ
مِن كلّ أغلبَ يمضي الحتف معتزِماً / إذا مضى في سبيل الله يعتزمُ
حَرّانَ يُحسَبُ إذ يرمي بمهجته / نشوانَ يزدادُ سكراً أو به لممُ
لِلحقِّ نَشوتُهُ في نفس شاربِه / وليس يشربه إلا امرؤٌ فَهِمُ
وأظلمُ النّاسِ من ظنَّ الظنونَ به / ما كلُّ ذي نشوةٍ في الناس مُتّهمُ
طال القتالُ فما للقوم إذ دَلَفوا / إلا البلاءُ وإلا الهولُ يرتكمُ
وقام بالسيفِ دون اللّيثِ صاحبهُ / يَذودُ عنه وعزّ الليثُ والأَجَمُ
ماذا يظن أبو بكرٍ بصاحبه / إنّ الرسولِ حِمىً للجيش أو حرمُ
أَمْنُ النفوسِ إذا اهتاجت مخاوفُها / والمُستغاثُ إذا ما اشتدّتِ الغُمَمُ
هل يَعظُم الخطبُ يرميه امرؤٌ دَرِبٌ / أفضى الجلالُ إليه وانتهى العِظَمُ
راع الكتائبَ واستولت مهابتُهُ / على القواضبِ تَلقاه فتحتشمُ
دعا فماجت سماءُ اللهِ وانطلقت / كتائبُ النّصرِ مِلءَ الجوّ تنتظمُ
لا هُمَّ غَوْثَكَ إنّ الحقَّ مطلبُنا / وأنت أعلمُ بالقوم الألَى ظلموا
تلك العصابة مالله إن هلكت / في الأرضِ من عابدٍ للحقّ يلتزم
جاء الغياثُ فدينُ الله مُنتصرٌ / عالي اللواءِ ودينُ الشركِ مُنهزمُ
جَنى على زعماءِ السّوءِ ما اجترحوا / وحاق بالمعشر الباغين ما اجترموا
ما الجاهليّةُ إلا نكبةٌ جَللٌ / تُردِي النفوس وخطبٌ هائلٌ عممُ
هذي مَصارِعُها تجري الدماءُ بها / وتشتكي الهُونَ في أرجائها الرِّممُ
هذا أبو الحكمِ انجابتْ عَمايتُه / لما قَضى السيفُ وهو الخصم والحكم
ماذا لَقِيتَ أبا جهلٍ وكيف ترى / آياتِ ربّك في القومِ الذين عموا
هذا القليبُ لكم في جوفه عِبرٌ / لا اللوْمُ ينفعكم فيها ولا النَّدمُ
ذوقوا العذاب أليماً في مضاجعكم / ما في المضاجع إلا النّارُ والحُمَمُ
لا تجزعوا واسمعوا ماذا يُقال لكم / فما بكم تحت أطباق الثَرى صَممُ
الشّركُ يُعوِلُ والإسلامُ مُبتسمٌ / سُبحانَ ربِّي له الآلاء والنّعمُ
يا قومنا إنّ في التاريخِ موعظةً / وإنّه للسانٌ صادقٌ وفمُ
لنا من الدم يجري في صحائفه / شيخٌ يُحدّثُنا أنّ الحياةَ دمُ
رُدُّوا بَني قَيْنُقاعَ الأمرَ إذ نزلا
رُدُّوا بَني قَيْنُقاعَ الأمرَ إذ نزلا / هيهاتَ هيهاتَ أمسى خَطبُكم جَللا
نقضتُمُ العهدَ معقوداً على دَخَلٍ / لعاقدٍ ما نَوى غشاً ولا دخلا
مازال شيطانُكم بالغيظِ يَقدحه / بين الجوانِح حتّى شبَّ واشتعلا
هاجت وقائعُ بدرٍ من حَفيظتِكم / ونَبّهتْ منكمُ الداءَ الذي غفلا
أتنكرون على الإسلامِ بهجتَهُ / والله أطلعه من نوره مثلا
دِينُ الهدى يا بني التوراةِ يَشرعُه / للناسِ مَن شرَع الأديانَ والمِلَلا
لا تدّعوا أنكم منها بِمُعتصَمٍ / واقٍ ولا تطمعوا أن تُتركوا هَمَلا
جاء النبيّين بالفرقانِ وراثُهم / سُبحان من نقل الميراثَ فانتقلا
رأى النفوسَ بلا هادٍ فأرسله / يَهدِي الشعوبَ ويشفي مِنهمُ العِلَلا
هلا سألتم أخاكم حين يَبعثُها / هوجاءَ يعصفُ فيها الشرُّ ما فعلا
إنّ التي رامها في عزّها سَفهاً / لَتُؤثِرُ الموتَ ممّا سامها بدلا
لا يَبلغُ العِرضَ منها حين تمنعُه / من خيفةِ العارِ حتى تبلغَ الأجلا
وقد يكونُ لها من ربّها رَصَدٌ / إذا رماهُ بِعَيْنَيْ غَاضبٍ جَفلا
ما زال بالدّمِ حتّى ظلّ سافحهُ / يجري على دمه مُسترسِلاً عَجِلا
ما غرّكم بقضاءِ اللهِ يُرسله / على يَدَيْ بطلٍ أعظم به بطلا
لقد دعاكم إلى الحسنى فمال بكم / من طائفِ الجهلِ داعٍ يُورثُ الخَبَلا
قلتم رُويداً فإنّا لا يُصابُ لنا / كُفؤٌ إذا ما التقى الجمعانِ فاقتتلا
لسنا كقومك إذ يلقون مَهلكَهم / على يديك وإذ يُعطونكَ النَّفلا
يا ويلكم حين ترتجّ الحصونُ بكم / ترجو الأمانَ وتُبدي الخوفَ والوَجلا
كم موئلٍ شامخِ العرنين يُعجبكم / يَودُّ يومئذٍ لو أنّه وَأَلا
أمسى عُبادةُ منكم نافضاً يدَهُ / فانبتَّ من عهدِهِ ما كان مُتّصلا
نِعمَ الحليفُ غدرتم فانطوى حَنقاً / يرجو الإله ويأبَى الزيغَ والزللا
ما كان كابن أُبيٍّ في جَهالته / إذ راح شيطانُهُ يُرخِي له الطولا
مَضَى على الحلف يرعَى معشراً غُدُراً / أهوِنْ بكم معشراً لو أنّه عقلا
لا تذكروا الدمَ إنّ السيفَ مُنصلِتٌ / في كفِّ أبيضَ يُدمِي البِيضَ والأسلا
وجانِبوا الحربَ إن الله خاذلُكم / ولن تروا ناصراً يُرجَى لمن خَذلا
مشى الرسولُ وجندُ اللهِ يتبعُه / من كلّ مِقدامةٍ يغشى الوغَى جَذِلا
يهفو إلى الموتِ مُشتاقاً ويطلبُه / بين الخميسَيْنِ لا نِكْساً ولا وَكَلا
لو غَيّبتْهُ المواضِي في سرائرِها / ألقى بمهجته يرتادُ مُدَّخلا
يُخال في غَمراتِ الرَوْعِ من مَرَحٍ / لولا الرحيقُ المصفَّى شارباً ثَمِلا
أهاب حمزةُ بالأبطالِ فانطلقوا / وانسابَ مُنطلقاً يَهديهمُ السُّبلا
عَجِبتُ للقومِ طاروا عن مواقعهم / ما ذاقَ هاربهُم سيفاً ولا رَجُلا
مَضَوْا سِراعاً إلى الآطامِ واجفةً / يُخالُ أمنعُها من ضعفِه طَللا
طال الحصارُ وظلّ الحتفُ يرقبُهُم / حَرّانَ يشجيه ألا ينقعَ الغُللا
أفنوْا من الزادِ والماعونِ ما ادّخروا / واحتال أشياخُهم فاستنفدوا الحيلا
مِن كل ذي سَغَبٍ لو قال واجدُه / كُلْنِي ليعلمَ ما في نفسهِ أُكلا
لا يملكون لأهليهم وأنفسهم / إلا العذاب وإلا الظنَّ والأملا
ظلّت وساوسُهم حيرى تجولُ بهم / في مجهلٍ يتردَّى فيه من جَهِلا
حتّى إذا بلغ المكروهُ غايتَه / وهال كلَّ غويِّ الرأي ما حملا
تضرّعوا يسألون العفوَ مُقتدرِاً / يجودُ بالعفو إن ذو قُدرةٍ بخلا
أعطى النفوسَ حياةً من سماحته / فكان أكرم من أعطى ومن بذلا
لو شاء طاح بهم قتلاً فما ملكوا / من بعد مَهلكهم قولاً ولا عملا
ما الظنُّ بابن أُبيٍّ حين يسأله / من الأناةِ وفضلِ الحِلمِ ما سألا
أما رأوه جريحاً لو يُصادِفُه / حِمامُه لم يجد من دونه حِوَلا
زالوا عن الدورِ والأموالِ وانكشفوا / عن السلاح وراحوا خُضّعاً ذُلُلا
هو الجلاءُ لقومٍ لا حُلومَ لهم / ساؤوا مُقاماً وساؤوا بعدُ مُرتَحلا
ساروا إلى أذرعاتٍ ينزلون بها / نُكْداً مشائيمَ لا طابت لهم نُزُلا
بادوا بها وتساقَوْا في مصارعِهم / سُوءَ العذابِ ومكروهَ الأذى نَهَلا
يَلومُ بعضٌ على ما كان من سَفَهٍ / بعضاً فمن يَقترِبْ يسمعْ لهم جَدلا
أهلُ المعاقلِ هدّتهم مُدمّرةٌ / تَمضِي فلا معقلاً تُبقي ولا جبلا
رمى بها من رسولِ الله مُتّئِدٌ / لا يأخذُ الناسَ حتى ينبذوا الرسلا
هل دولةُ الحقّ إلا قُوةٌ غَلبْت / فافتحْ بها الأرضَ أو فامسَحْ بها الدُّولا
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً / خفَّ الرُّماةُ وظنّوا الأمرَ قد وجبا
كأنّهم والرِّعانُ الشُّمُ تقذفهم / سَيْلٌ تَدفَّقَ في شُؤبوبِه صَبَبا
يَخالهم من يراهم ساعةَ انطلقوا / سِهامَهم حين جاش البأسُ فالتهبا
رَدُّوا على ابن جُبيْرٍ رأيه ومضوا / إلا فريقاً رأَى ما لم يروا فأبى
أصابها خالدٌ منهم وعكرمةٌ / أُمنيّةً لم تُصِبْ من ذي هَوىً سببا
فاستنفرا الخيلَ والأبطالَ وانطلقا / في هَبْوَةٍ تزدهي الأرماحَ والقُضُبا
هم خلَّفوا رِممَ القتلى مُطرَّحةً / وغادروا الجندَ جُندَ اللّهِ والسَّلبا
طاروا إلى جبلٍ راسٍ على جبلٍ / ما اهتزَّ مذ قام من ضعفٍ ولا اضطربا
قال الرسولُ فأعطاهُ مقالَته / وما سِوَى نفسِهِ أعطى ولا وهَبا
تَوزّعوه فلو أبصرتَ مَصرعَهُ / أبصرتَ في اللّهِ منه مَنظراً عجبا
طَعنٌ وضَربٌ يعافُ البأسُ عندهما / سِلاحَ من طَعنَ الأبطالَ أو ضربا
سلُّوا حَشاهُ فظلّت من أسنّتهم / تَموجُ في الدم يجري حوله سَرِبا
تَتابعَ القتلُ يجتاحُ الأُلى معه / لولا المناقبُ لم يترك لهم عقبا
تلك الدِّماءُ التي سالت على أُحدٍ / لو أنبتَ الدمُ شيئاً أنبتت ذهبا
ظلمْتُها ما لشيءٍ مِثلُ رتبتِها / وإن تخطَّى المدَى أو جاوزَ الرُّتَبا
لم يبقَ سَهمٌ ولا رامٍ يُسدّده / تَغَيَّبَ الوابلُ الهطّالُ واحتجبا
وكرّتِ الخيلُ تردِي في فوارسها / بعد الفرار فأمسى الأمرُ قد حَزبا
المسلمون حَيارى كيف يأخذُهم / بأسُ العدوِّ أما رَدُّوه فانقلبا
حَلُّوا الصفوفَ وجالوا في مغانِمهم / ما ظنَّ عسكرهم شرّاً ولا حَسبا
تنكَّرت صُوَرُ الهيجاءِ واتّخذَتْ / من الأعاجيبِ أثواباً لها قُشُبا
خَرساءُ صمّاءُ تُعمِي عن مَعالِمها / عَينَ البصيرِ وتُعيي الحاذِقَ الدَّرِبا
مُغبرّةُ الجوِّ ما زال الخفاءُ بها / حتى تَقَنّعَ فيها الموتُ وانتقبا
ترى اللُّيوثَ وإن كانوا ذوي رَحِمٍ / لا يتَّقِي بعضُهم بعضاً إذا وثبا
يعدو على مُهجةِ الضرغامِ صَاحِبُهُ / ولا يُجاوِزُه إن ظُفرهُ نَشبا
هذا البلاءُ لقومٍ مال غَافلِهم / عن رأي سيّدِهم إذ يُحكِمُ الأُرَبا
قال اثبتوا فتولّوا ما عَصى أحدٌ / مِنهم ولكن قضاءٌ واقعٌ غَلبا
أمرٌ من اللّهِ مَرْجُوٌّ عَوَاقِبُه / يقضيه تبصرةً للقومِ أو أدبا
إنّ النبيَّ لَيُمضِي الأمرَ في وَضَحٍ / من حكمةِ اللّهِ يجلو نورهُ الرِيَبا
مُسدّدُ الرأي ما تهفو الظنونُ به / الخيرُ ما اختارَ والمكروهُ ما اجتنبا
للسلمِ والحربِ منه حازِمٌ يَقِظٌ / يُعيي الدُّهاةَ ويُردِي الجحفلَ اللَّجِبا
إنَّ الذي زيّنَ الدنيا بطلعتهِ / حَابَى العُروبةَ فيه واصطفى العربا
ما الكيدُ ما الغدرُ ما هذي الأباطيلُ
ما الكيدُ ما الغدرُ ما هذي الأباطيلُ / الجيشُ مُحتشِدٌ والسَّيف مَسلولُ
بَنِي النَّضيرِ وما تُغنِي مَعاقِلُكم / كُفُّوا الأذى ودعوا العُدوان أو زولوا
إنّ القتيلَ لمن غرّته صَخرتُه / فَظنَّ أنّ رسولَ اللهِ مقتول
جاء البريدُ بها حرَّانَ يحملهُ / من رحمةِ المَلِكَ القُدُّوسِ جبريل
ما أكذبَ ابنَ أُبيٍّ إذ يقولُ لكم / لا تتّقوا القومَ إنّ النصرَ مكفول
أولاكمُ النَّصحَ سلّامٌ وأرشدكم / لو أنّ نُصحَ ذوِي الألباب مقبولُ
مَهلاً حُيَيُّ أما تنهاك ناهيةٌ / عمّا أردتَ ولا يهدِيكَ مَعقولُ
لا الحلفُ حقٌّ ولا الأنصارُ إن صدقوا / يغنون عنكم وأنَّى يصدقُ القِيلُ
بنو قريظةَ هدّ الخوفُ جانبَهم / والقومُ من غَطفانٍ غالهم غُول
إنّ الأُلَى جمع الليثُ الهصورُ لكم / لَهْمُ الحُماةُ إذا ما استصرخَ الغيل
أتطلبون دمَ الإسلامِ لا حَكَمٌ / إلا السُّيوف ويقضِي الأمرَ عزريل
هل يَنفعُ القومَ إن أزرى بهم قِصَرٌ / عن مركب البأسِ آطامٌ بها طول
ملُّوا الحياةَ وملّتهم معاقلُهم / كلٌّ بغيضٌ وكلٌّ بعدُ مملول
يدعو كنانةُ محزوناً وصاحبه / زال الخفاءُ وبعضُ القولِ تضليل
يا قومنا أرأيتم كيف يُخلفكم / من كلّ ذي مِقَةٍ وعدٌ ومأمول
دَعُوا الحصونَ وزولوا عن مساكنِكم / حُمَّ القضاءُ وأمرُ اللَّهِ مفعول
قَضَى النبيُّ فما من دونِ مطلبهِ / وسُولهِ مَطلبٌ للقومِ أوسُول
وليس للأمرِ إذ يُقضَى على يدهِ / بالحقِّ من ربّهِ ردٌّ وتحويل
تلفتوا ينظرون الدورَ شاهقةً / من حولها النخلُ تحنيها العثاكيل
والماءُ ينسابُ والأظلالُ وارفةٌ / والزرعُ في شطئهِ بالزرعِ موصول
قالوا أيذهبُ هذا كلُّه سَلَباً / للقومِ من بعدنا تلك العقابيل
وأقبلوا يهدمون الدُّورَ فاختلفتْ / فيها المعاولُ شتَّى والأزاميل
لها على الكُرهِ في أرجائِها لغةٌ / كما تردَّدَ في الأسماعِ ترتيل
الرُّوحُ يهتفُ والإسلامُ مُبتهَجٌ / والكفرُ في صَعقاتِ الهولِ مخبول
يا للركائبِ إذ تمشي مُذَمَّمةً / والقومُ من فوقها سُودٌ معازيل
العزُّ في عَرَصاتِ الدّورِ مطَّرَحٌ / والمال والْحَلي في الأكوارِ محمول
قالوا الرحيل فما أصغت مُثَقَّفةٌ / ولا استجابَ طريرُ الحَدِّ مصقول
نادَى المُوكَّلُ بالأدنى يُعلِّلُهم / وفي الأباطيلِ للجُهّالِ تعليل
هذا الذي يَرفعُ الدنيا ويَخفِضُها / هيهاتَ ذلك إرجافٌ وتهويل
مَواكبُ العارِ لا وسمُ الهوانِ بها / خافٍ ولا أَثرُ الخذلانِ مجهول
ما في الهوادجِ والديباجُ يملؤها / للِخزيِ ملءَ وجوهِ القومِ تبديل
وما الأساوِرُ والأقراطُ نافعةٌ / ولا العقودُ الغوالي والخلاخيل
تشدو القِيَانُ بأيديها مَعازِفُها / وما عليها غَداةَ الجِدِّ تعويلُ
تجلَّدوا يتّقون الشامِتينَ بهم / لبئسما زَعَمَ القومُ المهازيل
فِيمَ الشماتةُ هل كانوا ذَوي خَطَرٍ / بل غالَ أحلامَهم ظَنٌّ وتخييل
لهم بِخَيْبَرَ أقدارٌ مُؤجّلةٌ / وأذرعاتٍ وللأقدارِ تأجيل
أدركَتَها يا ابنَ وهبِ نعمةً نَصرتْ / في القوم جدَّك والمغرورُ مخذول
تلك الوسيلةُ من تعلَقْ بها يَدُه / لم يَعْدُه من عطاءِ الله تنويل
وأنت يا ابنَ عُمَيرٍ زِدتَ مَرتبةً / وللمراتبِ عند اللَّهِ تفضيل
أنكرتَ فِعلَةَ عمروٍ حين همّ بها / فالنَّفسُ غاضبةٌ والمالُ مبذول
رَمَيْتَهُ من بني قيسٍ بِمُقتنِصٍ / يمشي الضِّرَاءَ فأمسى وهو مأكول
أتلك إذ صدقت يا عمرو أم حَجَرٌ / يرمِي به الصادقَ المأمونَ إجفيل
ما يكسب المرءُ من إثمٍ ولا يَزَرُ
ما يكسب المرءُ من إثمٍ ولا يَزَرُ / إلا أحاطَ به من ربِّه قَدَرُ
وليس للنَّفس إن خابت وإن خسرت / إلا عواقبُ ما تأتي وما تَذَرُ
جلبت يا ابنَ أُبيٍّ شرَّ ما جلبت / نَفسٌ على قومها لو كنتَ تَعتبِرُ
زوَّدت قومك خزياً لم يَدَعْ أحداً / إلا قلاك وأمسى صَدرهُ يَغِرُ
تتابع الوحيُ ترميهم قوارعُه / لمّا تتابعَ منك اللّغو والهَذرُ
قالوا استجر برسولِ اللهِ ملتمساً / سُبلَ النجاةِ فما يُغنيك مُنتظَرُ
إن تُلفهِ حين ترجوه وتسأله / مُستغفِراً لك لا يَعلَقْ بك الغَمَرُ
فقال يا ويلكم ما زلتُ أتبعكم / حتى هلكتُ فلا جاهٌ ولا خَطَرُ
لم يبقَ فيما أرى إلا السُّجودُ له / يُقضى له الحقُّ أو يُقضى به الوطر
أذلك الجدُّ منكم أم هو السَّخَرُ / دعوا اللّجاجَ فهذا مطلبٌ عَسِرُ
وصدَّ مُستكبراً يلوِي لشقوتِه / رأساً يغيظ الظُّبَى أن ليس يُهتَصَر
يزيده الجهلُ طُغياناً ويصرفه / عنِ الهُدى من أفانينِ الهَوى سَكَر
قال الرسولُ ونارُ الغيظِ تلفحُهُم / ألم أقل لك لا تَقْتُلْهُ يا عمر
لو قُمْتَ يومئذٍ بالسّيفِ تأخذُه / بعثتَها غضبةً جأواءَ تستعر
تلك الأُنوفُ التي كنّا نُحاذِرُها / أمست سَلاماً فلا خوفٌ ولا حذر
لو قلتُ للقومِ جيئوني بهامتِه / رأيتَهم يفعلون اليومَ ما أُمرِوا
تبيَّن الرشدُ للفاروقِ وانحسرت / عن جانبيهِ غواشي الظنّ والسُّترُ
فقال بُوركتَ من هادٍ لأُمّتهِ / تعيا بحكمته الألبابُ والفِكَر
لسنا كمثلِكَ في علمٍ ومعرفةٍ / أنت الإمامُ وهذا النهجُ والأثر
تدري من الأمر ما تخفى ظواهرُه / وما لنا فيه إلا الرأيُ والنظر
في مُعجزاتِكَ للغاوين تبصرةٌ / وفي عُلومِكَ للجُهَّالِ مُزدَجر
صلَّى عليكَ الذي آتاك من شرفٍ / ما ليس يَبلغُه جِنٌّ ولا بشر
هذا ابنه جاءه غضبانَ يمسكه / دون المدينةِ للمختارِ ينتصر
يقول تلك دِيارٌ لستَ تدخلها / حتى تَفِيء وحتّى يُعلمَ الخبر
أنت الأذلُّ فَقُلْها غيرَ كاذبةٍ / إن كنتَ حُرّاً فبئس الكاذبُ الأشِرُ
فقالها مُرّةً حَرَّى وأرسلها / كأنّها روحُه من فِيهِ تَنحدِر
مشى أعزُّ بني الدنيا وأشرفُهم / قَدْراً وأرفعهُم ذِكراً إذا ذُكِروا
حلَّ المدينةَ منه لَيْثُ ملحمةٍ / لا النَّصرُ يُخطِئهُ فيها ولا الظَفَر
فليعرفِ الحقَّ قومٌ ضلَّ رائدُهم / وارتدَّ قائدُهم خَزيانَ يعتذر
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما / لولاكَ ما شَبعتْ يَوماً ولا طَعِما
أنتَ الحياةُ جَرَتْ في كلِّ مُنطَلقٍ / تَغشَى الكميَّ وتغشى الصَّارِمَ الخَذِما
تَتابع الجودُ لا بُخلٌ ولا سَأَمٌ / دِينُ المروءةِ يأبى البُخلَ والسَّأما
المسلمونَ يَدٌ للَّهِ عَامِلَةٌ / تَمضِي أصابعُها في شأنِها قُدُما
لا تشتكِي إصبعٌ من إصبعٍ وَهَنَاً / ولا تُغايِرُها إذ تَشتكِي الألما
يا سعد أدَّيتَ حقَّ اللَّهِ من ثَمَرٍ / لو كانَ من ذَهَبٍ ما زِدْتَه عِظَما
كذلك الخيرُ يُدعَى المُرءُ مُغتَنماً / إن راحَ يَنْهَبُه في القومِ مُغْتَنِما
زَادَتْكَ نَخْلُكَ يا سعدُ بن ساعدةٍ / فَضلاً وزادَتْ على أمثالِها كرما
هذا جَنَاهَا بأيدِي القومِ مُنْتَهَبٌ / واللَّهُ يكتبُ فَانْظُرْ هل تَرَى القَلَمَا
أحْصَاه يا سعدُ عَدّاً ثم ضَاعَفَهُ / فلستَ تُحْصِيهِ حَتّى تُحْصِيَ الأُمَما
ادفع عُيينةَ واردعْ جهلَ صاحِبِهِ / إنّ الحديثَ حديثُ الدّهرِ لو عَلِما
تَمْرُ المدينةِ ما فيه مُسَاوَمَةٌ / أو يَرْجِعَ السَّيْفُ عنه مُترَعاً بَشِما
طَعَامُ كلِّ فَتىً للَّهِ مُنتَدَبٍ / لا يغمدُ السَّيْف عَمَّنْ يُطعِمُ الصَّنما
مَنَعْتَهُ ونصرتَ اللَّهَ في هَمَلٍ / من عُصبةِ الشِّركِ لا يَرْضَوْنَهُ حَكَما
وَصُنْتَهُ عَلَماً للحقِّ تَحفظُهُ / لا يحفظُ العِرضَ مَن لا يحفظُ العَلَمَا
ما يَصنَعُ النَّاسُ إن ضاعتْ مَحارِمُهم / وما على الأرضِ أن لا تحمل الرِمَما
ألم تُهِبْ يوم بَدرٍ بالأُلَى نفروا / للحربِ يَصْلَونَ من نيرانِها ضَرَما
يا قومُ إنّ جُموعَ الكُفرِ حاشدةٌ / فأين يذهبُ دِينُ اللَّهِ إن هُزِما
إن لم يَبِتْ ناجياً من سوءِ ما اعْتَزَمُوا / فلا نَجَا أحدٌ منّا ولا سَلِما
يا باعِثَ القومِ شَتَّى من مَجَاثِمهم / ما بالُ عَزْمِكَ في آثارِهِم جَثَما
من حَيَّةِ السُّوءِ أَلقَيتَ السِّلاحَ على / كُرْهٍ وَرُحْتَ تُعانِي الهمَّ والسَّقَمَا
كُنتَ الحريصَ عليها وَقْعَةً جَلَلاً / لم تُبقِ للكُفرِ مِن آطامِهِ أُطُمَا
كذاكَ قالَ رسولُ اللَّهِ فابتهجتْ / مِنكَ المَشاهِدُ لم تنقِلْ لها قَدَمَا
أَعطَاكَ سَهْمَكَ يَجزِي نِيَّةً صَدَقَتْ / شَرِيعةُ اللَّهِ ما حابَى ولا ظَلَمَا
اسمٌ سَمَا لَفظُهُ وازدَانَ مَعناهُ
اسمٌ سَمَا لَفظُهُ وازدَانَ مَعناهُ / حَلّاكِ رَبُّكِ بالحُسْنَى وحَلّاهُ
مَيمونةٌ أنتِ هذا ما تَخيَّرهُ / لَكِ الذي اختاره مِن خَلقِهِ اللَّهُ
أوفى بَحمزَةَ والعبّاسِ مَجدُهُما / يا أختَ زَوْجَيْهِما والنَّاسُ أَشْباهُ
لأنتِ أكرمُ عند اللَّهِ مَنزلةً / يا زَوجَ أحمدَ إذ أعطاكِ إيّاهُ
لم تَعلمي أمَطايا اللَّهِ حاملةٌ / منكِ الجلالَ المحلَّى أم مطاياهُ
إلى المدينةِ سِيري في كِلاءتِهِ / يا طِيبَ مثواكِ إن شارفتِ مَثواهُ
قرِّي بِبعلِكِ عَيْناً إنّه شَرَفٌ / ما مِثلُهُ شَرَفٌ عالٍ ولا جاهُ
أطريْتُ فيكِ وفي المختارِ مُؤمنةً / عَزَّتْ بأبلجَ ما تُحْصَى مَزَاياهُ
عِزٌّ يُوطِّدُ للإسلامِ جَانِبَها / مِنْ جانبِ اللَّهِ مَوْلاها ومَوْلاهُ
ما انفَكَّ يتَّخِذُ الأصهارَ يجعلهم / لِدينِهِ الهادمُ البانِي ودُنْياهُ
سياسةٌ ما رَمَى الطَّبُّ اللَّبيبُ بها / إلا أصابَ بإذنِ اللَّهِ مَرماهُ
وقُوّةٌ لرسولِ الله شائعةٌ / بين القبائلِ يرعاها وتَرعاهُ
وسنَّةٌ لبني الإسلامِ يَشرعُها / والخيرُ أجمعُ شرعٌ من سجاياهُ
همْ أسرةٌ في ظلالِ اللَّهِ واحدةٌ / تَمضي على الحقِّ تَرجوه وتخشاهُ
لا تَعرِفُ الرُّشدَ إلا في شَرائِعِهِ / ولا تَرَى الخيرَ إلا في وَصَاياهُ
دِينُ الألَى يُؤثرونَ العزَّ مَنزلةً / ما كانَ أَهْوَنَ دُنيا النَّاسِ لولاهُ
لكلِّ شعبٍ بِناءٌ ليس يُمسِكُهُ / شيءٌ إذا نام عنه مَن تَولّاهُ
لولا الأواصِرُ والأرحامُ ما التأمتْ / مِنه الصُّدوعُ ولا انضمَّتْ شَظَاياهُ
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ / للَّهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ أنتَ من رَجُلِ
سِرْ بالكتابِ رَسولاً حَسْبُهُ شَرفاً / أن راحَ يَحمله مِن أشرفِ الرُّسُلِ
يا حاملَ الجبلِ المرقومِ دُونَكَهْ / مَن ذا سِواكَ رَعَاكَ اللَّهُ لِلجَبَلِ
إلى هِرقْلَ تأنَّى دُونَ سُدَّتِهِ / صِيدُ الملوكِ وتلقاهُ على مَهَلِ
تَرتدُّ عن تاجِهِ الأبصارُ خاشعةً / فما تُلاحِظُه إلا على وَجَلِ
إليهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ لستَ وَاجِدَهُ / إلا امْرَأً هَمَلاً في معشرٍ هَمَلِ
لأنتَ أعظمُ منه في جلالتِهِ / وما جلالةُ غاوي الرأيِ مُختبلِ
لا يَعرِفُ الدّينَ إلا فتنةً وهَوىً / أعْمَى المقاصدِ والآفاقِ والسُّبُلِ
هذا كتابُ رَسولِ اللهِ يُنذره / فاذهبْ إليه وخُذْهُ غيرَ مُحتفلِ
مَهْلاً شُرَحبيلُ لا حُيِّيتَ من رَجُلٍ / إن هَمَّ بالشَّرِّ لا يحفِلْ ولم يُبَلِ
بادي الشراسةِ عادٍ ما يُلائِمُه / في موضعِ الذَّمِّ إلا أسوأُ المَثلِ
هاجَتْهُ من نَزَواتِ الجهلِ ثائرةٌ / لم تُبْقِ من كَلَبٍ يَهتاجُ أو ثَولِ
فطاح بابنِ عُمَيْرٍ باسلاً بطلاً / يَفُلُّ في الرَّوْعِ بأس الباسلِ البطلِ
يا للرَّبيطِ يَسلُّ السيفُ مُهجتَهُ / في غير مُعتَركٍ حَامٍ ومُقتتَلِ
كذلك الغدرُ لا ظُلْمٌ بِمُجتنَبٍ / في الغادرينَ ولا لُؤْمٌ بِمُعْتَزَلِ
ما كانَ ذَنْبُ امرئٍ في اللَّهِ مُرتَحِلٍ / يرجوه في كلِّ مُحتَلٍّ ومُرتَحَلِ
سِرْ يا ابنَ حارثةٍ بالجيشِ تقدمه / هذا لواؤكَ فابعثه على عَجَلِ
ادْعُ الأُلَى اتخذوا العَمياءَ وارتكسوا / فيها إلى أرشدِ الأديانِ والمِلَلِ
فإن أبَوْا فَسيوفُ اللَّهِ تأخذهم / من كلِّ مُتَّقِدِ الحدَّيْنِ مُشْتَعِلِ
أمْرُ النبيِّ فَسِرْ يا زيدُ مُمتثلاً / والجندُ جُندُكَ ما تَأمُرْهُ يَمْتَثِلِ
فإن أُصِبْتَ فمن سَمَّى على قدرٍ / وليس للنفسِ إلا غايةُ الأَجَلِ
اِتْبَعْ وصاياه فيما لا يَحِلُّ لكم / ولا يَليقُ بكم مِن سيِّئ العَمَلِ
دَعُوا الصوامِعَ واسْتَبْقُوا النِساءَ ولا / تُؤذوا صَغيراً ولا تُودوا بِمُكْتَهِلِ
لا تقطعوا شَجَراً لا تَهدِموا جُدُراً / لا تقربوا ما استطعتم مَوطِنَ الزَّلَلِ
هذا هرقلُ يسوقُ الجيشَ مُرتكماً / كالعارِض الجوَنْ يرمِي الأرضَ بالوَهَلِ
يُزجِي الكتائبَ من رُومٍ ومن عَرَبٍ / في المُرْهفاتِ المواضي والقَنا الذُّبُلِ
والصَّافناتِ تَهادَى لا عِدَادَ لها / من كلِّ مُنذَلِقٍ في الكَرِّ مُنجفلِ
إنّ الذين أداروا الرأيَ وانتظروا / لم يَبْرَحِ النّصرُ مولاهم ولم يَزَلِ
الغالبونَ وإن قلّوا وظَنّ بهم / ما يكرهُ اللَّهُ أهلُ الزُّورِ والخَطَلِ
لم يلبثِ القومُ حتّى قال قائلُهم / فِيمَ الحوارُ وهل في الأمرِ من جَدَلِ
إنّا خرجنا نريدُ اللهَ فاسْتَبِقُوا / من كلِّ مُنتَهِبٍ للخيرِ مُهْتَبِلِ
لو زالتِ الأرضُ أو حَالتْ جَوانِبُها / بِمَنْ عليها مِنَ الأقوامِ لم نَحُلِ
هُما سبيلانِ إمّا النصرُ نُدرِكُه / أو جنّةُ الخُلدِ فيها أطيبُ النُّزُلِ
لسنا نُقاتِلُ بالآلافِ نَحشُدها / ألفاً لألفٍ من الأبطالِ مُكتملِ
إنّا نقاتلُ بالدِّينِ الذي ضَمنتْ / أعلامُه النَّصرَ في أيَّامِنا الأُوَلِ
لولا مقالةُ عبدِ اللهِ ما انْكشفتْ / تِلكَ الغَواشِي ولولا اللَّهُ لم يَقُلِ
تَقلَّدُوا العزمَ للهيجاءِ وادَّرَعُوا / من صادِق البأسِ ما يُغني عن الحِيَلِ
وأقبلوا لو تَميلُ الشُّمُّ من فَزَعٍ / لم يضطربْ جَمعُهم خَوْفاً ولم يَمِلِ
يا مُؤْتَةُ احْتَمِلي الأهوالَ صابِرةً / هيهاتَ ذلك شيءٌ غيرُ مُحتَمَلِ
جِنُّ الكريهةِ يَستشرِي الصِّيالُ بهم / في مَوطنٍ لو رأته الجِنُّ لم تَصُلِ
ما زالَ قائدُهم يُلقِي بِمُهجتِهِ / يَرمِي المنيَّةَ في أنيابِها العُصُلِ
يَغْشَى مَواردَ من أهوالِها لُجَجاً / تلك المواردُ ليس الغَمْرُ كالوَشَلِ
ما مَن يخوضُ الوغَى تَطغَى زَواخِرُها / كَمَنْ يُجانِبُها خَوْفاً من البَلَلِ
يا زَيْدُ أدَّيْتَ حقَّ اللهِ فامْضِ على / نَهْجِ الأُلَى انتقلوا من قبلُ وانْتَقلِ
آبوا إلى خيرِ دارٍ ما لِنازِلِها / من أوْبَةٍ تبعثُ الأشجانَ أو قَفَلِ
يَسْلُو أخو العقلِ عن دارِ الهُمومِ بها / ويَحْتَوي مَنزِلَ الأدواءِ والعِلَلِ
جَاهدْتَ في اللَّهِ تُرضيهِ وتنصُره / لم تَلْقَ من سَأَمٍ يوماً ولا مللِ
هذا الذي نَبَّأَ اللَّهُ الرسولَ بهِ / فَاغْنَمْ ثَوابَكَ وَالْقَ الصَّحْبَ في جَذَلِ
وأنتَ يا جعفرُ المأمولُ مشْهَدُه / خُذِ اللِّواءَ وجَاوِزْ غايةَ الأملِ
هذا جَوادُكَ ما حَالتْ سَجِيَّتُه / ولا ارْتضَى بِوَفاءِ الحُرِّ من بَدَلِ
عَقَرْتَهُ ورَكبتَ الأرضَ تَمنعُه / مَواطِنَ السُّوءِ من ضَنٍّ ومن بَخَلِ
أكرمتَهُ وحَرمتَ القومَ نجدتَهُ / فَصُنتَ نفسَكَ عن لَوْمٍ وعن عَذَلِ
دَلَفتَ تَمشي على الأشلاءِ مُقتحماً / والقومُ مُنجدلٌ في إثرِ مُنْجَدِلِ
فقدتَ يُمناكَ فانصاتَ اللِّواءُ على / يُسراكَ ما فيه من أمْتٍ ولا خلَلِ
حَتَّى هَوَتْ فجعلتَ الصدرَ مَوضِعَهُ / كأنّهُ منه بِضْعٌ غَيرُ مُنفَصِلِ
يَضمُّهُ ضَمَّ صَادِي النَّفسِ يُولِعُهُ / بِمن أطالَ صَداهُ لَذّةُ القُبلِ
يا قائدَ الجيشِ ضَجَّ الجيشُ من ألمٍ / وأنت عن دَمِكَ المسفوكِ في شُغُلِ
تَقضي الذمامَ وتَمضِي غيرَ مُكْتَرِثٍ / كأنّما الأمرُ لم يَفدَحْ ولم يَهُلِ
لَقِيتَ حَتْفَكَ في شَعْواءَ عَاصِفةٍ / حَرَّى الجوانحِ ظَمْأى البيض والأسَلِ
أعطيتَها مِنكَ نَفْساً غيرَ واهنةٍ / أَعْطَتْكَ سَوْرَةَ مَجدٍ غيرِ مُنْتَحَلِ
لكَ المناقبُ لم تُقْدَرْ غَرائِبُها / مِلءَ المشاهدِ لم تُعْهَدْ ولم تُخَلِ
مَن يُؤْثر الحقَّ يبذُلْ فيه مُهْجَتَهُ / ومن يكُنْ هَمُّهُ أقصَى المدَى يَصِلِ
لا شيءَ يُعجِزُ آمالَ النُّفوسِ إذا / خَلَتْ من الضَّعفِ واسْتَعصتْ على الكَسَلِ
انهضْ بِعِبْئِكَ عبدَ اللهِ مُضطلِعاً / بكلِّ ما تحملُ الأطوادُ من ثِقَلِ
هذا مَجالُكَ فَارْكُضْ غيرَ مُتَّئِدٍ / وإنْ رأيتَ المنايا جُوَّلاً فَجُلِ
كم جِئْتَ بالعَرَبيِّ السَّمْحِ مُرتَجِلاً / واليومَ يومُ منايا الرُّومِ فَارْتَجِلِ
للعبقريّةِ فيهِ مَظْهَرٌ أنِقٌ / يا حُسْنَهُ مَظهراً لو كان يُقدَرُ لي
قنعتُ بالشِّعرِ أغزو المشرِكينَ به / فلم أُصِبْ فيه آمالي ولم أنلِ
لَقَطْرَةٌ من دَمِي في اللهِ أبذلُها / أبقى وأنفعُ لي مِن هذهِ الطِّوَلِ
تَقَلَّدَ القومُ مِلءَ الدّهرِ من شرفٍ / وليس لي من غَواليها سِوَى العَطَلِ
إن شاءَ ربّي حَبانِي من ذَخائِرها / أغْلَى الحُلَى وكَساني أشرفَ الحُلَلِ
الحمدُ للهِ أجرى النُّورَ من قَلمي / هُدىً لقومِي وعافاني من الخَبَلِ
أوتِيتُ ما جاوزَ الآمالَ من أدبٍ / عالِي الجلالِ مَصُونٍ غيرِ مَبْتَذَلِ
يا شاعرَ الصِّدقِ ما خابَ الرجاءُ ولا / مِثْلُ العطاءِ الذي أدركت والنَّفَلِ
خُذْ عِندَ ربِّكَ دارَ الخُلدِ تَسكنُها / قُدسيَّةَ الجوِّ والأرواحِ والظُّلَلِ
آثرتَهُ واصطفيتَ الحقَّ تَكْلَؤُه / مِمّا يُحاوِلُ أهلُ الغيِّ والضَّلَلِ
ليس العرانينُ كالأذنابِ منزلةً / ولا الغَطارِفةُ الأمجادُ كالسَّفَلِ
يا عُقْبَةُ اصْدَعْ بها بيضاءَ ناصِعَةً / تَنْفي الوَساوِسَ أو تَشفي من الغُلَلِ
القتلُ أجدرُ بالأحرارِ يأخذُهم / مُستبسِلينَ ويَنهاهم عن الفَشَلِ
ويا ابن أرقمَ نِعمَ المرءُ أنتَ إذا / تُنوزِعَ الأمرُ عند الحادث الجللِ
قالوا لك الأمر فاخترت الكفيَّ لها / وأنت صَاحِبُهُ المَرجوُّ لِلعُضَلِ
لكنَّها نَفْسٌ حُرٍّ ذي مُحافَظَةٍ / صَافِي السَّريرةِ بالإيمانِ مُشْتَمِلِ
صُنْتَ اللّواءَ وآثرتَ الأحقَّ به / إيثارَ أغلبَ لا واهٍ ولا وَكِلِ
أبى عليه حَياءٌ زادَهُ عِظماً / ما مِثلهُ من حَياءٍ كان أو خَجَلِ
قُلتَ اضْطلِعْ خالدٌ بالأمرِ فَاسْتعَرتْ / مِنهْ حَمِيَّةُ لا آبٍ ولا زَحِلِ
وَراحَ يُبدِعُ من كَيْدِ الوغَى نَمطاً / طاشتْ مَرائيهِ بالألبابِ والمُقَلِ
رَمَى العِدَى حُوَّلٌ شَتَّى مَكائِدُه / جَمُّ الأحابيلِ يُعيي كلَّ مُحْتَبِلِ
ظَنُّوا الجنودَ تَنحّتْ عن مَواقفها / لغيرها مِن عَمىً بالقومِ أو حَوَلِ
جَيْشٌ من الرعبِ يَمْشِي ابنُ الوليدِ بهِ / في مُسْبَلٍ من مُثارِ النَّقعِ مُنْسَدِلِ
ضاقُوا بِمُفْتَرِسٍ في الهَوْلِ مُنْغَمِسٍ / لِنَفْسِهِ في غِمارِ الموتِ مُبْتَسِلِ
أذاقهم من ذُعافِ الموتِ ما كرهوا / ما كفَّ عَنْ عَلَلٍ منه ولا نَهَلِ
ما لِلمُسيئينَ إلا كلُّ مُعْتَزِمٍ / في الرَّوْعِ يُحْسِنُ ضَرْبَ الهامِ والطُّلَلِ
رَمَتْ بِهم هَبَواتُ البأسِ فانكشفوا / يَنْدَسُّ هَارِبُهم في كُلِّ مَدَّخَلِ
بِئْسَ الجنودُ أضلّتهم عَمَايَتُهُمْ / فما لهم بجنودِ اللهِ من قِبَلِ
ظَنّوا الأُمورَ لغير اللهِ يَملكها / إذا جَرَتْ بين مُعْوَجٍّ ومُعْتَدِلِ
وحاربوا الحقَّ من جَهْلٍ ومن سَفَهٍ / والحقُّ فوقَ مَنالِ المعشرِ العُثُلِ
ما يَنقمُ الناسُ من دِينٍ يُرادُ بهِ / فَكُّ العقولِ من الأغلالِ والعُقُلِ
فَلْيَصْبِرِ القومُ إنّ اللهَ مُظهِرُه / على الممالكِ والأديانِ والنِّحَلِ
لَدولةُ اللهِ أبقى في خليقتهِ / فلا يَغُرَّنْكَ ما اسْتَعْظَمْتَ من دُوَلِ
أدعوكَ يا ربِّ للإسلامِ مُبتهِلاً / وأنت تسمعُ دَعْوَى كلِّ مُبْتَهِلِ
نَام المحامونَ عنه فهو مُضطهدٌ / يشكو الأَذى في شُعوبٍ خُضَّعٍ ذُلُلِ
صَرحٌ من العزِّ والسُّلطانِ ما بَرِحتْ / تَهْوِي صَياصيهِ حتَّى عَادَ كالطَّلَلِ
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا / فما احتيالُكِ في الطَّوْدِ الذي رَجَفَا
طَوْدٌ مِنَ الشِّركِ خَانَتْهُ جَوانِبُهُ / لَمّا مَشَى نحوهُ الطودُ الذي زَحَفا
إن الجبالَ التي في الأرضِ لو كفرتْ / لَدَكَّها جَبلُ الإسلامِ أو نَسَفَا
لَمّا دَعاهُ بسيفِ اللهِ سَيِّدُهُ / زَادَ السُّيوفَ بِهِ في عِزِّهَا شَرَفا
ديارَ مَكّةَ أمَّا من يُسالِمُهُ / فَلا أذىً يَتَّقِي منهُ ولا جَنَفَا
تلك الوصيَّةُ ما يَرْضَى بها بَدَلاً / ولا يرى دُونَها مَعْدىً ومُنْصَرَفَا
لا تجزعي إنّهُ العهدُ الذي انبعثت / أنوارُهُ تَصدَعُ العهدَ الذي سَلَفا
ليلُ الأباطيلِ ما التفَّتْ غياهِبُهُ / على الحقائِقِ إلا انجابَ وانْكَشَفَا
هُنَّ المنايا فيا للقومِ من بطلٍ / رُمُوا بِهِ حَيَّةً من حَيَّةٍ خَلَفَا
ضاقوا بِسعْدٍ فقالوا قائدٌ حَنِقٌ / لو جاوز الحدَّ بعد الحدِّ ما وَقَفا
واستصرخوا من رسولِ اللهِ ذا حَدَبٍ / إذا استغاثَ به مُستصرخٌ عَطَفَا
هَبَّتْ إلى الشَّرِّ من جُهّالِهِم فِئَةٌ / لم تَأْلُ من جَهلِها بَغياً ولا صَلَفا
واستنفرت من قريشٍ كلَّ ذي نَزَقٍ / إذا يُشارُ إليهِ بالبنانِ هَفَا
فخاضها خالدٌ شعواءَ كالحةً / إذا جَرَى الهولُ في أرجائِها عَصَفَا
رَمَى بها مُهَجَ الكُفّارِ فاسْتَبَقَتْ / تَلْقَى البوارَ وتشكو الحَيْنَ والتَّلَفَا
وقال قائلُهُم أسرفتَ من بطلٍ / ما كان أحسنه لو جَانَبَ السَّرَفا
وهَاجَ همَّ أبي سُفيانَ ما وَجَدوا / فَرَاحَ يَشفعُ فيهم جَازعاً أَسِفا
فَلانَ قلبُ رسولِ اللهِ مرحمةً / وَرَقَّ من شِدَّةِ البطشِ الذي وَصَفَا
وقال سِرْ يا رسولي فَانْهَ صَاحِبَنَا / عَنِ القِتالِ فَحَسبي ما جَنَى وكَفَى
مَضَى الرسولُ يقولُ اقْتُلْ فَهَيَّجَها / مَشْبُوبَةً هَتَفَتْ بالوَيْلِ إذ هَتَفَا
وَعَادَ والدَّمُ في آثَارِهِ سَرِبٌ / والقومُ من خَلْفِهِ يدعون وَا لَهَفَا
قال النَّبيُّ ألم تَذْكُرْ مَقالتَنا / لِخَالِدٍ أعَصِيْتَ الأمرَ أم صَدَفا
فقال بُورِكْتَ إنّ الله حَرَّفَها / وما تَغَيَّرَ لي رأيٌ ولا انْحَرَفَا
سُبحانَهُ إنّ أمرَ النّاسِ في يدِهِ / لا يَعْرِفُ المرءُ من خَافيهِ ما عَرَفَا
لا يَجْزَعِ القوْمُ إنّ السَّيفَ مُرتَدِعٌ / عمّا قليلٍ وإنّ النّصرَ قد أزِفا
لم يرفعوا الصَّوتَ حتّى لاحَ بارِقُهُ / تحت العَجَاجَةِ يجلو ضَوْؤُهُ السُّدُفا
هذا الزُّبَيْرُ تَرَامَى في كتائِبِهِ / كالسَّيْلِ لا تُمسِكُ الأسدادُ ما جَرَفَا
يَلْقَى كدَاءَ بِهِ والخيلُ راكضَةٌ / ما قَالَ حَسّانُ من قبلِي وما ازْدَهَفا
اللهُ أكبرُ جاء الفتحُ وابتهجتْ / للمؤمنين نُفوسٌ سَرَّها وشَفَى
مَشَى النَّبيُّ يحفُّ النَّصرُ مَوكِبَهُ / مُشَيَّعاً بجلالِ اللهِ مُكتَنَفَا
أضحى أُسامةُ من بينِ الصّحابِ له / رِدْفاً فكان أعزَّ النَّاسِ مُرْتَدَفَا
لم يبقَ إذ سَطعتْ أنوارُ غُرَّتِهِ / مَغْنَىً بِمَكَّةَ إلا اهْتَزَّ أو وَجَفا
تحرَّكَ البيتُ حَتَّى لو تُطاوعُهُ / أركانُهُ حَفَّ يَلْقَى رَكبَهُ شَغَفَا
وَافَاهُ في صَحبِهِ من كلِّ مُزْدَلِفٍ / فلم يَدَعْ فيه للكُفَّارِ مُزْدَلَفا
العاكفون على الأصنامِ أضحكهم / أنّ الهوانَ على أصنامِهِمْ عَكَفا
كانوا يَظنُّونَ أنْ لا يُسْتَبَاحَ لها / حِمىً فلا شمماً أبدتْ ولا أنَفَا
نامت شَياطِينُها عنها مُذَمَّمةً / كأنّها لم تكن إذ أصبحَتْ كِسَفا
رِيعَتْ شيوخُ قريشٍ من قذائِفِها / وَرِيعَ منها الخُزاعِيُّ الذي قُذِفَا
رأته يَنحَطُّ من عَليائِهِ فزعاً / من بعد ما أفزعَ الأجيالَ مُشتَرِفَا
وما ذَرَى هُبَلٌ والطعْنُ يأخُذُهُ / هل غَوَّرَ الدمعُ في عَيْنَيْهِ أم ذَرَفا
لو كان للدمِ يجري حَولهُ دُفَعاً / طُولُ المَدى مَثْعَبٌ في جوفِهِ نَزَفا
رَمَى به اللهُ يحمِي البيتَ من عَبَثٍ / يَعافُ باطِلَهُ مَن عافَ أو عَزَفَا
لم يَبْقَ بالبيتِ أصنامٌ ولا صُوَرٌ / زَالَ العَمَى واسْتَحَالَ الأمرُ فَاخْتَلَفَا
للجاهِلِيَّةِ رَسمٌ كان يُعجبها / في دهرِها فَعَفَتْ أيامُها وَعَفَا
لا كُنتَ يا زمنَ الأوهامِ مِن زَمَنٍ / أرخَى على النّاسِ من ظَلْمَائِهِ سُجُفا
إنّ الشريدَ الذي قد كان يظلمه / ذَوُو قَرَابتِهِ قد عادَ فانْتَصَفا
ردَّ الظلامَةَ في رفقٍ وإن عَنَفوا / ولو يَشاءُ إذَنْ لاشْتَدَّ أو عَنَفَا
إنّ الرسولَ لَسَمْحٌ ذو مُيَاسَرَةٍ / إذا تملَّكَ أعناقَ الجُناةِ عَفَا
شكراً مُحَمَّدُ إنّ اللَّهَ أسبغَهَا / عليكَ نُعْمَى تَرَامَى ظِلُّها وَضَفا
وَعْدٌ وَفَى لإمامِ المرسلينَ به / واللَّهُ إن وَعَدَ الرُّسْلَ الكِرامَ وَفَى
خُذِ المحصَّبَ إن وَافَيْتَهُ نُزُلاً / وَاذْكُرْ بِهِ ذلكَ الميثاقَ والحَلفا
قد عادَ يكلفُ بالإسلامِ مِن رَشَدٍ / مَن كان بالكفرِ من غَيِّ الهَوَى كَلِفا
ثم استقامَ على البيضَاءِ يَسْلكُها / مَن كان يضربُ في العمياءِ مُعْتَسِفا
مَشَى طَليقاً إلى غاياتِهِ مرحاً / وكان في القيد إن رام الخطى رسفا
يغشى موارد للأيمان صافِيةً / ما امتاحَ من مثلِها يوماً ولا اغْترَفا
عادوا طَهَارى فلم يَعْلَقْ بهم وَضَرٌ / ممّا جَنَى الكفرُ قبل الفتحِ واقترفا
تَتابعَ القومُ أفواجاً فآمَنَهم / دِينُ السَّلامِ وأمسَى الأمرُ مُؤْتَلِفَا
كذلك الحقُّ يعلو في مَصَاعِدِهِ / حتى يَنالَ الذَّرَى أو يَبلغَ الشَعفا
مَرْمَى العُقُولِ إذا ما غَرَّهَا هَدَفٌ / فلن تُريدَ سِواهُ إن رَمَتْ هَدَفَا
وما على الحقِّ من بأسٍ ولا حَرَجٍ / إن هَوَّمَ العقلُ عنه مَرَّةً فَغَفَا
إنّ الذي جَعَلَ الإسلامَ مَعقلَهُ / أعلى لأُمَّتِهِ الأركانَ والسُّقُفا
لم يَرْضَ ما نَالَ من مجدٍ فأَورثَهُ / مَجداً طريفاً وَعِزّاً منه مُؤْتَنَفا
شَتّانَ ما بين صَرْحٍ ثابتٍ رُفِعَتْ / منه القِبابُ وصَرْحٍ واهنٍ خُسِفا
لِتُنصتِ الأرضُ وَلْتَسْمَعْ ممالُكُها / ماذا يقولُ لها الرَّعدُ الذي قَصَفَا
شرائعُ الخيرِ يُلقيها مُحبّبةً / شيخُ النَّبيِّينَ يَبغي البِرَّ واللَّطَفَا
الناسُ من آدَمٍ والبَغْيُ مَهْلَكَةٌ / فَلْيَّتَقِ اللهَ منهم مَن قَسَا وجَفَا
قَلْ للأُلَى خطبوا الأقوامَ أو كتبوا / دعوا المنابِرَ والأقلامَ والصُّحُفَا
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً / وما أضلَّ الأُلَى أمْسَوا له تَبَعا
جئتم بهِ في ثيابٍ مِلؤُها دَنَسٌ / تَكادُ تَلفظُهُ من هَوْلِ ما صَنَعا
تَرمِي به الأرضُ شيطاناً وتَقذِفُه / رِجْساً مُغَطَّى وشرّاً جاءَ مُبتدعا
يا وَيْلَهُ إذ تُرِيه النَّجمَ في يدِهِ / نَفْسٌ مُضلَّلةٌ هاجتْ له طَمَعا
رَام النُبوَّةَ شَطْرٌ للذي اجتمعت / فيهِ وشطرٌ له يا سوءَ ما اخترعا
قال النبيُّ له لو جِئتَ تسألُني / هذا العَسيبَ الذي عانيتَ لامْتنَعَا
أنا النبيُّ وما أمرِي بِمُشْتَرَكٍ / فَاعْصِ الهَوى وَارْتَدِعْ إن كنتَ مُرتدِعا
أضلَّهُ غيهبٌ للجهلِ مُرتَكِمٌ / أحاط بالقومِ حيناً ثُمَّتَ انْقَشَعا
خَفُّوا إلى الحقِّ يرتادونَ مَنْبَتَهُ / وليس كالحقِّ مُرتاداً ومُنتَجَعَا
وَجاءَ في فتنةٍ عَمياءَ زَيَّنَها / له الغُرورُ وسُوءُ الرأيِ فَانْخَدَعا
إنّ الفسادَ جميعاً والضّلالَ معاً / إلى اليمامةِ في أجلادِهِ رَجَعا
تَلقَّفَ النَّاسَ يُغْوِيهمْ ويَكذِبُهم / فهل رَأوْا مِثلَهُ من كاذبٍ بَرَعا
يقولُ إنّ رسولَ اللهِ أشْرَكهُ / في الأمرِ يَحمِلُ شطراً منه فَاضْطَلعا
ورَاحَ يدعو إلى دينٍ يُزيِّنهُ / أشقَى الدُّعاةِ جميعاً مَن إليهِ دَعا
ألغَى الصّلاةَ وأعطى النَّاسَ بُغْيَتَهُمْ / مِنَ الزِّنا ومن السُّمِّ الذُّعافِ مَعا
دِينُ الفجورِ ومَكروهِ الأمورِ ألا / لا باركَ اللّهُ في الدّينِ الذي شَرَعا
لَو راحَ صاحِبُه يرمي به جَبَلاً / يَعلو الجِبالَ مِنَ الأخلاقِ لانْصَدَعا
ما الطاحناتُ وتاءات يُردِّدُها / لا كانَ مِن فاجرٍ لا يَعرِفُ الوَرَعا
صبراً حنيفةُ إنّ اللهَ قاتِلُهُ / ولا مَردَّ لأمرِ اللهِ إن وقعا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا / إن كانَ يَنفعُكُم كَرٌّ وإقدامُ
زيدُ بنُ حارثةٍ زيدُ بنُ حارثةٍ / خَطبٌ جليلٌ وجُرحٌ ليس يَلتامُ
هل عِندكم أنْ تغشَّتْكُم سَرِيَّتُهُ / للسَّيفِ سَيْفٌ ولِلضِرغَامِ ضِرغامُ
مَشَى إليكم فهل قَرَّتْ منازلُكُم / وَاسْتَمسكَتْ مِنكُمُ الأعناقُ والهامُ
لولا التي انطلَقَتْ تَهْدِيهِ ما عُرِفَتْ / مِنكم ومنهنَّ آياتٌ وأعلامُ
فما الجَمومُ وما ضمّتْ مَنازِلُهُ / إلا ظنونٌ خَفِيَّاتٌ وأَوهامُ
أين الأناسيُّ جَلَّ اللَّهُ هل مُسِخُوا / لمّا رَأوْكَ فَهُمْ يا زيدُ أنعامُ
ما ثَمَّ إلا الأُلَى أَدركتَهم قَنصاً / لم يُغِنهِ إذ هَوَى خَوْفٌ وإحجامُ
عُدْ بالأُسارَى وبالغنمِ التي قَسَمَتْ / لَكَ القواضِبُ إنّ الغُنْمَ أقسامُ
يا زيدُ ما حقّ مَن دَلَّتكَ إذ صَدَقتْ / أسْرٌ تَضِيقُ به ذَرعاً وإرغامُ
مَنَّ النبيُّ عليها ثم أكرمَها / في مشهدٍ كُلِّهِ مَنٌّ وإكرامُ
نَالتْ بِنِعْمَتِهِ مِن بَعلِها هِبَةٌ / زَالَتْ لها كُرَبٌ شتَّى وآلامُ
بَني سُلَيمٍ أَفي دِينِ الفُسوقِ لكم / إلا ذُنوبٌ تَغَشَّاكُمْ وآثامُ
ما أخيبَ النفسَ في الدُّنيا وأخسرَها / إن أخطأ النفسَ إيمانٌ وإسلامُ
يا للبَلاءِ أَيُعْصَى اللَّهُ ليس له / كُفؤٌ وتُعْبَدُ أوثانٌ وأصنامُ
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ / جَرى القضاءُ على ما كان من سَبِبِ
أظَلَّكُمْ خالدٌ لا شيءَ يَبعثُه / إلا الجهادُ يراه أعظمَ القُرَبِ
لمَّا دعاكم إلى الإسلامِ حينَ دَعا / قُلتم صَبأْنَا فلم يَأثَمْ ولم يَحُبِ
إن كانَ للمرءِ من أعمامِهِ نَسَبٌ / فالدِّينُ عِندَ ذويهِ أقربُ النَّسَبِ
بَنُو سُلَيمٍ وإن خِفْتُم فليس بهم / وبابنِ عوفٍ سِوَى الأوهامِ والرِّيبِ
فيا لها غَمرةً ما اسودَّ جانبُها / حتى تَجلّتْ سِراعاً عن دَمٍ سَرِبِ
سِيءَ النبيُّ بها فالنفسُ آسِفةٌ / والقلبُ ممّا أصابَ القومَ في تَعَبِ
المُسلِمونَ دَمٌ للهِ أو عَصَبٌ / ما مِثلُه من دمٍ جارٍ ولا عَصَبِ
هُمْ في الحوادِثِ إن قَلُّوا وإن كَثروا / بَأسٌ جَميعٌ ورأيٌ غيرُ مُنْشَعِبِ
كلٌّ حرامٌ على كلٍّ فإنْ فِئَةٌ / بَغَتْ على فِئةٍ فاللّهُ في الطَّلَبِ
أَثارها خالِدٌ شَعْواءَ عاصِفَةً / ما كان فيها لدينِ اللَّهِ من أَرَبِ
رَمَى بها وغَواشِي الظنِّ تأخذُه / من كلِّ صَوْبٍ فلم يَرْشُدْ ولم يُصِبِ
إليكَ أبراُ ربِّي من جنايتِهِ / وأنتَ فيما عناني منه أعلمُ بي
قُمْ يا عليُّ فوافِ القومَ مُعتذراً / وَانْشُرْ عليهم جناحَ العاطِفِ الحَدِبِ
وَخُذْ من المالِ ما يَقْضِي الدِّياتِ وما / يُرضِي النُّفوسَ ويشفيها من الغَضَبِ
حَقٌّ علينا دَمُ القتلى ونحن على / عَهْدٍ وثيقٍ وحَبْلٍ غير مُنْقَضِبِ
القومُ أُخوتُنا في اللهِ يَجمعُنا / دِينُ الإخاءِ على الأيامِ والحقَبِ
رَدَّ الإمامُ نُفوسَ القومِ فَائْتَلَفتْ / وَاسْتَحْكَمَ الوُدُّ وَانْحلَّت عُرَى الشَّغَبِ
بالجاهليةِ ممّا هِيضَ جانبُها / ما ليس يَنفذُ من همٍّ ومن وَصَبِ
سَلْها وقد رجعتْ حَسْرَى مُذمَّمةً / هل زادها اللَّهُ إلا سُوءَ مُنْقَلَبِ
يا ناقضَ العهدِ لا شَكْوَى ولا أَسَفُ
يا ناقضَ العهدِ لا شَكْوَى ولا أَسَفُ / اللَّهُ مُنتقِمٌ والسّيفُ مَنتصِفُ
تهجو النبيَّ وتُغرِي المُشرِكينَ بِهِ / مَهْلاً لكَ الويلُ ماذا أنتَ مُقترِفُ
كم جيفةٍ خرجتْ من فيكَ مُنكَرَةٍ / لمّا تردَّتْ ببدرٍ تِلكمُ الجِيَفُ
إنّ الوليمةَ أخزى اللّهُ صانِعَها / كانت ضِراراً فلا وُدٌّ ولا لَطَفُ
أتحسَبونَ رسولَ اللَّهِ يَجهلُها / مَكيدةً فَضَحَتْ أسرارَها السُّجُفُ
بل أظهرَ اللهُ ما تُخفونَ فانكشفتْ / يا وَيلَكم أيُّ خافٍ ليس يَنكشِفُ
لقد هَممتُمْ بمن لا حَيَّ يَعدِلُه / إن نُوزِعَ المجدُ بين النّاسِ والشَّرفُ
يا ويلَ من ظنَّ أن اللَّهَ يَخذُلُه / وأنّهُ من يمينِ اللهِ يُخْتَطَفُ
يا كعب مالك تؤذيه وتنكره / وما الولوع بقول الزور والشغف
جلعت مالَكَ للأحبارِ مفسدةً / يُمتاحُ فيها الأذى حِيناً ويُغتَرفُ
رَمَوْكَ بالحقِّ لمّا رُحتَ تسألُهم / وأعلنوا من يقينِ الأمرِ ما عَرَفوا
فقلتَ عُودوا فما عندِي لكم صِلَةٌ / جَفَّ المَعِينُ فلا قَصْدٌ ولا سَرَفُ
حَسْبِي الحقوقُ فمالِي لا يجاوزُها / إلى الفُضولِ وما عن ذاكَ مُنصرَفُ
عادوا يقولونَ ما أشقاهُ من رَجُلٍ / لا يرتضِي القولَ إلا حينَ ينحرِفُ
ثم انثَنوْا ينطقونَ الزُّورَ فانقلبوا / بالمالِ يَصدِفُ عنه المعشرُ الأُنُفُ
بِئسَ العطاءُ وبِئسَ القومُ أمرُهُم / وأمرُ سيّدهم في الغَيِّ مُؤتلِفُ
هُمُ اليهودُ لَو اَنَّ المالَ لاح لهم / في عَيْنِ مُوسى كليمِ اللهِ ما صَدَفوا
هبَّ ابنُ مسلمةٍ للحقِّ يَنصرُه / وللرسولِ يُريه كيفَ يَزدهِفُ
فقال دُونكَ سعداً إن هممتَ بها / شَاوِرْهُ فيها فَنِعمَ الحاذقُ الثَّقِفُ
قَضى ثلاثةَ أيامٍ على سَغَبٍ / وللمجرِّبِ ذي التدبيرِ ما يَصِفُ
وجاءَ في صحبِهِ يستأذنونَ على / تَقْوَى من اللهِ ما مالوا ولا جَنَفُوا
قال الرسولُ لكمُ في القومِ مأربُكم / ماذا على الدُّرِّ ممّا يُوهِمُ الصَّدَفُ
هِيَ القلوبُ فإن طابتْ سَرائرُها / فما بأفواهِكم عَيْبٌ ولا نَطَفُ
مَضوْا فقالوا لكعبٍ أنتَ مَوئلُنا / أنت الحِمى المُرتجى في الأزْلِ والكَنَفُ
أما ترانا جِياعاً لا طعامَ لنا / حتّى لقد كادَ يَغْشَى أهلَنا التَّلَفُ
لم يُبقِ صاحِبُنا شيئاً نَعيشُ بهِ / فالزّادُ مُنتهِبٌ والمالُ مُجترفُ
إن أنتَ أسلفتَنا ما نَستعيدُ به / رُوحَ الحياةِ فَغَيْثٌ ودْقُهُ يَكفُ
قال الحلائلُ رَهْنٌ ولا طعامَ لكم / إلا بهنّ فقالوا مَطلبٌ قُذُفُ
تأبَى علينا سَجايانا ويمنعُنا / هذا الجمالُ الذي أُوتيتَ والتَّرَفُ
قال البنونَ فقالوا لا تَكُنْ عَسِراً / البؤسُ أهونُ ممّا رُمْتَ والشَّظَفُ
خُذِ السِّلاحَ وإن كَلَّفْتَنا شَططاً / إنّ الشدائدَ فيها تَسْهُلُ الكُلَفُ
لم يَدْرِ مأْرَبهم إذ يسخرونَ بهِ / وإذ يُريدونَها دَهماءَ تُلتحَفُ
قال ارتضيتُ فقالوا غُمَّةٌ ذَهبت / عنّا غياهِبُها وَانْجابَتْ السُّدُفُ
وأرجأوهُ إلى إبَّانِ مَوْرِدهِ / يَعُبُّ من سُمِّهِ المُردِي ويَرتشِفُ
جاءوه باللّيلِ مَسروراً بغرفته / وليس يُنجِي الفتى من حَتفِهِ الغُرَفُ
وَرَنَّ صَوتُ أخيهِ عندَ مضجعهِ / اُخرُجْ إلينا أما تَنْفَكُّ تَعْتَكِفُ
فَهَبَّ يركضُ وَارْتاعتْ حَلِيلَتُه / مَهْلاً فإنّ فُؤادي خائِفٌ يَجِفُ
أنت امرؤٌ ذُو حروبٍ لا يُلائِمُه / أن يستجيبَ ذَوِي الأضغانِ إن دَلفوا
إنّي لأسمعُ صَوْتاً لستُ آمنُهُ / كأنّه الدمُ يَجرِي أو هُوَ الجَدَفُ
قالَ اسْكُتِي ودَعينِي إنّه لأخي / يَخْشَى عليَّ فَيرعاني وينعطِفُ
وراحَ يلقاهُ والإسلامُ مُبتسِمٌ / والشِّركُ مُتَّسِمٌ بالحزنِ مُرتجِفُ
وافاهُ في صَحْبِهِ يُدنِي الخُطَى عَبِقاً / كأنّه ذاتُ دَلٍّ زَانها هَيَفُ
قالوا أتمشِي إلى شِعبِ العجوزِ ففي / هذا الخلاءِ جَنىً للنفسِ يُخْتَرَفُ
وَانْظُرْ إلى القمرِ الزَّاهِي وبَهجتِهِ / وَاعْجَبْ له بعد هذا كيفَ يَنكسِفُ
ساروا إلى الشِّعبِ والأقدارُ تَتبعُهم / على هُدى اللهِ ما زَاغَتْ ولا اعْتَسَفُوا
حتّى إذا قعدوا ظَلَّتْ بموقفِها / وأقبلَ الموتُ عن أيمانِها يَقِفُ
وتِلكَ كفُّ أخيهِ فَوْقَ مَفْرقِهِ / كأنّها من جَنيِّ الزّهرِ تَقْتَطِفُ
يَشُمُّها ويقولُ القولَ يَخَدَعُه / في الطِّيبِ وَهْوَ له من خلفهِ هَدَفُ
ظَلَّتْ سيوفُ رسولِ اللهِ تأْخذُهُ / تَشُقُّ ما ضربتْ منه وتَنْتَقِفُ
يا حُسْنها صَيحةً من فيهِ يُرسِلُها / كادتْ تَخِرُّ لها من دارِهِ السُّقُفُ
لم تستطع عِرسُهُ صَبْراً فَجاوبَها / صَوْتٌ يُجلجِلُ أودَى السَّيِّدُ اللَّقِفُ
بَني قَريظةَ هُبُّوا من مَضاجِعكم / بني النَّضيرِ انْفرُوا للثأرِ وَازْدَلِفُوا
عَدا الرجالُ على كعبٍ فوالهفا / أين الحماةُ وماذا يَصنعُ اللَّهَفُ
تَبكِي عليه وماذا بعدَ مصرعِهِ / إلا البكاءُ وإلا الأدمعُ الذُرُفُ
إنّ الذي كان يَثْنِي عِطْفَهُ صَلَفاً / أمسى صَريعاً فلا كِبْرٌ ولا صَلَفُ
عادوا بهامتِهِ تُلْقَى مُذمَّمةً / عِندَ الرسولِ ومنه الصَدُّ والنَّكَفُ
طار اليهودُ على آثارهم فأبَتْ / أن يُدرَكوا هِمَمٌ تَرْمِي بهم عُصُفُ
اللَّهُ أكبرُ والحمدُ الجزيلُ له / نَصرٌ جديدٌ وفضلٌ منهُ مؤتَنَفُ
رِيعَتْ يهودُ فجاءَتْ تَبتَغي حِلفاً / عُودِيَ يَهودُ فنعمَ العهدُ والحلفُ
هَيهاتَ مالكِ من عهدٍ ولو حَمَلَتْ / مِلءَ البسيطةِ من أيْمانِكِ الصُّحفُ
عَبّادُ قُلْ إنّ في الأشعارِ تذكرةً / وإنَّ أحسنَها ما أورثَ السَّلَفُ
غَنِّ الرِّفاقَ بِوَحيِ الحقِّ تُنشِدُهُ / مَضَى النعيبُ وأودَى الشاعِرُ الخَرِفُ
أأنت يا ابنَ رِزامٍ تَغلِبُ القَدَرا
أأنت يا ابنَ رِزامٍ تَغلِبُ القَدَرا / جَرِّبْ لك الويلُ من غِرٍّ وسوف ترى
جَرِّبْ أُسَيْرُ ولا تَجزعْ إذا عَثرتْ / بك التجاريبُ إنّ الحُرَّ من صبرا
كذبتَ قومك إنّ الحقَّ ليس له / من غالبٍ فَاعْتَبِرْ إن كنتَ مُعتبِرا
هيهاتَ مالكَ إلا الغَيُّ تتبعُهُ / والغيُّ يتبعه في النَّاسِ من فجرا
بِئسَ الأميرُ وبئسَ القومُ إذ جعلوا / لك الإمارَةَ كيما يُداركوا الظَّفرا
الظّافرونَ بنو الإسلامِ لا فَزَعاً / يرى العِدَى في الوغَى منهم ولا خَوَرا
همُ الأُلَى يُلبِسونَ الحربَ زِينتَها / إذا تَعَرَّتْ وَولَّى الذّادةُ الدُّبُرا
ماذا تُحاوِلُ بالأشياعِ تَندبُهم / حاولت يا ابنَ رِزامٍ مطلباً عَسِرا
ظَنَنْتَها غزوةً تَخفَى مكائدها / فما احتيالُكَ في السِرِّ الذي ظَهَرا
لو لم يُوافِ رَسولَ اللّهِ مُخبِرُهُ / وافاهُ مِن ربِّهِ مَن يحمِلُ الخبَرا
كم فَضَّ جِبريلُ مِن صَمَّاءَ مُغْلَقَةٍ / أنْحَىَ على سِرِّها المكنونِ فاشتهرا
على أبي رافعٍ فَلْتَبْكِ مِن أسَفٍ / وَاسْتَبْقِ نفسَكَ إنْ كُنْتَ امرأً حذرا
ذلت يهود فما يرجى لها خطرٌ / على يدي من نهى فيها ومن أمرا
دَعْها أُسيْرُ لكَ الويلاتُ من رجلٍ / ضَلَّ السَّبيلَ فأمسى يَركبُ الغَررَا
ألستَ تُبصِرُ عبدَ اللهِ في نَفَرٍ / أعْظِمْ به وبهمْ من حَولِهِ نَفَرا
جاؤوكَ يا ابنَ رِزامٍ لو تطاوعُهم / لأذهبَ اللَّهُ عنكَ الرِّجسَ والوَضَرا
لكنّك المرءُ لو ترميهِ صاعقةٌ / تَنهاه عن نَزعاتِ الغَيِّ ما ازْدجَرا
رَدُّوا لكَ الخيرَ تُسدِيه إليكَ يدٌ / ما مِثلُها من يدٍ نَفْعاً ولا ضَرَرا
قالوا انْطَلِقْ معنا إن كنتَ مُنطلقاً / فأْتِ الرَّسولَ وَسَلْهُ تبلغِ الوَطَرا
ما شِئتَ مِن سُؤْدُدٍ عالٍ ومن شَرَفٍ / على اليهودِ ويَجزِي اللَّهُ من شكرا
أبَى وراجعَهُ من نفسه أمَلٌ / أغراهُ بالسَّيرْ حتَّى جَدَّ مُبتَدِرا
ثُمَّ انثنَى يَتمادَى في وَساوِسه / يَظنُّ ذلك رأياً منه مُبتَسَرا
واختارَها خُطَّةً شَنعاءَ ماكرةً / فحاقَ بالجاهلِ المأفونِ ما مكرا
أرادَ شرّاً بعبدِ اللَّهِ فَانْبعثتْ / مِنْه صَرِيمةُ عادٍ يَنقُضُ المِرَرا
رَآهُ أَخْوَنَ مِن ذئبٍ فَعاجَلَهُ / بالسَّيفِ يُوردُه مِنه دماً هَدَرا
وَانْقضَّ أصحابُه يَلْقونَ من معهُ / مِن قومِهِ فاستحرَّ القتلُ وَاسْتَعَرا
لم يتركِ السيفُ منهم وَهْوَ يأخذُهم / إلا حُشَاشَة هافٍ يَسبقُ البصرا
مَضَى مع الرِّيحِ لا يأسَى لمهلِكِهِم / ولا يُبالي قضاء اللَّهِ كيفَ جَرَى
كذلك الغدرُ يَلْقَى الويلَ صاحِبُه / وكيف يأمنُ عُقْبَى السُّوءِ من غَدَرا
بَنِي المُلَوَّحِ لا حَامٍ ولا واقِ
بَنِي المُلَوَّحِ لا حَامٍ ولا واقِ / طَافَ الرَّدَى وتَلاقَى الشَّرْبُ والسَّاقِي
أتتكُمُ المرهفاتُ البِيضُ زائرةً / فاستقبلوها بهاماتٍ وأعناقِ
مشى بها غالبٌ في غيرِ ما وَهَنٍ / يَلُفُّ للحربِ آفاقاً بآفاقِ
رَمَتْ به هِمَمُ الإيمانِ مُمعنةً / فالشِّرْكُ يَرجُفُ من خوفٍ وإشفاقِ
ما خطبُ هذا الذي لاقَتْ فوارسُهُ / عِندَ القديدِ أيَمضِي غير مُعتاقِ
كلا فإن يَكُ حقّاً ما يقولُ فما / فيما يُريدُونَ من ظُلمٍ وإرهاقِ
يُقيمُ حتى يَعودوا ثم يَصحبُهُم / إلى الرسولِ على عهدٍ وميثاقِ
وإن يكن كاذباً فالسَّيفُ صاحبُهُ / والسَّيفُ صاحبُ صدقٍ غيرِ مَذَّاقِ
جاءوا الكَدِيدَ فما يَغْفَى رَبِيئَتُهُم / والنّومُ يلهو بأجفانٍ وأحداقِ
ولاح باللّيلِ فوقَ التَّلِّ مَنظرُهُ / لساهرٍ قام من ذُعرٍ على سَاقِ
رَمَى بِسهمَيْنِ لم يُخْطِئ له نَظَرٌ / ولم يُجاوِزْهُ في نَزْعٍ وإغراقِ
انْزَعْهُما ابنَ مكيثٍ لا تَكُنْ جَزِعاً / ولا تُرَعْ لِدَمٍ في اللهِ مُهرَاقِ
ويا سيوفَ رَسولِ اللهِ لا تَدَعِي / للعاكِفينَ على الأصنامِ من بَاقِ
النّازِلينَ وَراءَ الحقِّ منزلةً / ما اختارَها غيرُ فُجّارٍ وَفُسّاقِ
ما يُنكِرُونَ من الدِّينِ الذي كرهوا / هل جاءَ إلا بآدابٍ وأخلاقِ
دِينُ السجايا العُلَى تَمضِي بهم صُعُداً / ما تستطِيعُ مَدَاها هِمَّةُ الرّاقِي
دِينٌ هو الغُلُّ يَنْهَى كلَّ مُبَتدِعٍ / يرمي النُّفُوسَ بأغلالٍ وأطواقِ
لا يَحبسُ النَّفسَ إلا حينَ يُطلقُها / وليس يَظلِم في حَبْسٍ وإطلاقِ
بَنِي الملوَّحِ رُدُّوا مِن غَوايَتِكم / فالحقُّ ذُو وَضَحٍ بادٍ وإشراقِ
هو الشِّفَاءُ لأداوءِ النّفوسِ إذا / حَارَ الطبيبُ وأَمْسَى رَهْنَ إخفاقِ
أتَصْدِفُونَ عَنِ المُثلى وقد هَتَفَتْ / بها الدُّعاةُ فَلَبَّى كلُّ سَبَّاقِ
لولا العَمَى مَا اقْتَدَيْتُمْ في ضَلاَلَتِكُم / بمعشرٍ من قُريشٍ غيرِ حُذّاقِ
والنّاسُ من زُعماءِ السُّوءِ في خَبَلٍ / يُؤذِي الطبيبَ ويُعيي حِكمةَ الرَّاقِي
يا وَيْلَكُم إن رَضِيْتُمْ جَوْفَ مُظلِمَةٍ / مَسْجُورةٍ ذاتِ أطواءٍ وأعماقِ
ماذا صنعتم بخيلِ اللهِ حين دعا / يَسْتَصرِخُ الحيَّ منكم كلُّ نَعَّاقِ
طارت بكم غارةٌ حَرَّى فأطفأها / وَادي قَدِيدٍ بِسَيْلٍ منه دَفَّاقِ
لا تنكروا وقضاءُ اللهِ يُرسِلُهُ / ما كانَ من دَهَشٍ جَمٍّ وإطراقِ
أعظِمْ بها آيةً لولا جَهالَتُكُمْ / كانت لخيرِ البرايا خيرَ مِصدَاقِ
سيقتْ لِنُصْرَتِهِ الأقدارُ تَمنَعُكُم / أن تُدرِكُوا جُنْدَهُ من كلِّ مُنْساقِ
وأنتَ يا أيّها المُزْجي مَطِيَّتهُ / إلى الرسولِ يُوالي سَيْرَ مُشتاقِ
أصبتَ من نِعمةِ الإسلامِ كَنْزَ هُدَىً / أغناكَ ربُّكَ منه بَعْدَ إملاقِ
فَاسْعَدْ برزقِكَ وَاشْكُرْ مَن حَبَاكَ به / سُبحانَهُ مِن عظيمِ الفَضْلِ رزَّاقِ
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ / ساروا سِراعاً فما في القومِ من وَانِ
حِيدي جُهَيْنَةُ أو بِيدي مُذَمَّمةً / حُمَّ القضاءُ وخَفَّتْ أُسْدُ خفّانِ
سريّةُ اللهِ ترمي عن يَدَيْ بطلٍ / عالي اللواءِ رفيعِ القَدْرِ والشّانِ
أبا عُبيدَةَ أَوْرِدْها مُظَفَّرَةً / مَوارِدَ النّصرِ تَشفِي كلَّ حَرّانِ
ما للحفِيظَةِ إن جاشَتْ مَراجِلُها / إلا القواضِبُ تُسقَى بالدّمِ القاني
خانت قُريشُ وأمسى عَهدُها كَذِباً / فَبَادِرِ العيرَ وَاضْرِبْ كُلَّ خَوَّانِ
لا يعجبنّ جُناةُ الشرّ إن حَصَدوا / ما يزرعُ الشُّؤْمُ من بَغْيٍ وعُدوانِ
لا تبتئسْ بجرابِ التمرِ يحملُهُ / أولو الحميَّةِ من صَحْبٍ وإخوانِ
أُعجوبةٌ ما لها في الدّهرِ من مَثَلٍ / لكنَّ ربَّكَ ذُو فضلٍ وإحسانِ
إن يَنفدِ الزّادُ أغناكم وزوّدكم / ما ليس يَنفدُ من تقوىً وإيمانِ
كُلُوا من الخَبْطِ نِعمَ الخَبْطُ من أُكُلٍ / لكلّ ذي سَغَبٍ في اللهِ طَيَّانِ
حيّاكُمُ اللهُ من صِيدٍ غَطَارِفَةٍ / يلقون في البؤسِ عيشَ النّاعمِ الهاني
هِيَ النّفوسُ بناها اللهُ من شَممٍ / نِعمَ البناءُ وجَلَّتْ قدرةُ الباني
وأنتَ يا قيسُ فانْحَرْها مُبَارَكةً / تَجنِي بها الحَمْدَ يسْتَعلِي به الجاني
أسديتَها يا ابنَ سعدٍ خيرَ عارفةٍ / جاءَتْ على قَدَرٍ في خيرِ إبّانِ
ما في صَنيعِكَ من بِدْعٍ ولا عَجَبٍ / قَيسٌ ووالدُهُ في الجودِ سِيّانِ
كِلاكُما وسيوفُ اللهِ شاهدةٌ / غَوْثُ اللّهيفِ وَروْحُ البائِسِ العاني
ما أقربَ الحقَّ ممّا يَبتغي عُمَرٌ / لو لم تكنْ لأبٍ للحقِّ صَوَّانِ
يَقضيهِ عنكَ وإن أربيتَ تجعلُهُ / ما تحملُ الأرضُ من إبْلٍ ومن ضَانِ
ما مِثلُ ما قَدَّمَتْ للهِ منك يدٌ / ما قَدَّمَ النّاسُ من هَدْيٍ وقُربانِ
أبا عُبَيْدَةَ لولا أن عزمتَ على / قيسٍ لأَمعنَ قيسٌ أيَّ إمعانِ
يَقولُ إذ رُحتَ تَنهاهُ وتَمنعُهُ / أبا عُبيدَةَ مَهْلاً كيف تنهاني
أنا ابنُ سعدٍ وسعدٌ أنتَ تعرِفُهُ / مَوْلَى العشيرَةِ من قاصٍ ومن دانِ
يَكفي المُهِمَّ إذا ضاقَ الكُفاةُ به / ويُطعِمُ النّاسَ من مَثْنَىً وَوُحدَانِ
أأصنعُ الصُّنْعَ مَحموداً فَيخذِلُني / أبٌ أراه لغيرِي خيرَ مِعوانِ
لا يُبعِدِ اللهُ منه والداً حَدِباً / سمحَ الخلائِقِ أرعاهُ ويرعاني
يا قيسُ إنّ رسولَ اللهِ شاهِدُهُ / فَعَدِّ نَفسَكَ عن وصفٍ وتبيانِ
رَمَتْ جُهَيْنَةُ بالأبْصَارِ من فَزَعٍ / فلم تَجِدْ غيرَ أبطالٍ وفُرسانِ
لاذَتْ بأكنانِها القُصوى ولو قَدرتْ / لاذتْ من الزّاخرِ الطّامِي بأكنانِ
وولّتِ العِيرُ يخشى أن يُحاطَ بها / من الأُلَى هُمْ ذَووها كلُّ شيطانِ
ماذا على القَوْمِ يرضَى البأسُ إن غَضبوا / أن لا يفوزوا بأكفاءٍ وأقرانِ
آبوا بخيرٍ وآبتْ كلُّ طائفةٍ / من الأُلى كَرِهوا الحُسْنَى بِخُسرانِ
للحقِّ سُلطانُهُ فليأتِ مُنكِرُهُ / إنِ اسْتَطاعَ له رَدّاً بِسُلطَانِ
ما حُجَّةُ الشِّركِ والأكوانُ شاهِدَةٌ / بواحدٍ سَرمَدِيِّ المُلكِ دَيّانِ
سُبحانهُ لن يُصيبَ الجاهلونَ على / طُولِ التَّوهُّمِ من ربٍّ لهم ثانِ
طاحَتْ بهم غَمرةٌ ما تَنجَلي وطَغَتْ / على عُقولٍ لهم مَرْضَى وأذهانِ
تلك البراهينُ تترى كلَّ آونةٍ / لو كان ينتفعُ الأعمى بِبرهانِ
أخا جُهَيْنَةَ عُدْ في منظرٍ بَهِجٍ / عَوْدَ امرئٍ مَرِحِ الأعطافِ جَذلانِ
تَمْرٌ وكُسْوَةُ مِعطاءٍ وراحلةٌ / بُشْرَى الصّديقِ وبؤْس الحاسِدِ الشّاني
عَرَفَت قيساً فتى مجدٍ ومكرمةٍ / صدقتَ إنَّكَ ذو علمٍ وعرفانِ
نَبِّئْ جُهَينَةَ واذكرها يداً عظمتْ / فليس في الحقِّ أن تُجزَى بنسيانِ
إذا تدفَّقَ دِينُ المرءِ في دمِهِ / سَرَتْ معانِيهِ في رُوحٍ وجُثمانِ
ما الدينُ يُشرَعُ من صدقٍ ومن وَرَعٍ / كالدينِ يُشرَعُ من زورٍ وبُهتانِ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ / مِن الحَياةِ وَتجفوه إِلى حينِ
لا تجزعنَّ لِطُولِ البَينِ إِن جَزعَت / أَطلالُ كلِّ شَجيِّ الرَسم محزونِ
لَسَوفَ تَقضي النَوى مِن بَعدنا عَجَباً / لِمُقفرٍ بِعوادي الدَهرِ مَسكونِ
بَنَيتَ مِن زُخرفِ الدنيا وَباطِلها / فالقَ العَفاءَ وَدَعنِي في حَمى الدينِ
نَبِّئ سِوايَ فَما لي حِينَ تُخبرني
نَبِّئ سِوايَ فَما لي حِينَ تُخبرني / بَأسُ الحَديدِ وَلا صَبرُ الجَلاميدِ
ماذا حَملتَ مِن الأَنباءِ لا رُزِئَت / أُذني وَعَيني بِمَسموعٍ وَمَشهودِ
خادَعت أُذني فَلم أَسمَع بِصالحةٍ / وَخُنتُ عَيني فَلم أُبصِر بِمودودِ
دَعني أَصمَّ عَنِ الدُنيا وَساكنها / أَعمى عَنِ الدَهرِ في أَحداثِهِ السُودِ
إِنّي تَزوّدتُ قَبل اليَومِ داهيةً / دَهياءَ أَحملُ مِنها فَوقَ مَجهودي
قُل لِلفَجائعِ شَتّى لا عِدادَ لَها / كُفّي أَذاكِ عَنِ الباكين أَو زيدي
مَهلاً بَني الشَرقِ لا تَعطِف بِكُم هِمَمٌ
مَهلاً بَني الشَرقِ لا تَعطِف بِكُم هِمَمٌ / الشَرقُ مِنها مَروعُ السِربِ مَزؤودُ
قَومٌ هُمُ الجِنُّ سُلطاناً وَمَقدِرَةً / إِن كانَ لِلجِنِّ صُنعٌ بَعدُ مَشهودُ
شَقّوا الجِواءَ فَلا بابُ السُّهى غُلُقٌ / وَلا السَبيلُ إِلى الجَوزاءِ مَسدودُ
الغَربُ في بَرَكاتِ العِلمِ مُنغَمِسٌ / وَالشَرقُ في ظُلُماتِ الجَهلِ مَوؤودُ
بادَت لَهُ صُحُفٌ بيضٌ مُطَهَّرَةٌ / وَاِستُحدِثَت صُحُفٌ قارِيَّةٌ سودُ
دُنياهُ وَحشِيَّةُ الأَطماعِ فاتِكَةٌ / وَدينُهُ فاحِشُ الأَخلاقِ عِربيدُ
دينٌ مِنَ الغَيِّ يَطغى في مَعابِدِهِ / رَبٌّ مِنَ الذَهَبِ الوَهّاجِ مَعبودُ
وَلَن تُقيمَ يَدُ الباني وَإِن جَهَدَت / دُنيا الشُعوبِ وَرُكنُ الدينِ مَهدودُ